علاقة د/ عبد الحليم محمود
قدم فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر الدكتور عبد الحليم محمود، فصلا متميزا عن الفليسوف المسلم الفرنسى الأصل عبد الواحد يحيى (رينيه جينو)، فى كتابه الماتع "قضية التصوف – المدرسة الشاذلية".
وعبد الواحد يحيى هو أحد الفلاسفة المعاصرين الفرنسيين الذين اعتنقوا الإسلام ، وكان له أثر واسع فى الدفاع عن الإسلام، ونشره بين أوساط النخبة المثقفة الأوربية عامة، والفرنسية خاصة.
وبإيجاز ، ودون مقدمات طويلة، فلنستمع للإمام عبد الحليم محمود، يقول رحمه الله تعالى:
"كيف عرفت عبد الواحد يحيى:
إني لأذكر ذلك اليوم المشمس الجميل من شهر يونيو سنة 1940، فقد صحوت من نومي مبكرًا، أتأهب لخوض غمار معركة علمية هي مناقشة رسالة الدكتوراة في جامعة السُربون، سرت في طريقي ميممًا شطر الجامعة، وكنت أينما التفت لا أجد إلا وجوهًا يجللها الوجوم، ونفوسًا يعروها الذعر ويطاردها الخوف؛ فقد كان الألمان يحثون الخطى إلى قلب باريس، ويدكون في عنف كل ما يعترضهم من قلاع وحصون، ولكنني كنت مشغولًا عن هذا كله بما يتردد في نفسي، ويجول بذهني من اعتراضات ستلقى ونقد سيوجه.
ووصلت إلى فناء السُربون؛ فإذا بي أجد صديقي بول ريفوليتي -وهو من الروس البيض الذين هاجروا إلى باريس- ينتظرني وبيده كتاب هو: (صوفية دانت)، وطلب إلي أن أوصله إلى الشيخ عبد الواحد يحيى في مصر؛ إذ كان من المقرر عندي أن أسافر غداة ذلك اليوم الذي تناقش فيه رسالتي، حاولت أن أعرف من صديقي من هو الشيخ عبد الواحد يحيى؛ فآثر الصمت متعمدًا.
وانتهت المناقشة، ومرت الأيام بخيرها وشرها وحلوها ومرها، ووصلت في النهاية إلى القاهرة، ولم يكد يستقر بي المقام فيها حتى يممت شطر ضاحية الدقي باحثًا عن الشيخ عبد الواحد، وفي شارع نوال «فيلا فاطمة» طرقت الباب؛ فأطلت الخادم التي أعطيتها الكتاب، وطلبت إليها أن تستأذن في مقابلة الشيخ، ثم وقفت أنتظر الإذن بالدخول؛ فإذا بي أجد الخادم مقبلة نحوي، وبيدها مقعد من الخشب عليه مسحة الخشونة والشظف، وتطلب إلي أن أنتظر هنيهة من الزمن.
وجلست أمام الباب في الشارع أنتظر، الدقائق تمر والانتظار يطول، أرى الخادم مقبلة فأتهيأ للدخول، ولكنها تطلب مني أن أنصرف اليوم غير مطرود، وأحضر في الغد في الساعة الحادية عشرة؛ فانصرفت متراخيًّا وفي نفسي دهشة، وعلى وجهي شيء من طابع الخجل، ومع ذلك فقد أثارت هذه الحادثة رغبتي في أن أرى هذا الشيخ الذي يضع الكرسي في الشارع للزائرين، والذي يأمرهم بالانصراف اليوم ليحضروا إليه في الغد.
وحضرت من الغد في الموعد المضروب، وكنت دقيقًا كالساعة، وطرقت الباب وفي قلبي إشفاق، وفي نفسي تطلُّع إلى الدخول، ولم يكن حظي في هذا اليوم بأسعد منه في اليوم السابق؛ فقد صُرفت ولكن لا إلى موعد يبعث في النفس الأمل؛ بل أبلغت عن لسانه بأن أكتب إليه ما أريد، وهو يتولى الرد على ما أحب.
وانصرفت بعد أن أضعت يومين في محاولة لقائه، لم أكتب إليه؛ فلم يكن يهمني رده وإجابته بقدر ما كان يهمني لقاؤه، ثم لِمَ أكتب إليه؟ وفيم أكتب إليه؟
ومرت الأيام، ولم يزل من نفسي هذا التساؤل، من هو هذا الشيخ
عبد الواحد يحيى؟
وفي يوم من الأيام كنت أزور مسيو دي كومنين مدير البعثة العلمانية الفرنسية بمصر، وهو شخص له خطره وأثره ومكانته في الأوساط المصرية، وجرى الحديث على العادة في فنونه وشئونه، وإذا به يسألني هل أعرف رينيه جينو؛ فلما أجبت بالنفي أخذ يحدثني عنه وعن اسمه الإسلامي «عبد الواحد يحيى»؛ فحدثته بما كان بيني وبينه؛ فرجاني أن أعود إلى محاولة لقائه من جديد، وأن أستأذن له كذلك في لقائه.
