سؤالُ العبدِ يومَ القيامةِ
سلسلة الذهب - الجزء الأول
سلسلة-الذهبالحمدُ للهِ ربّ العالمينَ والصّلاةُ والسّلامُ على سيّدِ المرسلينَ وعلى ءالهِ الطّيبينَ الطّاهرينَ.
أما بعدُ، فقد قالَ رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم : "لا تزولُ قَدَما عَبدٍ يومَ القيامةِ حتى يُسألَ عن أربعٍ عن عُمُرِهِ فيما أفناهُ وعن جَسدهِ فيما أبلاهُ وعن مالهِ من أينَ أخذَهُ وفيما أنفقَهُ وعن علمِهِ ماذا عَمِلَ بِهِ".
في هذا الحديثِ الصحيحِ أنَّ الإنسانَ يُسألُ يومَ القيامةِ عن هذهِ الأشياءِ الأربعةِ، الأولُ عن عمرِهِ فيمَا أفناهُ؛ لأنَّ وجودَ الإنسانِ بإيجادِ اللهِ نعمةٌ فيُسأَلُ العبدُ عن هذهِ النعمةِ، اللهُ أنعمَ عليهِ بالوجودِ فيُسأَلُ عن هذه النعمةِ، يُسأَلُ فيما أفنيتَ عمرَكَ، فإمَّا أنْ يكونَ أَفنَـى عمرَهُ في طاعةِ اللهِ وإمَّا أَفنَـى عمرَهُ في معصيةِ اللهِ، هذا يُعَامَلُ على ما يليقُ بهِ وهذا يُعَامَلُ على ما يَلِيقُ بهِ.
والأمرُ الثانِي : يُسأَلُ عن جسدِهِ فيما أبلاهُ أي ماذا عَمِلَ بجوارحِهِ بيدِهِ ورجلِهِ وعينِهِ وأُذنِهِ، هل استعمَلَ هذهِ النعمَ في طاعةِ اللهِ أم في معصيةِ اللهِ؛ لأنَّ العينَ واللسانَ واليدَ والأُذُنَ والرِجلَ كلُّ هذا من نِعَمِ اللهِ، من استعملَهُ في طاعةِ اللهِ ينالُ في الآخرةِ أَجرًا جزيلاً في الآخرةِ لِـهذا يُسأَلُ عن جسدِهِ فيما أبلاهُ.
والأمرُ الثالِثُ المالُ، يُسأَلُ الإنسانُمِنْ أينَ جَـمَعْتَ هذا المالَ إنْ كانَ أخذَهُ مِنْ حلالٍ وصَرَفَهُ في حلالٍ من غيرِ معصيةِ اللهِ، ليسَ عليه عقوبةٌ بلْ إنْ صرفَهُ في طاعةِ اللهِ في نفقةِ أهلِهِ وفي الصّدقاتِ ونحوِ ذلكَ، يكونُ هذا المالُ الذي جمعَهُ من حلالٍ وصرفَهُ في طاعةِ اللهِ ذُخْرًا كبيرًا في الآخرةِ، أمَّا إنْ جَـمَعَهُ من حرامٍ فالويلُ لَهُ ثم الويلُ، وأَمَّا إِنْ جَـمَعَهُ من حرامٍ وصَرَفَهُ في الصّدقاتِ فلا يقبَلُهُ اللهُ منهُ.
ليسَ كلُّ ما يصلُ إليهِ يدُ الإنسانِ حلالا، حتى الشىءُ الذي تصِلُ إليهِ يدُهُ من غيرِ طريقِ السّرقةِ والغصْبِ منهُ ما هو مُـحرَّمٌ، المالُ لهُ أحكامٌ، القرءانُ الكريمُ ذَكَرَ المالَ الحلالَ والمالَ الحرامَ، فإذَا جَـمَعَ المالَ من حرامٍ ثم صَرَفَ منه كثيرًا في بناءِ مسجدٍ ونحوِ ذلكَ لا يقبلُ اللهُ منهُ، اللهُ لا يقبلُ من الصّدقاتِ وبناءِ المساجدِ ونحوِ ذلكَ إلا ما كانَ مالَ حلالٍ.
