المجلس التاسع والأربعون الجزء الثاني : أنا أعرفكم بالله وأشدكم له خوفا
وقال رضي الله تعالى عنه :
لا تقنع من أحوالهم بالاسم و التزيي بزيهم والتشدق بكلامهم لا ينفعك ذلك مع مخالفتك لأفعالهم.
أنت كدر بلا صفاء خلق بلا خالق ، دنيا بلا آخرة باطل بلا حقيقة ، ظاهر بلا باطن ، قول بلا عمل ، عمل بلا إخلاص ، إخلاص بلا إصابة السنة.
إن الله عز وجل لا يقبل قولا بلا عمل ، ولا عملا بلا إخلاص ، ولا يقبل شيئا من الجملة غير موافق لكتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم .
ذلك دعوى بلا بينة فلا جرم لا يقبل منك شيئا ، إن حصل لك قبول الخلق مع كذبك فما حصل لك قبول الحق عز وجل هو العالم بما في القلوب.
لا تبهرج فإن الناقد بصير :
إن الله عز وجل ينظر إلى قلبك لا إلى صورتك ، ينظر إلى ما وراء الثياب والجلود والعظام ينظر إلى خلوتك لا إلى جلوتك.
أما تستحي جعلت منظر الخلق مزينا ومنظر الحق عز وجل منجسا .
إن أردت الفلاح فتب من جميع ذنوبك وأخلص في توبتك , توب من شركك بالخلق لا تعمل شيئا إلا لله عز وجل .
إني أراك كلك خطأ لأنك مع النفس والهوى والدنيا والشهوات واللذات تجردك , بقة تسخطك لقمة ترضى لرضا نفسك وتسخط لسخطها فأنت عبدها زمامك بيدها.
این انت من عباد الله عز وجل الذين تحققت لهم العبودية له والرضا بأفعاله.
الآفات تنزل عليهم وهم قعود كالجبال الرواسي تنزل إليهم وعليهم وهم ينظرون إليها بعين الصبر والموافقة .
تركوا الأجساد للبلايا وطاروا إلى الحق عز وجل بقلوبهم فهم خيم بلا رجال, أقفاص بلا طيور, أرواحهم عنده ,وأجسادهم بين يديه.
یا معرضين عن ربهم عز وجل یا مستوحشين منه تقدموا إلى حتى أصلح بينكم وبينه, أسأله فيكم ,آخذ لكم الأمن منه ، أتضرع بين يديه ، حتى يهب لكم حقوقه التي له عليكم . .
اللهم ردنا إليك ، و أوقفنا على بابك ، اجعلنا لك وفيك ومعك ، أرضنا بخدمتك ، اجعل أخذنا وعطائنا لك .
طهر بواطننا عن غيرك ، لا ترنا حيث نهيتنا لا تفقدنا حيث أمرتنا .
لا تجعل ظواهرنا في معاصيك وبواطننا في الشرك بك .
خذنا من نفوسنا إليك ، اجعل كلنا لك , أغنياء بك عن غيرك , نبهنا من الغفلة عنك ، أردنا بطاعتك ومناجاتك, لذذ قلوبنا و أسرارنا بقربك.
أحل بيننا وبين معاصيك كما أحلت بين السماء والأرض , وقربنا إلى طاعتك كما قربت بين سواد العين وبياضها .
أحل بيننا وبين ما تكره كما أحلت بين يوسف وزليخا في معصيتك .
وقال رضي الله تعالى عنه :
ذوبوا نفوسكم و أهوائكم و طبائعكم بالصوم الدائم والصلاة الدائمة والصبر الدائم.
إذا صح للعبد ذوبان نفسه وهواه وطبعه بقي هو ومولاه بلا زحمة .
بقي قلبا وسرا ومولاه يسعه بلا ضيق , عافية بلا سقم ,كونوا عقلاء و تعلموا واعملوا وأخلصوا.
( یا غلام ) تعلم من الخلق ثم من الخالق ،
قال النبي صلى الله تعالى عليه وسلم : "من عمل بما يعلم أؤرثه الله علم ما لم يعلم ".
لا بد من التعلم من الخلق أولا وهو الحكم ثم من الخالق ثانيا
وهو العلم اللدني علم يخص القلوب سر يخص الأسرار .
كيف تقدر تتعلم شيئا بلا أستاذ أنت في دار الحكمة اطلب العلم فإن طلبه فريضة ، قال النبي صلى الله عليه وسلم :" اطلبوا العلم ولو بالصين".
( یا غلام) اصحب من يعاونك على جهاد نفسك لا من يعاونها عليك .
اذا صحبت شیخا جاهلا منافقا صاحب طبع و هوی ,?نت معاونا لها عليك.