ولكنني مع ذلك لم أجد في نفسي عزيمة تدفعها إلى إعادة المحاولة؛ فقد كان الكرسي الخشب لا يزال ماثلًا أمام ناظري، ومرت الأيام أيضًا.
وفي ذات يوم يحمل إلي البريد خطابًا من أستاذ جليل يقول فيه: إن «مسيو هيكتور ماديرو» وزير الأرجنتين المفوض في مصر قد زاره بمكتبه، ورجاه في أن يرشده إلى شخص يمكنه أن يتحدث معه عن الفلسفة الإسلامية والتصوف الإسلامي، ولم أجد من يصلح لهذه المهمة سواك، وطلب إلي أن أقابله.
والتقيت بالوزير فكان أول ما يستفسر عنه: أتعرف رينيه جينو؟ ومر بذهني مرة أخرى الكتاب والكرسي الخشبي وحديث مسيو دي كومنين، وذكرت كل ذلك للوزير، وقال الوزير: إنك قد وصلت إلى نقطة حاسمة، هي معرفة بيته، وفي هذا نصر عظيم؛ إذ إن الصحفيين الفرنسيين والسويسريين وغيرهم يأتون إلى مصر، فيجعلون من بعض مهامهم البحث عنه ويتجهون أول ما يتجهون نحو حي الأزهر وحي سيدنا الحسين أو السيدة زينب، ولكنهم لا يعثرون له على أثر، فيعودون وفي نفوسهم حسرة؛ لأنهم لم يقضوا وطرًا شهيًّا من زيارة مصر.
وصح منا العزم ذات يوم، أنا ومسيو ماديرو، على أن نخترق الحجاب المضروب بيننا وبين الشيخ عبد الواحد.
لا أزال أذكر ذلك اليوم، وكان يوم أحد، حيث وقفنا أمام باب «فيلا فاطمة» ندق الجرس، وبعد برهة إذا شيخ طويل القامة يكاد وجهه يضيء نورًا، عليه سمت المهابة وطابع الوقار والجلال، تشع عيناه ذكاء، وتنطق قسماته بالصلاح والتقى، إذ بهذا الشيخ يفتح الباب بنفسه، ويقف أمامنا وجهًا لوجه، فألقينا إليه بالسلام فرد التحية، ثم سألنا عن مقصدنا فأبلغه الوزير سلام أحد أصدقائه، فما إن سمع اسم صديقه حتى أذن لنا بالدخول، ودخلنا والتزم الشيخ الصمت، وقد كان من الممكن أن يكون الموقف حرجًا لولا دبلوماسية الوزير الذي أخذ يتحدث ويتحدث ذاكرًا آراء الشيخ عبد الواحد، مثنيًّا عليها مشيرًا إلى دقتها، كل ذلك والشيخ عبد الواحد صامت لا يكاد ينبس ببنت شفة، وانتهت الجلسة، وطلبنا إليه أن يسمح لنا بأن نعود لزيارته مرة أخرى؛ فأذن في تلطف وفي رقة.
وحين عدنا إلى المفوضية بعد لقائه، قال الوزير لعقيلته متبسطًا:
- لقد قابلنا اليوم شخصية هامَّة جدًّا، فمن تظنين؟
- أحد الوزراء؟
- أعظم.
- رئيس الوزراء؟
- أعظم.
- ملك؟
- أعظم.
- ربنا؟
- إنه على كل حال شخصية إلهية، إنه رينيه جينو.
فقالت في دهشة واستغراب: أحقًّا؟ يا لكما من سعيدين!
وعدنا وتكررت الزيارة، وتحدث الشيخ عبد الواحد وأفاض في الحديث، وذكر لنا أن عزلته هذه إنما هي عزلة بالنسبة للمتطفلين الذين لا يرغبون إلا في إضافة الوقت بالأحاديث الشخصية التافهة، ولكنه وقد رأى فينا رغبة صادقة في المعرفة؛ فليس بيننا وبينه إذن حجاب.
