ذكر الله وتحصيل الحضور -12
صيغة التفاضل : ويقصد بها تفضيل الذكر على باقي الأعمال وقد أشار الحديث السابق إلى معنى التفاضل هذا، والنصوص في هذا الباب كثيرة نذكر منها :
حديث أبي هريرة أَنَّ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ مَرَّ علَى جَبَلٍ يُقَالُ له جُمْدَانُ، فَقالَ : «سِيرُوا هذا جُمْدَانُ سَبَقَ المُفَرِّدُونَ قالوا: وَما المُفَرِّدُونَ؟ يا رَسولَ اللهِ، قالَ: الذَّاكِرُونَ اللَّهَ كَثِيرًا، وَالذَّاكِرَاتُ».1، وقد أخرج هذا الحديث أيضا الإمام أحمد بلفظ : سَبَقَ المُفَرِّدُونَ قالوا: وَما المُفَرِّدُونَ قَالَ : الَّذِينَ يَهْتُرُونَ فِي ذِكْرِ اللَّهِ يَضَعُ اللهُ عَنْهُمْ أَثقَالَهُمْ فَيَأْتُونَ يَوْمَ القِيَامَةِ خِفَافًا».
قال الإمام النووي في تفسير لفظة "المفردون" : قال ابن قتيبة وغيره : "سبق المفردون" الذين هلك أقرانهم وانفردوا عنهم فبقوا يذكرون الله تعالى، وفي رواية : «الذين يهتزون في ذكر الله».2
وقال ابن رجب في تفسير هاته اللفظة : والمراد بالإنفراد هنا الإنفراد بهذا العمل وهو كثرة الذكر.3
وفعل "سبَق" المذكور في الحديث الشريف يجعل الذاكرين في المرتبة الأولى بالنسبة لباقي الأعمال، وبالتالي يؤهلهم لكي يكونوا من المقربين من الحق سبحانه وتعالى. قال عز وجل : {وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ فِي جَنَّات النَّعِيم}[الواقعة:12]. ومما يدل على تفضيل الذكر على باقي الأعمال حديث أبي الدرداء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : «أَلَا أُخْبْرُكُمْ بِخَيْرِ أعمالِكُم ، وأَزْكاها عِندَ مَلِيكِكُم ، وأَرفعِها في دَرَجاتِكُم ، وخيرٌ لكم من إِنْفاقِ الذَّهَب والوَرِقِ ، وخيرٌ لكم من أن تَلْقَوا عَدُوَّكم ، فتَضْرِبوا أعناقَهُم ، ويَضْرِبوا أعْناقكُم ؟ ! ، قالوا : بَلَى ، قال : ذِكْرُ اللهِ».4
وفي حديث الترمذي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل : «يا رسولَ اللهِ، أيُّ العِبادِ أفضَلُ دَرَجةً عندَ اللهِ يَومَ القيامةِ؟ قال: الذَّاكِرون اللهَ كَثيرًا، قال: قُلتُ: يا رسولَ اللهِ، ومَن الغازي في سَبيلِ اللهِ؟ قال: لو ضَرَبَ بسَيفِه في الكُفَّارِ والمُشرِكينَ حتَّى يَنكَسِرَ، ويَختَضِبَ دَمًا، لكان الذَّاكِرونَ اللهَ أفضَلَ منه دَرَجةً».5
وأخرج الطبراني في معجمه الأوسط من حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «مَا صَدَقَةٌ أَفْضَلُ مِنْ ذِكْرِ اللهِ».6، قال الهيثمي أن رجاله موثوقون وأخرجه السيوطي في الجامع الصغير.
