..الإحسان حياة.

مرحبا بك أيّها الزّائر الكريم.

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

..الإحسان حياة.

مرحبا بك أيّها الزّائر الكريم.

..الإحسان حياة.

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
..الإحسان حياة.

..الإحسان معاملة ربّانيّة بأخلاق محمّديّة، عنوانها:النّور والرّحمة والهدى

المواضيع الأخيرة

» كتاب أخبار وحكايات لأبي الحسن محمد بن الفيض الغساني
كتاب: أنبياء يبشرون بمحمد صلى الله عليه وسلم ـ نور الدين بولحية ـ المقدمة Emptyاليوم في 17:11 من طرف Admin

» كتاب التواضع والخمول تصنيف ابن أبي الدنيا
كتاب: أنبياء يبشرون بمحمد صلى الله عليه وسلم ـ نور الدين بولحية ـ المقدمة Emptyاليوم في 17:02 من طرف Admin

» كتاب: في رياض السيرة النبوية العهد المكي – د.أحمد عمر هاشم ـ ج1
كتاب: أنبياء يبشرون بمحمد صلى الله عليه وسلم ـ نور الدين بولحية ـ المقدمة Emptyاليوم في 16:27 من طرف Admin

» كتاب في رياض السيرة النبوية (العهد المدني) لأحمد عمر هاشم ـ ج2
كتاب: أنبياء يبشرون بمحمد صلى الله عليه وسلم ـ نور الدين بولحية ـ المقدمة Emptyاليوم في 15:41 من طرف Admin

» كتاب: القصص في الحديث النبوي ـ لمحمد الزير موقع مكتبة
كتاب: أنبياء يبشرون بمحمد صلى الله عليه وسلم ـ نور الدين بولحية ـ المقدمة Emptyاليوم في 15:03 من طرف Admin

» كتاب: الكلام على قوله تعالى {إنما يخشى الله من عباده العلماء} ـ ابن رجب الحنبلي
كتاب: أنبياء يبشرون بمحمد صلى الله عليه وسلم ـ نور الدين بولحية ـ المقدمة Emptyاليوم في 14:58 من طرف Admin

» كتاب: نهاية العالم في الكتاب المقدس - دراسة مقارنة مع القرآن الكريم ـ نور فائزة بنت عثمان
كتاب: أنبياء يبشرون بمحمد صلى الله عليه وسلم ـ نور الدين بولحية ـ المقدمة Empty20/11/2024, 22:49 من طرف Admin

» كتاب مواعظ الإمام زين العابدين ـ صالح أحمد الشامي
كتاب: أنبياء يبشرون بمحمد صلى الله عليه وسلم ـ نور الدين بولحية ـ المقدمة Empty18/11/2024, 23:30 من طرف Admin

» كتاب إتحاف النفوس بنفحات القدوس ـ عبد القدوس بن أسامة السامرائي
كتاب: أنبياء يبشرون بمحمد صلى الله عليه وسلم ـ نور الدين بولحية ـ المقدمة Empty18/11/2024, 23:25 من طرف Admin

» كتاب الإعلام بفضل الصلاة على النبي والسلام ـ محمد بن عبد الرحمن بن علي النميري
كتاب: أنبياء يبشرون بمحمد صلى الله عليه وسلم ـ نور الدين بولحية ـ المقدمة Empty18/11/2024, 23:20 من طرف Admin

» كتاب الغيب ـ محمد متولي الشعراوي
كتاب: أنبياء يبشرون بمحمد صلى الله عليه وسلم ـ نور الدين بولحية ـ المقدمة Empty18/11/2024, 23:08 من طرف Admin

» كتاب الشيطان والإنسان ـ محمد متولي الشعراوي
كتاب: أنبياء يبشرون بمحمد صلى الله عليه وسلم ـ نور الدين بولحية ـ المقدمة Empty18/11/2024, 23:03 من طرف Admin

» كتاب الشعراوي هنا رأيت سيدنا إبراهيم ـ سعيد أبو العنين
كتاب: أنبياء يبشرون بمحمد صلى الله عليه وسلم ـ نور الدين بولحية ـ المقدمة Empty18/11/2024, 23:01 من طرف Admin

» كتاب الخير والشر ـ محمد متولي الشعراوي
كتاب: أنبياء يبشرون بمحمد صلى الله عليه وسلم ـ نور الدين بولحية ـ المقدمة Empty18/11/2024, 22:57 من طرف Admin

» كتاب التربية في مدرسة النبوة ـ محمد متولي الشعراوي
كتاب: أنبياء يبشرون بمحمد صلى الله عليه وسلم ـ نور الدين بولحية ـ المقدمة Empty18/11/2024, 22:55 من طرف Admin

أفضل 10 أعضاء في هذا الشهر

دخول

لقد نسيت كلمة السر


    كتاب: أنبياء يبشرون بمحمد صلى الله عليه وسلم ـ نور الدين بولحية ـ المقدمة

    avatar
    Admin
    Admin


    المساهمات : 68544
    تاريخ التسجيل : 25/04/2018

    كتاب: أنبياء يبشرون بمحمد صلى الله عليه وسلم ـ نور الدين بولحية ـ المقدمة Empty كتاب: أنبياء يبشرون بمحمد صلى الله عليه وسلم ـ نور الدين بولحية ـ المقدمة

    مُساهمة من طرف Admin 1/6/2021, 11:04

    من القرآن الكريم

    قال تعالى:

    وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ (آل عمران:81)

    الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (البقرة:146)

    وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلاً قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ (الرعد:43)

    الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْأِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (لأعراف:157)

    رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (البقرة:129)

    وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرائيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ (الصف:6)

    وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ (البقرة:89)

    فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَأُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ لَقَدْ جَاءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (يونس:94)

    من الكتاب المقدس

    ( ثم دعا يعقوب بنيه، وقال اجتمعوا أبارك فيكم، وأخبركم بما ينالكم في آخر هذه الأيام، اجتمعوا واسمعوا ذلك يا بني يعقوب، واقبلوا من إسرائيل أبيكم .. لا يزول القضيب من يهوذا، والرسم من تحت أمره ، إلى أن يجئ شيلوه، وإليه تجتمع الشعوب) (سفر التكوين:49/10)

