الدرس الثاني والخمسون
إتباعُ السيئةِ الحسنةَ
جامع الخيرات
درسٌ ألقاهُ العالِمُ العامِلُ الشيخُ عبدُ اللهِ بنُ محمدٍ العبدريُّ رحمهُ اللهُ تعالى وهو في بيانِ أنَّ الحسناتِ يُذهِبنَ السيئاتِ وبيانِ بعضِ المعاصي منَ الكبائرِ والصغائرِ وبعضِ الأحكامِ المتعلقةِ بالنساءِ.
قال رحمه الله تعالى رحمةً واسعةً:
الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ لهُ النعمةُ ولهُ الفضلُ ولهُ الثناءُ الحسنُ وصلواتُ اللهِ البَرِّ الرحيمِ والملائكةِ الـمُقرَّبينَ على سيدنا محمدٍ أشرفِ المرسلينَ وعلى جميعِ إخوانِهِ المرسلينَ وسلامُ اللهِ عليهِ وعليهم أجمعين.
أما بعدُ فقدْ روِّينا في كتابِ الآدابِ للإمامِ البيهقيِّ رحمهُ اللهُ تعالى منْ حديثِ أبي أمامةَ الباهليّ رضيَ اللهُ عنهُ أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا عَمِلْتَ سيئةً فأتْبِعْها بالحسنةِ" قُلنا يا رسولَ الله أوَمِنَ الحسناتِ لا إلهَ إلا اللهُ قال: "هيَ أحسنُ الحسناتِ"1 اهـ.
هذا الحديثُ فيهِ فائدةٌ جليلةٌ وهيَ أنَّ مَنْ عَمِلَ سيئةً أيْ معصيةً منَ المعاصي وأتبَعَها بحسنةٍ منَ الحسناتِ فإنَّ اللهَ تباركَ وتعالى يمحُو بتلكَ الحسنةِ تلكَ السيئةَ. ثمَّ إنَّ الحسناتِ أحيانًا يمحُو اللهُ بها اللَّمَمَ واللَّمَمُ هو الصغائرُ، وقد يمحو اللهُ تعالى بالحسنةِ منَ الحسناتِ منَ الكبائرِ ما شاءَ، وذلكَ لأنهُ روى البخاريُّ رحمهُ الله أنهُ صلى الله عليه وسلم قالَ: "اتَّقُوا النارَ ولو بشِقِّ تمرةٍ"2 اهـ أيْ بنصفِ حبةِ تمرٍ، بنصفِها قد يُعتِقُ اللهُ المؤمنَ منَ النارِ، لكنْ هذا ليسَ عامًّا ليسَ كلُّ مَنْ عَمِلَ حسنةً تُمْحَى عنهُ كبيرةٌ لكنْ هذا من بابِ الفضل، اللهُ تعالى يخُصُّ مَنْ يشاءُ بأن يمحوَ عنهُ كبيرةً فلا يجوزُ أن يُقالَ إنَّ الحسنةَ كائنةً ما كانتْ تُكفِّرُ الكبائرَ إنما هذا شىءٌ يحصُلُ بعملِ بعضِ الحسناتِ، يغفرُ اللهُ تعالى بهذهِ الحسنةِ بعضَ الكبائرِ. ليسَ كلُّ مَنْ عَمِلَ حسنةً منَ الحسناتِ تُغفَرُ لهُ بعضُ الكبائرِ لأنَّ هذا من بابِ الفضلِ ليسَ من باب الجَزاءِ العامَ. وفي هذا الحديثِ أيضًا دليلٌ على أنَّ لا إلهَ إلا اللهُ هيَ أكبرُ الحسناتِ وذلكَ لأنها هيَ كلمةُ التوحيدِ، ومِنْ هُنا صارَتْ أفضلَ الحسناتِ. ثمَّ جاءَ في حديثٍ رواهُ مسلمٌ أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: "أحبُّ الكلامِ إلى اللهِ أربعٌ لا يَضُرُّكَ بأيِّهِنَّ بَدأتَ سبحانَ اللهِ والحمدُ للهِ ولا إلهَ إلا اللهُ واللهُ أكبر"3 اهـ هذهِ الكلماتُ الأربعُ هيَ أحبُّ ما يقولُهُ الإنسانُ أيْ أنَّ هذهِ الكلماتِ الأربعِ هنَّ أفضلُ الذكرِ وأفضلُهنَّ "لا إله إلا الله"، وإنْ كانَ الرسولُ صلى الله عليه وسلم في سياق هذا الحديثِ بدأ بالتسبيحِ ولكنْ ليسَ معناهُ أنَّ "سبحانَ اللهِ" أفضلُ من "لا إلهَ إلا الله" بل "لا إلهَ إلا اللهُ" هيَ الفُضلى.
فينبغي لكلِّ مَنِ ارتَكَبَ سيئةً أن يُتبِعَها حسنةً، والحسناتُ بفضلِ اللهِ كثيرةٌ التسبيحُ حسنةٌ والتحميدُ كذلك وأستغفرُ اللهَ كذلكَ والحسناتُ الفِعليةُ كالصدقةِ كذلكَ فإذا تصدَّقَ المسلمُ بنيةٍ حسنةٍ يمحُو اللهُ بها ما شاءَ منَ الذنوبِ فلا يحتقرِ المؤمنُ حسنةً منَ الحسناتِ لا يَقُلْ ليسَ لها أجرٌ كبيرٌ بل يعمَلُها رجاءَ فضلِ اللهِ تباركَ وتعالى لأنَّ اللهَ تعالى إذا شاءَ يُعتقُ عبدًا كان ارتكبَ كبائرَ منَ النارِ بحسنةٍ واحدةٍ، لذلكَ ينبغي ألا يحتقرَ المؤمنُ أيَّةَ حسنةٍ منَ الحسناتِ.
