التصوف والتربية الروحية "السمو الأخلاقي في التصوف الإسلامي"
يعتبر التصوف علما للأخلاق وموضوعه اكتمال العقائد وتطهير النفوس وتحسين الأخلاق الكريمة والطباع المستقيمة.هدفه وغايته بلوغ الذات العليا، والمحبة فيها والفناء في ذاتها ،فالتربية التي وضعها أئمة الصوفية تقوم على العمل الصالح الذي يقوي الجانب الروحي ،و يعمل على كبح جماح شهوات النفس وملذاتها فيفسح المجال للفكر أن ينطلق عبر مجالاته. فالتصوف بمعناه العام هو تلك النزعة العالمية التي وجدت مع الإنسان منذ القديم، والتي كان أساسها هو الزهد في الدنيا وغايتها هي الاتصال بالملأ الأعلى مصدر كل خير وفيض وإشراق.
والتصوف بهذا المعنى لا يقتصر على أمة بعينها ولا حضارة بذاتها ،ولا يختص بديانة من الديانات، أو فلسفة من فلسفات فقد وجد التصوف في القديم بين الإغريق، في فلسفة فيثاغورس، كما عرف أيضا لدى الفرس في فلسفة ماني، و زرادشت، ولدى هنود في فلسفة بوذا وبرهما، وفي اشتملت عليه الفيدا الهندية من تعاليم.وكما عرفت اليهودية والنصرانية تصوف ، وكما كان في الإسلام أيضا تصوف، ولكن لكل من التصوفات الثلاث طابعه الخاص المميز له عما عداه.فما هو التصوف؟وماهي أهم مميزاته و أبعاده ؟
مفهوم التصوف
احتل التصوف مساحة واسعة في كتابات الباحثين، وذلك لما أثاره هذا اللفظ من اختلافات في تعريفاتهم ومن ثم تعددت تعريفاته وقد عرض عبد الرحمن بدوي مجموعة من هذه التعريفات في الموسوعة الفلسفية ج1 . اد يقول "اسم الصوفية محدث ولم يوصف به أحد من أصحاب رسول الله ولا بعدهم. ولا يعرف الناس إلا العباد والزهاد والسياسيين والفقراء وقيل لأحد من أصحاب الرسول صوفي ، إنه اسم محدث أحدثه البغداديون[1]
ونقل عن عبد الرحمن الجامي المتوفي 898ه، أنه رأى أول من حمل اسم "صوفي" هو هاشم الكوفي هذا الذي عاش في النصف الأول من القرن الثاني للهجرة (الثامن الميلادي)، بينما يرى القشري المتوفي 466ه يرى أن هذا الاسم انتشر قبل مائتين للهجرة (895م)[2]
أما ابن خلدون فيرى أن هذا العلم نشأ مع بداية القرن الثاني للهجرة ليتطور بعد ذلك إبان القرون اللاحقة، وهذا بعد ما تفش الإقبال على الدنيا والتمسك بزخرفها الخلب، وبهجتها الزائلة، حيث اتجهت طائفة من المسلمين إلى العبادة والزهد في الدنيا فأطلقت عليهم تسمية الصوفية.[3]
اشتق اسم الصوفية من الصوف بوصفه للباس الغالب على هؤلاء[4]. وقد طعن في هذا التفسير القشيري على أساس أن الصوفية لم يختصوا بلباس الصوف دون غيره من الأقمشة يقول القشري " التصوف .... هذه التسمية غلبت على هذه الطائفة فيقال رجل صوفي، وللجماعة الصوفية ومن يتوصل إلى ذلك يقال له متصوف وللجماعة المتصوفة وليس يشهد لهذا الاسم من حيث العربية قياس ولا اشتقاق، والأظهر فيه أنه كاللقب فأما قول من قال أنه من الصوف، والتصوف، إذ ليس الصوف بلبس الصوف وهناك من قال أنهم منسوبون ولكن القوم لم يختصوا إلى صفة مسجد رسول (ص)[5]
إنهم سموا بذلك نسبة إلى أهل "الصفة" والمقعد، وكان لقبا أعطى لبعض الفقراء المسلمين في عهد الرسول والخلفاء الراشدين ممن لم تكن لهم بيوت يأوون إليها فكانوا يأوون إلى مقعد مغطى خارج المسجد، والذي أمر الرسول ببنائه في المدينة[6].
اسم الصوفية مشتق من "الصفا" وأن الصوفي هو الذي صافى فصوفي لهذا اسمي الصوفي. كما قيل في بعض الشعر بمعنى انهم صفوا من الشرور وأكدار الدنيا وشهواتها.غير أن القشيري يخالف بعض الآراء و يقول "بالنسبة إلى صفة لاتجيء على نحو " الصوفي- ومن قال أنه من الصفاء باشتقاق الصوفي من الصفاء بعيد في مقتضى اللغة ،وقول من قال أنه مشتق من الصف فكأنهم في الصف الأول بقلوبهم من حيث المحاصرة من الله تعالى، فالمعنى صحيح، ولكن اللغة لا تقتضي هذه النسبة إلى الصف.[7] في حين قال بشير بن الحارث "الصوفي من صفا قلبه لله، وقال بعضهم الصوفي من صفت لله معاملته فصفت له من الله عز وجل كرامته".أما ابن الجوزي المتوفي عام 597 فقدم قصة لتحليل كلمة تصوف فيرى أن أول من انفرد بالزهد وخدمة الله سبحانه وتعالى عند بيته الحرام رجل يقال له صوفه واسمه الغوث ابن مر "فانتسبوا إليه لمشابهتهم إياه في الانقطاع إلى الله سبحانه وتعالى فسموا بالصوفية وقال لما سمى" الغوث بن مر " صوفه لأنه ما كان يعيش لأمه ولد فلما وفت بنذرها وضعته "ربيطا للكعبة ،فأرهقه حر المكان وأذبله، فقالت حين شاهدته على هذا الحال "ما صار ابني إلا صوفة فتلقفتها أفواه العرب وأطلقتها عليه وعلى طائفة كانت تتولى بعض المناسك"[8].وقد ربط البعض بين التصوف والفلسفة اليونانية بحيث اعتبرها البعض أنها مأخوذة من كلمة صوفيا اليونانية التي تعني الحكمة...فالصوفي المسلم يبتغي كذلك الحكمة الإلهية "العارف بالله" .
الأساس الأخلاقي للتصوف:
إن كل هذه التعريفات تبقى مجرد احتمالات واجتهادات شخصية ليست يقينية ولا موضوعية وإلا لما نتج عنها اختلاف لذا يصعب وضع تعريف جامعا مانعا للتصوف. ومع ذلك يمكن نستكشف بعض التعريفات التي توضح الجانب الأخلاقي فيه بقول بن علي القصاب وهو أستاذ الجنيد. عن التصوف "أخلاق كريمة، ظهرت في زمن كريم، ومن رجل كريم مع قوم كرام."أي أن أهم أسس التصوف هو التحلي بالأخلاق الفاضلة التي حث عليها الإسلام، وفي هذا يقول الجنيد البغدادي " الصوفي كالأرض يطرح عليها كل فيح ولا يخرج منها إلا كل مليح." ويصفه أيضا" أنه كالمطر يسقي كل شيء" ويعبر عن ذلك الكتاني فيقول التصوف خلق فمن زاد عليك في الخلق فقد زاد عليك الصفا.[9]
ويقول أبو حفص الحداد "التصوف كله أدب، لكل وقت أدب ولكل مقام أدب، ولكل حال أدب، فمن لزم آداب الأوقات بلغ مبلغ الرجال، ومن ضيع الآداب فهو بعيد من حيث يظن القرب ومردود من حيث يظن القبول: إن التصوف آداب في جميع الأوقات وفي سائر الأحوال والمقامات فمن لم يتحقق بآدابه باء بالخسران.
لقد أشتهر الكثير من المتصوفة بالسمو الأخلاقي الكريم حيث اتصفوا بأروع الصفات الأخلاقية، واتخذوا الفضيلة مذهبا وشعارا مما قد جعل بعضهم مثاليين في محيطهم الأخلاقي والاجتماعي.فالخلق هو جانب من جوانب التصوف، ولكنه يكتسي أهمية بالغة فيه.يقول رويم التصوف بني على ثلاث خصال: التمسك بالفقر والافتقار إلى الله والتحقق بالبذل والإيثار، وترك التعرض والاختيار.[10] و يقول الجنيد" الصوفي من أحس قلبه سلامة من الدنيا كما أحسها قلب إبراهيم فأطاع أوامر الله، ومن كان تسليمه كتسليم إسماعيل وحزنه كحزن داوود، وفقره كفقر عيسى، وشوقه كشوق موسى في مناجاته، وإخلاصه كإخلاص محمد (ص).
