الربا وأنواعُهُ
سلسلة الذهب - الجزء الأول
سلسلة-الذهبالحمدُ للهِ ربِ العالمينَ لهُ النّعمةُ وله الفضلُ وله الثناءُ الـحسنُ وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لهُ وأشهدُ أنَّ مـحمَّدًا عبدُهُ ورسولُهُ صلواتُ اللهِ البرّ الرحيمِ والملائكةِ الـمقربينَ على سيدِنا مـحمَّدٍ أشرفِ الـمرسلينَ وخاتمِ النبيينَ وشفيعِ الـمذنبينَ يومَ الدّينِ مَنْ فَرَضَ اللهُ علينا مـحبتَهُ وطاعتَهُ وعلى جميعِ إخوانِهِ الأنبياءِ والمرسلينَ.
وبعدُ فإنَّ اللهَ تباركَ وتعالى قالَ في كتابِهِ الـمُبينِ: ﴿وأحلَّ اللهُ البيعَ وحرَّمَ الـّرِبَا﴾ اللهُ تباركَ وتعالى أحلَّ البيعَ إلا ما نَهَى عنهُ، فيمَا أَوحَى بهِ إلى نبيّـِهِ مـحمَّدٍ، وإِنَّـمَا نصَّ القرءانُ الكريمُ على ذكرِ الـّرِبَا واقتصَرَ عليهِ ولَـمْ يذكُرْ غيرَهُ من أنواعِ البيعِ الـمـحرَّمةِ لأنَّ الـّرِبَا أشدُّ أنواعِ الـمالِ الـمـحرَّمِ، فكلُّ مالٍ مـحرَّمٌ إِثـمُهُ دونَ إِثْـمِ الـّرِبَا.
والـّرِبَا فسّرَهُ الرسولُ صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم بأنَّ منهُ ما هو من طريقِ القَرْضِ وأنَّ منهُ ما هو ليسَ من طريقِ القَرضِ. فالأولُ هو الذي يَشتَرِطُ فيهِ الـمقرِضُ جرَّ منفعةٍ لنفسِهِ، أو لَهُ وللمُقتَرِضِ.
الـّرِبَا كانَ حرامًا في شرعِ موسَى عليهِ السّلامُ لكنَّهُ في بدءِ البعثةِ النّبويةِ الـمـحمَّديةِ لَـمْ يَنـزِلْ تَـحريـمُهُ عليهِم، لأنَّ الأحكامَ كانَتْ تنـزلُ على النبيّ شيئًا فشيئًا، هذه الصّلواتُ الخمسُ نزلَ فرضيتُهَا على النبيّ وأمّتِهِ وكانَ قبلَ ذلكَ مفروضًا عليهِم أن يُصَلُّوا في الليلِ ثُـمَّ نُسِخَ ذلكَ ففُرِضَ عليهِم الخمسُ.
كذلكَ الخمرُ لَـمْ يكن مـحرَّمًا على أمةِ مـحمَّدٍ إلا بعد الهجرةِ، أنزلَ اللهُ تعالى تحريـمَهَا بعدَ الهجرةِ في السَّنةِ الثَّالثةِ، وكذلكَ الـّرِبَا في شرعِ مـحمَّدٍ لَـمْ يـُحرَّمْ إلا بعدَ الهجرةِ وكانَ أغلبُ الـّرِبَا الذي يعملُهُ النَّاسُ رِبَا القرضِ، وهو أنْ يَشرِطَ الـمُقرِضُ ما فيهِ جرُّ منفعةٍ لنفسِهِ سواءٌ كانَ بزيادةٍ في مقدارِ الـمالِ الذي أَقرَضَهُ، أو بـمنفعةٍ أخرى، كأنْ يَشترِطَ عليهِ أن يُسكِنَهُ بيتَهُ إلى أن يَرُدَّ القرضَ مَـجانًا أو بأجرةٍ هي نِصْفُ أُجْرةِ الـمِثلِ أو نَـحوَ ذلك، أو اشترطَ الـمقرِضُ على الـمقتَرِضِ أن لا يعامِلَ غيرَهُ في معاملاتِهِ بالبيعِ والشّراءِ كان ذلكَ ربًا. وهذا النّوعُ من الرّبَا يقالُ لهُ ربا القَرضِ. وهو أشدُّ أنواعِ الرّبا، وهذا القرضُ الذي شَرَطَ فيهِ المقْرِضُ جرَّ منفعةٍ لنفسِهِ فقط أو لنفسِهِ وللمُقتَرِضِ اتَّفَقَ على تَـحريـمِهِ علماءُ الأمصارِ، أي كلُّ إمامٍ مُـجتَهِدٍ من الأربعةِ وغيرِهِم.