وأما الحديثُ الذي وردَ في الصلواتِ الخمسِ أنَّهُنَّ كفَّاراتٌ لِما بينَهُنَّ ما لـم تُغْشَ الكبائرُ فهذا موضوعٌ خاصٌّ، ليس معنى ذلكَ أنَّ اللهَ لا يمحو بشىءٍ منَ الحسناتِ شيئًا منَ الكبائرِ بلِ اللهُ يمحُو بعضَ الكبائرِ ببعضِ الحسناتِ. فقد صحَّ عنْ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم أنَّ مَنْ قالَ عَقِبَ صلاةِ المغربِ وعقِبَ صلاةِ الصبحِ قبلَ أن يتكلَّمَ وهو ثانٍ رِجلَيهِ "لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لهُ لهُ الملكُ ولهُ الحمدُ يُحيي ويُميتُ وهوَ على كلِّ شىءٍ قديرٌ" عشرَ مراتٍ أنَّ اللهَ يمحُو عنهُ عشرَ سيئاتٍ أيْ معاصٍ مُوبِقاتٍ أيْ مِنَ الكبائرِ.
بابُ فضلِ اللهِ واسعٌ لكنِ الإنسانُ لا يعلَمُ في أيِّ حسنةٍ من حسناتِهِ تُمْحى لهُ بعضُ الكبائرِ لذلكَ ينبغي أنْ يكُفَّ نفسَهُ منَ المعاصي جميعها كبائِرِها وصغائِرِها.
ثمَّ إنَّ اللهَ تباركَ وتعالى رحِمَ المؤمنينَ بأنْ جعلَ الحسنةَ الواحدةَ بعشرِ أمثالِها، الحسنةُ الواحدةُ تقومُ بإزاءِ عشرٍ منَ المعاصي منَ السيئاتِ، وهذا مِنْ فضلِ اللهِ تباركَ وتعالى على عبادِهِ المؤمنينَ وإنْ عَمِلَ سيئةً تُكتَبُ عليه سيئةٌ واحدةٌ.
ثمَّ إنَّ السيئاتِ التي هيَ صغائرُ وتُعَدُّ لَمَمًا كثيرةٌ، منها الكَذبَةُ التي ليس فيها إلحاقُ ضَررٍ بمُسلمٍ وليسَ فيها تحليلُ حرامٍ ولا تحريمُ حلالٍ هذهِ الكذبةُ تُعَدُّ منَ الصغائرِ.
أما الكبائرُ فهيَ في العَدِّ باعتِبارِ الأحاديثِ الصحيحةِ الواردةِ في بيانِ الكبيرةِ هيَ قريبةٌ من خمسٍ وعشرينَ، وهناكَ أحاديثُ غيرُ ذلك في أسانيدِها ضعفٌ تَدلُّ أنَّ هُناكَ زيادةً على الثلاثين، وبعضُ علماءِ الأصولِ كتاجِ الدين السُّبكيّ عدَّ خمسةً وثلاثينَ، ويُروَى عن عبدِ اللهِ بنِ عباسٍ أنهُ قالَ هيَ إلى السبعينَ أقربُ، ما جزمَ بأنَّها سبعونَ بلْ قالَ هيَ إلى السبعينَ أقربُ.
ثمَّ منَ الصغائرِ أنْ تتعطَّرَ المرأةُ وتخرجُ بنيةِ التعرُّضِ للرجالِ. رَوَينا في صحيحِ ابنِ حبانَ عن أبي موسى الأشعريّ رضيَ اللهُ عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أيُّما امرأةٍ خَرَجَتْ مُتعطرةً فمرَّتْ بقومٍ ليَجِدُوا ريحَها فهيَ زانيةٌ"4 اهـ معنى قوله عليه الصلاة والسلام فهيَ زانيةٌ أيْ تشبِهُ الزانيةَ أي هذا من مقدماتِ الزِنا. من مُقدِّماتِ الزنا النظرُ بشهوةٍ والبطشُ أي الإمساكُ باليدِ والمشيُ بنيةِ الحصولِ على تلذُّذٍ محرَّمٍ، وكذلكَ المحادثةُ التي يُقصَدُ بها التلذُّذُ المحرَّمُ كلُّ هذا مُقدماتُ الزنا. لكنْ فرقٌ بعيدٌ بينَ الزنا الحقيقيّ الذي يُوجِب الحدَّ وبينَ هذهِ المقدماتِ. أما التي تخرجُ مُتعطرةً أو مُتزيِّنةً لا لقَصْدِ التعرُّضِ للرجالِ فهو جائزٌ معَ الكراهةِ. إذا تعطرتْ أو تزيَّنَتْ ثمَّ خرجَتْ لا بنيةِ التعرضِ للرجالِ فهذا مكروهٌ لا يصلُ إلى درجةِ الحرامِ ومَنْ يُحرِّمُهُ فهو غالطٌ خالفَ حديثَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم "فمرَّتْ بقومٍ ليَجِدُوا ريحَها" اهـ ما قالَ أيُّما امرأةٍ خرجَتْ مُتعطرةً فهيَ زانيةٌ، لـم يقُل ذلكَ إنما قال "فمرَّتْ بقومٍ ليَجِدُوا ريحَها" اهـ ولا يجوزُ للإنسانِ أن يتعدَّى الحدَّ الذي جاءَ بهِ الشرعُ.
