تاسعا ـ بشارات من أسفار الأنبياء
في اليوم التاسع خرجت من بيتي .. وأنا مستغرب مما حصل لي في هذه الرحلة التي اتفق الكل على أن يلقنني فيها تعاليم واحدة، لقد كنت أقول لنفسي: لو أن هؤلاء جميعا اجتمعوا ودبروا وخططوا ما كان لخططهم أن تكون بهذه الدقة التي أراها ..
لست أدري هل كان ذلك مجرد مصادفة، أو أن الله تعالى وفر لي ذلك الجو ليجذبني إلى الحقيقة التي كنت أفر منها بكل ما أوتيت من قوة، أو هي شمس محمد تأبى إلا أن تسطع، لتغمر كل ما تحتها بأشعتها المنيرة الدافئة !؟
سرت بهذه الحال، فصادفني ناد لم أشك في كونه ناديا مسيحيا، فقد كان الصليب على بابه ، وبجانبه كثير من الشعارات والصور المسيحية.
دخلت إليه، لأمسح بعض آثار الشبهات التي امتلأت بها نفسي في الأيام السابقة التي قضيتها في تلك القرية.
رأيت داخل القاعة مجموعة رجال تجتمع على مائدة واحدة، لست أدري كيف ملت إلى الجلوس بجانبهم، ولست أدري كيف حنت نفسي إلى الاستماع لهم .. لقد كان هناك مغناطيس يجذبني إليهم، ولكني لا أراه، ولا أستطيع أن أفر منه.
لم أتكلم في ذلك المجلس كلمة واحدة، لقد كنت أكتفي بالنظر وباستراق السمع، وقد كان لهم من أدب الحديث ما جعلني أنجذب إليهم انجذابا تاما.
وسأقص عليك حديثهم من أوله إلى أن فارقت ذلك المجلس.
بشارة ميخا:
قال أحدهم، واسمه دانيال ـ على حسب ما علمت بعد ذلك ـ: ماذا تقول يا ميخا؟ .. هل رأيت ذلك حقيقة؟
قال ميخا: أجل يا دانيال.. رأيته كما أراك الآن، وأنا الآن أعرفه كما أعرف أبنائي.. لقد صدق كتاب المسلمين المقدس حين قال :) الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ ( (البقرة: من الآية146)
قال دانيال: وقد قال تتمة للآية :) وَإِنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ( (البقرة: من الآية146)
قال ميخا: صدق كتاب محمد .. إن كثيرا من التحريفات واضحة في الكتاب المقدس .. وأخطر تلك التحريفات تلك النصوص الممحوة .. ولكن مع ذلك يمكن للبيب العاقل أن ينتبه لها .. بل يراها من حجب الكتمان الكثيرة التي رانت عليها.
قال دانيال: حدثني عما رأيت، وعما ملأك بهذه القناعة.
قال ميخا: لقد رأيت النبي ميخا يخبر عن الوقوف بجبل عرفة الذي لا يقف عليه إلا المسلمون.
قالوا: أصحيح ذلك؟
قال ميخا: أجل .. أنتم تعرفون أن النبي ميخا شاهد الهيكل .. هيكل سليمان .. ولكنه في البشارة التي هداني الله إليها يتحدث عن أمم كثيرة، وشعوب من كل بقاع الأرض متوحدة على دين واحد، وهي تسعى .. يستحيل أن يكون ذلك غير جبل عرفات.
سأقرأ لكم البشارة لتسمعوها بعقولكم، وتسمعوا معها ميخا، وهو يبشر بمحمد.
أنصت الجميع بخشوع إليه، فراح يقرأ :( ويكون فى آخر الأيام أن جبل بيت الرب يكون ثابتا فى رأس الجبال، و يرتفع فوق التلال، وتجرى إليه شعوب، وتسير أمم كثيرة. ويقولون هلم نصعد إلى جبل الرب، وإلى بيت إله يعقوب. فيعلمنا من طرقه، ونسلك فى سبله، لأنه من صهيون تخرج الشريعة، ومن أورشليم كلمة الرب )( ميخا: 4/1)
قالوا: ولكنا نرى النص يتحدث عن أورشليم .. وعن صهيون.
قال: هذا من التحريف .. تأملوا الأوصاف التي ذكرها .. هل تنطبق على جبل صهيون .. أم ترونها تنطبق على جبل عرفات؟
قالوا: ولكن كيف نترك الاسم الواضح إلى الوصف المحتمل؟
قال: أنتم تعلمون أن إسماعيل كان بكرا لإبراهيم.
قالوا: ومن يشك في ذلك .. وما علاقة ذلك بنبوءة ميخا؟
قال: لقد أثبتوا في الكتاب المقدس .. أولئك المحرفون الذين لا يتورعون .. ما يبين تناقضهم .. ألم يضيفوا إسحق إلى النبوءة .. فذكروا أن الله قال لإبراهيم :( اذبح ابنك بكرك إسحاق )، وهذا من بهتهم وزيادتهم في كلام الله، فقد جمعوا بين النقيضين ، فإن بكره هو اسماعيل فإنه بكر أولاده ، واسحاق انما بشر به على الكبر بعد قصة الذبح.
قال ملاخي: لقد ذكرتني يا ميخا بنص قرأته في إنجيل برنابا .. ذلك الإنجيل الذي نطبق على تكذيبه .. ومع ذلك نشعر بأن له من الصدق ما تفتقر إليه سائر الأناجيل.
هاهو الإنجيل معي .. وسأفتحه على الموضع الذي يؤكد فيه أن الذبيح هو إسماعيل.. ويذكر تلاعب قومنا بالكتاب المقدس.
اسمعوا ما يقول.
أخذ يقرأ عليهم بخشوع من إنجيل برنابا :( الحق أقول لكم إن كل نبي متى جاء فإنه يحمل لأمة واحدة فقط علامة رحمة الله، ولذلك لم يتجاوز كلامهم الشعب الذي أرسلوا إليه، ولكن رسول الله متى جاء يعطيه الله ما هو بمثابة خاتم يده، فيحمل خلاصا ورحمة لأمم الأرض الذين يقبلون تعليمه، وسيأتي بقوة على الظالمين ويبيد عبادة الأصنام بحيث يخزي الشيطان.. لأنه هكذا وعد الله إبراهيم قائلا :( انظر فإني بنسلك أبارك كل قبائل الأرض، وكما حطمت يا إبراهيم الأصنام تحطيما هكذا سيفعل نسلك )
أجاب يعقوب: يا معلم، قل لنا من صنع هذا العهد؟ فإن اليهود يقولون بإسحق والإسماعيليون يقولون بإسماعيل.
أجاب يسوع: ابن من كان داود، ومن أي ذرية؟
أجاب يعقوب: من إسحق لأن إسحق كان أبا يعقوب ويعقوب كان أبا يهوذا الذي من ذريته داود.
أجاب التلاميذ: من داود؟!
فأجاب يسوع: لا تغشوا أنفسكم، لأن داود يدعوه في الروح ربا قائلا هكذا: قال الله لربي اجلس عن يميني حتى أجعل أعداءك موطئا لقدميك، يرسل الرب قضيبك الذي سيكون ذا سلطان في وسط أعدائك.. فإذا كان رسول الله الذي تسمونه مسيا ابن داود فكيف يسميه داود ربا.. صدقوني لأني أقول لكم الحق، إن العهد صنع بإسماعيل لا بإسحاق..
حينئذ قال التلاميذ: يا معلم هكذا كتب في كتاب موسى أن العهد صنع بإسحق..
أجاب يسوع متأوها: هذا هو المكتوب ولكن موسى لم يكتبه ولا يسوع، بل أحبارنا الذين لا يخافون الله.. الحق أقول لكم إنكم إذا أعملتم النظر في كلام الملاك جبريل تعلمون حيث كتبتنا وفقهائنا لأن الملاك قال:( يا إبراهيم سيعلم العالم كله كيف يحبك الله، ولكن كيف يعلم العالم محبتك لله حقا يجب عليك أن تفعل شيئا لأجل محبة الله ).. أجاب إبراهيم :( ها هو ذا عبد الله مستعد أن يفعل كلم ما يريد الله )
فكلم الله حينئذ إبراهيم قائلا :( خذ ابنك بكرك إسماعيل واصعد الجبل لتقدمه ذبيحة )، فكيف يكون إسحق البكر وهو لما ولد وكان إسماعيل ابن سبع سنين؟
أغلق الكتاب، وقال: إني أشم روائح الصدق من هذا الإنجيل أكثر من أي إنجيل آخر.
التفتوا إلى ميخا، وقالوا: عد بنا إلى بشارة ميخا.
قال: كما أن قومنا حرفوا اسم الذبيح، فإنهم حرفوا اسم المكان المعظم الذي جرت فيه أحداث القصة، فسمتها التوراة السامرية (الأرض المرشدة)، فيما سمته التوراة العبرانية (المريا )، ولعله تحريف لكلمة (المروة)، وهو اسم لجبل يقع داخل المسجد الحرام في مكة المكرمة ، أي في المكان الذي درج فيه إسماعيل، وهو المكان الذي يوجد فيه جبل عرفات.
وقد اتفق النصان العبري والسامري على تسمية ذلك الموضع (جبل الله)، ولم يكن هذا الاسم مستخدماً لبقعة معينة حينذاك، لذا اختلف اليهود في تحديد مكانه اختلافاً بيناً، فقال السامريون: هو جبل جرزيم، وقال العبرانيون: بل هو جبل أورشليم الذي بني عليه الهيكل بعد القصة بعدة قرون كما في (الأيام (2) 3/1).
وقد أكد الباحثون هذا الاختلاف، فهذا الدكتور بوست في قاموس الكتاب المقدس، يقول :( يظن الأكثرون أن موضع الهيكل هو نفس الموضع الذي فيه أمر إبراهيم أن يستعد لتقديم إسحاق، غير أن التقليد السامري يقول: إن موضع الذبح لإسحاق كان على جبل جرزيم، وبعض العلماء يوافقونهم )
ويقول محققو نسخة الرهبانية اليسوعية :( يطابق سفر الأخبار الثاني (3/1) بين موريّا وبين الرابية التي سيشاد عليها هيكل أورشليم .. غير أن النص يشير إلى أرض باسم موريّا لا يأتي ذكرها في مكان آخر، ويبقى مكان الذبيحة مجهولاً )
والحق الذي توصلت إليه هو أن المكان معروف غير مجهول، لأن قصة الذبح جرت في الأرض المرشدة، وهي أرض العبادة، وهي مكة أو بلاد فاران.
وقد رأيت أن اختلافهم دليل على صحة ذلك، واتفاقهم على اسم المكان بجبل الرب صحيح، لكنهم اختلفوا في تحديده لرجمهم بالظنون، وقد ربطوه بتسميات ظهرت بعد الحادثة بقرون عدة، وتجاهلوا البيت المعظم الذي بني في تلك البقعة حينذاك، ويسمى بيت الله، كما سمي الجبل الذي في تلك البقعة جبل الله.