الشيوخ لا يصحبون للدنيا بل يصحبون للآخرة.
إذا كان الشيخ صاحب طبع و هوی صحب للدنيا.
وإذا كان صاحب قلب صحب للآخرة.
وإذا كان صاحب سر صحب للمولى .
يا من تمشيخ وتصدر وزاحم الشيوخ المخلصين في أحوالهم , ما دمت تطلب الدنيا بنفسك وهواك فأنت صبي ذلك طبع محض النادر من كل نادر.
نفس تعرض عن الدنيا وتتركها اختيارا لا اضطرارا أو كون النفس تطمئن وتصير قلبا ، نادر من كل نادر ؛ بعيد من كل بعيد.
إنما يصح في حقها إذا عميت عن الدنيا والآخرة وما سوى المولى ، كلما قرب العبد من ربه عز وجل كثر خطره واشتد خوفه ولهذا أخطر الناس من الملك وزيره لأنه أقربهم منه.
ما يصل إليه المؤمن إلا بالإخلاص فحينئذ هو على خطر القوم على خطر عظيم لا يسكن خوفهم حتى يلقوا ربهم عز وجل .
من عرف الله عز وجل اشتد خوفه.
ولهذا قال النبي صلى الله تعالى عليه وسلم : "أنا أعرفكم بالله وأشدكم له خوفا ".
الحق عز وجل يختبر أولياؤه ليصفيهم, فهم أبدا على قدم الخوف من التغيير والتبديل , يخافون وإن كان حالهم الأمن ، ينزعجون .
وإن كانوا قد أعطوا السكون ، يناقشون أنفسهم على ذرة أو خردلة ولفتة وأدنى غفلة كلما أسكنهم طاروا كلما أغناهم افتقروا, كلما أمنهم خافوا , كلما أعطاهم امتنعوا ، كلما اضحكهم بكوا ، كلها فرحهم حزنوا يخافون من تقلب الأخبار وسوء العاقبة .
قد علموا أن ربهم عز وجل : "لا يسأل عما يفعل وهم يسألون".
وأنت يا غافل تبارز الحق عز وجل بالمعصية والمخالفة ثم تأمنه .
عن قريب ينقلب أمنك خوفا ، سعتك ضيقا ، عافيتك مرضا، عزك ذلا رفعك وضعا غناك فقرا .
اعلم أن أمنك يوم القيامة من عذاب الله عز وجل على قدر خوفك منه في الدنيا ،وخوفك في الآخرة على قدر أمنك في الدنيا.
ولكنكم غائصون في بحر الدنيا سا?نون في قعر بئر الغفلة ، فلا جرم عیش?م ?عیش البهائم لا تعرفون سوى الأكل والشرب والنكاح والنوم.
أحوالكم ظاهرة عن أرباب القلوب الحرص على الدنيا وجمعها وطلب الأرزاق قد حجبكم عن طريق الحق عز وجل وعن بابه.
يا من قد فضحه حرصه لو اجتمعت أنت وأهل الأرض على أن تجلب لك شيئا لم يقسم لك لم تقدر فدع عنك الحرص على ما طلب ما قد قسم لك وتطلب ما لم يقسم لك.
كيف يحسن العاقل أن يضيع زمانه فيما قد فرغ منه.
أخرج الخلق من قلبك ولا تراهم في الضر والنفع والعطاء والمنع في الحمد والذم في الإكرام والإهانة في الإقبال والإدبار.
وأعتقد أن الضر والنفع من الله عز وجل ، وأن الخير والشر بيده يجريها على أيدي الخلق .
فإذا تحققت صرت سفيرا بين الخلق والخالق ، تأخذ بأيديهم إلى بابه, تراهم كأنهم معدومون بالإضافة إليك .
ترى العصاة لربهم عز وجل بعين الجنون والجهل فتداريهم وتطبهم وتصبر على أذاهم وجهلهم .
الطائعون لربهم عز وجل هم العلماء العقل والعاصين لربهم عز وجل هم الجهال المجانين .
العاصي جهل ربه عز وجل فعصاه وتابع شيطانه ووافقه فلو لم يجهل لما عصى ، لو عرف نفسه وعلم أنها تأمره بالسوء لما وافقها .
كم أحذرك من إبليس وأعوانه وأنت تصحبه وتقبل منه أعوانه النفس والدنيا والهوى والطبع وأقران السوء احذر الجميع فإن كلهم أعداؤك وليس لك محب سوى الله عز وجل فإنه يريدك لك وغيره يريدك له.
إذا فقدت نفسك في حال خلوتك وطلبتها مع الطالبين حينئذ صارت خلوتك أنسا بالحق عز وجل.