فتصوف له قيم أخلاقية معينة ويهدف إلى تصفية النفس من أجل وصول هذه القيم، لابد بمجاهدات بدنية ورياضيات نفسية معينة، لا يشعر معها بذاته أو بأنيته، كما يشعر ببقائه مع حقيقة أسمى مطلقة "أي الفناء في الحقيقة المطلقة"،فالخاصة المميزة لكل أنواع التصوف هو أنه يعمل على قهر دواعي شهوات البدن أو ضبطها وإحداث نوع من التوازن النفسي، الذي يجعل الصوفي متحررا من كل مخاوف شاعرا براحة نفسية عميقة أو طمأنينة تتحقق معها السعادة. ويتجاوز كل الصراعات والتناقضات، إذ تجعل قلب العارف محل التجلي الإلهي، وقد قال في هذا أحمد بن عاصم الإنطاكي "إن أقل اليقين إذا وصل إلى القلب بملأ القلب نورا وينفي عنه كل ريب ويمتلئ القلب به شكرا، ومن الله خوفا."[11]
وقال ابن عطاء: على قدر قربهم من التقوى أدركوا ما أدركوا من اليقين، وأصل التقوى مباينة النفس فعلى قدر مفارقتهم النفس وصلوا إلى اليقين." إذا كان غاية التصوف هي الوصول للحق عن طريق الحقيقة فهي مسار طويل ملء بالجاهدات والمغالبات مع النفس وشهواتها وأطماعها وتنقيتها من الأكدار والأوساخ. والتصوف سير في معارج الروح والترقي الروحاني إلى مقامات يتدرج فيها الإنسان بالرياضة والمراقبة الدقيقة للنفس،بالمحبة والمعرفة ،إلا أن أئمة المتصرفة يختلفون في أيهما أرفع المعرفة أم المحبة وإن اتفقوا في أن المحبة أرفع والمعرفة آخر المقامات الصوفية وفي كل الأحوال لا تعني المعرفة معارف وطرائق العقل. فالعقل الجزئي لا يستغني عن الحس والمنطق وكل مدار المحبة هو القلب الذي يحمل الصوفي إلى آخر المراقى العرفانية ويحتاج المزيد الشيخ الضليع العارف بالطرق ليقوده عبرها بأمان وقد تعرض الصوفي المراكشي ابن العريف للفضائل الروحية بقوله "لولا ظلام الوجود الانفصالي لتجلى نور الذي لا تدركه الأبصار ،لولا تجربة الروح البهيمية لأرتفع ذلك الحجاب، ولولا وجودها يقتضي خلق الطبيعة لتحولت القدرة الإلهية إلى نور غامر." ويتابع إبداء وجهة نظره في علاقة الروح بالنفس، كاشفا عن خبايا الصراع الأزلي الذي يتجلى ساخنا بين الخير والشر وبين النور والظلام،وبين الإحسان والإساءة فيقول "لولا النفاق لكانت المعرفة خالصة، لولا الطمع لرسخ حب الله في الروح، لولا بقاء بعض اللذات العالمية لكانت حرارة حب الله استغرقت نفوس الناس، لو بطل وجود الخدم لخدم السيد نفسه."[12]
من خلال دراسة هذه أقوال الصوفية وتعريفهم لعلم التصوف يتضح بصورة عامة عناية التصوف بالأخلاق، واهتمامه بالسلوك والإنسان. "فالتصوف في جوهره ومضمونه هو الأخلاق بحيث أنه يدور حول النظام الأخلاقي، فلقد كانت حياة المتصوفة صورة حية للمثل العليا والتخلق بالأخلاق الفاضلة لأن التصوف أخلاق كريمة من قوم كرام، من أجل غاية شريفة هي الصلة بالله إذ لا يتصور الإنسان مكان هذا الاتصال والحصول على السعادة دون أن يسمو الإنسان خلقا وأن يتهذب سلوكا، يقول القشيرى في هذا المعنى "من لم يدخل فيما بينه وبين الله على مكارم الأخلاق لم يتهن بعيشه في دنياه وآخرته."[13]
فاهتمام المتصوفة بالأخلاق لم يكن حديثا وبحثا في اللفظ وإنما ممارسة باعتبارها سلوك وطريق للسمو الأخلاقي، والتصوف طريق ومنهم قبل أن يكون قولا ونظرا.
لقد اعتنى المتصوفة بإصلاح النفس وتهذيب السلوك وطهارة الباطن ذلك في أن النفس الإنسانية قوتان، قوة الشهوة وقوة العقل فبالأولى يحرص الإنسان على تناول اللذات البدنية والبهيمية والثانية تحرص على تناول العلوم. فبهذه القوة هي تجعل الإنسان يستطيع أن يتخلق بالأخلاق الحسنة، فقد جعل الله له سبيلا إلى إسلاس أخلاقه."[14]
وتحرى مكارم الشريعة يحتاج إلى أن يصلح الإنسان نفسه، بتهذيب نفسه قبل غيره.[15] وتبدأ مكارم الشريعة بطهارة النفس بالتعلم لكي تصل إلى الجود والصبر لتدرك الشجاعة والعلم والعدالة لتصبح أفعال "فالمجاهدة هي ترك الشهوات وتقوية النفس وكفها عن الانغماس في ملذات الدنيا."[16]
الأخلاق الصوفية ودورها في علاج النفس الإنسانية:
كان التصوف في القرن الثالث والرابع علما بالأخلاق الدينية لذا فقد ارتبط هذا البحث الأخلاقي بالبحث في النفس الإنسانية وتضيف قواها، وتبيان أفاتها وأمراضها وطريق الخلاص منها، وهكذا كان التصوف مطبوع بطابع نفسي أخلاقي. ذلك أن بحثهم في الأخلاق قام على أساس تحليل النفس الإنسانية لمعرفة أخلاقهم الذميمة ولإحلال الأخلاق المحمودة أي بلوغ الكمال الأخلاقي.
لقد كان علم النفس عند المتصوفة علما غائيا يهدف إلى غاية أخلاقية هي تهذيب النفس، بتعويدها على الفضائل الأخلاقية على اختلافها كالمجاهدة والتوبة والصبر والرضا والتوكل والتقوى والخوف والرجاء والمحبة.[17]أي التمكن من معرفة النفس وعللها والسلوك وآدابه ومراحله.
لقد كان التصوف في نظر الغزالي تجربة ومعناها حقيقة حيث يقول في كتابه المنقد من الضلال. "فكم من الفرق بين أن يعلم حد الصحة وحد الشبع وأسبابهما وشروطهما وبين أن يكون صحيحا وشبعانا..... والطبيب في حالة المرض يعرف حد الصحة وأسبابها وأدويتها وهو فاقد للصحة فكذلك فرق بين أن تعرف حقيقة الزهد وشروطها وأسبابها وأدويتها وهو فاقد للصحة، فكذلك فرق بين أن تعرف حقيقة الزهد وشروطها وأسبابها وبين أن يكون حالك الزهد وعزوف النفس عن الدنيا."[18]
فالتصوف بهذا المعنى علما بأحوال الجوارح وباطن بأعمال القلوب ، وهدا لاعتماده على منهج الاستبطان الذي يقوم عليه وبه الزهد ،إذ أن المتصوفة كالأطباء النفسيين يعملون على شفاء بلايا الآخرين حيث يقول المحاسبي في كتاب "المحبة " قد رنوا بأبصارهم بفضل ضياء الحكمة الإلهية إلى المناطق التي تنمو فيها الأدوية، وقد علمهم الله كيف يفعل الدواء، فبدؤوا الشفاء قلوبهم، وأمرهم حينذاك بأن يواسوا قلوب المحزونين والذين يتألمون"[19]فالتصوف ليس إذن مجرد أسماء تسرد أو وصفات صيدلية بل هو علاج بدأ الطبيب المعالج فجربه على نقسه ابتغاء أن يفيد به الآخرين، والتصوف كما يقول أبو الحسن النوري" ليس نصوصا وعلوما نظرية بل أخلاق أي أنه قاعدة للحياة" وفي هذا يقول الجنيد "ما أخذنا التصوف عن القيل والقال ،ولكن عن الجوع وترك الدنيا وقطع المألوفات والمستحسنات"[20].
إن قيمة التصوف تكمن في معالجته لآلام القلوب وتضميد جراح الجماعة التي مزقتها رذائل أعضائها غير الصالحة.لقد كانت الرياضة والمجاهدة والتأديب والتهذيب هي الطريق لتحقيق ذلك بالإدارة العملية التي يستعين بها الإنسان على تصفية النفس وتنقية القلب والتخلق بالأخلاق الكريمة بحيث يصبح الإنسان صافيا."[21] أي تتخلى عن الأخلاق المذمومة وتتحلى بالأخلاق المحمودة إلا أن تصبح إلى ما كانت عليه من نقاء السيرة وصفاء السديدة وجلاء بصيرة قبل اتصالها بالبدن."ولا يتم ذلك عند الصوفية إلا بسلوك طريقه الرياضة والمجاهدة التي تكشف عن طبيعة النفس الإنسانية وبين ما تنطوي عليه هذه النفس من دوافع تحفزها إلى هذا الفعل أو ذاك من الأفعال التي تبعد أو تقرب الإنسان من الخير."[22]وبهذا فقد أظهروا لنا كيف يمكن أن تعالج نفس وتتخلص من دوافع الأذى ودواعي الهوى.
فالنفس إذ جمحت عند ركوب الهوى وجب كبحها بلجام التقوى حيث يرى السهروردي " إن النفوس الصوفية قد هيأها الله بتكميل سجاياها قد توصلت بحسن الممارسة والرياضة إلى استخراج ما هو مركوز في النفوس بخلق الله إلى الفعل، فصار الصوفية مهذبين، وإذا كانت الممارسة والرياضة سبيلا إلى إخراج ما هو مركوز في النفوس من القوة إلى الفعل، كان سلطان الغرائز متفاوتا في وجوده وعدمه في قوته وضعفه بتفاوت الأشخاص. فقد استعان الصوفية بوسيلة عملية على تهذيب النفوس تهذيبا يصطنع فيه طرقا تتفاوت بتفاوت طبائع النفوس وغرائزها."[23]
وهكذا فقد اهتم التصوف بالنفس الإنسانية لمعرفة قواها ،ذلك للعمل على رياضتها وتهذيبها والتماس الفضائل في مقاماته حيث تروض النفس وتهذب، ومتى استأنست النفس للحياة الروحية سهلت لها الحياة الفاضلة وأنست لها.لذلك يجعل الغزالي طريقا إلى الله بدايته مجاهدة النفس ثم تترقى النفس بالمجاهدة في مقامات هذا الطريق وأحواله لتصل في النهاية إلى المعرفة والسعادة والفناء.[24]فالمجاهدة عند الغزالي غايتها أخلاقية ولكن هذه الغاية هي وسيلة لغاية أكبر منها هي المعرفة التي ستشرق على القلب بعد صفائه.فالتطهير يؤدي إلى تصفية وجلاء القلب، ثم تسعد ولما يفاض عنه من نور المعرفة.[25] فالآداب العالية والأخلاق السامية في التصوف إنما هي عناصر نفسية وخلقية يقوم عليها ويتألف منها الدستور الأخلاقي الذي رسمه الصوفية لطريقهم ،وعملوا به في رياضياتهم لأنفسهم.لقد كانوا بهذا الدستور خير عون على إحياء تعاليم الكتاب والسنة في نفوس المعتنقين للإسلام، وكانوا أطباء للنفوس الإنسانية أخيارا يدعون إلى الخير والفضيلة أوفياء لحقوق الله وحقوق البشر، عاملين على رعاية الواجبات تلك الحقوق بما يكفل أدائها أداء تستقيم عليه الصلات العملية في حياة الاجتماعية للأفراد.
