حضرة سيدنا إبراهيم عليه السلام
من تحدى ظلم وتهديد نَمْرود،
ومن حَوَّلَ لهيب النّار إلى حدائق للورد
حضرة سيدنا إبراهيم عليه السلام
ولد سيدنا إبراهيم عليه السلام في شرق مدينة بابل في المنطقة ما بين نهري دجلة والفرات. وبحسب إحدى الروايات فإن والده هو رجل مؤمن نقي اسمه طروح. وعندما توفي طروح تزوجت والدة إبراهيم بآزر شقيق طروح. وبالتالي فإن آزر الوثني الذي كان يعبد الأصنام هو والد إبراهيم بالتبني (زوج أمه). وبحسب رواية أخرى، فإن طروح هو الاسم القديم لوالد إبراهيم . وعندما بدأ يعبد الأصنام غير اسمه فأصبح آزر. وبحسب الإمام السيوطي رحمه الله، فإنه يروي بناءً لحديث ابن عباس رضي الله عنهما يقول بأن آزر ليس والد إبراهيم وإنما هو عمه.
أرسل إبراهيم عليه السلام إلى قوم الكلدانيين. ويعتبر بأنه أفضل (أو خير) البشر بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم. وكرمه الله تعالى بأن وصفه بقوله «خليلي» (يعني صديقي الخاص). ولهذا فإنه يعرف أيضاً باسم «خليل الرحمن»[1].
وأنزلت إلى إبراهيم عليه السلام عشر صحف. وهي بحسب ما يروي إلينا الصحابي الجليل أبو ذر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم، فإن هذه الصحف التي أنزلت على إبراهيم عليه السلام تحتوي على النصائح والعبر التالية:
“أيها الملك المسلَّط المُبتلَى المغرور، إني لم أبعثك لتجمع الدنيا بعضها على بعض، ولكن بعثتُك لتردَّ عني دعوة المظلوم، فإني لا أردُّها وإن كانت من كافر، وعلى العاقل ما لم يكن مغلوبًا على عقله، أن يكون له ساعات: فساعة يُناجي فيها ربه، وساعة يُحاسب فيها نفسه، وساعة يتفكَّر فيها في صُنع الله ، وساعة يخلو فيها لحاجته من المطعم والمشرب وَعَلَى الْعَاقِلِ أَنْ لَا يَكُونَ ظَاعِنًا إِلَّا لِثَلاثٍ: تَزَوُّدٍ لِمَعَادٍ، أَوْ مَرَمَّةٍ لِمَعَاشٍ، أَوْ لَذَّةٍ فِي غَيْرِ مُحَرَّمٍ، وَعَلَى الْعَاقِلِ أَنْ يَكُونَ بَصِيرًا بِزَمَانِهِ مُقْبِلًا عَلَى شَأْنِهِ، حَافِظًا لِلِسَانِهِ، وَمَنْ حَسَبَ كَلَامَهُ مِنْ عَمَلِهِ قَلَّ كَلَامُهُ إِلَّا فِيمَا يَعْنِيهِ” (أبو نعيم، حلية، 1، 167؛ ابن أثير، الكامل، 1، 124)
ومن صفات إبراهيم عليه السلام أيضاً أنه «أبو الأنبياء» (أي والد الأنبياء). فأولاده إسماعيل وإسحاق . وسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم هو من نسل إسماعيل؛ ومن نسل إسحاق أتى أنبياء بني إسرائيل.
وذكر اسم إبراهيم عليه السلام في القرآن الكريم في خمس وعشرين سورة تسعة وستون مرة مختلفة. ويصفه القرآن الكريم في هذه المواضع المختلفة بالعديد من الأسماء والصفات. ومن صفاته هذه: أواه (كثير الآهات، متضرعاً)،
حليم (صاحب الحلم، حلو المزاج)،
منيب (متجهاً بقلبه إلى الله)،
حنيف (المبتعد عن الشرك والضلالة المتمسك بشدة بدين التوحيد)،
قانط (العابد لله)،
شاكر (الكثير الشكر).
وتأميناً لمعيشته، كان إبراهيم عليه السلام يتاجر بالقماش والألبسة قبل هجرته، ومن بعدها عمل في الزراعة أيضاً.
نَمْرود
لقد كان نمرود حاكم قبيلة الكلدانيين وكان في أول عهده حاكماً عادلاً ومنصفاً. وكان قومه يعبدون النجوم والأصنام. ومن ثم، توسعت سلطنة نمرود فأصابه الكبر وصنع أصناماً على شكله وخاطب قومه فقال لهم: «- أنا أيضاً إله. فاعبدوني!»
يروى أن نمرود شاهد في منامه نوراً يسطع في السماء ويخمد بنوره نور الشمس والقمر. وتذكر رواية أخرى أنه شاهد في منامه رجلاً يأتي غليه ويسقطه عن العرش فيقع على الأرض. فاستيقظ نمرود مضطرباً. فنادى المنجمين إلى قصره وقص عليهم منامه فقالوا له:
«- سيظهر دين جديد!. ومن سيأتي بهذا الدين سينسف ملكك ويسويه مع الأرض. فخذ حذرك منه!»
وبناءً عليه، وبحسب ما قام به من استشارات، أمر نمرود بقتل كل طفل يولد منعاً لحصول هذا التكهن. ولهذا قتل في تلك الفترة ما يزيد عن مئة ألف طفل حديث الولادة.
وفي تلك الفترة كانت أم إبراهيم عليه السلام حبلى به. فقالت لزوجها آزر عند اقتراب فترة وضعها:
«- إذهب إلى المعبد وادْعُ لي هناك! فإذا ولدت صبياً أتيتك به. فتذهب به بنفسك إلى نمرود. ويقوم هو بقتله. وبهذا تزداد مرتبتك وقيمتك عنده»
وبعد أن ذهب آزر إلى معبد الأصنام ولد إبراهيم عليه السلام . فقامت والدته على الفور بإخفائه في إحدى المغارات. وعندما عاد آزر إلى البيت أخبرته بأن الطفل ولد ضعيفاً جداً ومات على أثرها على الفور. وعند خروج آزر من البيت، ذهبت والدة إبراهيم مسرعة إليه. وكانت تفعل ذلك كلما سنحت لها الفرصة. وكانت في بعض الأحيان تجد إبراهيم يمتص أصابعه. ذلك أن جبريل كان يضع بين أصابعه عصارة الزبد والعسل والحليب والتمر.