ولا يُشترَطُ في حرمةِ ربا القرضِ أن يكونَ القدرُ الذي يَشتَرِطُهُ الـمقرِضُ من الزيادةِ عندَ رَدّ القرضِ كثيرًا، بلِ القليلُ والكثيرُ من الـحرمةِ سواءٌ، إنْ أردتُمُ التوبةَ من معصيةِ الربا فاقتصِرُوا على رأسِ الـمالِ لا تطلبُوا شيئًا سِوَى رأسِ الـمالِ.
مَنْ أَقرَضَ مائةً وكانَ شَرَطَ عليهِ أنَّهُ إنْ تَأَخَّرَ عن هذا الـموعدِ عن الشَّهرِ الأولِ إلى شهرٍ ثانٍ ينضافُ عليهِ كذا كانَ ربًا، ومنهُ ما يفعلُهُ الذينَ يبيعُونَ السَّياراتِ في هذا العصْرِ أَنَّـهُم يشترطونَ بعدَ تـحديدِ الثَّمنِ أنَّهُ إن أَخَّرَ قِسطًا من الأقساطِ يُضافُ عليهِ كذا فإنَّ هذا مِنَ الرّبا الـمـُحرَّم الـمتفَقِ على تَـحريـمِهِ، أمَّا إذا لَـمْ يكنْ فيهِ هذا فليسَ ربا. إن لَـمْ يشرِطْ هذا الشرطَ بل قالَ لهُ: بعتُكَ هذهِ السيارةَ بثمنٍ مبلغُهُ كذا على أن تدفعَ العُشرَ في نـهايةِ شهرِ كذا أو سنةِ كذا إلى ءاخِرِ الأقساطِ، بيَـّنَ لهُ الآجالَ حتى صارَتْ معلومةً ليسَ فيها جَهَاَلةٌ ولَـمْ يذكُرْ هذا الشرطَ، أي أنَّهُ إذا أَخَّرَ بعضَ الأقساطِ يُضَافُ عليهِ كذا، لا يكونُ ربًا، لأنَّهُ ما شَرَطَ جرَّ منفعةٍ لنفسِهِ، أمَّا أَنَّهُ استفادَ بطريقِ بيعِ التقسيطِ أي الـمؤَجَّلِ على ثَـمَنِ بيعِ النقدِ فهذا لا يَـجعَلُهُ حَرامًا.
