عناية الله به صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
مقدمة الكلمة:
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ:
حَدِيثُهُ، أَوحَدِيثٌ عَـنْهُ يُطْرِبُني *** هَذَا إِذَا غَابَ، أَوْ هَذَا إِذَا حَضَرَا
كِـلَاهُمَا حَـسَنٌ عِـنْدِي أُسَرُّ بِهِ *** لَكِنَّ أَحْلَاهُمَا مَا وَافَقَ الـــنَّظَرَا
يَقُولُ الشَّيْخُ العَلَّامَةُ المُحَدِّثُ عَبْدُ اللهِ سِرَاجُ الدِّينِ رَحِمَهُ اللهُ تعالى في كِتَابِهِ: سَيِّدُنَا مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: عِنَايَةُ اللهِ تعالى بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مُنذُ صِغَرِهِ:
إِنَّ عِنَايَةَ اللهِ تعالى قَدَ حَفَّتْ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ في جَمِيعِ أَطْوَارِهِ الخَلْقِيَّةِ، وَجَمِيعِ تَقَلُّبَاتِهِ وَأَحْوَالِهِ مُنْذُ صِغَرِهِ.
فَقَدْ تُوُفِّيَ وَالِدُهُ عَبْدُ اللهِ بَعْدَمَا تَمَّ لَهُ مِنْ حَمْلِهِ الشَّرِيفِ شَهْرَانِ، عَلَى أَشْهَرِ الأَقْوَالِ. وَقِيلَ: بَعْدَمَا تَمَّ لَهُ سَبْعَةُ أَشْهُرٍ مِنَ الحَمْلِ. وَقِيلَ: تُوُفِّيَ وَالِدُهُ وَهُوَ في المَهْدِ.
فَقِيلَ: ابْنُ شَهْرَيْنِ، وَقِيلَ: ابْنُ سَبْعَةِ أَشْهُرٍ، وَقِيلَ: ابْنُ تِسْعَةِ أَشْهُرٍ، وَالرَّاجِحُ المَشْهُورُ هُوَ القَوْلُ الأَوَّلُ ـ يَعْنِي: أَنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تُوُفِّيَ وَالِدُهُ وَهُوَ حَمْلٌ.
وَالحُجَّةَ لَهُ مَا جَاءَ في المُسْتَدْرَكِ عَنْ قَيْسِ بْنِ مَخْرَمَةَ قَالَ: تُوُفِّيَ أَبُو النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَأُمُّهُ حُبْلَى بِهِ. وَقَالَ الحَاكِمُ: عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ وَقَدْ أَقَرَّهُ الذَّهَبِيُّ. نَقَلَ ذَلِكَ الحَافِظُ ابْنُ كَثِيرٍ، وَالإِمَامُ العَسْقَلَانِيُّ، وَالحَافِظُ الزَّرْقَانِيُّ، وَغَيْرُهُمْ.
فَكَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مَعَ أُمِّهِ آمِنَةَ، وَهَيَّأَ اللهُ تعالى لَهُ جَدَّهُ عَبْدَ المُطَّلِبِ يَكْفَلُهُ وَيَقُومُ بِحَاجَتِهِ وَشَأْنِهِ، مَعَ الحَفَاوَةِ وَالتَّكْرِيمِ.
فَنَشَأَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ في إِيوَاءِ اللهِ تعالى وَكَلَاءَتِهِ وَحِفْظِهِ وَرِعَايَتِهِ، يُنْبِتُهُ اللهُ تعالى نَبَاتَاً حَسَنَاً، لِمَا يُرِيدُ بِهِ مِنْ كَرَامَتِهِ، وَرِفْعَةِ مَكَانَتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِالنُّبُوَّةِ وَالرِّسَالَةِ.
وَلَمَّا بَلَغَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ سِتَّ سِنِينَ (عَلَى أَرْجَحِ الأَقْوَالِ، وَقِيلَ: أَرْبَعَ سِنِينَ، وَقِيلَ أَكْثَرَ) تُوُفِّيَتْ أُمُّهُ آمِنَةُ بِنْتُ وَهْبٍ بِالأَبْوَاءِ، بَيْنَ مَكَّةَ وَالمَدِينَةِ، وَقِيلَ: بِشِعْبِ أَبِي ذِئْبٍ بِالحُجُونِ ـ جَبَلٍ بِمِعْلَاةِ مَكَّةَ ـ. انْظُرْ شَرْحَ المَوَاهِبِ.
