الباب الأول
فى اسمه وسيرته وعلو قدره ومكانته
وطريقته الجليلة وشمائله الجميلة
هو سيدنا ومولانا شيخ المشايخ القطب الأصيل الكامل، الولى الصالح الجليل، الإمام العالم المشهور بمحاسن الأخلاق والشمائل، الكثير الآيات، الشهير الكرامات، الجامع بين علمى الباطن والظاهر، صاحب الولاية والسهر الباهر، ذى المناقب التى هى أشهر من شمس الضحى، والقدم الذى إقتفاه من سلك سبيل الرشاد من الصلحا، بحر العلم الزاخر، فخر الأوائل والأواخر، الذى أشرقت شمس فضله فى أفلاك السعود، ونظم فى سلم الأفاضل كنظم الدرارى فى أسلاك العقود، قطب دائرة الوجود ومظهر تجليات عالم الشهود، ركن الولاية والهداية، بحر العلم والحلم والدراية، الأستاذ الإمام الكبير، الذى لم تسمح الأعصار له بنظير، أزهر به جامع الفضل وأنار، وأشرق برأيه علم العلم وإستنار، حتى إستمر بالمعارف الإلهية، والكرامات الباهرة السنية، ذاته رياض آداب كلها أزاهر، وبحار علم كلها جواهر، شيخ الإسلام وبهاؤه، ومصباح أفق العلم وضياؤه، ذو اليد البيضاء فى المعارف، والباع الطويل فى العوارف، والقدم الراسخ فى الحقائق والكرامات، والصدر الواسع لأنوار التجليات، صاحب الأحوال الشريفة والمقامات المنيفة، حجة العارفين،وقدوة السالكين، نور الأولياء المقربين وبقية السلف الصالحين، أوحد العلماء العاملين وبركة أهل الملة والدين، سيدنا ومولاه كفاية المؤمنين، العارف بالله تعالى ذو التحميد والتقديس السيد أحمد بن إدريس الحسنى نسبا.المغربى مولدا. من ذرية الإمام السيد إدريس بن عبد الله من السادة الإدريسية الساكنين بالمغرب، نفعنا الله ببركاته وأنشقنا نسمة من أسرار نفحاته.
شيخ تسامى بالسما وعلاها
وحوى بعزة عزة وحلاها
وبدا بنور المظهرين مجملا
يولى إلى كل القلوب ضياها
متمكنا فى شأنه متلونا
بشريعة يغشى المريد سناها
متحققا بحقائق وسرائر تزهو على مر الدهور رباها
متحليا بمحامد الصدق الذى
أوقاته دوما تشد عراها
يبدى من العلم اللدنى حكمة
بدقائق الإرشاد مذ أملاها
أعظم به من كامل ومكمل
وبمرشد للعالمين هداها
وبمعالم وبعامل وبعارف
وبقطب أكوان غدا يرعاها
لا زالت الرحمات تنشى روحه
ويعم كل الحاضرين نداها
اللهم إنشر عليه نفحات الرحمات والأنوار. وأفض علينا مما أودعته من الأسرار.
ولد رضى الله عنه بأرض المغرب ببلدة فاس المباركة الشهيرة فجرت بمولده أذيال البهاء والإفتخار.
ثم جد فى الإجتهاد، وسلك سبيل الرشاد، فأخذ العلم عن العلماء العاملين وصحب أكابر العارفين . وحصل ما لا بد منه للسالكين والأصفياء المخلصين، فى علوم التصوف والدين . ورزق التوفيق والهداية ولا حظته السعادة والعناية.
ثم قدم إلى مكة فى العام الرابع عشر بعد المائتين والألف من هجرة من له العز والشرف صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الكرام وأقام بها أربعة عشر عاما من الأعوام.
ثم توجه على صعيد الريف بهمة قوية مابين قنا واسنا فى قرية يقال لها الزينية وأقام بها خمس سنين .
ثم رجع إلى مكة المشرفة البلد الأمين وأقام بها نحو اثنتى عشرة من السنين.
ثم توجه قاصدا نحو اليمن فوصل إلى زبيد وإلى الحديدة ونواحيها، ورجع إلى قرية تسمى صبية فأقام بها مدة من الزمن، وكانت مدة إقامته باليمن نحو تسع سنين، يلقن الذكر، ويرشد المريدين، وكثر مريدوه وأتباعه، ,اشتهر عند الأكابر تلقيه وسماعه.
وأخذ عنه الطريق والعلوم، والإشارات إلى الحى القيوم، خلق كثير من أهل المغرب والريف والصعيد، ومن أهل مكة ونواحيها، وأهل اليمن وغيرهم من ذوى القدر السديد، فقلد أجياد مريديه مننا، وادخر لهم عند الله اجرا حسنا وجلى لهم عروس مجد وفضل زفت إلى كفو مجدها، وشمس علم حلت فى بروج سعدها، متنزها فى رياض العلوم والمعارف، مقتطفامن أوراقها ثمار الحكم واللطائف . فتولى القبانية والغوثنية بعد إنتقال شيخه وأستاذه سيدنا الشيخ عبد الوهاب التازى رحمه الله تعالى ونفعنا به وبقى فيها إلى أن لقى الله تعالى ولحق بحزبه.
وأما طريقته رضى الله عنه فإنه أخذ الطريقة عن شيخه وأستاذه السيد العارف بالله تعالى والدال عليه سيدى عبد الوهاب التازى الذى مكث فى الغوثنية أربعا وثلاثين سنة عن شيخه صاحب الذهب الابريز وملاذى الغوث الجامع، والغيث الهامع، العارف بالله تعالى والدال عليه سيدى عبد العزيز الدباغ عن شيخه وسيد العرب والعجم سيدنا رسول الله صلى الله عليه وتلقى طريقة الشاذلى أيضا عن شيخه وملاذه سيدى أبى القاسم الوزير بسنده إلى سيدى الشيخ أبى حسن الشاذلى رضى الله عنه عن شيخه الإمام القطب الغوث الفرد الكامل شيخ الإسلام سيدى عبد السلام بن مشيش عن شيخه القطب سيدى عبد الرحمن المزنى عن شيخه القطب سرى السقطى عن شيخه القطب سيدى الحسن البصرى عن شيخه قطب الأقطاب سيدنا ومولانا الحسن بن على رضى الله عنهما عن شيخه ووالده القطب سيدنا ومولانا على كرم الله وجهه عن امام المرسلين وسيد المتقين وحبيب رب العالمين سيدنا مومولانا وحبيبنا وشفيعنا سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم عن الأمين جبريل عليه السلام عن ميكائيل عن إسرافيل عن اللوح عن القلم عن الجليل جل جلاله وتقدست أسماؤه وصفاته.
وأما الطريقة والأذكار التى يلقنها لأصحابه قتلقنها من حضرته صلى الله عليه وسلم كما هو مقرر عند أهل الطريق الأقوم بعد الرياضة والإقبال على المولى بالكلية فتحصل لهم نتيجة : (( والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وان الله لمع المحسنين )).
والحاصل أنه من الأولياء الصالحين والأصفياء المقربين والأكابر العارفين والسادات المقدسين بوأه الله أعلى المنازل، وجمعت له العلوم السنية وانتشرت مناقبه وعمت مواهبه وفاضت على الخليقة أسراره ونفحاته ووسع البرية فضله وبركاته حتى صار بدرا مشرقا فى سماء هذه الأقطار الحرمية والبلدان اليمانية موصوفا بالإستقامة فى سائر أفعاله المرضية . واشتهر بالمعارف الإلهية الباهرة السنية إلى أن حظى من العلوم الإلهية بأعلى المراتب وحاز من الأسرار الربانية أسنى المناقب . وله كرامات ساميات سافرة المحيا فى المواكب، ترشد إلى الحق بأنواره الساطعة كزهر الكواكب . بوأه الله بحبوبه جناته . وتغمده برحمته ورضوانه، ونفعنا بأسراره وأمدنا بمدده وبركاته وأنشقنا نسمة من أسراره ونفحاته . اللهم انشر عليه نفحات الرحمات والأنوار، وأفضى علينا مما أودعته من الأسرار
الباب الثانى
فيما له من الكرامات محاسن الصفات
وفى بعض أحواله وأقواله الدالة على فضله
وشمول قدره وارتفاع مكانه
أما كراماته رضى الله عنه فهى شهيرة أضوأ من شمس الظهيرة، وكان خلقه رضى الله عنه موافقا للقرآن والسنة.
فمن كراماته رضى الله عنه : كان فى بعض الأيام حضر مجلسه جماعة من العلماء الأعلام مع رئيس العلماء القاضى حسن أحمد عاكش وسألوه عن جملة من المسائل العلمية فأدناهم بما لا يخطر لهم ببال من المواهب من الملك المتعال ورجعوا إلى مقرهم وقالوا كلام السيد هذا كلام وجيه ولكن كنا نرجح كلام العلامة فلان والعلامة فلان، فقال لهم القاضى حسن : نحن وأنتم ندعوا الله تعالى أن ينين لنا الحق معه أو مع من ذكرتم من أقوال العلماء، فاستحسنوا ذلك ودعوا الله ورقدوا . فأرى الله للعالم السائل منهم أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم فى المنام وسأله عن المسائل التى اختلفوا فيها فقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم : أتبع قول فلان؟ فقال : اتبعوا من أقواله وافق الكتاب وسنتى حتى عدهم كلهم ويقول لهم صلى الله عليه وسلم اتبعوا من أقواله ما وافق سنتى . ثم قال : يارسول الله أنتبع قول السيد أحمد بن إدريس ؟ فقال عليه السلام على هيئة المتعجب : سبحان الله فهل لإبن أحمد من كلام ؟ انما يتكلم بسنتى ويعبر بلسانى. فأصبح الرجل فرحا مسرورا وأخبر أصحابه وأتوا إلى السيد أحمد وذكروا له الرؤيا، فقال لهم الحمد لله حيث ظهرت لكم الحقيقة ونسأله التوفيق، وفهموا من ذلك أنه كان من العلماء وورثة الأنبياء.