إذا تر?ت نفسك مع الدنيا وقلبك مع الأخرى وسرك مع المولى حينئذ صارت خلوتك أنسا بالله .
وأما مع وجودها ووجود غيرها من الأنفس لا يكون لك خلوة.
الخلوة معه إنما تكون مع الوحدة من غيره ,إنما تجده بعد بغض غيره متى تصفو حتى ترى الصفاء وأهله ؟
متى تصدق حتى ترى الصدق وأهله ؟
متى تخلص حتى ترى باب الحق عز وجل وأهله ؟
إذا حققت حالك رأيت رجال الحق عز وجل، إذا رأيت باب الملك رأيت خدمة وقوفا هناك باب الملك ما دسته ما لمحته كيف ترى غلمانه؟
لا كلام حتى ترى الباب فحينئذ ترى الغلمان .
لا كلام حتى ترى الله عز وجل ؟
فحينئذ ترى صدقا وقد رأيت هناك الصدق يحملك ويقدمك ويوقظك والكذب يردك وينومك .
كن مع الصادقين حتى تعامل بما عوملوا به ، اصدق في أقوالك وأفعالك واصبر في جميع أحوالك .
الصدق هو التوحيد والإخلاص والتوكل على الله عز وجل.
حقيقة التوكل قطع الأسباب والأرباب والخروج من حولك وقوتك من حيث قلبك وسرك .
إن أردت الاتصال به فاقطع كل موصول غيره وأعرض عنك وعنهم.
أعرض عن المحدث حتى تصل إلى المحدث ما دمت معك ومعهم لا تفلح .
قرب الحق عز وجل لا يحتمل الزحمة من كل ألف ألف منكم إلى انقطاع النفس واحد يعقل ما أقول ويعمل به و بقيتكم يدخلون في غماره ويتبركون بحضورهم معه.
إني أرجو لكم الخير في الدنيا والآخرة : الدنيا سجن المؤمن فإذا نسى سجنه جاءه الفرج .
المؤمنون في سجن ، والعارفون في شكر فهم غائبون عن السجن قد سقاهم ربهم شراب الشوق إليه ، شراب الأنس ، به ، شراب الطلب له شراب الغفلة عن الخلق واليقظة به.
سقاهم هذه الأشربة فتبنجوا عن الخلق وفاقوا به ومعه ، غابوا عن السجن والمسجونين .
قد عجل لهم في الدنيا نارهم وجنتهم ، المنازعة نارهم والرضا بالقضاء جنتهم ، الغفلة نارهم واليقظة جنتهم .
القيامة في حق العوام المحاسبة وفي حق الخواص معاتبة ، كيف لا يكونون كذلك وقد أقاموا القيامة على أنفسهم وهم في الدنيا بكوا قبل الضرب ، فنفعهم البكاء وقت حضور الضرب .
رؤى سيفان الثوري رحمة الله عليه في المنام فقيل له ما فعل الله بك ؟
قال أوقفني بين يديه وقال لي يا سفيان أما علمت أني غفور رحيم .
بكيت ذلك البكاء كله من خوفي أما استحييت مني ؟
اهجر طبعك وهواك وشيطانك ولا تركن إليهم.
إذا ثبت هذا فاجعل بينك وبين أقران السوء عداوة ولا تصادقهم حتى يوافقونك في حالك ، التوبة قلب دولة ، من تاب ولم يغير ما كان عليه قبل التوبة فقد كذب في توبته إذا غيرت غير عليك .
قال الله عز وجل : "إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم" .
لا تظلم أحدا في الدنيا فإنك تؤخذ به في الآخرة ، اعدل في الدنيا حتى لا يعدل بك عن طريق الجنة .
الظلمه لما تركوا العدل عدل بهم عن طریق دار أهل العدل , اترك كل شيء في موضعه حتى يصير لك موضع عند الله عز وجل .
هذا آخر الزمان إني أراكم قد غيرتم وبدلتم فإني أخاف عليكم من التغيير والتبديل لا بد ما يغير أشياء ويبدل ولكن من الحلال ما يكتم.
یا خلق الله إني أطلب صلاحكم ومنفعتكم في الجملة أتمنى غلق أبواب النار وعدمها بالكلية وأن لا يدخلها أحد من خلق الله عز وجل ، وفتح أبواب الجنة وأن لا يمنع من دخولها أحد من خلق الله عز وجل.
وإنا تمنيت هذه الأمنية لإطلاعي على رحمة الله عز وجل وشفقته على خلقه ، قعودي لمصالح قلوبكم وتهذيبها لا لتغيير الكلام وتهذيبه.