وأمَّا مَا وَرَدَ في الـحديثِ الصحيحِ أنَّ الرسولَ نَـهَى عن بيعتَينِ في بيعَةٍ فليسَ معناهُ أن يُـخَيّـِرَ الرجلُ الـمشتَرِيَ بين أن يشتريَهُ بثمنِ نقدٍ مبلغُهُ كذَا أو بثمنٍ مؤجّلٍ أي مُقَسَّطٍ مبلغُهُ كَذَا ويزيدُ الثَّمنَ الـمقَسَّطَ على الثمنِ النقدِ ضِعفًا أو أقلَّ أو أكثرَ. فليسَ هذا الذي نَـهَى عنهُ الرّسولُ إِنَّـمَا بَيْعَتَانِ في بَيعَةٍ هو أن يقولَ: بعتُكَ هذا بألفٍ نقدًا أو بألفينِ تقسيطًا على ستةِ أشهرٍ ثُـمَّ يأخُذُ هذا الغرضَ من غيرِ أن يَـختَارَ إحدَى الطريقتَينِ، هذا قالَ العلماءُ: إنَّهُ بَيْعَتَانِ في بَيعَةٍ وهو مـحرَّمٌ؛ لأنَّـهُمَا لَـمْ يَفتَرِقَا على شىءٍ معلومٍ، لَـمْ يَفتَرِقَا على ثَـمَنِ نقدٍ ولا ثَـمَنِ تقسيطٍ.
ما أوضحَ لهُ، ما قالَ لهُ: أنا ءاخُذُ بثمنِ نقدٍ بألفٍ، ولا قالَ لَهُ: أنَا ءاخُذُ بثمنِ التقسيطِ بألفَينِ، إِنَّـمَا تَرَكَ الأمرَ مَـجهُولا، كأنْ يقولَ لهُ من غيرِ أن يُبَيّـِنَ إحدَى الطَرِيقَتَينِ اللتَينِ اختَارَهُـمَا: أرسلْ لِـي هذا الغرضَ، فيُرسِلُ لهُ من غيرِ أنْ يُبَيّـِنَ ما يَـختَارُه من إحدَى الطَرِيقَتَينِ فهذا الـحرامُ الذي يقالُ له بَيْعَتَانِ في بَيعَةٍ.
أمَّا الـمنفعةُ التِـي يشتَرِطُهَا من غيرِ زيادةٍ في الثّمنِ إِنَّـمَا هي منفعةٌ غيرُ الزيادةِ في قدرِ الثَّمَنِ، هو كالذي يفعلُهُ بعضُ النَّاسِ، يُقْرِضُهُ مبلغًا مِنَ الـمالِ ثُـمَّ يَشتَرِطُ عليهِ أن يُسكِنَهُ دارَهُ مَـجَّانًا أو بأجرةٍ مخَفَّضَةٍ يكونُ اشتَرَطَ جَرَّ منْفعةٍ لنفسِهِ أو يشتَرِطُ عليهِ أن يترُكَ عندَهُ سيارتَهُ يستعملُهَا مـجَّانًا إلى أنْ يردَّ لهُ الثَّمنَ، هذا ربا متفقٌ على تَـحرِيـمِهِ أيضًا.
أمَّا إذا لَـمْ يَـحصُلْ شَرطٌ، إِنَّـمَا أقرضَهُ بلا شَرطٍ ما قالَ لهُ: تَرُدُّ لِـي بزيادةِ كذا ولا قال لهُ: تُسْكِنُنِـي بيتَكَ مـجَّانًا أو بأجرةٍ أقلَّ من أجرةِ الـمثلِ ولا قال له: أقرضتُك هذا بشرطِ أن تعطِيَنِـي سيارتَكَ لأَنتَفِعَ بِـهَا إلى أن تَرُدَّ لِـيَ ولا ما هو في معنَـى ذلك، بل أقرضَهُ قرضًا مطلقًا من غيرِ أنْ يشتَرِطَ عليهِ جرَّ منفعةٍ لنفسِهِ خاصَّةً، ثُـمَّ هو أي الـمُقترِضُ ردَّ لَهُ مع الزّيادةِ، فهذا يَـجُوزُإنْ أرادَ بذلكَ مكافأةَ الـمعروفِ بالـمعروفِ؛ لأنَّ القرضَ حسنةٌ من الـحسناتِ إذا كانَ على وجهٍ شرعيّ أي فيه ثوابٌ، وقد فَعَلَهُ الرسولُ صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم، اقتَرَضَ من رجلٍ بِكرًا من الإبلِ أي سِنًّا صغيرًا ورَدَّ رَبَاعِيًّا أي سِنًّا أكبرَ منهُ، وهذا شىءٌ جائزٌ.