ولما قدم رضى الله عنه إلى زبيد اليمن وأقام بها مدة هرعت إليه أكابر السادات والعلماء كالسيد عبد الرحمن مفتى زبيد وغيره، وصاروا يترددون إلى مجلسه صباحا ومساءا ويسمعون منه الغرائب من العلم اللدنى الذى لا يخطر لهم ببال ويسألونه عن المسائل العويصة ويجيبهم بما ينشرح اليه الصدر من الجواهر النفيسة، فلما رأوا ذلك منه اتفق رأيهم على أن كل واحد منهم يكتب مايراه صعبا من مشكلات التفاسير والأحاديث ويجعلونه فى ورقة وأنت ياسيدى عبد الرحمن تتولى السؤال ونحن نسمع رد الأسئلة فإن أجاب سلمنا له . وحضروا بين يدى الأسياذ رضى الله عنه فأقبل عليهم وقال للسيد عبد الرحمن بطريق الكشف : أخرج ما عندك من الأسئلة وانظر أول سؤال وهو للسيد فلان ويتكلم عليه بما يبهر العقول إلى آخره، ويأتى بمناسبة السؤال الثانى ويقول : وهو للسيد فلان وهو كذا وكذا ويتكلم عليه بكلام لم يخطر على بال، ويأتى بمناسبة السؤال الثالث وهو يقول : هذا للسيد العلامة فلان وهو كذا وكذا ويتكلم عليه أيضا بكلام يدهش العقول حتى استوفى جميع الأسئلة، وتعجبوا من صدق الكشف الذى ليس فيه لبس كأنه معهم حين وضعوا الأسئلة جوابا جوابا وغزارة العلم والجواب على كل سؤال بلا كلفة ولا مشقة وأذعنوا له وعرفوا فضله رضى الله عنه . وصاروا يأتونه بعد العشاء ويسألونه عن بعض التفاسير على بعض الآيات.
ومن جملة ما سألوه عنه تفسير قوله تعالى : (( ان المسلمين والمسلمات )) آية الأحزاب إلى آخر الآية فجلس فى تفسيرها أحد عشر يوما مجلسا فى الصباح ومجلسا فى العشاء وفى كل مجلس يأتى بغرائب وعجائب لم تسمع بها قبل ذلك غضا طريا ثم التفت اليهم وقال لهم : لو أطال الله أعمارنا وصرنا نتكلم على تفسير هذه الآية إلى يوم القيامة بشرط أن كل مجلس فيه شىء جديد لفعلنا ذلك وان شئتم نخرج من لجة البحر الى الساحل فلا بأس، فقالوا له قد عرفنا الغاية وأن انفاقكم من العلم اللدنى الذى لا تحويه الأقلام والأفكار، ودونوا منه أسفارا عديدة وهى عندهم موجودة الآن وحصل الانتفاع بها . وكان رضى الله عنه اذا سئل عن سؤال أولا ينظر فى كف يده ويقلبه ظاهرا وباطنا ويمده ويطويه ويتكلم بالغرائب والعجائب التى لا تخطر ببال.
وسأله القاضى حسن أحمد عاكش عن تفسير قوله تعالى : (( والذى قدر فهدى )) فجلس ثلاثة أيام صباحا ومساء يتكلم بكلام جديد غير الذى سمع أولا ثم قال لنا : لو أطال الله أعمارنا إلى يوم القيامة ونحن نتكلم بما فتح اللع علينا من مننه ما استقصينا ذلك وان شئتم نخرج من لجة البحر الى ساحله ونكتفى بصدق العبارة دون الاشارة، فقالوا له : ياسيدى فقد عرفنا فضلكم ونحن نتشوق الى آخر السورة .
ومما حكاه لنا مسألتين هو عن نفسه فى ابتداء أمره بالمغرب بينا أنا على سبيل التقصير مقر عن مريديه عن مثل ذلك .
قال : بينما أنا ذات يوم أمشى فى السوقاذ مرت علينا طائفة من الشرطة محتاطين بواحد أسير لم يمكن خلاصه منهم لشدة الوثاق والحرص عليه فقال الأستاذ رضى الله عنه لبعض الجماعة : مثل هذا فى نظركم له مخرج من بين هؤلاء ؟ فقالوا له : لا مخرج له فقال لهم : انظروا كيف تصريف أهل الله تعالى وخرق العادة منهم فالتفت الى الشرطة وقال لهم : (( اهدؤا عليه )) بهذه الكلمة فخرجت القيود والأغلال منه وتفرقت الشرطة عنه ومضى على سبيله وكان مظلوما.
والمسألة الثانية : خرج رضى الله عنه الى باب مدينة فاس فرأى الشرطة على الباب والمساكين يأخذون من الفقراء الداخلين بشىء من أثمار البساتين التى تسقط ويأتون بها لعيالهم وضعفائهم فضح الفقراء من ذلك فقالوا : لعلنا نجد معينا أو شافعا، فلما رأى رضى الله عنه ما بهم من الجور قام حسبة لله تعالى وقال : ائتونى برجل منكم شجيع يبلغ الخبر للملك حكم م نأمره ويرد لنا الجواب فقام رجل من الحاضرين وقال : أنا أبلغ الملك فقال له : قل للملك واحد يقول لك ولا تسمينى له قل له الأمر الذى جعله على ضعفاء المسلمين اتركه ولك فيه خير فى تركه وان ما تركته أراك تشوف ما يحصل لك، فوصل الرجل الى السلطان فأخبره بكلام الشيخ فطأطأ رأسه ساعة ورفع رأسه فقال للرجل : من هذا الذى ارسلك ؟ فقال له : أمرنى أن لا أخبرك باسمه فقال له : قل له أعطيتك مطلوبك وتركت للناس حالهم كما أمرت وأنا عندى حاجة وهى أن القبيلة الفلانية خرجت من طاعتنا وجهزنا عليهم جيوشا كثيرة ولم نظفر بهم وحصل منه فساد كثير فلا يصلحون الا بدخولهم تحت طاعتنا . فرد الشيخ عليه مع الرجل أن قل للملك : قد أعطيناك ذلك، فلم يلبثوا الا وقد أقب كبراء القبيلة وعرفاؤهم وطلبوا الصلح من السلطان ودخلوا تحت الطاعة.
وذكر الشيخ رضى الله عنه من أسعد له بسر بمجرد ما يخالف تحصل له العقوبة فى نفسه وأما الكامل فلا يفعل شيئا من الخوارق الا باذن خاص .
وقال لنا رضى الله عنه : مازلت أطلب طريق الله تعالى عند المشايخ الى أن قيل لى : الآن مابقى على وجه الأرض أحد تنتفع منه الا القرآن . فحمدت الله تعالى أن جعل مشربى القرآن الذى لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه وهدانى به . وانظر ياأخى فى أحزابه تعرف مشاربه أنها لا تتناهى .
وكان رضى الله عنه يقول : العارف فوق مايقول، وكان يقول : سفن العبارات ليس لها فى بحر الأذواق من نصيب انتهى كلام الشيخ .
وانى كنت فى بلادنا أطلب العلم بين يدى والدى القاضى صالح الرشيد، فجاء أخ لى أكبر يقص رؤيا على الوالد، وكان للأخ امرأة توفيت فى تلك الأيام قال : رأيتها فى المنام فسألتها ما فعل الله بك بعد قدومك عليه ؟ فقالت : جمعنا الله سبحانه وتعالى نحن والأموات جميعا بين يديه، وقال لنا : أنتم حضرتم زمن عبدى أحمد بن ادريس فسامحناكم جميعا من أجله . هذا ما سمعته من الأخ . وحكاه لى الأخ فى مجلس الدرس بين يدى الوالد، ونحن فى بلاد السودان، وسيدى أحمد بن ادريس رضى الله عنه بأرض اليمن ولا أخذنا عنه الطريق، ولا رأيناه بل سمعنا به سماعا وجاهه وصل الينا . وبعد ذلك جمعنا الله به وأخذنا عنه الطريق وجلسنا بين يديه .
وقال رضى الله عنه فى مجلسه أن بعض أهل الله يعطيهم الحق سبحانه وتعالى أهل عصرهم بالشفاعة عنده، فتذكرت قصة امرأة أخى فقصصتها على الأستاذ رضى الله عنه من أنها والأموات الذين معها سامحهم الحق من أجل وجودهم فى عصركم فقلت له : هذا الأمر صحيح ؟ قال : نعم .