هذا أيْ حُكْمُ الكراهةِ المذكورُ ءانِفًا في غير سفرِ الحجّ أما في سفرِ الحجِّ فقدْ صحَّ ما رواهُ أبو داود والبيهقيُّ وغيرُهما عن عائشةَ رضيَ اللهُ عنها "كُنَّا نَخرجُ معَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم إلى مكةَ فنُضَمِّخُ جِباهَنا بالمسكِ للإحرامِ فإذا عَرِقَتْ إحدانا سالَ على وجهِها فيرى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ذلك فلا ينهانا5 اهـ مِنْ هُنا قال الفقهاءُ الشافعيُّونَ إنهُ يُستَحبُّ للرجلِ والأنثى التطيبُ للإحرامِ أيْ بحجٍّ أو بعمرةٍ أي هوَ سنةٌ. فالقولُ بتحريمِ خروجِ المرأةِ متعطرةً على الإطلاقِ شَطَطٌ أيْ مُجاوزةٌ للحدِّ ولا يُقَلَّدُ قائِلُهُ.
ثمَّ إنَّ هُناكَ حديثًا ءاخرَ رواهُ ابنُ شَيبةَ في مُصنَّفِهِ أنَّ عائشةَ رضيَ اللهُ عنها قالتْ دخلَ عليَّ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وعندي أسماءُ فقال "ما كانَ ينبغي للمرأةِ أنْ تتطيَّبَ وزوجُها غائبٌ"6 اهـ محلُّ الدليلِ أنَّ الرسولَ صلى الله عليه وسلم ما زادَ على قولهِ "ما كان ينبغي" ما قال حرامٌ عليكِ كيفَ خرجتِ منَ البيتِ وجئتِ إلينا وأنتِ مُتطيِّبةً، ما عنَّفَها. هذا أيضًا دليلٌ. لكنْ كما قالَ الفقهاءُ خروجُ المرأةِ مُتطيِّبةً أو مُتزينةً إلى السوقِ أو إلى المسجدِ أو نحوِهما أي أمامَ الرجالِ الأجانبِ مكروهٌ لكنَّ الحديثَ الصحيحَ يَستثني سفرَ الحجِّ والعُمرةِ لحديثِ عائشةَ الذي ذكرناهُ أخرجَهُ أبو داودَ من بينِ أصحابِ الكتبِ الستةِ والبيهقيُّ رحمهُ اللهُ.
ثمَّ الفقهاءُ نَصُّوا على أنهُ يجوزُ للمرأةِ الخروجُ كاشِفةً وجهَها. هذا ابنُ حجرٍ الهيتميُّ كانَ في مُنتصفِ القرنِ العاشرِ الهِجريّ لهُ كتابٌ اسمُهُ حاشيةُ الإيضاحِ يقولُ فيهِ يجوزُ خروجُ المرأةِ إلى الشوارعِ كاشفةً الوجهَ.
بعضُ الـمُتأخرينَ منَ الحنفيةِ قالوا وجهُ المرأةِ ليسَ عورةً لكنْ يحرُمُ عليها الخروجُ كاشفةً الوجهَ هذا كلامُ بعضِ الـمُتأخرينَ ليسَ مِنْ كلامِ أصحابِ أبي حنيفةَ ولا أصحابِهم ولا أصحابِ أصحابهم إنَّما هذا كلامُ بعضِ الـمُتأخرينَ ممن لهُ خمسمائةِ أو أربعمائةِ سنةٍ ومِنْ مُتأخريهِم مَنْ لـم يُحرِّمْ عليها الخروجَ كاشفةً الوجهَ والعُمدةُ على ما قالهُ هؤلاءِ وهو ما عليهِ الجمهورُ بأنهُ يجوزُ للمرأةِ الخروجُ معَ كشفِ الوجهِ. كونوا على علمٍ بهذا لأنَّ بعضَ البلادِ جرتِ العادةُ أن لا تخرجَ المرأةُ كاشفةً وجهَها فلو حصلَ ذلكَ مِنْ واحدةٍ منهُنَّ اعتَبَرُوهُ كبيرةً. هذا من تأثيرِ العادةِ. حتى إنَّ بعضَ أهلِ الغُلُوِّ في حلبَ قال لجماعتِهِ حرامٌ على المرأةِ أن تُبرِزَ وجهَها داخلَ بيتِها معَ وجودِ زوجِها إنْ كانَ هناكَ أجنبيٌّ ءاخرُ، هذا غُلُوٌّ، لو قيلَ له من أينَ قُلتَ هذا القولَ لا يجدُ دليلاً لكنَّ بعضَ النفوسِ تحبُّ الغلوَّ، والرسولُ صلى الله عليه وسلم نهى عنِ الغلوِّ، لا يجوزُ للمؤمنِ أن يتجاوزَ الحدَّ الشرعيَّ، لا إفراطَ ولا تفريط. هذا المطلوبُ من المؤمنِ، أن يكونَ عملُهُ قصدًا وسَطًا ليسَ فيهِ إفراطٌ ولا تفريطٌ أيْ تنقيصٌ. اللهُ تبارك وتعالى يحِبُّ لعِبادِهِ أن يكونوا على الحالِ الوسطِ لا إفراطَ فيهِ ولا تفريط، لا نُحرِّمُ حلالاً ولا نُحِلُّ حرامًا، ولا عبرةَ بالعاداتِ بلِ العبرةُ بالشرعِ. نعم أفضلُ للمرأةِ وأحسنُ أن تسترَ وجهَها إذا خرجَتْ أمامَ الرجالِ الأجانبِ كما كانَتْ عادةُ نساءِ السلفِ وقد كانتْ نساءُ الأنصارِ يُغَطينَ عَينًا ويكشِفنَ عينًا إذا خرَجْنَ.