وعليه يكون التصوف علما للأخلاق وموضوعه اكتمال العقائد وتطهير النفوس وتحسين الأخلاق الكريمة والطباع المستقيمة.هدفه وغايته بلوغ الذات العليا، والمحبة فيها والفناء في ذاتها فالتربية التي وضعها أئمة الصوفية تقوم على العمل الصالح الذي يقوي الجانب الروحي يعمل على كبح جماح شهوات النفس وملذاتها فيفسح المجال للفكر أن ينطلق عبر مجالاته.
فالهدف من ذلك هو" تلخيص طلابها من أدران الذنوب الكبيرة والتي حجبتهم عن خالقهم لإعلان توبتهم سرا وعلانية، فالتوبة هي خوف من الخالق... ثم يعودون أنفسهم للتحلي بالفضائل والوصول إلى سيادة الروحية ولا تتم السيادة الروحية إلا إذا ارتقى الصوفي من مقام التوبة والخوف إلى مقام الحب والقرب الله"[26].
فهذه التربية الخلقية تسمو بالإنسان بحيث تجعله يبتعد عن الرذيلة أي عن ظلم أخيه المسلم. فالصوفي يجب أن يكون نظيف اللسان والقلب والبدن والسلوك.وفي هذا يقول الغزالي في كتابه "أحياء علوم الدين" ينتظر من المجاهدة والرياضة، وذلك أنه لا يقصد تغيير الخلقة . وإنما يقصد إصلاح النقائص واكتساب المحاسن الملائمة للخلقة."[27]
وغاية العمل الروحاني هو تعديل الأهواء لا تقويضها. ويتم هذا العمل بحمل الأعضاء عن إدارة على إنجاز أعمال ملائمة للفضيلة التي يراد اكتسابها كأنما تولد هذه الفضيلة في النفس بفعل العادة، ومن ذلك أن الذي يود نيل الكرم يقوم على توزيع العطايا والهبات وبدوام على ذلك حتى تصبح هذه الأعمال أمر اعتياديا لديه.... إن العمل الروحاني كلما طال أدى إلى عادة الخير وطبعت الفضائل في القلب"[28]
لقد شبه الغزالي بين النقائص والأمراض، لذلك طالب بضرورة ملازمة الشيخ. لأنه بمثابة الطبيب المعالج للنفس بالمجاهدة، بحيث يقول في كتابه "أحياء" أن النفس إذا كانت مريضة فإن المريد طبيبها وكما أنه يجب أن يعرف الطبيب كل شيء عن حال مريضه الجسمانية عن عدم استطاعته أن يداوي من الأمراض غير ما يعرف فإنه يجب أن يعرف الشيخ كل شيء عن حال المريض المتصوف الروحية، وعن حال هذا المريض الذي يلتمس نصائحه، أن يجلس بين يدي الشيخ بصير بعيوب النفس مطلع على خفايا الآفات ويحكمه في نفسه ويتبع إشارته في مجاهدته ...فيعرفه أستاذه وشيخه....[29]عيوب نفسه ويعرفه طريق علاجه."وعلى هذا فإن الأخلاق الصوفي أسمى الأخلاق الإنسانية وأرقاها لأنه يتجه بفكره وإحساسه إلى الله تعالى في كل لحظة من لحظات حياته."[30]
وقد عبر عن ذلك الجنيد البغدادي (المتوفى279ه) بقوله:" التصوف تصفيه القلوب حتى لا يعاود ضعفها الذاتي، وإخماد صفات بشرية ومجانبة نزوات النفس ومنازلة الصفات الروحية والتعلق بعلوم الحقيقة، وعمل ما هو خير إلى الأبد والنصح الخالص لجميع الأمة والإخلاص في مراعاة الحقيقة."[31]
وللتصوف خصائص عامة، بما أنه فلسفة حياة وطريقة في السلوك الفردي لتحقيق المثالية الأخلاقية والسعادة النفسية."[32]
فما هي أهم هذه القيم و الخصائص التي يقوم عليها التصوف الإسلامي ؟وكيف تحقق غايتها ؟
لقد قام التصوف على عدة قيم أصبحت من أهم مقوماته من ذلك : الزهد، الحب، التسامح.
الزهد:
لقد أكد الحسن البصري على ضرورة التفقه في الدين والزهد في الدنيا حيث أنه يرى" أن كمال العلم في اكتمال الإيمان واكتمال الإيمان لا يأتي إلا إذا كان المؤمن متفقها في دينه وعقيدته فكمال المعرفة في كمال الإيمان أيضا."[33]
فما هو الزهد؟ وكيف أن يؤدي إلى كمال المعرفة وكمال الإيمان؟
كلمة الزهد في اللغة هو الإعراض عن الشيء أو عدم الإقبال عليه أو النظر إلى الحياة الدنيا بشيء من الاستخفاف واحتقار وعدم التكالب على جمع الأموال وعدم الإغراق في ملذات الحياة.[34]
فالزهد لا يعني العزلة عن الحياة وعدم المشاركة فيها: فهو على العكس من ذلك بحيث يجب على الإنسان يعمل على تطوير حياته وترقيتها وذلك بمنهج العلمي يكشف أسرار هذا الوجود ومن معرفته يصل إلى معرفة خالقه. فكلما زادت معرفته به زاد إيمانه وزهد في زخرف الحياة وملذاتها، بابتعاد عن الفساد وكل ما يؤدي إلى تعطيل سنن الخالق على الأرض، فالزهد لا يكون إلا بالمجاهدة أي مجاهدة النفس وهذه تقتضي بالضرورة العزلة أي ابتعاد الصوفي عن كل صفه مذمومة، ذلك أن غاية المدرسة الصوفية من عملها التربوي "هو خلق جيل جديد يحب الخالق ويسعى لإرضائه بالعمل والفكر والمشاركة في المجتمع الإسلامي"[35].
وقد تجلى ذلك خاصة في دور الذي لعبته في المراحل التاريخية الاستعمارية.فزهد ليعنى الاعتزال عن الناس بل الابتعاد عن الأفعال المذمومة وسلوكات السيئة التي تؤدى إلى نشر الآفات الاجتماعية تلك تتولد عن حب الدنيا وطلب ملذاتها وزخرفها
فالمتصوف يعتبر أن الحياة الروحية التي اتخذها لنفسه هي السبيل الأمثل إلى خلاص الجميع. "فدرب التصوف يتطلب تغلبا على الذات وجهدا لا يستطيع بذله إلا الصفوة."[36]
فالدعوة إلى التصوف تحمل في ثناياها غايات أخلاقية وهدا بسمو بالسلوك الفرد وتطلعه لاكتساب قيم عليا وعلى هدا فقد اعتبر أحد سبل التي تفيد الجميع ذلك للقيم التي يقوم عليها ويدعوا لها.
المحبة والتسامح:
فالمحبة تسمو بالأخلاق وترتفع بها، فتسعد القلوب وتهيأ وتنعم وقتا بالحب وآثاره وأفضاله وأشكاله وألوانه.
لقد اعتبر بعض الفلاسفة أن الحب فضيلة الفضائل لأنه ينطوي على قيمة أخلاقية عظيمة هي" الإرادة الخيرة"، و"النية الطيبة" لذلك أصبح أعلى صفات الكمال، ويقرب الإنسان من ذى الجلال ويبعده عن الضلال."[37]وقد شغلت هذه العاطفة عقول الناس جميعا، فكيف عرفت؟ وما دورها؟
فالحب المادي دال على الهوى éros وهو الحب الذي تميز به الفكر اليوناني والحب الإرادي المختارagape وهو الحب الذي ساد الفكر الديني، وحب الصداقة أو الألفة phiaوهو الذي يربط الفيلسوف بالعالم حوله وهو غايته أو هو حكمة الحب كما قال هيدجر."[38]
كما استخدمت كلمة Amour في اللغة الفرنسية للدلالة على الحب وهي تقابل كلمة Amor في اللاتينية وهي تعبير عن الحب والحس العقلي والروحي أما المحلل النفسي إريك فروم فقد وسع معانيه، وبين أن الحب ليس هو الأنانية، وليس هو طلب ملح لإشباع رغبة ولكنه يحث على الإيثار والكرم والبذل والرغبة في العطاء والنفع أو التضحية من أجل المحبوب."[39]كما أوضح ابن حزم: "فهو علاج للنفوس ودواء ناجع لأمراض القلوب."[40]
لقد تميزت التجربة الصوفية بطرحها الفريد في رؤيتها للوجود، وخاصة فيما يتصل بالحب الإلهي، وذلك أن غاية التصوف هي الوصول للحق عن طريق الحقيقة وهذا مسار طويل مليء بالمجاهدات والمغالبات مع النفس وشهواتها وأطماعها وبتنقيتها من الأكدار والأوساخ لتهيئتها للوارد الإلهي، فالتصوف سير في معارج الروح والترقي الروحاني إلى مقام القرب. وفي هذه المعارج حالات ومقامات يتدرج فيها الإنسان بالرياضة والمراقبة الدقيقة للنفس وفي هذا قد اختلفوا أيضا أرفع مقاما المعرفة أما المحبة؟ وقد اتفقوا أن المحبة أرفع وأن المعرفة هي آخر المقامات الصوفية .
فمدار المحبة هو القلب الذي يحمل الصوفي إلى الآخر المراقى العرفانية وفيض المحبة الذي يغشى القلب يجعله قابلا لبذل تلك المحبة لكل ما حوله، فالصوفي ينظر بعين المحبة لجمع الكائنات بتواضع في علاقته بها، فهو يرأف بالحيوان والنبات والبشر، فقد شملت محبتهم وعطفهم المساكين والضعفاء، وذوي الحاجة، بإكرام الجوعى وإغاثة الملهوف ،وحماية المطاردين وذوي العاهات، ومساعدة المرضى والعجزة والأطفال.