وحكى لى بعض اخوانى كان فى السياحة قال : فاتفق لى فى بعض الأيام وأنا فى البرارى والقفار فاشتد على الحر والظمأ الشديد حتى أشرفت على الهلاك فعمدت الى شجرة هناك بقرب الطريق، فهيأت لى مضجعا فقلت : هذا هو الموت، فتذكرت أن الشيخ سيدى أحمد رضى الله عنه قال لنا : ان مريدى اذا نادانى وهو بالمغرب وأنا بالمشرق أو عند جبل قاف أجبته وان كان صادقا سمع رد الجواب والاجابة له بلبيك . قال الأخ فقلت ياسيدى أحمد أدركنى فأنا على ما ترانى من الهلاك عاطشا وجائعا، وكنت مستلقيا على ظهرى وطرف الثوب على وجهى وسمعت حركة شىء وضع فى الشجرة، فرفعت الثوب عن وجهى وسمعت حركة شىء وضع فى الشجرة، فرفعت الثوب عن وجهى واذا بى أرى بين أغصان الشجرة شيئا مثل البطيخة وعليها رغيفان كبيران، فقلت فى نفسى هذه تخيلات فمن يأتى بالرغيفين والبطيخ فى هذا الموضع فوضعت الثوب على وجهى وتيقنت بالموت وبقيت مترددا فى نفسى هذا خيال أو حقيقة، فكشفت الثوب عن وجهى أيضا فنظرت فاذا أنا بالبطيخة والرغيفين على ما هما عليه، فقمت اليهما وأخذتهما من بين أغصان الشجرة واذا بالرغيفين كأنما أخرجا من التنور الآن والبطيخة من أطيب ما يكون وأكلت من الرغيفين حتى شبعت ورويت من ماء البطيخة وسرت حتى وصلت أرض العمران وذلك ببركة الأستاذ رضى الله عنه .
وحكى لى الأخ المذكور قال : فى بعض سياحاتى فى بعض البلاد ومعى أناس جمعنا السفر معهم من غير سابقة معرفة فجاءنا الليل ونحن فى فلاة من الأرض خالية من العمران وبتنا فيها، فاذا بسبع له زئير وصوت هائل يحوم حولنا، وخافوا خوفا شديدا وقالوا لبعضهم : من عنده سر من شيخ أو التحاصين الواقية فليفعل فقالوا كلهم : ما عندنا شىء وقال لهم : أنا من أصحاب السيد أحمد بن ادريس ومنسوب اليه وفى حماه فقالوا : نحن أصحابك اجعلنا معك فى حماه فقال لهم : مرحبا، وجعلوه من الجهة التى فيها السبع وهم خلفه ورقدوا فأتاهم السبع حتى وصل عندهم وشم بأنفه عند رأس الأخ وولى هاربا مثل المطرود ورجع الى غابته، وصاحب السياحة هذا رجل من أهل الكرد.
ومن كراماته رضى الله عنه أن واحدا من أصحابه المغاربة كانت له امرأة مسيئة وأتعبته غاية التعب، ففى بعض الليالى أغاظته بكلمة فضربها ضربة شديدة فخرجت روحها وحركها فوجدها قد ماتت، فخاف على نفسه من الحكام فقام فى الليل حتى طرق الباب على الأستاذ رضى الله عنه فأذن له بالدخول، فأخبر الشيخ بما هو حاصل، وقام الشيخ معه ووصلوا الى بيت المغربى ووجد المرأة ميتة كما هى فخاف المغربى خوفا شديدا وقال : ياسيدى أحمد بن ادريس كيف الخلاص من هذا الأمر الفظيع دنيا وآخرة ؟ فقال له الأستاذ : نحن نتوجه الى الله تعالى فى كشف هذا الكرب وأنت تستر ماترى فقال المغربى : مرحبا فجعل الشيخ عصاه على المرأة ماشاء الله فأحياها الله تعالى بمنة وقدرته كرامة لوليه وجعل لأهل التقوى فرجا ومخرجا وعاشت المرأة بعد ذلك ماشاء الله تعالى أن تعيش .
ومن كراماته رضى الله عنه أن واحدا من الإخوان صحب الأستاذ مرة فى مكة ثم أمره بالقدوم الى ناحية الصعيد ومعه جماعة من الاخوان وأمره عليهم لأجل السنة متأسيابها ونزل الإخوان الى جدة وتعثر عليهم الحال بعدم الزاد والمصاريف فأراد الأخ الأمين أن يرجع الى مكة فقال له الإخوان : كيف ترجع الى مكة وأنت أمير علينا فى السفر ؟ فاهتم لذلك الأخ وترك الرجوع الى مكة فقام فرأى فى المنام كأنه أتى الى مكة وجلس بين يدى الأستاذ وقال له الأستاذ : خذ هذا الكتاب وسافر على بركة الله تعالى فأخذ الكتاب وجعله فى جيبه فلما أصبح الصباح وصلوا الصبح فتذكر الرؤيا فقال لهم الأخ : أنا رأيت البارحة كأنى وصلت الى مكة ووجدت الأستاذ وأعطانى مكتوبا وجعلته فى جيبى، فأدخل يده فى جيبه فوجد الكتاب فأخرجه ووجد مكتوبا (( يارب يسر ولا تعسر، رب تمم بالخير ياكريم )) فذكر الإخوان هذا الذكر ففرج الله عنهم وتيسرت لهم الأمور على أحسن حال وسافروا على بركة الله تعالى .
ومن كراماته رضى الله عنه أن واحدا من أصحابه كان فى المدينة المنورة وكان معه بعض الإخوان المحبين وكان هو من العارفين بأحوال الشيخ فتذكر هو ومن معه من الإخوان بأحوال الشيخ رضى الله عنه فعظم على رجل من الحاضرين هذا الأمر لما سمعه من فضل الأستاذ وهاج الحال على الأخ، فرفع طرفه الى السماء فرأى عصافير فقال لمن حضره من الإخوان فى مجلسه : لو دعوت هذه العصافير بإسم الشيخ سيدى أحمد لأجابتك فتساقطت كلها بين يدى الحاضرين، فمات بعض العصافير وطار بعضهم .
ومن كراماته رضى الله عنه أنه وقع قبل وصولنا اليه ونحن قد كنا أتينا الى الحج بمكة وهو باليمن فبعد فراغنا من الحج أصابنى مرض شديد حتى انى لا أستطيع القيام الى قضاء الحاجة فخشيت من الموت على هذا الحال فتضرعت الى الله تعالى أن أظفر بشيخ كامل يعرفنى بالله المعرفة الخاصة وبرسوله حتى أموت على معرفة تامة، فتوسلت بسيدى أحمد بن ادريس رضى الله عنه، فبمجرد ماغمضت عينى بالنوم رأيت سيدى أحمد بن ادريس رضى الله عنه جاء الى وأنا مضجع على سرير فوقف عندى فقال لى : دواءك أن تجعل لك بين جلدك ولحمك زمزم، فقلت له ، ياسيدى أنا مريض أنت افعل لى فالتفت وقد حضرت عندى قربة زمزم على ظهر واحد سقاء فلما وصل عندى سيدى أحمد خرق الجلد فى خاصرتى ووضع رأس القربة فى ذلك المحل فصار لها دوى فى بدنى كدويها فى الدوارق الى أن فرغت كلها فى ذاتى وسال منى العرق شيئا كثيرا حتى نزل تحت السرير فاستيقظت وأنا أجد فى قوة الى القيام برجلى الى أى مكان كان فحصلت لى العافية ببركة الأستاذ، وبعد أيام حصل لى مرض شديد فتوسلت بالشيخ فرأيته فى المنام فى خيمة عظيمة فى محل مرتفع وحده فى خيمته فسلمت عليه وقال لى : اجلس فجلست أمامه فقال لى : أنت خائف من الموت قلت له نعم فأخذ ورقة وكتب فيها سطرين لا تموت حتى يكون عمرك ثمانين سنة، والسطر الثانى لا تموت حتى تكون من أكابر العارفين بالله تعالى، وأعطانى الورقة وقال لى : اقرأها فقرأتها فحمدت الله تعالى على ذلك، ثم تذكرت أنى سابقا ما حصلت لى رؤية النبى صلى الله عليه وآله وسلم فذكرت ذلك للأستاذ فقال لى : اجلس نريك فرأيت فى يدى شيئا يطوى فيه الغزل وأنا صرت فى المثال على كيفية الغزل ولا أرى نفسى الا غزلا، وأخرج منى خيطا وجعله فى ذلك الشىء وطوى منى نصيبا فظهر لى شخص فإذا هو على كرم الله وجهه، ثم طوى ما شاء الله فظهر شخص ثانى، فإذا هو عثمان بن عفان رضى الله عنه . ثم طوى نصيبا فظهر شخص رابع، فإذا هو أبو بكر الصديق رضى الله عنه، وأنا بقيت ضعيفا جدا مثل الصبى الذى يرضع، ثم طوى نصيبا فظهر لى النبى صلى الله عليه وآله وسلم فاستيقظت من نومى فرحا مسرورا بهذه الرؤية .
وبعد انقضاء الحج توجهنا الى اليمن واجتمعنا بالأستاذ رضى الله عنه فى مدينة صبيا المباركة فى أرض اليمن فى ابتداء سنة ثمانية وأربعين بعد الألف ومائتين وفى أول ليلة من قدومنا عليه وقبل أن أنتسب اليه فى الطريق فعاملنا بحكم الضيافة، فبمجرد ماغمت عينى أطلق على بحر من نور عظيم حتى أغرقنى واستولى على فلم أستطع الخروج منه حتى كدت أن أهلك من شدة تراكم الأنوار على فاستيقظت من نومى وجسدى يضطرب . وفى اليوم الثانى أخذنا عنه الطريق وانتسبنا اليه قال لنا : أنا طريقى ما عندى كون يترقى فيه المريد لأن يصل الى مقصوده الا على الذى ليس وراء الله مرمى (( وأن الى ربك المنتهى )) بل ما تحط قدمك الا عنده فى حضرته، الحمد لله حصل لنا منه المدد الذى لا يدخل تحت حصر العبارة وهو مصداق قوله عليه السلام فى الحديث القدسى : (( أعددت لعبادى الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر)) فإذا واجهك الكريم بفضله فلا راد لحكمه وربك فعال لما يريد .
