الخلوه اشكالها
خادم تراب النقشبندية
إشكال:
فإن قلتَ: أمر الغار قبل الرسالة، ولا حكم إلا بعد الرسالة؟ قال المحدث القسطلاني مجيباً: (إنه أول ما بدىء به عليه الصلاة والسلام من الوحي الرؤيا الصالحة، ثم حُبِّبَ إليه الخلاء، فكان يخلو بغار حراء كما مر، فدل على أن الخلوة حكم مرتب على الوحي، لأن كلمة [ثم] للترتيب. وأيضاً لو لم تكن من الدين لنهى عنها، بل هي ذريعة لمجيء الحق، وظهورُه مبارك عليه وعلى أمته تأسِّيَاً وسلامة من المناكير وضررها، ولها شروط مذكورة في محلها من كتب القوم) [“إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري” للقسطلاني ج1/ص62].
وقال المحدث الكشميري رحمه الله تعالى معلقاً على هذه الفقرة من الحديث: (ثم حُبِّبَ إليه الخلاء): (وهذا على نحو مجاهدات الصوفية وخلواتهم، ثم إن اعتكاف الفقهاء وخلوات الصوفية عندي قريب من السواء) [“فيض الباري على صحيح البخاري” ج1/ص23].
وقال الزهري رحمه الله تعالى: (عجباً من الناس، كيف تركوا الاعتكاف، ورسول الله صلى الله عليه وسلم كان يفعل الشيء ويتركه، وما ترك الاعتكاف حتى قُبِض) [“حاشية الطحطاوي على مراقي الفلاح” ص463].
وقال الإمام النووي رحمه الله تعالى في شرح حديث عائشة عند قوله: “حبب إليه الخلاء”: (أما الخلاء فهو الخلوة، وهي شأن الصالحين، وعباد الله العارفين. ثم قال: قال أبو سليمان الخطابي رحمه الله: حُبِّبَتْ إليه العزلة صلى الله عليه وسلم لأن معها فراغ القلب، وهي معينة على التفكر، وبها ينقطع عن مألوفات البشر، ويتخشع قلبه) [صحيح مسلم بشرح الإمام النووي ج2/ص198].
وقال شهاب الدين أحمد بن حجر العسقلاني رحمه الله تعالى في شرحه على حديث عائشة المذكور عند قوله: (ثم حبب إليه الخلاء): (والخلاء بالمد: الخلوة، والسر فيه أن الخلوة فراغ القلب لما يتوجه له... إلى أن قال: وإلا فأصل الخلوة قد عُرفتْ مدتها وهي شهر، وذلك الشهر كان رمضان) [“فتح الباري شرح صحيح البخاري” للعسقلاني ج1/ص18].
وقال العلامة الكبير محمود العيني رحمه الله تعالى في شرحه على حديث عائشة عند الأسئلة والأجوبة: (الوجه الثالث: ما قيل: لِمَ حُبِّبَ إليه الخلوة؟ أجيب بأن معها فراغ القلب، وهي معينة على التفكر، والبشر لا ينتقل عن طبيعته إلا بالرياضة البليغة، فحُبِّبَ إليه الخلوة لينقطع عن مخالطة البشر، فينسى المألوفات من عادته) [“عمدة القاري شرح صحيح البخاري” للعيني المتوفى سنة 855هـ ج1/ص60 - 61].
وقال الكرماني رحمه الله تعالى في شرحه لحديث عائشة رضي الله عنهاالمذكور: (ثم حبب إليه الخلاء بالمد وهو الخلوة، وهو شأن الصالحين وعباد الله العارفين، حببت إليه العزلة لأن فيها فراغ القلب، وهي معينة على التعبد وبها ينقطع عن مألوفات البشر ويخشع قلبه) [“شرح صحيح البخاري” للعلامة الكرماني ج1/ص32].
هذه أقوال علماء الحديث وشراحه في الخلوة من حيث تسميتها، ومن حيث مشروعيتها، ومن حيث فوائدها، ومن حيث اعتناء السلف الصالح بها؛ فليقل المغرضون بعد ذلك ما شاؤوا.
وما أحسن قول البوصيري رحمه الله تعالى في همزيته يصف رسول الله صلى الله عليه وسلم في بدايته:
أَلِفَ النُسكَ والعِبَادَةَ والخَلْـوَةَ طفلاً وهكذا النجباءُ قال شارح الهمزية محمد بن أحمد بنيس رحمه الله تعالى: (وروى ابن إسحاق وغيره أنه عليه الصلاة والسلام كان يخرج إلى حراء شهراً في كل عام يتنسَّك فيه.
وقال المناوي رحمه الله تعالى: حبب إليه صلى الله عليه وسلم الخلاء والانفراد والنفور من المخالطة حتى في الأهل والمال والعيال بالكلية، واستغرق في بحر الأذكار العلية، فانقطع عن الأضداد، فاستشعر حصول المراد، وحصل له الأنس بالخلوة، فتذكر من أجل ذلك الجلوة، ولم يزل ذلك الأنس يتضاعف، ومرآته تزداد من الصفاء والصقال، حتى بلغ أقصى درجات الكمال، فظهرت تباشير صبح الوحي وأشرقت، وانتشرت بروق السعادة وأبرقت، فكان لا يمر بشجر وحجر، إلا قال بلسان صحيح ونطق فصيح: السلام عليك يا رسول الله، فلا يرى شيئاً) [“لوامع الكوكب الدري في شرح الهمزية” للبوصيري ص48 - 49].