لقد امتدت فكرة الحب الإلهي لتشمل كل أشكال الوجود في الكون (من مخلوقات) لقد اهتم المتصوفة بقضايا الحياة الاجتماعية إذ عطفوا على الحيوان الجائع، وساعدوا الغرباء الذين لا مأوى لهم وتعاملوا برقة مع الضعفاء، وتحولت كراماتهم إلى أساطير وتعبيرات اجتماعية شعبية اشتملت على علامات وإشارات حسية في العلاقات الاجتماعية (الغزل) رغم أنهم تعرضوا إلى تعسف سياسي في التعامل معهم مع ذلك كانت النظرة التفاؤلية تمثل قيمة النزعة الإنسانية في التصوف وهذا لتجاوزها الصراعات والتناقضات إذ تجعل قلب العارف هو محل التجلي الإلهي في وراء الأديان والاعتقادات، وأن الحب هو الدين الذي يجب أن تجعله الإنسانية دينها وفي هذا يقول ابن عربي
لقد كنت قبل اليوم أنكر صاحبي إذ لم يكن ديني إلى دينه داني
لقد صار قلبي قابلا كل صوره فمرعى لغزلان ودير لرهبان
وبيت لأوثان وكعبة طائف وألواح توراة ومصحف قرآن
أدين بدين الحب أنى توجهت ركائبه فالحب ديني وإيماني.[41]
هذا ليس غريبا على الإسلام فهو دين المحبة والتسامح وعلى المتصوفة إذ أن مبدأ التسامح فهو مبدأ تأسيسيا معرفيا وليس أخلاقيا فحسب" لا يعرف الحق إلا بالحق" لذلك كانت نظرة ابن العربي إلى ديانات الآخرين واختلافها نظرة قائمة على الروح المتسامحة فيها احترام للإنسان مهما كانت عقيدته وملته فما يجب أن يحكم تعامل الإنسان بغيره هو الحب واحترام الإنسانية و في إطار نظريته في التأويل الرمزي فقد فرق بين التجليات الوجودية والتجليات الاعتقادية فالكون والمخلوقات كلها مظاهر للتجلي الإلهي وهذا التجلي المستمر والمتغير بلا انقطاع.
لقد ارتبطت التجربة الصوفية في السياق الإسلامي بانفتاح منفرد على آفاق معرفية ودينية متميزة.بحيث كان للتصوف الإسلامي في الهند الفضل في المصالحة بين الطوائف، فاختلاط الصوفية بالطبقات الشعبية في هذه البلاد وعيشهم بين العامة والفقراء، مما أبدى لهؤلاء نماذج حية تتصف بالتقوى والصلاح إلى جانب ما تقوم به من خدمات اجتماعية وألوان البر والإحسان والمساواة والمؤاخاة.[42]أي التوفيق بين الظافرين والمقهورين، لا يتم إلا بواسطة أولئك الذين يعطون ولا يطالبون، ويقرضون ولا يأملون في شيء، فلقد أثروا بسلوكهم هدا في العديد من الهنود والمالاويين الملايو، وغيرهم ممن اعتنقوا الإسلام، ليس عن طريق العنف أو التعصب المستبد للمسلمين.[43]
فالتصوف الإسلامي يمتاز بنزعة إنسانية عالمية منفتحة على سائر الأديان والأجناس، فالإسلام في جوهره دينا منفتحا على كل الأجناس. فلا فرق عنده بين المسلم ومسلم أو غير مسلم إن كانا يختلفان جنسا ولغة أو مكانا أو زمانا.فهدا أبو يزيد البسطامي يدعو الله لجميع الناس ويلتمس منه أبسط رحمته على النوع البشري كله، ويود لو يتشفع للناس بل لكل الخطاة بأي دين دانوا، ويود لو تحمل عن الخطاة جميعا العقاب فاتسع وجوده ليشمل النار كلها، فلا يبقى فيها موضع لغيره.[44]فطبيعة المتصوف مبنية على الزهد لا تتحدد في الانعزال المترفع، بل هو الشوق الخارق إلى التضحية في سبيل إخوانه وهذا الذي تغنى به الحلاج القائل "الصوفي يخدم نفسه، كما يخدم الآخرين"، فهو يكشف عيوب نفسه ليعالجها في نفسه وفي الغير ويرتفع بمستوى حياة الروحية ليجعل منها نموذجا يحبذ به ليس فقط أصحابه في الطريقة بل وسائر الأمة.
وهكذا فقد كان للفكر الصوفي تأثيرا على الحياة الاجتماعية ،ذلك أن التصوف ليس هروبا من الواقع كما يعتقد البعض بل هو محاولة لجعل الإنسان يتسلح بقيم روحية تعينه على مواجهة الحياة المادية ،وتحقق له التوازن النفسي حتى يتصدى لمصاعب الحياة ومشاكلها ، فالتصوف يربط الفرد بمجتمعه فمن محاسبته لنفسه باستمرار وبتصحيح أخطاءها،ويكملها بالفضائل ويجعل نظرته إلى الحياة معتدلة فلا يتهالك بشهواتها وينغمس في أسبابها إلى جد ينسى فيه نفسه ،وربه فيشقى ، فالتصوف يجعل من هذه الحياة وسيلة لا غاية ،حيث يأخذ منها الإنسان كفايته ولا يخضع لعبودية حب المال ، والجاه ولا يستعلي يهما على الآخرين ، حيث يتحرر تماما من أهوائه و شهواته بإرادته الحرة ، ويكون خادما لمجتمعه .
[1]: عبد الرحمن بدوي – الموسوعة الفلسفية ج1 – المؤسسة العربية للدراسات والنشر والتوزيع بيروت ط1، 1996 ص 64.
[2]: المرجع نفسه ص 65
[3]:محمد مرناض– التجربة الصوفية عند شعراء المغرب العربي في الخمسة الهجرية الثانية، ديوان المطبوعات الجامعية الجزائر، 2009، دط، ص 10.
[4]: عبد المنعم الحضني، موسوعة الفلسفة والفلاسفة ح1- مكتبة مدبولي القاهرة ط2، 1999، ص 595.
[5]: القشري – الرسالة القشرية في علم التصوف- تحقيق معروف رزيق ، علي عبد الحميد طه ،دار الخبر القاهرة ط1، 1991 ، ص166.
[6]: عبد الفتاح أحمد فؤاد، فلاسفة الاسلام والصوفية وموقف أهل السنة منهم دار الوفاء لدنيا الطباعة للنشر والتوزيع الإسكندرية ط1، 2006، ص 2002.
[7]: المصدر نفسه ص 279.
[8]: الإمام بن الجوزى، تلبيس إبليس – تحقيق رضوان جامع رضوان- النور باك وتوزيع ونشر المكتب الثقافي، ط1، بيروت، 1994، ص 2،3.
[9]:القشري–الرسالة القشرية- ص 280-281.
[10]:القشري ،الرسالة القشرية، ص280.
[11]:ضياء مجيد الموسري، غاية التصوف وأدواته المتصوف، كنوز الحكمة الجزائر دط، 2011، ص70.
[12]: المرجع نفسه ،ص 29.
[13]: سهير فضل الله أبو وافية، الفلسفة الإنسانية في الإسلام، مكتبة الثقافة الدينية القاهرة ط1، 2005، ص 138.
[14]:مصطفى حلمي، الأخلاق بين الفلاسفة وعلماء الإسلام، دار الكتب العلمية بيروت، د ط وس ،ص 150-151.
[15]: المرجع نفسه، ص 152.
[16]: محمد محمود عبد الحميد أبو قحف –التصوف الإسلامي نشأته ومذاهبه –دار مكتبة الإسراء للطبع والنشر القاهرة، ط1، 2006، ص42.
[17]: أبو الوفا الغنيمي التفكازاني، مدخل إلى التصوف الإسلامي، دار الثقافة للنشر والتوزيع القاهرة، ط3، 1979، ص 104.
[18]: الغزالي، المنقذ من الضلال، دار الجندي للطبع مص-دط، 1973، ص 373-374.
[19]:عبد الرحمن بدوي، الموسوعة الفلسفية، ص71.
[20]: عبد الرحمن البدوي، ص 71.
[21]:سهير فضل الله أبو واقية، المرجع السابق ،ص 140.
[22]: المرجع نفسه، ص140.
[23]: سهير فضل الله أبو واقية، المرجع السابق، ص142.
[24]: جمال سعد محمود جمعة، في رياض التصوف الإسلامي، دار الكتب القاهرة، ط1، 2002، ص143.
[25]: عبد الحكيم عبد الغني قاسم، المذاهب الصوفية ومدارسها، المكتبة مدبولي القاهرة، ط2، 1999، ص 114.
[26]: حكيم عبد الغني قاسم، المرجع نفسه ص 114.
[27]: البارون كارادفو، الغزالي، تر، عادل زعيتر، المؤسسة العربية للدراسات والنشر بيروت، ط2، 1981، ص186.
[28]:المرجع نفسه ص186.
[29]: المرجع نفسه ص 187.
[30]:علي سعيد فرغلي ،الأخلاق الإسلامية والإنسانية، دار الكتاب الجامعي، القاهرة، ط1، 1985، ص185.
[31]:عبد الحكيم عبد الغني قاسم، المرجع السابق ص24.
[32]: عبد الحكيم عبد الغني قاسم، المرجع السابق ص 25.
[33]:محمد محمود عبد الحميد أبو قحف، التصوف الإسلامي نشأته ومذاهبه، ص 38.
.2 عبد الحكيم عبد الغني قاسم المرجع السابق ص48
[35]: عبد الحكيم عبد الغني قاسم، المرجع السابق، ص120.
[36]: عالي شكري، الإسلام والسياسة، موقع للنشر، ووحدة رغاية الجزائر، دط، 1995، ص318.
[37]:سهير فضل الله أبو وافية، المرجع السابق، ص164.
[38]: سهير فضل الله ،المرجع السابق ص 146-147.
[39]: المرجع نفسه، ص147.
[40]: المرجع نفسه، ص146.
[41]:مصطفى حلمي، الحياة الروحية في الإسلام، الهيئة العامة للتأليف القاهرة، دط، 1970، ص160.
[42]: عبد الرحمن بدوي، الموسوعة الفلسفية، ص72.
[43]: المرجع نفسه، ص 72.
[44]:المرجع نفسه، ص 72.
يعتبر التصوف علما للأخلاق وموضوعه اكتمال العقائد وتطهير النفوس وتحسين الأخلاق الكريمة والطباع المستقيمة.هدفه وغايته بلوغ الذات العليا، والمحبة فيها والفناء في ذاتها ،فالتربية التي وضعها أئمة الصوفية تقوم على العمل الصالح الذي يقوي الجانب الروحي ،و يعمل على كبح جماح شهوات النفس وملذاتها فيفسح المجال للفكر أن ينطلق عبر مجالاته. فالتصوف بمعناه العام هو تلك النزعة العالمية التي وجدت مع الإنسان منذ القديم، والتي كان أساسها هو الزهد في الدنيا وغايتها هي الاتصال بالملأ الأعلى مصدر كل خير وفيض وإشراق.