وقضى إبراهيم عليه السلام مرحلة الطفولة في المغارة، ويروى أنه عندما خرج منها بدأ بتبليغ رسالة التوحيد.
تقول الآية الكريمة:
﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرهِيمَ رُشْدَهُ مِن قَبْلُ…﴾ (الأنبياء، 51)
إن الرُشْد هو أن يعرف المرء طريق الخير والصواب، وأن يميز بين الزيغ والصواب، وأن يصبر ويتمسك بطريق الحق، فيسير بشكل مباشر نحو الهدف الواضح المعلوم.
كان إبراهيم عليه السلام يقول: ما من إله غير الله، هو ربي ورب كل شيء». وكانت والدته وأبوه يبكيان خوفاً من نمرود ويحاولون تحذير إبراهيم عليه السلام . فكان إبراهيم عليه السلام يرد على اضطرابهم فيقول:
«- لا تخافوا علي من نمرود أبداً. فاللَّه الذي حماني في طفولتي سيحميني في كبري أيضاً.» (ابن إياس، بدائع الظهور، ص84)
ربي الله
كان آزر ينحت الأصنام ويعتاش من بيعها. وكان بقية أبناء آزر أيضاً يمتدحون الأصنام طلباً لبيعها. أما إبراهيم عليه السلام فكان يأخذ ما يعطيه والده من الأصنام ليبيع، فيربطها بحبل من رقابها ويذهب إلى السوق فينادي مستهزئاً:
«هل منكم من أحد يشتري هذه الأصنام التي لا فائدة منها ولا ضرر؟» وكان يعود دون أن يشتري أحد منه أي صنم.واحتقاراً منه لهذه الأصنام كان يقوم بجرها على الأرض. ومن ثم كان يضع رأس الصنم في الماء ويقول:
«هيا! أنت عطشت، اشرب أنت أيضاً!»
إن إبراهيم عليه السلام ، ودون أن يتلقى أي تعليم أو تربية من أحد، استطاع برشده الذي وهبه الله تعالى أن يكون دليلاً لنفسه إلى طريق التوحيد متآلفاً مع الحقائق الإلهية الكبرى. وتتحدث الآية القرآنية الكريمة عن معرفته بربه منذ سِني الشباب الأولى وخصوصية دعوته لقومه إلى هذه الحقيقة فيقول تعالى:
﴿فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هـذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لاَ أُحِبُّ الآفِلِينَ. فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هـذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي َلأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ. فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هـذَا رَبِّي هـذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ. إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّموَاتِ وَاْلأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ (الأنعام، 76-79)
إن الحقيقة الواضحة التي تظهرها هذه الآيات الكريمة هي أنها تظهر للمشركين الذين يسجدون لغير الله، بأن الطريق الذي يسلكونه ليس إلا طريقاً خاطئاً وإيماناً باطلاً. عندما يشاهد إبراهيم عليه السلام نجماً في السماء يقول: (هل هذا هو الذي سيكون ربي!) لقد بدأ موعظته مبتدأً من النجم الذي رآه أبعد ما يكون عليه الإله، فحاول أن يلفت انتباه القوم من حوله موجهاً هذا التعجب. ولكن وقبل أن يمضي كثير من الوقت اختفى هذا النجم فقال إبراهيم عليه السلام : «إني لا أحب الآفلين» مشيراً إلى أن المحبة هي الأساس الأول الذي يجب أن يكون بين العبد وربه، ومؤكداً في الوقت نفسه على أن الذهاب والغياب ليس صفة من الصفات التي تشير إلى وجود الله، بل على العكس إن هي إلا دليل على مخلوقية هذا النجم وبالتالي زواله بعد حين. ولهذا، فإن الإعتقاد بألوهية كائنات أو أشياء كهذه، ليس إلا انحراف لا ينتهي إلا بالخسران، وكأنه يؤكد بقوله هذا على ضرورة أن يكون الرب هو القدرة الخلاقة المبدعة منذ بداية الكون.
كما أن هذا المثال يضع أمام كل إنسان عاقل مفكر بأن طريق التفكر هي التي يمكنها أن ترسو به إلى بَرِّ الإيمان والمعرفة الضرورية لوجود ووحدانية الله الخالق. ولهذا السبب، ذهب بعض علماء أهل السنة إلى القول بأن كل إنسان على هذه الأرض مكلف حتى لو لم يصل الإسلام إليه بأن يؤمن بوجود الله ووحدانيته وصولاً إلى بر الأمان، ولكنه لا يمكن أن يكون مكلفاً بتأدية أعمال العبادة المذكورة في الإسلام لعدم وصولها إليه.
دعوة التوحيد
بعد إدراكه للحقائق الإلهية، وبعد أن مَنَّ الله تعالى عليه بعلم عن الذات الإلهية لا تعطى لأي كان، بدأ إبراهيم عليه السلام دعوته للتوحيد متوجهاً في البداية إلى أبيه آزر. فقال له بنوع من اللطف واللين:
﴿إِذْ قَالَ ِلأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لاَ يَسْمَعُ وَلاَ يُبْصِرُ وَلاَ يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا. يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا. يَا أَبَتِ لاَ تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا. يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا﴾ (مريم، 42-45)
فغضب آزر منه وقال:
﴿قَالَ أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْراهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ َلأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا﴾ (مريم، 46)
لكن إبراهيم عليه السلام خاطب أباه مرة أخرى بأسلوب لين ورقيق فقال يرد عليه:
﴿قَالَ سَلاَمٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا﴾ (مريم، 47)
ودَعَا ربَّه يطلب الغفران لأبيه. لكن دعاءه لم يستجب. لأن أباه كان عدواً لله. وعندما أدرك إبراهيم عليه السلام هذا الأمر توقف مباشرة عن الدعاء لأبيه. ذلك أن الدعاء للكافر لا يمكن أن يكون بالغفران، وإنما يجب أن يكون دعاء بالهداية. يبين القرآن الكريم هذا الأمر فيقول:
﴿مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ. وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرهِيمَ لأَبِيهِ إِلاَّ عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ ِللهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرهِيمَ َلأوَّاهٌ حَلِيمٌ ﴾(التوبة، 113-114)
ويتحدث القرآن الكريم مراراً وتكراراً عن مجادلة إبراهيم عليه السلام لقومه وأبيه، وقوله لهم بخطأ طريق الشرك الذي هم فيه ذاهبون، ودعوته لهم إلى إيمان التوحيد مستخدماً أدلة العقل والمنطق. ويروي القرآن الكريم إحدى هذه المحاورات بين إبراهيم عليه السلام ومن لم يؤمن من قومه وأبيه، فيقول:
﴿إِذْ قَالَ ِلأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ. قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءَنَا لَهَا عَابِدِينَ. قَالَ لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ فِي ضَلاَلٍ مُبِينٍ. قَالُوا أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ أَمْ أَنْتَ مِنَ اللاَّعِبِينَ. قَالَ بَلْ رَبُّكُمْ رَبُّ السَّموَاتِ وَاْلأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلَى ذلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ ﴾(الأنبياء، 52-56)
تحطيم إبراهيم عليه السلام للأصنام
كانت قبيلة الكلدانيين تجتمع يوماً في السنة وتحتفل فيه. فيقول آزر لإبراهيم :
«- تعال معنا أنت أيضاً اليوم لنحتفل بهذا العيد!».