    (قال لي الرب: قد أحسنوا في ما تكلموا، أقيم لهم نبياً من وسط إخوتهم مثلك، وأجعل كلامي في فمه، فيكلمهم بكل ما أوصيه به، ويكون أن الإنسان الذي لا يسمع لكلامي الذي يتكلم به باسمي أنا أطالبه، وأما النبي الذي يطغى فيتكلم باسمي كلاماً لم أوصه أن يتكلم به، أو الذي يتكلم باسم آلهة أخرى، فيموت ذلك النبي. وإن قلت في قلبك: كيف نعرف الكلام الذي لم يتكلم به الرب؟ فما تكلم به النبي باسم الرب ولم يحدث ولم يصِر، فهو الكلام الذي لم يتكلم به الرب، بل بطغيان تكلم به النبي، فلا تخف منه) (التثنية 18 / 17 - 22)

    (هذه البركة التي بارك بها موسى رجل الله بني إسرائيل قبل موته، فقال: جاء الرب من سيناء، وأشرق لهم من سعير، وتلألأ من جبل فاران، وأتى من ربوات القدس، وعن يمينه نار شريعة، فأحب الشعب، جميع قديسيه في يدك، وهم جالسون عند قدمك، يتقبلون من أقوالك) (التثنية 33/1-3)

    (الحجر الذي رفضه البناؤون قد صار رأس الزاوية، من قبل الرب كان هذا، وهو عجيب في أعيننا) (المزمور 118/22 ـ 23)

    (قبلما صورتك في البطن عرفتك، وقبلما خرجت من الرحم قدستك، جعلتك نبيا للشعوب) (إرميا: 1/5)

    (أحمد تلقى الشريعة من ربه، وهي مملوءة بالحكمة، وقد قبست من النور كما يقبس من الشمس) (السامافيدا: 6-7)

    إهداء واعتذار

    لم أتعود في هذه الرسائل وغيرها أن أهديها لأحد من الناس .. لأنها ليست ملكا لي.. ولا يحق لأحد أن يهدي ما لا يملك .. ولكن هذه المجموعة خصوصا تتطلب إهداء خاصا لنفر من الناس، لا مناص لنا من التوجه إليهم بهذا الإهداء:

    أولهم البابا .. وكل من يحمل كتابا مقدسا، أو صليبا ليحمي به حمى المسيح.

    ثم أولئك الرسامون الذين هدتهم موهبتهم إلى الإشتغال بتشويه جمال الشمس، وحجب أشعتها.

    ثم كل من يحمل قلما أو فرشاة أو بوقا ليشتغل بسب الشمس، والسخرية من أشعتها.

    نتوجه إليهم جميعا بهذه الأشعة من شمس محمد r.. ليتأملوها .. ويعيشوا معانيها .. ويستنيروا بنورها..

    ونحن لا نطلب منهم أن يتركوا شموسهم إلى هذه الشمس .. ولكنا نلح عليهم في أن لا يشوهوا جمال هذه الشمس.

    أما الاعتذار .. فنتوجه به إلى نفس هؤلاء الناس الذين كبر عليهم أن يعتذروا لرسول الله .. نحن نبادر فنعتذر إليهم .. ونقول لهم: أنتم لم تسيئوا إلى رسول الله .. ولكنكم أسأتم إلى الصورة التي رسمناها، أو رسمها بعضنا لرسول الله.. فلذلك نتوجه إليكم بطلب بسيط نرجوا أن يلقى منكم القبول.

    نطلب منكم أن تعرفوا محمدا، وتدرسوه بكل موضوعية وحياد .. ونحن واثقون من أنكم ستهتدون إلى أشعة كثيرة تحجب تلك الظلمات التي أوقعناكم فيها بتشويهنا لصورة الشمس التي نستنير بنورها، وننعم بدفئها.

    الزيارة الأولى

    فتحت الباب، فأشرقت شمسان عظيمتان، أما إحداهما فملأت جوانب غرفتي بالنور المضيئ الهادئ الجميل .. وأما الثانية، فملأت جوانب نفسي بالسلام والطمأنينة والسعادة.

    سألت الثانية: من أنت أيتها الشمس التي تنكسف لمرآها الشموس؟

    أجابني بكلام يشع كما تشع الأنوار: أنا لست شمسا .. ولكني رجل بحث عن الشمس، وأحبها، فلما ظفر ببعض شعاعها كسته ما توهمته شمسا.

    قلت: فأي شمس هذه التي وهبتك من إشعاعها ما أحالك شمسا، أو قريبا من الشمس؟

    قال: إنها شمس محمد .. وأنا لم أظفر إلا ببعض أشعتها.

    قلت: أي محمد هذا الذي كان شمسا؟

    قال: أهناك محمد غير رسول الله؟ .. ألم يصفه الله، فقال Smile وَدَاعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُنِيراً( (الأحزاب:46)؟

    قلت: أجل .. ولكن لم خصك بهذه الأشعة دون غيرك؟

    قال: لا .. إنه لم يخصني .. كل من يريد أن يظفر بأشعة شمسه نالها .. ألا ترى الشمس التي تسقي بأشعتها الحقول والمزارع والجبال!؟

    قلت: وكيف لا أراها .. بل هي تسقي بأشعتها البحار والمحيطات .. بل هي تمتد إلى الأفلاك التي تحيط بها ، فتملؤها بالدفء والحنان..

    قال: فمن تبخل عليه الشمس بأشعتها؟

    قلت: الشمس لا تبخل .. ولا تستطيع أن تبخل إذا أرادت .. فأي صبي يمكنه أن يتحداها أن تحجب أشعتها عنه؟

    قال: وهكذا محمد .. لم يكن بخيلا .. بل ظل شمسا تمد الخلق بالنور والدفء والحياة والجمال.

    قلت: ولكن هناك من يحتجب عن شمس محمد.

    قال: هو الذي يحتجب .. أما شمس محمد فهي ممتدة لا يتحداها شيء، ولا يمتنع منها شيء.

    قلت: أنت لا تعلم .. نحن الآن في عصر لا يتقن شيئا كما يتقن فن وضع الحجب على الشمس.. ولا يكتفي بذلك .. فهو يسب الشمس ويلعنها ويرسم الرسوم الساخرة ليضحك من وجهها الجميل.