والتصوف بهذا المعنى لا يقتصر على أمة بعينها ولا حضارة بذاتها ،ولا يختص بديانة من الديانات، أو فلسفة من فلسفات فقد وجد التصوف في القديم بين الإغريق، في فلسفة فيثاغورس، كما عرف أيضا لدى الفرس في فلسفة ماني، و زرادشت، ولدى هنود في فلسفة بوذا وبرهما، وفي اشتملت عليه الفيدا الهندية من تعاليم.وكما عرفت اليهودية والنصرانية تصوف ، وكما كان في الإسلام أيضا تصوف، ولكن لكل من التصوفات الثلاث طابعه الخاص المميز له عما عداه.فما هو التصوف؟وماهي أهم مميزاته و أبعاده ؟
مفهوم التصوف
احتل التصوف مساحة واسعة في كتابات الباحثين، وذلك لما أثاره هذا اللفظ من اختلافات في تعريفاتهم ومن ثم تعددت تعريفاته وقد عرض عبد الرحمن بدوي مجموعة من هذه التعريفات في الموسوعة الفلسفية ج1 . اد يقول "اسم الصوفية محدث ولم يوصف به أحد من أصحاب رسول الله ولا بعدهم. ولا يعرف الناس إلا العباد والزهاد والسياسيين والفقراء وقيل لأحد من أصحاب الرسول صوفي ، إنه اسم محدث أحدثه البغداديون[1]
ونقل عن عبد الرحمن الجامي المتوفي 898ه، أنه رأى أول من حمل اسم "صوفي" هو هاشم الكوفي هذا الذي عاش في النصف الأول من القرن الثاني للهجرة (الثامن الميلادي)، بينما يرى القشري المتوفي 466ه يرى أن هذا الاسم انتشر قبل مائتين للهجرة (895م)[2]
أما ابن خلدون فيرى أن هذا العلم نشأ مع بداية القرن الثاني للهجرة ليتطور بعد ذلك إبان القرون اللاحقة، وهذا بعد ما تفش الإقبال على الدنيا والتمسك بزخرفها الخلب، وبهجتها الزائلة، حيث اتجهت طائفة من المسلمين إلى العبادة والزهد في الدنيا فأطلقت عليهم تسمية الصوفية.[3]
اشتق اسم الصوفية من الصوف بوصفه للباس الغالب على هؤلاء[4]. وقد طعن في هذا التفسير القشيري على أساس أن الصوفية لم يختصوا بلباس الصوف دون غيره من الأقمشة يقول القشري " التصوف .... هذه التسمية غلبت على هذه الطائفة فيقال رجل صوفي، وللجماعة الصوفية ومن يتوصل إلى ذلك يقال له متصوف وللجماعة المتصوفة وليس يشهد لهذا الاسم من حيث العربية قياس ولا اشتقاق، والأظهر فيه أنه كاللقب فأما قول من قال أنه من الصوف، والتصوف، إذ ليس الصوف بلبس الصوف وهناك من قال أنهم منسوبون ولكن القوم لم يختصوا إلى صفة مسجد رسول (ص)[5]
إنهم سموا بذلك نسبة إلى أهل "الصفة" والمقعد، وكان لقبا أعطى لبعض الفقراء المسلمين في عهد الرسول والخلفاء الراشدين ممن لم تكن لهم بيوت يأوون إليها فكانوا يأوون إلى مقعد مغطى خارج المسجد، والذي أمر الرسول ببنائه في المدينة[6].
اسم الصوفية مشتق من "الصفا" وأن الصوفي هو الذي صافى فصوفي لهذا اسمي الصوفي. كما قيل في بعض الشعر بمعنى انهم صفوا من الشرور وأكدار الدنيا وشهواتها.غير أن القشيري يخالف بعض الآراء و يقول "بالنسبة إلى صفة لاتجيء على نحو " الصوفي- ومن قال أنه من الصفاء باشتقاق الصوفي من الصفاء بعيد في مقتضى اللغة ،وقول من قال أنه مشتق من الصف فكأنهم في الصف الأول بقلوبهم من حيث المحاصرة من الله تعالى، فالمعنى صحيح، ولكن اللغة لا تقتضي هذه النسبة إلى الصف.[7] في حين قال بشير بن الحارث "الصوفي من صفا قلبه لله، وقال بعضهم الصوفي من صفت لله معاملته فصفت له من الله عز وجل كرامته".أما ابن الجوزي المتوفي عام 597 فقدم قصة لتحليل كلمة تصوف فيرى أن أول من انفرد بالزهد وخدمة الله سبحانه وتعالى عند بيته الحرام رجل يقال له صوفه واسمه الغوث ابن مر "فانتسبوا إليه لمشابهتهم إياه في الانقطاع إلى الله سبحانه وتعالى فسموا بالصوفية وقال لما سمى" الغوث بن مر " صوفه لأنه ما كان يعيش لأمه ولد فلما وفت بنذرها وضعته "ربيطا للكعبة ،فأرهقه حر المكان وأذبله، فقالت حين شاهدته على هذا الحال "ما صار ابني إلا صوفة فتلقفتها أفواه العرب وأطلقتها عليه وعلى طائفة كانت تتولى بعض المناسك"[8].وقد ربط البعض بين التصوف والفلسفة اليونانية بحيث اعتبرها البعض أنها مأخوذة من كلمة صوفيا اليونانية التي تعني الحكمة...فالصوفي المسلم يبتغي كذلك الحكمة الإلهية "العارف بالله" .
الأساس الأخلاقي للتصوف:
إن كل هذه التعريفات تبقى مجرد احتمالات واجتهادات شخصية ليست يقينية ولا موضوعية وإلا لما نتج عنها اختلاف لذا يصعب وضع تعريف جامعا مانعا للتصوف. ومع ذلك يمكن نستكشف بعض التعريفات التي توضح الجانب الأخلاقي فيه بقول بن علي القصاب وهو أستاذ الجنيد. عن التصوف "أخلاق كريمة، ظهرت في زمن كريم، ومن رجل كريم مع قوم كرام."أي أن أهم أسس التصوف هو التحلي بالأخلاق الفاضلة التي حث عليها الإسلام، وفي هذا يقول الجنيد البغدادي " الصوفي كالأرض يطرح عليها كل فيح ولا يخرج منها إلا كل مليح." ويصفه أيضا" أنه كالمطر يسقي كل شيء" ويعبر عن ذلك الكتاني فيقول التصوف خلق فمن زاد عليك في الخلق فقد زاد عليك الصفا.[9]
ويقول أبو حفص الحداد "التصوف كله أدب، لكل وقت أدب ولكل مقام أدب، ولكل حال أدب، فمن لزم آداب الأوقات بلغ مبلغ الرجال، ومن ضيع الآداب فهو بعيد من حيث يظن القرب ومردود من حيث يظن القبول: إن التصوف آداب في جميع الأوقات وفي سائر الأحوال والمقامات فمن لم يتحقق بآدابه باء بالخسران.
لقد أشتهر الكثير من المتصوفة بالسمو الأخلاقي الكريم حيث اتصفوا بأروع الصفات الأخلاقية، واتخذوا الفضيلة مذهبا وشعارا مما قد جعل بعضهم مثاليين في محيطهم الأخلاقي والاجتماعي.فالخلق هو جانب من جوانب التصوف، ولكنه يكتسي أهمية بالغة فيه.يقول رويم التصوف بني على ثلاث خصال: التمسك بالفقر والافتقار إلى الله والتحقق بالبذل والإيثار، وترك التعرض والاختيار.[10] و يقول الجنيد" الصوفي من أحس قلبه سلامة من الدنيا كما أحسها قلب إبراهيم فأطاع أوامر الله، ومن كان تسليمه كتسليم إسماعيل وحزنه كحزن داوود، وفقره كفقر عيسى، وشوقه كشوق موسى في مناجاته، وإخلاصه كإخلاص محمد (ص).
فتصوف له قيم أخلاقية معينة ويهدف إلى تصفية النفس من أجل وصول هذه القيم، لابد بمجاهدات بدنية ورياضيات نفسية معينة، لا يشعر معها بذاته أو بأنيته، كما يشعر ببقائه مع حقيقة أسمى مطلقة "أي الفناء في الحقيقة المطلقة"،فالخاصة المميزة لكل أنواع التصوف هو أنه يعمل على قهر دواعي شهوات البدن أو ضبطها وإحداث نوع من التوازن النفسي، الذي يجعل الصوفي متحررا من كل مخاوف شاعرا براحة نفسية عميقة أو طمأنينة تتحقق معها السعادة. ويتجاوز كل الصراعات والتناقضات، إذ تجعل قلب العارف محل التجلي الإلهي، وقد قال في هذا أحمد بن عاصم الإنطاكي "إن أقل اليقين إذا وصل إلى القلب بملأ القلب نورا وينفي عنه كل ريب ويمتلئ القلب به شكرا، ومن الله خوفا."[11]
وقال ابن عطاء: على قدر قربهم من التقوى أدركوا ما أدركوا من اليقين، وأصل التقوى مباينة النفس فعلى قدر مفارقتهم النفس وصلوا إلى اليقين." إذا كان غاية التصوف هي الوصول للحق عن طريق الحقيقة فهي مسار طويل ملء بالجاهدات والمغالبات مع النفس وشهواتها وأطماعها وتنقيتها من الأكدار والأوساخ. والتصوف سير في معارج الروح والترقي الروحاني إلى مقامات يتدرج فيها الإنسان بالرياضة والمراقبة الدقيقة للنفس،بالمحبة والمعرفة ،إلا أن أئمة المتصرفة يختلفون في أيهما أرفع المعرفة أم المحبة وإن اتفقوا في أن المحبة أرفع والمعرفة آخر المقامات الصوفية وفي كل الأحوال لا تعني المعرفة معارف وطرائق العقل. فالعقل الجزئي لا يستغني عن الحس والمنطق وكل مدار المحبة هو القلب الذي يحمل الصوفي إلى آخر المراقى العرفانية ويحتاج المزيد الشيخ الضليع العارف بالطرق ليقوده عبرها بأمان وقد تعرض الصوفي المراكشي ابن العريف للفضائل الروحية بقوله "لولا ظلام الوجود الانفصالي لتجلى نور الذي لا تدركه الأبصار ،لولا تجربة الروح البهيمية لأرتفع ذلك الحجاب، ولولا وجودها يقتضي خلق الطبيعة لتحولت القدرة الإلهية إلى نور غامر." ويتابع إبداء وجهة نظره في علاقة الروح بالنفس، كاشفا عن خبايا الصراع الأزلي الذي يتجلى ساخنا بين الخير والشر وبين النور والظلام،وبين الإحسان والإساءة فيقول "لولا النفاق لكانت المعرفة خالصة، لولا الطمع لرسخ حب الله في الروح، لولا بقاء بعض اللذات العالمية لكانت حرارة حب الله استغرقت نفوس الناس، لو بطل وجود الخدم لخدم السيد نفسه."[12]
من خلال دراسة هذه أقوال الصوفية وتعريفهم لعلم التصوف يتضح بصورة عامة عناية التصوف بالأخلاق، واهتمامه بالسلوك والإنسان. "فالتصوف في جوهره ومضمونه هو الأخلاق بحيث أنه يدور حول النظام الأخلاقي، فلقد كانت حياة المتصوفة صورة حية للمثل العليا والتخلق بالأخلاق الفاضلة لأن التصوف أخلاق كريمة من قوم كرام، من أجل غاية شريفة هي الصلة بالله إذ لا يتصور الإنسان مكان هذا الاتصال والحصول على السعادة دون أن يسمو الإنسان خلقا وأن يتهذب سلوكا، يقول القشيرى في هذا المعنى "من لم يدخل فيما بينه وبين الله على مكارم الأخلاق لم يتهن بعيشه في دنياه وآخرته."[13]
فاهتمام المتصوفة بالأخلاق لم يكن حديثا وبحثا في اللفظ وإنما ممارسة باعتبارها سلوك وطريق للسمو الأخلاقي، والتصوف طريق ومنهم قبل أن يكون قولا ونظرا.
