بسم الله الرحمن الرحيم
يقول الفقير إلى مولاه تعالى ، حسن بن أحمد بن عبد الله بن عاكش غفر الله له
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الأمين ، وآله المطهرين ، وصحبه أجمعين
وبعد فقد سألني الأخ العلامة الصديق الفهامة الجليل ، المحقق النبيل : عز الإسلام ، ونور حدقة الأنام محمد بن شيخنا الشريف عبد الرحمن بن سليمان الأهدل ، مد الله أيامه ؛ أن أشرح له صورة المناظرة التي وقعت في شهر جمادى الثانية سنة 1245هـ بين شيخنا الرباني العارف بالله ، الجامع بين علمي الشريعة والحقيقة (سيدي أحمد بن إدريس الحسني المغربي) وبين الفقيه ناصر الكبيبي الجوني وبعض فقهاء عسير ؛ وهم عبد الله بن سرور اليامي ، وعباس بن محمد الرفيدي ، إذ كنت حاضر في ذلك الوقت ، وأنا أسبح في ذلك البحر ، بسبب ما ساعد البخت ، وذلك أن الله تعالى قد من علينا بقدوم شيخنا المشار إليه لبلدة صبياً في تلك المدة في شعبان سنة 1244 وكان ذلك من أجل نعم الله على هذا القطر ، وكانت صبياً في تلك المدة تحت حكم الأمير على من مجثل ، فاختارها الأستاذ للإقامة ، وقد أجرى عليه الأمير الكفاية ، وكان له في ذلك الشرف الأصيل ، والذكر الجميل ولما استقر صار كمية للقاصدين وهرع الناس إليه من كل فج ، في كل وقت وحين ، حتى كانت صبياً تضئ بالأنوار أيامها ، وتنشر على سائر البقاع أعلامها ولله در القائل
وإذا نظرت إلى البقاع وجدتها تشقى كما يشقى الرجال وتسعد
وكان يحضر لديه جماعة من علماء تهامة ، وكنت أنا من جملتهم ، وله في اليوم مجلسان مجلس بعد الإشراق حتى يتعالى النهار ، ومجلس بعد العصر حتى وقت المغرب ، وكان يحضر في ذلك الوقت أمم من الناس فينثر عليهم درر الفوائد في البكور والآصال ، على قدر مقام السائلين ، ويعطي كل أحد جوابه على قدر مداركه ، بحسن عبارة لها الجمادات تلين .
وكان الفقيه عبد الله بن سرور مقيماً في صيبا ، ويحضر مجلسه في غالب الأوقات وينفر طبعه مما يسمع من كلام الأستاذ الإمام ، ويشمئز ثم يكثر من الأسئلة ، فأتولى الجواب على سؤاله عن الحاضرين ، لتخريج العبارة على وجه يقبله ذهنه ، ولهذا السبب وجد المنكر على الجانب الإدريسي من الجامدين على الظاهر باباً للقيل والقال ، أما أهل الدراية ومن يعرفون مصطلح السنة والكتاب ، فيعرفون أن طريقته جارية على صحيح الكتاب والسنة ، وفي الحقيقة إنه لم تصدر منه إلا علوم زاخرة ، ومعرف باهرة لأنه من العلماء الربانيين فإني بحمد الله قد لازمته ، وأخذت عنه علم الطريقة وعثرت من معارفه على زبد الحقيقة ، فهو رباني هذه الأمة المحمدية ، وقطب دائرة الولاية الأحمدية ، التي لم يصل إلى مداها أحد من أهل عصره ، ولم يتحل بحلى معارفه عالم من علماء دهره . قد خاض في بحر من العلوم بتوفيق القدير ، فدع قول غيري ممن مال عنه ، وخذ بقولي فلا ينبئك مثل خبير
والفقيه عبد الله بن سرور هذا ممن حفظ القرآن ، ولم يتفقه إلا بشئ يسير أخذه من بعض علماء تهامة ، ولم يتمكن في العلوم ، حتى يميز بين المعلوم والموهوم ، واتخذ بلاد عسير وطنالة ، ودان بمعتقد الطائفة النجدية أي الذين هم على مذهب محمد بن عبد الوهاب في إطلاق الشرك الأكبر على جميع الأمة المحمدية ، من غير تفريق بين الموحد منهم والمشرك الذي يعتقد النفع والضر في غير الله تعالى ، وقد حدثت بين المتقدمين من أمرائهم وقائع مختلفة بسبب هذا الاعتقاد ، حتى سالت بها سيول من الدماء ، في هذا القطر التهامي . كما هو مسطر في تاريخ علماء اليمن ، ومعلوم بالتواتر لمن عقل ، وليس العهد ببعيد
فتلقى الفقيه عبد الله تلك الكلمات من بعض أولئك الأتباع ، في مجلس أصحاب شيخنا السيد أحمد نفعنا الله به وعرضها على ما بلغ إليه علمه ، فأعتقد أنها خارجة عن معتقده ، وأنها ليست من العلوم التي دان بها هو وأهل بلده ومازال يراجعني فيما كان يسبح . وأرشده إلى ما يصون عرضه ودينه ، فلم يذعن لنصائحي ، وقد تحقق أني لا أقبل منه طعنة في شيخنا ، رضي الله عنه .