رَوَى ابْنُ سَعْدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَعَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ عَمْرٍو بْنِ قَتَادَةَ، دَخَلَ حَدِيثُ بَعْضِهِمْ في حَدِيثِ بَعْضِهِمْ (قَالَ الزَّرْقَانِيُّ: أَرْسَلَهُ الثَّلَاثَةُ إِلَّا أَنَّ مُرْسَلَ ابْنِ عَبَّاسٍ في حُكْمِ المَوْصُولِ، لِأَنَّهُ مُرْسَلُ صَحَابِيٍّ. اهـ) قَالُوا: لَمَّا بَلَغَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ سِتَّ سِنِينَ خَرَجَتْ بِهِ أُمُّهُ إلى أَخْوَالِهِ بَنِي عَدِيِّ بْنِ النَّجَّارِ بِالمَدِينَةِ تَزُورُهُمْ، وَمَعَهُ أُمُّ أَيْمَنَ، فَنَزَلَتْ بِهِ دَارَ التَّبَايِعَةِ، فَأَقَامَتْ بِهِ عِنْدَهُمْ شَهْرَاً، فَكَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَذْكُرُ أُمُورَاً كَانَتْ في مُقَامِهِ ذَلِكَ.
وَنَظَرَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إلى الدَّارِ وَهُوَ بِالمَدِينَةِ بَعْدَ الهِجْرَةِ، فَقَالَ: «هَا هُنَا نَزَلَتْ بِي أُمِّي، وَأَحْسَنَتِ العَوْمَ ـ أَيْ: السِّبَاحَةَ ـ في بِئْرِ بَنِي عَدِيِّ بْنِ النَّجَّارِ، وَكَانَ قَوْمٌ مِنَ اليَهُودِ يَخْتَلِفُونَ يَنْظُرُونَ إِلَيَّ، قَالَتْ أُمُّ أَيْمَنَ: فَسَمِعْتُ أَحَدَهُمْ يَقُولُ: هُوَ نَبِيُّ هَذِهِ الأُمَّةِ، وَهَذِهِ ـ المَدِينَةُ ـ دَارُ هِجْرَتِهِ، فَوَعَيْتُ ذَلِكَ كُلَّهُ مِنْ كَلَامِهِمْ؛ ثُمَّ رَجَعَتْ بِهِ أُمُّهُ إلى مَكَّةَ، فَلَمَّا كَانَتْ بِالأَبْوَاءِ تُوُفِّيَتْ. اهـ.
وَفِي رِوَايَةِ أَبِي نُعَيْمٍ، قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «فَنَظَرَ إِلَيَّ رَجُلٌ مِنَ اليَهُودِ، فَقَالَ: يَا غُلَامُ، مَا اسْمُكَ؟ قُلْتُ: أَحْمَدَ.
وَنَظَرَ إلى ظَهْرِي فَأَسْمَعُهُ يَقُولُ: هَذَا نَبِيُّ هَذِهِ الأُمَّةِ، ثُمَّ رَاحَ إلى إِخْوَانِهِ مِنَ اليَهُودِ فَأَخْبَرَهُمْ، فَأَخْبَرُوا أُمِّي فَخَافَتْ عَلَيَّ، فَخَرَجْنَا مِنَ المَدِينَةِ ..». الحَدِيثَ. انْظُرْ البِدَايَةَ وَالمَوَاهِبَ وَشَرْحَهَا.
فَكَانَتْ أُمُّ أَيْمَنَ ـ وَاسْمُهَا بَرَكَةُ الحَبَشِيَّةُ ـ هِيَ حَاضِنَةً للنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ وَفَاةِ أُمِّهِ، وَهِيَ التي أَعْتَقَهَا أَبُو المُصْطَفَى، وَقِيلَ: بَلْ هُوَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَعْتَقَهَا، وَقَدْ أَسْلَمَتْ، وَهَاجَرَتِ الهِجْرَتَيْنِ، وَمَنَاقِبُهَا كَثِيرَةٌ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا.