    قال: ولكن الشمس مع ذلك لا تبالي بعبث العابثين، ولا سخرية الساخرين، فأشعتها الجميلة تظل مرسلة لتقول لهم بحنان: نعم أنتم استهزأتم بي، وسخرتم مني، ولكني مع ذلك أدعوكم لأن تحتموا من البرد الذي تعانيه أرواحكم، والظلمة التي تركد فيها حياتكم.

    قلت: إن الأمر لا يتوقف عند هؤلاء الصغار .. لقد امتد الأمر إلى البابا .. بابا الفاتيكان .. ألا تعرفه؟ .. ذلك الذي يحمل الصليب ويطوف به العالم .. لقد مد يده إلى الأيادي الآثمة، وراح يشجعها على وقاحتها .. بل راح ينافسهم في السباب والسخرية.

    قال: والشمس لن تنحجب عن البابا كما لن تنحجب عن غيره .. أليس البابا خلق من خلق الله!؟ .. أليس الله هو الرحمن الرحيم الذي جعل شمس محمد رحمة للعالمين!؟

    قلت: بلى .. فقد قال الله تعالىSmile وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ( (الانبياء:107)

    قال: فشمس محمد تشرق على البابا، كما تشرق على غيره.

    قلت: ولكنه ملأ قلوبنا أحقادا وضغائن، فكيف تقول هذا؟

    قال: ألم يكن هناك أعداء كثيرون لمحمد رموه بما رماه به البابا، وبما لم يرمه به؟

    قلت: بلى .. هم كثيرون .. فمن قومه من رماه بالجنون والسحر .. ومنهم من رمى القمامات على جسده الشريف .. ومنهم من مد يده الآثمة ليقتله.

    قال: أليس من هؤلاء من نالته أشعة محمد، فنعم بدفئها وحنانها؟

    قلت: أجل .. كثيرون هم .. يبدأون بسبه، وينتهون بحبه.

    قال: فلم لا يكون البابا مثل هؤلاء .. يكون سبهم مقدمة لحبهم .. ويكون شكهم مقدمة لإيمانهم .. بل لإيمان الملايين الذين يدخلون في دين الله أفواجا؟

    قلت: أجل .. ولكن البابا مختلف .. إنه مختلف تماما .. هو يمثل دينا من الأديان يتربع على مساحة هائلة من الأرض .. وهو يظفر لذلك من التقدير والمحبة والجاه ما لا يظفر به جميع ملوك الدينا .. وهو .. ؟

    قاطعني قائلا: وهل يمنع كل ذلك من فضل الله أن يمتد إليه كما امتد لغيره.. ألم يمتد فضل الله إلى السحرة الذين دخلوا بأمنية واحدة هي أن يهزموا موسى.. ولكنهم خرجوا، وقد نالتهم أشعة موسى التي أطفأت الظلمات التي تقبع فيها أرواحهم؟

    قلت: صحيح هذا .. وقد ذكره القرآن الكريم، وكرر ذكره.

    قال: لم يكرر ذكره إلا لتعتبروا .. فكما أن السحرة يمكن أن يؤمنوا، فغيرهم ممن هو دونهم أو فوقهم يمكن أن يؤمن .. فلا تحجبوا أحدا عن شمس الله التي تمتد إلى الآفاق.

    قلت: صدقت في هذا ..

    قال: فأخبر قومك أن الله التواب الهادي النور الرحيم لا تنحجب شمس نوره ورحمته وهدايته وتوبته عن الكل .. ولو أنك تصورت أن أحدا من الخلق أعظم من أن يناله الله بنوره ورحمته وهدايته وتوبته، فقد اتهمت الله وعظمت المخلوق.

    قلت: أجل .. وكل قومي يؤمنون بهذا، ولا يحتاجون مني أن أذكرهم.

    قال: هم يذكرون ذلك، ولكنهم يغفلون عنه.

    قلت: ما تقصد بغفلتهم؟

    قال: أراهم يسلمون للقضايا، وينكرون مستلزماتها، بل ويشاحنون فيها.

    قلت: ما تقصد؟

    قال: ما كنا نتحدث عنه .. أرأيت لو أنك دعوت قومك إلى استعمال أسلوب آخر مع هؤلاء الجاحدين الذين واجهوا رسول الله بالمحاربة؟

    قلت: وما هو هذا الأسلوب؟

    قال: أن ترسلوا مثلا لمن رسم الرسوم الساخرة لرسول الله r رسالة هادئة مضمخة بمسك طيب تقولون له فيها: نحن نعذرك يا أخي .. فقد وصلتك أنباء كاذبة عن الشمس التي نستدفئ بأشعتها .. فلذلك أنت لم تتصرف من منابع الحقد، وإنما تصرفت من منابع الجهل والشبهة، فلذلك ندعوك لأن ترى نبينا، وتتعرض لأشعته، لترى الحقيقة من منابعها .. تصرف كما تصرف السحرة الذين ألقوا حبالهم، فالتقمتها عصا موسى.

    ولا تكتفوا بذلك، بل أرسلوا إليهم بدموعكم تعتذورن إليهم بها.

    قلت: ما تقول؟ .. هم الذين يعتذرون، أم نحن الذين نعتذر؟

    قال: لولا تشويهكم صورة نبيكم، وتشويهكم دفء الأشعة التي يرسلها ما وقع الساخرون فيما وقعوا فيه .. لذلك كنتم أنتم سبب حجابهم .. وكنتم أنتم سبب سخريتهم .. ولذلك كنتم أنتم سبب ما وقعوا فيه من الإثم .. والخلق الذي علمكم إياه رسولكم يدعوكم إلى الاعتذار لهم.

    قلت: فما نقول لهم في اعتذارنا .. أو ما عساها دموعها أن تقول لهم!؟

    قال: ألم يقص عليكم ربكم قصة امرأة العزيز؟

    قلت: بلى .. فأي حاليها تريد؟

    قال: عندما طلب منها الملك أن تدلي بشهادتها حول يوسف u .. ماذا قالت؟

    قلت: لقد قالت ـ كما ذكر القرآن الكريم ـ Smile الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ( (يوسف:51 ـ 52)

    قال: فهل كان في كلامها براءة يوسف u مما اتهموه به؟

    قلت: أجل .. ولذلك لم يرض يوسف u أن يخرج قبل أن تثبت براءته.