ومن كراماته رضى الله تعالى عنه أن اتفق لى فى ذات يوم وأنا أقرأ فى أحزاب التجليات اذ جاء من نفحات الجود وتجليات المعبود ما يوجب الإستهلاك من السحق والمحق والفناء المحض الى أن الجأنى الى عدم الإدراك، وبعد مدة من الزمان أتتنى القوة والشعور بالموجودات وبقى كل عضو من الأعضاء بل كل جزء من الأجزاء فيه ألم عظيم من تجليات الجلال، وفى كل ساعة أنتظر خروج الروح من آخر الليل من تمام اليوم الى الليلة الثانية، فخطر لى أن أخبر الأستاذ بذلك الأمر فأرسلت اليه واحدا من الإخوان وقلت له : قل له أنا كنت أقرأ فى أحزاب التجليات فحصل لى منها حاصل أمر عظيم والآن أنا مشرف على الهلاك ان لم تدركنى بنظرة تخرجنى من الجلال الى الجمال فى التجليات ومن الفناء الى البقاء فى جميع الحالات، فأرسل لى مع الرسول وقال : قل له يقول لك كان، فوصل عندى الرجل : يقول لك الشيخ : كان، فبمجرد ما قال لى الرجل يقول لك الأستاذ كان فر عنى الألم جميعه ساعة واحدة ووقفت من ساعتى، وصرت كأن لم يكن بى شىء قط وحمدت الله تعالى وعرفت أنه متحقق بما قاله السادات الصوفية : أول الطريق جنون وأوسطه فنون وآخره كن فيكون . فلله دره من أمام جمع جميع الفضائل والمعالى بل ومن تبعه جذبه الى درجات الكمال العوالى والحمد لله على لقائه ومحبته .
ومن كراماته رضى الله عنه أن ركاب بغلته انكسر فأمر خادمه بأدائه الى الحداد ليصلحه فوضعه فى النار مرارا فلم تفد فيه شيئا فرجع الى الشيخ فأخبره بذلك فقال له الشيخ : أنا عبد من عبيد الله أكرمنى الله أنه من جاورنى لم تحرقه النار، فكيف بمن جاوره فى بلده الأمين فكان رجل بالمجلس لا يرى للجوار أثرا فانتفع من هذه الواقعة فعرف فضل الجوار ومراعاة الجيران .
ومن كراماته رضى الله عنه أن واحدا من مريديه مات بمكة شرفها الله تعالى ودفن بالمعلى، وكان رجل من أهل الكشف منور البصيرة من الإخوان واقفا عنده حين الدفن، فرأى سيدنا عزرائيل عليه السلام أتى بفرش من الجنة وسرج عظيمة ووسع القبر مد البصر وفرش للميت المذكور ووضع له السرج وقال الرائى فى نفسه : ليتنى اذا مت يكرمنى ربى بمثل هذه الكرامة فالتفت اليه سيدنا عزرائيل عليه السلام، وقال له : كل واحد منكم له مثل هذه الكرامة ببركة الصلاة العظيمة وهى التى أولها (( اللهم انى أسألك بنور وجه الله العظيم )) الى آخرها المنسوبة للأستاذ سيدى أحمد بن ادريس رضى الله عنه .
ومنها أن شخصا أتاه بألف ريال ودفعها اليه فلم يقبلها منه وردها اليه وترجاه فى قبولها بمن هو حاضر بين يديه فقبلها منه وفرقها على من عنده من حينه من الفقراء الحاضرين لديه ولم يترك منها شيئا لنفسه ولا لعائلته تولاه الله تعالى بحسن رعايته .
وقال رضى الله عنه : بشرنى جدى عليه الصلاة والسلام وقال لى : (( من انتمى اليك ياولدى أحمد فلا أكله الى ولاية غيرى ولا كفالة غيرى أنا كفيله ووليه)) وكفى بهذه الولاية لأهل النسبة الى هذا الطريق كفاية .
وقال رضى الله عنه : سئل بعض اخواننا المقربين أهل الوصلة والإجتماع برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن حالنا عند الله وعنده، فقال له عليه السلام : ابنى أحمد بن ادريس قطب لا كالأقطاب، وغوث لا كالأغواث، وفرد لا كالأفراد، وجرس لا كالأجراس، فوق الكل وممد الكل، والله على ما أقول وكيل وجوابنا نرده بين يدى الله تعالى يوم القيامة.
وقال رضى الله عنه : الإخوان مايعرفون مقدار طريقنا الا إذا غمضت عين الواحد منهم بالموت فيرى ما أعده الله له من أجل هذه النسبة فى الطريق، وهذه بعض من كراماته والا فكراماته لا تعد ولا تحصى ولا يمكن ضبطها ولا تستقصى، وما ذكرته فهو نقطة من بحر زاخر ولمعة من بعض تلك الأثر .
وأما أوصافه رضى الله تعالى عنه : فهو طويل القامة، أبيض اللون مشرب بحمرة، نحيف الجسم، واسع العينين، طويل الوجه، أزج الحاجبين، فى شعره شيب، وكان يديم الذكر مجافيا جنبيه عن التكاسل، متوجا بشريعة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، قد فهمه الله أسرار البدايات، وأطلعه على أعلى النهايات، فهو بحر الحقائق، وموضح الطرائق، صاحب الأسرار الصمدانية، والدعوات الرحمانية، واللطائف القرآنية، والمعارف الفرقانية، والمواعظ اللقمانية، والفتوحات الربانية، والشمائل الكنهية .
ماذا أقول لمن تكامل وصفه
فالمدح فيه وان تطاول قاصر
قد اتضحت فضائله للخاص والعام، والمأموم والإمام .
وبالجملة انه ملك العلمبأزمته والعرفان والخصال بجزئياته وكلياته، صفاء قلبه على وجهه يلوح، ونفائح مسك الحكم من فيه يفوح . رقيق القلب ذو سكينة ووقار وحياء، اذا خرج ازدحم الناس على تقبيل يديه وركبتيه والتشبث بأذياله والتبرك برؤية وجهه، ما وضع يده على قلب قاس الا رق ولان، كلامه يقود سامعه الى السجود ويجرى فى القلب كجريان الماء فى العود، وكانت تأتيه الفتوحات من كل مكان، وعيشته كعيشة الملوك مع قطع النظر عما سوى الملك الديان، وكان رضى الله عنه يقول : (( نحن ضيوف الله فى أرضه والضيف يواجه المضيف . ومن حمل الزاد الى دار الكريم أو سأل شيئا منه وهو فى منزله عد لئيما )) وما هو حاصل منه من مدده فلا يسعه القرطاس ولا ضعفاء العقول من الناس.
وفى هذا القدر كفاية ومقنع، لمن كان له قلب ومسمع، والا فكرامته لا تسعها الطروس والكواغد ولا الألواح.
والحاصل أنه من أكابر أهل الله وأعيان الأمة الهاديين الى سبيل النجاة . وله الكرامات
الظاهرة المأثورة ، والأحوال الجميلة المشهورة، والآيات الزاهرة، والمقامات الفاخرة، جمع شيم العز المنيع، وحاز سجايا الجلالة والمهابة والشرف الرفيع، كيف لا وهو خلاصة بنى الزهراء البتول ؟ وفرع الشجرة الطاهرة الموصلة بالنبى الرسول صلى الله عليه وسلم الذين جعل الله حبهم هو الوسيلة العظمى، وقربهم يوصل فى الدارين الى كل مقام أسمى، وزاد قدرهم العى تنويها بشأنهم وتنويلا كما قال تعالى : (( انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا )) فاليهم كل مكرمة تئول اذا ماقيل الرسول، ولله در من يقول :
البيت بيت علا والعلم شيده
والأصل من عنصر المختار منتخب
والفرع فرع عظيم بالفخار سما
لقد سما فتدلت دونه الشهب
بالمصطفى المجتبى المختار قد شرفوا
وشرفوا من لهم بالود ينتسب
هم هم القوم والفخر الفريد لهم
وحبهم خير ما يقنى ويكتسب
لهم خصائص إمداد فضائلهم
من المهيمن لا تحوى لها الكتب
يظهرن أنوارها للكون حيث ترى
للعين كالشمس سرا ليس ينحجب
وليس يبدو لنا إلا القليل بهم
لكي يؤدي لهم بعض الذي يجب
أدام الله ديم الرحمات تنهل على أرواحهم الطاهرة الزكية ، وألحقنا بهم رب السماء في درجات الآخرة ، وأمدنا بمددهم وبركاتهم ، وأنشقنا طيب أعطارهم
اللهم انشر عليه نفحات الرحمات والأنوار وأفضى علينا مما أودعته من الأسرار
فى اسمه وسيرته وعلو قدره ومكانته
وطريقته الجليلة وشمائله الجميلة
هو سيدنا ومولانا شيخ المشايخ القطب الأصيل الكامل، الولى الصالح الجليل، الإمام العالم المشهور بمحاسن الأخلاق والشمائل، الكثير الآيات، الشهير الكرامات، الجامع بين علمى الباطن والظاهر، صاحب الولاية والسهر الباهر، ذى المناقب التى هى أشهر من شمس الضحى، والقدم الذى إقتفاه من سلك سبيل الرشاد من الصلحا، بحر العلم الزاخر، فخر الأوائل والأواخر، الذى أشرقت شمس فضله فى أفلاك السعود، ونظم فى سلم الأفاضل كنظم الدرارى فى أسلاك العقود، قطب دائرة الوجود ومظهر تجليات عالم الشهود، ركن الولاية والهداية، بحر العلم والحلم والدراية، الأستاذ الإمام الكبير، الذى لم تسمح الأعصار له بنظير، أزهر به جامع الفضل وأنار، وأشرق برأيه علم العلم وإستنار، حتى إستمر بالمعارف الإلهية، والكرامات الباهرة السنية، ذاته رياض آداب كلها أزاهر، وبحار علم كلها جواهر، شيخ الإسلام وبهاؤه، ومصباح أفق العلم وضياؤه، ذو اليد البيضاء فى المعارف، والباع الطويل فى العوارف، والقدم الراسخ فى الحقائق والكرامات، والصدر الواسع لأنوار التجليات، صاحب الأحوال الشريفة والمقامات المنيفة، حجة العارفين،وقدوة السالكين، نور الأولياء المقربين وبقية السلف الصالحين، أوحد العلماء العاملين وبركة أهل الملة والدين، سيدنا ومولاه كفاية المؤمنين، العارف بالله تعالى ذو التحميد والتقديس السيد أحمد بن إدريس الحسنى نسبا.المغربى مولدا. من ذرية الإمام السيد إدريس بن عبد الله من السادة الإدريسية الساكنين بالمغرب، نفعنا الله ببركاته وأنشقنا نسمة من أسرار نفحاته.