ويتحجج إبراهيم في الطريق بالمرض ويعود. ومن ثم يذهب إلى معبد الأصنام. وكان فيه من الأصنام أنواع مختلفة من الفضة، والنحاس والخشب. وكان الناس يضعون أمام كل منها أنواعاً مختلفة من الطعام تبركاً بها. وكان كبير هذه الأصنام موضوعاً على عرش مصنوع من الذهب. أما ثيابه فكانت مطلية بالذهب، وعلى رأسه تاج.
حطم إبراهيم كل هذه الأصنام مستخدماً الفأس إلا ذلك الصنم الكبير. ومن ثم علق ذلك الفأس على رقبة ذلك الصنم الأكبر. وعندما حل المساء، عاد أهل قبيلة الكلدانيين إلى معبد الأصنام من موقع العيد، فصدموا كثيراً أمام ما رأوه من مشهد فيه. وتخميناً منهم قالوا:
«- لا يفعل هذا الأمر أحد إلا إبراهيم!». فما كان منهم إلا أن بحثوا عن إبراهيم وقالوا له:
«- أأنت من فعل هذا؟»
فأجابهم إبراهيم بقوله:
«-إن كبير الأصنام كان لا يريد أن يعبد أحد سواه. ولهذا غضب على الآخرين غضباً شديداً. فلعله في النهاية قرر تحطيمهم بالفأس ومن ثم علقها على رقبته. إن شئتم إسألوه هو أيضاً! وليخبركم هو بذلك الأمر!»
فأجابه القوم عبدة الأصنام:
«-إن الأصنام لا تتكلم!»
وبناءً على جوابهم هذا، قال لهم إبراهيم :
«-إذن، كيف لأشياء لا يمكنها أن تدافع حتى عن أنفسها أن تدافع عنكم؟ أفلا تعقلون؟»
يروي لنا القرآن الكريم تفاصيل هذه الحادثة فيقول:
﴿فَرَاغَ إِلَى آلِهَتِهِمْ فَقَالَ أَلاَ تَأْكُلُونَ. مَا لَكُمْ لاَ تَنْطِقُونَ. فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْبًا بِالْيَمِينِ﴾ (الصافات، 91-93)
﴿فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا إِلاَّ كَبِيرًا لَهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ. قَالُوا مَنْ فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ. قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرهِيمُ. قَالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ. قَالُوا أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرهِيمُ. قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ. فَرَجَعُوا إِلَى أَنْفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ. ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُؤُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلاَءِ يَنْطِقُونَ. قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ مَا لاَ يَنْفَعُكُمْ شَيْئًا وَلاَ يَضُرُّكُمْ. أُفٍّ لَكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللهِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ﴾ (الأنبياء، 58-67)
ومن خلال هذه الأجوبة التي صرح بها إبراهيم ، ازداد الناس قناعة بأنه هو من حطم هذه الأصنام. وعوضاً عن العودة إلى الله تعالى من خلال رؤيتهم لعجز تلك القطع من الحجارة، لم يتمكن عبدة الأصنام لسوء طالعهم من استيعاب هذا الأمر، وصبوا غضبهم على سيدنا إبراهيم ، فقالوا:
﴿قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ﴾ (الأنبياء، 68)
إلقاء إبراهيم في النار
أخبر عبدة الأصنام نمرود بما جرى من أمر. فدعى نمرود إبراهيم إليه. وكان كل من يأتي لحضرة نمرود يسجد في بادئ الأمر أمامه. أما إبراهيم فإنه دخل ولم يسجد له. وعندما سأل نمرود فضولاً وغضباً عن سبب ذلك أجابه:
«-لا أسجد لأحد إلا للذي خلقني وخلقك!»
فقال نمرود:
«-من هو ربك؟» فأجابه إبراهيم:
«- إن ربي هو الله الذي يحيي ويميت»
فقال نمرود:
«- أنا أيضاً أحيي وأميت.» ومن ثم أمر بإحضار اثنين من السجن. فقتل أحدهما وعَفَا عن الآخر. ثم قال:
«- أرأيت؟ أنا أيضاً أقوم بمثل هذا الأمر»
لكن نمرود بطيشه وقلة عقله لم يكن يدرك أن الإحياء هو نفخ الروح، وأن الإماتة هي سحب هذه الروح. قال له إبراهيم:
«-إن ربي يأمر الشمس فتشرق من الشرق. فإن كانت قوتك كافية فأمرها تشرق من الغرب!.»
يروي القرآن الكريم تفاصيل هذه الحادثة بقوله:
﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَآجَّ إِبْرهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِـي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِـي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرهِيمُ فَإِنَّ اللهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾ (البقرة، 258)
إن هذه الآية الكريمة تتحدث عن حجد نمرود وشهوانيته وإعلانه للحرب على الله جَلَّ وعلا. ويروي الإمام البيضاوي بأن نمرود كان أول أحمق على وجه الأرض يَدَّعِي الألوهية. فكان منكراً لله، وجاحداً له عوضاً عن أن يشكره على ما من عليه من مال وملك.