كذلكَ لو أقرضَهُ مالَهُ ليَنتَفِعَ بهِ وغرضُهُ من هذا القرضِ أن يُبقِيَ لهُ هذا الـمالَ كمَا هو لأنَّهُ إن تَركَهُ عندَهُ يُـخشَى أن يصرفَهُ فأقرَضَهُ لشخصٍ وقصدُهُ أنَّهُ إن أقرضَهُ صارَ مَـحفوظًا لهُ وأمَّا إنْ تَرَكَهُ عندَهُ فإنَّهُ يصرفُهُ في أمورٍ شتَّـى هذا جائزٌ بالإجماعِ لا أحدَ من الفقهاءِ حَرَّمَهُ.
فليَحذَرِ الـمؤمنُ من جـميعِ أنواعِ الرّبا ولا يَستَهِنْ بشىءٍ من الربا فإنَّ عاقبةَ الربا وخيمةٌ. وقد ظَهَرَ من أناسٍ بعد وفاتِـهِم وهم في قبورِهِم ءاثارٌ مِنَ العذابِ، عذابِ القبرِ، كانوا معروفينَ بالربَا في ناحيةٍ من نواحِي بلادِنَا، كانَ رجلٌ يُرابِـي، معروفًا بالْمراباةِ ومع ذلكَ كانَ فيهِ تَـجَبُّرٌ على النَّاسِ، حتى إنَّهُ كانَ مرةً في موكبٍ وهو راكبٌ بغلةً، فرأى امرأةً أعجبتْهُ فأخذَهَا قهرًا وزوجُهَا رجلٌ مسكينٌ ضعيفٌ فأخذَهَا منهُ قهرًا، ثُـمَّ ماتَ هذا الرجُلُ فصارَ يَطلُعُ من قبرِهِ الدخانُ، صارَ أهلُهُ يَـجمَعُونَ له الـمشايخَ، فقال لَـهُم بعضُ الـمشايخِ: "استسمـحُوا لهُ الناسَ الذينَ كانَ يأخُذُ منهُمُ الـمالَ بالقرضِ"، فصارُوا يَدُورُونَ على النَّاسِ ويقولُون لِـهذا سامِـحْ فلانًا ولهذا وكثيرٌ مِنَ النَّاسِ يقرأُونَ لهُ على القبرِ، ثُـمَّ بعدَ سبعةِ أيامٍ انقطعَ هذا الدّخانُ مِنْ قبرِهِ.
وما يسترُهُ اللهُ أكثرُ إِنَّـمَا يُظهِرُ القليلَ من الكثيرِ، اللهُ تبارك وتعالى يُـخفِي حالَ أكثرِ الـمرابينَ، ولا سيّمَا في هذا العصرِ ما أكثرَ عددَهُم.
وءاخرُ دعوانَا أنِ الـحمدُ للهِ ربّ العالَمِينَ.
سلسلة الذهب - الجزء الأول
سلسلة-الذهبالحمدُ للهِ ربِ العالمينَ لهُ النّعمةُ وله الفضلُ وله الثناءُ الـحسنُ وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لهُ وأشهدُ أنَّ مـحمَّدًا عبدُهُ ورسولُهُ صلواتُ اللهِ البرّ الرحيمِ والملائكةِ الـمقربينَ على سيدِنا مـحمَّدٍ أشرفِ الـمرسلينَ وخاتمِ النبيينَ وشفيعِ الـمذنبينَ يومَ الدّينِ مَنْ فَرَضَ اللهُ علينا مـحبتَهُ وطاعتَهُ وعلى جميعِ إخوانِهِ الأنبياءِ والمرسلينَ.