وقد بقي هذا الاختلاف من أهم الاختلافات التي تفرق السامريين عن العبرانيين، وقد أدرك المسيح هذا الخلاف، فذات مرة دخلت عليه امرأة سامرية، وسألته عن المكان الحقيقي المعد للعبادة، فأفصح لها المسيح أن المكان ليس جبل جرزيم السامري، ولا جبل عيبال العبراني الذي بني عليه الهيكل.
لقد قرأتم ذلك بلا شك .. فقد جاء في إنجيل متى :( قالت له المرأة: يا سيد أرى أنك نبي، آباؤنا سجدوا في هذا الجبل، وأنتم تقولون أن في أورشليم الموضع الذي ينبغي أن يسجد فيه، قال لها يسوع: يا امرأة صدقيني، إنه تأتي ساعة لا في هذا الجبل ولا في أورشليم تسجدون للآب، أنتم تسجدون لما لستم تعلمون، أما نحن فنسجد لما نعلم، لأن الخلاص هو من اليهود.
ولكن تأتي ساعة، وهي الآن، حين الساجدون الحقيقيون يسجدون للآب بالروح والحق، لأن الآب طالب مثل هؤلاء الساجدين له، الله روح، والذين يسجدون له فبالروح والحق ينبغي أن يسجدوا )(يوحنا 4/19-24)
فمن هم الساجدون الحقيقيون الذين يسجدون في غير قبلة السامريين والعبرانيين، إنهم الأمة الجديدة التي تولد بعد حين، إذ لم تدع أمة قداسة قبلتها سوى أمة الإسلام التي يفد إليها ملايين المسلمين سنوياً في مكة المكرمة.
وقوله عن ساعة قدوم الساجدين الحقيقيين (ولكن تأتي ساعة وهي الآن) يفيد اقترابها لا حلولها، كما في متى :( أقول لكم: من الآن تبصرون ابن الإنسان جالساً عن يمين القوة، وآتياً على سحاب السماء ) (متى 26/64)، وقد مات المخاطبون وفنوا، ولم يروه آتياً على سحاب السماء.
ومثله قول المسيح :( وقال له: الحق الحق أقول لكم، من الآن ترون السماء مفتوحة، وملائكة الله يصعدون وينزلون على ابن الإنسان)(يوحنا 1/51) ، (وانظر صموئيل (1) 15/28).
قال حجي: بورك فيك يا ميخا .. لقد فهمت الآن نصا من سفر إشعيا طالما احترت في تفسره .. لقد رمز النبي إشعيا لمكة بالعاقر، وتحدث عن الجموع الكثيرة التي تأتي إليها، ويعدها بالأمان والبركة والعز، فقال:( ترنمي أيتها العاقر التي لم تلد، أشيدي بالترنم أيتها التي لم تمخض، لأن بني المستوحشة أكثر من بني ذات البعل، قال الرب: أوسعي مكان خيمتك ولتبسط شقق مساكنك، لا تمسكي، أطيلي أطنابك وشددي أوتادك، لأنك تمتدين إلى اليمين والى اليسار، ويرث نسلك أمماً، ويعمر مدناً خربة، لا تخافي لأنك لا تخزين، ولا تخجلي لأنك لا تستحين، فإنك تنسين خزي صباك، وعار ترملك لا تذكرينه بعد..
قال راحمك الرب: أيتها الذليلة المضطربة غير المتعزية، هانذا أبني بالإثمد حجارتك، وبالياقوت الأزرق أؤسسك، وأجعل شرفك ياقوتاً، وأبوابك حجارة بهرمانية، وكل تخومك حجارة كريمة، وكل بنيك تلاميذ الرب، وسلام بنيك كثيراً، بالبر تثبتين بعيدة عن الظلم فلا تخافين، وعن الارتعاب فلا يدنو منك، ها إنهم يجتمعون اجتماعاً ليس من عندي، من اجتمع عليك فإليك يسقط، هانذا قد خلقت الحداد الذي ينفخ الفحم في النار ويخرج آلة لعمله، وأنا خلقت المهلك ليخرب كل آلة صورت ضدك لا تنجح، وكل لسان يقوم عليك في القضاء تحكمين عليه، هذا هو ميراث عبيد الرب وبرهم من عندي )(إشعيا 54/1-17)
ففي النص مقارنة لمكة بأورشليم، فسمى مكة بالعاقر لأنها لم تلد قبل محمد، ولا يجوز أن يريد بالعاقر بيت المقدس، لأنه بيت الأنبياء ومعدن الوحي، وقد يشكل هنا أن نبوة إسماعيل كانت في مكة، فلا تسمى حينذاك عاقراً، لكن المراد منه مقارنة نسبية مع أنبياء أورشليم.
قال حبقوق: لقد تحدثت المزامير عن مدينة المسيح المخلص، المدينة المباركة التي فيها بيت الله، والتي تتضاعف فيها الحسنات، فالعمل فيها يعدل الألوف في سواها، وقد سماها باسمها (بكة)، فجاء فيها:( طوبى للساكنين في بيتك أبداً يسبحونك، سلاه، طوبى لأناس عزهم بك، طرق بيتك في قلوبهم، عابرين في وادي البكاء يصيرونه ينبوعاً، أيضاً ببركات يغطون مورة، يذهبون من قوة إلى قوة، يرون قدام الله في صهيون، يا رب إله الجنود اسمع صلاتي وأصغ يا إله يعقوب، سلاه، يا مجننا انظر يا الله والتفت إلى وجه مسيحك، لأن يوماً واحداً في ديارك خير من ألف، اخترت الوقوف على العتبة في بيت إلهي على السكن في خيام الأشرار) (المزمور 84/4-10).. فقد ورد في الترجمة الإنجليزية هكذا (through the valley of Ba'ca make it a well ) فذكر أن اسمها بكة، وترجمته إلى وادي البكاء صورة من التحريف.
وقد سماها النص العبري بكة، فقال: [בְּעֵמֶק הַבָּכָא]، وتقرأ : (بعيمق هبكا)، أي وادي بكة.
والنص كما جاء في ترجمة الكاثوليك هكذا :( يجتازون في وادي البكاء، فيجعلونه ينابيع ماء، لأن المشترع يغمرهم ببركاته، فينطلقون من قوة إلى قوة، إلى أن يتجلى لهم إله الآلهة في صهيون )(83/7-8)
قال حجي: هذا الاسم (بكة) هو اسم بلد محمد، وهو الاسم الذي سمّى القرآن الكريم به مكة البلد الحرام، كما في القرآن :) إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدىً لِلْعَالَمِينَ( (آل عمران:96)، وبركة هذا البيت بما جعل الله لقاطنيه وقاصديه من مضاعفة الحسنات عنده، فصلاة فيه كما يخبر محمد تعدل أكثر من ألف صلاة فيما سواه، فصدق فيه قول المزمور :( لأن يوماً واحداً في ديارك خير من ألف )
بشارة دانيال:
التفت ميخا إلى دانيال، وقال له: لقد ذكرت البشارة العظيمة التي وجدتها.. فهل وجدت أنت شيئا؟
قال دانيال: أنتم تعلمون أن الكتاب المقدس نقل بعض نبوءات الأنبياء عن زمن ظهور هذا الملكوت.
قالوا: أجل .. لا شك في ذلك.
قال: ومن ذلك أن بختنصر رأى رؤيا أفزعته ولم يعرف العرافون ولا المنجمون تعبيرها، ففسرها له النبي دانيال فقال:( أنت أيها الملك كنت تنظر، وإذا بتمثال عظيم، هذا التمثال العظيم البهي جداً وقف قبالتك، ومنظره هائل، رأس هذا التمثال من ذهب جيد، وصدره وذراعاه من فضة، بطنه وفخذاه من نحاس، ساقاه من حديد، قدماه بعضها من حديد، والبعض من خزف.
كنت تنظر إليه إلى أن قطع حجر بغير يدين، فضرب التمثال على قدميه اللتين من حديد وخزف فسحقهما، فانسحق حينئذ الحديد والخزف والنحاس والفضة والذهب معاً، وصارت كعصافة البيدر في الصيف، فحملتها الريح فلم يوجد لها مكان.
أنت أيها الملك ملك ملوك، لأن إله السماوات أعطاك مملكة واقتداراً وسلطاناً وفخراً، وحيثما يسكن بنو البشر ووحوش البر وطيور السماء.. فأنت هذا الرأس من ذهب.
وبعدك تقوم مملكة أخرى أصغر منك، ومملكة ثالثة أخرى من نحاس فتتسلط على كل الأرض، وتكون مملكة رابعة صلبة كالحديد، لأن الحديد يسحق كل شيء، وكالحديد الذي يكسر تسحق وتكسر كل هؤلاء، وبما رأيت القدمين والأصابع بعضها من خزف والبعض من حديد، فبعض المملكة يكون قوياً والبعض قصماً، وبما رأيت الحديد مختلطاً بخزف الطين فإنهم يختلطون بنسل الناس....
وفي أيام هؤلاء يقيم إله السماوات مملكة لن تنقرض أبداً، ومَلِكها لا يُترك لشعب آخر، وتسحق وتفنى كل هذه الممالك، وهي تثبت إلى الأبد، لأنك رأيت أنه قد قطع حجر من جبل لا بيدين، فسحق الحديد والنحاس والخزف والفضة والذهب. الله العظيم قد عرف الملك ما سيأتي بعد هذا. الحلم حق وتعبيره يقين )(دانيال 2/21 - 45)
قالوا: فأي دلالة على محمد يشير إليها هذا التفسير الذي فسره دانيال؟
قال: أنتم تعلمون أن هذه الرؤيا وتفسيرها يشير إلى الممالك التي ستقوم بين يدي بني الملكوت.
قالوا: أجل .. ذلك واضح.
قال: ولهذا حاولت أن أطبق تفسير هذه الرؤيا على الأحداث التاريخية لأرى من تنطبق عليه.
قالوا: هذا جيد .. وهو منهج علمي صحيح.
قال: لقد رأيت أن أولها هي مملكة بابل التي يرأسها بختنصر، والتي يرمز لها في الحلم بالرأس الذهبي.
ثم مملكة فارس التي أقامها خسرو، وتسلط ملكها قورش على بابل سنة (593 ق.م)، ورمز لها في المنام بالصدر والذراعين من فضة.
ثم تلتها مملكة مقدونية والتي قضت على مملكة الفرس، وأسسها الاسكندر المقدوني (336 ق.م)، ويرمز لها في المنام بالبطن والفخذين من النحاس.