فبينت هذه الأحاديث كلها أفضلية الذكر على الجهاد في سبيل الله، لأن الذكر في حقيقة أمره سلاح قاتل لأعدى عدو لدى الإنسان وهو نفسه، وطارد لأكبر عدو على وجه الأٍض وهو الشيطان، ثم فضل على باقي أعمال البر أيضًا؛ لأنه مطهر معنوي لأدران الرياء والسمعة وحب الظهور العالقة بالقلب، ومُرقِّ للقلب إلى درجة الإخلاص لله تعالى في هاته الأعمال، ولهذا أعطت التجربة الحيّة أن ذكر الله سبب في فعل كل أعمال الخير التي كان الإنسان يعجز الإنسان عليها قبل ذكره لله تعالى، إذ يصبح الشحيح بالذكر كريمًا منفقًا، ويغدو المتكاسل عن أداء واجباته سابقًا بالخيرات بفضل الذكر ومجالسة الذاكرين.
ولقد أدرك الصحابة رضي الله عنهم أفضلية الذكر على باقي الأعمال، فقد سئل سيدنا سلمان الفارسي : (أَيُّ الأَعْمَالِ أَفْضَل ؟ فَقَالَ : أَمَا تَقْرَاُ القُرْآنَ : {وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ})[العنكبوت:45]. وروي عن أبي الدرداء رضي الله عنه أنه قيل له أنَّ رجلا أعتق مائة نسمة فقال : (إنّ مِائَةَ نَسمَة مِنْ مَالِ رَجُلٍ كَثِيرٌ، وَأَفْضَلُ مِنْ ذَلِكَ إيمَانٌ مَلْزُومٌ بِالَّليْلِ وَالنَّهَارِ وَأَنْ لَا يَزَالُ لِسَانُ أَحَدِكُمْ رَطْباً بِذِكْرِ اللهِ).7
وأخرج الحاكمُ موقُوفًا حديث مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ ، رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قَالَ : (لَأَنْ أَذْكُرَ اللَّهَ تَعَالَى مِنْ بُكْرَةٍ حَتَّى اللَّيْلِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَحْمِلَ عَلَى جِيَادِ الْخَيْلِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ مِنْ بُكْرَةٍ حَتَّى اللَّيْلِ).7
وفي صحيح ابن حبان عنه أنه قال : «آخِرُ مَا فَارَقْتُ عَلَيْهِ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ قُلْتُ لَهُ: أَيُّ الْأَعْمَالِ خَيْرٌ وَأَقْرَبُ إِلَى اللَّهِ؟ قَالَ: أَنْ تَمُوتَ وَلِسَانُكَ رَطْبٌ بِذِكْرِ اللَّهِ».8
وما هذا الإدراك لمعنى الذكر إلا نتاج لما ألفه الصحابة من فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ولما سمعوه منه، من أفضلية هذا العمل وقدره عند الله عز وجل.
** ** **
1 - صحيح مسلم
2 - صحيح مسلم بشرح النووي ص 17
3 - جامع العلوم والحكم ص 416
4 - تحفة الذاكرين
5 - نفس المصدر
6 - نفس المصدر
7 - جامع العلوم والحكم ص416
8 - نفس المصدر
صيغة التفاضل : ويقصد بها تفضيل الذكر على باقي الأعمال وقد أشار الحديث السابق إلى معنى التفاضل هذا، والنصوص في هذا الباب كثيرة نذكر منها :
حديث أبي هريرة أَنَّ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ مَرَّ علَى جَبَلٍ يُقَالُ له جُمْدَانُ، فَقالَ : «سِيرُوا هذا جُمْدَانُ سَبَقَ المُفَرِّدُونَ قالوا: وَما المُفَرِّدُونَ؟ يا رَسولَ اللهِ، قالَ: الذَّاكِرُونَ اللَّهَ كَثِيرًا، وَالذَّاكِرَاتُ».1، وقد أخرج هذا الحديث أيضا الإمام أحمد بلفظ : سَبَقَ المُفَرِّدُونَ قالوا: وَما المُفَرِّدُونَ قَالَ : الَّذِينَ يَهْتُرُونَ فِي ذِكْرِ اللَّهِ يَضَعُ اللهُ عَنْهُمْ أَثقَالَهُمْ فَيَأْتُونَ يَوْمَ القِيَامَةِ خِفَافًا».