    قال: لم ؟

    قلت: حتى لا يتعرض لأي سخرية أو استهزاء.

    قال: فقد كانت امرأة العزيز التي خانته هي التي أثبتت براءته؟

    قلت: أجل ..

    قال: بنسبة الخيانة إليها لا إليه.

    قلت: ذلك واضح، وقد صرحت به الآية.

    قال: فكذلك فافعلوا .. ولا تكونوا أقل شهامة من امرأة العزيز .. اخرجوا للعالم .. وقولوا بأعلى صوتكم: اعذرونا يامن تسكنون هذا العالم .. لقد خنا نبينا .. لم نستطع أن نعطي صورة حسنة عنه .. ولم نف بالعهود التي عهد إلينا بها .. فلذلك لكم أن تسبونا نحن .. ولكم أن تسخروا منا نحن .. أما نبينا فهو الطهر والصفاء والصدق والإخلاص .. ولا يحق لكم أن تسبوا هذه المعاني السامية.

    قلت: أنرسل بمثل هذا الكلام لهؤلاء الساخرين؟

    قال: أذيعوه على العالم أجمع حتى لا تكونوا حجبا بينهم وبين أشعة محمد r.

    قلت: وهل ترى ذلك مجديا؟

    قال: لا يضرك أن يجدي ذلك أو لا يجدي، فالهداية بيد الله، لا بيدك ولا بيد غيرك .. والله هو الديان .. فلا تزاحموا الله دينونته لعباده.

    قلت: ولكن قلوبنا الفائضة بحب رسول الله .. كيف ترضى أن يدنس أو يسب؟

    قال: رسول الله أرفع من أن يسب أو يدنس .. هو كالشمس .. تراها، وتستفيد منها، ولا تعيش من دونها .. ولكنك مع ذلك لا تحلم بأن تصل إليها، فأشعتها ونورها أعظم من أن تصل إليه الأوهام والأحلام.

    قلت: أجل .. ولكن الحرارة التي تتقد في قلوبنا تمنعنا من ممارسة ما دعوتني إليه من أساليب؟

    قال: أليس المحب مطيعا لحبيبه؟

    قلت: أجل .. فلا حب لعاص .. وقد قال تعالىSmile قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ( (آل عمران:31)

    قال: فقد مارس رسول الله r هذا الأسلوب مع الذين رموه بما رموه به من صنوف السخرية والاستهزاء .. ألم يرد في السيرة الإخبار عن إسلامهم بعد ضلالهم، وحبهم لنبيهم بعد بغضهم له؟

    قلت: صحيح هذا .. والسيرة تمتلئ بأخباره.

    قال: ليست السيرة التي تدرسونها فقط .. بل الحياة جميعا .. فمحال على العقل والقلب والروح التي تتعرض لأشعة محمد r أن ترغب عنها .. إنها أشعة تأسر الكيان كله.

    قال ذلك بلهجة ممتلئة أشواقا .. نظرت إليه، وهو واقف أمام باب داري، فاستحييت، وقلت معتذرا: اعذرني .. لقد انشغلنا بالحديث عن رسول الله r عن واجب إكرامي لك.

    قال: ألا تسألني عني؟

    قلت: لاشك أنك ولي من أولياء الله ..

    قال: كل من تعرض لشمس محمد r نال من ولاية الله وتقريبه ما لم يكن يحلم به.

    قلت: فمن أنت منهم؟

    قال: البابا ..

    قلت: أي بابا؟ … وما بابا؟

    قال: بابا الفاتيكان.

    قلت: أتسخر مني يا ولي الله؟

    قال: معاذ الله أن أسخر من أحد بعد سخريتي من رسول الله r.. فقد جعلت وفاء توبتي بيني وبين ربي أن لا أسخر من أحد من خلقه.

    كدت أسقط، وأنا أستمع لكلامه، قلت: أحقا ما تقول؟ .. أأنت البابا؟ .. بابا الفاتيكان .. الذين يقولون عنه ( قداسة البابا )

    قال: لقد كانت هذه القداسة التي ينسبونها لي هي الحجاب الأعظم الذي حال بيني وبين نور محمد .. ولكني تخلصت منها .. وقد أعطاني الله أشرف وسام بعد تخلصي منها .. لقد أعطاني وسام العبودية .. فأنا الآن عبد الله .. لقد طرحت بطرحي لتلك القداسة جميع الحجب التي كانت تحول بيني وبين الله .. وبيني وبين الكون .. وبيني وبين محمد.

    قلت: لا أكاد أصدق ما أسمع ..

    قال: من عرف الله، وعرف قدر الله، وعرف فضل الله لم يتعجب من شيء..

    قلت: ولكن من كان يصدق أن يسلم البابا .. ذلك الذي أقيمت المظاهرات العريضة تندد به، وتحرق صوره ..

    قال: دعهم يحرقوا صوره .. فهم يحرقون الكبرياء التي كانت تحول بينه وبين أشعة محمد .. لقد قمت بإحراق صوري .. وإحراق ثيابي .. وإحراق كل ذلك الجاه العريض الذي كان يحول بيني وبين منابع النور والهداية والحقيقة.

    قلت: ولكني لا أزال أرى البابا يحمل صليبه، ويرتدي طيلسانه .. كيف هذا.. هل أنت شقان .. شق معي .. وشق في الفاتيكان يحكم رعيته التي تمتد في الأقاليم السبعة.

    قال: لا .. البابا واحد .. وهو الذي يقف أمامك.

    قلت: والآخر .. الذي تنقل لنا وسائل الإعلام صوره.

    قال: تلك قصة طويلة .. ولن تعرف آخرها حتى تسمع أولها.

    قلت: فهل ستقصها لي؟

    قال: أجل .. لقد أمرت بقصها عليك ليسمعها العالم .. لعله يتعرض لأشعة محمد التي تعرض لها البابا .. فيعود إلى الله كما عاد البابا.

    قلت: ولكن العالم سينكر هذه القصة .. وسيضحك علي.

    قال: لا ينبغي لمن تعرض لأشعة محمد أن يحجبه شيء .. لقد حجبتني الكراسي التي كنت أجلس عليها .. وحجبتني النياشين التي قلدوني إياها .. ولكني الآن حر .. لا يقيدني شيء.

    قلت: فمن أمرك بقصها علي؟

    قال: من جعله الله سببا لهدايتي.