ثم تلتها امبراطورية الرومان والتي أسسها الأمبرطور بوفبيوس (63 ق.م)، ورمز لها في المنام بساقين من حديد وقدمين إحداهما من خزف وأخرى من حديد، ولعله أراد دولتي فارس والروم أو انقسام الأمبراطورية الرومانية .
وفي أيام هذه الامبراطورية نصت النبوءة على أن الله يقيم المملكة التي لن تنقرض أبدا .. كما جاء في سفر دانيال :( وفي أيام هؤلاء يقيم إله السماوات مملكة لن تنقرض أبداً )
وقد جاء بقيامها الحجر الذي رذله البناؤون، وقد قطع بغير يدين، إذ جاء من السماء ليقضي على الفرس والروم، وأقام الملكوت الموعود في الدنيا قروناً طويلة، ولم ينقطع بأس هذه الأمة إلا في هذا القرن الأخير.
ولعل في هذه النبوءة ما يبشر بكون هذا الكسوف عرضاً زائلاً ما يلبث أن يزول، فتشرق شمس أمة محمد من جديد.
وقد أقر هودجكن في كتابه (المسيح في كل الكتب) بأن الحجر الذي قطع بغير يدين، ويسحق التمثال العظيم كناية عن مملكة (المسيا) أي المسيح المنتظر .. وليس المسيح المنتظر إلا محمد.
وفي التفسير التطبيقي: وأما الحجر المقطوع من الجبل، فيشير إلى ملكوت الله الذي يحكمه المسِيّا ملك الملوك إلى الأبد.
قال زكريا: لقد فهمنا هذه الرؤيا .. ودلالتها التاريخية صريحة جدا .. وقد قرأت رؤيا دانيال للحيوانات الأربع .. فهل لديك شيء في تفسيرها؟
قال دانيال: أجل .. وسأقص عليكم الرؤيا قبل أن أفسرها لكم .. قال دانيال: كنت أرى في رؤياي ليلاً، وإذا بأربع رياح السماء هجمت على البحر الكبير، وصعد من البحر أربعة حيوانات عظيمة هذا مخالف ذاك، الأول كالأسد.. وإذا بحيوان آخر ثان شبيه بالدب .. وإذا بآخر مثل النمر.. وإذا بحيوان رابع هائل وقوي وشديد جداً، وله أسنان من حديد كبيرة، أكل وسحق وداس الباقي برجليه، وكان مخالفاً لكل الحيوانات الذين قبله وله عشرة قرون .. كنت أرى في رؤى الليل، وإذا مع سحب السماء مثل ابن إنسان أتى، وجاء إلى القديم الأيام، فقربوه قدامه، فأعطي سلطاناً ومجداً وملكوتاً، لتتعبّد له كل الشعوب والأمم والألسنة، سلطانه سلطان أبدي ما لن يزول، وملكوته ما لا ينقرض )(دانيال 7/3-18)
قال زكريا: لقد رأيت قومي يفسرون الممالك الأربعة بالمملكة البابلية ثم الفارسية ثم اليونانية ثم الرومانية، ويرون الملكوت متحققاً في ظهور دين المسيح وتأسيس الكنيسة في يوم الخمسين عندما نزل الروح القدس على التلاميذ المجتمعين في أورشليم.
قال دانيال: كنت أقول ذلك مثلهم .. لكني لما تخلصت من القيود التي كانت تحول بين عقلي وبين التفكير السليم وجدت أن المملكة الروحية التي أسسها الحواريون لا يمكن أن تكون الملكوت الموعود، لأن دانيال يتحدث عن أربع ممالك حقيقية، سحق آخرَها ملكٌ حقيقي، لا روحي، كما جاء فيها :( وفي أيام هؤلاء الملوك يقيم إله السموات مملكة لن تنقرض أبداً، وملكها لا يترك لشعب آخر، وتسحق وتفني كل هذه الممالك )(دانيال 2/44)
وقال عن المملكة ونبيها :( لتتعبد له كل الشعوب والأمم والألسنة)(دانيال 7/14)
وقد فهم التلاميذ من المسيح أن هذه المملكة القادمة زمنية لا روحية، فسألوه، وهم يظنون أنها تقوم على يديه :( هل في هذا الوقت ترد الملك إلى إسرائيل؟)(أعمال 1/6)، وقد اجتهد المسيح في إفهامهم أن مملكته روحية، بينما المملكة القادمة مملكة حقيقية.
ثم إن مملكة التلاميذ لم تقهر الدولة الرومانية، بل إن الرومان قهروا المسيحية بعد حين، حين أدخلوا وثنياتهم فيها.
وكيف لنا أن نقول بأننا قهرنا الرومان، ونحن نزعم أن المسيح مات على أعواد صليب روماني؟
أما المسلمون فهم الذين قضوا على الدولة الرومانية، واقتلعوها من أرض فلسطين، ثم بقية بلاد الشام ومصر، ثم أضحت عاصمتها القسطنطينية عاصمة للإسلام.
بشارة حبقوق:
التفتوا إلى رجل منهم، اسمه حبقوق، فقالوا: مالنا نراك واجما يا حبقوق؟
قال: أنا محتار من نفسي، ومن قومي .. لطالما قرأت في سفر حبقوق قوله:( يا رب قد سمعت خبرك فجزعت : الله جاء من تيمان. والقدوس من جبل فاران ) (حبقوق 3/2 ) فلم نلق له بالا على الرغم من أن فيه تبشيرا صريحا بمحمد.
قالوا: كيف؟
قال: أتعلمون سبب جزع النبى حبقوق؟
قالوا: لا .. لقد علم أن النبي الخاتم الموعود سيكون من بني إسماعيل ..
إن كل النبوءة تشير إليه .. سأقرأها عليكم كاملة .. اسمعوا.
فتح الكتاب المقدس على سفر حبقوق، ثم راح يقرأ بخشوع :( يا رب قد سمعت خبرك فجزعت، يا رب عملك في وسط السنين أحيه، في وسط السنين عرّف.في الغضب اذكر الرحمة الله جاء من تيمان والقدوس من جبل فاران.سلاه.جلاله غطى السموات والارض امتلأت من تسبيحه. وكان لمعان كالنور. له من يده شعاع وهناك استتار قدرته. قدامه ذهب الوباء، وعند رجليه خرجت الحمّى. وقف وقاس الارض.نظر فرجف الامم ودكّت الجبال الدهرية وخسفت اكام القدم.مسالك الازل له. رأيت خيام كوشان تحت بلية.رجفت شقق ارض مديان. هل على الانهار حمي يا رب هل على الانهار غضبك او على البحر سخطك حتى انك ركبت خيلك مركباتك مركبات الخلاص. عرّيت قوسك تعرية.سباعيّات سهام كلمتك.سلاه.شققت الارض انهارا. ابصرتك ففزعت الجبال.سيل المياه طما.اعطت اللجّة صوتها.رفعت يديها الى العلاء. الشمس والقمر وقفا في بروجهما لنور سهامك الطائرة للمعان برق مجدك. بغضب خطرت في الارض.بسخط دست الامم. خرجت لخلاص شعبك لخلاص من مسحته ملكا.سحقت راس بيت الشرير معرّيا الاساس )( حبقوق 3: 2-14)
قالوا: فاشرح لنا منها ما هداك إلى محمد.
قال: ألا ترون في النص ذكرا لأماكن محددة لا يمكن التلاعب بتأويلها؟
قال يوحنا: أجل .. أرى جهتين مذكورتين فى مطلع هذا المقطع، وهما: تيمان، والتي تعنى اليمن، وجبل فاران، وهو يعنى جبل النور الذى بمكة التى هى فاران.
قال حبقوق: هاتان الجهتان عربيتان، وهما ترمزان لشبه الجزيرة العربية التى كانت مسرحاً لرسالة محمد .. فالحديث إن ليس عن نبي من بنى إسرائيل ؛ لأن رسل بنى إسرائيل كانوا من جهة الشام شمالاً، لا من جهة بلاد العرب.
بالإضافة إلى أن هذه البشارة أتت مؤكدة للبشـارة المماثلة لتى وردت في سفر التثنية ، والتي نصت على أن الله تلألأ أو استعلن من جبل فاران.
قال حجي: ولكن .. نحن نعلم أن هناك بجوار سيناء بلدة اسمها فاران.
قال حبقوق: نعم .. لقد بحثت في هذا .. وهو لا يمنع من وجود فاران أخرى هي تلك التي سكنها إسماعيل وقامت الأدلة التاريخية على أنها الحجاز حيث بنى إسماعيل وأبوه الكعبة، وحيث تفجر زمزم تحت قدميه، وهو ما اعترف به عدد من المؤرخين منهم المؤرخ جيروم، واللاهوتي يوسبيوس، فقالا بأن فاران هي مكة.
بل قد ورد في الكتاب المقدس أن إسماعيل وأبناءه قد انتشروا في هذه المنطقة حيث تقول التوراة :( هؤلاء هم بنو إسماعيل.... وسكنوا من حويلة إلى شور) (التكوين 25/16 – 18)، وحويلة كما جاء في قاموس الكتاب المقدس منطقة في أرض اليمن، وشور في جنوب فلسطين.
وعلى هذا، فإن إسماعيل وأبناءه سكنوا هذه البلاد الممتدة جنوب الحجاز وشماله، وهو يشمل أرض فاران التي سكنها إسماعيل، والتي نصت عليها التوراة التي تقول :( كان الله مع الغلام فكبر. وسكن في البرية، وكان ينمو رامي قوس، وسكن في برية فاران، وأخذت له أمه زوجة من أرض مصر )(التكوين 21/20-21)
صمتوا، فقال: ومع ذلك .. فأنا لا أرى في النبوءة إلا هذه البشارة وحدها .. إن في البشارة ناحية مهمة جديرة بالاهتمام، إن فيها حديثا عن الخيل والسهام والسيوف، وذلك لا ينطبق إلا على جيوش محمد، وقد قال أحد المرتدين عن المسيحية إلى الإسلام وهو علي بن ربن الطبري بعد أن أورد تطابق هذه النبوة مع حاله :( فإن لم يكن هو الذي وصفتا ـ أي محمد ـ فمن إذاً؟ لعلهم بنو إسرائيل المأسورون المسببون، أو النصارى الخاضعون المستسلمون. وكيف يكون ذلك وقد سمي فيها النبي مرتين ووصف عساكره وحروبه )
ألا ترون النبوءة ماذا تقول .. إنها تقول :( قاس الأرض كقائد يقف وينظر إلى ميدان الحرب، ويعين لفرق جيشه مراكزهم وأعمالهم فيعملون كما رسم القائد )
ترى أى نبى ذلك ؟ إنه نبى محارب ، لقد كان حبقوق حوالى 605 ق.م. أى بعد داود وسليمان بقرون عديدة؟
ومع ذلك .. فإن هناك الكثير مما يستوقف الناظر الصادق:
لقد ورد في البشارة :( قام فمسح الأرض )، وهذه العبارة تحاكي ما جاء في حديث نبي المسلمين الذي يقول :( إن الله زوى لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها، وإن ملك أمتي سيبلغ ما زوي لي منها .. )[1]
وقد ورد في البشارة :( لأنك ظهرت لخلاص أمتك، وإنقاذ تراث آبائك).. فمن أباؤه؟ إنهم إبراهيم وإسماعيل، وما هو إرثهم ؟ هل هو الملك أم الأموال أم ماذا ؟ إنه التوحيد والرسالة كما ورد في كتاب المسلمين المقدس :) إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ( (آل عمران:68)، وقال تعالى:) قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ( (الممتحنة:4)
وقد ورد في البشارة الإشارة إلى كثرة التسبيح التي ملأت الأرض .. فأنبئوني عن الأمة التي تفرد الله بالتسبيح، وتكثر منها بقدر ما تفعل أمة محمد.
