7ـ فصل[في أن الدعاء لا يناقض الرضى]
واعلم: أن الدعاء لا يناقض الرضى، كذلك كراهة المعاصي ومقت أهلها وأسبابها، والسعى فى إزالتها.
أما الدعاء، فقد تعبدنا الله تعالى به، وقد أثنى الله تعالى على بعض عباده بقوله: {ويدعوننا رغبا ورهبا} [الأنبياء:90] ودعاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وغيره من الأنبياء والصالحين معلوم.
وأما إنكار المعاصي وعدم الرضى بها، فقد تعبدنا الله تعالى به، وذم الراضي به، وكذلك بغض الكفار والفجار، والإنكار عليهم، وشواهد ذلك فى القرآن والأخبار كثيرة جداً.
فإن قيل: فقد وردت الأخبار بالرضى بقضاء الله تعالى، فإن كانت المعاصي بغير قضاء الله تعالى، فهو محال، وإن كانت بقضائه، فكراهتها كراهة لقضائه، فكيف الجمع بين هذين الحالين.
فاعلم أن هذا مما يلتبس على القاصرين على الوقوف على أسرار العلم، حتى التبس على قوم، فرأوا السكوت عن الإنكار مقاما من مقامات الرضى، وسموه حسن الخلق، وهو جهل محض، بل نقول: الرضى والكراهه يتضادان، إذا تواردا على شىء واحد، من جهة واحدة، على وجه واحد. فأما إذا رضيت بشيء من وجه، وكرهته من وجه آخر، فليس ذلك بمتضاد، نحو أن يموت عدوك الذي هو أيضاً عدو لبعض أعدائك، وساع فى إهلاكه، فتكره موته من حيث إنه مات عدو عدوك، وترضاه من حيث إنه عدوك، وكذلك للمعصية وجهان:
وجه إلى الله تعالى، من حيث إنها اختياره وإرادته، فترضى بها من هذا الوجه تسليماً للملك إلى مالك الملك.
ووجه إلى العبد من حيث سلط عليه أسباب البعد والمقت، فهو من هذا الوجه منكر ومذموم، ولا ينكشف هذا إلا بمثال، فلنفرض محبوباً من الخلق قال بين يدي محبة: إنى أريد أن أميز بين من يحبني ويبغضني، وأنصب لذلك معياراً صادقاً، وهو أنى أقصد إلى فلان فأضربه ضرباً شديداً يضطره ذلك إلى الشتم لى، حتى إذا شتمني أبغضته واتخذته عدواً، فكل من أحبه علمت أنه أيضاً عدو لى، وكل من أبغضه علمت أنه محبي وصديقى، ثم فعل ذلك وحصل مراده من الشتم الذي هو سبب البغض، وحصل البغض الذي هو سبب العداوة، فحق على كل من هو صادق فى محبته أن يقول: أما تدبيرك فى ضرب هذا الشخص وأذاه، فأنا محب له، فإنه رأيك وتدبيرك وفعلك، وأما شتمه إياك من حيث نسبته إلى هذا الشخص، فإنه عدوان منه وتهجم عليك، فأنا كاره له من حيث نسبته إليه إذ كان حقه أن يصبر ولا يشتم، فكذلك تسليط الله سبحانه وتعالى دواعي الشهوة والمعاصي على العبد، وبغضه على عصيانه.فواجب على كل عبد محب لله أن يبغض من أبغضه الله عز وجل، ويعادى من عاداه وأبعده عن حضرته، وإن اضطره بقهره وقدرته إلى معاداته ومخالفته، فإنه بعيد مطرود، والمبعد عن درجات القرب ينبغي أن يكون بغيضاً إلى جميع المحبين، موافقة لمحبوبهم، بإظهار الغضب على من أظهر المحبوب الغضب عليه بإبعاده.
وبهذا يتقرر جميع ما وردت به الأخبار من البغض فى الله والحب فى الله، والتشديد على الكفار والتغليظ عليهم، والمبالغة فى مقتهم، مع الرضى بقضاء الله تعالى، من حيث إنه قضاؤه، وهذا كله يستمد من سر القدر الذي لا رخصة فى إفشائه، وهو أن الخير والشر كلاهما داخلان فى المشيئة والإدارة، ولكن الشر مراد مكروه، والخير مراد مرضى به.