    قلت: فهو يعرفني إذن!؟

    قال: لا شك في ذلك.

    قلت: فمن هو؟

    قال: أنا نفسي لا أعرفه .. لقد كان كالنور الذي نرى به، ولكنا لا نراه.. وإذا أردنا أن نلمسه لم نلمس إلا الهباء.

    قلت: زدتني حيرة.

    قال: لا حيرة لمن عرفه ..

    قلت: فصفه لي.

    قال: لا يمكن أن أصفه بأكثر مما كان يصف نفسه.

    قلت: فبم يصفها؟

    قال: بالنقطة التي تحت الباء[1].

    قلت: عرفته .. إنه معلمي .. معلم السلام .. ما أعظم شوقي إليه .. كيف تركته؟

    قال: هو يأمرك بأن تحمل قلمك وقراطيسك، وتكتب كل ما أمليه عليك من قصتي.

    قلت: سمعا وطاعة لمعلمي .. فهلم معي إلى محل صالح نجلس فيه، لتحدثني عنك .. وتحدثني عن الأشعة التي تعرضت لها.

    لست أدري … هل كانت هذه القصة التي حدثني حديثها البابا حلما جميلا رأيته وتلذذت برؤيته … أم هي حلم من أحلام اليقظة أفرزته حالة الحزن التي عشتتها بعد ما سمعت تصريحات البابا … أم هي قصة واقعية حدثت لي، لم تفطن لها وسائل الإعلام لتنشرها … أم هي قصة واقعية لم تحدث بعد، ولكنها ستحدث بعد حين؟

    ولا يهمني أي واحد من هؤلاء كان … ولكني أعلم أن البابا وغير البابا لو مر بتجربة هذا البابا الذي جاءني وحدثني، فسينال من أشعة محمد r ما شمل العالمين.

    وأنا من منطق الأشعة التي نلتها بفضل الله من شمس محمد r لا أحب للبابا، ولا لرسامي الرسوم الساخرة، ولا لمن يبدعون الفنون في سب محمد r ، ويقيمون المسابقات المغرية لأجل ذلك، إلا أن يتعرضوا لأشعة شمسه r .. وسيكتفون بالتعرض لها عن كل جواب أو جدل.

    ومن هذا المنطق أخاطب إخواني الذين امتلأت قلوبهم غيرة على رسول الله لأقول لهم: لكم أن تغيروا على رسول الله .. ولكم أن تفعلوا كل ما تنتجه هذه الغيرة من نتاج .. ولكن لا تفعلوا شيئا واحدا .. لا لأنه يؤذي هؤلاء الساخرين، ولكن لأنه يؤذي رسول الله .. لا تقفوا حجابا بين شمس رسول الله وبين هؤلاء الناس .. فرسول الله ليس رحمة خاصة بكم .. ولكنه رحمة للعالمين.



    الرحلة الأولى

    اتخذنا مجلسا صالحا في البيت .. وراح البابا يغوص في حديثه، قال:

    كل قصتي تتلخص في ثلاثة نفر: أنا ورجلان.

    أما أنا .. فرجل ولد في حضارة تمتلئ بكل المغريات .. فعزف عنها وولى وجهه نحو قبلة العقل والروح والكمال.. فلذلك لم أهتم بما يهتم به أترابي من مغريات تحول بينهم وبين البحث عن الحقائق.

    ومع ذلك .. فقد كان لي عقل حرون لا يكاد يسلم لشيء .. فهو يجادل ويناقش ويبحث .. لا يكل في ذلك، ولا يمل .. ثم لا يقتنع إلا بعد أن يرده اليقين الذي لا يشك فيه .. والحق الذي لا يمازجه أي باطل.

    البعض يشبهني بالعقل المجرد .. ولكني لا أرى نفسي كذلك .. فمع أني إنسان عقلاني بطبعي إلا أن البيئة الدينية والدنيوية التي عشتها جعلت عقلي معقولا عن التسليم .. وهذا ما جعلني أتأخر مع التسليم للحق .. مع توفر كل دواعي التسليم له.

    هذا هو أنا .. وهذا سر تعرضي لتلك الأشعة الكثيرة من شمس محمد .. فقد كان لي من الكثافة ما يتطلب أشعة كثيرة تخرق ذلك الجدار الصلب الذي يجثم على قلبي وروحي.

    هذا هو أنا ..

    أما الرجل الأول، فقد كان أخي التوأم، ولا يعرفه أحد من الناس إلا خاصة خاصتي، وقد كان له من الشبه بي ما يجعلني أشك في نفسي، بل أحيانا أشعر أني لست غيره، فقد كانت خواطرنا تتوارد في المواضيع الواحدة .. ولكن أخي هذا مع ما أكنه له من احترام كان هو الحجاب الأعظم الذي حاول كل جهده أن يمنع سريان أشعة شمس محمد للوصول إلى نفسي وقلبي وعقلي وروحي ..

    أما الرجل الثاني، فهو صاحبك الذي حدثتك عنه، وقد كان يأتيني، فلا أعلم من أين جاء، ويذهب، ولا أعلم أين انصرف .. وفد كان هو النور الذي دلني على أشعة محمد .. ولم أكن أتحرك إلا بهدايته ودلالته.

    هؤلاء هم الذين قامت عليهم حياتي، وهؤلاء هم الذين تدور عليهم رحلاتي التي رحلتها للوصول إلى أشعة محمد.

    قلت: عرفت أبطال قصتك .. فمن أين مبدؤها؟

    قال: من رؤيا رأيتها .. فأحيانا تتلخص حياة الإنسان في رؤيا.

    قلت: صدقت، وقد ذكر الله عن يوسف u أن حياته لخصت في رؤياه التي قصها الله تعالى علينا، فقال Smile إِذْ قَالَ يُوسُفُ لَأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ( (يوسف:4)

    قال: هذه رؤيا يوسف u .. أما رؤياي التي انطلقت منها رحلتي، فهي أني رأيت العذارء .. وهي في جمال الشمس، وأنوار القمر، وحلاوة الربيع ..

    قلت: بورك لك هذه الرؤيا .. فنعم من رأيت.