وهناك روايتان مختلفتان تتحدثان عن قصة لقاء إبراهيم بنمرود:
1- عندما حطم إبراهيم الأصنام حبسوه. ومن ثم أحضروه إلى نمرود بهدف إحراقه.
2- أصاب الناس في إحدى السنوات قحط. فكان نمرود يوزع الطعام على شعبه. وكان يسأل كل من يأخذ من هذا الطعام:
«- من ربك؟» ولكنه عندما وصل إلى إبراهيم ، أجابه:
«- إن ربي هو الذي يبعث فيحيي ويميت!»
ويغضب نمرود لهذا القول. ويمنع عن إبراهيم الطعام. ومن ثم يجمع أعوانه يستشيرهم في العقاب الذي يجب أن يعطيه له. ثم قرروا أن يحرقوه في النار، قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ:
أَشَارَ بِتَحْرِيقِهِ رَجُلٌ مِنْ أَعْرَابِ فَارِسَ، كَانَ اسْمُهُ هِيزَنَ فَخُسِفَ بِهِ فَهُوَ يَتَجَلْجَلُ فِيهَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ. (ابن الأثير، الكامل، 1، 89)
وقبل هذا الإقتراح. وبدأت التحضيرات إعداداً لهذه النار. فحمل الحطب إليها شهراً كاملاً. وكان الناس جهلاً وحماقة يقولون:
“- إن هذا الإنسان يخرج ويتحدى أصنامنا!” فيخرجون متطوعين لجمع الحطب. وجمع الحطب فصار كالجبل. وكان لهيب هذه النار يصل إلى السماء. ولا تستطيع حتى الطيور أن تطير من حولها لشدة حرها.
وعندما انتهت كل هذه التحضيرات، تجمع الناس حول هذه النار. وأحضر إبراهيم إلى هناك مربوط الأيدي ومكبل الأرجل. ولكن هذا النبي العظيم، وعلى الرغم من أنه كان في موقف شديد جداً، إلا أنه ولكونه “خليل الله”، كان على قدر كبير من التسليم والتوكل. ولم يأت قلبه ذرة من الخوف أو القلق.
وفي تلك الأثناء، كان نمرود وجماعته يتشاورون حول كيفية إلقائه في النار. وأخيراً، قرروا إلقاءه فيها باستخدام المنجنيق.
وكان الملائكة في الأرض والسماء في حيرة كبيرة من أمرهم، فقالوا متضرعين: “- إلهي! إن إبراهيم أكثر الناس ذكراً لك يلقى في النار! إنه نبيك الذي لم يغفل عنك آناً واحدة! أتأذن لنا أن نتقدم لمساعدته يا الله؟”
وعندما أذن الله تعالى للملائكة بالذهاب لمساعدته قدم إليه أحد الملائكة فقال له:
“- لقد أعطيت أمر الرياح. إن شئت فرقت جمع هذه النار!”
وقال له ملك آخر:
“- أعطيت أمر الماء. فإن شئت أطفأت لك هذه النار في لحظة واحدة!”
وقال ملك آخر:
“- أعطيت أمر التراب. فإن شئت ابتلعت الأرض هذه النار”
فأجابهم إبراهيم بقوله:
«- لا تدخلوا بين الخليل وخليله! فإني راض بما يشاؤه ربي! فإن أنقذني فمن لطفه. وإن حرقني فمن خطئي. وأنا إن شاء الله من الصابرين!» (انظر، أحمد، الزهد، ص 08؛ الطبري، التاريخ، 1، ص242؛ ابن الأثير، الكامل، 1، 98-09)
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: ” كَانَ آخِرَ قَوْلِ إِبْرَاهِيمَ حِينَ أُلْقِيَ فِي النَّارِ: (حَسْبِيَ اللهُ وَنِعْمَ الوَكِيلُ) (البخاري، التفسير، 3/13)
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الوَكِيلُ، «قَالَهَا إِبْرَاهِيمُ حِينَ أُلْقِيَ فِي النَّارِ، وَقَالَهَا مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم» حِينَ قَالُوا: {إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا، وَقَالُوا: حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الوَكِيلُ} (آل عمران: 173) (البخاري، التفسير، 3/13)
وعندما كان إبراهيم على وشك الإلقاء في النار، أتاه جبريل وقال له:
«-أَلَكَ حَاجَةٌ يَا إِبْرَاهِيمُ؟». فرد عليه إبراهيم وقال:
«-إِلَيْكَ فَلَا»
فسأله جبريل في حيرة قائلاً:
« –لماذا لا تطلب الخلاص من الله؟». فقال مجيباً:
«-هو أعلم بحالي! من الذي يأمر النار فتشتعل؟ ومن يأمرها فتحرق؟» (انظر: ابن الأثير، الكامل، 1، 09)
ويرضى الله سبحانه وتعالى عن استغناء إبراهيم حتى عن الملائكة وبجعله طلبه كاملاً من الله وحده، فيقول في القرآن الكريم مثنياً عليه:
﴿وَإِبْرهِيمَ الَّذِي وَفَّى﴾ (النجم، 37)
كما يقول الله سبحانه وتعالى عنه:
﴿إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ (البقرة، 131) فيخبر بذلك عن روح التسليم التي تقدم وتلطف بها.
من تحدى ظلم وتهديد نَمْرود،
ومن حَوَّلَ لهيب النّار إلى حدائق للورد
حضرة سيدنا إبراهيم عليه السلام
ولد سيدنا إبراهيم عليه السلام في شرق مدينة بابل في المنطقة ما بين نهري دجلة والفرات. وبحسب إحدى الروايات فإن والده هو رجل مؤمن نقي اسمه طروح. وعندما توفي طروح تزوجت والدة إبراهيم بآزر شقيق طروح. وبالتالي فإن آزر الوثني الذي كان يعبد الأصنام هو والد إبراهيم بالتبني (زوج أمه). وبحسب رواية أخرى، فإن طروح هو الاسم القديم لوالد إبراهيم . وعندما بدأ يعبد الأصنام غير اسمه فأصبح آزر. وبحسب الإمام السيوطي رحمه الله، فإنه يروي بناءً لحديث ابن عباس رضي الله عنهما يقول بأن آزر ليس والد إبراهيم وإنما هو عمه.