لقد اعتنى المتصوفة بإصلاح النفس وتهذيب السلوك وطهارة الباطن ذلك في أن النفس الإنسانية قوتان، قوة الشهوة وقوة العقل فبالأولى يحرص الإنسان على تناول اللذات البدنية والبهيمية والثانية تحرص على تناول العلوم. فبهذه القوة هي تجعل الإنسان يستطيع أن يتخلق بالأخلاق الحسنة، فقد جعل الله له سبيلا إلى إسلاس أخلاقه."[14]
وتحرى مكارم الشريعة يحتاج إلى أن يصلح الإنسان نفسه، بتهذيب نفسه قبل غيره.[15] وتبدأ مكارم الشريعة بطهارة النفس بالتعلم لكي تصل إلى الجود والصبر لتدرك الشجاعة والعلم والعدالة لتصبح أفعال "فالمجاهدة هي ترك الشهوات وتقوية النفس وكفها عن الانغماس في ملذات الدنيا."[16]
الأخلاق الصوفية ودورها في علاج النفس الإنسانية:
كان التصوف في القرن الثالث والرابع علما بالأخلاق الدينية لذا فقد ارتبط هذا البحث الأخلاقي بالبحث في النفس الإنسانية وتضيف قواها، وتبيان أفاتها وأمراضها وطريق الخلاص منها، وهكذا كان التصوف مطبوع بطابع نفسي أخلاقي. ذلك أن بحثهم في الأخلاق قام على أساس تحليل النفس الإنسانية لمعرفة أخلاقهم الذميمة ولإحلال الأخلاق المحمودة أي بلوغ الكمال الأخلاقي.
لقد كان علم النفس عند المتصوفة علما غائيا يهدف إلى غاية أخلاقية هي تهذيب النفس، بتعويدها على الفضائل الأخلاقية على اختلافها كالمجاهدة والتوبة والصبر والرضا والتوكل والتقوى والخوف والرجاء والمحبة.[17]أي التمكن من معرفة النفس وعللها والسلوك وآدابه ومراحله.
لقد كان التصوف في نظر الغزالي تجربة ومعناها حقيقة حيث يقول في كتابه المنقد من الضلال. "فكم من الفرق بين أن يعلم حد الصحة وحد الشبع وأسبابهما وشروطهما وبين أن يكون صحيحا وشبعانا..... والطبيب في حالة المرض يعرف حد الصحة وأسبابها وأدويتها وهو فاقد للصحة فكذلك فرق بين أن تعرف حقيقة الزهد وشروطها وأسبابها وأدويتها وهو فاقد للصحة، فكذلك فرق بين أن تعرف حقيقة الزهد وشروطها وأسبابها وبين أن يكون حالك الزهد وعزوف النفس عن الدنيا."[18]
فالتصوف بهذا المعنى علما بأحوال الجوارح وباطن بأعمال القلوب ، وهدا لاعتماده على منهج الاستبطان الذي يقوم عليه وبه الزهد ،إذ أن المتصوفة كالأطباء النفسيين يعملون على شفاء بلايا الآخرين حيث يقول المحاسبي في كتاب "المحبة " قد رنوا بأبصارهم بفضل ضياء الحكمة الإلهية إلى المناطق التي تنمو فيها الأدوية، وقد علمهم الله كيف يفعل الدواء، فبدؤوا الشفاء قلوبهم، وأمرهم حينذاك بأن يواسوا قلوب المحزونين والذين يتألمون"[19]فالتصوف ليس إذن مجرد أسماء تسرد أو وصفات صيدلية بل هو علاج بدأ الطبيب المعالج فجربه على نقسه ابتغاء أن يفيد به الآخرين، والتصوف كما يقول أبو الحسن النوري" ليس نصوصا وعلوما نظرية بل أخلاق أي أنه قاعدة للحياة" وفي هذا يقول الجنيد "ما أخذنا التصوف عن القيل والقال ،ولكن عن الجوع وترك الدنيا وقطع المألوفات والمستحسنات"[20].
إن قيمة التصوف تكمن في معالجته لآلام القلوب وتضميد جراح الجماعة التي مزقتها رذائل أعضائها غير الصالحة.لقد كانت الرياضة والمجاهدة والتأديب والتهذيب هي الطريق لتحقيق ذلك بالإدارة العملية التي يستعين بها الإنسان على تصفية النفس وتنقية القلب والتخلق بالأخلاق الكريمة بحيث يصبح الإنسان صافيا."[21] أي تتخلى عن الأخلاق المذمومة وتتحلى بالأخلاق المحمودة إلا أن تصبح إلى ما كانت عليه من نقاء السيرة وصفاء السديدة وجلاء بصيرة قبل اتصالها بالبدن."ولا يتم ذلك عند الصوفية إلا بسلوك طريقه الرياضة والمجاهدة التي تكشف عن طبيعة النفس الإنسانية وبين ما تنطوي عليه هذه النفس من دوافع تحفزها إلى هذا الفعل أو ذاك من الأفعال التي تبعد أو تقرب الإنسان من الخير."[22]وبهذا فقد أظهروا لنا كيف يمكن أن تعالج نفس وتتخلص من دوافع الأذى ودواعي الهوى.
فالنفس إذ جمحت عند ركوب الهوى وجب كبحها بلجام التقوى حيث يرى السهروردي " إن النفوس الصوفية قد هيأها الله بتكميل سجاياها قد توصلت بحسن الممارسة والرياضة إلى استخراج ما هو مركوز في النفوس بخلق الله إلى الفعل، فصار الصوفية مهذبين، وإذا كانت الممارسة والرياضة سبيلا إلى إخراج ما هو مركوز في النفوس من القوة إلى الفعل، كان سلطان الغرائز متفاوتا في وجوده وعدمه في قوته وضعفه بتفاوت الأشخاص. فقد استعان الصوفية بوسيلة عملية على تهذيب النفوس تهذيبا يصطنع فيه طرقا تتفاوت بتفاوت طبائع النفوس وغرائزها."[23]
وهكذا فقد اهتم التصوف بالنفس الإنسانية لمعرفة قواها ،ذلك للعمل على رياضتها وتهذيبها والتماس الفضائل في مقاماته حيث تروض النفس وتهذب، ومتى استأنست النفس للحياة الروحية سهلت لها الحياة الفاضلة وأنست لها.لذلك يجعل الغزالي طريقا إلى الله بدايته مجاهدة النفس ثم تترقى النفس بالمجاهدة في مقامات هذا الطريق وأحواله لتصل في النهاية إلى المعرفة والسعادة والفناء.[24]فالمجاهدة عند الغزالي غايتها أخلاقية ولكن هذه الغاية هي وسيلة لغاية أكبر منها هي المعرفة التي ستشرق على القلب بعد صفائه.فالتطهير يؤدي إلى تصفية وجلاء القلب، ثم تسعد ولما يفاض عنه من نور المعرفة.[25] فالآداب العالية والأخلاق السامية في التصوف إنما هي عناصر نفسية وخلقية يقوم عليها ويتألف منها الدستور الأخلاقي الذي رسمه الصوفية لطريقهم ،وعملوا به في رياضياتهم لأنفسهم.لقد كانوا بهذا الدستور خير عون على إحياء تعاليم الكتاب والسنة في نفوس المعتنقين للإسلام، وكانوا أطباء للنفوس الإنسانية أخيارا يدعون إلى الخير والفضيلة أوفياء لحقوق الله وحقوق البشر، عاملين على رعاية الواجبات تلك الحقوق بما يكفل أدائها أداء تستقيم عليه الصلات العملية في حياة الاجتماعية للأفراد.
وعليه يكون التصوف علما للأخلاق وموضوعه اكتمال العقائد وتطهير النفوس وتحسين الأخلاق الكريمة والطباع المستقيمة.هدفه وغايته بلوغ الذات العليا، والمحبة فيها والفناء في ذاتها فالتربية التي وضعها أئمة الصوفية تقوم على العمل الصالح الذي يقوي الجانب الروحي يعمل على كبح جماح شهوات النفس وملذاتها فيفسح المجال للفكر أن ينطلق عبر مجالاته.
فالهدف من ذلك هو" تلخيص طلابها من أدران الذنوب الكبيرة والتي حجبتهم عن خالقهم لإعلان توبتهم سرا وعلانية، فالتوبة هي خوف من الخالق... ثم يعودون أنفسهم للتحلي بالفضائل والوصول إلى سيادة الروحية ولا تتم السيادة الروحية إلا إذا ارتقى الصوفي من مقام التوبة والخوف إلى مقام الحب والقرب الله"[26].