وبعدُ فإنَّ اللهَ تباركَ وتعالى قالَ في كتابِهِ الـمُبينِ: ﴿وأحلَّ اللهُ البيعَ وحرَّمَ الـّرِبَا﴾ اللهُ تباركَ وتعالى أحلَّ البيعَ إلا ما نَهَى عنهُ، فيمَا أَوحَى بهِ إلى نبيّـِهِ مـحمَّدٍ، وإِنَّـمَا نصَّ القرءانُ الكريمُ على ذكرِ الـّرِبَا واقتصَرَ عليهِ ولَـمْ يذكُرْ غيرَهُ من أنواعِ البيعِ الـمـحرَّمةِ لأنَّ الـّرِبَا أشدُّ أنواعِ الـمالِ الـمـحرَّمِ، فكلُّ مالٍ مـحرَّمٌ إِثـمُهُ دونَ إِثْـمِ الـّرِبَا.
والـّرِبَا فسّرَهُ الرسولُ صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم بأنَّ منهُ ما هو من طريقِ القَرْضِ وأنَّ منهُ ما هو ليسَ من طريقِ القَرضِ. فالأولُ هو الذي يَشتَرِطُ فيهِ الـمقرِضُ جرَّ منفعةٍ لنفسِهِ، أو لَهُ وللمُقتَرِضِ.
الـّرِبَا كانَ حرامًا في شرعِ موسَى عليهِ السّلامُ لكنَّهُ في بدءِ البعثةِ النّبويةِ الـمـحمَّديةِ لَـمْ يَنـزِلْ تَـحريـمُهُ عليهِم، لأنَّ الأحكامَ كانَتْ تنـزلُ على النبيّ شيئًا فشيئًا، هذه الصّلواتُ الخمسُ نزلَ فرضيتُهَا على النبيّ وأمّتِهِ وكانَ قبلَ ذلكَ مفروضًا عليهِم أن يُصَلُّوا في الليلِ ثُـمَّ نُسِخَ ذلكَ ففُرِضَ عليهِم الخمسُ.
كذلكَ الخمرُ لَـمْ يكن مـحرَّمًا على أمةِ مـحمَّدٍ إلا بعد الهجرةِ، أنزلَ اللهُ تعالى تحريـمَهَا بعدَ الهجرةِ في السَّنةِ الثَّالثةِ، وكذلكَ الـّرِبَا في شرعِ مـحمَّدٍ لَـمْ يـُحرَّمْ إلا بعدَ الهجرةِ وكانَ أغلبُ الـّرِبَا الذي يعملُهُ النَّاسُ رِبَا القرضِ، وهو أنْ يَشرِطَ الـمُقرِضُ ما فيهِ جرُّ منفعةٍ لنفسِهِ سواءٌ كانَ بزيادةٍ في مقدارِ الـمالِ الذي أَقرَضَهُ، أو بـمنفعةٍ أخرى، كأنْ يَشترِطَ عليهِ أن يُسكِنَهُ بيتَهُ إلى أن يَرُدَّ القرضَ مَـجانًا أو بأجرةٍ هي نِصْفُ أُجْرةِ الـمِثلِ أو نَـحوَ ذلك، أو اشترطَ الـمقرِضُ على الـمقتَرِضِ أن لا يعامِلَ غيرَهُ في معاملاتِهِ بالبيعِ والشّراءِ كان ذلكَ ربًا. وهذا النّوعُ من الرّبَا يقالُ لهُ ربا القَرضِ. وهو أشدُّ أنواعِ الرّبا، وهذا القرضُ الذي شَرَطَ فيهِ المقْرِضُ جرَّ منفعةٍ لنفسِهِ فقط أو لنفسِهِ وللمُقتَرِضِ اتَّفَقَ على تَـحريـمِهِ علماءُ الأمصارِ، أي كلُّ إمامٍ مُـجتَهِدٍ من الأربعةِ وغيرِهِم.
