رسائل مولاي العربي الدرقاوي
رسائل مولاي العربي الدرقاوي :ضرورة وجود شيخ التربية، وكيفية الذكر
ضرورة وجود شيخ التربية، وكيفية الذكر
ومنها : فقد كان الفقراء أهل الزمان الأول رضي الله عنهم لا يحرصون أو نقول : لا يجتهدون إلا فيما يُميت نفوسهم ويحيي قلوبهم، ونحن الآن على عكسهم، فلا نحرص إلا فيما يُميت قلوبنا ويحيي نفوسنا، إذ لا يحرصون إلا في ترك شهواتهم، وفي إسقاط منزلة أنفسهم، ونحن لا نحرص إلا في شهواتنا، ورفعة منزلة أنفسنا، وقد جعلنا الباب وراءنا والحائط قدامنا، وما حَمَلني على ما أقول لكم إلا ما رأيتُ من المواهب التي أعطى الله لمن ماتت نفوسهم، وحييت قلوبهم، وقد قنعنا نحن بما دون ذلك، ولا يقنع بالوصول إلا جهول.
وقد تفرَّست : هل معنا من المواهب غير ما ذكرنا من وقوفنا مع شهواتنا ورفعة منزلة أنفسنا ؟ فظهر لي - والله - مانع آخر وهو قريحتنا، إذ المعاني لا ترِدُ غالباً إلأّ على من له قريحة كبيرة بقلبه، وتعلُّق كبير برؤية ذات ربه، فهذا هو الذي ترد عليه معاني ذات ربه حتى تفنيه فيها عن توهم وجود غير ذلك، إذ هذا شأنها مع مَن له تعلُّق بها دائماً، بخلاف مَن ليس له قريحة إلا في تحصيل العلم فقط، أو في تحصيل العمل فقط، فهذا لا ترد عليه المعاني، ولا يفرح بها، لأن همته منصرفة في غير ذات ربه، والله تعالى يرزق العبد على قدر همَّته، ولا شكَّ أن لكل أحد من الناس من المعاني مثل ما للبحر من الأمواج لكن الحس قد استولى عليهم، فأخد قلوبهم وجوارحهم، ولم يتركهم لها، إذ هو ضدها، والضدان لا يجتمعان.
ونرى أن الوصول لا يُنال بكثرة الأعمال ولا بقلَّتها، إنَّما يُنال بمَحْضِ الكرم، كما قال ولي الله تعالى سيدي ابن عطاء الله رضي الله عنه في حكمه : (لَوْ أَنَّكَ لاتَصِلُ إِلَيْهِ إِلاَّ بَعْدَ فَنَاءِ مَسَاوِيكَ وَمَحْوِ دَعاوِيكَ لَمْ تَصِلْ إِليْهِ أَبداً ، وَلَكِنْ إِذَا أرَادَ أَنْ يُوصِلَكَ إِليهِ سَتَرَ وَصْفَكَ بِوَصْفِهِ وَغَطَّى نَعْتَكَ بِنَعْتِهِ ، فَوَصَلَكَ إِلَيْهِ بِمَا مِنْهُ إِلَيْكَ لا بمَا مِنْكَ إِلَيْهِ).
ومن فضل الله وكرمه وجُودِه وجود الشيخ المربي، ولولا ذلك لم يجده ولم يظفر به أحد، لأن معرفة الولي أصعب من معرفة الله، كما قال ولي الله تعالى سيدي أبو العباس المرسي رضي الله عنه.
وفي الحكم العطائية : (سُبْحَانَ مَنْ لَمْ يَجْعَلِ الدَّلِيلَ عَلَى أَوْلِيَائِهِ إِلاَّ مِنْ حَيْثُ الدَّلِيلُ عَلَيْهِ , وَلَمْ يُوصِلْ إِلَيْهِمْ إِلاَّ مَنْ أَرَادَ أَنْ يُوصِلَهُ إِلَيْهِ) . إذ لا شكّ أنَّ سيد أهل السماء، وسيد أهل الأرض مولانا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد كان موجوداً ظاهراً، واضحاً كشمس علم، ومع ذلك لم يره كل أحد، إنما رآه البعض، وأما البعض فقد حجبهم الله عنه، كما حجب غيرهم عن الأنبياء عليهم السلام، وعن الأولياء رضي الله عنهم من أهل وقتهم حتى كذبوهم ولم يؤمنوا به. وشاهد ذلك في كتاب الله تعالى : {وَتَرَاهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لا يُبْصِرُونَ} {وَقَالُوا مَالِ هَٰذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ} الآية، إلى غير هذا مما في كتاب الله، وقد كاد أن يكون ثلثاه أو أكثر كله في تكذيب الأنبياء عليهم السلام، ومن البعض الذي لم يره صلى الله عليه وآله وسلم أبو جهل لعنه الله، إنما رآه يتيم أبي طالب، وكذلك الشيخ المربي - إن وُجد - تارة يرى تحرير نفس المريد في الجوع فيجوعه، وتارة في الشبع فيشبعه، وتارة في تكثير الأسباب، وتارة في تقليلها، وتارة في النوم، وتارة في السهر، وتارة في الفرار من الناس، وتارة في الاجتماع بهم والاستئناس بهم، وهكذا، لأن نورانيته ربما تتقوَّى عليه فيخاف المربي عليه أن تمحقه كما محقت كثيراً من المريدين قديماً وحادثاً، فلذلك يردُّه عن العُزلة إلى الاستئناس بالناس لعله يضعف ويسلم من المحق، كما انه إذا ضعفت نورانيته يرده إلى حال العزلة فإنه يتقوَّى وهكذا، {وَأَنَّ إِلَىٰ رَبِّكَ الْمُنتَهَىٰ}.