وقد ورد فيها دكه لعروش الظلم والطغيان وقهر الممالك الجائرة، وذلك لم يتحقق إلا في رسالة محمد.
وقد ورد أن خيل جيوشه ركبت البحر، وهذا لم يحدث إلا فى ظل رسالة الإسلام.
زيادة على هذا كله، فقد حصلت تحريفات كثيرة للنص بفعل الترجمة، وقد حفظ لنا علي بن ربن الطبري النص كما كان مترجما في عهده، وهو ( التيمن، والقدوس من جبل فاران. لقد انكسفت السماء من بهاء محمد، وامتلأت الأرض من حمده، ويكون شعاع منظره مثل النور، يحوط بلده بعزه، وتسير المنايا أمامه، وتصحب الطير أجناده. قام فمسح الأرض، ثم تأمل الأمم وبحث عنها، فتضعضعت الجبال القديمة، واتضعت الروابي الدهرية، وتزعزعت ستور أهل مدين، ولقد حاز المساعي القديمة، وغضب الرب على الأنهار. فرجزك في الأنهار، واحتدام صولتك في البحار، ركبت الخيول، وعلوت مراكب الإنقاذ والغوث، وستترع في قسيك إغراقاً وترعاً، وترتوي السهم بأمرك يا محمد ارتواءً، وتحرث الأرض بالأنهار. ولقد رأتك الجبال فارتاعت، وانحرف عنك شئويوب السيل، ونعرت المهاوي نعيراً ورعياً، ورفعت أيديها وجلاً وخوفاً، وتوقفت الشمس والقمر عن مجراهما، وسارت العساكر في بريق سهامك ولمعان نيازكك، تدوخ الأرض غضباً، وتدوس الأمم رجزاً، لأنك ظهرت لخلاص أمتك، وإنقاذ شريعة آبائك )[2]
بشارة حجي:
قال ملاخي: وأنت يا حجي ما الذي وجدت في أسفار الأنبياء؟
قال حجي: لقد بحثت في سفر حجي في النصوص القديمة، فوجدته يصرح باسم محمد الذي يطلق عليه (محماد) مشتهى الأمم.
قالوا: أهذا صحيح؟
قال: لا أشك في ذلك .. كما لا أشك فيكم .. وسأبدأ القصة من أولها:
بعد عودة بني إسرائيل من السبي، وتخفيفاً لأحزانهم، ساق لهم النبي حجي بشارة من الله فيها:( لا تخافوا، لأنه هكذا قال رب الجنود، هي مرة بعد قليل، فأزلزل السماوات والأرض والبحر واليابسة، وأنزل كل الأمم، ويأتي مشتهى كل الأمم، فأملأ هذا البيت مجداً قال رب الجنود... مجد هذا البيت الأخير يكون أعظم من مجد الأول قال رب الجنود، وفي هذا المكان أعطي السلام يقول رب الجنود )(حجي 2/6 - 9)
هذه النبوءة تتحدث عن القادم الذي وعد به إبراهيم، وبشر به يعقوب وموسى ثم داود.
لقد حاولت التأكد من النص من لغاته الأصلية، فوجدته يصرح باسم محمد.
قالوا: كيف ذلك؟
قال: أنتم تعلمون خبرتي باللغات القديمة .. وقد وجدت النص بالعبرانية هكذا :( لسوف أزلزل كل الأرض، وسوف يأتي (محماد) لكل الأمم .. وفي هذا المكان أعطي السلام )
فقد جاء في العبرية لفظة (محماد) أو (حمدت) كما في قراءة أخرى حديثة، ولفظة (محِمْادْ) في العبرانية تستعمل عادة لتعني (الأمنية الكبيرة) أو (المشتهى)، والنص حسب الترجمة العبرانية المتداولة : (فباؤا حمدات كول هاجوييم).
لكن لو أبقينا الاسم على حاله دون ترجمة، كما ينبغي أن يكون في الأسماء، فإنا واجدون لفظة (محماد) هي الصيغة العبرية لاسم أحمد، والذي أضاعها المترجمون عندما ترجموا الأسماء أيضاً.
وجاء في تمام النبوءة الحديث عن البيت الأخير لله، والذي هو أعظم مجداً من البيت الأول، ثم يقول :( في هذا المكان أعطي السلام )، وقد استخدمت الترجمة العبرية لفظة (شالوم)، والتي من الممكن أن تعني الإسلام، فالسلام والإسلام مشتقان من لفظة واحدة.
وقوله :( في هذا المكان أعطي السلام )، قد تتحدث عن عقد الأمان الذي عم تلك الأرض والذي أعطاه عمر بن الخطاب لأهل القدس عندما فتحها، فتكون النبوءة عن إعطاء السلام، ولم تنسبه إلى المشتهى، ذلك أن الأمر تم بعد وفاته في أتباعه وأصحابه.
ولا ريب أن النبوءة لا تتحدث عن المسيح، إذ لا تقارب بين ألفاظ النبوءة واسمه، أو بين معانيه وما عهد عنه، إذ لم يستتب الأمن في القدس حال بعثته، بل بشر اليهود بخراب هيكلهم بعد حين، كما كان رسولاً إلى بني إسرائيل فحسب، وليس لكل الأمم، والقادم هو مشتهى الأمم جميعاً، وليس خاصاً ببيت يعقوب كما جاء في وصف المسيح مراراً.
بشارة زكريا
قال ملاخي: وأنت يا زكريا .. هل ظفرت بأي نبوءة تبشر بمحمد؟
قال: أجل .. لقد شدني في سفر زكريا هذا النص :( ويكون فى ذلك اليوم، يقول رب الجنود : أنى أقطع أسمـاء الأصنام من الأرض فلا تذكر بعد. وأزيل الأنبـياء أيضاً و الروح النجس من الأرض، ويكون إذا تنبأ أحد بعد، أن أباه وأمه والديه يقولان له: لا تعيش لأنك تكلمت بالكذب باسم الرب، فيطعنه أبوه وأمه والداه عندما يتنبأ )(زكريا: 13 : 2-3 )
قالوا: أهذه النبوءة تتحدث عن محمد؟
قال: أجل .. ويمكنكم إدراكها بسهولة إذا علمتم أن محمدا دخل مكة يوم الفتح على راحلته، فطاف عليها، وحول البيت أصنام مشدودة بالرصاص، فجعل يشير بقضيب فى يده إلى الأصنام، ويقول :) جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً( (الاسراء: من الآية81)، فما أشار إلى صنم منها فى وجهه إلا وقع لقفاه، ولا أشار لقفاه إلا وقع لوجهه، حتى ما بقى منها صنم إلا وقع، كما صعد بلال إلى ظهر الكعبة، فكسر ما عليها من الأصنام وهو يقول : الله أكبر، الله أكبر.
إن النبوءة تتحدث عن هذا كله .. وتتحدث عن مدعين للنبوة قتلا هما الأسود العنسي، ومسيلمة الكذاب.
صمتوا، فقال: إن هناك نبوءة أخرى في سفر زكريا تقول :( هكذا قال رب الجنود قائلا: هوذا الرجل (الغصن) اسمه، ومن مكانه ينبت ويبنى هيكل الرب فهو يبنى هيكل الرب وهو يحمل الجلال ويجلس ويتسلط على كرسيه، ويكون كاهنا على كرسيه ) (زكريا 6/12-13)
إن هذه النبوءة تتحدث عن مشاركة محمد فى بناء الكعبة ونقل الأحجار إليها على كتفه بعد أن هدمها السيل، لقد بُنى بيت الله فى مكة منشأ ومنبت الرسول ، لقد كان كل مؤمن يحتمي به لأنه كان أشجع الناس ..
زيادة على هذا كله ، فقد ورد في الإصحاح الثامن ـ حسب النسخة العبرية ـ هذه البشارة الصريحة :( هكذا يقول رب الجنود: في تلك الأيام يجتمع عشرة رجال من كل لسانات الشعوب ويتمسكون بذيل رجل حميد، أعني أبو حيد، ويقولون: لنذهب معك، لأننا سمعنا أن الله معك )
لقد ذكر الشيخ زيادة الذي اختار طريق محمد هذه البشارة بلفظها العبري ثم ترجمها إلى اللغة العربية، وأطال الكلام حول هذه البشارة، واشتقاقات اسم حميد وأحمد، وبين أنه ظل سنين طويلة، وهو يقرأ هذه النبوة ويفهمها على وفق الترجمة اليهودية، حتى يسر الله له كتب أصول اللغة العبرية ـ وكانت شبه معدومة ـ فوقف من خلالها على حقيقة هذا اللفظ (يا أودي)، وأنه إذا ترجم إلى اللغة العربية صار (حميد)
في اليوم التاسع خرجت من بيتي .. وأنا مستغرب مما حصل لي في هذه الرحلة التي اتفق الكل على أن يلقنني فيها تعاليم واحدة، لقد كنت أقول لنفسي: لو أن هؤلاء جميعا اجتمعوا ودبروا وخططوا ما كان لخططهم أن تكون بهذه الدقة التي أراها ..
لست أدري هل كان ذلك مجرد مصادفة، أو أن الله تعالى وفر لي ذلك الجو ليجذبني إلى الحقيقة التي كنت أفر منها بكل ما أوتيت من قوة، أو هي شمس محمد تأبى إلا أن تسطع، لتغمر كل ما تحتها بأشعتها المنيرة الدافئة !؟
سرت بهذه الحال، فصادفني ناد لم أشك في كونه ناديا مسيحيا، فقد كان الصليب على بابه ، وبجانبه كثير من الشعارات والصور المسيحية.
دخلت إليه، لأمسح بعض آثار الشبهات التي امتلأت بها نفسي في الأيام السابقة التي قضيتها في تلك القرية.