ثم بعضُ الناسِ يجمعونَ المالَ من حرامٍ يكونُ عندَهُم مالٌ كثيرٌ ثمّ يَـموتُونَ ويتركُونَ هذا المالَ لأهليهِم وأقاربِـهِم، هذا الشخصُ تَرَكَ وَبَالا عليهِ، أهلُهُ ينتفعونَ بهِ -إنعلمواأنهمنحراملايجوزُلهمالانتفاعُبهذاالمالِبلْيردّونهلأصْحابِه-أمّا هو يُؤاخَذُ عليهِ في الآخرةِ لأنَّهُ مالٌ حرامٌ جَـمَعَهُ لَـهُم من طريقٍ حرامٍ ثم تَـرَكَهُ لَـهُم وذَهَبَ إلى القبرِ.
الأمرُ الرابعُ: هو تعلّمُ علمِ الدينِ الحلالِ والحرامِ، تعلمُ ما هو فرضٌ من طاعةِ اللهِ وتعلمُ ما هو محرمٌ في شرعِ اللهِ، فإنْ كانَ ما تعلمَهُ طبقَهُ وأدَّى الفرضَ، أدَّى ما فرضَ اللهُ عليه وتَـجَنَّبَ ما حَرَّمَهُ اللهُ عليهِ كما تَعَلَّمَهُ من علمِ الدينِ، هذا منـزلتُهُ عاليةٌ في الآخرةِ، أمَّا إن لَـمْ يَتْبَعْ عِلْمَهُ وتَبِعَ هواهُ أضاعَ بعضَ الواجباتِ أو ارتكَبَ بعضَ الذنوبِ الكبيرةِ فهو له ويلٌ كبيرٌ في الآخرةِ.
ثم إنَّ هؤلاءِ الأربعةَ من خَتَمَ اللهُ له بالإسلامِ فمَاتَ مؤمنًا ومتجنبًا للكفرياتِ فَمَهْمَا كَثُرَتْ ذنوبُهُ فهو تَحتَ المشيئةِ إنْ شاءَ اللهُ عاقبَهُ بذنوبِهِ وإنْ شاءَ عَفَا عنهُ، لذلكَ نحنُ إذا عَلِمْنَا مُسلمًا من أهلِ الكبائرِ ماتَ لا نقولُ هذا من أهلِ النارِ، لا يَـجوزُ.
الصدقةُ مِنْ مالٍ حلالٍ قد يَغفِرُ اللهُ بِـهَا بعضَ الكبائِرِ، لَـهَا نفعٌ كبيرٌ مَهْمَا قَلَّتْ، لَـهَا عندَ اللهِ وزنٌ كبيرٌ لذلكَ قالَ الرسولُ عليهِ السَّلامُ: "سَبَقَ دِرهَمٌ مائَةَ ألفِ دِرهَم" قيلَ:كيفَ ذلكَ يا رسولَ اللهِ؟ قالَ: "رجلٌ لهُ درهَـمانِ -أي من الحلالِ- تَصَدَّقَ بأحدِهِمَا وأبقَى الآخرَ لنفسِهِ ورجلٌ ءاخرُ تَصَدَّقَ بمائةِ ألفٍ من عُرضِ مالِهِ" أي لهُ مالٌ كثيرٌ، من هذا المالِ الذي هو ملايينُ أعطَى مائةَ ألفٍ وتركَ لنفسِهِ الكثيرَ الكثيرَ.
هذا الذي تصدَّقَ بدرهمٍ وتركَ لنفسِهِ دِرهَـمًا ثوابُهُ أعظمُ من ذلكَ الذي تَصَدَّقَ بِـمائةِ ألفٍ؛ لأنَّ هذا غَلَبَ نفسَهُ لأجلِ الآخرةِ، ما قالَ: أنَا ما عندِي إلّا دِرهمانِ كيفَ أُخرِجُ دِرهَـمًا منهُمَا؟ ءاثَرَ الآخرةَ وخالفَ نفسَهُ ورَغِبَ فيمَا عندَ اللهِ من الثوابِ، هذا ثوابُهُ أفضلُ من ذلكَ الغنِـيّ، ليسَ شرطًا أنْ يكونَ الشخصُ تَصَدَّقَ بالكثيرِ بل العِبرةُ أنْ يكونَ المالُ حلالًا.