وقد كادت التربية أن تتعذَّر لقلّة من بقلبه قريحة الاقتداء، وحكمة الله لا تنقطع.
ونرى أن الطريقة لا بد أن يقوم أمرها - بحول الله وقوته - إذ هي مأخودة عن شيوخنا رضي الله عنهم، عن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، عن سيدنا جبريل عليه السلام، عن الله عز وجل.
فكل مَن تصدَّرَ لها فإن ذلك بإذن من الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم، والأشياخ - رضي الله عنهم - كما قال ولي الله تعالى سيدي المرسي رضي الله عنه : "ما تصدّر أستاذ للمريدين إلاّ بعد أن فاضت عليه الواردات، وكان له الإذن من الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم".
وبركة الإذن وسره به يقوم أمرها، ويستقيم حال أهلها، والله أعلم.
رسائل مولاي العربي الدرقاوي :ضرورة وجود شيخ التربية، وكيفية الذكر
ضرورة وجود شيخ التربية، وكيفية الذكر
ومنها : فقد كان الفقراء أهل الزمان الأول رضي الله عنهم لا يحرصون أو نقول : لا يجتهدون إلا فيما يُميت نفوسهم ويحيي قلوبهم، ونحن الآن على عكسهم، فلا نحرص إلا فيما يُميت قلوبنا ويحيي نفوسنا، إذ لا يحرصون إلا في ترك شهواتهم، وفي إسقاط منزلة أنفسهم، ونحن لا نحرص إلا في شهواتنا، ورفعة منزلة أنفسنا، وقد جعلنا الباب وراءنا والحائط قدامنا، وما حَمَلني على ما أقول لكم إلا ما رأيتُ من المواهب التي أعطى الله لمن ماتت نفوسهم، وحييت قلوبهم، وقد قنعنا نحن بما دون ذلك، ولا يقنع بالوصول إلا جهول.
وقد تفرَّست : هل معنا من المواهب غير ما ذكرنا من وقوفنا مع شهواتنا ورفعة منزلة أنفسنا ؟ فظهر لي - والله - مانع آخر وهو قريحتنا، إذ المعاني لا ترِدُ غالباً إلأّ على من له قريحة كبيرة بقلبه، وتعلُّق كبير برؤية ذات ربه، فهذا هو الذي ترد عليه معاني ذات ربه حتى تفنيه فيها عن توهم وجود غير ذلك، إذ هذا شأنها مع مَن له تعلُّق بها دائماً، بخلاف مَن ليس له قريحة إلا في تحصيل العلم فقط، أو في تحصيل العمل فقط، فهذا لا ترد عليه المعاني، ولا يفرح بها، لأن همته منصرفة في غير ذات ربه، والله تعالى يرزق العبد على قدر همَّته، ولا شكَّ أن لكل أحد من الناس من المعاني مثل ما للبحر من الأمواج لكن الحس قد استولى عليهم، فأخد قلوبهم وجوارحهم، ولم يتركهم لها، إذ هو ضدها، والضدان لا يجتمعان.
ونرى أن الوصول لا يُنال بكثرة الأعمال ولا بقلَّتها، إنَّما يُنال بمَحْضِ الكرم، كما قال ولي الله تعالى سيدي ابن عطاء الله رضي الله عنه في حكمه : (لَوْ أَنَّكَ لاتَصِلُ إِلَيْهِ إِلاَّ بَعْدَ فَنَاءِ مَسَاوِيكَ وَمَحْوِ دَعاوِيكَ لَمْ تَصِلْ إِليْهِ أَبداً ، وَلَكِنْ إِذَا أرَادَ أَنْ يُوصِلَكَ إِليهِ سَتَرَ وَصْفَكَ بِوَصْفِهِ وَغَطَّى نَعْتَكَ بِنَعْتِهِ ، فَوَصَلَكَ إِلَيْهِ بِمَا مِنْهُ إِلَيْكَ لا بمَا مِنْكَ إِلَيْهِ).
ومن فضل الله وكرمه وجُودِه وجود الشيخ المربي، ولولا ذلك لم يجده ولم يظفر به أحد، لأن معرفة الولي أصعب من معرفة الله، كما قال ولي الله تعالى سيدي أبو العباس المرسي رضي الله عنه.
