بسم الله الرحمن الرحيم
اللهمّ صلّ على سيّدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلّم.
الرجوع إلى الله واجب عبودية وأدبا :
الإشارة : ما أصاب من مصيبة في أرض البشرية ، من غلبة الطبع ، والميل إلى الحظوظ النفسانية ، ولا في أنفسكم؛ ولا في باطن أنفسكم ، مما يصيب القلب من الأمراض ، كالعجب والرياء والكبر والحسد ، وغيرها ، وما يصيب الروح من الوقوف مع المقامات ، أو الكرامات ، أو الكشوفات ، إلا في كتاب سابق ، وهو العلم القديم ، والقضاء المحتوم ، فمن وافقته رياح القضاء نهض رغما عن أنفه ، ومن انتكبته نكس على عقبيه ، أو وقف عن سيره ، فالرجوع إلى الله واجب في الحالتين ، عبودية وأدبا ، فعلنا ذلك لكيلا تأسوا على ما فاتكم . فمن تحقق بالعبودية لا يفوته شيء ، ولا تفرحوا بما آتاكم مما شأنه يزول . قال القشيري : (هذه صفة المتحررين من رق النفس ، وقيمة الرجال إنما تتبين بتغيرهم ، فمن لم يتغير بما يرد عليه مما لا يريده من جفاء أو مكروه أو محبة فهو كامل ، ومن لم يتغير بالمضار ، ولا يسره الوجد ، كما لا يحزنه العدم ، فهو سيد وقته). قلت : وهذه كانت سيرة الصحابة رضي الله عنهم.
ثم قال : ويقال : (إذا أردت أن تعرف الرجل فاطلبه عند الموارد ، والتغيرات من علامات بقاء النفس بأي وجه كان). وقال الورتجبي عن الواسطي : (العارف مستهلك في كنه المعروف ، فإذا حصل بمقام المعرفة لا يبقى عليه قصد فرح ولا أسى ، قال الله تعالى : { لكيلا تأسوا . . . } الآية). قلت : وإليه أشار في الحكم بقوله : « ما تجده القلوب من الأحزان فلما منعت من الشهود والعيان » .
أوحى الله تعالى إلى داود عليه السلام : « يا داود ، قل للصديقين : بي فليفرحوا ، وبذكري فليتنعموا » واحتج الغزالي بهذه الآية على أن الرزق لا يزيد بالطلب ، ولا ينقص بتركه ، ولو كان يزيد بالطلب وينقص بالترك لكان للأسى والفرح موضع ، إذ هو قصر وتوانى حتى فاته ، وشمر وجد حتى حصله ، وقد قال صلى الله عليه وسلم للسائل : « ما لك ، لو لم تأتها لأتتك » ، ثم أورد كون الثواب والعقاب مكتوبين ، ويزيد بالطلب وينقص بتركه ، ثم فرق بأن المكتوب قسمان : قسم مكتوب مطلقا ، من غير شرط وتعليق بفعل العبد ، وهو الأرزاق والآجال ، وقسم معلق بفعل العبد ، وهو الثواب والعقاب .
قلت : في تفريقه نظر ، والحق : التفصيل في النظر ، فمن نظر لعالم الحكمة ، وهو عالم التشريع ، وجدهما معا مقيدين بفعل العبد ، أما الرزق الحسي فيأتي بسبب الفعل ، إن توجه للأسباب ونقص من التقوى ، وبغير سبب إن تجرد من الأسباب ، وحصل مقام التقوى؛ لقوله تعالى : { مَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا . . . } [ الطلاق : 2 ] الآية ، فالمتقي المنقطع إلى الله ناب الله عنه في الفعل ، ومن نظر لعالم القدرة ، وهو عالم الحقيقة ، وجد الفعل كله من الله بلا واسطة {لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} وكذلك أمر الرزق المعنوي ، وهو الطاعة واليقين ، التي يتربت عليهما الثواب والعقاب ، فمن نظر لعالم الحكمة وجده مقيدا بسبب العبد واجتهاده ، وبها جاءت الشريعة ، ومن نظر لعالم القدرة امتحى العبد ووجوده ، فضلا عن فعله وتسببه ، فتأمله .
قوله تعالى : { إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ } قال القشيري : (لأن الاختيال من بقاء النفس ، والفخر رؤية خطر ما به يفتخر). { الَّذِينَ يَبْخَلُونَ } بما عندهم من الأرزاق الحسية والمعنوية ، والبخل بها علامة الفرح بها ، والوقوف معها ، وأما من وصل إلى شهود معطيهما ومجريها فلا يبخل بشيء؛ لغناه بالله عن كل شيء ، ومن يتول عن هذا كله ، فإن الله الغني عنه وعن جميع الخلق ، المحمود قبل وجود الخلق.والله تعالى أعلم.
تفسير ابن عجيبة
اللهمّ صلّ على سيّدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلّم.
الرجوع إلى الله واجب عبودية وأدبا :
الإشارة : ما أصاب من مصيبة في أرض البشرية ، من غلبة الطبع ، والميل إلى الحظوظ النفسانية ، ولا في أنفسكم؛ ولا في باطن أنفسكم ، مما يصيب القلب من الأمراض ، كالعجب والرياء والكبر والحسد ، وغيرها ، وما يصيب الروح من الوقوف مع المقامات ، أو الكرامات ، أو الكشوفات ، إلا في كتاب سابق ، وهو العلم القديم ، والقضاء المحتوم ، فمن وافقته رياح القضاء نهض رغما عن أنفه ، ومن انتكبته نكس على عقبيه ، أو وقف عن سيره ، فالرجوع إلى الله واجب في الحالتين ، عبودية وأدبا ، فعلنا ذلك لكيلا تأسوا على ما فاتكم . فمن تحقق بالعبودية لا يفوته شيء ، ولا تفرحوا بما آتاكم مما شأنه يزول . قال القشيري : (هذه صفة المتحررين من رق النفس ، وقيمة الرجال إنما تتبين بتغيرهم ، فمن لم يتغير بما يرد عليه مما لا يريده من جفاء أو مكروه أو محبة فهو كامل ، ومن لم يتغير بالمضار ، ولا يسره الوجد ، كما لا يحزنه العدم ، فهو سيد وقته). قلت : وهذه كانت سيرة الصحابة رضي الله عنهم.