شيخ تسامى بالسما وعلاها
وحوى بعزة عزة وحلاها
وبدا بنور المظهرين مجملا
يولى إلى كل القلوب ضياها
متمكنا فى شأنه متلونا
بشريعة يغشى المريد سناها
متحققا بحقائق وسرائر تزهو على مر الدهور رباها
متحليا بمحامد الصدق الذى
أوقاته دوما تشد عراها
يبدى من العلم اللدنى حكمة
بدقائق الإرشاد مذ أملاها
أعظم به من كامل ومكمل
وبمرشد للعالمين هداها
وبمعالم وبعامل وبعارف
وبقطب أكوان غدا يرعاها
لا زالت الرحمات تنشى روحه
ويعم كل الحاضرين نداها
اللهم إنشر عليه نفحات الرحمات والأنوار. وأفض علينا مما أودعته من الأسرار.
ولد رضى الله عنه بأرض المغرب ببلدة فاس المباركة الشهيرة فجرت بمولده أذيال البهاء والإفتخار.
ثم جد فى الإجتهاد، وسلك سبيل الرشاد، فأخذ العلم عن العلماء العاملين وصحب أكابر العارفين . وحصل ما لا بد منه للسالكين والأصفياء المخلصين، فى علوم التصوف والدين . ورزق التوفيق والهداية ولا حظته السعادة والعناية.
ثم قدم إلى مكة فى العام الرابع عشر بعد المائتين والألف من هجرة من له العز والشرف صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الكرام وأقام بها أربعة عشر عاما من الأعوام.
ثم توجه على صعيد الريف بهمة قوية مابين قنا واسنا فى قرية يقال لها الزينية وأقام بها خمس سنين .
ثم رجع إلى مكة المشرفة البلد الأمين وأقام بها نحو اثنتى عشرة من السنين.
ثم توجه قاصدا نحو اليمن فوصل إلى زبيد وإلى الحديدة ونواحيها، ورجع إلى قرية تسمى صبية فأقام بها مدة من الزمن، وكانت مدة إقامته باليمن نحو تسع سنين، يلقن الذكر، ويرشد المريدين، وكثر مريدوه وأتباعه، ,اشتهر عند الأكابر تلقيه وسماعه.
وأخذ عنه الطريق والعلوم، والإشارات إلى الحى القيوم، خلق كثير من أهل المغرب والريف والصعيد، ومن أهل مكة ونواحيها، وأهل اليمن وغيرهم من ذوى القدر السديد، فقلد أجياد مريديه مننا، وادخر لهم عند الله اجرا حسنا وجلى لهم عروس مجد وفضل زفت إلى كفو مجدها، وشمس علم حلت فى بروج سعدها، متنزها فى رياض العلوم والمعارف، مقتطفامن أوراقها ثمار الحكم واللطائف . فتولى القبانية والغوثنية بعد إنتقال شيخه وأستاذه سيدنا الشيخ عبد الوهاب التازى رحمه الله تعالى ونفعنا به وبقى فيها إلى أن لقى الله تعالى ولحق بحزبه.
وأما طريقته رضى الله عنه فإنه أخذ الطريقة عن شيخه وأستاذه السيد العارف بالله تعالى والدال عليه سيدى عبد الوهاب التازى الذى مكث فى الغوثنية أربعا وثلاثين سنة عن شيخه صاحب الذهب الابريز وملاذى الغوث الجامع، والغيث الهامع، العارف بالله تعالى والدال عليه سيدى عبد العزيز الدباغ عن شيخه وسيد العرب والعجم سيدنا رسول الله صلى الله عليه وتلقى طريقة الشاذلى أيضا عن شيخه وملاذه سيدى أبى القاسم الوزير بسنده إلى سيدى الشيخ أبى حسن الشاذلى رضى الله عنه عن شيخه الإمام القطب الغوث الفرد الكامل شيخ الإسلام سيدى عبد السلام بن مشيش عن شيخه القطب سيدى عبد الرحمن المزنى عن شيخه القطب سرى السقطى عن شيخه القطب سيدى الحسن البصرى عن شيخه قطب الأقطاب سيدنا ومولانا الحسن بن على رضى الله عنهما عن شيخه ووالده القطب سيدنا ومولانا على كرم الله وجهه عن امام المرسلين وسيد المتقين وحبيب رب العالمين سيدنا مومولانا وحبيبنا وشفيعنا سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم عن الأمين جبريل عليه السلام عن ميكائيل عن إسرافيل عن اللوح عن القلم عن الجليل جل جلاله وتقدست أسماؤه وصفاته.
وأما الطريقة والأذكار التى يلقنها لأصحابه قتلقنها من حضرته صلى الله عليه وسلم كما هو مقرر عند أهل الطريق الأقوم بعد الرياضة والإقبال على المولى بالكلية فتحصل لهم نتيجة : (( والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وان الله لمع المحسنين )).
والحاصل أنه من الأولياء الصالحين والأصفياء المقربين والأكابر العارفين والسادات المقدسين بوأه الله أعلى المنازل، وجمعت له العلوم السنية وانتشرت مناقبه وعمت مواهبه وفاضت على الخليقة أسراره ونفحاته ووسع البرية فضله وبركاته حتى صار بدرا مشرقا فى سماء هذه الأقطار الحرمية والبلدان اليمانية موصوفا بالإستقامة فى سائر أفعاله المرضية . واشتهر بالمعارف الإلهية الباهرة السنية إلى أن حظى من العلوم الإلهية بأعلى المراتب وحاز من الأسرار الربانية أسنى المناقب . وله كرامات ساميات سافرة المحيا فى المواكب، ترشد إلى الحق بأنواره الساطعة كزهر الكواكب . بوأه الله بحبوبه جناته . وتغمده برحمته ورضوانه، ونفعنا بأسراره وأمدنا بمدده وبركاته وأنشقنا نسمة من أسراره ونفحاته . اللهم انشر عليه نفحات الرحمات والأنوار، وأفضى علينا مما أودعته من الأسرار
الباب الثانى
فيما له من الكرامات محاسن الصفات
وفى بعض أحواله وأقواله الدالة على فضله
وشمول قدره وارتفاع مكانه
أما كراماته رضى الله عنه فهى شهيرة أضوأ من شمس الظهيرة، وكان خلقه رضى الله عنه موافقا للقرآن والسنة.
فمن كراماته رضى الله عنه : كان فى بعض الأيام حضر مجلسه جماعة من العلماء الأعلام مع رئيس العلماء القاضى حسن أحمد عاكش وسألوه عن جملة من المسائل العلمية فأدناهم بما لا يخطر لهم ببال من المواهب من الملك المتعال ورجعوا إلى مقرهم وقالوا كلام السيد هذا كلام وجيه ولكن كنا نرجح كلام العلامة فلان والعلامة فلان، فقال لهم القاضى حسن : نحن وأنتم ندعوا الله تعالى أن ينين لنا الحق معه أو مع من ذكرتم من أقوال العلماء، فاستحسنوا ذلك ودعوا الله ورقدوا . فأرى الله للعالم السائل منهم أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم فى المنام وسأله عن المسائل التى اختلفوا فيها فقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم : أتبع قول فلان؟ فقال : اتبعوا من أقواله وافق الكتاب وسنتى حتى عدهم كلهم ويقول لهم صلى الله عليه وسلم اتبعوا من أقواله ما وافق سنتى . ثم قال : يارسول الله أنتبع قول السيد أحمد بن إدريس ؟ فقال عليه السلام على هيئة المتعجب : سبحان الله فهل لإبن أحمد من كلام ؟ انما يتكلم بسنتى ويعبر بلسانى. فأصبح الرجل فرحا مسرورا وأخبر أصحابه وأتوا إلى السيد أحمد وذكروا له الرؤيا، فقال لهم الحمد لله حيث ظهرت لكم الحقيقة ونسأله التوفيق، وفهموا من ذلك أنه كان من العلماء وورثة الأنبياء.