ثم لَوْ تصَدَّقَ بِحبةِ تمرٍ على إنسانٍ جائعٍ هذهِ التمرةُ الواحدةُ لَـهَا عندَ اللهِ وزنٌ كبيرٌ، قَدْ يُعتِقُ اللهُ المسلمَ من ذنوبٍ كبيرةٍ بصدقةٍ قليلةٍ إنْ كان المالُ حلالا وكانَتِ النيةُ تقربًا للهِ ليسَتْ للرّياءِ، ليسَ ليقالَ: فلانٌ كريمٌ يَبذُلُ المالَ للهِ، إِنَّـمَا نيتُهُ التقربُ إلى اللهِ بلا رياءٍ.
ثم إنَّ اللهَ تبارك وتعالى أَخَّرَ أكثرَ جزاءِ الكفارِ والمسلمينَ العصاةِ إلى الآخرةِ، أَكثرُ الكفارِ الذينَ طَغَوْا وكَفَرُوا باللهِ وبأنبيائِهِ أُخّـِرَ عذابُـهُم إلى الآخرةِ، وبعضُهُم انتقَمَ منهُم في الدّنيَا.
قومُ نوحٍ عليهِ السلامُ لَمَّا كَذَّبُوهُ وبَقُوا على عبادةِ الأوثانِ الخمسةِ تَعِبَ معهُم، هو كانَ لا يَـمَلُّ من دعوتِـهم إلى الإسلامِ وهم يقابلونَهُ بالسّبّ والشتمِ وأحيانًا يضربونَهُ، قضَى وهو صابرٌ على هذا تسعَمائةٍ وخمسينَ سنةً، ما ءامنَ بهِ إلا نحوُ ثمانينَ شخصًا، اللهُ أنزلَ عليهِ الوحيَ بأنَّهُ لا يؤمِنُ منهُم إلا القدرُ الذينَ ءامنُوا فقَطَعَ الأملَ منهُم وصارَ يدعُو عليهِم بعدَ أنْ قطعَ الأملَ منهُم، فدَعَا عليهِم بأنْ لا يترُكَ اللهُ منهُم أحدًا على الأرضِ، اللهُ استجابَ دعاءَهُ.
كلُّ أولئكَ حتى الأطفالُ اللهُ أهلكَهُم لأنَّ اللهَ عَلِمَ أن أطفالَـهُم لو كَبِرُوا لا يؤمنُونَ، اللهُ أهلكَهُم بالغرقِ، أَمَرَ الأرضَ فارتفعَ ماؤُهَا أربعينَ ذراعًا وأمرَ السّماءَ فصارَتْ تُـمطِرُ قطراتٍ كلُّ قطرةٍ كالجبلِ ليسَ كالعادةِ، اجتمعَ ماءُ الأرضِ وماءُ السَّماءِ، فغَطَّى جبالَ الأرضِ كلَّها، أما نوحٌ ومَنْ ءامنَ معَهُ اللهُ نَـجَّاهُم، وأهلَكَ البقيةَ حتَّى ابنَهُ كنعانَ الذي أكلَهُ الغرقُ لأنَّهُ كَفَرَ.
والحمدُ للهِ ربّ العالمينَ
سلسلة الذهب - الجزء الأول
سلسلة-الذهبالحمدُ للهِ ربّ العالمينَ والصّلاةُ والسّلامُ على سيّدِ المرسلينَ وعلى ءالهِ الطّيبينَ الطّاهرينَ.
أما بعدُ، فقد قالَ رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم : "لا تزولُ قَدَما عَبدٍ يومَ القيامةِ حتى يُسألَ عن أربعٍ عن عُمُرِهِ فيما أفناهُ وعن جَسدهِ فيما أبلاهُ وعن مالهِ من أينَ أخذَهُ وفيما أنفقَهُ وعن علمِهِ ماذا عَمِلَ بِهِ".