    قال: رأيتها تنظر إلي بنوع من الشفقة والرحمة، وقد كنت حينها أكابد من البرد والظلمة والألم ما لا يتحمله البشر .. صحت فيها مستغيثا: يا مريم المقدسة.. دليني على أشعة الشمس التي تطفئ ظلمتي، وتذهب هذا الزمهرير الذي تكتوي به أعضائي.

    فالتفتت إلي، وقالت: ابحث عن الشمس التي بشرت بها الأنبياء، وتحطمت أمام أشعتها الطواغيت .. ومن أفواهها سارت الكلمات المقدسة.

    ابحث عن الشمس التي فتحت لها خزائن العلوم، وخرقت لها أسوار الأقدار، وامتلأت القلوب حبا لها، وشوقا إليها.

    ابحث عن الشمس التي هي رحمة وعدل وسلام.

    ابحث عن الشمس التي تبشرك بحقيقة الوجود وحقيقة الإنسان، وحقيقة الحياة[2].

    فلن ينقذك من بردك وظلمتك إلا هذه الشمس.

    قلت: من هي هذه الشمس أيتها القديسة المنورة بأنوار الحقائق؟

    قالت: سر .. واخلع نعليك[3] .. فسوف تجد من يدلك على الطريق .. فقد جعل الله لكل ضال هاديا .. ولكل جاهل معلما ..

    قلت: فعلميني أنت ..

    قالت: لكل معلمه الذي يتعلم منه ..

    ثم انصرفت .. وقد تركتني محتارا في رؤياي، لا أجد لها تأويلا .. ولا أجد من ألجأ إليه ليفسرها لي.

    في الصباح جاءني أخي التوأم الذي يشبهني وأشبهه، فقصصتها عليه، وسألته عن سرها، فسكت برهة، ثم قال: ليس هناك غير المسيح .. ولن يخلصك غير المسيح .. فلا تبحث عن أي أشعة .. فليس هناك غير شمسه.

    قلت: ولكنها ذكرت أشياء كثيرة .. أشياء كثيرة لا أراها تنطبق على المسيح الذي أعرفه.

    نظر إلي نظرة فيها بعض القسوة، وقال: لا تشتغل بالأحلام .. واشتغل بما يقربك من المسيح .. فمن اقترب من المسيح نال من أشعته ما يحميه من كل ظلمة، ويدفئه من كل برد.

    قلت: فكيف أقترب من المسيح؟

    قال: هو ذا الكتاب المقدس أمامك .. وهي ذي أسفار القديسين تمتلئ بها مكتبة بيتك .. وهي ذي الكنيسة تعج بالمصلين .. فالأجأ إليها، وتعلم من المسيح كيف تصل إلى الخلاص ..

    قلت: ولكني لا أجد في نفسي رغبة في ذلك .. فأنا عقلي بطبعي .. وليس لي من الميل للتدين ما يجعلني أغوص فيما تذكره لي.

    قال: لا تنحجب بعقلك .. وسر نحو المسيح ليعلم عقلك ماذا يقرأ، وكيف يقرأ.

    قلت: أأعزل عقلي؟

    قال: إن عزلك عقلك عن المسيح ، فاعزله، فلا خير في عقل يحول بينك وبين ملكوت الله.

    قلت: ولكن عقلي من خلق الله، وما طبع فيه من علوم من تعليم الله.

    قال: ولكن عقلك قد تعشش فيه الشياطين، وتنفخ فيه من الوساوس والأوهام ما يحول بينك وبين الخلاص.

    قلت: أترى من يعتمد على عقله لن يصل إلى الخلاص؟

    قال: من اعتمد على عقل يحجبه عن المسيح لن يصل إلى الخلاص .. فحقائق الإيمان أعظم من أن تسلم لها العقول، أو تصل لها العقول.

    قلت: أنا أوافقك في عدم وصول العقل لحقائق الإيمان .. ولكن التسليم لها يحتاج إلى العقل .. وإلا لجأنا إلى الخرافة.

    قال: أعظم خرافة هي الركون إلى العقل ..

    قال ذلك، ثم انصرف .. لست أدري هل اقتنعت بكلامه، أو لم أقتنع، ولكني وجدت نفسي أسير رغم عقلي لأقرأ كل ما سطر في مكتبة بيتنا الواسعة .. وكنت إذا ما اشتد علي شيء، أو أشكل علي أمر، ألجأ إلى رجال الكنيسة، فيفسرون لي ما أشكل علي .. وأقتنع بما يقولون، ولا أبالي بما يقول عقلي ..

    ظللت هكذا عشر سنوات .. وأنا لا همة لي إلا البحث في الأسفار، والتعمق في محاولة فهم أسرار المسيحية.

    لا أكتمك أني أحب المسيح .. ولكني لم أكن أشعر حوله بما يقتضيه الإيمان المسيحي .. لقد كان في عقلي من التمرد ما يجعلني في معاناة مستمرة.

    كنت أشعر أن الألوهية وما تقتضيه من صفات، وما تفعله من أفعال أعظم من أن تختصر فيما نعتقده نحن من إيمان .. كنت أنظر إلى الكون وامتداده ، فأراه أوسع من التصورات التي نحملها عنه، وعن الإله الذي يمسك به.

    لكني لم أكن أجسر على التصريح بهذا، بل لم أكن أجسر على التفكير به، وكنت أتعذب بذلك الضعف الذي يجعل روحي تتشتت شتاتا خطيرا .. فالمنطق الذي زعمت صلته بالإيمان كان منقطعا في نفسي انقطاعا لا يطمع معه في أي وصال.

    ذات يوم جاءني أخي مستبشرا، وهو يقول: إن البابا .. بابا الفاتيكان سيزور قريتنا.. وسنتشرف برؤياه، ولعلنا ننال من بركاته ما ننعم به إلى آخر الدهر.

    في تلك الأيام كانت قريتنا مزدانة بكل أنواع الزينة، بل كان الناس من القرى المجاورة، والمدن المجاورة، والدول المجاورة يحجزون غرفا لهم في قريتنا، مما نشط اقتصادها، وملأها بالحيوية والنشاط.

    في ذلك اليوم الموعود الذي ازدانت له السماء والأرض، دخل البابا قريتنا يتلك الهالة التي تحيط به من الوقار ..

