الدين والعلم
أ. د. محمد حسن هيتو
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة
الحمد الله ، والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :-
فإننا نريد من خلال هذه الموضوعات التي سنطرحها أن نبين الصلة الوثيقة بين الدين والعلم ، في هذا العصر الذي انبهر الناس فيه بزخرف الحضارة المادية المعاصرة ، وما تحمله في طياتها من فلسفات ،ومعتقدات ،وعلوم ،وفنون ، حتى وصل الأمر بهم لدرجة الإيمان بكل ما توحيه هذه الحضارة التي فتنوا بها ، والتي تقوم على أساس التجربة والمشاهدة ، فلا يجوز الإيمان بشيء لم يجرب أو لم يشاهد .
إلا أن الافتنان بهذه الحضارة ، والعصبية التي حملها العقل المعاصر ، عند كثير من المتثقفين والمفكرين _ جعل كثيراً من أبناء العصر يغضون الطرف عن هذه الحقيقة التي قامت عليها هذه الحضارة _ فيما يزعمون _ ويقنعون بمجرد التقليد الأعمى ، لكل ما يأتي به الشرق أو الغرب ، مادام ممهورا بخاتم التقدم ، ولو كان تقدما في طريق الرذيلة ، أو خاتم التحلل ، ولو كان تحللا من الفضيلة .
لقد سمعوا بعض قادة الفكر المادي المعاصر من فلاسفة العلوم يرددون أن الدين يتنافى مع العلم أو أن العقل الحديث لا يتلاءم مع الإيمان بالله والغيب ما وراء الطبيعة والمادة ، أو أن هذا العصر عصر الإلحاد وأبطال الأديان .
لقد سمعوا بعض قادة الفكر يرددون هذه الكلمات ، ورأوا بعض الدوائرالعلمية تتبناها ، وأجهزة الدعاية والإعلام تنشرها وتعممها ، فرددوها معهم ،وآمنوا بها ، دون أن يعرفوا الأسباب التي دفعت أولئك الناس إلى ترديدها ، ودون أن يعرفوا الحقائق العلمية التي شاهدوها أو جربوها حتى توصلوا إلى تلك الشعارات .
ونحن لا نريد أن نمنع الناس من اقتفاء أثر الحضارة المعاصرة ، كما لا نريد أن نمنعهم من الإطلاع على آثار فلاسفة العلوم وأفكارهم ، والاستفادة من خيراتهم وتجاربهم .
ولكننا نريد أن نقول : ليس كل ما قاله أولئك المفكرون حقا ، بل فيه الحق والباطل ، فما كان فيه من حق قبلناه ،بل نقلناه وتداولناه واستأنسنا به ، كما فعل أسلافنا حينما اطلعوا على ثقافة الأمم التي كانت قبلهم ، وما كان فيه من باطل دفعناه وأعرضنا عنه .
فإننا نبحث عن الحق ، وهو الذي يحكم على كل فكر ويدعمه ،وليس الفكر هو الذي يحكم الحق ويسيره .
ولذلك يجب علينا قبل أن نتقمص أي فكر أن ننظر فيه ونختبره ، ومن ثم نحكم عليه فأما أن نقبله ، وأما أن نرده . لقد زعم كثير من فلاسفة العلوم أن هذا العصر عصرالالحاد ، وأن العقل الحديث يتنافى مع فكرة الألوهية والدين ، خلافا للعقل القديم الذي كان يؤمن بالله ليعلل به كثيرا من مظاهر هذا الكون ، لجهله بعللها وقوانينها ، أما وقد عرفت القوانين والعلل ، فلم تعد هناك حاجة للقول بوجود الله ، وصار الالحاد أمرا ضروريا للعقل الحديث .
هذه دعواهم . . ونحن لا نرد هذه الدعوى ، وإنما نناقشها ، ونطالب بإقامة الدليل عليها ، وإلا أقمنا الدليل على بطلانها .
ونحن نؤمن بنقيض ما قالوه تماما ، إذ نؤمن بأن هذا العصر عصر الإيمان ،وعصر إظهار العظمة الإلهية ، وعصر البرهان الساطع على صدق الدين وضرورته . وإنما آمنا بهذا من خلال القوانين العلمية التي عرفناها ، والمشاهدات التي توصلنا إليها وأدركناها ، وهي نفس المبادئ التي دعتهم إلى الكفر و الالحاد . إلا أننا سنُطالب أيضا بقبول مناقشة هذا الإيمان ، ومن ثم سنُطالب بإقامة الدليل عليه . فأما أن نثبته وأما أن نعترف ببطلانه .
ونحن حينما نريد أن نستدل على صدق دعوانا ، وبطلان دعواهم ، لا يمكننا أن نستدل بقول الله في القرآن ، أو قول رسول صلى الله عليه وسلم في الحديث ، لأن الخصم لا يؤمن لا بقرآن ولا بحديث . ولا بألوهية ولا برسالة ولا بدين . .
ولذلك يجب علينا أن نرد عليه بالأسلوب العلمي الذي يفهمه ويتقنه ، من خلال المشاهدات و الأبحاث والتجارب. .