واستطعنا بعد ذلك أن نخرجه من وكره، وأن نصحبه إلى مسجد السلطان أبي العلا في الليلة الكبيرة من مولده، وجلسنا في حلقة من حلقات الذكر؛ فأخذ يهمهم في نفسه ويهتز، ثم أخذ كلامه يبين واهتزازه يشتد؛ وإذا به يذكر مع الذاكرين في نبرة واضحة وفي هزة رتيبة، ثم إذا به ينغمس في الذكر ويستغرق، ولم أكد أنبهه بعد فترة حتى انتفض انتفاضة قوية خِلْتُ أنها انتفاضة العائد من آفاق قصية مجهولة.
وتتابعت الأيام، وسافر الوزير ومات الشيخ عبد الواحد، ولم يبق في نفسي سوى الذكريات الجميلة.
ثم هيأ الله لي أن أطبع كتاب (المنقذ من الضلال) للإمام الغزالي، فقدمت له بمقدمة في منطق التصوف، جعلت من بعض فصولها تلخيصًا لمقال عن التصوف بقلم الشيخ عبد الواحد، وقد نال هذا الفصل استحسانًا كثيرًا لدى القراء؛ فشجعني ذلك على أن أستفيض نوعًا ما في دراسة الشيخ؛ فكان هذا الجزء، وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب.
المرجع : قضية التصوف ، المدرسة الشاذلية- فضيلة الإمام الأكبر الدكتور عبد الحليم محمود، مصر: دار المعارف، ط 3 ، ص 281 - 285.
قدم فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر الدكتور عبد الحليم محمود، فصلا متميزا عن الفليسوف المسلم الفرنسى الأصل عبد الواحد يحيى (رينيه جينو)، فى كتابه الماتع "قضية التصوف – المدرسة الشاذلية".
وعبد الواحد يحيى هو أحد الفلاسفة المعاصرين الفرنسيين الذين اعتنقوا الإسلام ، وكان له أثر واسع فى الدفاع عن الإسلام، ونشره بين أوساط النخبة المثقفة الأوربية عامة، والفرنسية خاصة.
وبإيجاز ، ودون مقدمات طويلة، فلنستمع للإمام عبد الحليم محمود، يقول رحمه الله تعالى:
"كيف عرفت عبد الواحد يحيى:
إني لأذكر ذلك اليوم المشمس الجميل من شهر يونيو سنة 1940، فقد صحوت من نومي مبكرًا، أتأهب لخوض غمار معركة علمية هي مناقشة رسالة الدكتوراة في جامعة السُربون، سرت في طريقي ميممًا شطر الجامعة، وكنت أينما التفت لا أجد إلا وجوهًا يجللها الوجوم، ونفوسًا يعروها الذعر ويطاردها الخوف؛ فقد كان الألمان يحثون الخطى إلى قلب باريس، ويدكون في عنف كل ما يعترضهم من قلاع وحصون، ولكنني كنت مشغولًا عن هذا كله بما يتردد في نفسي، ويجول بذهني من اعتراضات ستلقى ونقد سيوجه.
ووصلت إلى فناء السُربون؛ فإذا بي أجد صديقي بول ريفوليتي -وهو من الروس البيض الذين هاجروا إلى باريس- ينتظرني وبيده كتاب هو: (صوفية دانت)، وطلب إلي أن أوصله إلى الشيخ عبد الواحد يحيى في مصر؛ إذ كان من المقرر عندي أن أسافر غداة ذلك اليوم الذي تناقش فيه رسالتي، حاولت أن أعرف من صديقي من هو الشيخ عبد الواحد يحيى؛ فآثر الصمت متعمدًا.
وانتهت المناقشة، ومرت الأيام بخيرها وشرها وحلوها ومرها، ووصلت في النهاية إلى القاهرة، ولم يكد يستقر بي المقام فيها حتى يممت شطر ضاحية الدقي باحثًا عن الشيخ عبد الواحد، وفي شارع نوال «فيلا فاطمة» طرقت الباب؛ فأطلت الخادم التي أعطيتها الكتاب، وطلبت إليها أن تستأذن في مقابلة الشيخ، ثم وقفت أنتظر الإذن بالدخول؛ فإذا بي أجد الخادم مقبلة نحوي، وبيدها مقعد من الخشب عليه مسحة الخشونة والشظف، وتطلب إلي أن أنتظر هنيهة من الزمن.