ولما قدم رضى الله عنه إلى زبيد اليمن وأقام بها مدة هرعت إليه أكابر السادات والعلماء كالسيد عبد الرحمن مفتى زبيد وغيره، وصاروا يترددون إلى مجلسه صباحا ومساءا ويسمعون منه الغرائب من العلم اللدنى الذى لا يخطر لهم ببال ويسألونه عن المسائل العويصة ويجيبهم بما ينشرح اليه الصدر من الجواهر النفيسة، فلما رأوا ذلك منه اتفق رأيهم على أن كل واحد منهم يكتب مايراه صعبا من مشكلات التفاسير والأحاديث ويجعلونه فى ورقة وأنت ياسيدى عبد الرحمن تتولى السؤال ونحن نسمع رد الأسئلة فإن أجاب سلمنا له . وحضروا بين يدى الأسياذ رضى الله عنه فأقبل عليهم وقال للسيد عبد الرحمن بطريق الكشف : أخرج ما عندك من الأسئلة وانظر أول سؤال وهو للسيد فلان ويتكلم عليه بما يبهر العقول إلى آخره، ويأتى بمناسبة السؤال الثانى ويقول : وهو للسيد فلان وهو كذا وكذا ويتكلم عليه بكلام لم يخطر على بال، ويأتى بمناسبة السؤال الثالث وهو يقول : هذا للسيد العلامة فلان وهو كذا وكذا ويتكلم عليه أيضا بكلام يدهش العقول حتى استوفى جميع الأسئلة، وتعجبوا من صدق الكشف الذى ليس فيه لبس كأنه معهم حين وضعوا الأسئلة جوابا جوابا وغزارة العلم والجواب على كل سؤال بلا كلفة ولا مشقة وأذعنوا له وعرفوا فضله رضى الله عنه . وصاروا يأتونه بعد العشاء ويسألونه عن بعض التفاسير على بعض الآيات.
ومن جملة ما سألوه عنه تفسير قوله تعالى : (( ان المسلمين والمسلمات )) آية الأحزاب إلى آخر الآية فجلس فى تفسيرها أحد عشر يوما مجلسا فى الصباح ومجلسا فى العشاء وفى كل مجلس يأتى بغرائب وعجائب لم تسمع بها قبل ذلك غضا طريا ثم التفت اليهم وقال لهم : لو أطال الله أعمارنا وصرنا نتكلم على تفسير هذه الآية إلى يوم القيامة بشرط أن كل مجلس فيه شىء جديد لفعلنا ذلك وان شئتم نخرج من لجة البحر الى الساحل فلا بأس، فقالوا له قد عرفنا الغاية وأن انفاقكم من العلم اللدنى الذى لا تحويه الأقلام والأفكار، ودونوا منه أسفارا عديدة وهى عندهم موجودة الآن وحصل الانتفاع بها . وكان رضى الله عنه اذا سئل عن سؤال أولا ينظر فى كف يده ويقلبه ظاهرا وباطنا ويمده ويطويه ويتكلم بالغرائب والعجائب التى لا تخطر ببال.
وسأله القاضى حسن أحمد عاكش عن تفسير قوله تعالى : (( والذى قدر فهدى )) فجلس ثلاثة أيام صباحا ومساء يتكلم بكلام جديد غير الذى سمع أولا ثم قال لنا : لو أطال الله أعمارنا إلى يوم القيامة ونحن نتكلم بما فتح اللع علينا من مننه ما استقصينا ذلك وان شئتم نخرج من لجة البحر الى ساحله ونكتفى بصدق العبارة دون الاشارة، فقالوا له : ياسيدى فقد عرفنا فضلكم ونحن نتشوق الى آخر السورة .
ومما حكاه لنا مسألتين هو عن نفسه فى ابتداء أمره بالمغرب بينا أنا على سبيل التقصير مقر عن مريديه عن مثل ذلك .
قال : بينما أنا ذات يوم أمشى فى السوقاذ مرت علينا طائفة من الشرطة محتاطين بواحد أسير لم يمكن خلاصه منهم لشدة الوثاق والحرص عليه فقال الأستاذ رضى الله عنه لبعض الجماعة : مثل هذا فى نظركم له مخرج من بين هؤلاء ؟ فقالوا له : لا مخرج له فقال لهم : انظروا كيف تصريف أهل الله تعالى وخرق العادة منهم فالتفت الى الشرطة وقال لهم : (( اهدؤا عليه )) بهذه الكلمة فخرجت القيود والأغلال منه وتفرقت الشرطة عنه ومضى على سبيله وكان مظلوما.
والمسألة الثانية : خرج رضى الله عنه الى باب مدينة فاس فرأى الشرطة على الباب والمساكين يأخذون من الفقراء الداخلين بشىء من أثمار البساتين التى تسقط ويأتون بها لعيالهم وضعفائهم فضح الفقراء من ذلك فقالوا : لعلنا نجد معينا أو شافعا، فلما رأى رضى الله عنه ما بهم من الجور قام حسبة لله تعالى وقال : ائتونى برجل منكم شجيع يبلغ الخبر للملك حكم م نأمره ويرد لنا الجواب فقام رجل من الحاضرين وقال : أنا أبلغ الملك فقال له : قل للملك واحد يقول لك ولا تسمينى له قل له الأمر الذى جعله على ضعفاء المسلمين اتركه ولك فيه خير فى تركه وان ما تركته أراك تشوف ما يحصل لك، فوصل الرجل الى السلطان فأخبره بكلام الشيخ فطأطأ رأسه ساعة ورفع رأسه فقال للرجل : من هذا الذى ارسلك ؟ فقال له : أمرنى أن لا أخبرك باسمه فقال له : قل له أعطيتك مطلوبك وتركت للناس حالهم كما أمرت وأنا عندى حاجة وهى أن القبيلة الفلانية خرجت من طاعتنا وجهزنا عليهم جيوشا كثيرة ولم نظفر بهم وحصل منه فساد كثير فلا يصلحون الا بدخولهم تحت طاعتنا . فرد الشيخ عليه مع الرجل أن قل للملك : قد أعطيناك ذلك، فلم يلبثوا الا وقد أقب كبراء القبيلة وعرفاؤهم وطلبوا الصلح من السلطان ودخلوا تحت الطاعة.
وذكر الشيخ رضى الله عنه من أسعد له بسر بمجرد ما يخالف تحصل له العقوبة فى نفسه وأما الكامل فلا يفعل شيئا من الخوارق الا باذن خاص .
وقال لنا رضى الله عنه : مازلت أطلب طريق الله تعالى عند المشايخ الى أن قيل لى : الآن مابقى على وجه الأرض أحد تنتفع منه الا القرآن . فحمدت الله تعالى أن جعل مشربى القرآن الذى لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه وهدانى به . وانظر ياأخى فى أحزابه تعرف مشاربه أنها لا تتناهى .
وكان رضى الله عنه يقول : العارف فوق مايقول، وكان يقول : سفن العبارات ليس لها فى بحر الأذواق من نصيب انتهى كلام الشيخ .
وانى كنت فى بلادنا أطلب العلم بين يدى والدى القاضى صالح الرشيد، فجاء أخ لى أكبر يقص رؤيا على الوالد، وكان للأخ امرأة توفيت فى تلك الأيام قال : رأيتها فى المنام فسألتها ما فعل الله بك بعد قدومك عليه ؟ فقالت : جمعنا الله سبحانه وتعالى نحن والأموات جميعا بين يديه، وقال لنا : أنتم حضرتم زمن عبدى أحمد بن ادريس فسامحناكم جميعا من أجله . هذا ما سمعته من الأخ . وحكاه لى الأخ فى مجلس الدرس بين يدى الوالد، ونحن فى بلاد السودان، وسيدى أحمد بن ادريس رضى الله عنه بأرض اليمن ولا أخذنا عنه الطريق، ولا رأيناه بل سمعنا به سماعا وجاهه وصل الينا . وبعد ذلك جمعنا الله به وأخذنا عنه الطريق وجلسنا بين يديه .
وقال رضى الله عنه فى مجلسه أن بعض أهل الله يعطيهم الحق سبحانه وتعالى أهل عصرهم بالشفاعة عنده، فتذكرت قصة امرأة أخى فقصصتها على الأستاذ رضى الله عنه من أنها والأموات الذين معها سامحهم الحق من أجل وجودهم فى عصركم فقلت له : هذا الأمر صحيح ؟ قال : نعم .
وحكى لى بعض اخوانى كان فى السياحة قال : فاتفق لى فى بعض الأيام وأنا فى البرارى والقفار فاشتد على الحر والظمأ الشديد حتى أشرفت على الهلاك فعمدت الى شجرة هناك بقرب الطريق، فهيأت لى مضجعا فقلت : هذا هو الموت، فتذكرت أن الشيخ سيدى أحمد رضى الله عنه قال لنا : ان مريدى اذا نادانى وهو بالمغرب وأنا بالمشرق أو عند جبل قاف أجبته وان كان صادقا سمع رد الجواب والاجابة له بلبيك . قال الأخ فقلت ياسيدى أحمد أدركنى فأنا على ما ترانى من الهلاك عاطشا وجائعا، وكنت مستلقيا على ظهرى وطرف الثوب على وجهى وسمعت حركة شىء وضع فى الشجرة، فرفعت الثوب عن وجهى وسمعت حركة شىء وضع فى الشجرة، فرفعت الثوب عن وجهى واذا بى أرى بين أغصان الشجرة شيئا مثل البطيخة وعليها رغيفان كبيران، فقلت فى نفسى هذه تخيلات فمن يأتى بالرغيفين والبطيخ فى هذا الموضع فوضعت الثوب على وجهى وتيقنت بالموت وبقيت مترددا فى نفسى هذا خيال أو حقيقة، فكشفت الثوب عن وجهى أيضا فنظرت فاذا أنا بالبطيخة والرغيفين على ما هما عليه، فقمت اليهما وأخذتهما من بين أغصان الشجرة واذا بالرغيفين كأنما أخرجا من التنور الآن والبطيخة من أطيب ما يكون وأكلت من الرغيفين حتى شبعت ورويت من ماء البطيخة وسرت حتى وصلت أرض العمران وذلك ببركة الأستاذ رضى الله عنه .