لا تهربوا من خشونة كلامي فيما رباني إلا الخشن في دين الله عز وجل.
كلامي خشن وطعامي خشن فمن هرب مني ومن أمثالي لا يفلح.
إذا أسأت الأدب فيما يرجع إلى الدين لا أتركك ولا أقول أفعل ذلك ولا أبالي حضرت عندي أم غبت .
لا أطلب الحيال إلا بالله عز وجل ومنه لا منكم إني ناحية عن عددكم وحسابكم ما أنا فيه لا يغير باللسان إنما يغير بالجنان لا يمين ولا شمال ولا وراء بل قدام حسب صدر بلا ظهر.
تابع للأنبياء والمرسلين والسلف لا أزال عنهم في عدو ?لي إلى دار قربه.
توبوا من ذنوبكم وسوء أدبكم هذه التوبة غرسي في أرض قلوبكم لبناء أبنية عندكم انقض بناء الشيطان وابني بناء الرحمن .
والحقكم بمولاكم وربكم عز وجل ، إني قائم مع اللب لا مع القشر ، هذا الظاهر قشر لا أتعب في تربيته إنما أربى ألبابكم وأنحي قشوركم ,وأربيكم حتى تقر عين نبيكم بكم .
(یا غلمان ) لا تصحبوني للدنيا واصحبوني للآخرة فحسب ، إذا صحت صحبتكم لي للاخرة جاءتكم الدنيا تبعا وضمنا فتأخذونها على قدر الزهد فيها وأنا ضامن لكم أنكم لا تحاسبون عليها.
قدموا الآخرة على الدنيا ، الباطن على الظاهر ، الحق على الباطل ، الباقي على الفاني .
اتركوا ثم خذوا اتركوا الأخذ من أيدي الطبع والهوى والنفس وخذوا من يد القلب والسر .
اتركوا الأخذ من أيدي الخلق وخذوا من يد الخالق ، أطيعوا الرسول واقبلوا منه ما يأتيكم به من الأمر والنهي
قال الله عز وجل : "وما آتاكم الرسول محذوه وما نهاكم عنه فانتهوا" .
كونوا سباعا عند أمر الله عز وجل ورسوله ومرضى عند نهیهما , موتی عند مجيء الأقضية والأقدار ومع هذا عاشروا الناس بخلق حسن.
لا تطلبوا من الله عز وجل بغير علمه فيكم و وافقوه في حكمه وقدره فيكم وفي غيركم .
عن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم أنه قال : "لما خلق الله عز وجل القلم قال له : اكتب . قال : ما الذي أكتب ؟ قال : اكتب ح?مي في خلقي إلى يوم القيامة ".
یا موتي القلوب یا أحياء النفوس قلوبكم قد ماتت فكونوا في مصيبتها أولى ما تكونون في مصيبة غيركم .
موت القلوب الغفلة عن الله عز وجل وعن ذكره.
فمن أراد منكم أن يحيي قلبه فليترك فيه ذكر الحق عز وجل والأنس به ، والنظر إلى سلطانه وعظمته ، وتصرفه في خلقه .
( یا غلام) اذكر الحق عز وجل أولا بقلبك ثم بقالبك ثانيا اذكره ، بقلبك ألف مرة وبلسانك مرة ، اذكره عند مجيء الآفات بالصبر ، وعند مجيء الدنيا بالترك ؛ وعند مجيء الأخرى بالقبول ، وعند مجيء الحق بالتوحيد، وعند مجيء غيره في الجملة بالإعراض عنه .
إذا أرخيت عنان نفسك طمعت فيك ورمت بك ، ألجمها بلجام الورع ودع عنك القال والقيل .
ذكر الموت يصفي قلبك ويبغض الدنيا والخلق إليك ينكشف الغطاء عن قلبك فترى الخلق فانین موتی هل?ی عجزی لاضر فيهم ولا نفع.
وقال رضي الله تعالى عنه :
لا تقنع من أحوالهم بالاسم و التزيي بزيهم والتشدق بكلامهم لا ينفعك ذلك مع مخالفتك لأفعالهم.
أنت كدر بلا صفاء خلق بلا خالق ، دنيا بلا آخرة باطل بلا حقيقة ، ظاهر بلا باطن ، قول بلا عمل ، عمل بلا إخلاص ، إخلاص بلا إصابة السنة.
إن الله عز وجل لا يقبل قولا بلا عمل ، ولا عملا بلا إخلاص ، ولا يقبل شيئا من الجملة غير موافق لكتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم .
ذلك دعوى بلا بينة فلا جرم لا يقبل منك شيئا ، إن حصل لك قبول الخلق مع كذبك فما حصل لك قبول الحق عز وجل هو العالم بما في القلوب.