وفي الحكم العطائية : (سُبْحَانَ مَنْ لَمْ يَجْعَلِ الدَّلِيلَ عَلَى أَوْلِيَائِهِ إِلاَّ مِنْ حَيْثُ الدَّلِيلُ عَلَيْهِ , وَلَمْ يُوصِلْ إِلَيْهِمْ إِلاَّ مَنْ أَرَادَ أَنْ يُوصِلَهُ إِلَيْهِ) . إذ لا شكّ أنَّ سيد أهل السماء، وسيد أهل الأرض مولانا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد كان موجوداً ظاهراً، واضحاً كشمس علم، ومع ذلك لم يره كل أحد، إنما رآه البعض، وأما البعض فقد حجبهم الله عنه، كما حجب غيرهم عن الأنبياء عليهم السلام، وعن الأولياء رضي الله عنهم من أهل وقتهم حتى كذبوهم ولم يؤمنوا به. وشاهد ذلك في كتاب الله تعالى : {وَتَرَاهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لا يُبْصِرُونَ} {وَقَالُوا مَالِ هَٰذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ} الآية، إلى غير هذا مما في كتاب الله، وقد كاد أن يكون ثلثاه أو أكثر كله في تكذيب الأنبياء عليهم السلام، ومن البعض الذي لم يره صلى الله عليه وآله وسلم أبو جهل لعنه الله، إنما رآه يتيم أبي طالب، وكذلك الشيخ المربي - إن وُجد - تارة يرى تحرير نفس المريد في الجوع فيجوعه، وتارة في الشبع فيشبعه، وتارة في تكثير الأسباب، وتارة في تقليلها، وتارة في النوم، وتارة في السهر، وتارة في الفرار من الناس، وتارة في الاجتماع بهم والاستئناس بهم، وهكذا، لأن نورانيته ربما تتقوَّى عليه فيخاف المربي عليه أن تمحقه كما محقت كثيراً من المريدين قديماً وحادثاً، فلذلك يردُّه عن العُزلة إلى الاستئناس بالناس لعله يضعف ويسلم من المحق، كما انه إذا ضعفت نورانيته يرده إلى حال العزلة فإنه يتقوَّى وهكذا، {وَأَنَّ إِلَىٰ رَبِّكَ الْمُنتَهَىٰ}.
وقد كادت التربية أن تتعذَّر لقلّة من بقلبه قريحة الاقتداء، وحكمة الله لا تنقطع.
ونرى أن الطريقة لا بد أن يقوم أمرها - بحول الله وقوته - إذ هي مأخودة عن شيوخنا رضي الله عنهم، عن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، عن سيدنا جبريل عليه السلام، عن الله عز وجل.
فكل مَن تصدَّرَ لها فإن ذلك بإذن من الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم، والأشياخ - رضي الله عنهم - كما قال ولي الله تعالى سيدي المرسي رضي الله عنه : "ما تصدّر أستاذ للمريدين إلاّ بعد أن فاضت عليه الواردات، وكان له الإذن من الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم".
وبركة الإذن وسره به يقوم أمرها، ويستقيم حال أهلها، والله أعلم.
25/11/2024, 17:11 من طرف Admin
» كتاب التواضع والخمول تصنيف ابن أبي الدنيا
25/11/2024, 17:02 من طرف Admin
» كتاب: في رياض السيرة النبوية العهد المكي – د.أحمد عمر هاشم ـ ج1
25/11/2024, 16:27 من طرف Admin
» كتاب في رياض السيرة النبوية (العهد المدني) لأحمد عمر هاشم ـ ج2
25/11/2024, 15:41 من طرف Admin
» كتاب: القصص في الحديث النبوي ـ لمحمد الزير موقع مكتبة
25/11/2024, 15:03 من طرف Admin
» كتاب: الكلام على قوله تعالى {إنما يخشى الله من عباده العلماء} ـ ابن رجب الحنبلي
25/11/2024, 14:58 من طرف Admin
» كتاب: نهاية العالم في الكتاب المقدس - دراسة مقارنة مع القرآن الكريم ـ نور فائزة بنت عثمان
20/11/2024, 22:49 من طرف Admin
» كتاب مواعظ الإمام زين العابدين ـ صالح أحمد الشامي
18/11/2024, 23:30 من طرف Admin
» كتاب إتحاف النفوس بنفحات القدوس ـ عبد القدوس بن أسامة السامرائي
18/11/2024, 23:25 من طرف Admin
» كتاب الإعلام بفضل الصلاة على النبي والسلام ـ محمد بن عبد الرحمن بن علي النميري
18/11/2024, 23:20 من طرف Admin
» كتاب الغيب ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:08 من طرف Admin
» كتاب الشيطان والإنسان ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:03 من طرف Admin
» كتاب الشعراوي هنا رأيت سيدنا إبراهيم ـ سعيد أبو العنين
18/11/2024, 23:01 من طرف Admin
» كتاب الخير والشر ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:57 من طرف Admin
» كتاب التربية في مدرسة النبوة ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:55 من طرف Admin