والأولى السكوت والتأدب بأدب الشرع، والوقوف مع ما تعبد به الخلق، من الجمع بين الرضى بقضاء الله تعالى ومقت المعاصي، والله تعالى أعلم.
ومما يتعلق بالمحبة.
قيل: أوحى الله تعالى إلى داود عليه السلام: لو يعلم المدبرون عنى كيف انتظاري لهم، ورفقي بهم، وشوقي إلى ترك معاصيهم، لماتوا شوقاً إلى، وتقطعت أوصالهم من محبتي.
يا داود: هذه إرادتي في المدبرين عنى، فكيف إرادتي في المقبلين على؟
يا داود أحوج ما يكون العبد إلى إذا استغنى عنى، وأجل ما يكون عندي إذا رجع إلى.
وكانت امرأة متعبدة تقول: والله لقد سئمت الحياة، حتى لو وجدت الموت يباع لاشتريته شوقاً إلى الله تعالى، وحباً للقائه. فقيل لها: فعلى ثقة أنت من عملك؟ قالت: لا، ولكنى لحبى إياه وحسن ظني به، أفتراه يعذبني وأنا أحبه؟
واعلم: أن الدعاء لا يناقض الرضى، كذلك كراهة المعاصي ومقت أهلها وأسبابها، والسعى فى إزالتها.
أما الدعاء، فقد تعبدنا الله تعالى به، وقد أثنى الله تعالى على بعض عباده بقوله: {ويدعوننا رغبا ورهبا} [الأنبياء:90] ودعاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وغيره من الأنبياء والصالحين معلوم.
وأما إنكار المعاصي وعدم الرضى بها، فقد تعبدنا الله تعالى به، وذم الراضي به، وكذلك بغض الكفار والفجار، والإنكار عليهم، وشواهد ذلك فى القرآن والأخبار كثيرة جداً.
فإن قيل: فقد وردت الأخبار بالرضى بقضاء الله تعالى، فإن كانت المعاصي بغير قضاء الله تعالى، فهو محال، وإن كانت بقضائه، فكراهتها كراهة لقضائه، فكيف الجمع بين هذين الحالين.
فاعلم أن هذا مما يلتبس على القاصرين على الوقوف على أسرار العلم، حتى التبس على قوم، فرأوا السكوت عن الإنكار مقاما من مقامات الرضى، وسموه حسن الخلق، وهو جهل محض، بل نقول: الرضى والكراهه يتضادان، إذا تواردا على شىء واحد، من جهة واحدة، على وجه واحد. فأما إذا رضيت بشيء من وجه، وكرهته من وجه آخر، فليس ذلك بمتضاد، نحو أن يموت عدوك الذي هو أيضاً عدو لبعض أعدائك، وساع فى إهلاكه، فتكره موته من حيث إنه مات عدو عدوك، وترضاه من حيث إنه عدوك، وكذلك للمعصية وجهان:
وجه إلى الله تعالى، من حيث إنها اختياره وإرادته، فترضى بها من هذا الوجه تسليماً للملك إلى مالك الملك.
ووجه إلى العبد من حيث سلط عليه أسباب البعد والمقت، فهو من هذا الوجه منكر ومذموم، ولا ينكشف هذا إلا بمثال، فلنفرض محبوباً من الخلق قال بين يدي محبة: إنى أريد أن أميز بين من يحبني ويبغضني، وأنصب لذلك معياراً صادقاً، وهو أنى أقصد إلى فلان فأضربه ضرباً شديداً يضطره ذلك إلى الشتم لى، حتى إذا شتمني أبغضته واتخذته عدواً، فكل من أحبه علمت أنه أيضاً عدو لى، وكل من أبغضه علمت أنه محبي وصديقى، ثم فعل ذلك وحصل مراده من الشتم الذي هو سبب البغض، وحصل البغض الذي هو سبب العداوة، فحق على كل من هو صادق فى محبته أن يقول: أما تدبيرك فى ضرب هذا الشخص وأذاه، فأنا محب له، فإنه رأيك وتدبيرك وفعلك، وأما شتمه إياك من حيث نسبته إلى هذا الشخص، فإنه عدوان منه وتهجم عليك، فأنا كاره له من حيث نسبته إليه إذ كان حقه أن يصبر ولا يشتم، فكذلك تسليط الله سبحانه وتعالى دواعي الشهوة والمعاصي على العبد، وبغضه على عصيانه.فواجب على كل عبد محب لله أن يبغض من أبغضه الله عز وجل، ويعادى من عاداه وأبعده عن حضرته، وإن اضطره بقهره وقدرته إلى معاداته ومخالفته، فإنه بعيد مطرود، والمبعد عن درجات القرب ينبغي أن يكون بغيضاً إلى جميع المحبين، موافقة لمحبوبهم، بإظهار الغضب على من أظهر المحبوب الغضب عليه بإبعاده.