لا تبهرج فإن الناقد بصير :
إن الله عز وجل ينظر إلى قلبك لا إلى صورتك ، ينظر إلى ما وراء الثياب والجلود والعظام ينظر إلى خلوتك لا إلى جلوتك.
أما تستحي جعلت منظر الخلق مزينا ومنظر الحق عز وجل منجسا .
إن أردت الفلاح فتب من جميع ذنوبك وأخلص في توبتك , توب من شركك بالخلق لا تعمل شيئا إلا لله عز وجل .
إني أراك كلك خطأ لأنك مع النفس والهوى والدنيا والشهوات واللذات تجردك , بقة تسخطك لقمة ترضى لرضا نفسك وتسخط لسخطها فأنت عبدها زمامك بيدها.
این انت من عباد الله عز وجل الذين تحققت لهم العبودية له والرضا بأفعاله.
الآفات تنزل عليهم وهم قعود كالجبال الرواسي تنزل إليهم وعليهم وهم ينظرون إليها بعين الصبر والموافقة .
تركوا الأجساد للبلايا وطاروا إلى الحق عز وجل بقلوبهم فهم خيم بلا رجال, أقفاص بلا طيور, أرواحهم عنده ,وأجسادهم بين يديه.
یا معرضين عن ربهم عز وجل یا مستوحشين منه تقدموا إلى حتى أصلح بينكم وبينه, أسأله فيكم ,آخذ لكم الأمن منه ، أتضرع بين يديه ، حتى يهب لكم حقوقه التي له عليكم . .
اللهم ردنا إليك ، و أوقفنا على بابك ، اجعلنا لك وفيك ومعك ، أرضنا بخدمتك ، اجعل أخذنا وعطائنا لك .
طهر بواطننا عن غيرك ، لا ترنا حيث نهيتنا لا تفقدنا حيث أمرتنا .
لا تجعل ظواهرنا في معاصيك وبواطننا في الشرك بك .
خذنا من نفوسنا إليك ، اجعل كلنا لك , أغنياء بك عن غيرك , نبهنا من الغفلة عنك ، أردنا بطاعتك ومناجاتك, لذذ قلوبنا و أسرارنا بقربك.
أحل بيننا وبين معاصيك كما أحلت بين السماء والأرض , وقربنا إلى طاعتك كما قربت بين سواد العين وبياضها .
أحل بيننا وبين ما تكره كما أحلت بين يوسف وزليخا في معصيتك .
وقال رضي الله تعالى عنه :
ذوبوا نفوسكم و أهوائكم و طبائعكم بالصوم الدائم والصلاة الدائمة والصبر الدائم.
إذا صح للعبد ذوبان نفسه وهواه وطبعه بقي هو ومولاه بلا زحمة .
بقي قلبا وسرا ومولاه يسعه بلا ضيق , عافية بلا سقم ,كونوا عقلاء و تعلموا واعملوا وأخلصوا.
( یا غلام ) تعلم من الخلق ثم من الخالق ،
قال النبي صلى الله تعالى عليه وسلم : "من عمل بما يعلم أؤرثه الله علم ما لم يعلم ".
لا بد من التعلم من الخلق أولا وهو الحكم ثم من الخالق ثانيا
وهو العلم اللدني علم يخص القلوب سر يخص الأسرار .
كيف تقدر تتعلم شيئا بلا أستاذ أنت في دار الحكمة اطلب العلم فإن طلبه فريضة ، قال النبي صلى الله عليه وسلم :" اطلبوا العلم ولو بالصين".
( یا غلام) اصحب من يعاونك على جهاد نفسك لا من يعاونها عليك .
اذا صحبت شیخا جاهلا منافقا صاحب طبع و هوی ,?نت معاونا لها عليك.
الشيوخ لا يصحبون للدنيا بل يصحبون للآخرة.
إذا كان الشيخ صاحب طبع و هوی صحب للدنيا.
وإذا كان صاحب قلب صحب للآخرة.
وإذا كان صاحب سر صحب للمولى .
يا من تمشيخ وتصدر وزاحم الشيوخ المخلصين في أحوالهم , ما دمت تطلب الدنيا بنفسك وهواك فأنت صبي ذلك طبع محض النادر من كل نادر.
نفس تعرض عن الدنيا وتتركها اختيارا لا اضطرارا أو كون النفس تطمئن وتصير قلبا ، نادر من كل نادر ؛ بعيد من كل بعيد.
إنما يصح في حقها إذا عميت عن الدنيا والآخرة وما سوى المولى ، كلما قرب العبد من ربه عز وجل كثر خطره واشتد خوفه ولهذا أخطر الناس من الملك وزيره لأنه أقربهم منه.