أرسل إبراهيم عليه السلام إلى قوم الكلدانيين. ويعتبر بأنه أفضل (أو خير) البشر بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم. وكرمه الله تعالى بأن وصفه بقوله «خليلي» (يعني صديقي الخاص). ولهذا فإنه يعرف أيضاً باسم «خليل الرحمن»[1].
وأنزلت إلى إبراهيم عليه السلام عشر صحف. وهي بحسب ما يروي إلينا الصحابي الجليل أبو ذر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم، فإن هذه الصحف التي أنزلت على إبراهيم عليه السلام تحتوي على النصائح والعبر التالية:
“أيها الملك المسلَّط المُبتلَى المغرور، إني لم أبعثك لتجمع الدنيا بعضها على بعض، ولكن بعثتُك لتردَّ عني دعوة المظلوم، فإني لا أردُّها وإن كانت من كافر، وعلى العاقل ما لم يكن مغلوبًا على عقله، أن يكون له ساعات: فساعة يُناجي فيها ربه، وساعة يُحاسب فيها نفسه، وساعة يتفكَّر فيها في صُنع الله ، وساعة يخلو فيها لحاجته من المطعم والمشرب وَعَلَى الْعَاقِلِ أَنْ لَا يَكُونَ ظَاعِنًا إِلَّا لِثَلاثٍ: تَزَوُّدٍ لِمَعَادٍ، أَوْ مَرَمَّةٍ لِمَعَاشٍ، أَوْ لَذَّةٍ فِي غَيْرِ مُحَرَّمٍ، وَعَلَى الْعَاقِلِ أَنْ يَكُونَ بَصِيرًا بِزَمَانِهِ مُقْبِلًا عَلَى شَأْنِهِ، حَافِظًا لِلِسَانِهِ، وَمَنْ حَسَبَ كَلَامَهُ مِنْ عَمَلِهِ قَلَّ كَلَامُهُ إِلَّا فِيمَا يَعْنِيهِ” (أبو نعيم، حلية، 1، 167؛ ابن أثير، الكامل، 1، 124)
ومن صفات إبراهيم عليه السلام أيضاً أنه «أبو الأنبياء» (أي والد الأنبياء). فأولاده إسماعيل وإسحاق . وسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم هو من نسل إسماعيل؛ ومن نسل إسحاق أتى أنبياء بني إسرائيل.
وذكر اسم إبراهيم عليه السلام في القرآن الكريم في خمس وعشرين سورة تسعة وستون مرة مختلفة. ويصفه القرآن الكريم في هذه المواضع المختلفة بالعديد من الأسماء والصفات. ومن صفاته هذه: أواه (كثير الآهات، متضرعاً)،
حليم (صاحب الحلم، حلو المزاج)،
منيب (متجهاً بقلبه إلى الله)،
حنيف (المبتعد عن الشرك والضلالة المتمسك بشدة بدين التوحيد)،
قانط (العابد لله)،
شاكر (الكثير الشكر).
وتأميناً لمعيشته، كان إبراهيم عليه السلام يتاجر بالقماش والألبسة قبل هجرته، ومن بعدها عمل في الزراعة أيضاً.
نَمْرود
لقد كان نمرود حاكم قبيلة الكلدانيين وكان في أول عهده حاكماً عادلاً ومنصفاً. وكان قومه يعبدون النجوم والأصنام. ومن ثم، توسعت سلطنة نمرود فأصابه الكبر وصنع أصناماً على شكله وخاطب قومه فقال لهم: «- أنا أيضاً إله. فاعبدوني!»
يروى أن نمرود شاهد في منامه نوراً يسطع في السماء ويخمد بنوره نور الشمس والقمر. وتذكر رواية أخرى أنه شاهد في منامه رجلاً يأتي غليه ويسقطه عن العرش فيقع على الأرض. فاستيقظ نمرود مضطرباً. فنادى المنجمين إلى قصره وقص عليهم منامه فقالوا له:
«- سيظهر دين جديد!. ومن سيأتي بهذا الدين سينسف ملكك ويسويه مع الأرض. فخذ حذرك منه!»
وبناءً عليه، وبحسب ما قام به من استشارات، أمر نمرود بقتل كل طفل يولد منعاً لحصول هذا التكهن. ولهذا قتل في تلك الفترة ما يزيد عن مئة ألف طفل حديث الولادة.
وفي تلك الفترة كانت أم إبراهيم عليه السلام حبلى به. فقالت لزوجها آزر عند اقتراب فترة وضعها:
«- إذهب إلى المعبد وادْعُ لي هناك! فإذا ولدت صبياً أتيتك به. فتذهب به بنفسك إلى نمرود. ويقوم هو بقتله. وبهذا تزداد مرتبتك وقيمتك عنده»
وبعد أن ذهب آزر إلى معبد الأصنام ولد إبراهيم عليه السلام . فقامت والدته على الفور بإخفائه في إحدى المغارات. وعندما عاد آزر إلى البيت أخبرته بأن الطفل ولد ضعيفاً جداً ومات على أثرها على الفور. وعند خروج آزر من البيت، ذهبت والدة إبراهيم مسرعة إليه. وكانت تفعل ذلك كلما سنحت لها الفرصة. وكانت في بعض الأحيان تجد إبراهيم يمتص أصابعه. ذلك أن جبريل كان يضع بين أصابعه عصارة الزبد والعسل والحليب والتمر.
وقضى إبراهيم عليه السلام مرحلة الطفولة في المغارة، ويروى أنه عندما خرج منها بدأ بتبليغ رسالة التوحيد.
تقول الآية الكريمة:
﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرهِيمَ رُشْدَهُ مِن قَبْلُ…﴾ (الأنبياء، 51)
إن الرُشْد هو أن يعرف المرء طريق الخير والصواب، وأن يميز بين الزيغ والصواب، وأن يصبر ويتمسك بطريق الحق، فيسير بشكل مباشر نحو الهدف الواضح المعلوم.