ثمَّ إنَّ الله تبارك وتعالى أوحى إلى نبيِّهِ صلى الله عليه وسلم فقال ما فيهِ حِفْظٌ منَ الهلاكِ بالنسبةِ للنساءِ، قال عليهِ الصلاةُ والسلامُ للنساءِ "تصَدَّقنَ فإني رأيتُكُنَّ أكثرَ أهلِ النارِ تَكفُرْنَ" اهـ قالتْ بعضُ النساءِ الحاضراتُ مُستفسرةً لقولهِ عليه الصلاةُ والسلام "تكفُرْنَ" أيَكفُرنَ بالله، قال "يُكثِرنَ اللعنَ ويَكفُرْنَ العشيرَ"7 اهـ يُكثرنَ اللعنَ معناهُ يكثُرُ منَ النساءِ لعنُ مَنْ لا يجوزُ لعنُهُ، يغلِبُ على عادةِ النساءِ أنهُنَّ يلعَنَّ إذا غَضِبْنَ مِنْ ولدٍ، كذلكَ يكفُرْنَ العشيرَ أي الزوجَ أيْ يجحدْنَ جميلَ الزوجِ أيْ إحسانَ الزوجِ ولا سيما إذا غضِبْنَ، هذه حالةُ النساءِ الغالبةُ عليهِنَّ، أما التقيَّاتُ الصالحاتُ فهُنَّ مُسْتَثْنَياتٌ مِنْ ذلك. ثمَّ منشأُ هذا اللعنِ وكُفرانِ العشيرِ في الغالبِ الغضَبُ فالمطلوبُ مِنَ المرأةِ المؤمنةِ أنْ تَملِكَ نفسَها عندَ الغضبِ فلا تتجاوزَ بلِسانِها إلى معاصي اللهِ تبارك وتعالى مِنْ لَعْنِ مَنْ لا يستحقُّ اللعنَ وإيذاءِ الزوجِ بإنكارِ جميلِهِ. أكبرُ سببٍ لذلكَ اللعنِ والكُفرانِ هوَ الغضبُ والرسولُ صلى الله عليه وسلم أوْصَى أمَّتَهُ بتركِ الغضبِ أي الغضبِ لحّظِّ النفسِ فإنهُ ليسَ محمودًا.
ثمَّ إنَّ الله تباركَ وتعالى لـم يفرضْ على النساءِ نوعًا منَ اللباسِ أو لونًا إنَّما الفرضُ عليهِنَّ أنْ يَسْتُرْنَ ما عدا الوجهَ والكفَّينِ بما يمنعُ إدراكَ لونِ جلدِها فإنْ ستَرتْ بالأحمرِ أو بغيرِ ذلكَ منَ الألوانِ فذلكَ جائزٌ ولا يُشتَرطُ أن تقتصرَ على الأبيضِ أوِ الأسودِ. وأما إذا كان لِباسُها يَصِفُ لونَ جِلدها فكأنَّها غيرُ لابسةٍ. وسبحانَ اللهِ والحمدُ لله ربّ العالمين.
انتهى واللهُ تعالى أعلم.
------------------
1- انظر الأسماء والصفات للبيهقي باب ما جاء في فضل الكلمة الباقية.
2- رواه البخاري في صحيحه باب اتقوا النار ولو بشق تمرة والقليل من الصدقة.
3- رواه مسلم في صحيحه باب كراهة التسمية بالأسماء القبيحة.
4- رواه ابن حبان في صحيحه باب الزنى وحده.
5- رواه أبو داود في سننه باب ما يلبس المحرِمُ ورواه البيهقي في السنن الكبرى باب المرأة تختضب قبل إحرامها وتمتشط بالطيب.
6- رواه ابن أبي شيبة في مصنفه باب من كره للمرأة أن تطيب إذا خرجت.
7- رواه البخاري في صحيحه باب كفران العشير وكفر بعد كفر وباب ترك الحائض الصوم.
إتباعُ السيئةِ الحسنةَ
جامع الخيرات
درسٌ ألقاهُ العالِمُ العامِلُ الشيخُ عبدُ اللهِ بنُ محمدٍ العبدريُّ رحمهُ اللهُ تعالى وهو في بيانِ أنَّ الحسناتِ يُذهِبنَ السيئاتِ وبيانِ بعضِ المعاصي منَ الكبائرِ والصغائرِ وبعضِ الأحكامِ المتعلقةِ بالنساءِ.
قال رحمه الله تعالى رحمةً واسعةً:
الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ لهُ النعمةُ ولهُ الفضلُ ولهُ الثناءُ الحسنُ وصلواتُ اللهِ البَرِّ الرحيمِ والملائكةِ الـمُقرَّبينَ على سيدنا محمدٍ أشرفِ المرسلينَ وعلى جميعِ إخوانِهِ المرسلينَ وسلامُ اللهِ عليهِ وعليهم أجمعين.