قَالَ ابْنُ أُمِّ حَنْتَمَةَ: وَكَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «أُمُّ أَيْمَنَ: أُمِّي بَعْدَ أُمِّي».
وَقَالَ الحَافِظُ في الإِصَابَةِ: قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: أَخْبَرَنَا أَبُو أُمَامَةَ، عَنْ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عُثْمَانَ بْنَ القَاسِمِ يُحَدِّثُ، قَالَ: لَمَّا هَاجَرَتْ أُمُّ أَيْمَنَ ـ إِلَى المَدِينَةِ ـ أَمْسَتْ بِالمُنْصَرَفِ دُونَ الرَّوْحَاءِ ـأَيْ: أَقْبَلَ عَلَيْهَا المَسَاءُ وَهِيَ في مَوْضِعٍ بَيْنَ الحَرَمَيْنِ ـ فَعَطِشَتْ وَلَيْسَ مَعَهَا مَاءٌ وَهِيَ صَائِمَةٌ، فَأَجْهَدَهَا العَطَشُ، فَدُلِّيَ عَلَيْهَا مِنَ السَّمَاءِ دَلْوٌ مِنْ مَاءٍ بِرِشَاءٍ أَبْيَضَ، فَأَخَذَتْهُ فَشَرِبَتْهُ حَتَّى رَوِيَتْ، فَكَانَتْ تَقُولُ: مَا أَصَابَنِي بَعْدَ ذَلِكَ عَطَشٌ، وَلَقَدْ تَعَرَّضْتُ للصَّوْمِ في الهَوَاجِرِ، فَمَا عَطِشْتُ بَعْدَ تِلْكَ الشَّرْبَةِ.
وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ السَّكَنِ: خَرَجَتْ أُمُّ أَيْمَنَ مُهَاجِرَةً مِنْ مَكَّةَ إلى المَدِينَةِ، وَهِيَ مَاشِيَةٌ لَيْسَ مَعَهَا زَادٌ، قَالَتْ: فَلَمَّا غَابَتِ الشَّمْسُ، إِذَا إِنَاءٌ مُعَلَّقٌ عِنْدَ رَأْسِي، قَالَتْ: وَلَقَدْ كُنْتُ بَعْدَ ذَلِكَ أَصُومُ في اليَوْمِ الحَارِّ، ثُمَّ أَطُوفُ في الشَّمْسِ كَيْ أَعْطَشَ، فَمَا عَطِشْتُ بَعْدُ. اهـ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مَعَ جَدِّهِ عَبْدِ المُطَّلِبِ ـ بَعْدَ وَفَاة أُمِّهِ ـ فَكَانَ يُوضعُ لِعَبْدِ الْمُطَّلِبِ فِرَاشٌ فِي ظِلِّ الْكَعْبَةِ، وَكَانَ بَنُوهُ يَجْلِسُونَ حَوْلَ فِرَاشِهِ ذَلِكَ، حَتَّى يَخْرَجَ إلَيْهِ، لَا يَجْلِسُ عَلَيْهِ أَحَدٌ مِنْ بَنِيهِ إِجْلَالَاً لَهُ.
فَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَأْتِي، حَتَّى يَجْلِسَ عَلَيْهِ، فَيَأْخُذَهُ أَعْمَامُهُ، لِيُؤَخِّرُوهُ عَنْهُ، فَيَقُولُ لَهُمْ عَبْدُ المُطَّلِبِ، إذَا رَأَى ذَلِكَ مِنْهُمْ: دَعُوا ابْنِي، فَوَاللهِ إنَّ لَهُ لَشَأْنَاً، ثُمَّ يُجْلِسُهُ مَعَهُ عَلَى الْفِرَاشِ، وَيَمْسَحُ ظَهْرَهُ بِيَدِهِ، وَيَسُرُّهُ مَا يَرَاهُ يَصْنَعُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. اهـ. انْظُرِ البِدَايَةَ.
فَلَمَّا حَضَرَتْ عَبْدَ المُطَّلِبِ الوَفَاةُ أَوْصَى أَبَا طَالِبٍ بِحِفْظِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَحِيَاطَتِهِ، وَتُوُفِّيَ عَبْدُ المُطَّلِبِ وَقَدْ بَلَغَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ ثَمَانِ سِنِينَ.