ولا يُشترَطُ في حرمةِ ربا القرضِ أن يكونَ القدرُ الذي يَشتَرِطُهُ الـمقرِضُ من الزيادةِ عندَ رَدّ القرضِ كثيرًا، بلِ القليلُ والكثيرُ من الـحرمةِ سواءٌ، إنْ أردتُمُ التوبةَ من معصيةِ الربا فاقتصِرُوا على رأسِ الـمالِ لا تطلبُوا شيئًا سِوَى رأسِ الـمالِ.
مَنْ أَقرَضَ مائةً وكانَ شَرَطَ عليهِ أنَّهُ إنْ تَأَخَّرَ عن هذا الـموعدِ عن الشَّهرِ الأولِ إلى شهرٍ ثانٍ ينضافُ عليهِ كذا كانَ ربًا، ومنهُ ما يفعلُهُ الذينَ يبيعُونَ السَّياراتِ في هذا العصْرِ أَنَّـهُم يشترطونَ بعدَ تـحديدِ الثَّمنِ أنَّهُ إن أَخَّرَ قِسطًا من الأقساطِ يُضافُ عليهِ كذا فإنَّ هذا مِنَ الرّبا الـمـُحرَّم الـمتفَقِ على تَـحريـمِهِ، أمَّا إذا لَـمْ يكنْ فيهِ هذا فليسَ ربا. إن لَـمْ يشرِطْ هذا الشرطَ بل قالَ لهُ: بعتُكَ هذهِ السيارةَ بثمنٍ مبلغُهُ كذا على أن تدفعَ العُشرَ في نـهايةِ شهرِ كذا أو سنةِ كذا إلى ءاخِرِ الأقساطِ، بيَـّنَ لهُ الآجالَ حتى صارَتْ معلومةً ليسَ فيها جَهَاَلةٌ ولَـمْ يذكُرْ هذا الشرطَ، أي أنَّهُ إذا أَخَّرَ بعضَ الأقساطِ يُضَافُ عليهِ كذا، لا يكونُ ربًا، لأنَّهُ ما شَرَطَ جرَّ منفعةٍ لنفسِهِ، أمَّا أَنَّهُ استفادَ بطريقِ بيعِ التقسيطِ أي الـمؤَجَّلِ على ثَـمَنِ بيعِ النقدِ فهذا لا يَـجعَلُهُ حَرامًا.
وأمَّا مَا وَرَدَ في الـحديثِ الصحيحِ أنَّ الرسولَ نَـهَى عن بيعتَينِ في بيعَةٍ فليسَ معناهُ أن يُـخَيّـِرَ الرجلُ الـمشتَرِيَ بين أن يشتريَهُ بثمنِ نقدٍ مبلغُهُ كذَا أو بثمنٍ مؤجّلٍ أي مُقَسَّطٍ مبلغُهُ كَذَا ويزيدُ الثَّمنَ الـمقَسَّطَ على الثمنِ النقدِ ضِعفًا أو أقلَّ أو أكثرَ. فليسَ هذا الذي نَـهَى عنهُ الرّسولُ إِنَّـمَا بَيْعَتَانِ في بَيعَةٍ هو أن يقولَ: بعتُكَ هذا بألفٍ نقدًا أو بألفينِ تقسيطًا على ستةِ أشهرٍ ثُـمَّ يأخُذُ هذا الغرضَ من غيرِ أن يَـختَارَ إحدَى الطريقتَينِ، هذا قالَ العلماءُ: إنَّهُ بَيْعَتَانِ في بَيعَةٍ وهو مـحرَّمٌ؛ لأنَّـهُمَا لَـمْ يَفتَرِقَا على شىءٍ معلومٍ، لَـمْ يَفتَرِقَا على ثَـمَنِ نقدٍ ولا ثَـمَنِ تقسيطٍ.