    كان موكبا فخما اهتزت له القلوب .. وقد كانت التراتيل التي تتردد تملأ القلوب بأشواق عظيمة .. وكنت أرى الرجال الكبار الذي يملأون النفس مهابة صغارا بين يدي البابا، يتزاحمون على رؤيته، والمحظوظ منهم من نال من بركاته.

    في ذلك اليوم دخل بعد جديد حياتي ..

    لقد كنت طموحا .. وكان طموحي هو الذي حال بيني وبين التخصص في الدراسات الدينية .. ولكني اليوم رأيت ما فيه البابا من الجاه الذي لا ينعم به إلا من هو مثله ..

    لقد طمحت في ذلك اليوم أن أصير بابا .. ولذلك حولت مسار حياتي كلها ليسير نحو هذا الاتجاه .. وقد كان لهذا فضله على تنعمي بالتعرض لأشعة محمد .. وقد كان كذلك الحجاب الذي حال بيني وبينها.

    في ذلك المساء، سألت أخي: كيف يصير المرء بابا؟

    ضحك، وقال: وهل تريد أن تصير بابا؟

    قلت: لا أكتمك .. لقد كان للبابا من الاحترام ما يجعل الكل يحن لمنصبه.

    قال: أنت مثلي .. فالبابا هو أقرب الناس إلى المسيح .. إنه وريث بطرس .. وبطرس تلميذ المسيح .. ولذلك أحن لأن أصير بابا.

    كان أخي مخلصا في طلبه .. ولكني لم أكن أطلب إلا الجاه الذي ينالني من ذلك المقام الذي يتربع عليه البابا.

    قلت: فكيف أصل إلى أن أصير بابا؟

    قال: ذلك أمر صعب ..

    قلت: أهو مستحيل؟

    قال: لا .. الصعب ليس مستحيلا.

    قلت: فماذا أفعل؟

    قال: أولا .. لا بد أن تحوز من العلوم ما يجعلك أهلا لهذا المنصب.

    قلت: قد حزت الكثير منها.

    قال: لا زال الكثير في انتظارك ..

    قلت: هذا يسير .. فما غيره؟

    قال: أن تصير حواريا.

    قلت: كيف أصير حواريا .. وقد مضت السنون الطوال بيننا وبين المسيح؟

    قال: تسير في الأرض كما سار الحواريون .. وتقطع المفاوز والقفار تبشر بما بشر به الحواريون.

    قلت: أأتغرب عن أهلي؟

    قال: لن تثبت صدقك إلا بتغربك عن أهلك.

    قلت: هذا صعب .. ولكني أطيقه .. فماذا أيضا؟

    قال: أن تخدم الكنيسة .. فخدمتك الكنيسة تجعلك تترقى في مراتبها .. وهو ما يخول لك الوصول إلى الفاتيكان .. ومنه إلى كرسي البابوية.

    قلت: كيف أحصل على هذا؟

    قال: لا عليك .. هذا اتركه لي .. وسوف أرتقي بك في درجات الكنيسة ما يجعلك أهلا للوصول إلى ما تحلم به.

    قلت: البابا واحد .. فلماذا تسعى لي، ولا تسعى لنفسك.

    قال: أنا أنت .. إن وصلت أنت وصلت أنا .. والمجلس الذي تجلس فيه أنت أجلس فيه أنا .. وإذا مرضت أنت خلفتك أنا .. وإذا أفسدت أنت أصلحت أنا .. ألسنا توأمين لا يستطيع أحد مهما أوتي من قوة حدس أن يفرق بيننا.

    ضحكت، وقلت: هذا صحيح.

    كان ذلك اليوم محطة مهمة في حياتي .. لقد سرت مع أخي إلى الكنيسة، وهناك وظفت وظائف بسيطة فيها .. ثم تدرج بي الأمر، بعد أن لمسوا في الصدق والإخلاص إلى أن كلفوني بالسير لبعض البلاد العربية، بلاد الشام الجميلة.. لأنقذ أقلية من المسيحيين هناك تعرضت لزحف المسلمين.

    وقد تعلمت لأجل ذلك اللغة العربية، وأتقنتها، وتعلمت من فنون الحوار ما يجعلني أهلا لهذا الوظيفة.

    امتطيت الطائرة السائرة نحو تلك البلاد .. وفيها تم لقائي بالرجل الذي أرسلني إليك، والذي كان يظهر متى شاء، ويختفي متى شاء.

    جلست على كرسي في الطائرة، لا أزال أذكر ذلك، ولا أحسب أني أنساه، وقد ولد في نفسي عزم عظيم، وهمة لست أدري سرها.

    لقد ذكرت رؤياي لمريم ـ والتي لم تكن تغادر ذهني ـ وصممت على أن أبحث عن سرها، بعد أن سرت في طريق الدين الذي كانت نفسي وعقلي تنفر منه.

    وما استتمت هذه العزيمة في نفسي حتى التفت إلى الذي هو بجانبي، فإذا بي أجد صاحبك، مشرقا كالشمس، هادئا كصفحة الماء التي لم تعبث بصفائها التيارات.

    قال لي: وأخيرا .. صممت على البحث عن الأسرار التي ذكرتها لك مريم الصديقة.

    قلت: كيف عرفت ذلك؟.. لقد كان هذا الحلم بيني وبين نفسي، ولم أبح به إلا لأقرب الناس إلي، والذي يكاد يكون نفسي.

    قال: لا تسأل عن الكيف .. فالكيف عقال عقل العقول عن الوصول إلى الحقائق.

    قلت: فهل تراك تستطيع أن تفسر لي حلمي؟

    قال: أنا لست مفسر أحلام.

    قلت: فلم سألتني عنه إذن؟

    قال: لأدلك، فقد رأيتك خلعت نعليك، فسارعت إليك.

    قلت: لقد ذكرت لي العذراء هذا .. ولم أكن أفهم ما ترمي إليه.

    قال: لقد كانت تدعوك لتخلع كل ما تعلمه من علم ورثته، لتبحث عن الحقائق التي يعقلها العقل، لا التي يرثها.

    قلت: أتريد مني العذراء أن أصبح جاهلا؟

    قال: كل من تلقى العلم وراثة أو تقليدا، فهو جاهل، ولو اتشح بطيالسة العلماء.

    قلت: أراك تريد أن تزين لي ما لا يتزين أبدا.