كان إبراهيم عليه السلام يقول: ما من إله غير الله، هو ربي ورب كل شيء». وكانت والدته وأبوه يبكيان خوفاً من نمرود ويحاولون تحذير إبراهيم عليه السلام . فكان إبراهيم عليه السلام يرد على اضطرابهم فيقول:
«- لا تخافوا علي من نمرود أبداً. فاللَّه الذي حماني في طفولتي سيحميني في كبري أيضاً.» (ابن إياس، بدائع الظهور، ص84)
ربي الله
كان آزر ينحت الأصنام ويعتاش من بيعها. وكان بقية أبناء آزر أيضاً يمتدحون الأصنام طلباً لبيعها. أما إبراهيم عليه السلام فكان يأخذ ما يعطيه والده من الأصنام ليبيع، فيربطها بحبل من رقابها ويذهب إلى السوق فينادي مستهزئاً:
«هل منكم من أحد يشتري هذه الأصنام التي لا فائدة منها ولا ضرر؟» وكان يعود دون أن يشتري أحد منه أي صنم.واحتقاراً منه لهذه الأصنام كان يقوم بجرها على الأرض. ومن ثم كان يضع رأس الصنم في الماء ويقول:
«هيا! أنت عطشت، اشرب أنت أيضاً!»
إن إبراهيم عليه السلام ، ودون أن يتلقى أي تعليم أو تربية من أحد، استطاع برشده الذي وهبه الله تعالى أن يكون دليلاً لنفسه إلى طريق التوحيد متآلفاً مع الحقائق الإلهية الكبرى. وتتحدث الآية القرآنية الكريمة عن معرفته بربه منذ سِني الشباب الأولى وخصوصية دعوته لقومه إلى هذه الحقيقة فيقول تعالى:
﴿فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هـذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لاَ أُحِبُّ الآفِلِينَ. فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هـذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي َلأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ. فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هـذَا رَبِّي هـذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ. إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّموَاتِ وَاْلأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ (الأنعام، 76-79)
إن الحقيقة الواضحة التي تظهرها هذه الآيات الكريمة هي أنها تظهر للمشركين الذين يسجدون لغير الله، بأن الطريق الذي يسلكونه ليس إلا طريقاً خاطئاً وإيماناً باطلاً. عندما يشاهد إبراهيم عليه السلام نجماً في السماء يقول: (هل هذا هو الذي سيكون ربي!) لقد بدأ موعظته مبتدأً من النجم الذي رآه أبعد ما يكون عليه الإله، فحاول أن يلفت انتباه القوم من حوله موجهاً هذا التعجب. ولكن وقبل أن يمضي كثير من الوقت اختفى هذا النجم فقال إبراهيم عليه السلام : «إني لا أحب الآفلين» مشيراً إلى أن المحبة هي الأساس الأول الذي يجب أن يكون بين العبد وربه، ومؤكداً في الوقت نفسه على أن الذهاب والغياب ليس صفة من الصفات التي تشير إلى وجود الله، بل على العكس إن هي إلا دليل على مخلوقية هذا النجم وبالتالي زواله بعد حين. ولهذا، فإن الإعتقاد بألوهية كائنات أو أشياء كهذه، ليس إلا انحراف لا ينتهي إلا بالخسران، وكأنه يؤكد بقوله هذا على ضرورة أن يكون الرب هو القدرة الخلاقة المبدعة منذ بداية الكون.
كما أن هذا المثال يضع أمام كل إنسان عاقل مفكر بأن طريق التفكر هي التي يمكنها أن ترسو به إلى بَرِّ الإيمان والمعرفة الضرورية لوجود ووحدانية الله الخالق. ولهذا السبب، ذهب بعض علماء أهل السنة إلى القول بأن كل إنسان على هذه الأرض مكلف حتى لو لم يصل الإسلام إليه بأن يؤمن بوجود الله ووحدانيته وصولاً إلى بر الأمان، ولكنه لا يمكن أن يكون مكلفاً بتأدية أعمال العبادة المذكورة في الإسلام لعدم وصولها إليه.
دعوة التوحيد
بعد إدراكه للحقائق الإلهية، وبعد أن مَنَّ الله تعالى عليه بعلم عن الذات الإلهية لا تعطى لأي كان، بدأ إبراهيم عليه السلام دعوته للتوحيد متوجهاً في البداية إلى أبيه آزر. فقال له بنوع من اللطف واللين:
﴿إِذْ قَالَ ِلأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لاَ يَسْمَعُ وَلاَ يُبْصِرُ وَلاَ يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا. يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا. يَا أَبَتِ لاَ تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا. يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا﴾ (مريم، 42-45)
فغضب آزر منه وقال:
﴿قَالَ أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْراهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ َلأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا﴾ (مريم، 46)
لكن إبراهيم عليه السلام خاطب أباه مرة أخرى بأسلوب لين ورقيق فقال يرد عليه:
﴿قَالَ سَلاَمٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا﴾ (مريم، 47)
ودَعَا ربَّه يطلب الغفران لأبيه. لكن دعاءه لم يستجب. لأن أباه كان عدواً لله. وعندما أدرك إبراهيم عليه السلام هذا الأمر توقف مباشرة عن الدعاء لأبيه. ذلك أن الدعاء للكافر لا يمكن أن يكون بالغفران، وإنما يجب أن يكون دعاء بالهداية. يبين القرآن الكريم هذا الأمر فيقول:
﴿مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ. وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرهِيمَ لأَبِيهِ إِلاَّ عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ ِللهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرهِيمَ َلأوَّاهٌ حَلِيمٌ ﴾(التوبة، 113-114)
ويتحدث القرآن الكريم مراراً وتكراراً عن مجادلة إبراهيم عليه السلام لقومه وأبيه، وقوله لهم بخطأ طريق الشرك الذي هم فيه ذاهبون، ودعوته لهم إلى إيمان التوحيد مستخدماً أدلة العقل والمنطق. ويروي القرآن الكريم إحدى هذه المحاورات بين إبراهيم عليه السلام ومن لم يؤمن من قومه وأبيه، فيقول:
﴿إِذْ قَالَ ِلأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ. قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءَنَا لَهَا عَابِدِينَ. قَالَ لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ فِي ضَلاَلٍ مُبِينٍ. قَالُوا أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ أَمْ أَنْتَ مِنَ اللاَّعِبِينَ. قَالَ بَلْ رَبُّكُمْ رَبُّ السَّموَاتِ وَاْلأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلَى ذلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ ﴾(الأنبياء، 52-56)
تحطيم إبراهيم عليه السلام للأصنام
كانت قبيلة الكلدانيين تجتمع يوماً في السنة وتحتفل فيه. فيقول آزر لإبراهيم :
«- تعال معنا أنت أيضاً اليوم لنحتفل بهذا العيد!».