وجلست أمام الباب في الشارع أنتظر، الدقائق تمر والانتظار يطول، أرى الخادم مقبلة فأتهيأ للدخول، ولكنها تطلب مني أن أنصرف اليوم غير مطرود، وأحضر في الغد في الساعة الحادية عشرة؛ فانصرفت متراخيًّا وفي نفسي دهشة، وعلى وجهي شيء من طابع الخجل، ومع ذلك فقد أثارت هذه الحادثة رغبتي في أن أرى هذا الشيخ الذي يضع الكرسي في الشارع للزائرين، والذي يأمرهم بالانصراف اليوم ليحضروا إليه في الغد.
وحضرت من الغد في الموعد المضروب، وكنت دقيقًا كالساعة، وطرقت الباب وفي قلبي إشفاق، وفي نفسي تطلُّع إلى الدخول، ولم يكن حظي في هذا اليوم بأسعد منه في اليوم السابق؛ فقد صُرفت ولكن لا إلى موعد يبعث في النفس الأمل؛ بل أبلغت عن لسانه بأن أكتب إليه ما أريد، وهو يتولى الرد على ما أحب.
وانصرفت بعد أن أضعت يومين في محاولة لقائه، لم أكتب إليه؛ فلم يكن يهمني رده وإجابته بقدر ما كان يهمني لقاؤه، ثم لِمَ أكتب إليه؟ وفيم أكتب إليه؟
ومرت الأيام، ولم يزل من نفسي هذا التساؤل، من هو هذا الشيخ
عبد الواحد يحيى؟
وفي يوم من الأيام كنت أزور مسيو دي كومنين مدير البعثة العلمانية الفرنسية بمصر، وهو شخص له خطره وأثره ومكانته في الأوساط المصرية، وجرى الحديث على العادة في فنونه وشئونه، وإذا به يسألني هل أعرف رينيه جينو؛ فلما أجبت بالنفي أخذ يحدثني عنه وعن اسمه الإسلامي «عبد الواحد يحيى»؛ فحدثته بما كان بيني وبينه؛ فرجاني أن أعود إلى محاولة لقائه من جديد، وأن أستأذن له كذلك في لقائه.
ولكنني مع ذلك لم أجد في نفسي عزيمة تدفعها إلى إعادة المحاولة؛ فقد كان الكرسي الخشب لا يزال ماثلًا أمام ناظري، ومرت الأيام أيضًا.
وفي ذات يوم يحمل إلي البريد خطابًا من أستاذ جليل يقول فيه: إن «مسيو هيكتور ماديرو» وزير الأرجنتين المفوض في مصر قد زاره بمكتبه، ورجاه في أن يرشده إلى شخص يمكنه أن يتحدث معه عن الفلسفة الإسلامية والتصوف الإسلامي، ولم أجد من يصلح لهذه المهمة سواك، وطلب إلي أن أقابله.
والتقيت بالوزير فكان أول ما يستفسر عنه: أتعرف رينيه جينو؟ ومر بذهني مرة أخرى الكتاب والكرسي الخشبي وحديث مسيو دي كومنين، وذكرت كل ذلك للوزير، وقال الوزير: إنك قد وصلت إلى نقطة حاسمة، هي معرفة بيته، وفي هذا نصر عظيم؛ إذ إن الصحفيين الفرنسيين والسويسريين وغيرهم يأتون إلى مصر، فيجعلون من بعض مهامهم البحث عنه ويتجهون أول ما يتجهون نحو حي الأزهر وحي سيدنا الحسين أو السيدة زينب، ولكنهم لا يعثرون له على أثر، فيعودون وفي نفوسهم حسرة؛ لأنهم لم يقضوا وطرًا شهيًّا من زيارة مصر.
وصح منا العزم ذات يوم، أنا ومسيو ماديرو، على أن نخترق الحجاب المضروب بيننا وبين الشيخ عبد الواحد.
لا أزال أذكر ذلك اليوم، وكان يوم أحد، حيث وقفنا أمام باب «فيلا فاطمة» ندق الجرس، وبعد برهة إذا شيخ طويل القامة يكاد وجهه يضيء نورًا، عليه سمت المهابة وطابع الوقار والجلال، تشع عيناه ذكاء، وتنطق قسماته بالصلاح والتقى، إذ بهذا الشيخ يفتح الباب بنفسه، ويقف أمامنا وجهًا لوجه، فألقينا إليه بالسلام فرد التحية، ثم سألنا عن مقصدنا فأبلغه الوزير سلام أحد أصدقائه، فما إن سمع اسم صديقه حتى أذن لنا بالدخول، ودخلنا والتزم الشيخ الصمت، وقد كان من الممكن أن يكون الموقف حرجًا لولا دبلوماسية الوزير الذي أخذ يتحدث ويتحدث ذاكرًا آراء الشيخ عبد الواحد، مثنيًّا عليها مشيرًا إلى دقتها، كل ذلك والشيخ عبد الواحد صامت لا يكاد ينبس ببنت شفة، وانتهت الجلسة، وطلبنا إليه أن يسمح لنا بأن نعود لزيارته مرة أخرى؛ فأذن في تلطف وفي رقة.