فهذه التربية الخلقية تسمو بالإنسان بحيث تجعله يبتعد عن الرذيلة أي عن ظلم أخيه المسلم. فالصوفي يجب أن يكون نظيف اللسان والقلب والبدن والسلوك.وفي هذا يقول الغزالي في كتابه "أحياء علوم الدين" ينتظر من المجاهدة والرياضة، وذلك أنه لا يقصد تغيير الخلقة . وإنما يقصد إصلاح النقائص واكتساب المحاسن الملائمة للخلقة."[27]
وغاية العمل الروحاني هو تعديل الأهواء لا تقويضها. ويتم هذا العمل بحمل الأعضاء عن إدارة على إنجاز أعمال ملائمة للفضيلة التي يراد اكتسابها كأنما تولد هذه الفضيلة في النفس بفعل العادة، ومن ذلك أن الذي يود نيل الكرم يقوم على توزيع العطايا والهبات وبدوام على ذلك حتى تصبح هذه الأعمال أمر اعتياديا لديه.... إن العمل الروحاني كلما طال أدى إلى عادة الخير وطبعت الفضائل في القلب"[28]
لقد شبه الغزالي بين النقائص والأمراض، لذلك طالب بضرورة ملازمة الشيخ. لأنه بمثابة الطبيب المعالج للنفس بالمجاهدة، بحيث يقول في كتابه "أحياء" أن النفس إذا كانت مريضة فإن المريد طبيبها وكما أنه يجب أن يعرف الطبيب كل شيء عن حال مريضه الجسمانية عن عدم استطاعته أن يداوي من الأمراض غير ما يعرف فإنه يجب أن يعرف الشيخ كل شيء عن حال المريض المتصوف الروحية، وعن حال هذا المريض الذي يلتمس نصائحه، أن يجلس بين يدي الشيخ بصير بعيوب النفس مطلع على خفايا الآفات ويحكمه في نفسه ويتبع إشارته في مجاهدته ...فيعرفه أستاذه وشيخه....[29]عيوب نفسه ويعرفه طريق علاجه."وعلى هذا فإن الأخلاق الصوفي أسمى الأخلاق الإنسانية وأرقاها لأنه يتجه بفكره وإحساسه إلى الله تعالى في كل لحظة من لحظات حياته."[30]
وقد عبر عن ذلك الجنيد البغدادي (المتوفى279ه) بقوله:" التصوف تصفيه القلوب حتى لا يعاود ضعفها الذاتي، وإخماد صفات بشرية ومجانبة نزوات النفس ومنازلة الصفات الروحية والتعلق بعلوم الحقيقة، وعمل ما هو خير إلى الأبد والنصح الخالص لجميع الأمة والإخلاص في مراعاة الحقيقة."[31]
وللتصوف خصائص عامة، بما أنه فلسفة حياة وطريقة في السلوك الفردي لتحقيق المثالية الأخلاقية والسعادة النفسية."[32]
فما هي أهم هذه القيم و الخصائص التي يقوم عليها التصوف الإسلامي ؟وكيف تحقق غايتها ؟
لقد قام التصوف على عدة قيم أصبحت من أهم مقوماته من ذلك : الزهد، الحب، التسامح.
الزهد:
لقد أكد الحسن البصري على ضرورة التفقه في الدين والزهد في الدنيا حيث أنه يرى" أن كمال العلم في اكتمال الإيمان واكتمال الإيمان لا يأتي إلا إذا كان المؤمن متفقها في دينه وعقيدته فكمال المعرفة في كمال الإيمان أيضا."[33]
فما هو الزهد؟ وكيف أن يؤدي إلى كمال المعرفة وكمال الإيمان؟
كلمة الزهد في اللغة هو الإعراض عن الشيء أو عدم الإقبال عليه أو النظر إلى الحياة الدنيا بشيء من الاستخفاف واحتقار وعدم التكالب على جمع الأموال وعدم الإغراق في ملذات الحياة.[34]
فالزهد لا يعني العزلة عن الحياة وعدم المشاركة فيها: فهو على العكس من ذلك بحيث يجب على الإنسان يعمل على تطوير حياته وترقيتها وذلك بمنهج العلمي يكشف أسرار هذا الوجود ومن معرفته يصل إلى معرفة خالقه. فكلما زادت معرفته به زاد إيمانه وزهد في زخرف الحياة وملذاتها، بابتعاد عن الفساد وكل ما يؤدي إلى تعطيل سنن الخالق على الأرض، فالزهد لا يكون إلا بالمجاهدة أي مجاهدة النفس وهذه تقتضي بالضرورة العزلة أي ابتعاد الصوفي عن كل صفه مذمومة، ذلك أن غاية المدرسة الصوفية من عملها التربوي "هو خلق جيل جديد يحب الخالق ويسعى لإرضائه بالعمل والفكر والمشاركة في المجتمع الإسلامي"[35].
وقد تجلى ذلك خاصة في دور الذي لعبته في المراحل التاريخية الاستعمارية.فزهد ليعنى الاعتزال عن الناس بل الابتعاد عن الأفعال المذمومة وسلوكات السيئة التي تؤدى إلى نشر الآفات الاجتماعية تلك تتولد عن حب الدنيا وطلب ملذاتها وزخرفها
فالمتصوف يعتبر أن الحياة الروحية التي اتخذها لنفسه هي السبيل الأمثل إلى خلاص الجميع. "فدرب التصوف يتطلب تغلبا على الذات وجهدا لا يستطيع بذله إلا الصفوة."[36]
فالدعوة إلى التصوف تحمل في ثناياها غايات أخلاقية وهدا بسمو بالسلوك الفرد وتطلعه لاكتساب قيم عليا وعلى هدا فقد اعتبر أحد سبل التي تفيد الجميع ذلك للقيم التي يقوم عليها ويدعوا لها.
المحبة والتسامح:
فالمحبة تسمو بالأخلاق وترتفع بها، فتسعد القلوب وتهيأ وتنعم وقتا بالحب وآثاره وأفضاله وأشكاله وألوانه.
لقد اعتبر بعض الفلاسفة أن الحب فضيلة الفضائل لأنه ينطوي على قيمة أخلاقية عظيمة هي" الإرادة الخيرة"، و"النية الطيبة" لذلك أصبح أعلى صفات الكمال، ويقرب الإنسان من ذى الجلال ويبعده عن الضلال."[37]وقد شغلت هذه العاطفة عقول الناس جميعا، فكيف عرفت؟ وما دورها؟
فالحب المادي دال على الهوى éros وهو الحب الذي تميز به الفكر اليوناني والحب الإرادي المختارagape وهو الحب الذي ساد الفكر الديني، وحب الصداقة أو الألفة phiaوهو الذي يربط الفيلسوف بالعالم حوله وهو غايته أو هو حكمة الحب كما قال هيدجر."[38]
كما استخدمت كلمة Amour في اللغة الفرنسية للدلالة على الحب وهي تقابل كلمة Amor في اللاتينية وهي تعبير عن الحب والحس العقلي والروحي أما المحلل النفسي إريك فروم فقد وسع معانيه، وبين أن الحب ليس هو الأنانية، وليس هو طلب ملح لإشباع رغبة ولكنه يحث على الإيثار والكرم والبذل والرغبة في العطاء والنفع أو التضحية من أجل المحبوب."[39]كما أوضح ابن حزم: "فهو علاج للنفوس ودواء ناجع لأمراض القلوب."[40]
لقد تميزت التجربة الصوفية بطرحها الفريد في رؤيتها للوجود، وخاصة فيما يتصل بالحب الإلهي، وذلك أن غاية التصوف هي الوصول للحق عن طريق الحقيقة وهذا مسار طويل مليء بالمجاهدات والمغالبات مع النفس وشهواتها وأطماعها وبتنقيتها من الأكدار والأوساخ لتهيئتها للوارد الإلهي، فالتصوف سير في معارج الروح والترقي الروحاني إلى مقام القرب. وفي هذه المعارج حالات ومقامات يتدرج فيها الإنسان بالرياضة والمراقبة الدقيقة للنفس وفي هذا قد اختلفوا أيضا أرفع مقاما المعرفة أما المحبة؟ وقد اتفقوا أن المحبة أرفع وأن المعرفة هي آخر المقامات الصوفية .
فمدار المحبة هو القلب الذي يحمل الصوفي إلى الآخر المراقى العرفانية وفيض المحبة الذي يغشى القلب يجعله قابلا لبذل تلك المحبة لكل ما حوله، فالصوفي ينظر بعين المحبة لجمع الكائنات بتواضع في علاقته بها، فهو يرأف بالحيوان والنبات والبشر، فقد شملت محبتهم وعطفهم المساكين والضعفاء، وذوي الحاجة، بإكرام الجوعى وإغاثة الملهوف ،وحماية المطاردين وذوي العاهات، ومساعدة المرضى والعجزة والأطفال.
لقد امتدت فكرة الحب الإلهي لتشمل كل أشكال الوجود في الكون (من مخلوقات) لقد اهتم المتصوفة بقضايا الحياة الاجتماعية إذ عطفوا على الحيوان الجائع، وساعدوا الغرباء الذين لا مأوى لهم وتعاملوا برقة مع الضعفاء، وتحولت كراماتهم إلى أساطير وتعبيرات اجتماعية شعبية اشتملت على علامات وإشارات حسية في العلاقات الاجتماعية (الغزل) رغم أنهم تعرضوا إلى تعسف سياسي في التعامل معهم مع ذلك كانت النظرة التفاؤلية تمثل قيمة النزعة الإنسانية في التصوف وهذا لتجاوزها الصراعات والتناقضات إذ تجعل قلب العارف هو محل التجلي الإلهي في وراء الأديان والاعتقادات، وأن الحب هو الدين الذي يجب أن تجعله الإنسانية دينها وفي هذا يقول ابن عربي
لقد كنت قبل اليوم أنكر صاحبي إذ لم يكن ديني إلى دينه داني
لقد صار قلبي قابلا كل صوره فمرعى لغزلان ودير لرهبان
وبيت لأوثان وكعبة طائف وألواح توراة ومصحف قرآن
أدين بدين الحب أنى توجهت ركائبه فالحب ديني وإيماني.[41]
هذا ليس غريبا على الإسلام فهو دين المحبة والتسامح وعلى المتصوفة إذ أن مبدأ التسامح فهو مبدأ تأسيسيا معرفيا وليس أخلاقيا فحسب" لا يعرف الحق إلا بالحق" لذلك كانت نظرة ابن العربي إلى ديانات الآخرين واختلافها نظرة قائمة على الروح المتسامحة فيها احترام للإنسان مهما كانت عقيدته وملته فما يجب أن يحكم تعامل الإنسان بغيره هو الحب واحترام الإنسانية و في إطار نظريته في التأويل الرمزي فقد فرق بين التجليات الوجودية والتجليات الاعتقادية فالكون والمخلوقات كلها مظاهر للتجلي الإلهي وهذا التجلي المستمر والمتغير بلا انقطاع.