ويتحجج إبراهيم في الطريق بالمرض ويعود. ومن ثم يذهب إلى معبد الأصنام. وكان فيه من الأصنام أنواع مختلفة من الفضة، والنحاس والخشب. وكان الناس يضعون أمام كل منها أنواعاً مختلفة من الطعام تبركاً بها. وكان كبير هذه الأصنام موضوعاً على عرش مصنوع من الذهب. أما ثيابه فكانت مطلية بالذهب، وعلى رأسه تاج.
حطم إبراهيم كل هذه الأصنام مستخدماً الفأس إلا ذلك الصنم الكبير. ومن ثم علق ذلك الفأس على رقبة ذلك الصنم الأكبر. وعندما حل المساء، عاد أهل قبيلة الكلدانيين إلى معبد الأصنام من موقع العيد، فصدموا كثيراً أمام ما رأوه من مشهد فيه. وتخميناً منهم قالوا:
«- لا يفعل هذا الأمر أحد إلا إبراهيم!». فما كان منهم إلا أن بحثوا عن إبراهيم وقالوا له:
«- أأنت من فعل هذا؟»
فأجابهم إبراهيم بقوله:
«-إن كبير الأصنام كان لا يريد أن يعبد أحد سواه. ولهذا غضب على الآخرين غضباً شديداً. فلعله في النهاية قرر تحطيمهم بالفأس ومن ثم علقها على رقبته. إن شئتم إسألوه هو أيضاً! وليخبركم هو بذلك الأمر!»
فأجابه القوم عبدة الأصنام:
«-إن الأصنام لا تتكلم!»
وبناءً على جوابهم هذا، قال لهم إبراهيم :
«-إذن، كيف لأشياء لا يمكنها أن تدافع حتى عن أنفسها أن تدافع عنكم؟ أفلا تعقلون؟»
يروي لنا القرآن الكريم تفاصيل هذه الحادثة فيقول:
﴿فَرَاغَ إِلَى آلِهَتِهِمْ فَقَالَ أَلاَ تَأْكُلُونَ. مَا لَكُمْ لاَ تَنْطِقُونَ. فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْبًا بِالْيَمِينِ﴾ (الصافات، 91-93)
﴿فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا إِلاَّ كَبِيرًا لَهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ. قَالُوا مَنْ فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ. قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرهِيمُ. قَالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ. قَالُوا أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرهِيمُ. قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ. فَرَجَعُوا إِلَى أَنْفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ. ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُؤُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلاَءِ يَنْطِقُونَ. قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ مَا لاَ يَنْفَعُكُمْ شَيْئًا وَلاَ يَضُرُّكُمْ. أُفٍّ لَكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللهِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ﴾ (الأنبياء، 58-67)
ومن خلال هذه الأجوبة التي صرح بها إبراهيم ، ازداد الناس قناعة بأنه هو من حطم هذه الأصنام. وعوضاً عن العودة إلى الله تعالى من خلال رؤيتهم لعجز تلك القطع من الحجارة، لم يتمكن عبدة الأصنام لسوء طالعهم من استيعاب هذا الأمر، وصبوا غضبهم على سيدنا إبراهيم ، فقالوا:
﴿قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ﴾ (الأنبياء، 68)
إلقاء إبراهيم في النار
أخبر عبدة الأصنام نمرود بما جرى من أمر. فدعى نمرود إبراهيم إليه. وكان كل من يأتي لحضرة نمرود يسجد في بادئ الأمر أمامه. أما إبراهيم فإنه دخل ولم يسجد له. وعندما سأل نمرود فضولاً وغضباً عن سبب ذلك أجابه:
«-لا أسجد لأحد إلا للذي خلقني وخلقك!»
فقال نمرود:
«-من هو ربك؟» فأجابه إبراهيم:
«- إن ربي هو الله الذي يحيي ويميت»
فقال نمرود:
«- أنا أيضاً أحيي وأميت.» ومن ثم أمر بإحضار اثنين من السجن. فقتل أحدهما وعَفَا عن الآخر. ثم قال:
«- أرأيت؟ أنا أيضاً أقوم بمثل هذا الأمر»
لكن نمرود بطيشه وقلة عقله لم يكن يدرك أن الإحياء هو نفخ الروح، وأن الإماتة هي سحب هذه الروح. قال له إبراهيم:
«-إن ربي يأمر الشمس فتشرق من الشرق. فإن كانت قوتك كافية فأمرها تشرق من الغرب!.»
يروي القرآن الكريم تفاصيل هذه الحادثة بقوله:
﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَآجَّ إِبْرهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِـي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِـي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرهِيمُ فَإِنَّ اللهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾ (البقرة، 258)
إن هذه الآية الكريمة تتحدث عن حجد نمرود وشهوانيته وإعلانه للحرب على الله جَلَّ وعلا. ويروي الإمام البيضاوي بأن نمرود كان أول أحمق على وجه الأرض يَدَّعِي الألوهية. فكان منكراً لله، وجاحداً له عوضاً عن أن يشكره على ما من عليه من مال وملك.
وهناك روايتان مختلفتان تتحدثان عن قصة لقاء إبراهيم بنمرود:
1- عندما حطم إبراهيم الأصنام حبسوه. ومن ثم أحضروه إلى نمرود بهدف إحراقه.
2- أصاب الناس في إحدى السنوات قحط. فكان نمرود يوزع الطعام على شعبه. وكان يسأل كل من يأخذ من هذا الطعام:
«- من ربك؟» ولكنه عندما وصل إلى إبراهيم ، أجابه:
«- إن ربي هو الذي يبعث فيحيي ويميت!»