أما بعدُ فقدْ روِّينا في كتابِ الآدابِ للإمامِ البيهقيِّ رحمهُ اللهُ تعالى منْ حديثِ أبي أمامةَ الباهليّ رضيَ اللهُ عنهُ أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا عَمِلْتَ سيئةً فأتْبِعْها بالحسنةِ" قُلنا يا رسولَ الله أوَمِنَ الحسناتِ لا إلهَ إلا اللهُ قال: "هيَ أحسنُ الحسناتِ"1 اهـ.
هذا الحديثُ فيهِ فائدةٌ جليلةٌ وهيَ أنَّ مَنْ عَمِلَ سيئةً أيْ معصيةً منَ المعاصي وأتبَعَها بحسنةٍ منَ الحسناتِ فإنَّ اللهَ تباركَ وتعالى يمحُو بتلكَ الحسنةِ تلكَ السيئةَ. ثمَّ إنَّ الحسناتِ أحيانًا يمحُو اللهُ بها اللَّمَمَ واللَّمَمُ هو الصغائرُ، وقد يمحو اللهُ تعالى بالحسنةِ منَ الحسناتِ منَ الكبائرِ ما شاءَ، وذلكَ لأنهُ روى البخاريُّ رحمهُ الله أنهُ صلى الله عليه وسلم قالَ: "اتَّقُوا النارَ ولو بشِقِّ تمرةٍ"2 اهـ أيْ بنصفِ حبةِ تمرٍ، بنصفِها قد يُعتِقُ اللهُ المؤمنَ منَ النارِ، لكنْ هذا ليسَ عامًّا ليسَ كلُّ مَنْ عَمِلَ حسنةً تُمْحَى عنهُ كبيرةٌ لكنْ هذا من بابِ الفضل، اللهُ تعالى يخُصُّ مَنْ يشاءُ بأن يمحوَ عنهُ كبيرةً فلا يجوزُ أن يُقالَ إنَّ الحسنةَ كائنةً ما كانتْ تُكفِّرُ الكبائرَ إنما هذا شىءٌ يحصُلُ بعملِ بعضِ الحسناتِ، يغفرُ اللهُ تعالى بهذهِ الحسنةِ بعضَ الكبائرِ. ليسَ كلُّ مَنْ عَمِلَ حسنةً منَ الحسناتِ تُغفَرُ لهُ بعضُ الكبائرِ لأنَّ هذا من بابِ الفضلِ ليسَ من باب الجَزاءِ العامَ. وفي هذا الحديثِ أيضًا دليلٌ على أنَّ لا إلهَ إلا اللهُ هيَ أكبرُ الحسناتِ وذلكَ لأنها هيَ كلمةُ التوحيدِ، ومِنْ هُنا صارَتْ أفضلَ الحسناتِ. ثمَّ جاءَ في حديثٍ رواهُ مسلمٌ أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: "أحبُّ الكلامِ إلى اللهِ أربعٌ لا يَضُرُّكَ بأيِّهِنَّ بَدأتَ سبحانَ اللهِ والحمدُ للهِ ولا إلهَ إلا اللهُ واللهُ أكبر"3 اهـ هذهِ الكلماتُ الأربعُ هيَ أحبُّ ما يقولُهُ الإنسانُ أيْ أنَّ هذهِ الكلماتِ الأربعِ هنَّ أفضلُ الذكرِ وأفضلُهنَّ "لا إله إلا الله"، وإنْ كانَ الرسولُ صلى الله عليه وسلم في سياق هذا الحديثِ بدأ بالتسبيحِ ولكنْ ليسَ معناهُ أنَّ "سبحانَ اللهِ" أفضلُ من "لا إلهَ إلا الله" بل "لا إلهَ إلا اللهُ" هيَ الفُضلى.
فينبغي لكلِّ مَنِ ارتَكَبَ سيئةً أن يُتبِعَها حسنةً، والحسناتُ بفضلِ اللهِ كثيرةٌ التسبيحُ حسنةٌ والتحميدُ كذلك وأستغفرُ اللهَ كذلكَ والحسناتُ الفِعليةُ كالصدقةِ كذلكَ فإذا تصدَّقَ المسلمُ بنيةٍ حسنةٍ يمحُو اللهُ بها ما شاءَ منَ الذنوبِ فلا يحتقرِ المؤمنُ حسنةً منَ الحسناتِ لا يَقُلْ ليسَ لها أجرٌ كبيرٌ بل يعمَلُها رجاءَ فضلِ اللهِ تباركَ وتعالى لأنَّ اللهَ تعالى إذا شاءَ يُعتقُ عبدًا كان ارتكبَ كبائرَ منَ النارِ بحسنةٍ واحدةٍ، لذلكَ ينبغي ألا يحتقرَ المؤمنُ أيَّةَ حسنةٍ منَ الحسناتِ.
وأما الحديثُ الذي وردَ في الصلواتِ الخمسِ أنَّهُنَّ كفَّاراتٌ لِما بينَهُنَّ ما لـم تُغْشَ الكبائرُ فهذا موضوعٌ خاصٌّ، ليس معنى ذلكَ أنَّ اللهَ لا يمحو بشىءٍ منَ الحسناتِ شيئًا منَ الكبائرِ بلِ اللهُ يمحُو بعضَ الكبائرِ ببعضِ الحسناتِ. فقد صحَّ عنْ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم أنَّ مَنْ قالَ عَقِبَ صلاةِ المغربِ وعقِبَ صلاةِ الصبحِ قبلَ أن يتكلَّمَ وهو ثانٍ رِجلَيهِ "لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لهُ لهُ الملكُ ولهُ الحمدُ يُحيي ويُميتُ وهوَ على كلِّ شىءٍ قديرٌ" عشرَ مراتٍ أنَّ اللهَ يمحُو عنهُ عشرَ سيئاتٍ أيْ معاصٍ مُوبِقاتٍ أيْ مِنَ الكبائرِ.