وقال سليمان الجمل رحمه الله تعالى شارحاً للهمزية: (وكان تَعَبُّدَهُ صلى الله عليه وسلم أنه يخرج إلى حراء شهراً في كل عام يتنسك فيه، حتى إذا انصرف من مجاورته في حراء، لم يدخل بيته حتى يطوف بالكعبة، وكان يعبد الله في حِراء بالذكر والفكر، وكان يكثر الخلوة في غير حراء أيضاً) [“الفتوحات الأحمدية بالمنح المحمدية على شرح الهمزية” ص21].
ومن غار حراء انبثق النور، وأطل الفجر، وانطلقت اللمعة الأولى في نور التصوف الإسلامي، وما ترك الرسول صلى الله عليه وسلم هذه الخلوة، بعد أن خرج من الغار، فكان بعدئذ يخلو في العشر الأواخر من رمضان، وقد سماه الفقهاء اعتكافاً.
_________________
سأل رجل الامام الحسن البصرى فقال :يا امام دلنى على عمل يقربنى الى الله ويدخلنى الجنة. قال: حب أحد من أوليائه عسى الله أن يتطلع الى قلبه فيجد أسمك مكتوب فيه فيدخلك معه الجنه
خادم تراب النقشبندية
إشكال:
فإن قلتَ: أمر الغار قبل الرسالة، ولا حكم إلا بعد الرسالة؟ قال المحدث القسطلاني مجيباً: (إنه أول ما بدىء به عليه الصلاة والسلام من الوحي الرؤيا الصالحة، ثم حُبِّبَ إليه الخلاء، فكان يخلو بغار حراء كما مر، فدل على أن الخلوة حكم مرتب على الوحي، لأن كلمة [ثم] للترتيب. وأيضاً لو لم تكن من الدين لنهى عنها، بل هي ذريعة لمجيء الحق، وظهورُه مبارك عليه وعلى أمته تأسِّيَاً وسلامة من المناكير وضررها، ولها شروط مذكورة في محلها من كتب القوم) [“إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري” للقسطلاني ج1/ص62].
وقال المحدث الكشميري رحمه الله تعالى معلقاً على هذه الفقرة من الحديث: (ثم حُبِّبَ إليه الخلاء): (وهذا على نحو مجاهدات الصوفية وخلواتهم، ثم إن اعتكاف الفقهاء وخلوات الصوفية عندي قريب من السواء) [“فيض الباري على صحيح البخاري” ج1/ص23].
وقال الزهري رحمه الله تعالى: (عجباً من الناس، كيف تركوا الاعتكاف، ورسول الله صلى الله عليه وسلم كان يفعل الشيء ويتركه، وما ترك الاعتكاف حتى قُبِض) [“حاشية الطحطاوي على مراقي الفلاح” ص463].
وقال الإمام النووي رحمه الله تعالى في شرح حديث عائشة عند قوله: “حبب إليه الخلاء”: (أما الخلاء فهو الخلوة، وهي شأن الصالحين، وعباد الله العارفين. ثم قال: قال أبو سليمان الخطابي رحمه الله: حُبِّبَتْ إليه العزلة صلى الله عليه وسلم لأن معها فراغ القلب، وهي معينة على التفكر، وبها ينقطع عن مألوفات البشر، ويتخشع قلبه) [صحيح مسلم بشرح الإمام النووي ج2/ص198].
وقال شهاب الدين أحمد بن حجر العسقلاني رحمه الله تعالى في شرحه على حديث عائشة المذكور عند قوله: (ثم حبب إليه الخلاء): (والخلاء بالمد: الخلوة، والسر فيه أن الخلوة فراغ القلب لما يتوجه له... إلى أن قال: وإلا فأصل الخلوة قد عُرفتْ مدتها وهي شهر، وذلك الشهر كان رمضان) [“فتح الباري شرح صحيح البخاري” للعسقلاني ج1/ص18].
وقال العلامة الكبير محمود العيني رحمه الله تعالى في شرحه على حديث عائشة عند الأسئلة والأجوبة: (الوجه الثالث: ما قيل: لِمَ حُبِّبَ إليه الخلوة؟ أجيب بأن معها فراغ القلب، وهي معينة على التفكر، والبشر لا ينتقل عن طبيعته إلا بالرياضة البليغة، فحُبِّبَ إليه الخلوة لينقطع عن مخالطة البشر، فينسى المألوفات من عادته) [“عمدة القاري شرح صحيح البخاري” للعيني المتوفى سنة 855هـ ج1/ص60 - 61].