وحكى لى الأخ المذكور قال : فى بعض سياحاتى فى بعض البلاد ومعى أناس جمعنا السفر معهم من غير سابقة معرفة فجاءنا الليل ونحن فى فلاة من الأرض خالية من العمران وبتنا فيها، فاذا بسبع له زئير وصوت هائل يحوم حولنا، وخافوا خوفا شديدا وقالوا لبعضهم : من عنده سر من شيخ أو التحاصين الواقية فليفعل فقالوا كلهم : ما عندنا شىء وقال لهم : أنا من أصحاب السيد أحمد بن ادريس ومنسوب اليه وفى حماه فقالوا : نحن أصحابك اجعلنا معك فى حماه فقال لهم : مرحبا، وجعلوه من الجهة التى فيها السبع وهم خلفه ورقدوا فأتاهم السبع حتى وصل عندهم وشم بأنفه عند رأس الأخ وولى هاربا مثل المطرود ورجع الى غابته، وصاحب السياحة هذا رجل من أهل الكرد.
ومن كراماته رضى الله عنه أن واحدا من أصحابه المغاربة كانت له امرأة مسيئة وأتعبته غاية التعب، ففى بعض الليالى أغاظته بكلمة فضربها ضربة شديدة فخرجت روحها وحركها فوجدها قد ماتت، فخاف على نفسه من الحكام فقام فى الليل حتى طرق الباب على الأستاذ رضى الله عنه فأذن له بالدخول، فأخبر الشيخ بما هو حاصل، وقام الشيخ معه ووصلوا الى بيت المغربى ووجد المرأة ميتة كما هى فخاف المغربى خوفا شديدا وقال : ياسيدى أحمد بن ادريس كيف الخلاص من هذا الأمر الفظيع دنيا وآخرة ؟ فقال له الأستاذ : نحن نتوجه الى الله تعالى فى كشف هذا الكرب وأنت تستر ماترى فقال المغربى : مرحبا فجعل الشيخ عصاه على المرأة ماشاء الله فأحياها الله تعالى بمنة وقدرته كرامة لوليه وجعل لأهل التقوى فرجا ومخرجا وعاشت المرأة بعد ذلك ماشاء الله تعالى أن تعيش .
ومن كراماته رضى الله عنه أن واحدا من الإخوان صحب الأستاذ مرة فى مكة ثم أمره بالقدوم الى ناحية الصعيد ومعه جماعة من الاخوان وأمره عليهم لأجل السنة متأسيابها ونزل الإخوان الى جدة وتعثر عليهم الحال بعدم الزاد والمصاريف فأراد الأخ الأمين أن يرجع الى مكة فقال له الإخوان : كيف ترجع الى مكة وأنت أمير علينا فى السفر ؟ فاهتم لذلك الأخ وترك الرجوع الى مكة فقام فرأى فى المنام كأنه أتى الى مكة وجلس بين يدى الأستاذ وقال له الأستاذ : خذ هذا الكتاب وسافر على بركة الله تعالى فأخذ الكتاب وجعله فى جيبه فلما أصبح الصباح وصلوا الصبح فتذكر الرؤيا فقال لهم الأخ : أنا رأيت البارحة كأنى وصلت الى مكة ووجدت الأستاذ وأعطانى مكتوبا وجعلته فى جيبى، فأدخل يده فى جيبه فوجد الكتاب فأخرجه ووجد مكتوبا (( يارب يسر ولا تعسر، رب تمم بالخير ياكريم )) فذكر الإخوان هذا الذكر ففرج الله عنهم وتيسرت لهم الأمور على أحسن حال وسافروا على بركة الله تعالى .
ومن كراماته رضى الله عنه أن واحدا من أصحابه كان فى المدينة المنورة وكان معه بعض الإخوان المحبين وكان هو من العارفين بأحوال الشيخ فتذكر هو ومن معه من الإخوان بأحوال الشيخ رضى الله عنه فعظم على رجل من الحاضرين هذا الأمر لما سمعه من فضل الأستاذ وهاج الحال على الأخ، فرفع طرفه الى السماء فرأى عصافير فقال لمن حضره من الإخوان فى مجلسه : لو دعوت هذه العصافير بإسم الشيخ سيدى أحمد لأجابتك فتساقطت كلها بين يدى الحاضرين، فمات بعض العصافير وطار بعضهم .
ومن كراماته رضى الله عنه أنه وقع قبل وصولنا اليه ونحن قد كنا أتينا الى الحج بمكة وهو باليمن فبعد فراغنا من الحج أصابنى مرض شديد حتى انى لا أستطيع القيام الى قضاء الحاجة فخشيت من الموت على هذا الحال فتضرعت الى الله تعالى أن أظفر بشيخ كامل يعرفنى بالله المعرفة الخاصة وبرسوله حتى أموت على معرفة تامة، فتوسلت بسيدى أحمد بن ادريس رضى الله عنه، فبمجرد ماغمضت عينى بالنوم رأيت سيدى أحمد بن ادريس رضى الله عنه جاء الى وأنا مضجع على سرير فوقف عندى فقال لى : دواءك أن تجعل لك بين جلدك ولحمك زمزم، فقلت له ، ياسيدى أنا مريض أنت افعل لى فالتفت وقد حضرت عندى قربة زمزم على ظهر واحد سقاء فلما وصل عندى سيدى أحمد خرق الجلد فى خاصرتى ووضع رأس القربة فى ذلك المحل فصار لها دوى فى بدنى كدويها فى الدوارق الى أن فرغت كلها فى ذاتى وسال منى العرق شيئا كثيرا حتى نزل تحت السرير فاستيقظت وأنا أجد فى قوة الى القيام برجلى الى أى مكان كان فحصلت لى العافية ببركة الأستاذ، وبعد أيام حصل لى مرض شديد فتوسلت بالشيخ فرأيته فى المنام فى خيمة عظيمة فى محل مرتفع وحده فى خيمته فسلمت عليه وقال لى : اجلس فجلست أمامه فقال لى : أنت خائف من الموت قلت له نعم فأخذ ورقة وكتب فيها سطرين لا تموت حتى يكون عمرك ثمانين سنة، والسطر الثانى لا تموت حتى تكون من أكابر العارفين بالله تعالى، وأعطانى الورقة وقال لى : اقرأها فقرأتها فحمدت الله تعالى على ذلك، ثم تذكرت أنى سابقا ما حصلت لى رؤية النبى صلى الله عليه وآله وسلم فذكرت ذلك للأستاذ فقال لى : اجلس نريك فرأيت فى يدى شيئا يطوى فيه الغزل وأنا صرت فى المثال على كيفية الغزل ولا أرى نفسى الا غزلا، وأخرج منى خيطا وجعله فى ذلك الشىء وطوى منى نصيبا فظهر لى شخص فإذا هو على كرم الله وجهه، ثم طوى ما شاء الله فظهر شخص ثانى، فإذا هو عثمان بن عفان رضى الله عنه . ثم طوى نصيبا فظهر شخص رابع، فإذا هو أبو بكر الصديق رضى الله عنه، وأنا بقيت ضعيفا جدا مثل الصبى الذى يرضع، ثم طوى نصيبا فظهر لى النبى صلى الله عليه وآله وسلم فاستيقظت من نومى فرحا مسرورا بهذه الرؤية .
وبعد انقضاء الحج توجهنا الى اليمن واجتمعنا بالأستاذ رضى الله عنه فى مدينة صبيا المباركة فى أرض اليمن فى ابتداء سنة ثمانية وأربعين بعد الألف ومائتين وفى أول ليلة من قدومنا عليه وقبل أن أنتسب اليه فى الطريق فعاملنا بحكم الضيافة، فبمجرد ماغمت عينى أطلق على بحر من نور عظيم حتى أغرقنى واستولى على فلم أستطع الخروج منه حتى كدت أن أهلك من شدة تراكم الأنوار على فاستيقظت من نومى وجسدى يضطرب . وفى اليوم الثانى أخذنا عنه الطريق وانتسبنا اليه قال لنا : أنا طريقى ما عندى كون يترقى فيه المريد لأن يصل الى مقصوده الا على الذى ليس وراء الله مرمى (( وأن الى ربك المنتهى )) بل ما تحط قدمك الا عنده فى حضرته، الحمد لله حصل لنا منه المدد الذى لا يدخل تحت حصر العبارة وهو مصداق قوله عليه السلام فى الحديث القدسى : (( أعددت لعبادى الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر)) فإذا واجهك الكريم بفضله فلا راد لحكمه وربك فعال لما يريد .