ما يصل إليه المؤمن إلا بالإخلاص فحينئذ هو على خطر القوم على خطر عظيم لا يسكن خوفهم حتى يلقوا ربهم عز وجل .
من عرف الله عز وجل اشتد خوفه.
ولهذا قال النبي صلى الله تعالى عليه وسلم : "أنا أعرفكم بالله وأشدكم له خوفا ".
الحق عز وجل يختبر أولياؤه ليصفيهم, فهم أبدا على قدم الخوف من التغيير والتبديل , يخافون وإن كان حالهم الأمن ، ينزعجون .
وإن كانوا قد أعطوا السكون ، يناقشون أنفسهم على ذرة أو خردلة ولفتة وأدنى غفلة كلما أسكنهم طاروا كلما أغناهم افتقروا, كلما أمنهم خافوا , كلما أعطاهم امتنعوا ، كلما اضحكهم بكوا ، كلها فرحهم حزنوا يخافون من تقلب الأخبار وسوء العاقبة .
قد علموا أن ربهم عز وجل : "لا يسأل عما يفعل وهم يسألون".
وأنت يا غافل تبارز الحق عز وجل بالمعصية والمخالفة ثم تأمنه .
عن قريب ينقلب أمنك خوفا ، سعتك ضيقا ، عافيتك مرضا، عزك ذلا رفعك وضعا غناك فقرا .
اعلم أن أمنك يوم القيامة من عذاب الله عز وجل على قدر خوفك منه في الدنيا ،وخوفك في الآخرة على قدر أمنك في الدنيا.
ولكنكم غائصون في بحر الدنيا سا?نون في قعر بئر الغفلة ، فلا جرم عیش?م ?عیش البهائم لا تعرفون سوى الأكل والشرب والنكاح والنوم.
أحوالكم ظاهرة عن أرباب القلوب الحرص على الدنيا وجمعها وطلب الأرزاق قد حجبكم عن طريق الحق عز وجل وعن بابه.
يا من قد فضحه حرصه لو اجتمعت أنت وأهل الأرض على أن تجلب لك شيئا لم يقسم لك لم تقدر فدع عنك الحرص على ما طلب ما قد قسم لك وتطلب ما لم يقسم لك.
كيف يحسن العاقل أن يضيع زمانه فيما قد فرغ منه.
أخرج الخلق من قلبك ولا تراهم في الضر والنفع والعطاء والمنع في الحمد والذم في الإكرام والإهانة في الإقبال والإدبار.
وأعتقد أن الضر والنفع من الله عز وجل ، وأن الخير والشر بيده يجريها على أيدي الخلق .
فإذا تحققت صرت سفيرا بين الخلق والخالق ، تأخذ بأيديهم إلى بابه, تراهم كأنهم معدومون بالإضافة إليك .
ترى العصاة لربهم عز وجل بعين الجنون والجهل فتداريهم وتطبهم وتصبر على أذاهم وجهلهم .
الطائعون لربهم عز وجل هم العلماء العقل والعاصين لربهم عز وجل هم الجهال المجانين .
العاصي جهل ربه عز وجل فعصاه وتابع شيطانه ووافقه فلو لم يجهل لما عصى ، لو عرف نفسه وعلم أنها تأمره بالسوء لما وافقها .
كم أحذرك من إبليس وأعوانه وأنت تصحبه وتقبل منه أعوانه النفس والدنيا والهوى والطبع وأقران السوء احذر الجميع فإن كلهم أعداؤك وليس لك محب سوى الله عز وجل فإنه يريدك لك وغيره يريدك له.
إذا فقدت نفسك في حال خلوتك وطلبتها مع الطالبين حينئذ صارت خلوتك أنسا بالحق عز وجل.
إذا تر?ت نفسك مع الدنيا وقلبك مع الأخرى وسرك مع المولى حينئذ صارت خلوتك أنسا بالله .
وأما مع وجودها ووجود غيرها من الأنفس لا يكون لك خلوة.
الخلوة معه إنما تكون مع الوحدة من غيره ,إنما تجده بعد بغض غيره متى تصفو حتى ترى الصفاء وأهله ؟
متى تصدق حتى ترى الصدق وأهله ؟
متى تخلص حتى ترى باب الحق عز وجل وأهله ؟
إذا حققت حالك رأيت رجال الحق عز وجل، إذا رأيت باب الملك رأيت خدمة وقوفا هناك باب الملك ما دسته ما لمحته كيف ترى غلمانه؟
لا كلام حتى ترى الباب فحينئذ ترى الغلمان .