بابُ فضلِ اللهِ واسعٌ لكنِ الإنسانُ لا يعلَمُ في أيِّ حسنةٍ من حسناتِهِ تُمْحى لهُ بعضُ الكبائرِ لذلكَ ينبغي أنْ يكُفَّ نفسَهُ منَ المعاصي جميعها كبائِرِها وصغائِرِها.
ثمَّ إنَّ اللهَ تباركَ وتعالى رحِمَ المؤمنينَ بأنْ جعلَ الحسنةَ الواحدةَ بعشرِ أمثالِها، الحسنةُ الواحدةُ تقومُ بإزاءِ عشرٍ منَ المعاصي منَ السيئاتِ، وهذا مِنْ فضلِ اللهِ تباركَ وتعالى على عبادِهِ المؤمنينَ وإنْ عَمِلَ سيئةً تُكتَبُ عليه سيئةٌ واحدةٌ.
ثمَّ إنَّ السيئاتِ التي هيَ صغائرُ وتُعَدُّ لَمَمًا كثيرةٌ، منها الكَذبَةُ التي ليس فيها إلحاقُ ضَررٍ بمُسلمٍ وليسَ فيها تحليلُ حرامٍ ولا تحريمُ حلالٍ هذهِ الكذبةُ تُعَدُّ منَ الصغائرِ.
أما الكبائرُ فهيَ في العَدِّ باعتِبارِ الأحاديثِ الصحيحةِ الواردةِ في بيانِ الكبيرةِ هيَ قريبةٌ من خمسٍ وعشرينَ، وهناكَ أحاديثُ غيرُ ذلك في أسانيدِها ضعفٌ تَدلُّ أنَّ هُناكَ زيادةً على الثلاثين، وبعضُ علماءِ الأصولِ كتاجِ الدين السُّبكيّ عدَّ خمسةً وثلاثينَ، ويُروَى عن عبدِ اللهِ بنِ عباسٍ أنهُ قالَ هيَ إلى السبعينَ أقربُ، ما جزمَ بأنَّها سبعونَ بلْ قالَ هيَ إلى السبعينَ أقربُ.
ثمَّ منَ الصغائرِ أنْ تتعطَّرَ المرأةُ وتخرجُ بنيةِ التعرُّضِ للرجالِ. رَوَينا في صحيحِ ابنِ حبانَ عن أبي موسى الأشعريّ رضيَ اللهُ عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أيُّما امرأةٍ خَرَجَتْ مُتعطرةً فمرَّتْ بقومٍ ليَجِدُوا ريحَها فهيَ زانيةٌ"4 اهـ معنى قوله عليه الصلاة والسلام فهيَ زانيةٌ أيْ تشبِهُ الزانيةَ أي هذا من مقدماتِ الزِنا. من مُقدِّماتِ الزنا النظرُ بشهوةٍ والبطشُ أي الإمساكُ باليدِ والمشيُ بنيةِ الحصولِ على تلذُّذٍ محرَّمٍ، وكذلكَ المحادثةُ التي يُقصَدُ بها التلذُّذُ المحرَّمُ كلُّ هذا مُقدماتُ الزنا. لكنْ فرقٌ بعيدٌ بينَ الزنا الحقيقيّ الذي يُوجِب الحدَّ وبينَ هذهِ المقدماتِ. أما التي تخرجُ مُتعطرةً أو مُتزيِّنةً لا لقَصْدِ التعرُّضِ للرجالِ فهو جائزٌ معَ الكراهةِ. إذا تعطرتْ أو تزيَّنَتْ ثمَّ خرجَتْ لا بنيةِ التعرضِ للرجالِ فهذا مكروهٌ لا يصلُ إلى درجةِ الحرامِ ومَنْ يُحرِّمُهُ فهو غالطٌ خالفَ حديثَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم "فمرَّتْ بقومٍ ليَجِدُوا ريحَها" اهـ ما قالَ أيُّما امرأةٍ خرجَتْ مُتعطرةً فهيَ زانيةٌ، لـم يقُل ذلكَ إنما قال "فمرَّتْ بقومٍ ليَجِدُوا ريحَها" اهـ ولا يجوزُ للإنسانِ أن يتعدَّى الحدَّ الذي جاءَ بهِ الشرعُ.
هذا أيْ حُكْمُ الكراهةِ المذكورُ ءانِفًا في غير سفرِ الحجّ أما في سفرِ الحجِّ فقدْ صحَّ ما رواهُ أبو داود والبيهقيُّ وغيرُهما عن عائشةَ رضيَ اللهُ عنها "كُنَّا نَخرجُ معَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم إلى مكةَ فنُضَمِّخُ جِباهَنا بالمسكِ للإحرامِ فإذا عَرِقَتْ إحدانا سالَ على وجهِها فيرى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ذلك فلا ينهانا5 اهـ مِنْ هُنا قال الفقهاءُ الشافعيُّونَ إنهُ يُستَحبُّ للرجلِ والأنثى التطيبُ للإحرامِ أيْ بحجٍّ أو بعمرةٍ أي هوَ سنةٌ. فالقولُ بتحريمِ خروجِ المرأةِ متعطرةً على الإطلاقِ شَطَطٌ أيْ مُجاوزةٌ للحدِّ ولا يُقَلَّدُ قائِلُهُ.