ومازال يصرح أن السيد أحمد بن إدريس يعتقد مذهب ابن العربي من الاتحاد والحلول ، يعني أن الله تعالى يحل في كل صورة ، ويتحد بها . وهذا كفر ، وهو مذهب النصارى تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً ، وقد كتب نسخة حصر فيها اعتراضاته على شيخنا
منها اعتقاده بهذه النحلة الكفرية ، وأن أصحابه يبالغون في تعظيمه بما يقرب من عبادة الخالق ، من تقبيل يديه ورجليه ، والخضوع الزائد له وأنهم يحملونه على السرير إلى بيته إذا خرج ، ولا يرضون مشياً على الأرض إكباراً وتعظيماً ، وأن هذا عين الشرك ، لأنه لا يستحق التعظيم بمثل ذلك إلا الله تعالى
وإن أصحابه قد أشركوا بمثل هذا الفعل ، وأن إقرارهم عليه خطأ ، وأنه اعتقاد مذهب ابن العربي كفر كما كفره بذلك طائفة من العلماء
وأن السيد أحمد يفسر القرآن بغير ما تدل عليه اللغة العربية ، مما لا تقتضيه دلالة الكلام ، على اختلاف أنواعه
وأنه يؤخر صلاة العصر حتى تصفر الشمس ، ويصلي فريضة المغرب بقرب صلاة العشاء ، بسبب تطويل الركعتين قبل صلاة المغرب وكلا الأمرين منهي عنه
وأن بعض أصحابه يصحب الأحداث ، ويستحسن مجالسة أهل الصورة الحسنة من المراد ، وربما جرى من بعضهم الفاحشة
وان منهم من يختلي بالأجنبية من النساء ، ولا يحترز من المقدمات التي هي رائد الزنا
ومنهم من يقدح في علوم الشرع ، وفيما ألفه علماء الإسلام من أصل وفرع وهذه أمور لا يحل لأي أحد السكوت عليها ، ولا يليق ولي الأمر أن يتغافل عنها
ولما كتب عبد الله بن سرور هذه المسائل في رسالة . بعث بها إلى الأمير على بن مجثل فأرسلها الأمير أولاً إلى الشيخ العلامة إبراهيم بن أحمد الزمزمي ، وهو من العلماء الراسخين في العلم . وبعد إطلاعه عليها أرشد الأمير إلى إعدامها وتمزيقها ، وألا يصغى إلى شئ مما فيها ، ويزجر مؤلفها ويمنعه من التعرض لما لم يبلغ إليه فهمه . فلم يصغ الأمير إلى كلامه ، واستحسن رأي (مطاوعته) مثل الفقيه ناصر الكبيبي الذي تولى تقرير ذلك الأمر في الاعتراض واعتقد أن ذلك من نصرة الدين . حتى أدى الحال إلى أن الأمير أرسل كتاباً يخطه إلى السيد محمد بن حسن بن خالد . عامل صبياً يشير عليه بأن من يتبع أقوال السيد أحمد بن إدريس من اصحابه يؤمر بالخروج من صبيا . ويسفر إلى البلاد البعيدة . فلم يستحسن ذلك الصنع . بل راجع الأمير هو وبعض علماء الجهة في عدم استحسانه هذا الرأي . أما ناصر الكبيبي هذا فذو دعوة عريضة في العلم . وليس هو في الحقيقة كمستواه ، وإنما هو ذو مكر ونفاق . وقد خدع بمكره ونفاقه من لا يدري الحقائق . ولو أنه جلس بين يدي من يرشده إلى الصواب لرجع عن تخطئة غيره ورميه بكل مكروه فلما نزل الأمير من السراة إلى أبي عريش لجهاد الأتراك الموجودين فيه ، ووصل إلى صبيا أعاد الخوض في هذه المسألة فقام ناصر الكبيبي ؛ وقال للأمير أنا أقوم بمناظرة السيد أحمد بن إدريس ، وأورد عليه المسائل التي نسبها إليه عبد الله بن سرور ، وإلى أصحابه ، وبعد استقرار الأمير بصبيا استدعى يجمع من العلماء من أهل المخلاف الموجودين بصبيا ، فممن حضر من علمائهم وأعيانهم السيد يحيى بن النعمي ، والسيد العلامة على بن محمد بن عقيل الحازمي ، والسيد العلامة عيسى بن على ، والقاضي العلامة