لقد ارتبطت التجربة الصوفية في السياق الإسلامي بانفتاح منفرد على آفاق معرفية ودينية متميزة.بحيث كان للتصوف الإسلامي في الهند الفضل في المصالحة بين الطوائف، فاختلاط الصوفية بالطبقات الشعبية في هذه البلاد وعيشهم بين العامة والفقراء، مما أبدى لهؤلاء نماذج حية تتصف بالتقوى والصلاح إلى جانب ما تقوم به من خدمات اجتماعية وألوان البر والإحسان والمساواة والمؤاخاة.[42]أي التوفيق بين الظافرين والمقهورين، لا يتم إلا بواسطة أولئك الذين يعطون ولا يطالبون، ويقرضون ولا يأملون في شيء، فلقد أثروا بسلوكهم هدا في العديد من الهنود والمالاويين الملايو، وغيرهم ممن اعتنقوا الإسلام، ليس عن طريق العنف أو التعصب المستبد للمسلمين.[43]
فالتصوف الإسلامي يمتاز بنزعة إنسانية عالمية منفتحة على سائر الأديان والأجناس، فالإسلام في جوهره دينا منفتحا على كل الأجناس. فلا فرق عنده بين المسلم ومسلم أو غير مسلم إن كانا يختلفان جنسا ولغة أو مكانا أو زمانا.فهدا أبو يزيد البسطامي يدعو الله لجميع الناس ويلتمس منه أبسط رحمته على النوع البشري كله، ويود لو يتشفع للناس بل لكل الخطاة بأي دين دانوا، ويود لو تحمل عن الخطاة جميعا العقاب فاتسع وجوده ليشمل النار كلها، فلا يبقى فيها موضع لغيره.[44]فطبيعة المتصوف مبنية على الزهد لا تتحدد في الانعزال المترفع، بل هو الشوق الخارق إلى التضحية في سبيل إخوانه وهذا الذي تغنى به الحلاج القائل "الصوفي يخدم نفسه، كما يخدم الآخرين"، فهو يكشف عيوب نفسه ليعالجها في نفسه وفي الغير ويرتفع بمستوى حياة الروحية ليجعل منها نموذجا يحبذ به ليس فقط أصحابه في الطريقة بل وسائر الأمة.
وهكذا فقد كان للفكر الصوفي تأثيرا على الحياة الاجتماعية ،ذلك أن التصوف ليس هروبا من الواقع كما يعتقد البعض بل هو محاولة لجعل الإنسان يتسلح بقيم روحية تعينه على مواجهة الحياة المادية ،وتحقق له التوازن النفسي حتى يتصدى لمصاعب الحياة ومشاكلها ، فالتصوف يربط الفرد بمجتمعه فمن محاسبته لنفسه باستمرار وبتصحيح أخطاءها،ويكملها بالفضائل ويجعل نظرته إلى الحياة معتدلة فلا يتهالك بشهواتها وينغمس في أسبابها إلى جد ينسى فيه نفسه ،وربه فيشقى ، فالتصوف يجعل من هذه الحياة وسيلة لا غاية ،حيث يأخذ منها الإنسان كفايته ولا يخضع لعبودية حب المال ، والجاه ولا يستعلي يهما على الآخرين ، حيث يتحرر تماما من أهوائه و شهواته بإرادته الحرة ، ويكون خادما لمجتمعه .
[1]: عبد الرحمن بدوي – الموسوعة الفلسفية ج1 – المؤسسة العربية للدراسات والنشر والتوزيع بيروت ط1، 1996 ص 64.
[2]: المرجع نفسه ص 65
[3]:محمد مرناض– التجربة الصوفية عند شعراء المغرب العربي في الخمسة الهجرية الثانية، ديوان المطبوعات الجامعية الجزائر، 2009، دط، ص 10.
[4]: عبد المنعم الحضني، موسوعة الفلسفة والفلاسفة ح1- مكتبة مدبولي القاهرة ط2، 1999، ص 595.
[5]: القشري – الرسالة القشرية في علم التصوف- تحقيق معروف رزيق ، علي عبد الحميد طه ،دار الخبر القاهرة ط1، 1991 ، ص166.
[6]: عبد الفتاح أحمد فؤاد، فلاسفة الاسلام والصوفية وموقف أهل السنة منهم دار الوفاء لدنيا الطباعة للنشر والتوزيع الإسكندرية ط1، 2006، ص 2002.
[7]: المصدر نفسه ص 279.
[8]: الإمام بن الجوزى، تلبيس إبليس – تحقيق رضوان جامع رضوان- النور باك وتوزيع ونشر المكتب الثقافي، ط1، بيروت، 1994، ص 2،3.
[9]:القشري–الرسالة القشرية- ص 280-281.
[10]:القشري ،الرسالة القشرية، ص280.
[11]:ضياء مجيد الموسري، غاية التصوف وأدواته المتصوف، كنوز الحكمة الجزائر دط، 2011، ص70.
[12]: المرجع نفسه ،ص 29.
[13]: سهير فضل الله أبو وافية، الفلسفة الإنسانية في الإسلام، مكتبة الثقافة الدينية القاهرة ط1، 2005، ص 138.
[14]:مصطفى حلمي، الأخلاق بين الفلاسفة وعلماء الإسلام، دار الكتب العلمية بيروت، د ط وس ،ص 150-151.
[15]: المرجع نفسه، ص 152.
[16]: محمد محمود عبد الحميد أبو قحف –التصوف الإسلامي نشأته ومذاهبه –دار مكتبة الإسراء للطبع والنشر القاهرة، ط1، 2006، ص42.
[17]: أبو الوفا الغنيمي التفكازاني، مدخل إلى التصوف الإسلامي، دار الثقافة للنشر والتوزيع القاهرة، ط3، 1979، ص 104.
[18]: الغزالي، المنقذ من الضلال، دار الجندي للطبع مص-دط، 1973، ص 373-374.
[19]:عبد الرحمن بدوي، الموسوعة الفلسفية، ص71.
[20]: عبد الرحمن البدوي، ص 71.
[21]:سهير فضل الله أبو واقية، المرجع السابق ،ص 140.
[22]: المرجع نفسه، ص140.
[23]: سهير فضل الله أبو واقية، المرجع السابق، ص142.
[24]: جمال سعد محمود جمعة، في رياض التصوف الإسلامي، دار الكتب القاهرة، ط1، 2002، ص143.
[25]: عبد الحكيم عبد الغني قاسم، المذاهب الصوفية ومدارسها، المكتبة مدبولي القاهرة، ط2، 1999، ص 114.
[26]: حكيم عبد الغني قاسم، المرجع نفسه ص 114.
[27]: البارون كارادفو، الغزالي، تر، عادل زعيتر، المؤسسة العربية للدراسات والنشر بيروت، ط2، 1981، ص186.
[28]:المرجع نفسه ص186.
[29]: المرجع نفسه ص 187.
[30]:علي سعيد فرغلي ،الأخلاق الإسلامية والإنسانية، دار الكتاب الجامعي، القاهرة، ط1، 1985، ص185.
[31]:عبد الحكيم عبد الغني قاسم، المرجع السابق ص24.
[32]: عبد الحكيم عبد الغني قاسم، المرجع السابق ص 25.
[33]:محمد محمود عبد الحميد أبو قحف، التصوف الإسلامي نشأته ومذاهبه، ص 38.
.2 عبد الحكيم عبد الغني قاسم المرجع السابق ص48
[35]: عبد الحكيم عبد الغني قاسم، المرجع السابق، ص120.
[36]: عالي شكري، الإسلام والسياسة، موقع للنشر، ووحدة رغاية الجزائر، دط، 1995، ص318.
[37]:سهير فضل الله أبو وافية، المرجع السابق، ص164.
[38]: سهير فضل الله ،المرجع السابق ص 146-147.
[39]: المرجع نفسه، ص147.
[40]: المرجع نفسه، ص146.
[41]:مصطفى حلمي، الحياة الروحية في الإسلام، الهيئة العامة للتأليف القاهرة، دط، 1970، ص160.
[42]: عبد الرحمن بدوي، الموسوعة الفلسفية، ص72.
[43]: المرجع نفسه، ص 72.
[44]:المرجع نفسه، ص 72.
20/11/2024, 22:49 من طرف Admin
» كتاب مواعظ الإمام زين العابدين ـ صالح أحمد الشامي
18/11/2024, 23:30 من طرف Admin
» كتاب إتحاف النفوس بنفحات القدوس ـ عبد القدوس بن أسامة السامرائي
18/11/2024, 23:25 من طرف Admin
» كتاب الإعلام بفضل الصلاة على النبي والسلام ـ محمد بن عبد الرحمن بن علي النميري
18/11/2024, 23:20 من طرف Admin
» كتاب الغيب ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:08 من طرف Admin
» كتاب الشيطان والإنسان ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:03 من طرف Admin
» كتاب الشعراوي هنا رأيت سيدنا إبراهيم ـ سعيد أبو العنين
18/11/2024, 23:01 من طرف Admin
» كتاب الخير والشر ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:57 من طرف Admin
» كتاب التربية في مدرسة النبوة ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:55 من طرف Admin
» كتاب: إرشاد العباد إلى سبل الرشاد ـ للملبباري
18/11/2024, 22:41 من طرف Admin
» ـ كتاب آداب الحسن البصري ـ أبن الجوزي
18/11/2024, 22:34 من طرف Admin
» كتاب الله والنفس البشرية ـ لمحمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:23 من طرف Admin
» كتاب: معرفة النفس طر يق لمعرفة الرب ـ أستاذ البصيرة عبدالوهاب حسن
18/11/2024, 22:21 من طرف Admin
» كتاب الطريق الي الله ـ الشيخ علي جمعة
18/11/2024, 21:50 من طرف Admin
» كتاب: كتاب النفس والجسد والروح ـ ابراهيم البلتاجي
18/11/2024, 21:38 من طرف Admin