ثمَّ إنَّ هُناكَ حديثًا ءاخرَ رواهُ ابنُ شَيبةَ في مُصنَّفِهِ أنَّ عائشةَ رضيَ اللهُ عنها قالتْ دخلَ عليَّ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وعندي أسماءُ فقال "ما كانَ ينبغي للمرأةِ أنْ تتطيَّبَ وزوجُها غائبٌ"6 اهـ محلُّ الدليلِ أنَّ الرسولَ صلى الله عليه وسلم ما زادَ على قولهِ "ما كان ينبغي" ما قال حرامٌ عليكِ كيفَ خرجتِ منَ البيتِ وجئتِ إلينا وأنتِ مُتطيِّبةً، ما عنَّفَها. هذا أيضًا دليلٌ. لكنْ كما قالَ الفقهاءُ خروجُ المرأةِ مُتطيِّبةً أو مُتزينةً إلى السوقِ أو إلى المسجدِ أو نحوِهما أي أمامَ الرجالِ الأجانبِ مكروهٌ لكنَّ الحديثَ الصحيحَ يَستثني سفرَ الحجِّ والعُمرةِ لحديثِ عائشةَ الذي ذكرناهُ أخرجَهُ أبو داودَ من بينِ أصحابِ الكتبِ الستةِ والبيهقيُّ رحمهُ اللهُ.
ثمَّ الفقهاءُ نَصُّوا على أنهُ يجوزُ للمرأةِ الخروجُ كاشِفةً وجهَها. هذا ابنُ حجرٍ الهيتميُّ كانَ في مُنتصفِ القرنِ العاشرِ الهِجريّ لهُ كتابٌ اسمُهُ حاشيةُ الإيضاحِ يقولُ فيهِ يجوزُ خروجُ المرأةِ إلى الشوارعِ كاشفةً الوجهَ.
بعضُ الـمُتأخرينَ منَ الحنفيةِ قالوا وجهُ المرأةِ ليسَ عورةً لكنْ يحرُمُ عليها الخروجُ كاشفةً الوجهَ هذا كلامُ بعضِ الـمُتأخرينَ ليسَ مِنْ كلامِ أصحابِ أبي حنيفةَ ولا أصحابِهم ولا أصحابِ أصحابهم إنَّما هذا كلامُ بعضِ الـمُتأخرينَ ممن لهُ خمسمائةِ أو أربعمائةِ سنةٍ ومِنْ مُتأخريهِم مَنْ لـم يُحرِّمْ عليها الخروجَ كاشفةً الوجهَ والعُمدةُ على ما قالهُ هؤلاءِ وهو ما عليهِ الجمهورُ بأنهُ يجوزُ للمرأةِ الخروجُ معَ كشفِ الوجهِ. كونوا على علمٍ بهذا لأنَّ بعضَ البلادِ جرتِ العادةُ أن لا تخرجَ المرأةُ كاشفةً وجهَها فلو حصلَ ذلكَ مِنْ واحدةٍ منهُنَّ اعتَبَرُوهُ كبيرةً. هذا من تأثيرِ العادةِ. حتى إنَّ بعضَ أهلِ الغُلُوِّ في حلبَ قال لجماعتِهِ حرامٌ على المرأةِ أن تُبرِزَ وجهَها داخلَ بيتِها معَ وجودِ زوجِها إنْ كانَ هناكَ أجنبيٌّ ءاخرُ، هذا غُلُوٌّ، لو قيلَ له من أينَ قُلتَ هذا القولَ لا يجدُ دليلاً لكنَّ بعضَ النفوسِ تحبُّ الغلوَّ، والرسولُ صلى الله عليه وسلم نهى عنِ الغلوِّ، لا يجوزُ للمؤمنِ أن يتجاوزَ الحدَّ الشرعيَّ، لا إفراطَ ولا تفريط. هذا المطلوبُ من المؤمنِ، أن يكونَ عملُهُ قصدًا وسَطًا ليسَ فيهِ إفراطٌ ولا تفريطٌ أيْ تنقيصٌ. اللهُ تبارك وتعالى يحِبُّ لعِبادِهِ أن يكونوا على الحالِ الوسطِ لا إفراطَ فيهِ ولا تفريط، لا نُحرِّمُ حلالاً ولا نُحِلُّ حرامًا، ولا عبرةَ بالعاداتِ بلِ العبرةُ بالشرعِ. نعم أفضلُ للمرأةِ وأحسنُ أن تسترَ وجهَها إذا خرجَتْ أمامَ الرجالِ الأجانبِ كما كانَتْ عادةُ نساءِ السلفِ وقد كانتْ نساءُ الأنصارِ يُغَطينَ عَينًا ويكشِفنَ عينًا إذا خرَجْنَ.