عبد الله بن محمد السبيعي ، والقاضي العلامة إسماعيل بن بشير ، والسيد العلامة على بن محمد الشوش . والفاضل السيد حسن بن محمد بن عبده ، والفقيه محمد بن عبده الجاوي ؛ وغيرهم من فقهاء البلد . وكنت ممن دعى إلى حضور ذلك المجلس فحضرت ولما تم اجتماع من ذكروا كافة بحضرة الأمير على طلب إحضاء فقهائه . فحضر ناصر الكبيبي . وعبد الله بن سرور . وعباس بن محمد الرفيدي وقال الأمير : إني لم أجمعكم إلا لما قد علمتم ما نحن عليه من الدعوة الإسلامية وإنا قائمون في تجديد التوحيد . وهدم الشرك وهذه رسالة كتبها عبد الله بن سرور ، فيها حوادث جارية مما ينافي التوحيد . ويقدم في جانب الإسلام وأهله . والمقصود إطلاعكم عليها . فإنا لا نقول ولا نفعل إلا بقول أهل العلم ، فقرأت تلك الرسالة في ذلك المجتمع . وتولى قراءتها الفقيه يحيى كاتب الأمير
وبعد أن ألقاها تماماً قال الأمير : ما تقولون ؟ فبادر السيد على بالجواب وقال : هذه الأمور لم تكن صادرة من السيد أحمد . فعارضه ناصر الكبيبي قائلاً : لا تقل السيد أحمد ، فإن السيد هو الله . بل قل الشريف أحمد أو أحمد ابن إدريس . فقال له قد قال r لبسطه الحسن " إن ابني هذا سيد " وقال للأنصار لما أقبل سعد بن معاذ " قوموا لسيدكم ، ولفظ السيد إطلاقه في الشرع شائع لا محظور فيه
فقال الأمير ليس هذا من مقصدنا ، إنما القصد أن تتكلم يا علي . فقال على ابن محمد بن على : أنا عرفت السيد أحمد بن إدريس أيام مهاجرته في مكة سنة 1236هـ . وهو من العلماء الأكابر ، ولا نظير له فيما علمنا بالأقطار الإسلامية ، في معارفة في العلوم الشرعية وعلوم الحقائق ، وليس يوزن بأحد من أهل هذا الزمان إلا رجحه . وقد أقر له بكمال العرفان الجهابذة من علماء الشرع الذين هم القدوة لنا في هذا الزمان . وهم مثل مشايخنا السيد عبد الرحمن بن سليمان . والقاضي عبد الرحمن بن أحمد البلهكي ، صاحب بيت الفقيه ومن في طباقتهم من علماء اليمن والشام ، ومثل عالم صنعاء القاضي محمد بن على الشوكاني الذي عرفه بالمكاتبة . وأطنب في الثناء عليه ، وأرشد الناس إلى الاستكثار من علومه . فقال إنها حديثة عهد بربها . فيما رأيته في خطاب له إلى السيد عبد الرحمن بن سليمان
وكذا السيد الحافظ عبد الله بن محمد الأمير ، وأخوه المحقق قاسم بن محمد وابن أخيه العلامة يوسف بن إبراهيم . فإذا كان مثل هؤلاء العلماء الذي تسنموا غارب الاجتهاد . وما منهم إلا وله مصنف في علوم الإسلام . وهم رضي الله عنهم أئمة نقاد . طأطأوا رؤسهم له أدباً . وأذعنوا له فماذا يكون مثل ناصر الكبيبي ، وعبد الله اليامي . الذين نسبتهما إليه كنسبة صبيان المكتب إلى الجهابذة من العلماء . فإنكارهما على السيد أحمد منكر ولا ينبغي لك أن تساعدهما على ذلك
فلما سمع الأمير قوله التفت إلى السيد يحيى بن محسن فقال له ما تقول أ،ت وهؤلاء العلماء . وكل منكم يتكلم بمفرده ، ويبدي رأيه . فهذا دين ما فيه محاباة فقال السيد يحيى : هذا الأستاذ رجل كما وصفه على بن محمد ويزيد على ذلك بأنه في الدرجة مثل السيد الصادق ، والسيد الباقر من أهل البيت ، وأنت قد نشرتم بقدومه إلى بلادكم . والآن بهذا العمل معه تكدرون المشرب فإذا لم تريدوا أن يقيم معكم في البلاد التي تحت حكمكم ، فاطلبوا منه الارتحال عنها ، لأنه قد فارق أشرف البقاع بدون هذا الإزعاج ، وأما فتح باب الاعتراض عليه من أمثالنا ، وأمثال هؤلاء الإخوان الذي تحت خدمتكم وطاعتكم ، فهو أمر لا يليق ، وحيثما توجه هذا السيد الإمام لقي الإكرام وقد سبح في بحر لسنا من الذين يخوضون فيه ، وما هلك من عرف قدر نفسه ، بل يكون ذلك من باب اعتراض من لا يدري على من يدري ، وهذا هو الجهل البسيط