ومن كراماته رضى الله تعالى عنه أن اتفق لى فى ذات يوم وأنا أقرأ فى أحزاب التجليات اذ جاء من نفحات الجود وتجليات المعبود ما يوجب الإستهلاك من السحق والمحق والفناء المحض الى أن الجأنى الى عدم الإدراك، وبعد مدة من الزمان أتتنى القوة والشعور بالموجودات وبقى كل عضو من الأعضاء بل كل جزء من الأجزاء فيه ألم عظيم من تجليات الجلال، وفى كل ساعة أنتظر خروج الروح من آخر الليل من تمام اليوم الى الليلة الثانية، فخطر لى أن أخبر الأستاذ بذلك الأمر فأرسلت اليه واحدا من الإخوان وقلت له : قل له أنا كنت أقرأ فى أحزاب التجليات فحصل لى منها حاصل أمر عظيم والآن أنا مشرف على الهلاك ان لم تدركنى بنظرة تخرجنى من الجلال الى الجمال فى التجليات ومن الفناء الى البقاء فى جميع الحالات، فأرسل لى مع الرسول وقال : قل له يقول لك كان، فوصل عندى الرجل : يقول لك الشيخ : كان، فبمجرد ما قال لى الرجل يقول لك الأستاذ كان فر عنى الألم جميعه ساعة واحدة ووقفت من ساعتى، وصرت كأن لم يكن بى شىء قط وحمدت الله تعالى وعرفت أنه متحقق بما قاله السادات الصوفية : أول الطريق جنون وأوسطه فنون وآخره كن فيكون . فلله دره من أمام جمع جميع الفضائل والمعالى بل ومن تبعه جذبه الى درجات الكمال العوالى والحمد لله على لقائه ومحبته .
ومن كراماته رضى الله عنه أن ركاب بغلته انكسر فأمر خادمه بأدائه الى الحداد ليصلحه فوضعه فى النار مرارا فلم تفد فيه شيئا فرجع الى الشيخ فأخبره بذلك فقال له الشيخ : أنا عبد من عبيد الله أكرمنى الله أنه من جاورنى لم تحرقه النار، فكيف بمن جاوره فى بلده الأمين فكان رجل بالمجلس لا يرى للجوار أثرا فانتفع من هذه الواقعة فعرف فضل الجوار ومراعاة الجيران .
ومن كراماته رضى الله عنه أن واحدا من مريديه مات بمكة شرفها الله تعالى ودفن بالمعلى، وكان رجل من أهل الكشف منور البصيرة من الإخوان واقفا عنده حين الدفن، فرأى سيدنا عزرائيل عليه السلام أتى بفرش من الجنة وسرج عظيمة ووسع القبر مد البصر وفرش للميت المذكور ووضع له السرج وقال الرائى فى نفسه : ليتنى اذا مت يكرمنى ربى بمثل هذه الكرامة فالتفت اليه سيدنا عزرائيل عليه السلام، وقال له : كل واحد منكم له مثل هذه الكرامة ببركة الصلاة العظيمة وهى التى أولها (( اللهم انى أسألك بنور وجه الله العظيم )) الى آخرها المنسوبة للأستاذ سيدى أحمد بن ادريس رضى الله عنه .
ومنها أن شخصا أتاه بألف ريال ودفعها اليه فلم يقبلها منه وردها اليه وترجاه فى قبولها بمن هو حاضر بين يديه فقبلها منه وفرقها على من عنده من حينه من الفقراء الحاضرين لديه ولم يترك منها شيئا لنفسه ولا لعائلته تولاه الله تعالى بحسن رعايته .
وقال رضى الله عنه : بشرنى جدى عليه الصلاة والسلام وقال لى : (( من انتمى اليك ياولدى أحمد فلا أكله الى ولاية غيرى ولا كفالة غيرى أنا كفيله ووليه)) وكفى بهذه الولاية لأهل النسبة الى هذا الطريق كفاية .
وقال رضى الله عنه : سئل بعض اخواننا المقربين أهل الوصلة والإجتماع برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن حالنا عند الله وعنده، فقال له عليه السلام : ابنى أحمد بن ادريس قطب لا كالأقطاب، وغوث لا كالأغواث، وفرد لا كالأفراد، وجرس لا كالأجراس، فوق الكل وممد الكل، والله على ما أقول وكيل وجوابنا نرده بين يدى الله تعالى يوم القيامة.
وقال رضى الله عنه : الإخوان مايعرفون مقدار طريقنا الا إذا غمضت عين الواحد منهم بالموت فيرى ما أعده الله له من أجل هذه النسبة فى الطريق، وهذه بعض من كراماته والا فكراماته لا تعد ولا تحصى ولا يمكن ضبطها ولا تستقصى، وما ذكرته فهو نقطة من بحر زاخر ولمعة من بعض تلك الأثر .
وأما أوصافه رضى الله تعالى عنه : فهو طويل القامة، أبيض اللون مشرب بحمرة، نحيف الجسم، واسع العينين، طويل الوجه، أزج الحاجبين، فى شعره شيب، وكان يديم الذكر مجافيا جنبيه عن التكاسل، متوجا بشريعة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، قد فهمه الله أسرار البدايات، وأطلعه على أعلى النهايات، فهو بحر الحقائق، وموضح الطرائق، صاحب الأسرار الصمدانية، والدعوات الرحمانية، واللطائف القرآنية، والمعارف الفرقانية، والمواعظ اللقمانية، والفتوحات الربانية، والشمائل الكنهية .
ماذا أقول لمن تكامل وصفه
فالمدح فيه وان تطاول قاصر
قد اتضحت فضائله للخاص والعام، والمأموم والإمام .
وبالجملة انه ملك العلمبأزمته والعرفان والخصال بجزئياته وكلياته، صفاء قلبه على وجهه يلوح، ونفائح مسك الحكم من فيه يفوح . رقيق القلب ذو سكينة ووقار وحياء، اذا خرج ازدحم الناس على تقبيل يديه وركبتيه والتشبث بأذياله والتبرك برؤية وجهه، ما وضع يده على قلب قاس الا رق ولان، كلامه يقود سامعه الى السجود ويجرى فى القلب كجريان الماء فى العود، وكانت تأتيه الفتوحات من كل مكان، وعيشته كعيشة الملوك مع قطع النظر عما سوى الملك الديان، وكان رضى الله عنه يقول : (( نحن ضيوف الله فى أرضه والضيف يواجه المضيف . ومن حمل الزاد الى دار الكريم أو سأل شيئا منه وهو فى منزله عد لئيما )) وما هو حاصل منه من مدده فلا يسعه القرطاس ولا ضعفاء العقول من الناس.
وفى هذا القدر كفاية ومقنع، لمن كان له قلب ومسمع، والا فكرامته لا تسعها الطروس والكواغد ولا الألواح.
والحاصل أنه من أكابر أهل الله وأعيان الأمة الهاديين الى سبيل النجاة . وله الكرامات
الظاهرة المأثورة ، والأحوال الجميلة المشهورة، والآيات الزاهرة، والمقامات الفاخرة، جمع شيم العز المنيع، وحاز سجايا الجلالة والمهابة والشرف الرفيع، كيف لا وهو خلاصة بنى الزهراء البتول ؟ وفرع الشجرة الطاهرة الموصلة بالنبى الرسول صلى الله عليه وسلم الذين جعل الله حبهم هو الوسيلة العظمى، وقربهم يوصل فى الدارين الى كل مقام أسمى، وزاد قدرهم العى تنويها بشأنهم وتنويلا كما قال تعالى : (( انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا )) فاليهم كل مكرمة تئول اذا ماقيل الرسول، ولله در من يقول :
البيت بيت علا والعلم شيده
والأصل من عنصر المختار منتخب
والفرع فرع عظيم بالفخار سما
لقد سما فتدلت دونه الشهب
بالمصطفى المجتبى المختار قد شرفوا
وشرفوا من لهم بالود ينتسب
هم هم القوم والفخر الفريد لهم
وحبهم خير ما يقنى ويكتسب
لهم خصائص إمداد فضائلهم
من المهيمن لا تحوى لها الكتب
يظهرن أنوارها للكون حيث ترى
للعين كالشمس سرا ليس ينحجب
وليس يبدو لنا إلا القليل بهم
لكي يؤدي لهم بعض الذي يجب
أدام الله ديم الرحمات تنهل على أرواحهم الطاهرة الزكية ، وألحقنا بهم رب السماء في درجات الآخرة ، وأمدنا بمددهم وبركاتهم ، وأنشقنا طيب أعطارهم
اللهم انشر عليه نفحات الرحمات والأنوار وأفضى علينا مما أودعته من الأسرار
20/11/2024, 22:49 من طرف Admin
» كتاب مواعظ الإمام زين العابدين ـ صالح أحمد الشامي
18/11/2024, 23:30 من طرف Admin
» كتاب إتحاف النفوس بنفحات القدوس ـ عبد القدوس بن أسامة السامرائي
18/11/2024, 23:25 من طرف Admin
» كتاب الإعلام بفضل الصلاة على النبي والسلام ـ محمد بن عبد الرحمن بن علي النميري
18/11/2024, 23:20 من طرف Admin
» كتاب الغيب ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:08 من طرف Admin
» كتاب الشيطان والإنسان ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:03 من طرف Admin
» كتاب الشعراوي هنا رأيت سيدنا إبراهيم ـ سعيد أبو العنين
18/11/2024, 23:01 من طرف Admin
» كتاب الخير والشر ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:57 من طرف Admin
» كتاب التربية في مدرسة النبوة ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:55 من طرف Admin
» كتاب: إرشاد العباد إلى سبل الرشاد ـ للملبباري
18/11/2024, 22:41 من طرف Admin
» ـ كتاب آداب الحسن البصري ـ أبن الجوزي
18/11/2024, 22:34 من طرف Admin
» كتاب الله والنفس البشرية ـ لمحمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:23 من طرف Admin
» كتاب: معرفة النفس طر يق لمعرفة الرب ـ أستاذ البصيرة عبدالوهاب حسن
18/11/2024, 22:21 من طرف Admin
» كتاب الطريق الي الله ـ الشيخ علي جمعة
18/11/2024, 21:50 من طرف Admin
» كتاب: كتاب النفس والجسد والروح ـ ابراهيم البلتاجي
18/11/2024, 21:38 من طرف Admin