وقال الكرماني رحمه الله تعالى في شرحه لحديث عائشة رضي الله عنهاالمذكور: (ثم حبب إليه الخلاء بالمد وهو الخلوة، وهو شأن الصالحين وعباد الله العارفين، حببت إليه العزلة لأن فيها فراغ القلب، وهي معينة على التعبد وبها ينقطع عن مألوفات البشر ويخشع قلبه) [“شرح صحيح البخاري” للعلامة الكرماني ج1/ص32].
هذه أقوال علماء الحديث وشراحه في الخلوة من حيث تسميتها، ومن حيث مشروعيتها، ومن حيث فوائدها، ومن حيث اعتناء السلف الصالح بها؛ فليقل المغرضون بعد ذلك ما شاؤوا.
وما أحسن قول البوصيري رحمه الله تعالى في همزيته يصف رسول الله صلى الله عليه وسلم في بدايته:
أَلِفَ النُسكَ والعِبَادَةَ والخَلْـوَةَ طفلاً وهكذا النجباءُ قال شارح الهمزية محمد بن أحمد بنيس رحمه الله تعالى: (وروى ابن إسحاق وغيره أنه عليه الصلاة والسلام كان يخرج إلى حراء شهراً في كل عام يتنسَّك فيه.
وقال المناوي رحمه الله تعالى: حبب إليه صلى الله عليه وسلم الخلاء والانفراد والنفور من المخالطة حتى في الأهل والمال والعيال بالكلية، واستغرق في بحر الأذكار العلية، فانقطع عن الأضداد، فاستشعر حصول المراد، وحصل له الأنس بالخلوة، فتذكر من أجل ذلك الجلوة، ولم يزل ذلك الأنس يتضاعف، ومرآته تزداد من الصفاء والصقال، حتى بلغ أقصى درجات الكمال، فظهرت تباشير صبح الوحي وأشرقت، وانتشرت بروق السعادة وأبرقت، فكان لا يمر بشجر وحجر، إلا قال بلسان صحيح ونطق فصيح: السلام عليك يا رسول الله، فلا يرى شيئاً) [“لوامع الكوكب الدري في شرح الهمزية” للبوصيري ص48 - 49].
وقال سليمان الجمل رحمه الله تعالى شارحاً للهمزية: (وكان تَعَبُّدَهُ صلى الله عليه وسلم أنه يخرج إلى حراء شهراً في كل عام يتنسك فيه، حتى إذا انصرف من مجاورته في حراء، لم يدخل بيته حتى يطوف بالكعبة، وكان يعبد الله في حِراء بالذكر والفكر، وكان يكثر الخلوة في غير حراء أيضاً) [“الفتوحات الأحمدية بالمنح المحمدية على شرح الهمزية” ص21].
ومن غار حراء انبثق النور، وأطل الفجر، وانطلقت اللمعة الأولى في نور التصوف الإسلامي، وما ترك الرسول صلى الله عليه وسلم هذه الخلوة، بعد أن خرج من الغار، فكان بعدئذ يخلو في العشر الأواخر من رمضان، وقد سماه الفقهاء اعتكافاً.
_________________
سأل رجل الامام الحسن البصرى فقال :يا امام دلنى على عمل يقربنى الى الله ويدخلنى الجنة. قال: حب أحد من أوليائه عسى الله أن يتطلع الى قلبه فيجد أسمك مكتوب فيه فيدخلك معه الجنه
20/11/2024, 22:49 من طرف Admin
» كتاب مواعظ الإمام زين العابدين ـ صالح أحمد الشامي
18/11/2024, 23:30 من طرف Admin
» كتاب إتحاف النفوس بنفحات القدوس ـ عبد القدوس بن أسامة السامرائي
18/11/2024, 23:25 من طرف Admin
» كتاب الإعلام بفضل الصلاة على النبي والسلام ـ محمد بن عبد الرحمن بن علي النميري
18/11/2024, 23:20 من طرف Admin
» كتاب الغيب ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:08 من طرف Admin
» كتاب الشيطان والإنسان ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:03 من طرف Admin
» كتاب الشعراوي هنا رأيت سيدنا إبراهيم ـ سعيد أبو العنين
18/11/2024, 23:01 من طرف Admin
» كتاب الخير والشر ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:57 من طرف Admin
» كتاب التربية في مدرسة النبوة ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:55 من طرف Admin
» كتاب: إرشاد العباد إلى سبل الرشاد ـ للملبباري
18/11/2024, 22:41 من طرف Admin
» ـ كتاب آداب الحسن البصري ـ أبن الجوزي
18/11/2024, 22:34 من طرف Admin
» كتاب الله والنفس البشرية ـ لمحمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:23 من طرف Admin
» كتاب: معرفة النفس طر يق لمعرفة الرب ـ أستاذ البصيرة عبدالوهاب حسن
18/11/2024, 22:21 من طرف Admin
» كتاب الطريق الي الله ـ الشيخ علي جمعة
18/11/2024, 21:50 من طرف Admin
» كتاب: كتاب النفس والجسد والروح ـ ابراهيم البلتاجي
18/11/2024, 21:38 من طرف Admin