في هذا الحديثِ الصحيحِ أنَّ الإنسانَ يُسألُ يومَ القيامةِ عن هذهِ الأشياءِ الأربعةِ، الأولُ عن عمرِهِ فيمَا أفناهُ؛ لأنَّ وجودَ الإنسانِ بإيجادِ اللهِ نعمةٌ فيُسأَلُ العبدُ عن هذهِ النعمةِ، اللهُ أنعمَ عليهِ بالوجودِ فيُسأَلُ عن هذه النعمةِ، يُسأَلُ فيما أفنيتَ عمرَكَ، فإمَّا أنْ يكونَ أَفنَـى عمرَهُ في طاعةِ اللهِ وإمَّا أَفنَـى عمرَهُ في معصيةِ اللهِ، هذا يُعَامَلُ على ما يليقُ بهِ وهذا يُعَامَلُ على ما يَلِيقُ بهِ.
والأمرُ الثانِي : يُسأَلُ عن جسدِهِ فيما أبلاهُ أي ماذا عَمِلَ بجوارحِهِ بيدِهِ ورجلِهِ وعينِهِ وأُذنِهِ، هل استعمَلَ هذهِ النعمَ في طاعةِ اللهِ أم في معصيةِ اللهِ؛ لأنَّ العينَ واللسانَ واليدَ والأُذُنَ والرِجلَ كلُّ هذا من نِعَمِ اللهِ، من استعملَهُ في طاعةِ اللهِ ينالُ في الآخرةِ أَجرًا جزيلاً في الآخرةِ لِـهذا يُسأَلُ عن جسدِهِ فيما أبلاهُ.
والأمرُ الثالِثُ المالُ، يُسأَلُ الإنسانُمِنْ أينَ جَـمَعْتَ هذا المالَ إنْ كانَ أخذَهُ مِنْ حلالٍ وصَرَفَهُ في حلالٍ من غيرِ معصيةِ اللهِ، ليسَ عليه عقوبةٌ بلْ إنْ صرفَهُ في طاعةِ اللهِ في نفقةِ أهلِهِ وفي الصّدقاتِ ونحوِ ذلكَ، يكونُ هذا المالُ الذي جمعَهُ من حلالٍ وصرفَهُ في طاعةِ اللهِ ذُخْرًا كبيرًا في الآخرةِ، أمَّا إنْ جَـمَعَهُ من حرامٍ فالويلُ لَهُ ثم الويلُ، وأَمَّا إِنْ جَـمَعَهُ من حرامٍ وصَرَفَهُ في الصّدقاتِ فلا يقبَلُهُ اللهُ منهُ.
ليسَ كلُّ ما يصلُ إليهِ يدُ الإنسانِ حلالا، حتى الشىءُ الذي تصِلُ إليهِ يدُهُ من غيرِ طريقِ السّرقةِ والغصْبِ منهُ ما هو مُـحرَّمٌ، المالُ لهُ أحكامٌ، القرءانُ الكريمُ ذَكَرَ المالَ الحلالَ والمالَ الحرامَ، فإذَا جَـمَعَ المالَ من حرامٍ ثم صَرَفَ منه كثيرًا في بناءِ مسجدٍ ونحوِ ذلكَ لا يقبلُ اللهُ منهُ، اللهُ لا يقبلُ من الصّدقاتِ وبناءِ المساجدِ ونحوِ ذلكَ إلا ما كانَ مالَ حلالٍ.
ثم بعضُ الناسِ يجمعونَ المالَ من حرامٍ يكونُ عندَهُم مالٌ كثيرٌ ثمّ يَـموتُونَ ويتركُونَ هذا المالَ لأهليهِم وأقاربِـهِم، هذا الشخصُ تَرَكَ وَبَالا عليهِ، أهلُهُ ينتفعونَ بهِ -إنعلمواأنهمنحراملايجوزُلهمالانتفاعُبهذاالمالِبلْيردّونهلأصْحابِه-أمّا هو يُؤاخَذُ عليهِ في الآخرةِ لأنَّهُ مالٌ حرامٌ جَـمَعَهُ لَـهُم من طريقٍ حرامٍ ثم تَـرَكَهُ لَـهُم وذَهَبَ إلى القبرِ.