وقال عبد الله السبيعي وكان في طبعه حدة أنا بحضرتكم الآن وبموافقة هؤلاء الأعلام أناظر لكم ناصر الكبيبي وعبد الله ، وما اسألهما إلا عن بعض مسائل من ظواهر الشرع في باب الطهارة والمواقيت ، فإن أجابا على الصواب عرفت أنهما عالمان ، وحسن إطلاق (لفظ) عالم وفقيه عليهما وإن عجزا عن مناظرتي أيقنت أنهما عاجزان عن مناظرة سيدي أحمد بن إدريس ، حيث إنه البحر الذي لا ينزف
وقد صوب كل الحاضرين هذا الرأي ، وتكلم كل أحد عن نفسه مستحسناً ما قرره هؤلاء العلماء
فغضب عبد الله بن سرور وكان فيه طيش ، وقال للأمير إن هؤلاء الناس قبل أن يصلوا إليك ، تواطأوا على هذا الرأي فيما بينهم ، ثم التفت إلى الجماعة وقال لهم أنتم يا علماء تهامة ، ألا تغضبون لهذه المنكرات الصادرة من أصحاب السيد أحمد ، وعندكم عقائد في الصالحين ، تخافون من السيد أحمد ولا تخافون من الله ؟ فقال له بعض الحاضرين من العلماء إن هذا الكلام سفه ، فالغضب لله تعالى يكون عند وجود المنكر ، وفعل السيد معروف ، وأنت قد خلطت المعروف بالمنكر ، وأردت أن نساعدك عليه ، وقد برأنا الله سبحانه وتعالى من أن نرضى مخلوقاً فيما يغضب الخالق ، أو نقر باطلاً ، ولكن رأينا أن افتراء المعائب على مثل هذا السيد الإمام مما تعجل عقوبة المفتري عليه ، وأما قولك إننا نخافه فهو في غير محله ، لأنه لم يكن بيده سيف ولا سنان ، بل إن سلاحه الذي يحارب به المعاندين والمكابرين أدلة السنة وقطعيات القرآن ، وسهام الأدعية التي لا تخطئ مستحقاً وقد جاء في الحديث الصحيح " من آذى لي ولياً فقد آذنته بالحرب ) وإذا لم يكن العلماء أولياء لله فما في الدنيا ولي . ومن بارز الله تعالى بالمحاربة فقد هلك
فقال الأمير نحن مالنا في جدالكم وخصامكم شئ ، وإنما نلزمكم في هذه الليلة أن تتوجهوا ومعكم ناصر الكبيبي ، وعبد الله بن سرور وتعقدوا مجلس المنازرة بينهما وبين السيد أحمد بن إدريس بوجودكم ، والحق أكبر من كل أحد ، ولا نقر أحداً في بلادنا على الباطل ، وحبل الدين متين ، فتفرقوا على هذا الاتفاق من عقدة مجلس المناظرة ،
يقول الفقير إلى مولاه تعالى ، حسن بن أحمد بن عبد الله بن عاكش غفر الله له
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الأمين ، وآله المطهرين ، وصحبه أجمعين
وبعد فقد سألني الأخ العلامة الصديق الفهامة الجليل ، المحقق النبيل : عز الإسلام ، ونور حدقة الأنام محمد بن شيخنا الشريف عبد الرحمن بن سليمان الأهدل ، مد الله أيامه ؛ أن أشرح له صورة المناظرة التي وقعت في شهر جمادى الثانية سنة 1245هـ بين شيخنا الرباني العارف بالله ، الجامع بين علمي الشريعة والحقيقة (سيدي أحمد بن إدريس الحسني المغربي) وبين الفقيه ناصر الكبيبي الجوني وبعض فقهاء عسير ؛ وهم عبد الله بن سرور