باب نعت الغراب الذي يصطاد به وهو النوحي
(1/33)
ليس في سائر الغربان من يصيد سوى هذا الجنس، وقد أضري على الأرنب وفي بلاد العراق يلعب به على الأرنب وهو يعمر ما شاء الله، وهي في الصحراء تصيد إذا اتفق اثنان على الأرنب فتقتلها بغير تعب ويصيد الواحد منها البوم الوسطاني الذي يقال له مدبج وهذا غير منكور فإن عنده من الطمع ما هو أكثر من هذا فلا يستنكر هذا منه فإنه يقبض بكفيه أشد ما يكون وهو يدعى كما تدعى الصقور لأنه أطول نفساً من سائر الضواري لأنه يتبع ما يريد صيده يوماً كاملاً إلى أن يصيده ولا يكون كطول نفسه شيء أبداً.
وقد ذكر عنه أنه من قوة ظهره يبك الأنثى وهو طائر وهي طائرة، فمن أراد أن يلعب به يخيطه ويحمله الحمل الذي يفتح فيه الوحشي مثل الصقر والشاهين وغيرهما، ولا يصر إلى اللحم، ويدعى على الجلد كما يدعى صقر الغزال أو على جناح الكركي إذا لم يجد جلد غزال أو أرنب، فإن كان لا يقدر على شيء يؤخذ بقر لطيف ويلبس بدهن بحيث يتغبر الشعر ثم يجعله مدعى له، ويدعى به ولا يطعم الغراب إلا على الأرنب فإنه أصلح ما يكون على الأرنب، وهو يستحب الطلوع والنزول وذلك عادته، وهو أوقح ما يكون من الضواري، فإنه لا يخاف من عقاب ولا من غيره وليس له إلا أن يحمل وحده، فإنه يشبع.
ويحكى أن صياداً استوطن ديراً من الديورة الخالية من الإنس، وقد قطن به غرابان، ذكر فوجد بهما ذلك الصياد أنساً، وكان كل ما صاد شيئاً من الظباء يرمي لهما شيئاً يأكلانه فلزماه وقطنا الدير معه، وزاد أنسه بهما فأنشأ يقول:
يا غرابَ الدير آنست وحشتي ... فآنسك الرحمن ما دمت باقيا
يا غراب الدير متعت بالبقا ... ومتّع من تهواه ما عشت صافيا
يا غراب الدير إلفك حاضر ... وإلفي بعيد الدار عني نائيا
لقد شاقني ما أنت فيه ولا أرى ... عدوي وإني مستهام وباكيا
إذا ما تفارقنا بكيت وإنني ... سأجعل هذا لدير فيه مقاميا
قال: ولزم الصياد ذلك الدير، وتزهد فيه، وكان الخاطر يطرقه في كل قليل وهو يقوم بجميع من يقصده، وصار له شأن عظيم، وذكر بين الناس، وكان يعرف بعبد الله الديراني. وكان من أزهد أهل زمانه، وجعل الصيد دأباً له، فلا يأكل ولا يلبس إلا منه، وكان يتفضل على من يقصده بالخدمة فقيل له: يا شيخ إنك كبرت وقل بصرك، والناس يرون أن يتحفوك بما يغنيك عن الصيد، فقال: لا والله لا أفعل ولا أرضى، فلولا الصيد وملازمته لم اصل إلى ما أنا فيه من هذا الأمر وقد رزقني ربي الرزق الحلال والعمل الصالح، وقد قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : "من بورك له في شيء فليلزمه"، وأنا في ذلك كما قال بعضهم:
إذا ما كان عندي قوت يوم ... نفيت الهمَّ عني يا سعيد
ولا تخطر هموم غدٍ ببالي ... لأن غداً له رزقٌ جديد
وإن جار الزمان عليَّ يوماً ... ودعت ما أريد لما يريد
ولم يزل عبد الله في ذلك الدير إلى أن مات، وولي مكانه من كان يتردد عليه لزيارته، فعاش ما شاء الله ثم مات ثم كان بعدهما آخر فعاش ما شاء الله ثم مات، والغربان في ذلك الدير مازالت على تلك الحالة. وهذا الدير موجود في بلاد العراق ويعرف بدير الغراب.
(1/33)
ليس في سائر الغربان من يصيد سوى هذا الجنس، وقد أضري على الأرنب وفي بلاد العراق يلعب به على الأرنب وهو يعمر ما شاء الله، وهي في الصحراء تصيد إذا اتفق اثنان على الأرنب فتقتلها بغير تعب ويصيد الواحد منها البوم الوسطاني الذي يقال له مدبج وهذا غير منكور فإن عنده من الطمع ما هو أكثر من هذا فلا يستنكر هذا منه فإنه يقبض بكفيه أشد ما يكون وهو يدعى كما تدعى الصقور لأنه أطول نفساً من سائر الضواري لأنه يتبع ما يريد صيده يوماً كاملاً إلى أن يصيده ولا يكون كطول نفسه شيء أبداً.