رأيت داخل القاعة مجموعة رجال تجتمع على مائدة واحدة، لست أدري كيف ملت إلى الجلوس بجانبهم، ولست أدري كيف حنت نفسي إلى الاستماع لهم .. لقد كان هناك مغناطيس يجذبني إليهم، ولكني لا أراه، ولا أستطيع أن أفر منه.
لم أتكلم في ذلك المجلس كلمة واحدة، لقد كنت أكتفي بالنظر وباستراق السمع، وقد كان لهم من أدب الحديث ما جعلني أنجذب إليهم انجذابا تاما.
وسأقص عليك حديثهم من أوله إلى أن فارقت ذلك المجلس.
بشارة ميخا:
قال أحدهم، واسمه دانيال ـ على حسب ما علمت بعد ذلك ـ: ماذا تقول يا ميخا؟ .. هل رأيت ذلك حقيقة؟
قال ميخا: أجل يا دانيال.. رأيته كما أراك الآن، وأنا الآن أعرفه كما أعرف أبنائي.. لقد صدق كتاب المسلمين المقدس حين قال :) الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ ( (البقرة: من الآية146)
قال دانيال: وقد قال تتمة للآية :) وَإِنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ( (البقرة: من الآية146)
قال ميخا: صدق كتاب محمد .. إن كثيرا من التحريفات واضحة في الكتاب المقدس .. وأخطر تلك التحريفات تلك النصوص الممحوة .. ولكن مع ذلك يمكن للبيب العاقل أن ينتبه لها .. بل يراها من حجب الكتمان الكثيرة التي رانت عليها.
قال دانيال: حدثني عما رأيت، وعما ملأك بهذه القناعة.
قال ميخا: لقد رأيت النبي ميخا يخبر عن الوقوف بجبل عرفة الذي لا يقف عليه إلا المسلمون.
قالوا: أصحيح ذلك؟
قال ميخا: أجل .. أنتم تعرفون أن النبي ميخا شاهد الهيكل .. هيكل سليمان .. ولكنه في البشارة التي هداني الله إليها يتحدث عن أمم كثيرة، وشعوب من كل بقاع الأرض متوحدة على دين واحد، وهي تسعى .. يستحيل أن يكون ذلك غير جبل عرفات.
سأقرأ لكم البشارة لتسمعوها بعقولكم، وتسمعوا معها ميخا، وهو يبشر بمحمد.
أنصت الجميع بخشوع إليه، فراح يقرأ :( ويكون فى آخر الأيام أن جبل بيت الرب يكون ثابتا فى رأس الجبال، و يرتفع فوق التلال، وتجرى إليه شعوب، وتسير أمم كثيرة. ويقولون هلم نصعد إلى جبل الرب، وإلى بيت إله يعقوب. فيعلمنا من طرقه، ونسلك فى سبله، لأنه من صهيون تخرج الشريعة، ومن أورشليم كلمة الرب )( ميخا: 4/1)
قالوا: ولكنا نرى النص يتحدث عن أورشليم .. وعن صهيون.
قال: هذا من التحريف .. تأملوا الأوصاف التي ذكرها .. هل تنطبق على جبل صهيون .. أم ترونها تنطبق على جبل عرفات؟
قالوا: ولكن كيف نترك الاسم الواضح إلى الوصف المحتمل؟
قال: أنتم تعلمون أن إسماعيل كان بكرا لإبراهيم.
قالوا: ومن يشك في ذلك .. وما علاقة ذلك بنبوءة ميخا؟
قال: لقد أثبتوا في الكتاب المقدس .. أولئك المحرفون الذين لا يتورعون .. ما يبين تناقضهم .. ألم يضيفوا إسحق إلى النبوءة .. فذكروا أن الله قال لإبراهيم :( اذبح ابنك بكرك إسحاق )، وهذا من بهتهم وزيادتهم في كلام الله، فقد جمعوا بين النقيضين ، فإن بكره هو اسماعيل فإنه بكر أولاده ، واسحاق انما بشر به على الكبر بعد قصة الذبح.
قال ملاخي: لقد ذكرتني يا ميخا بنص قرأته في إنجيل برنابا .. ذلك الإنجيل الذي نطبق على تكذيبه .. ومع ذلك نشعر بأن له من الصدق ما تفتقر إليه سائر الأناجيل.
هاهو الإنجيل معي .. وسأفتحه على الموضع الذي يؤكد فيه أن الذبيح هو إسماعيل.. ويذكر تلاعب قومنا بالكتاب المقدس.
اسمعوا ما يقول.
أخذ يقرأ عليهم بخشوع من إنجيل برنابا :( الحق أقول لكم إن كل نبي متى جاء فإنه يحمل لأمة واحدة فقط علامة رحمة الله، ولذلك لم يتجاوز كلامهم الشعب الذي أرسلوا إليه، ولكن رسول الله متى جاء يعطيه الله ما هو بمثابة خاتم يده، فيحمل خلاصا ورحمة لأمم الأرض الذين يقبلون تعليمه، وسيأتي بقوة على الظالمين ويبيد عبادة الأصنام بحيث يخزي الشيطان.. لأنه هكذا وعد الله إبراهيم قائلا :( انظر فإني بنسلك أبارك كل قبائل الأرض، وكما حطمت يا إبراهيم الأصنام تحطيما هكذا سيفعل نسلك )
أجاب يعقوب: يا معلم، قل لنا من صنع هذا العهد؟ فإن اليهود يقولون بإسحق والإسماعيليون يقولون بإسماعيل.
أجاب يسوع: ابن من كان داود، ومن أي ذرية؟
أجاب يعقوب: من إسحق لأن إسحق كان أبا يعقوب ويعقوب كان أبا يهوذا الذي من ذريته داود.
أجاب التلاميذ: من داود؟!
فأجاب يسوع: لا تغشوا أنفسكم، لأن داود يدعوه في الروح ربا قائلا هكذا: قال الله لربي اجلس عن يميني حتى أجعل أعداءك موطئا لقدميك، يرسل الرب قضيبك الذي سيكون ذا سلطان في وسط أعدائك.. فإذا كان رسول الله الذي تسمونه مسيا ابن داود فكيف يسميه داود ربا.. صدقوني لأني أقول لكم الحق، إن العهد صنع بإسماعيل لا بإسحاق..
حينئذ قال التلاميذ: يا معلم هكذا كتب في كتاب موسى أن العهد صنع بإسحق..
أجاب يسوع متأوها: هذا هو المكتوب ولكن موسى لم يكتبه ولا يسوع، بل أحبارنا الذين لا يخافون الله.. الحق أقول لكم إنكم إذا أعملتم النظر في كلام الملاك جبريل تعلمون حيث كتبتنا وفقهائنا لأن الملاك قال:( يا إبراهيم سيعلم العالم كله كيف يحبك الله، ولكن كيف يعلم العالم محبتك لله حقا يجب عليك أن تفعل شيئا لأجل محبة الله ).. أجاب إبراهيم :( ها هو ذا عبد الله مستعد أن يفعل كلم ما يريد الله )
فكلم الله حينئذ إبراهيم قائلا :( خذ ابنك بكرك إسماعيل واصعد الجبل لتقدمه ذبيحة )، فكيف يكون إسحق البكر وهو لما ولد وكان إسماعيل ابن سبع سنين؟
أغلق الكتاب، وقال: إني أشم روائح الصدق من هذا الإنجيل أكثر من أي إنجيل آخر.
التفتوا إلى ميخا، وقالوا: عد بنا إلى بشارة ميخا.
قال: كما أن قومنا حرفوا اسم الذبيح، فإنهم حرفوا اسم المكان المعظم الذي جرت فيه أحداث القصة، فسمتها التوراة السامرية (الأرض المرشدة)، فيما سمته التوراة العبرانية (المريا )، ولعله تحريف لكلمة (المروة)، وهو اسم لجبل يقع داخل المسجد الحرام في مكة المكرمة ، أي في المكان الذي درج فيه إسماعيل، وهو المكان الذي يوجد فيه جبل عرفات.
وقد اتفق النصان العبري والسامري على تسمية ذلك الموضع (جبل الله)، ولم يكن هذا الاسم مستخدماً لبقعة معينة حينذاك، لذا اختلف اليهود في تحديد مكانه اختلافاً بيناً، فقال السامريون: هو جبل جرزيم، وقال العبرانيون: بل هو جبل أورشليم الذي بني عليه الهيكل بعد القصة بعدة قرون كما في (الأيام (2) 3/1).
وقد أكد الباحثون هذا الاختلاف، فهذا الدكتور بوست في قاموس الكتاب المقدس، يقول :( يظن الأكثرون أن موضع الهيكل هو نفس الموضع الذي فيه أمر إبراهيم أن يستعد لتقديم إسحاق، غير أن التقليد السامري يقول: إن موضع الذبح لإسحاق كان على جبل جرزيم، وبعض العلماء يوافقونهم )
ويقول محققو نسخة الرهبانية اليسوعية :( يطابق سفر الأخبار الثاني (3/1) بين موريّا وبين الرابية التي سيشاد عليها هيكل أورشليم .. غير أن النص يشير إلى أرض باسم موريّا لا يأتي ذكرها في مكان آخر، ويبقى مكان الذبيحة مجهولاً )
والحق الذي توصلت إليه هو أن المكان معروف غير مجهول، لأن قصة الذبح جرت في الأرض المرشدة، وهي أرض العبادة، وهي مكة أو بلاد فاران.
وقد رأيت أن اختلافهم دليل على صحة ذلك، واتفاقهم على اسم المكان بجبل الرب صحيح، لكنهم اختلفوا في تحديده لرجمهم بالظنون، وقد ربطوه بتسميات ظهرت بعد الحادثة بقرون عدة، وتجاهلوا البيت المعظم الذي بني في تلك البقعة حينذاك، ويسمى بيت الله، كما سمي الجبل الذي في تلك البقعة جبل الله.
وقد بقي هذا الاختلاف من أهم الاختلافات التي تفرق السامريين عن العبرانيين، وقد أدرك المسيح هذا الخلاف، فذات مرة دخلت عليه امرأة سامرية، وسألته عن المكان الحقيقي المعد للعبادة، فأفصح لها المسيح أن المكان ليس جبل جرزيم السامري، ولا جبل عيبال العبراني الذي بني عليه الهيكل.
لقد قرأتم ذلك بلا شك .. فقد جاء في إنجيل متى :( قالت له المرأة: يا سيد أرى أنك نبي، آباؤنا سجدوا في هذا الجبل، وأنتم تقولون أن في أورشليم الموضع الذي ينبغي أن يسجد فيه، قال لها يسوع: يا امرأة صدقيني، إنه تأتي ساعة لا في هذا الجبل ولا في أورشليم تسجدون للآب، أنتم تسجدون لما لستم تعلمون، أما نحن فنسجد لما نعلم، لأن الخلاص هو من اليهود.