لا كلام حتى ترى الله عز وجل ؟
فحينئذ ترى صدقا وقد رأيت هناك الصدق يحملك ويقدمك ويوقظك والكذب يردك وينومك .
كن مع الصادقين حتى تعامل بما عوملوا به ، اصدق في أقوالك وأفعالك واصبر في جميع أحوالك .
الصدق هو التوحيد والإخلاص والتوكل على الله عز وجل.
حقيقة التوكل قطع الأسباب والأرباب والخروج من حولك وقوتك من حيث قلبك وسرك .
إن أردت الاتصال به فاقطع كل موصول غيره وأعرض عنك وعنهم.
أعرض عن المحدث حتى تصل إلى المحدث ما دمت معك ومعهم لا تفلح .
قرب الحق عز وجل لا يحتمل الزحمة من كل ألف ألف منكم إلى انقطاع النفس واحد يعقل ما أقول ويعمل به و بقيتكم يدخلون في غماره ويتبركون بحضورهم معه.
إني أرجو لكم الخير في الدنيا والآخرة : الدنيا سجن المؤمن فإذا نسى سجنه جاءه الفرج .
المؤمنون في سجن ، والعارفون في شكر فهم غائبون عن السجن قد سقاهم ربهم شراب الشوق إليه ، شراب الأنس ، به ، شراب الطلب له شراب الغفلة عن الخلق واليقظة به.
سقاهم هذه الأشربة فتبنجوا عن الخلق وفاقوا به ومعه ، غابوا عن السجن والمسجونين .
قد عجل لهم في الدنيا نارهم وجنتهم ، المنازعة نارهم والرضا بالقضاء جنتهم ، الغفلة نارهم واليقظة جنتهم .
القيامة في حق العوام المحاسبة وفي حق الخواص معاتبة ، كيف لا يكونون كذلك وقد أقاموا القيامة على أنفسهم وهم في الدنيا بكوا قبل الضرب ، فنفعهم البكاء وقت حضور الضرب .
رؤى سيفان الثوري رحمة الله عليه في المنام فقيل له ما فعل الله بك ؟
قال أوقفني بين يديه وقال لي يا سفيان أما علمت أني غفور رحيم .
بكيت ذلك البكاء كله من خوفي أما استحييت مني ؟
اهجر طبعك وهواك وشيطانك ولا تركن إليهم.
إذا ثبت هذا فاجعل بينك وبين أقران السوء عداوة ولا تصادقهم حتى يوافقونك في حالك ، التوبة قلب دولة ، من تاب ولم يغير ما كان عليه قبل التوبة فقد كذب في توبته إذا غيرت غير عليك .
قال الله عز وجل : "إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم" .
لا تظلم أحدا في الدنيا فإنك تؤخذ به في الآخرة ، اعدل في الدنيا حتى لا يعدل بك عن طريق الجنة .
الظلمه لما تركوا العدل عدل بهم عن طریق دار أهل العدل , اترك كل شيء في موضعه حتى يصير لك موضع عند الله عز وجل .
هذا آخر الزمان إني أراكم قد غيرتم وبدلتم فإني أخاف عليكم من التغيير والتبديل لا بد ما يغير أشياء ويبدل ولكن من الحلال ما يكتم.
یا خلق الله إني أطلب صلاحكم ومنفعتكم في الجملة أتمنى غلق أبواب النار وعدمها بالكلية وأن لا يدخلها أحد من خلق الله عز وجل ، وفتح أبواب الجنة وأن لا يمنع من دخولها أحد من خلق الله عز وجل.
وإنا تمنيت هذه الأمنية لإطلاعي على رحمة الله عز وجل وشفقته على خلقه ، قعودي لمصالح قلوبكم وتهذيبها لا لتغيير الكلام وتهذيبه.
لا تهربوا من خشونة كلامي فيما رباني إلا الخشن في دين الله عز وجل.
كلامي خشن وطعامي خشن فمن هرب مني ومن أمثالي لا يفلح.
إذا أسأت الأدب فيما يرجع إلى الدين لا أتركك ولا أقول أفعل ذلك ولا أبالي حضرت عندي أم غبت .
لا أطلب الحيال إلا بالله عز وجل ومنه لا منكم إني ناحية عن عددكم وحسابكم ما أنا فيه لا يغير باللسان إنما يغير بالجنان لا يمين ولا شمال ولا وراء بل قدام حسب صدر بلا ظهر.
تابع للأنبياء والمرسلين والسلف لا أزال عنهم في عدو ?لي إلى دار قربه.
توبوا من ذنوبكم وسوء أدبكم هذه التوبة غرسي في أرض قلوبكم لبناء أبنية عندكم انقض بناء الشيطان وابني بناء الرحمن .