فَكَانَ أَبُو طَالِبٍ يَحُوطُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَيُكْرِمُهُ، وَقَدْ أَسْنَدَ الوَاقِدِيُّ وَغَيْرُهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ أَبُو طَالِبٍ يُحِبُّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ حُبَّاً شَدِيدَاً لَا يُحِبُّهُ وَلَدَهُ، وَكَانَ لَا يَنَامُ إِلَّا إلى جَنْبِهِ، وَيَخْرُجُ فَيَخْرُجُ مَعَهُ، وَصُبَّ بِهِ أَبُو طَالِبٍ صَبَابَةُ لَمْ يُصَبَّ مِثْلَهَا بِشَيْءٍ قَطُّ.
قَالَ: وَكَانَ أَبُو طَالِبٍ يَخُصُّهُ بِالطَّعَامِ، وَكَانَ إِذَا أَكَلَ عِيَالُ أَبِي طَالِبٍ جَمِيعَاً أَو فُرَادَى لَمْ يَشْبَعُوا، وَإِذَا أَكَلَ مَعَهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ شَبِعُوا، فَكَانَ ـ أَبُو طَالِبٍ ـ إِذَا أَرَادَ أَنْ يُغَذِّيَهُمْ قَالَ ـ أَبُو طَالِبٍ ـ: كَمَا أَنْتُمْ ـ أَيْ: لَا تَأْكُلُوا ـ حَتَّى يَأْتِيَ وَلَدِي مُحَمَّدٌ، فَيَأْتِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَيَأْكُلُ مَعَهُمْ، فَكَانُوا يُفْضِلُونَ مِنْ طَعَامِهِمْ. وَإِذَا كَانَ لَبَنَاً شَرِبَ أَوَّلَهُمْ ثُمَّ يَشْرَبُونَ فَيُرْوَوْنَ كُلُّهُمْ مِنْ قَعْبٍ ـ إِنَاءٍ ـ وَاحِدٍ، فَيَقُولُ ـ أَبُو طَالِبٍ ـ: إِنَّكَ ـ يَا مُحَمَّدُ ـ لَمُبَارَكٌ.
خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: وَرَوَى أَبُو نُعَيْمٍ وَابْنُ إِسْحَاقَ وَغَيْرُهُمَا، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: كَانَ بَنُو أَبِي طَالِبٍ يُصْبِحُونَ رُمْصَاً شُعْثَاً، وَيُصْبِحُ مُحَمدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ صَقِيلَاً، دَهِينَاً، كَحِيلَاً، وَكَانَ أَبُو طَالِبٍ يُحِبُّهُ حُبَّاً شَدِيدَاً. اهـ. انْظُرْ جَمِيعَ ذَلِكَ في البِدَايَةِ وَشَرْحِ المَوَاهِبِ.
اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا لِاتِّبَاعِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. آمين.
** ** **
مقدمة الكلمة:
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ:
حَدِيثُهُ، أَوحَدِيثٌ عَـنْهُ يُطْرِبُني *** هَذَا إِذَا غَابَ، أَوْ هَذَا إِذَا حَضَرَا
كِـلَاهُمَا حَـسَنٌ عِـنْدِي أُسَرُّ بِهِ *** لَكِنَّ أَحْلَاهُمَا مَا وَافَقَ الـــنَّظَرَا
يَقُولُ الشَّيْخُ العَلَّامَةُ المُحَدِّثُ عَبْدُ اللهِ سِرَاجُ الدِّينِ رَحِمَهُ اللهُ تعالى في كِتَابِهِ: سَيِّدُنَا مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: عِنَايَةُ اللهِ تعالى بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مُنذُ صِغَرِهِ:
إِنَّ عِنَايَةَ اللهِ تعالى قَدَ حَفَّتْ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ في جَمِيعِ أَطْوَارِهِ الخَلْقِيَّةِ، وَجَمِيعِ تَقَلُّبَاتِهِ وَأَحْوَالِهِ مُنْذُ صِغَرِهِ.