ولكن تأتي ساعة، وهي الآن، حين الساجدون الحقيقيون يسجدون للآب بالروح والحق، لأن الآب طالب مثل هؤلاء الساجدين له، الله روح، والذين يسجدون له فبالروح والحق ينبغي أن يسجدوا )(يوحنا 4/19-24)
فمن هم الساجدون الحقيقيون الذين يسجدون في غير قبلة السامريين والعبرانيين، إنهم الأمة الجديدة التي تولد بعد حين، إذ لم تدع أمة قداسة قبلتها سوى أمة الإسلام التي يفد إليها ملايين المسلمين سنوياً في مكة المكرمة.
وقوله عن ساعة قدوم الساجدين الحقيقيين (ولكن تأتي ساعة وهي الآن) يفيد اقترابها لا حلولها، كما في متى :( أقول لكم: من الآن تبصرون ابن الإنسان جالساً عن يمين القوة، وآتياً على سحاب السماء ) (متى 26/64)، وقد مات المخاطبون وفنوا، ولم يروه آتياً على سحاب السماء.
ومثله قول المسيح :( وقال له: الحق الحق أقول لكم، من الآن ترون السماء مفتوحة، وملائكة الله يصعدون وينزلون على ابن الإنسان)(يوحنا 1/51) ، (وانظر صموئيل (1) 15/28).
قال حجي: بورك فيك يا ميخا .. لقد فهمت الآن نصا من سفر إشعيا طالما احترت في تفسره .. لقد رمز النبي إشعيا لمكة بالعاقر، وتحدث عن الجموع الكثيرة التي تأتي إليها، ويعدها بالأمان والبركة والعز، فقال:( ترنمي أيتها العاقر التي لم تلد، أشيدي بالترنم أيتها التي لم تمخض، لأن بني المستوحشة أكثر من بني ذات البعل، قال الرب: أوسعي مكان خيمتك ولتبسط شقق مساكنك، لا تمسكي، أطيلي أطنابك وشددي أوتادك، لأنك تمتدين إلى اليمين والى اليسار، ويرث نسلك أمماً، ويعمر مدناً خربة، لا تخافي لأنك لا تخزين، ولا تخجلي لأنك لا تستحين، فإنك تنسين خزي صباك، وعار ترملك لا تذكرينه بعد..
قال راحمك الرب: أيتها الذليلة المضطربة غير المتعزية، هانذا أبني بالإثمد حجارتك، وبالياقوت الأزرق أؤسسك، وأجعل شرفك ياقوتاً، وأبوابك حجارة بهرمانية، وكل تخومك حجارة كريمة، وكل بنيك تلاميذ الرب، وسلام بنيك كثيراً، بالبر تثبتين بعيدة عن الظلم فلا تخافين، وعن الارتعاب فلا يدنو منك، ها إنهم يجتمعون اجتماعاً ليس من عندي، من اجتمع عليك فإليك يسقط، هانذا قد خلقت الحداد الذي ينفخ الفحم في النار ويخرج آلة لعمله، وأنا خلقت المهلك ليخرب كل آلة صورت ضدك لا تنجح، وكل لسان يقوم عليك في القضاء تحكمين عليه، هذا هو ميراث عبيد الرب وبرهم من عندي )(إشعيا 54/1-17)
ففي النص مقارنة لمكة بأورشليم، فسمى مكة بالعاقر لأنها لم تلد قبل محمد، ولا يجوز أن يريد بالعاقر بيت المقدس، لأنه بيت الأنبياء ومعدن الوحي، وقد يشكل هنا أن نبوة إسماعيل كانت في مكة، فلا تسمى حينذاك عاقراً، لكن المراد منه مقارنة نسبية مع أنبياء أورشليم.
قال حبقوق: لقد تحدثت المزامير عن مدينة المسيح المخلص، المدينة المباركة التي فيها بيت الله، والتي تتضاعف فيها الحسنات، فالعمل فيها يعدل الألوف في سواها، وقد سماها باسمها (بكة)، فجاء فيها:( طوبى للساكنين في بيتك أبداً يسبحونك، سلاه، طوبى لأناس عزهم بك، طرق بيتك في قلوبهم، عابرين في وادي البكاء يصيرونه ينبوعاً، أيضاً ببركات يغطون مورة، يذهبون من قوة إلى قوة، يرون قدام الله في صهيون، يا رب إله الجنود اسمع صلاتي وأصغ يا إله يعقوب، سلاه، يا مجننا انظر يا الله والتفت إلى وجه مسيحك، لأن يوماً واحداً في ديارك خير من ألف، اخترت الوقوف على العتبة في بيت إلهي على السكن في خيام الأشرار) (المزمور 84/4-10).. فقد ورد في الترجمة الإنجليزية هكذا (through the valley of Ba'ca make it a well ) فذكر أن اسمها بكة، وترجمته إلى وادي البكاء صورة من التحريف.
وقد سماها النص العبري بكة، فقال: [בְּעֵמֶק הַבָּכָא]، وتقرأ : (بعيمق هبكا)، أي وادي بكة.
والنص كما جاء في ترجمة الكاثوليك هكذا :( يجتازون في وادي البكاء، فيجعلونه ينابيع ماء، لأن المشترع يغمرهم ببركاته، فينطلقون من قوة إلى قوة، إلى أن يتجلى لهم إله الآلهة في صهيون )(83/7-8)
قال حجي: هذا الاسم (بكة) هو اسم بلد محمد، وهو الاسم الذي سمّى القرآن الكريم به مكة البلد الحرام، كما في القرآن :) إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدىً لِلْعَالَمِينَ( (آل عمران:96)، وبركة هذا البيت بما جعل الله لقاطنيه وقاصديه من مضاعفة الحسنات عنده، فصلاة فيه كما يخبر محمد تعدل أكثر من ألف صلاة فيما سواه، فصدق فيه قول المزمور :( لأن يوماً واحداً في ديارك خير من ألف )
بشارة دانيال:
التفت ميخا إلى دانيال، وقال له: لقد ذكرت البشارة العظيمة التي وجدتها.. فهل وجدت أنت شيئا؟
قال دانيال: أنتم تعلمون أن الكتاب المقدس نقل بعض نبوءات الأنبياء عن زمن ظهور هذا الملكوت.
قالوا: أجل .. لا شك في ذلك.
قال: ومن ذلك أن بختنصر رأى رؤيا أفزعته ولم يعرف العرافون ولا المنجمون تعبيرها، ففسرها له النبي دانيال فقال:( أنت أيها الملك كنت تنظر، وإذا بتمثال عظيم، هذا التمثال العظيم البهي جداً وقف قبالتك، ومنظره هائل، رأس هذا التمثال من ذهب جيد، وصدره وذراعاه من فضة، بطنه وفخذاه من نحاس، ساقاه من حديد، قدماه بعضها من حديد، والبعض من خزف.
كنت تنظر إليه إلى أن قطع حجر بغير يدين، فضرب التمثال على قدميه اللتين من حديد وخزف فسحقهما، فانسحق حينئذ الحديد والخزف والنحاس والفضة والذهب معاً، وصارت كعصافة البيدر في الصيف، فحملتها الريح فلم يوجد لها مكان.
أنت أيها الملك ملك ملوك، لأن إله السماوات أعطاك مملكة واقتداراً وسلطاناً وفخراً، وحيثما يسكن بنو البشر ووحوش البر وطيور السماء.. فأنت هذا الرأس من ذهب.
وبعدك تقوم مملكة أخرى أصغر منك، ومملكة ثالثة أخرى من نحاس فتتسلط على كل الأرض، وتكون مملكة رابعة صلبة كالحديد، لأن الحديد يسحق كل شيء، وكالحديد الذي يكسر تسحق وتكسر كل هؤلاء، وبما رأيت القدمين والأصابع بعضها من خزف والبعض من حديد، فبعض المملكة يكون قوياً والبعض قصماً، وبما رأيت الحديد مختلطاً بخزف الطين فإنهم يختلطون بنسل الناس....
وفي أيام هؤلاء يقيم إله السماوات مملكة لن تنقرض أبداً، ومَلِكها لا يُترك لشعب آخر، وتسحق وتفنى كل هذه الممالك، وهي تثبت إلى الأبد، لأنك رأيت أنه قد قطع حجر من جبل لا بيدين، فسحق الحديد والنحاس والخزف والفضة والذهب. الله العظيم قد عرف الملك ما سيأتي بعد هذا. الحلم حق وتعبيره يقين )(دانيال 2/21 - 45)
قالوا: فأي دلالة على محمد يشير إليها هذا التفسير الذي فسره دانيال؟
قال: أنتم تعلمون أن هذه الرؤيا وتفسيرها يشير إلى الممالك التي ستقوم بين يدي بني الملكوت.
قالوا: أجل .. ذلك واضح.
قال: ولهذا حاولت أن أطبق تفسير هذه الرؤيا على الأحداث التاريخية لأرى من تنطبق عليه.
قالوا: هذا جيد .. وهو منهج علمي صحيح.
قال: لقد رأيت أن أولها هي مملكة بابل التي يرأسها بختنصر، والتي يرمز لها في الحلم بالرأس الذهبي.
ثم مملكة فارس التي أقامها خسرو، وتسلط ملكها قورش على بابل سنة (593 ق.م)، ورمز لها في المنام بالصدر والذراعين من فضة.
ثم تلتها مملكة مقدونية والتي قضت على مملكة الفرس، وأسسها الاسكندر المقدوني (336 ق.م)، ويرمز لها في المنام بالبطن والفخذين من النحاس.
ثم تلتها امبراطورية الرومان والتي أسسها الأمبرطور بوفبيوس (63 ق.م)، ورمز لها في المنام بساقين من حديد وقدمين إحداهما من خزف وأخرى من حديد، ولعله أراد دولتي فارس والروم أو انقسام الأمبراطورية الرومانية .
وفي أيام هذه الامبراطورية نصت النبوءة على أن الله يقيم المملكة التي لن تنقرض أبدا .. كما جاء في سفر دانيال :( وفي أيام هؤلاء يقيم إله السماوات مملكة لن تنقرض أبداً )
وقد جاء بقيامها الحجر الذي رذله البناؤون، وقد قطع بغير يدين، إذ جاء من السماء ليقضي على الفرس والروم، وأقام الملكوت الموعود في الدنيا قروناً طويلة، ولم ينقطع بأس هذه الأمة إلا في هذا القرن الأخير.
ولعل في هذه النبوءة ما يبشر بكون هذا الكسوف عرضاً زائلاً ما يلبث أن يزول، فتشرق شمس أمة محمد من جديد.
وقد أقر هودجكن في كتابه (المسيح في كل الكتب) بأن الحجر الذي قطع بغير يدين، ويسحق التمثال العظيم كناية عن مملكة (المسيا) أي المسيح المنتظر .. وليس المسيح المنتظر إلا محمد.