والحقكم بمولاكم وربكم عز وجل ، إني قائم مع اللب لا مع القشر ، هذا الظاهر قشر لا أتعب في تربيته إنما أربى ألبابكم وأنحي قشوركم ,وأربيكم حتى تقر عين نبيكم بكم .
(یا غلمان ) لا تصحبوني للدنيا واصحبوني للآخرة فحسب ، إذا صحت صحبتكم لي للاخرة جاءتكم الدنيا تبعا وضمنا فتأخذونها على قدر الزهد فيها وأنا ضامن لكم أنكم لا تحاسبون عليها.
قدموا الآخرة على الدنيا ، الباطن على الظاهر ، الحق على الباطل ، الباقي على الفاني .
اتركوا ثم خذوا اتركوا الأخذ من أيدي الطبع والهوى والنفس وخذوا من يد القلب والسر .
اتركوا الأخذ من أيدي الخلق وخذوا من يد الخالق ، أطيعوا الرسول واقبلوا منه ما يأتيكم به من الأمر والنهي
قال الله عز وجل : "وما آتاكم الرسول محذوه وما نهاكم عنه فانتهوا" .
كونوا سباعا عند أمر الله عز وجل ورسوله ومرضى عند نهیهما , موتی عند مجيء الأقضية والأقدار ومع هذا عاشروا الناس بخلق حسن.
لا تطلبوا من الله عز وجل بغير علمه فيكم و وافقوه في حكمه وقدره فيكم وفي غيركم .
عن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم أنه قال : "لما خلق الله عز وجل القلم قال له : اكتب . قال : ما الذي أكتب ؟ قال : اكتب ح?مي في خلقي إلى يوم القيامة ".
یا موتي القلوب یا أحياء النفوس قلوبكم قد ماتت فكونوا في مصيبتها أولى ما تكونون في مصيبة غيركم .
موت القلوب الغفلة عن الله عز وجل وعن ذكره.
فمن أراد منكم أن يحيي قلبه فليترك فيه ذكر الحق عز وجل والأنس به ، والنظر إلى سلطانه وعظمته ، وتصرفه في خلقه .
( یا غلام) اذكر الحق عز وجل أولا بقلبك ثم بقالبك ثانيا اذكره ، بقلبك ألف مرة وبلسانك مرة ، اذكره عند مجيء الآفات بالصبر ، وعند مجيء الدنيا بالترك ؛ وعند مجيء الأخرى بالقبول ، وعند مجيء الحق بالتوحيد، وعند مجيء غيره في الجملة بالإعراض عنه .
إذا أرخيت عنان نفسك طمعت فيك ورمت بك ، ألجمها بلجام الورع ودع عنك القال والقيل .
ذكر الموت يصفي قلبك ويبغض الدنيا والخلق إليك ينكشف الغطاء عن قلبك فترى الخلق فانین موتی هل?ی عجزی لاضر فيهم ولا نفع.
20/11/2024, 22:49 من طرف Admin
» كتاب مواعظ الإمام زين العابدين ـ صالح أحمد الشامي
18/11/2024, 23:30 من طرف Admin
» كتاب إتحاف النفوس بنفحات القدوس ـ عبد القدوس بن أسامة السامرائي
18/11/2024, 23:25 من طرف Admin
» كتاب الإعلام بفضل الصلاة على النبي والسلام ـ محمد بن عبد الرحمن بن علي النميري
18/11/2024, 23:20 من طرف Admin
» كتاب الغيب ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:08 من طرف Admin
» كتاب الشيطان والإنسان ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:03 من طرف Admin
» كتاب الشعراوي هنا رأيت سيدنا إبراهيم ـ سعيد أبو العنين
18/11/2024, 23:01 من طرف Admin
» كتاب الخير والشر ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:57 من طرف Admin
» كتاب التربية في مدرسة النبوة ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:55 من طرف Admin
» كتاب: إرشاد العباد إلى سبل الرشاد ـ للملبباري
18/11/2024, 22:41 من طرف Admin
» ـ كتاب آداب الحسن البصري ـ أبن الجوزي
18/11/2024, 22:34 من طرف Admin
» كتاب الله والنفس البشرية ـ لمحمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:23 من طرف Admin
» كتاب: معرفة النفس طر يق لمعرفة الرب ـ أستاذ البصيرة عبدالوهاب حسن
18/11/2024, 22:21 من طرف Admin
» كتاب الطريق الي الله ـ الشيخ علي جمعة
18/11/2024, 21:50 من طرف Admin
» كتاب: كتاب النفس والجسد والروح ـ ابراهيم البلتاجي
18/11/2024, 21:38 من طرف Admin