اليامي ، وعباس بن محمد الرفيدي ، إذ كنت حاضر في ذلك الوقت ، وأنا أسبح في ذلك البحر ، بسبب ما ساعد البخت ، وذلك أن الله تعالى قد من علينا بقدوم شيخنا المشار إليه لبلدة صبياً في تلك المدة في شعبان سنة 1244 وكان ذلك من أجل نعم الله على هذا القطر ، وكانت صبياً في تلك المدة تحت حكم الأمير على من مجثل ، فاختارها الأستاذ للإقامة ، وقد أجرى عليه الأمير الكفاية ، وكان له في ذلك الشرف الأصيل ، والذكر الجميل ولما استقر صار كمية للقاصدين وهرع الناس إليه من كل فج ، في كل وقت وحين ، حتى كانت صبياً تضئ بالأنوار أيامها ، وتنشر على سائر البقاع أعلامها ولله در القائل
وإذا نظرت إلى البقاع وجدتها تشقى كما يشقى الرجال وتسعد
وكان يحضر لديه جماعة من علماء تهامة ، وكنت أنا من جملتهم ، وله في اليوم مجلسان مجلس بعد الإشراق حتى يتعالى النهار ، ومجلس بعد العصر حتى وقت المغرب ، وكان يحضر في ذلك الوقت أمم من الناس فينثر عليهم درر الفوائد في البكور والآصال ، على قدر مقام السائلين ، ويعطي كل أحد جوابه على قدر مداركه ، بحسن عبارة لها الجمادات تلين .
وكان الفقيه عبد الله بن سرور مقيماً في صيبا ، ويحضر مجلسه في غالب الأوقات وينفر طبعه مما يسمع من كلام الأستاذ الإمام ، ويشمئز ثم يكثر من الأسئلة ، فأتولى الجواب على سؤاله عن الحاضرين ، لتخريج العبارة على وجه يقبله ذهنه ، ولهذا السبب وجد المنكر على الجانب الإدريسي من الجامدين على الظاهر باباً للقيل والقال ، أما أهل الدراية ومن يعرفون مصطلح السنة والكتاب ، فيعرفون أن طريقته جارية على صحيح الكتاب والسنة ، وفي الحقيقة إنه لم تصدر منه إلا علوم زاخرة ، ومعرف باهرة لأنه من العلماء الربانيين فإني بحمد الله قد لازمته ، وأخذت عنه علم الطريقة وعثرت من معارفه على زبد الحقيقة ، فهو رباني هذه الأمة المحمدية ، وقطب دائرة الولاية الأحمدية ، التي لم يصل إلى مداها أحد من أهل عصره ، ولم يتحل بحلى معارفه عالم من علماء دهره . قد خاض في بحر من العلوم بتوفيق القدير ، فدع قول غيري ممن مال عنه ، وخذ بقولي فلا ينبئك مثل خبير
والفقيه عبد الله بن سرور هذا ممن حفظ القرآن ، ولم يتفقه إلا بشئ يسير أخذه من بعض علماء تهامة ، ولم يتمكن في العلوم ، حتى يميز بين المعلوم والموهوم ، واتخذ بلاد عسير وطنالة ، ودان بمعتقد الطائفة النجدية أي الذين هم على مذهب محمد بن عبد الوهاب في إطلاق الشرك الأكبر على جميع الأمة المحمدية ، من غير تفريق بين الموحد منهم والمشرك الذي يعتقد النفع والضر في غير الله تعالى ، وقد حدثت بين المتقدمين من أمرائهم وقائع مختلفة بسبب هذا الاعتقاد ، حتى سالت بها سيول من الدماء ، في هذا القطر التهامي . كما هو مسطر في تاريخ علماء اليمن ، ومعلوم بالتواتر لمن عقل ، وليس العهد ببعيد
فتلقى الفقيه عبد الله تلك الكلمات من بعض أولئك الأتباع ، في مجلس أصحاب شيخنا السيد أحمد نفعنا الله به وعرضها على ما بلغ إليه علمه ، فأعتقد أنها خارجة عن معتقده ، وأنها ليست من العلوم التي دان بها هو وأهل بلده ومازال يراجعني فيما كان يسبح . وأرشده إلى ما يصون عرضه ودينه ، فلم يذعن لنصائحي ، وقد تحقق أني لا أقبل منه طعنة في شيخنا ، رضي الله عنه .