الأمرُ الرابعُ: هو تعلّمُ علمِ الدينِ الحلالِ والحرامِ، تعلمُ ما هو فرضٌ من طاعةِ اللهِ وتعلمُ ما هو محرمٌ في شرعِ اللهِ، فإنْ كانَ ما تعلمَهُ طبقَهُ وأدَّى الفرضَ، أدَّى ما فرضَ اللهُ عليه وتَـجَنَّبَ ما حَرَّمَهُ اللهُ عليهِ كما تَعَلَّمَهُ من علمِ الدينِ، هذا منـزلتُهُ عاليةٌ في الآخرةِ، أمَّا إن لَـمْ يَتْبَعْ عِلْمَهُ وتَبِعَ هواهُ أضاعَ بعضَ الواجباتِ أو ارتكَبَ بعضَ الذنوبِ الكبيرةِ فهو له ويلٌ كبيرٌ في الآخرةِ.
ثم إنَّ هؤلاءِ الأربعةَ من خَتَمَ اللهُ له بالإسلامِ فمَاتَ مؤمنًا ومتجنبًا للكفرياتِ فَمَهْمَا كَثُرَتْ ذنوبُهُ فهو تَحتَ المشيئةِ إنْ شاءَ اللهُ عاقبَهُ بذنوبِهِ وإنْ شاءَ عَفَا عنهُ، لذلكَ نحنُ إذا عَلِمْنَا مُسلمًا من أهلِ الكبائرِ ماتَ لا نقولُ هذا من أهلِ النارِ، لا يَـجوزُ.
الصدقةُ مِنْ مالٍ حلالٍ قد يَغفِرُ اللهُ بِـهَا بعضَ الكبائِرِ، لَـهَا نفعٌ كبيرٌ مَهْمَا قَلَّتْ، لَـهَا عندَ اللهِ وزنٌ كبيرٌ لذلكَ قالَ الرسولُ عليهِ السَّلامُ: "سَبَقَ دِرهَمٌ مائَةَ ألفِ دِرهَم" قيلَ:كيفَ ذلكَ يا رسولَ اللهِ؟ قالَ: "رجلٌ لهُ درهَـمانِ -أي من الحلالِ- تَصَدَّقَ بأحدِهِمَا وأبقَى الآخرَ لنفسِهِ ورجلٌ ءاخرُ تَصَدَّقَ بمائةِ ألفٍ من عُرضِ مالِهِ" أي لهُ مالٌ كثيرٌ، من هذا المالِ الذي هو ملايينُ أعطَى مائةَ ألفٍ وتركَ لنفسِهِ الكثيرَ الكثيرَ.
هذا الذي تصدَّقَ بدرهمٍ وتركَ لنفسِهِ دِرهَـمًا ثوابُهُ أعظمُ من ذلكَ الذي تَصَدَّقَ بِـمائةِ ألفٍ؛ لأنَّ هذا غَلَبَ نفسَهُ لأجلِ الآخرةِ، ما قالَ: أنَا ما عندِي إلّا دِرهمانِ كيفَ أُخرِجُ دِرهَـمًا منهُمَا؟ ءاثَرَ الآخرةَ وخالفَ نفسَهُ ورَغِبَ فيمَا عندَ اللهِ من الثوابِ، هذا ثوابُهُ أفضلُ من ذلكَ الغنِـيّ، ليسَ شرطًا أنْ يكونَ الشخصُ تَصَدَّقَ بالكثيرِ بل العِبرةُ أنْ يكونَ المالُ حلالًا.
ثم لَوْ تصَدَّقَ بِحبةِ تمرٍ على إنسانٍ جائعٍ هذهِ التمرةُ الواحدةُ لَـهَا عندَ اللهِ وزنٌ كبيرٌ، قَدْ يُعتِقُ اللهُ المسلمَ من ذنوبٍ كبيرةٍ بصدقةٍ قليلةٍ إنْ كان المالُ حلالا وكانَتِ النيةُ تقربًا للهِ ليسَتْ للرّياءِ، ليسَ ليقالَ: فلانٌ كريمٌ يَبذُلُ المالَ للهِ، إِنَّـمَا نيتُهُ التقربُ إلى اللهِ بلا رياءٍ.