    قال: أرأيت لو دعتك نفسك لأن تكتب شيئا، فهل تكتبه على صفحة بيضاء، أم تكتبه على صفحة ملأتها كتابة؟

    قلت: لا شك أني أبحث عن الصفحة البيضاء.

    قال: فكذلك عقلك وقلبك لن يفهم الحقائق والعلوم، ولن يذوقها إلا بعد أن يتطهر كما تتطهر الأوراق البيضاء.

    قلت: عرفت سر خلع النعلين، فما سر الأسرار التي دعتني العذراء إلى البحث عن صاحبها؟

    قال: تلك شمس عظيمة زين الله بها سماء الحقائق، لا تنال بأشعتها شيئا إلا حولته جوهرا من جواهر النور، وياقوتة من يواقيت الهداية.

    قلت: فمن هو؟

    قال: لقد ذكرت لك أن دوري هو الدلالة، لا التعريف.

    قلت: فما الفرق بينهما؟

    قال: الدلالة تدعوك إلى البحث والاجتهاد، فتتعرف على الحقيقة بعد أن تعاني الأمرين في الوصول إليها، أما التعريف، فهو تلقين لا يختلف عن التقليد.

    قلت: فلم لم تكن معرفا؟

    قال: من لم يعان في البحث عن الحقائق لم يقدرها قدرها، ولم يذقها .. وقد يؤديه الإلف إلى الغفلة عنها.

    قلت: صدقت .. وإني أرى الرجل الغني الذي كسب المال بجهده لا يكاد يفرط فيه مع كثرته، بينما أرى أولاده الذين جاءهم المال لقمة سائغة، لم يبذلوا فيه أي جهد، لا يكادون يمسكونه حتى يبذلوه من غير فائدة.

    قال: فقس العلم على المال، وقس الحقيقة على العلم.

    قلت: فما هي السبل التي أصل بها إلى تلك الأسرار؟

    قال: بالبحث والنظر والاستماع .. احرص على أن يكون سماعك أكثر من كلامك .. واحرص على أن يكون كلامك بحثا عن الحق .. لا جدلا يحول بينك وبين الحق.

    قلت: ومن أين لي أن أجد من أستمع له .. أتحسبني ذاهبا للجامعة لألاقي الأساتذة والطلبة؟

    أنا ذاهب إلى عامة .. هم أحد طعام يأكله، أو شراب يشربه، أو لباس يلبسه.

    قال: لن تصل إلى الحقائق حتى تسمع من العامة والخاصة .. ألا ترى عناية الله بعباده متجلية في الكائنات، بل في أبسط الكائنات؟

    قلت: أجل .. فعناية الله تمتد لكل شيء، وتمده بما يتطلبه وجوده من حياة

    قال: أترى هذه العناية التي وفرت لكل شيء حاجاته تغفل عن أي إنسان؟

    قلت: كلا .. لقد أرسل الله ابنه الوحيد لينقذ العالم .. وهو أكبر رمز لعناية الله بعباده.

    رأيته وقد اشتد عليه ما سمعه، لكنه حاول أن يستر ذلك، ثم قال: من أراد أن يعرف الحقيقة، فعليه أن يتخلص من كل حجاب يحول بينه وبينها.

    قلت: وما هي هذه الحجب؟

    قال: الهوى، وطموح النفس، ونوم العقل.

    قلت: أينام العقل؟

    قال: النائم قد يستيقظ .. والخوف من موت العقل لا من نومه.

    قلت: ولكن العقل قد يعقلنا عن المسيح.

    قال: وقد يقربنا منه ..

    قلت: يستحيل هذا .. فالعقل أضيق من أن يعرف أسرار المسيح.

    قال: وأسرار المسيح أعظم من أن نفهمها بعقول نائمة أو ميتة .. إننا نصير حينها كالمجانين.

    قلت: أنت تخالف ما لقنته من علوم .. فمن أنت؟ .. لكأني بي أعرفك.. وكأني بي لا أعرفك.

    قال: من بحث فيما لا يعنيه، أوشغل عقله بما لا يغنيه، شغله الفضول عن الأصول، أوقطعه الفضول عن الوصول.

    قلت: عن أي أصول .. وعن أي وصول؟

    قال: الوصول إليه .. وأصول التعرف عليه.

    قلت: على أي عائد تعود الهاء، فإني لم أرك تذكر قبلها شيئا.

    قال: الهاء لا تعود إلا إليه .. فكل شيء يشير إليه.

    قلت: دعني من كل هذا، فإني لا أكاد أفهم عنك شيئا، وأخبرني من أنت، وما ترمي من حديثك إلي؟

    قال: أما السؤال الأول، فلن تطيق الجواب عنه، ومن الحماقة أن أحدثك فيما لا تعقل.

    وأما الثاني، فلن تعرفه سره الآن, ولكنك ستعرفه بعد حين.

    ما قال هذا حتى جاءت المضيفة تطلب منه أن يعطيها أوراقه، فسار معها.. ولم يعد.

    كان أول هدف لي بعد نزولي من الطائرة أن ألتقي بهذا الرجل الغريب .. سألت الكل .. فلم يدلني أحد .. هرعت إلى المضيفة التي طلبته لأسألها عنه، فضحكت، وانشغلت عني ..

    ([1]) هذه إشارة كان يستعملها كثير من الصالحين للدلالة على العبودية، وقد جعلناها في رسائل السلام رمزا لمعلم السلام، ولمن تحقق بمعاني السلام الشامل.

    ونحب أن ننبه هنا إلى أن هذه المجموعة في أصلها عبارة عن رسالة من رسائل السلام، ومن مجموعتها الرابعة المسماة (عيون الحقائق)... ولهذا فإنها تنتهج نفس أسلوب رسائل السلام، انظر مقدمة رسائل السلام في رسالة (ابتسامة الأنين)الجزء الأول (رقية الروح)

    ([2]) في هذه الكلمات إشارة إلى جميع أجزاء السلسلة، والتي تتشكل منها هذه الرحلة إلى أشعة محمد r .. وننبه إلى أنا قد نشير إلى هذه الرؤيا في سائر السلسلة عندما يقتضي المقام ذلك.

    ([3]) خلع النعلين إشارة إلى التخلص من كل الحجب التي تحول بين الباحث والحقيقة التي يبحث عنها.

      الوقت/التاريخ الآن هو 25/11/2024, 18:22