ومازال يصرح أن السيد أحمد بن إدريس يعتقد مذهب ابن العربي من الاتحاد والحلول ، يعني أن الله تعالى يحل في كل صورة ، ويتحد بها . وهذا كفر ، وهو مذهب النصارى تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً ، وقد كتب نسخة حصر فيها اعتراضاته على شيخنا
منها اعتقاده بهذه النحلة الكفرية ، وأن أصحابه يبالغون في تعظيمه بما يقرب من عبادة الخالق ، من تقبيل يديه ورجليه ، والخضوع الزائد له وأنهم يحملونه على السرير إلى بيته إذا خرج ، ولا يرضون مشياً على الأرض إكباراً وتعظيماً ، وأن هذا عين الشرك ، لأنه لا يستحق التعظيم بمثل ذلك إلا الله تعالى
وإن أصحابه قد أشركوا بمثل هذا الفعل ، وأن إقرارهم عليه خطأ ، وأنه اعتقاد مذهب ابن العربي كفر كما كفره بذلك طائفة من العلماء
وأن السيد أحمد يفسر القرآن بغير ما تدل عليه اللغة العربية ، مما لا تقتضيه دلالة الكلام ، على اختلاف أنواعه
وأنه يؤخر صلاة العصر حتى تصفر الشمس ، ويصلي فريضة المغرب بقرب صلاة العشاء ، بسبب تطويل الركعتين قبل صلاة المغرب وكلا الأمرين منهي عنه
وأن بعض أصحابه يصحب الأحداث ، ويستحسن مجالسة أهل الصورة الحسنة من المراد ، وربما جرى من بعضهم الفاحشة
وان منهم من يختلي بالأجنبية من النساء ، ولا يحترز من المقدمات التي هي رائد الزنا
ومنهم من يقدح في علوم الشرع ، وفيما ألفه علماء الإسلام من أصل وفرع وهذه أمور لا يحل لأي أحد السكوت عليها ، ولا يليق ولي الأمر أن يتغافل عنها
ولما كتب عبد الله بن سرور هذه المسائل في رسالة . بعث بها إلى الأمير على بن مجثل فأرسلها الأمير أولاً إلى الشيخ العلامة إبراهيم بن أحمد الزمزمي ، وهو من العلماء الراسخين في العلم . وبعد إطلاعه عليها أرشد الأمير إلى إعدامها وتمزيقها ، وألا يصغى إلى شئ مما فيها ، ويزجر مؤلفها ويمنعه من التعرض لما لم يبلغ إليه فهمه . فلم يصغ الأمير إلى كلامه ، واستحسن رأي (مطاوعته) مثل الفقيه ناصر الكبيبي الذي تولى تقرير ذلك الأمر في الاعتراض واعتقد أن ذلك من نصرة الدين . حتى أدى الحال إلى أن الأمير أرسل كتاباً يخطه إلى السيد محمد بن حسن بن خالد . عامل صبياً يشير عليه بأن من يتبع أقوال السيد أحمد بن إدريس من اصحابه يؤمر بالخروج من صبيا . ويسفر إلى البلاد البعيدة . فلم يستحسن ذلك الصنع . بل راجع الأمير هو وبعض علماء الجهة في عدم استحسانه هذا الرأي . أما ناصر الكبيبي هذا فذو دعوة عريضة في العلم . وليس هو في الحقيقة كمستواه ، وإنما هو ذو مكر ونفاق . وقد خدع بمكره ونفاقه من لا يدري الحقائق . ولو أنه جلس بين يدي من يرشده إلى الصواب لرجع عن تخطئة غيره ورميه بكل مكروه فلما نزل الأمير من السراة إلى أبي عريش لجهاد الأتراك الموجودين فيه ، ووصل إلى صبيا أعاد الخوض في هذه المسألة فقام ناصر الكبيبي ؛ وقال للأمير أنا أقوم بمناظرة السيد أحمد بن إدريس ، وأورد عليه المسائل التي نسبها إليه عبد الله بن سرور ، وإلى أصحابه ، وبعد استقرار الأمير بصبيا استدعى يجمع من العلماء من أهل المخلاف الموجودين بصبيا ، فممن حضر من علمائهم وأعيانهم السيد يحيى بن النعمي ، والسيد العلامة على بن محمد بن عقيل الحازمي ، والسيد العلامة عيسى بن على ، والقاضي العلامة عبد الله بن محمد السبيعي ، والقاضي العلامة إسماعيل بن بشير ، والسيد العلامة على بن محمد الشوش . والفاضل السيد حسن بن محمد بن عبده ، والفقيه محمد بن عبده الجاوي ؛ وغيرهم من فقهاء البلد . وكنت ممن دعى إلى حضور ذلك المجلس فحضرت ولما تم