وقد ذكر عنه أنه من قوة ظهره يبك الأنثى وهو طائر وهي طائرة، فمن أراد أن يلعب به يخيطه ويحمله الحمل الذي يفتح فيه الوحشي مثل الصقر والشاهين وغيرهما، ولا يصر إلى اللحم، ويدعى على الجلد كما يدعى صقر الغزال أو على جناح الكركي إذا لم يجد جلد غزال أو أرنب، فإن كان لا يقدر على شيء يؤخذ بقر لطيف ويلبس بدهن بحيث يتغبر الشعر ثم يجعله مدعى له، ويدعى به ولا يطعم الغراب إلا على الأرنب فإنه أصلح ما يكون على الأرنب، وهو يستحب الطلوع والنزول وذلك عادته، وهو أوقح ما يكون من الضواري، فإنه لا يخاف من عقاب ولا من غيره وليس له إلا أن يحمل وحده، فإنه يشبع.
ويحكى أن صياداً استوطن ديراً من الديورة الخالية من الإنس، وقد قطن به غرابان، ذكر فوجد بهما ذلك الصياد أنساً، وكان كل ما صاد شيئاً من الظباء يرمي لهما شيئاً يأكلانه فلزماه وقطنا الدير معه، وزاد أنسه بهما فأنشأ يقول:
يا غرابَ الدير آنست وحشتي ... فآنسك الرحمن ما دمت باقيا
يا غراب الدير متعت بالبقا ... ومتّع من تهواه ما عشت صافيا
يا غراب الدير إلفك حاضر ... وإلفي بعيد الدار عني نائيا
لقد شاقني ما أنت فيه ولا أرى ... عدوي وإني مستهام وباكيا
إذا ما تفارقنا بكيت وإنني ... سأجعل هذا لدير فيه مقاميا
قال: ولزم الصياد ذلك الدير، وتزهد فيه، وكان الخاطر يطرقه في كل قليل وهو يقوم بجميع من يقصده، وصار له شأن عظيم، وذكر بين الناس، وكان يعرف بعبد الله الديراني. وكان من أزهد أهل زمانه، وجعل الصيد دأباً له، فلا يأكل ولا يلبس إلا منه، وكان يتفضل على من يقصده بالخدمة فقيل له: يا شيخ إنك كبرت وقل بصرك، والناس يرون أن يتحفوك بما يغنيك عن الصيد، فقال: لا والله لا أفعل ولا أرضى، فلولا الصيد وملازمته لم اصل إلى ما أنا فيه من هذا الأمر وقد رزقني ربي الرزق الحلال والعمل الصالح، وقد قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : "من بورك له في شيء فليلزمه"، وأنا في ذلك كما قال بعضهم:
إذا ما كان عندي قوت يوم ... نفيت الهمَّ عني يا سعيد
ولا تخطر هموم غدٍ ببالي ... لأن غداً له رزقٌ جديد
وإن جار الزمان عليَّ يوماً ... ودعت ما أريد لما يريد
ولم يزل عبد الله في ذلك الدير إلى أن مات، وولي مكانه من كان يتردد عليه لزيارته، فعاش ما شاء الله ثم مات ثم كان بعدهما آخر فعاش ما شاء الله ثم مات، والغربان في ذلك الدير مازالت على تلك الحالة. وهذا الدير موجود في بلاد العراق ويعرف بدير الغراب.
اليوم في 19:59 من طرف Admin
» كتاب: إيثار الحق على الخلق ـ للإمام عز الدين محمد بن إبراهيم بن الوزير الحسنى
اليوم في 19:56 من طرف Admin
» كتاب: الذين رأوا رسول الله في المنام وكلّموه ـ حبيب الكل
اليوم في 19:51 من طرف Admin
» كتاب: طيب العنبر فى جمال النبي الأنور ـ الدكتور عبدالرحمن الكوثر
اليوم في 19:47 من طرف Admin
» كتاب: روضة الأزهار فى محبة الصحابة للنبي المختار ـ الدكتور عبدالرحمن الكوثر
اليوم في 19:42 من طرف Admin
» كتاب: دلائل المحبين فى التوسل بالأنبياء والصالحين ـ الشيخ فتحي سعيد عمر الحُجيري
اليوم في 19:39 من طرف Admin
» كتاب: ريحانة الارواح في مولد خير الملاح لسيدي الشيخ علي أمين سيالة
اليوم في 19:37 من طرف Admin
» كتاب: قواعد العقائد فى التوحيد ـ حجة الإسلام الإمام الغزالي
اليوم في 19:35 من طرف Admin
» كتاب: سر الاسرار باضافة التوسل ـ الشيخ أحمد الطيب ابن البشير
اليوم في 19:33 من طرف Admin
» كتاب: خطوتان للحقيقة ـ الأستاذ محمد مرتاض ــ سفيان بلحساين
اليوم في 19:27 من طرف Admin
» كتاب: محمد صلى الله عليه وسلم مشكاة الأنوار ـ الشيخ عبدالله صلاح الدين القوصي
اليوم في 19:25 من طرف Admin
» كتاب: النسمات القدوسية شرح المقدمات السنوسية الدكتور النعمان الشاوي
اليوم في 19:23 من طرف Admin
» كتاب: المتمم بأمر المعظم صلى الله عليه وآله وسلم ـ الشيخ ناصر الدين عبداللطيف ناصر الدين الخطيب
اليوم في 19:20 من طرف Admin
» كتاب: الجواهر المكنونة فى العلوم المصونة ـ الشيخ عبدالحفيظ الخنقي
اليوم في 19:16 من طرف Admin
» كتاب: الرسالة القدسية في أسرار النقطة الحسية ـ ابن شهاب الهمداني
اليوم في 19:09 من طرف Admin