ويغضب نمرود لهذا القول. ويمنع عن إبراهيم الطعام. ومن ثم يجمع أعوانه يستشيرهم في العقاب الذي يجب أن يعطيه له. ثم قرروا أن يحرقوه في النار، قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ:
أَشَارَ بِتَحْرِيقِهِ رَجُلٌ مِنْ أَعْرَابِ فَارِسَ، كَانَ اسْمُهُ هِيزَنَ فَخُسِفَ بِهِ فَهُوَ يَتَجَلْجَلُ فِيهَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ. (ابن الأثير، الكامل، 1، 89)
وقبل هذا الإقتراح. وبدأت التحضيرات إعداداً لهذه النار. فحمل الحطب إليها شهراً كاملاً. وكان الناس جهلاً وحماقة يقولون:
“- إن هذا الإنسان يخرج ويتحدى أصنامنا!” فيخرجون متطوعين لجمع الحطب. وجمع الحطب فصار كالجبل. وكان لهيب هذه النار يصل إلى السماء. ولا تستطيع حتى الطيور أن تطير من حولها لشدة حرها.
وعندما انتهت كل هذه التحضيرات، تجمع الناس حول هذه النار. وأحضر إبراهيم إلى هناك مربوط الأيدي ومكبل الأرجل. ولكن هذا النبي العظيم، وعلى الرغم من أنه كان في موقف شديد جداً، إلا أنه ولكونه “خليل الله”، كان على قدر كبير من التسليم والتوكل. ولم يأت قلبه ذرة من الخوف أو القلق.
وفي تلك الأثناء، كان نمرود وجماعته يتشاورون حول كيفية إلقائه في النار. وأخيراً، قرروا إلقاءه فيها باستخدام المنجنيق.
وكان الملائكة في الأرض والسماء في حيرة كبيرة من أمرهم، فقالوا متضرعين: “- إلهي! إن إبراهيم أكثر الناس ذكراً لك يلقى في النار! إنه نبيك الذي لم يغفل عنك آناً واحدة! أتأذن لنا أن نتقدم لمساعدته يا الله؟”
وعندما أذن الله تعالى للملائكة بالذهاب لمساعدته قدم إليه أحد الملائكة فقال له:
“- لقد أعطيت أمر الرياح. إن شئت فرقت جمع هذه النار!”
وقال له ملك آخر:
“- أعطيت أمر الماء. فإن شئت أطفأت لك هذه النار في لحظة واحدة!”
وقال ملك آخر:
“- أعطيت أمر التراب. فإن شئت ابتلعت الأرض هذه النار”
فأجابهم إبراهيم بقوله:
«- لا تدخلوا بين الخليل وخليله! فإني راض بما يشاؤه ربي! فإن أنقذني فمن لطفه. وإن حرقني فمن خطئي. وأنا إن شاء الله من الصابرين!» (انظر، أحمد، الزهد، ص 08؛ الطبري، التاريخ، 1، ص242؛ ابن الأثير، الكامل، 1، 98-09)
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: ” كَانَ آخِرَ قَوْلِ إِبْرَاهِيمَ حِينَ أُلْقِيَ فِي النَّارِ: (حَسْبِيَ اللهُ وَنِعْمَ الوَكِيلُ) (البخاري، التفسير، 3/13)
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الوَكِيلُ، «قَالَهَا إِبْرَاهِيمُ حِينَ أُلْقِيَ فِي النَّارِ، وَقَالَهَا مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم» حِينَ قَالُوا: {إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا، وَقَالُوا: حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الوَكِيلُ} (آل عمران: 173) (البخاري، التفسير، 3/13)
وعندما كان إبراهيم على وشك الإلقاء في النار، أتاه جبريل وقال له:
«-أَلَكَ حَاجَةٌ يَا إِبْرَاهِيمُ؟». فرد عليه إبراهيم وقال:
«-إِلَيْكَ فَلَا»
فسأله جبريل في حيرة قائلاً:
« –لماذا لا تطلب الخلاص من الله؟». فقال مجيباً:
«-هو أعلم بحالي! من الذي يأمر النار فتشتعل؟ ومن يأمرها فتحرق؟» (انظر: ابن الأثير، الكامل، 1، 09)
ويرضى الله سبحانه وتعالى عن استغناء إبراهيم حتى عن الملائكة وبجعله طلبه كاملاً من الله وحده، فيقول في القرآن الكريم مثنياً عليه:
﴿وَإِبْرهِيمَ الَّذِي وَفَّى﴾ (النجم، 37)
كما يقول الله سبحانه وتعالى عنه:
﴿إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ (البقرة، 131) فيخبر بذلك عن روح التسليم التي تقدم وتلطف بها.
أمس في 22:49 من طرف Admin
» كتاب مواعظ الإمام زين العابدين ـ صالح أحمد الشامي
18/11/2024, 23:30 من طرف Admin
» كتاب إتحاف النفوس بنفحات القدوس ـ عبد القدوس بن أسامة السامرائي
18/11/2024, 23:25 من طرف Admin
» كتاب الإعلام بفضل الصلاة على النبي والسلام ـ محمد بن عبد الرحمن بن علي النميري
18/11/2024, 23:20 من طرف Admin
» كتاب الغيب ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:08 من طرف Admin
» كتاب الشيطان والإنسان ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:03 من طرف Admin
» كتاب الشعراوي هنا رأيت سيدنا إبراهيم ـ سعيد أبو العنين
18/11/2024, 23:01 من طرف Admin
» كتاب الخير والشر ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:57 من طرف Admin
» كتاب التربية في مدرسة النبوة ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:55 من طرف Admin
» كتاب: إرشاد العباد إلى سبل الرشاد ـ للملبباري
18/11/2024, 22:41 من طرف Admin
» ـ كتاب آداب الحسن البصري ـ أبن الجوزي
18/11/2024, 22:34 من طرف Admin
» كتاب الله والنفس البشرية ـ لمحمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:23 من طرف Admin
» كتاب: معرفة النفس طر يق لمعرفة الرب ـ أستاذ البصيرة عبدالوهاب حسن
18/11/2024, 22:21 من طرف Admin
» كتاب الطريق الي الله ـ الشيخ علي جمعة
18/11/2024, 21:50 من طرف Admin
» كتاب: كتاب النفس والجسد والروح ـ ابراهيم البلتاجي
18/11/2024, 21:38 من طرف Admin