ولقد ساهم القرآن الكريم أكبر مساهمة في هذا المضمار إذ لفت نظرنا إلى
كيفية محاجة المخاصمين بما يتناسب مع عقولهم وتصوراتهم ، كما ورد في كثير من القصص القرآني في محاورات الأنبياء مع أقوامهم . .
ولذلك سيكون بحثنا على النحو التالي :
1- يجب علينا أن نبين له خطأ دعواه في أن الالحاد والخروج عن الدين وليدا
العقل الحديث ، بل هما قديمان قدم الإنسان والعقل ، وليست لهما أية علاقة
بالمكتشفات العلمية والحديثة .
2- يجب علينا أن نعرف الأسباب التي دفعت الإنسان إلى إنكار الدين و الالحاد .
3- نبين له الخطأ في ملاحظاته العلمية التي أبداها من أجل أبطال الدين .
4- نبين له أن المكتشفات العلمية قد وجدت يوما ما ولم تتعارض مع الدين ، وأنها اليوم كذلك .
5- نذكر أدلته التي استدل بها على أبطال الدين واعتمد عليه ، ومن ثم نردها .
6- نبين له أننا عندما نستدل على وجود الله إنما نستعمل نفس أسلوبه وأدلته ، وأن استدلالنا بها أوضح من استدلاله وأثبت وأتم .
7- نذكر أدلتنا على وجود الله ، من الكون والحياة وغير هما .
8- سنتكلم عن حقيقة الألوهية عندنا نحن المسلمين .
9- نبين معنى قولنا ” الله يوصف ولا يدرك ” مما أوقع الخصم في سوء الفهم
الدكتور محمد حسن هيتو
20 شعبان 1402هـ
الكويت الأربعاء :
16/6/1982م
أ. د. محمد حسن هيتو
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة
الحمد الله ، والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :-
فإننا نريد من خلال هذه الموضوعات التي سنطرحها أن نبين الصلة الوثيقة بين الدين والعلم ، في هذا العصر الذي انبهر الناس فيه بزخرف الحضارة المادية المعاصرة ، وما تحمله في طياتها من فلسفات ،ومعتقدات ،وعلوم ،وفنون ، حتى وصل الأمر بهم لدرجة الإيمان بكل ما توحيه هذه الحضارة التي فتنوا بها ، والتي تقوم على أساس التجربة والمشاهدة ، فلا يجوز الإيمان بشيء لم يجرب أو لم يشاهد .
إلا أن الافتنان بهذه الحضارة ، والعصبية التي حملها العقل المعاصر ، عند كثير من المتثقفين والمفكرين _ جعل كثيراً من أبناء العصر يغضون الطرف عن هذه الحقيقة التي قامت عليها هذه الحضارة _ فيما يزعمون _ ويقنعون بمجرد التقليد الأعمى ، لكل ما يأتي به الشرق أو الغرب ، مادام ممهورا بخاتم التقدم ، ولو كان تقدما في طريق الرذيلة ، أو خاتم التحلل ، ولو كان تحللا من الفضيلة .
لقد سمعوا بعض قادة الفكر المادي المعاصر من فلاسفة العلوم يرددون أن الدين يتنافى مع العلم أو أن العقل الحديث لا يتلاءم مع الإيمان بالله والغيب ما وراء الطبيعة والمادة ، أو أن هذا العصر عصر الإلحاد وأبطال الأديان .
لقد سمعوا بعض قادة الفكر يرددون هذه الكلمات ، ورأوا بعض الدوائرالعلمية تتبناها ، وأجهزة الدعاية والإعلام تنشرها وتعممها ، فرددوها معهم ،وآمنوا بها ، دون أن يعرفوا الأسباب التي دفعت أولئك الناس إلى ترديدها ، ودون أن يعرفوا الحقائق العلمية التي شاهدوها أو جربوها حتى توصلوا إلى تلك الشعارات .
ونحن لا نريد أن نمنع الناس من اقتفاء أثر الحضارة المعاصرة ، كما لا نريد أن نمنعهم من الإطلاع على آثار فلاسفة العلوم وأفكارهم ، والاستفادة من خيراتهم وتجاربهم .
ولكننا نريد أن نقول : ليس كل ما قاله أولئك المفكرون حقا ، بل فيه الحق والباطل ، فما كان فيه من حق قبلناه ،بل نقلناه وتداولناه واستأنسنا به ، كما فعل أسلافنا حينما اطلعوا على ثقافة الأمم التي كانت قبلهم ، وما كان فيه من باطل دفعناه وأعرضنا عنه .
فإننا نبحث عن الحق ، وهو الذي يحكم على كل فكر ويدعمه ،وليس الفكر هو الذي يحكم الحق ويسيره .
ولذلك يجب علينا قبل أن نتقمص أي فكر أن ننظر فيه ونختبره ، ومن ثم نحكم عليه فأما أن نقبله ، وأما أن نرده . لقد زعم كثير من فلاسفة العلوم أن هذا العصر عصرالالحاد ، وأن العقل الحديث يتنافى مع فكرة الألوهية والدين ، خلافا للعقل القديم الذي كان يؤمن بالله ليعلل به كثيرا من مظاهر هذا الكون ، لجهله بعللها وقوانينها ، أما وقد عرفت القوانين والعلل ، فلم تعد هناك حاجة للقول بوجود الله ، وصار الالحاد أمرا ضروريا للعقل الحديث .