اجتماع من ذكروا كافة بحضرة الأمير على طلب إحضاء فقهائه . فحضر ناصر الكبيبي . وعبد الله بن سرور . وعباس بن محمد الرفيدي وقال الأمير : إني لم أجمعكم إلا لما قد علمتم ما نحن عليه من الدعوة الإسلامية وإنا قائمون في تجديد التوحيد . وهدم الشرك وهذه رسالة كتبها عبد الله بن سرور ، فيها حوادث جارية مما ينافي التوحيد . ويقدم في جانب الإسلام وأهله . والمقصود إطلاعكم عليها . فإنا لا نقول ولا نفعل إلا بقول أهل العلم ، فقرأت تلك الرسالة في ذلك المجتمع . وتولى قراءتها الفقيه يحيى كاتب الأمير
وبعد أن ألقاها تماماً قال الأمير : ما تقولون ؟ فبادر السيد على بالجواب وقال : هذه الأمور لم تكن صادرة من السيد أحمد . فعارضه ناصر الكبيبي قائلاً : لا تقل السيد أحمد ، فإن السيد هو الله . بل قل الشريف أحمد أو أحمد ابن إدريس . فقال له قد قال r لبسطه الحسن " إن ابني هذا سيد " وقال للأنصار لما أقبل سعد بن معاذ " قوموا لسيدكم ، ولفظ السيد إطلاقه في الشرع شائع لا محظور فيه
فقال الأمير ليس هذا من مقصدنا ، إنما القصد أن تتكلم يا علي . فقال على ابن محمد بن على : أنا عرفت السيد أحمد بن إدريس أيام مهاجرته في مكة سنة 1236هـ . وهو من العلماء الأكابر ، ولا نظير له فيما علمنا بالأقطار الإسلامية ، في معارفة في العلوم الشرعية وعلوم الحقائق ، وليس يوزن بأحد من أهل هذا الزمان إلا رجحه . وقد أقر له بكمال العرفان الجهابذة من علماء الشرع الذين هم القدوة لنا في هذا الزمان . وهم مثل مشايخنا السيد عبد الرحمن بن سليمان . والقاضي عبد الرحمن بن أحمد البلهكي ، صاحب بيت الفقيه ومن في طباقتهم من علماء اليمن والشام ، ومثل عالم صنعاء القاضي محمد بن على الشوكاني الذي عرفه بالمكاتبة . وأطنب في الثناء عليه ، وأرشد الناس إلى الاستكثار من علومه . فقال إنها حديثة عهد بربها . فيما رأيته في خطاب له إلى السيد عبد الرحمن بن سليمان
وكذا السيد الحافظ عبد الله بن محمد الأمير ، وأخوه المحقق قاسم بن محمد وابن أخيه العلامة يوسف بن إبراهيم . فإذا كان مثل هؤلاء العلماء الذي تسنموا غارب الاجتهاد . وما منهم إلا وله مصنف في علوم الإسلام . وهم رضي الله عنهم أئمة نقاد . طأطأوا رؤسهم له أدباً . وأذعنوا له فماذا يكون مثل ناصر الكبيبي ، وعبد الله اليامي . الذين نسبتهما إليه كنسبة صبيان المكتب إلى الجهابذة من العلماء . فإنكارهما على السيد أحمد منكر ولا ينبغي لك أن تساعدهما على ذلك
فلما سمع الأمير قوله التفت إلى السيد يحيى بن محسن فقال له ما تقول أ،ت وهؤلاء العلماء . وكل منكم يتكلم بمفرده ، ويبدي رأيه . فهذا دين ما فيه محاباة فقال السيد يحيى : هذا الأستاذ رجل كما وصفه على بن محمد ويزيد على ذلك بأنه في الدرجة مثل السيد الصادق ، والسيد الباقر من أهل البيت ، وأنت قد نشرتم بقدومه إلى بلادكم . والآن بهذا العمل معه تكدرون المشرب فإذا لم تريدوا أن يقيم معكم في البلاد التي تحت حكمكم ، فاطلبوا منه الارتحال عنها ، لأنه قد فارق أشرف البقاع بدون هذا الإزعاج ، وأما فتح باب الاعتراض عليه من أمثالنا ، وأمثال هؤلاء الإخوان الذي تحت خدمتكم وطاعتكم ، فهو أمر لا يليق ، وحيثما توجه هذا السيد الإمام لقي الإكرام وقد سبح في بحر لسنا من الذين يخوضون فيه ، وما هلك من عرف قدر نفسه ، بل يكون ذلك من باب اعتراض من لا يدري على من يدري ، وهذا هو الجهل البسيط