ثمَّ إنَّ الله تبارك وتعالى أوحى إلى نبيِّهِ صلى الله عليه وسلم فقال ما فيهِ حِفْظٌ منَ الهلاكِ بالنسبةِ للنساءِ، قال عليهِ الصلاةُ والسلامُ للنساءِ "تصَدَّقنَ فإني رأيتُكُنَّ أكثرَ أهلِ النارِ تَكفُرْنَ" اهـ قالتْ بعضُ النساءِ الحاضراتُ مُستفسرةً لقولهِ عليه الصلاةُ والسلام "تكفُرْنَ" أيَكفُرنَ بالله، قال "يُكثِرنَ اللعنَ ويَكفُرْنَ العشيرَ"7 اهـ يُكثرنَ اللعنَ معناهُ يكثُرُ منَ النساءِ لعنُ مَنْ لا يجوزُ لعنُهُ، يغلِبُ على عادةِ النساءِ أنهُنَّ يلعَنَّ إذا غَضِبْنَ مِنْ ولدٍ، كذلكَ يكفُرْنَ العشيرَ أي الزوجَ أيْ يجحدْنَ جميلَ الزوجِ أيْ إحسانَ الزوجِ ولا سيما إذا غضِبْنَ، هذه حالةُ النساءِ الغالبةُ عليهِنَّ، أما التقيَّاتُ الصالحاتُ فهُنَّ مُسْتَثْنَياتٌ مِنْ ذلك. ثمَّ منشأُ هذا اللعنِ وكُفرانِ العشيرِ في الغالبِ الغضَبُ فالمطلوبُ مِنَ المرأةِ المؤمنةِ أنْ تَملِكَ نفسَها عندَ الغضبِ فلا تتجاوزَ بلِسانِها إلى معاصي اللهِ تبارك وتعالى مِنْ لَعْنِ مَنْ لا يستحقُّ اللعنَ وإيذاءِ الزوجِ بإنكارِ جميلِهِ. أكبرُ سببٍ لذلكَ اللعنِ والكُفرانِ هوَ الغضبُ والرسولُ صلى الله عليه وسلم أوْصَى أمَّتَهُ بتركِ الغضبِ أي الغضبِ لحّظِّ النفسِ فإنهُ ليسَ محمودًا.
ثمَّ إنَّ الله تباركَ وتعالى لـم يفرضْ على النساءِ نوعًا منَ اللباسِ أو لونًا إنَّما الفرضُ عليهِنَّ أنْ يَسْتُرْنَ ما عدا الوجهَ والكفَّينِ بما يمنعُ إدراكَ لونِ جلدِها فإنْ ستَرتْ بالأحمرِ أو بغيرِ ذلكَ منَ الألوانِ فذلكَ جائزٌ ولا يُشتَرطُ أن تقتصرَ على الأبيضِ أوِ الأسودِ. وأما إذا كان لِباسُها يَصِفُ لونَ جِلدها فكأنَّها غيرُ لابسةٍ. وسبحانَ اللهِ والحمدُ لله ربّ العالمين.
انتهى واللهُ تعالى أعلم.
------------------
1- انظر الأسماء والصفات للبيهقي باب ما جاء في فضل الكلمة الباقية.
2- رواه البخاري في صحيحه باب اتقوا النار ولو بشق تمرة والقليل من الصدقة.
3- رواه مسلم في صحيحه باب كراهة التسمية بالأسماء القبيحة.
4- رواه ابن حبان في صحيحه باب الزنى وحده.
5- رواه أبو داود في سننه باب ما يلبس المحرِمُ ورواه البيهقي في السنن الكبرى باب المرأة تختضب قبل إحرامها وتمتشط بالطيب.
6- رواه ابن أبي شيبة في مصنفه باب من كره للمرأة أن تطيب إذا خرجت.
7- رواه البخاري في صحيحه باب كفران العشير وكفر بعد كفر وباب ترك الحائض الصوم.
25/11/2024, 17:11 من طرف Admin
» كتاب التواضع والخمول تصنيف ابن أبي الدنيا
25/11/2024, 17:02 من طرف Admin
» كتاب: في رياض السيرة النبوية العهد المكي – د.أحمد عمر هاشم ـ ج1
25/11/2024, 16:27 من طرف Admin
» كتاب في رياض السيرة النبوية (العهد المدني) لأحمد عمر هاشم ـ ج2
25/11/2024, 15:41 من طرف Admin
» كتاب: القصص في الحديث النبوي ـ لمحمد الزير موقع مكتبة
25/11/2024, 15:03 من طرف Admin
» كتاب: الكلام على قوله تعالى {إنما يخشى الله من عباده العلماء} ـ ابن رجب الحنبلي
25/11/2024, 14:58 من طرف Admin
» كتاب: نهاية العالم في الكتاب المقدس - دراسة مقارنة مع القرآن الكريم ـ نور فائزة بنت عثمان
20/11/2024, 22:49 من طرف Admin
» كتاب مواعظ الإمام زين العابدين ـ صالح أحمد الشامي
18/11/2024, 23:30 من طرف Admin
» كتاب إتحاف النفوس بنفحات القدوس ـ عبد القدوس بن أسامة السامرائي
18/11/2024, 23:25 من طرف Admin
» كتاب الإعلام بفضل الصلاة على النبي والسلام ـ محمد بن عبد الرحمن بن علي النميري
18/11/2024, 23:20 من طرف Admin
» كتاب الغيب ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:08 من طرف Admin
» كتاب الشيطان والإنسان ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:03 من طرف Admin
» كتاب الشعراوي هنا رأيت سيدنا إبراهيم ـ سعيد أبو العنين
18/11/2024, 23:01 من طرف Admin
» كتاب الخير والشر ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:57 من طرف Admin
» كتاب التربية في مدرسة النبوة ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:55 من طرف Admin