هذه دعواهم . . ونحن لا نرد هذه الدعوى ، وإنما نناقشها ، ونطالب بإقامة الدليل عليها ، وإلا أقمنا الدليل على بطلانها .
ونحن نؤمن بنقيض ما قالوه تماما ، إذ نؤمن بأن هذا العصر عصر الإيمان ،وعصر إظهار العظمة الإلهية ، وعصر البرهان الساطع على صدق الدين وضرورته . وإنما آمنا بهذا من خلال القوانين العلمية التي عرفناها ، والمشاهدات التي توصلنا إليها وأدركناها ، وهي نفس المبادئ التي دعتهم إلى الكفر و الالحاد . إلا أننا سنُطالب أيضا بقبول مناقشة هذا الإيمان ، ومن ثم سنُطالب بإقامة الدليل عليه . فأما أن نثبته وأما أن نعترف ببطلانه .
ونحن حينما نريد أن نستدل على صدق دعوانا ، وبطلان دعواهم ، لا يمكننا أن نستدل بقول الله في القرآن ، أو قول رسول صلى الله عليه وسلم في الحديث ، لأن الخصم لا يؤمن لا بقرآن ولا بحديث . ولا بألوهية ولا برسالة ولا بدين . .
ولذلك يجب علينا أن نرد عليه بالأسلوب العلمي الذي يفهمه ويتقنه ، من خلال المشاهدات و الأبحاث والتجارب. .
ولقد ساهم القرآن الكريم أكبر مساهمة في هذا المضمار إذ لفت نظرنا إلى
كيفية محاجة المخاصمين بما يتناسب مع عقولهم وتصوراتهم ، كما ورد في كثير من القصص القرآني في محاورات الأنبياء مع أقوامهم . .
ولذلك سيكون بحثنا على النحو التالي :
1- يجب علينا أن نبين له خطأ دعواه في أن الالحاد والخروج عن الدين وليدا
العقل الحديث ، بل هما قديمان قدم الإنسان والعقل ، وليست لهما أية علاقة
بالمكتشفات العلمية والحديثة .
2- يجب علينا أن نعرف الأسباب التي دفعت الإنسان إلى إنكار الدين و الالحاد .
3- نبين له الخطأ في ملاحظاته العلمية التي أبداها من أجل أبطال الدين .
4- نبين له أن المكتشفات العلمية قد وجدت يوما ما ولم تتعارض مع الدين ، وأنها اليوم كذلك .
5- نذكر أدلته التي استدل بها على أبطال الدين واعتمد عليه ، ومن ثم نردها .
6- نبين له أننا عندما نستدل على وجود الله إنما نستعمل نفس أسلوبه وأدلته ، وأن استدلالنا بها أوضح من استدلاله وأثبت وأتم .
7- نذكر أدلتنا على وجود الله ، من الكون والحياة وغير هما .
8- سنتكلم عن حقيقة الألوهية عندنا نحن المسلمين .
9- نبين معنى قولنا ” الله يوصف ولا يدرك ” مما أوقع الخصم في سوء الفهم
الدكتور محمد حسن هيتو
20 شعبان 1402هـ
الكويت الأربعاء :
16/6/1982م
20/11/2024, 22:49 من طرف Admin
» كتاب مواعظ الإمام زين العابدين ـ صالح أحمد الشامي
18/11/2024, 23:30 من طرف Admin
» كتاب إتحاف النفوس بنفحات القدوس ـ عبد القدوس بن أسامة السامرائي
18/11/2024, 23:25 من طرف Admin
» كتاب الإعلام بفضل الصلاة على النبي والسلام ـ محمد بن عبد الرحمن بن علي النميري
18/11/2024, 23:20 من طرف Admin
» كتاب الغيب ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:08 من طرف Admin
» كتاب الشيطان والإنسان ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:03 من طرف Admin
» كتاب الشعراوي هنا رأيت سيدنا إبراهيم ـ سعيد أبو العنين
18/11/2024, 23:01 من طرف Admin
» كتاب الخير والشر ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:57 من طرف Admin
» كتاب التربية في مدرسة النبوة ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:55 من طرف Admin
» كتاب: إرشاد العباد إلى سبل الرشاد ـ للملبباري
18/11/2024, 22:41 من طرف Admin
» ـ كتاب آداب الحسن البصري ـ أبن الجوزي
18/11/2024, 22:34 من طرف Admin
» كتاب الله والنفس البشرية ـ لمحمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:23 من طرف Admin
» كتاب: معرفة النفس طر يق لمعرفة الرب ـ أستاذ البصيرة عبدالوهاب حسن
18/11/2024, 22:21 من طرف Admin
» كتاب الطريق الي الله ـ الشيخ علي جمعة
18/11/2024, 21:50 من طرف Admin
» كتاب: كتاب النفس والجسد والروح ـ ابراهيم البلتاجي
18/11/2024, 21:38 من طرف Admin