وفي التفسير التطبيقي: وأما الحجر المقطوع من الجبل، فيشير إلى ملكوت الله الذي يحكمه المسِيّا ملك الملوك إلى الأبد.
قال زكريا: لقد فهمنا هذه الرؤيا .. ودلالتها التاريخية صريحة جدا .. وقد قرأت رؤيا دانيال للحيوانات الأربع .. فهل لديك شيء في تفسيرها؟
قال دانيال: أجل .. وسأقص عليكم الرؤيا قبل أن أفسرها لكم .. قال دانيال: كنت أرى في رؤياي ليلاً، وإذا بأربع رياح السماء هجمت على البحر الكبير، وصعد من البحر أربعة حيوانات عظيمة هذا مخالف ذاك، الأول كالأسد.. وإذا بحيوان آخر ثان شبيه بالدب .. وإذا بآخر مثل النمر.. وإذا بحيوان رابع هائل وقوي وشديد جداً، وله أسنان من حديد كبيرة، أكل وسحق وداس الباقي برجليه، وكان مخالفاً لكل الحيوانات الذين قبله وله عشرة قرون .. كنت أرى في رؤى الليل، وإذا مع سحب السماء مثل ابن إنسان أتى، وجاء إلى القديم الأيام، فقربوه قدامه، فأعطي سلطاناً ومجداً وملكوتاً، لتتعبّد له كل الشعوب والأمم والألسنة، سلطانه سلطان أبدي ما لن يزول، وملكوته ما لا ينقرض )(دانيال 7/3-18)
قال زكريا: لقد رأيت قومي يفسرون الممالك الأربعة بالمملكة البابلية ثم الفارسية ثم اليونانية ثم الرومانية، ويرون الملكوت متحققاً في ظهور دين المسيح وتأسيس الكنيسة في يوم الخمسين عندما نزل الروح القدس على التلاميذ المجتمعين في أورشليم.
قال دانيال: كنت أقول ذلك مثلهم .. لكني لما تخلصت من القيود التي كانت تحول بين عقلي وبين التفكير السليم وجدت أن المملكة الروحية التي أسسها الحواريون لا يمكن أن تكون الملكوت الموعود، لأن دانيال يتحدث عن أربع ممالك حقيقية، سحق آخرَها ملكٌ حقيقي، لا روحي، كما جاء فيها :( وفي أيام هؤلاء الملوك يقيم إله السموات مملكة لن تنقرض أبداً، وملكها لا يترك لشعب آخر، وتسحق وتفني كل هذه الممالك )(دانيال 2/44)
وقال عن المملكة ونبيها :( لتتعبد له كل الشعوب والأمم والألسنة)(دانيال 7/14)
وقد فهم التلاميذ من المسيح أن هذه المملكة القادمة زمنية لا روحية، فسألوه، وهم يظنون أنها تقوم على يديه :( هل في هذا الوقت ترد الملك إلى إسرائيل؟)(أعمال 1/6)، وقد اجتهد المسيح في إفهامهم أن مملكته روحية، بينما المملكة القادمة مملكة حقيقية.
ثم إن مملكة التلاميذ لم تقهر الدولة الرومانية، بل إن الرومان قهروا المسيحية بعد حين، حين أدخلوا وثنياتهم فيها.
وكيف لنا أن نقول بأننا قهرنا الرومان، ونحن نزعم أن المسيح مات على أعواد صليب روماني؟
أما المسلمون فهم الذين قضوا على الدولة الرومانية، واقتلعوها من أرض فلسطين، ثم بقية بلاد الشام ومصر، ثم أضحت عاصمتها القسطنطينية عاصمة للإسلام.
بشارة حبقوق:
التفتوا إلى رجل منهم، اسمه حبقوق، فقالوا: مالنا نراك واجما يا حبقوق؟
قال: أنا محتار من نفسي، ومن قومي .. لطالما قرأت في سفر حبقوق قوله:( يا رب قد سمعت خبرك فجزعت : الله جاء من تيمان. والقدوس من جبل فاران ) (حبقوق 3/2 ) فلم نلق له بالا على الرغم من أن فيه تبشيرا صريحا بمحمد.
قالوا: كيف؟
قال: أتعلمون سبب جزع النبى حبقوق؟
قالوا: لا .. لقد علم أن النبي الخاتم الموعود سيكون من بني إسماعيل ..
إن كل النبوءة تشير إليه .. سأقرأها عليكم كاملة .. اسمعوا.
فتح الكتاب المقدس على سفر حبقوق، ثم راح يقرأ بخشوع :( يا رب قد سمعت خبرك فجزعت، يا رب عملك في وسط السنين أحيه، في وسط السنين عرّف.في الغضب اذكر الرحمة الله جاء من تيمان والقدوس من جبل فاران.سلاه.جلاله غطى السموات والارض امتلأت من تسبيحه. وكان لمعان كالنور. له من يده شعاع وهناك استتار قدرته. قدامه ذهب الوباء، وعند رجليه خرجت الحمّى. وقف وقاس الارض.نظر فرجف الامم ودكّت الجبال الدهرية وخسفت اكام القدم.مسالك الازل له. رأيت خيام كوشان تحت بلية.رجفت شقق ارض مديان. هل على الانهار حمي يا رب هل على الانهار غضبك او على البحر سخطك حتى انك ركبت خيلك مركباتك مركبات الخلاص. عرّيت قوسك تعرية.سباعيّات سهام كلمتك.سلاه.شققت الارض انهارا. ابصرتك ففزعت الجبال.سيل المياه طما.اعطت اللجّة صوتها.رفعت يديها الى العلاء. الشمس والقمر وقفا في بروجهما لنور سهامك الطائرة للمعان برق مجدك. بغضب خطرت في الارض.بسخط دست الامم. خرجت لخلاص شعبك لخلاص من مسحته ملكا.سحقت راس بيت الشرير معرّيا الاساس )( حبقوق 3: 2-14)
قالوا: فاشرح لنا منها ما هداك إلى محمد.
قال: ألا ترون في النص ذكرا لأماكن محددة لا يمكن التلاعب بتأويلها؟
قال يوحنا: أجل .. أرى جهتين مذكورتين فى مطلع هذا المقطع، وهما: تيمان، والتي تعنى اليمن، وجبل فاران، وهو يعنى جبل النور الذى بمكة التى هى فاران.
قال حبقوق: هاتان الجهتان عربيتان، وهما ترمزان لشبه الجزيرة العربية التى كانت مسرحاً لرسالة محمد .. فالحديث إن ليس عن نبي من بنى إسرائيل ؛ لأن رسل بنى إسرائيل كانوا من جهة الشام شمالاً، لا من جهة بلاد العرب.
بالإضافة إلى أن هذه البشارة أتت مؤكدة للبشـارة المماثلة لتى وردت في سفر التثنية ، والتي نصت على أن الله تلألأ أو استعلن من جبل فاران.
قال حجي: ولكن .. نحن نعلم أن هناك بجوار سيناء بلدة اسمها فاران.
قال حبقوق: نعم .. لقد بحثت في هذا .. وهو لا يمنع من وجود فاران أخرى هي تلك التي سكنها إسماعيل وقامت الأدلة التاريخية على أنها الحجاز حيث بنى إسماعيل وأبوه الكعبة، وحيث تفجر زمزم تحت قدميه، وهو ما اعترف به عدد من المؤرخين منهم المؤرخ جيروم، واللاهوتي يوسبيوس، فقالا بأن فاران هي مكة.
بل قد ورد في الكتاب المقدس أن إسماعيل وأبناءه قد انتشروا في هذه المنطقة حيث تقول التوراة :( هؤلاء هم بنو إسماعيل.... وسكنوا من حويلة إلى شور) (التكوين 25/16 – 18)، وحويلة كما جاء في قاموس الكتاب المقدس منطقة في أرض اليمن، وشور في جنوب فلسطين.
وعلى هذا، فإن إسماعيل وأبناءه سكنوا هذه البلاد الممتدة جنوب الحجاز وشماله، وهو يشمل أرض فاران التي سكنها إسماعيل، والتي نصت عليها التوراة التي تقول :( كان الله مع الغلام فكبر. وسكن في البرية، وكان ينمو رامي قوس، وسكن في برية فاران، وأخذت له أمه زوجة من أرض مصر )(التكوين 21/20-21)
صمتوا، فقال: ومع ذلك .. فأنا لا أرى في النبوءة إلا هذه البشارة وحدها .. إن في البشارة ناحية مهمة جديرة بالاهتمام، إن فيها حديثا عن الخيل والسهام والسيوف، وذلك لا ينطبق إلا على جيوش محمد، وقد قال أحد المرتدين عن المسيحية إلى الإسلام وهو علي بن ربن الطبري بعد أن أورد تطابق هذه النبوة مع حاله :( فإن لم يكن هو الذي وصفتا ـ أي محمد ـ فمن إذاً؟ لعلهم بنو إسرائيل المأسورون المسببون، أو النصارى الخاضعون المستسلمون. وكيف يكون ذلك وقد سمي فيها النبي مرتين ووصف عساكره وحروبه )
ألا ترون النبوءة ماذا تقول .. إنها تقول :( قاس الأرض كقائد يقف وينظر إلى ميدان الحرب، ويعين لفرق جيشه مراكزهم وأعمالهم فيعملون كما رسم القائد )
ترى أى نبى ذلك ؟ إنه نبى محارب ، لقد كان حبقوق حوالى 605 ق.م. أى بعد داود وسليمان بقرون عديدة؟
ومع ذلك .. فإن هناك الكثير مما يستوقف الناظر الصادق:
لقد ورد في البشارة :( قام فمسح الأرض )، وهذه العبارة تحاكي ما جاء في حديث نبي المسلمين الذي يقول :( إن الله زوى لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها، وإن ملك أمتي سيبلغ ما زوي لي منها .. )[1]
وقد ورد في البشارة :( لأنك ظهرت لخلاص أمتك، وإنقاذ تراث آبائك).. فمن أباؤه؟ إنهم إبراهيم وإسماعيل، وما هو إرثهم ؟ هل هو الملك أم الأموال أم ماذا ؟ إنه التوحيد والرسالة كما ورد في كتاب المسلمين المقدس :) إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ( (آل عمران:68)، وقال تعالى:) قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ( (الممتحنة:4)
وقد ورد في البشارة الإشارة إلى كثرة التسبيح التي ملأت الأرض .. فأنبئوني عن الأمة التي تفرد الله بالتسبيح، وتكثر منها بقدر ما تفعل أمة محمد.
وقد ورد فيها دكه لعروش الظلم والطغيان وقهر الممالك الجائرة، وذلك لم يتحقق إلا في رسالة محمد.
وقد ورد أن خيل جيوشه ركبت البحر، وهذا لم يحدث إلا فى ظل رسالة الإسلام.