قال الإمام النووي في تفسير لفظة "المفردون" : قال ابن قتيبة وغيره : "سبق المفردون" الذين هلك أقرانهم وانفردوا عنهم فبقوا يذكرون الله تعالى، وفي رواية : «الذين يهتزون في ذكر الله».2
وقال ابن رجب في تفسير هاته اللفظة : والمراد بالإنفراد هنا الإنفراد بهذا العمل وهو كثرة الذكر.3
وفعل "سبَق" المذكور في الحديث الشريف يجعل الذاكرين في المرتبة الأولى بالنسبة لباقي الأعمال، وبالتالي يؤهلهم لكي يكونوا من المقربين من الحق سبحانه وتعالى. قال عز وجل : {وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ فِي جَنَّات النَّعِيم}[الواقعة:12]. ومما يدل على تفضيل الذكر على باقي الأعمال حديث أبي الدرداء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : «أَلَا أُخْبْرُكُمْ بِخَيْرِ أعمالِكُم ، وأَزْكاها عِندَ مَلِيكِكُم ، وأَرفعِها في دَرَجاتِكُم ، وخيرٌ لكم من إِنْفاقِ الذَّهَب والوَرِقِ ، وخيرٌ لكم من أن تَلْقَوا عَدُوَّكم ، فتَضْرِبوا أعناقَهُم ، ويَضْرِبوا أعْناقكُم ؟ ! ، قالوا : بَلَى ، قال : ذِكْرُ اللهِ».4
وفي حديث الترمذي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل : «يا رسولَ اللهِ، أيُّ العِبادِ أفضَلُ دَرَجةً عندَ اللهِ يَومَ القيامةِ؟ قال: الذَّاكِرون اللهَ كَثيرًا، قال: قُلتُ: يا رسولَ اللهِ، ومَن الغازي في سَبيلِ اللهِ؟ قال: لو ضَرَبَ بسَيفِه في الكُفَّارِ والمُشرِكينَ حتَّى يَنكَسِرَ، ويَختَضِبَ دَمًا، لكان الذَّاكِرونَ اللهَ أفضَلَ منه دَرَجةً».5
وأخرج الطبراني في معجمه الأوسط من حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «مَا صَدَقَةٌ أَفْضَلُ مِنْ ذِكْرِ اللهِ».6، قال الهيثمي أن رجاله موثوقون وأخرجه السيوطي في الجامع الصغير.
فبينت هذه الأحاديث كلها أفضلية الذكر على الجهاد في سبيل الله، لأن الذكر في حقيقة أمره سلاح قاتل لأعدى عدو لدى الإنسان وهو نفسه، وطارد لأكبر عدو على وجه الأٍض وهو الشيطان، ثم فضل على باقي أعمال البر أيضًا؛ لأنه مطهر معنوي لأدران الرياء والسمعة وحب الظهور العالقة بالقلب، ومُرقِّ للقلب إلى درجة الإخلاص لله تعالى في هاته الأعمال، ولهذا أعطت التجربة الحيّة أن ذكر الله سبب في فعل كل أعمال الخير التي كان الإنسان يعجز الإنسان عليها قبل ذكره لله تعالى، إذ يصبح الشحيح بالذكر كريمًا منفقًا، ويغدو المتكاسل عن أداء واجباته سابقًا بالخيرات بفضل الذكر ومجالسة الذاكرين.