وقال عبد الله السبيعي وكان في طبعه حدة أنا بحضرتكم الآن وبموافقة هؤلاء الأعلام أناظر لكم ناصر الكبيبي وعبد الله ، وما اسألهما إلا عن بعض مسائل من ظواهر الشرع في باب الطهارة والمواقيت ، فإن أجابا على الصواب عرفت أنهما عالمان ، وحسن إطلاق (لفظ) عالم وفقيه عليهما وإن عجزا عن مناظرتي أيقنت أنهما عاجزان عن مناظرة سيدي أحمد بن إدريس ، حيث إنه البحر الذي لا ينزف
وقد صوب كل الحاضرين هذا الرأي ، وتكلم كل أحد عن نفسه مستحسناً ما قرره هؤلاء العلماء
فغضب عبد الله بن سرور وكان فيه طيش ، وقال للأمير إن هؤلاء الناس قبل أن يصلوا إليك ، تواطأوا على هذا الرأي فيما بينهم ، ثم التفت إلى الجماعة وقال لهم أنتم يا علماء تهامة ، ألا تغضبون لهذه المنكرات الصادرة من أصحاب السيد أحمد ، وعندكم عقائد في الصالحين ، تخافون من السيد أحمد ولا تخافون من الله ؟ فقال له بعض الحاضرين من العلماء إن هذا الكلام سفه ، فالغضب لله تعالى يكون عند وجود المنكر ، وفعل السيد معروف ، وأنت قد خلطت المعروف بالمنكر ، وأردت أن نساعدك عليه ، وقد برأنا الله سبحانه وتعالى من أن نرضى مخلوقاً فيما يغضب الخالق ، أو نقر باطلاً ، ولكن رأينا أن افتراء المعائب على مثل هذا السيد الإمام مما تعجل عقوبة المفتري عليه ، وأما قولك إننا نخافه فهو في غير محله ، لأنه لم يكن بيده سيف ولا سنان ، بل إن سلاحه الذي يحارب به المعاندين والمكابرين أدلة السنة وقطعيات القرآن ، وسهام الأدعية التي لا تخطئ مستحقاً وقد جاء في الحديث الصحيح " من آذى لي ولياً فقد آذنته بالحرب ) وإذا لم يكن العلماء أولياء لله فما في الدنيا ولي . ومن بارز الله تعالى بالمحاربة فقد هلك
فقال الأمير نحن مالنا في جدالكم وخصامكم شئ ، وإنما نلزمكم في هذه الليلة أن تتوجهوا ومعكم ناصر الكبيبي ، وعبد الله بن سرور وتعقدوا مجلس المنازرة بينهما وبين السيد أحمد بن إدريس بوجودكم ، والحق أكبر من كل أحد ، ولا نقر أحداً في بلادنا على الباطل ، وحبل الدين متين ، فتفرقوا على هذا الاتفاق من عقدة مجلس المناظرة ،
أمس في 22:49 من طرف Admin
» كتاب مواعظ الإمام زين العابدين ـ صالح أحمد الشامي
18/11/2024, 23:30 من طرف Admin
» كتاب إتحاف النفوس بنفحات القدوس ـ عبد القدوس بن أسامة السامرائي
18/11/2024, 23:25 من طرف Admin
» كتاب الإعلام بفضل الصلاة على النبي والسلام ـ محمد بن عبد الرحمن بن علي النميري
18/11/2024, 23:20 من طرف Admin
» كتاب الغيب ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:08 من طرف Admin
» كتاب الشيطان والإنسان ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:03 من طرف Admin
» كتاب الشعراوي هنا رأيت سيدنا إبراهيم ـ سعيد أبو العنين
18/11/2024, 23:01 من طرف Admin
» كتاب الخير والشر ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:57 من طرف Admin
» كتاب التربية في مدرسة النبوة ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:55 من طرف Admin
» كتاب: إرشاد العباد إلى سبل الرشاد ـ للملبباري
18/11/2024, 22:41 من طرف Admin
» ـ كتاب آداب الحسن البصري ـ أبن الجوزي
18/11/2024, 22:34 من طرف Admin
» كتاب الله والنفس البشرية ـ لمحمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:23 من طرف Admin
» كتاب: معرفة النفس طر يق لمعرفة الرب ـ أستاذ البصيرة عبدالوهاب حسن
18/11/2024, 22:21 من طرف Admin
» كتاب الطريق الي الله ـ الشيخ علي جمعة
18/11/2024, 21:50 من طرف Admin
» كتاب: كتاب النفس والجسد والروح ـ ابراهيم البلتاجي
18/11/2024, 21:38 من طرف Admin