وحين عدنا إلى المفوضية بعد لقائه، قال الوزير لعقيلته متبسطًا:
- لقد قابلنا اليوم شخصية هامَّة جدًّا، فمن تظنين؟
- أحد الوزراء؟
- أعظم.
- رئيس الوزراء؟
- أعظم.
- ملك؟
- أعظم.
- ربنا؟
- إنه على كل حال شخصية إلهية، إنه رينيه جينو.
فقالت في دهشة واستغراب: أحقًّا؟ يا لكما من سعيدين!
وعدنا وتكررت الزيارة، وتحدث الشيخ عبد الواحد وأفاض في الحديث، وذكر لنا أن عزلته هذه إنما هي عزلة بالنسبة للمتطفلين الذين لا يرغبون إلا في إضافة الوقت بالأحاديث الشخصية التافهة، ولكنه وقد رأى فينا رغبة صادقة في المعرفة؛ فليس بيننا وبينه إذن حجاب.
واستطعنا بعد ذلك أن نخرجه من وكره، وأن نصحبه إلى مسجد السلطان أبي العلا في الليلة الكبيرة من مولده، وجلسنا في حلقة من حلقات الذكر؛ فأخذ يهمهم في نفسه ويهتز، ثم أخذ كلامه يبين واهتزازه يشتد؛ وإذا به يذكر مع الذاكرين في نبرة واضحة وفي هزة رتيبة، ثم إذا به ينغمس في الذكر ويستغرق، ولم أكد أنبهه بعد فترة حتى انتفض انتفاضة قوية خِلْتُ أنها انتفاضة العائد من آفاق قصية مجهولة.
وتتابعت الأيام، وسافر الوزير ومات الشيخ عبد الواحد، ولم يبق في نفسي سوى الذكريات الجميلة.
ثم هيأ الله لي أن أطبع كتاب (المنقذ من الضلال) للإمام الغزالي، فقدمت له بمقدمة في منطق التصوف، جعلت من بعض فصولها تلخيصًا لمقال عن التصوف بقلم الشيخ عبد الواحد، وقد نال هذا الفصل استحسانًا كثيرًا لدى القراء؛ فشجعني ذلك على أن أستفيض نوعًا ما في دراسة الشيخ؛ فكان هذا الجزء، وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب.
المرجع : قضية التصوف ، المدرسة الشاذلية- فضيلة الإمام الأكبر الدكتور عبد الحليم محمود، مصر: دار المعارف، ط 3 ، ص 281 - 285.
20/11/2024, 22:49 من طرف Admin
» كتاب مواعظ الإمام زين العابدين ـ صالح أحمد الشامي
18/11/2024, 23:30 من طرف Admin
» كتاب إتحاف النفوس بنفحات القدوس ـ عبد القدوس بن أسامة السامرائي
18/11/2024, 23:25 من طرف Admin
» كتاب الإعلام بفضل الصلاة على النبي والسلام ـ محمد بن عبد الرحمن بن علي النميري
18/11/2024, 23:20 من طرف Admin
» كتاب الغيب ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:08 من طرف Admin
» كتاب الشيطان والإنسان ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:03 من طرف Admin
» كتاب الشعراوي هنا رأيت سيدنا إبراهيم ـ سعيد أبو العنين
18/11/2024, 23:01 من طرف Admin
» كتاب الخير والشر ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:57 من طرف Admin
» كتاب التربية في مدرسة النبوة ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:55 من طرف Admin
» كتاب: إرشاد العباد إلى سبل الرشاد ـ للملبباري
18/11/2024, 22:41 من طرف Admin
» ـ كتاب آداب الحسن البصري ـ أبن الجوزي
18/11/2024, 22:34 من طرف Admin
» كتاب الله والنفس البشرية ـ لمحمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:23 من طرف Admin
» كتاب: معرفة النفس طر يق لمعرفة الرب ـ أستاذ البصيرة عبدالوهاب حسن
18/11/2024, 22:21 من طرف Admin
» كتاب الطريق الي الله ـ الشيخ علي جمعة
18/11/2024, 21:50 من طرف Admin
» كتاب: كتاب النفس والجسد والروح ـ ابراهيم البلتاجي
18/11/2024, 21:38 من طرف Admin