ولقد أدرك الصحابة رضي الله عنهم أفضلية الذكر على باقي الأعمال، فقد سئل سيدنا سلمان الفارسي : (أَيُّ الأَعْمَالِ أَفْضَل ؟ فَقَالَ : أَمَا تَقْرَاُ القُرْآنَ : {وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ})[العنكبوت:45]. وروي عن أبي الدرداء رضي الله عنه أنه قيل له أنَّ رجلا أعتق مائة نسمة فقال : (إنّ مِائَةَ نَسمَة مِنْ مَالِ رَجُلٍ كَثِيرٌ، وَأَفْضَلُ مِنْ ذَلِكَ إيمَانٌ مَلْزُومٌ بِالَّليْلِ وَالنَّهَارِ وَأَنْ لَا يَزَالُ لِسَانُ أَحَدِكُمْ رَطْباً بِذِكْرِ اللهِ).7
وأخرج الحاكمُ موقُوفًا حديث مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ ، رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قَالَ : (لَأَنْ أَذْكُرَ اللَّهَ تَعَالَى مِنْ بُكْرَةٍ حَتَّى اللَّيْلِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَحْمِلَ عَلَى جِيَادِ الْخَيْلِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ مِنْ بُكْرَةٍ حَتَّى اللَّيْلِ).7
وفي صحيح ابن حبان عنه أنه قال : «آخِرُ مَا فَارَقْتُ عَلَيْهِ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ قُلْتُ لَهُ: أَيُّ الْأَعْمَالِ خَيْرٌ وَأَقْرَبُ إِلَى اللَّهِ؟ قَالَ: أَنْ تَمُوتَ وَلِسَانُكَ رَطْبٌ بِذِكْرِ اللَّهِ».8
وما هذا الإدراك لمعنى الذكر إلا نتاج لما ألفه الصحابة من فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ولما سمعوه منه، من أفضلية هذا العمل وقدره عند الله عز وجل.
** ** **
1 - صحيح مسلم
2 - صحيح مسلم بشرح النووي ص 17
3 - جامع العلوم والحكم ص 416
4 - تحفة الذاكرين
5 - نفس المصدر
6 - نفس المصدر
7 - جامع العلوم والحكم ص416
8 - نفس المصدر
25/11/2024, 17:11 من طرف Admin
» كتاب التواضع والخمول تصنيف ابن أبي الدنيا
25/11/2024, 17:02 من طرف Admin
» كتاب: في رياض السيرة النبوية العهد المكي – د.أحمد عمر هاشم ـ ج1
25/11/2024, 16:27 من طرف Admin
» كتاب في رياض السيرة النبوية (العهد المدني) لأحمد عمر هاشم ـ ج2
25/11/2024, 15:41 من طرف Admin
» كتاب: القصص في الحديث النبوي ـ لمحمد الزير موقع مكتبة
25/11/2024, 15:03 من طرف Admin
» كتاب: الكلام على قوله تعالى {إنما يخشى الله من عباده العلماء} ـ ابن رجب الحنبلي
25/11/2024, 14:58 من طرف Admin
» كتاب: نهاية العالم في الكتاب المقدس - دراسة مقارنة مع القرآن الكريم ـ نور فائزة بنت عثمان
20/11/2024, 22:49 من طرف Admin
» كتاب مواعظ الإمام زين العابدين ـ صالح أحمد الشامي
18/11/2024, 23:30 من طرف Admin
» كتاب إتحاف النفوس بنفحات القدوس ـ عبد القدوس بن أسامة السامرائي
18/11/2024, 23:25 من طرف Admin
» كتاب الإعلام بفضل الصلاة على النبي والسلام ـ محمد بن عبد الرحمن بن علي النميري
18/11/2024, 23:20 من طرف Admin
» كتاب الغيب ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:08 من طرف Admin
» كتاب الشيطان والإنسان ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:03 من طرف Admin
» كتاب الشعراوي هنا رأيت سيدنا إبراهيم ـ سعيد أبو العنين
18/11/2024, 23:01 من طرف Admin
» كتاب الخير والشر ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:57 من طرف Admin
» كتاب التربية في مدرسة النبوة ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:55 من طرف Admin