ثم إنَّ اللهَ تبارك وتعالى أَخَّرَ أكثرَ جزاءِ الكفارِ والمسلمينَ العصاةِ إلى الآخرةِ، أَكثرُ الكفارِ الذينَ طَغَوْا وكَفَرُوا باللهِ وبأنبيائِهِ أُخّـِرَ عذابُـهُم إلى الآخرةِ، وبعضُهُم انتقَمَ منهُم في الدّنيَا.
قومُ نوحٍ عليهِ السلامُ لَمَّا كَذَّبُوهُ وبَقُوا على عبادةِ الأوثانِ الخمسةِ تَعِبَ معهُم، هو كانَ لا يَـمَلُّ من دعوتِـهم إلى الإسلامِ وهم يقابلونَهُ بالسّبّ والشتمِ وأحيانًا يضربونَهُ، قضَى وهو صابرٌ على هذا تسعَمائةٍ وخمسينَ سنةً، ما ءامنَ بهِ إلا نحوُ ثمانينَ شخصًا، اللهُ أنزلَ عليهِ الوحيَ بأنَّهُ لا يؤمِنُ منهُم إلا القدرُ الذينَ ءامنُوا فقَطَعَ الأملَ منهُم وصارَ يدعُو عليهِم بعدَ أنْ قطعَ الأملَ منهُم، فدَعَا عليهِم بأنْ لا يترُكَ اللهُ منهُم أحدًا على الأرضِ، اللهُ استجابَ دعاءَهُ.
كلُّ أولئكَ حتى الأطفالُ اللهُ أهلكَهُم لأنَّ اللهَ عَلِمَ أن أطفالَـهُم لو كَبِرُوا لا يؤمنُونَ، اللهُ أهلكَهُم بالغرقِ، أَمَرَ الأرضَ فارتفعَ ماؤُهَا أربعينَ ذراعًا وأمرَ السّماءَ فصارَتْ تُـمطِرُ قطراتٍ كلُّ قطرةٍ كالجبلِ ليسَ كالعادةِ، اجتمعَ ماءُ الأرضِ وماءُ السَّماءِ، فغَطَّى جبالَ الأرضِ كلَّها، أما نوحٌ ومَنْ ءامنَ معَهُ اللهُ نَـجَّاهُم، وأهلَكَ البقيةَ حتَّى ابنَهُ كنعانَ الذي أكلَهُ الغرقُ لأنَّهُ كَفَرَ.
والحمدُ للهِ ربّ العالمينَ
20/11/2024, 22:49 من طرف Admin
» كتاب مواعظ الإمام زين العابدين ـ صالح أحمد الشامي
18/11/2024, 23:30 من طرف Admin
» كتاب إتحاف النفوس بنفحات القدوس ـ عبد القدوس بن أسامة السامرائي
18/11/2024, 23:25 من طرف Admin
» كتاب الإعلام بفضل الصلاة على النبي والسلام ـ محمد بن عبد الرحمن بن علي النميري
18/11/2024, 23:20 من طرف Admin
» كتاب الغيب ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:08 من طرف Admin
» كتاب الشيطان والإنسان ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:03 من طرف Admin
» كتاب الشعراوي هنا رأيت سيدنا إبراهيم ـ سعيد أبو العنين
18/11/2024, 23:01 من طرف Admin
» كتاب الخير والشر ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:57 من طرف Admin
» كتاب التربية في مدرسة النبوة ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:55 من طرف Admin
» كتاب: إرشاد العباد إلى سبل الرشاد ـ للملبباري
18/11/2024, 22:41 من طرف Admin
» ـ كتاب آداب الحسن البصري ـ أبن الجوزي
18/11/2024, 22:34 من طرف Admin
» كتاب الله والنفس البشرية ـ لمحمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:23 من طرف Admin
» كتاب: معرفة النفس طر يق لمعرفة الرب ـ أستاذ البصيرة عبدالوهاب حسن
18/11/2024, 22:21 من طرف Admin
» كتاب الطريق الي الله ـ الشيخ علي جمعة
18/11/2024, 21:50 من طرف Admin
» كتاب: كتاب النفس والجسد والروح ـ ابراهيم البلتاجي
18/11/2024, 21:38 من طرف Admin