وبهذا يتقرر جميع ما وردت به الأخبار من البغض فى الله والحب فى الله، والتشديد على الكفار والتغليظ عليهم، والمبالغة فى مقتهم، مع الرضى بقضاء الله تعالى، من حيث إنه قضاؤه، وهذا كله يستمد من سر القدر الذي لا رخصة فى إفشائه، وهو أن الخير والشر كلاهما داخلان فى المشيئة والإدارة، ولكن الشر مراد مكروه، والخير مراد مرضى به.
والأولى السكوت والتأدب بأدب الشرع، والوقوف مع ما تعبد به الخلق، من الجمع بين الرضى بقضاء الله تعالى ومقت المعاصي، والله تعالى أعلم.
ومما يتعلق بالمحبة.
قيل: أوحى الله تعالى إلى داود عليه السلام: لو يعلم المدبرون عنى كيف انتظاري لهم، ورفقي بهم، وشوقي إلى ترك معاصيهم، لماتوا شوقاً إلى، وتقطعت أوصالهم من محبتي.
يا داود: هذه إرادتي في المدبرين عنى، فكيف إرادتي في المقبلين على؟
يا داود أحوج ما يكون العبد إلى إذا استغنى عنى، وأجل ما يكون عندي إذا رجع إلى.
وكانت امرأة متعبدة تقول: والله لقد سئمت الحياة، حتى لو وجدت الموت يباع لاشتريته شوقاً إلى الله تعالى، وحباً للقائه. فقيل لها: فعلى ثقة أنت من عملك؟ قالت: لا، ولكنى لحبى إياه وحسن ظني به، أفتراه يعذبني وأنا أحبه؟
أمس في 17:11 من طرف Admin
» كتاب التواضع والخمول تصنيف ابن أبي الدنيا
أمس في 17:02 من طرف Admin
» كتاب: في رياض السيرة النبوية العهد المكي – د.أحمد عمر هاشم ـ ج1
أمس في 16:27 من طرف Admin
» كتاب في رياض السيرة النبوية (العهد المدني) لأحمد عمر هاشم ـ ج2
أمس في 15:41 من طرف Admin
» كتاب: القصص في الحديث النبوي ـ لمحمد الزير موقع مكتبة
أمس في 15:03 من طرف Admin
» كتاب: الكلام على قوله تعالى {إنما يخشى الله من عباده العلماء} ـ ابن رجب الحنبلي
أمس في 14:58 من طرف Admin
» كتاب: نهاية العالم في الكتاب المقدس - دراسة مقارنة مع القرآن الكريم ـ نور فائزة بنت عثمان
20/11/2024, 22:49 من طرف Admin
» كتاب مواعظ الإمام زين العابدين ـ صالح أحمد الشامي
18/11/2024, 23:30 من طرف Admin
» كتاب إتحاف النفوس بنفحات القدوس ـ عبد القدوس بن أسامة السامرائي
18/11/2024, 23:25 من طرف Admin
» كتاب الإعلام بفضل الصلاة على النبي والسلام ـ محمد بن عبد الرحمن بن علي النميري
18/11/2024, 23:20 من طرف Admin
» كتاب الغيب ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:08 من طرف Admin
» كتاب الشيطان والإنسان ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:03 من طرف Admin
» كتاب الشعراوي هنا رأيت سيدنا إبراهيم ـ سعيد أبو العنين
18/11/2024, 23:01 من طرف Admin
» كتاب الخير والشر ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:57 من طرف Admin
» كتاب التربية في مدرسة النبوة ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:55 من طرف Admin