ما أوضحَ لهُ، ما قالَ لهُ: أنا ءاخُذُ بثمنِ نقدٍ بألفٍ، ولا قالَ لَهُ: أنَا ءاخُذُ بثمنِ التقسيطِ بألفَينِ، إِنَّـمَا تَرَكَ الأمرَ مَـجهُولا، كأنْ يقولَ لهُ من غيرِ أن يُبَيّـِنَ إحدَى الطَرِيقَتَينِ اللتَينِ اختَارَهُـمَا: أرسلْ لِـي هذا الغرضَ، فيُرسِلُ لهُ من غيرِ أنْ يُبَيّـِنَ ما يَـختَارُه من إحدَى الطَرِيقَتَينِ فهذا الـحرامُ الذي يقالُ له بَيْعَتَانِ في بَيعَةٍ.
أمَّا الـمنفعةُ التِـي يشتَرِطُهَا من غيرِ زيادةٍ في الثّمنِ إِنَّـمَا هي منفعةٌ غيرُ الزيادةِ في قدرِ الثَّمَنِ، هو كالذي يفعلُهُ بعضُ النَّاسِ، يُقْرِضُهُ مبلغًا مِنَ الـمالِ ثُـمَّ يَشتَرِطُ عليهِ أن يُسكِنَهُ دارَهُ مَـجَّانًا أو بأجرةٍ مخَفَّضَةٍ يكونُ اشتَرَطَ جَرَّ منْفعةٍ لنفسِهِ أو يشتَرِطُ عليهِ أن يترُكَ عندَهُ سيارتَهُ يستعملُهَا مـجَّانًا إلى أنْ يردَّ لهُ الثَّمنَ، هذا ربا متفقٌ على تَـحرِيـمِهِ أيضًا.
أمَّا إذا لَـمْ يَـحصُلْ شَرطٌ، إِنَّـمَا أقرضَهُ بلا شَرطٍ ما قالَ لهُ: تَرُدُّ لِـي بزيادةِ كذا ولا قال لهُ: تُسْكِنُنِـي بيتَكَ مـجَّانًا أو بأجرةٍ أقلَّ من أجرةِ الـمثلِ ولا قال له: أقرضتُك هذا بشرطِ أن تعطِيَنِـي سيارتَكَ لأَنتَفِعَ بِـهَا إلى أن تَرُدَّ لِـيَ ولا ما هو في معنَـى ذلك، بل أقرضَهُ قرضًا مطلقًا من غيرِ أنْ يشتَرِطَ عليهِ جرَّ منفعةٍ لنفسِهِ خاصَّةً، ثُـمَّ هو أي الـمُقترِضُ ردَّ لَهُ مع الزّيادةِ، فهذا يَـجُوزُإنْ أرادَ بذلكَ مكافأةَ الـمعروفِ بالـمعروفِ؛ لأنَّ القرضَ حسنةٌ من الـحسناتِ إذا كانَ على وجهٍ شرعيّ أي فيه ثوابٌ، وقد فَعَلَهُ الرسولُ صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم، اقتَرَضَ من رجلٍ بِكرًا من الإبلِ أي سِنًّا صغيرًا ورَدَّ رَبَاعِيًّا أي سِنًّا أكبرَ منهُ، وهذا شىءٌ جائزٌ.
كذلكَ لو أقرضَهُ مالَهُ ليَنتَفِعَ بهِ وغرضُهُ من هذا القرضِ أن يُبقِيَ لهُ هذا الـمالَ كمَا هو لأنَّهُ إن تَركَهُ عندَهُ يُـخشَى أن يصرفَهُ فأقرَضَهُ لشخصٍ وقصدُهُ أنَّهُ إن أقرضَهُ صارَ مَـحفوظًا لهُ وأمَّا إنْ تَرَكَهُ عندَهُ فإنَّهُ يصرفُهُ في أمورٍ شتَّـى هذا جائزٌ بالإجماعِ لا أحدَ من الفقهاءِ حَرَّمَهُ.