ثم قال : ويقال : (إذا أردت أن تعرف الرجل فاطلبه عند الموارد ، والتغيرات من علامات بقاء النفس بأي وجه كان). وقال الورتجبي عن الواسطي : (العارف مستهلك في كنه المعروف ، فإذا حصل بمقام المعرفة لا يبقى عليه قصد فرح ولا أسى ، قال الله تعالى : { لكيلا تأسوا . . . } الآية). قلت : وإليه أشار في الحكم بقوله : « ما تجده القلوب من الأحزان فلما منعت من الشهود والعيان » .
أوحى الله تعالى إلى داود عليه السلام : « يا داود ، قل للصديقين : بي فليفرحوا ، وبذكري فليتنعموا » واحتج الغزالي بهذه الآية على أن الرزق لا يزيد بالطلب ، ولا ينقص بتركه ، ولو كان يزيد بالطلب وينقص بالترك لكان للأسى والفرح موضع ، إذ هو قصر وتوانى حتى فاته ، وشمر وجد حتى حصله ، وقد قال صلى الله عليه وسلم للسائل : « ما لك ، لو لم تأتها لأتتك » ، ثم أورد كون الثواب والعقاب مكتوبين ، ويزيد بالطلب وينقص بتركه ، ثم فرق بأن المكتوب قسمان : قسم مكتوب مطلقا ، من غير شرط وتعليق بفعل العبد ، وهو الأرزاق والآجال ، وقسم معلق بفعل العبد ، وهو الثواب والعقاب .
قلت : في تفريقه نظر ، والحق : التفصيل في النظر ، فمن نظر لعالم الحكمة ، وهو عالم التشريع ، وجدهما معا مقيدين بفعل العبد ، أما الرزق الحسي فيأتي بسبب الفعل ، إن توجه للأسباب ونقص من التقوى ، وبغير سبب إن تجرد من الأسباب ، وحصل مقام التقوى؛ لقوله تعالى : { مَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا . . . } [ الطلاق : 2 ] الآية ، فالمتقي المنقطع إلى الله ناب الله عنه في الفعل ، ومن نظر لعالم القدرة ، وهو عالم الحقيقة ، وجد الفعل كله من الله بلا واسطة {لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} وكذلك أمر الرزق المعنوي ، وهو الطاعة واليقين ، التي يتربت عليهما الثواب والعقاب ، فمن نظر لعالم الحكمة وجده مقيدا بسبب العبد واجتهاده ، وبها جاءت الشريعة ، ومن نظر لعالم القدرة امتحى العبد ووجوده ، فضلا عن فعله وتسببه ، فتأمله .
قوله تعالى : { إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ } قال القشيري : (لأن الاختيال من بقاء النفس ، والفخر رؤية خطر ما به يفتخر). { الَّذِينَ يَبْخَلُونَ } بما عندهم من الأرزاق الحسية والمعنوية ، والبخل بها علامة الفرح بها ، والوقوف معها ، وأما من وصل إلى شهود معطيهما ومجريها فلا يبخل بشيء؛ لغناه بالله عن كل شيء ، ومن يتول عن هذا كله ، فإن الله الغني عنه وعن جميع الخلق ، المحمود قبل وجود الخلق.والله تعالى أعلم.
تفسير ابن عجيبة
أمس في 22:49 من طرف Admin
» كتاب مواعظ الإمام زين العابدين ـ صالح أحمد الشامي
18/11/2024, 23:30 من طرف Admin
» كتاب إتحاف النفوس بنفحات القدوس ـ عبد القدوس بن أسامة السامرائي
18/11/2024, 23:25 من طرف Admin
» كتاب الإعلام بفضل الصلاة على النبي والسلام ـ محمد بن عبد الرحمن بن علي النميري
18/11/2024, 23:20 من طرف Admin
» كتاب الغيب ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:08 من طرف Admin
» كتاب الشيطان والإنسان ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:03 من طرف Admin
» كتاب الشعراوي هنا رأيت سيدنا إبراهيم ـ سعيد أبو العنين
18/11/2024, 23:01 من طرف Admin
» كتاب الخير والشر ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:57 من طرف Admin
» كتاب التربية في مدرسة النبوة ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:55 من طرف Admin
» كتاب: إرشاد العباد إلى سبل الرشاد ـ للملبباري
18/11/2024, 22:41 من طرف Admin
» ـ كتاب آداب الحسن البصري ـ أبن الجوزي
18/11/2024, 22:34 من طرف Admin
» كتاب الله والنفس البشرية ـ لمحمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:23 من طرف Admin
» كتاب: معرفة النفس طر يق لمعرفة الرب ـ أستاذ البصيرة عبدالوهاب حسن
18/11/2024, 22:21 من طرف Admin
» كتاب الطريق الي الله ـ الشيخ علي جمعة
18/11/2024, 21:50 من طرف Admin
» كتاب: كتاب النفس والجسد والروح ـ ابراهيم البلتاجي
18/11/2024, 21:38 من طرف Admin