زيادة على هذا كله، فقد حصلت تحريفات كثيرة للنص بفعل الترجمة، وقد حفظ لنا علي بن ربن الطبري النص كما كان مترجما في عهده، وهو ( التيمن، والقدوس من جبل فاران. لقد انكسفت السماء من بهاء محمد، وامتلأت الأرض من حمده، ويكون شعاع منظره مثل النور، يحوط بلده بعزه، وتسير المنايا أمامه، وتصحب الطير أجناده. قام فمسح الأرض، ثم تأمل الأمم وبحث عنها، فتضعضعت الجبال القديمة، واتضعت الروابي الدهرية، وتزعزعت ستور أهل مدين، ولقد حاز المساعي القديمة، وغضب الرب على الأنهار. فرجزك في الأنهار، واحتدام صولتك في البحار، ركبت الخيول، وعلوت مراكب الإنقاذ والغوث، وستترع في قسيك إغراقاً وترعاً، وترتوي السهم بأمرك يا محمد ارتواءً، وتحرث الأرض بالأنهار. ولقد رأتك الجبال فارتاعت، وانحرف عنك شئويوب السيل، ونعرت المهاوي نعيراً ورعياً، ورفعت أيديها وجلاً وخوفاً، وتوقفت الشمس والقمر عن مجراهما، وسارت العساكر في بريق سهامك ولمعان نيازكك، تدوخ الأرض غضباً، وتدوس الأمم رجزاً، لأنك ظهرت لخلاص أمتك، وإنقاذ شريعة آبائك )[2]
بشارة حجي:
قال ملاخي: وأنت يا حجي ما الذي وجدت في أسفار الأنبياء؟
قال حجي: لقد بحثت في سفر حجي في النصوص القديمة، فوجدته يصرح باسم محمد الذي يطلق عليه (محماد) مشتهى الأمم.
قالوا: أهذا صحيح؟
قال: لا أشك في ذلك .. كما لا أشك فيكم .. وسأبدأ القصة من أولها:
بعد عودة بني إسرائيل من السبي، وتخفيفاً لأحزانهم، ساق لهم النبي حجي بشارة من الله فيها:( لا تخافوا، لأنه هكذا قال رب الجنود، هي مرة بعد قليل، فأزلزل السماوات والأرض والبحر واليابسة، وأنزل كل الأمم، ويأتي مشتهى كل الأمم، فأملأ هذا البيت مجداً قال رب الجنود... مجد هذا البيت الأخير يكون أعظم من مجد الأول قال رب الجنود، وفي هذا المكان أعطي السلام يقول رب الجنود )(حجي 2/6 - 9)
هذه النبوءة تتحدث عن القادم الذي وعد به إبراهيم، وبشر به يعقوب وموسى ثم داود.
لقد حاولت التأكد من النص من لغاته الأصلية، فوجدته يصرح باسم محمد.
قالوا: كيف ذلك؟
قال: أنتم تعلمون خبرتي باللغات القديمة .. وقد وجدت النص بالعبرانية هكذا :( لسوف أزلزل كل الأرض، وسوف يأتي (محماد) لكل الأمم .. وفي هذا المكان أعطي السلام )
فقد جاء في العبرية لفظة (محماد) أو (حمدت) كما في قراءة أخرى حديثة، ولفظة (محِمْادْ) في العبرانية تستعمل عادة لتعني (الأمنية الكبيرة) أو (المشتهى)، والنص حسب الترجمة العبرانية المتداولة : (فباؤا حمدات كول هاجوييم).
لكن لو أبقينا الاسم على حاله دون ترجمة، كما ينبغي أن يكون في الأسماء، فإنا واجدون لفظة (محماد) هي الصيغة العبرية لاسم أحمد، والذي أضاعها المترجمون عندما ترجموا الأسماء أيضاً.
وجاء في تمام النبوءة الحديث عن البيت الأخير لله، والذي هو أعظم مجداً من البيت الأول، ثم يقول :( في هذا المكان أعطي السلام )، وقد استخدمت الترجمة العبرية لفظة (شالوم)، والتي من الممكن أن تعني الإسلام، فالسلام والإسلام مشتقان من لفظة واحدة.
وقوله :( في هذا المكان أعطي السلام )، قد تتحدث عن عقد الأمان الذي عم تلك الأرض والذي أعطاه عمر بن الخطاب لأهل القدس عندما فتحها، فتكون النبوءة عن إعطاء السلام، ولم تنسبه إلى المشتهى، ذلك أن الأمر تم بعد وفاته في أتباعه وأصحابه.
ولا ريب أن النبوءة لا تتحدث عن المسيح، إذ لا تقارب بين ألفاظ النبوءة واسمه، أو بين معانيه وما عهد عنه، إذ لم يستتب الأمن في القدس حال بعثته، بل بشر اليهود بخراب هيكلهم بعد حين، كما كان رسولاً إلى بني إسرائيل فحسب، وليس لكل الأمم، والقادم هو مشتهى الأمم جميعاً، وليس خاصاً ببيت يعقوب كما جاء في وصف المسيح مراراً.
بشارة زكريا
قال ملاخي: وأنت يا زكريا .. هل ظفرت بأي نبوءة تبشر بمحمد؟
قال: أجل .. لقد شدني في سفر زكريا هذا النص :( ويكون فى ذلك اليوم، يقول رب الجنود : أنى أقطع أسمـاء الأصنام من الأرض فلا تذكر بعد. وأزيل الأنبـياء أيضاً و الروح النجس من الأرض، ويكون إذا تنبأ أحد بعد، أن أباه وأمه والديه يقولان له: لا تعيش لأنك تكلمت بالكذب باسم الرب، فيطعنه أبوه وأمه والداه عندما يتنبأ )(زكريا: 13 : 2-3 )
قالوا: أهذه النبوءة تتحدث عن محمد؟
قال: أجل .. ويمكنكم إدراكها بسهولة إذا علمتم أن محمدا دخل مكة يوم الفتح على راحلته، فطاف عليها، وحول البيت أصنام مشدودة بالرصاص، فجعل يشير بقضيب فى يده إلى الأصنام، ويقول :) جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً( (الاسراء: من الآية81)، فما أشار إلى صنم منها فى وجهه إلا وقع لقفاه، ولا أشار لقفاه إلا وقع لوجهه، حتى ما بقى منها صنم إلا وقع، كما صعد بلال إلى ظهر الكعبة، فكسر ما عليها من الأصنام وهو يقول : الله أكبر، الله أكبر.
إن النبوءة تتحدث عن هذا كله .. وتتحدث عن مدعين للنبوة قتلا هما الأسود العنسي، ومسيلمة الكذاب.
صمتوا، فقال: إن هناك نبوءة أخرى في سفر زكريا تقول :( هكذا قال رب الجنود قائلا: هوذا الرجل (الغصن) اسمه، ومن مكانه ينبت ويبنى هيكل الرب فهو يبنى هيكل الرب وهو يحمل الجلال ويجلس ويتسلط على كرسيه، ويكون كاهنا على كرسيه ) (زكريا 6/12-13)
إن هذه النبوءة تتحدث عن مشاركة محمد فى بناء الكعبة ونقل الأحجار إليها على كتفه بعد أن هدمها السيل، لقد بُنى بيت الله فى مكة منشأ ومنبت الرسول ، لقد كان كل مؤمن يحتمي به لأنه كان أشجع الناس ..
زيادة على هذا كله ، فقد ورد في الإصحاح الثامن ـ حسب النسخة العبرية ـ هذه البشارة الصريحة :( هكذا يقول رب الجنود: في تلك الأيام يجتمع عشرة رجال من كل لسانات الشعوب ويتمسكون بذيل رجل حميد، أعني أبو حيد، ويقولون: لنذهب معك، لأننا سمعنا أن الله معك )
لقد ذكر الشيخ زيادة الذي اختار طريق محمد هذه البشارة بلفظها العبري ثم ترجمها إلى اللغة العربية، وأطال الكلام حول هذه البشارة، واشتقاقات اسم حميد وأحمد، وبين أنه ظل سنين طويلة، وهو يقرأ هذه النبوة ويفهمها على وفق الترجمة اليهودية، حتى يسر الله له كتب أصول اللغة العبرية ـ وكانت شبه معدومة ـ فوقف من خلالها على حقيقة هذا اللفظ (يا أودي)، وأنه إذا ترجم إلى اللغة العربية صار (حميد)
أمس في 20:03 من طرف Admin
» كتاب: مطالع اليقين في مدح الإمام المبين للشيخ عبد الله البيضاوي
أمس في 20:02 من طرف Admin
» كتاب: الفتوحات القدسية في شرح قصيدة في حال السلوك عند الصوفية ـ الشيخ أبي بكر التباني
أمس في 19:42 من طرف Admin
» كتاب: الكلمات التي تتداولها الصوفية للشيخ الأكبر مع تعليق على بعض ألفاظه من تأويل شطح الكمل للشعراني
أمس في 19:39 من طرف Admin
» كتاب: قاموس العاشقين في أخبار السيد حسين برهان الدين ـ الشيخ عبد المنعم العاني
أمس في 19:37 من طرف Admin
» كتاب: نُسخة الأكوان في معرفة الإنسان ويليه رسائل أخرى ـ الشّيخ محيي الدين بن عربي
أمس في 19:34 من طرف Admin
» كتاب: كشف الواردات لطالب الكمالات للشيخ عبد الله السيماوي
أمس في 19:31 من طرف Admin
» كتاب: رسالة الساير الحائر الواجد إلى الساتر الواحد الماجد ( مجموع رسائل الشيخ نجم الدين الكبري )
أمس في 19:28 من طرف Admin
» كتاب: رسالة إلى الهائم الخائف من لومة اللائم ( مجموع رسائل الشيخ نجم الدين الكبري )
أمس في 19:26 من طرف Admin
» كتاب: التعرف إلى حقيقة التصوف للشيخين الجليلين أحمد العلاوي عبد الواحد ابن عاشر
أمس في 19:24 من طرف Admin
» كتاب: مجالس التذكير في تهذيب الروح و تربية الضمير للشيخ عدّة بن تونس
أمس في 19:21 من طرف Admin
» كتاب غنية المريد في شرح مسائل التوحيد للشيخ عبد الرحمن باش تارزي القسنطيني الجزائري
أمس في 19:19 من طرف Admin
» كتاب: القوانين للشيخ أبي المواهب جمال الدين الشاذلي ابن زغدان التونسي المصري
أمس في 19:17 من طرف Admin
» كتاب: مراتب الوجود المتعددة ـ الشيخ عبد الواحد يحيى
أمس في 19:14 من طرف Admin
» كتاب: جامع الأصول في الأولياء و دليل السالكين إلى الله تعالى ـ للسيد أحمد النّقشبندي الخالدي
أمس في 19:12 من طرف Admin