فليَحذَرِ الـمؤمنُ من جـميعِ أنواعِ الرّبا ولا يَستَهِنْ بشىءٍ من الربا فإنَّ عاقبةَ الربا وخيمةٌ. وقد ظَهَرَ من أناسٍ بعد وفاتِـهِم وهم في قبورِهِم ءاثارٌ مِنَ العذابِ، عذابِ القبرِ، كانوا معروفينَ بالربَا في ناحيةٍ من نواحِي بلادِنَا، كانَ رجلٌ يُرابِـي، معروفًا بالْمراباةِ ومع ذلكَ كانَ فيهِ تَـجَبُّرٌ على النَّاسِ، حتى إنَّهُ كانَ مرةً في موكبٍ وهو راكبٌ بغلةً، فرأى امرأةً أعجبتْهُ فأخذَهَا قهرًا وزوجُهَا رجلٌ مسكينٌ ضعيفٌ فأخذَهَا منهُ قهرًا، ثُـمَّ ماتَ هذا الرجُلُ فصارَ يَطلُعُ من قبرِهِ الدخانُ، صارَ أهلُهُ يَـجمَعُونَ له الـمشايخَ، فقال لَـهُم بعضُ الـمشايخِ: "استسمـحُوا لهُ الناسَ الذينَ كانَ يأخُذُ منهُمُ الـمالَ بالقرضِ"، فصارُوا يَدُورُونَ على النَّاسِ ويقولُون لِـهذا سامِـحْ فلانًا ولهذا وكثيرٌ مِنَ النَّاسِ يقرأُونَ لهُ على القبرِ، ثُـمَّ بعدَ سبعةِ أيامٍ انقطعَ هذا الدّخانُ مِنْ قبرِهِ.
وما يسترُهُ اللهُ أكثرُ إِنَّـمَا يُظهِرُ القليلَ من الكثيرِ، اللهُ تبارك وتعالى يُـخفِي حالَ أكثرِ الـمرابينَ، ولا سيّمَا في هذا العصرِ ما أكثرَ عددَهُم.
وءاخرُ دعوانَا أنِ الـحمدُ للهِ ربّ العالَمِينَ.
20/11/2024, 22:49 من طرف Admin
» كتاب مواعظ الإمام زين العابدين ـ صالح أحمد الشامي
18/11/2024, 23:30 من طرف Admin
» كتاب إتحاف النفوس بنفحات القدوس ـ عبد القدوس بن أسامة السامرائي
18/11/2024, 23:25 من طرف Admin
» كتاب الإعلام بفضل الصلاة على النبي والسلام ـ محمد بن عبد الرحمن بن علي النميري
18/11/2024, 23:20 من طرف Admin
» كتاب الغيب ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:08 من طرف Admin
» كتاب الشيطان والإنسان ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:03 من طرف Admin
» كتاب الشعراوي هنا رأيت سيدنا إبراهيم ـ سعيد أبو العنين
18/11/2024, 23:01 من طرف Admin
» كتاب الخير والشر ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:57 من طرف Admin
» كتاب التربية في مدرسة النبوة ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:55 من طرف Admin
» كتاب: إرشاد العباد إلى سبل الرشاد ـ للملبباري
18/11/2024, 22:41 من طرف Admin
» ـ كتاب آداب الحسن البصري ـ أبن الجوزي
18/11/2024, 22:34 من طرف Admin
» كتاب الله والنفس البشرية ـ لمحمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:23 من طرف Admin
» كتاب: معرفة النفس طر يق لمعرفة الرب ـ أستاذ البصيرة عبدالوهاب حسن
18/11/2024, 22:21 من طرف Admin
» كتاب الطريق الي الله ـ الشيخ علي جمعة
18/11/2024, 21:50 من طرف Admin
» كتاب: كتاب النفس والجسد والروح ـ ابراهيم البلتاجي
18/11/2024, 21:38 من طرف Admin