فَقَدْ تُوُفِّيَ وَالِدُهُ عَبْدُ اللهِ بَعْدَمَا تَمَّ لَهُ مِنْ حَمْلِهِ الشَّرِيفِ شَهْرَانِ، عَلَى أَشْهَرِ الأَقْوَالِ. وَقِيلَ: بَعْدَمَا تَمَّ لَهُ سَبْعَةُ أَشْهُرٍ مِنَ الحَمْلِ. وَقِيلَ: تُوُفِّيَ وَالِدُهُ وَهُوَ في المَهْدِ.
فَقِيلَ: ابْنُ شَهْرَيْنِ، وَقِيلَ: ابْنُ سَبْعَةِ أَشْهُرٍ، وَقِيلَ: ابْنُ تِسْعَةِ أَشْهُرٍ، وَالرَّاجِحُ المَشْهُورُ هُوَ القَوْلُ الأَوَّلُ ـ يَعْنِي: أَنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تُوُفِّيَ وَالِدُهُ وَهُوَ حَمْلٌ.
وَالحُجَّةَ لَهُ مَا جَاءَ في المُسْتَدْرَكِ عَنْ قَيْسِ بْنِ مَخْرَمَةَ قَالَ: تُوُفِّيَ أَبُو النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَأُمُّهُ حُبْلَى بِهِ. وَقَالَ الحَاكِمُ: عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ وَقَدْ أَقَرَّهُ الذَّهَبِيُّ. نَقَلَ ذَلِكَ الحَافِظُ ابْنُ كَثِيرٍ، وَالإِمَامُ العَسْقَلَانِيُّ، وَالحَافِظُ الزَّرْقَانِيُّ، وَغَيْرُهُمْ.
فَكَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مَعَ أُمِّهِ آمِنَةَ، وَهَيَّأَ اللهُ تعالى لَهُ جَدَّهُ عَبْدَ المُطَّلِبِ يَكْفَلُهُ وَيَقُومُ بِحَاجَتِهِ وَشَأْنِهِ، مَعَ الحَفَاوَةِ وَالتَّكْرِيمِ.
فَنَشَأَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ في إِيوَاءِ اللهِ تعالى وَكَلَاءَتِهِ وَحِفْظِهِ وَرِعَايَتِهِ، يُنْبِتُهُ اللهُ تعالى نَبَاتَاً حَسَنَاً، لِمَا يُرِيدُ بِهِ مِنْ كَرَامَتِهِ، وَرِفْعَةِ مَكَانَتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِالنُّبُوَّةِ وَالرِّسَالَةِ.
وَلَمَّا بَلَغَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ سِتَّ سِنِينَ (عَلَى أَرْجَحِ الأَقْوَالِ، وَقِيلَ: أَرْبَعَ سِنِينَ، وَقِيلَ أَكْثَرَ) تُوُفِّيَتْ أُمُّهُ آمِنَةُ بِنْتُ وَهْبٍ بِالأَبْوَاءِ، بَيْنَ مَكَّةَ وَالمَدِينَةِ، وَقِيلَ: بِشِعْبِ أَبِي ذِئْبٍ بِالحُجُونِ ـ جَبَلٍ بِمِعْلَاةِ مَكَّةَ ـ. انْظُرْ شَرْحَ المَوَاهِبِ.
رَوَى ابْنُ سَعْدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَعَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ عَمْرٍو بْنِ قَتَادَةَ، دَخَلَ حَدِيثُ بَعْضِهِمْ في حَدِيثِ بَعْضِهِمْ (قَالَ الزَّرْقَانِيُّ: أَرْسَلَهُ الثَّلَاثَةُ إِلَّا أَنَّ مُرْسَلَ ابْنِ عَبَّاسٍ في حُكْمِ المَوْصُولِ، لِأَنَّهُ مُرْسَلُ صَحَابِيٍّ. اهـ) قَالُوا: لَمَّا بَلَغَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ سِتَّ سِنِينَ خَرَجَتْ بِهِ أُمُّهُ إلى أَخْوَالِهِ بَنِي عَدِيِّ بْنِ النَّجَّارِ بِالمَدِينَةِ تَزُورُهُمْ، وَمَعَهُ أُمُّ أَيْمَنَ، فَنَزَلَتْ بِهِ دَارَ التَّبَايِعَةِ، فَأَقَامَتْ بِهِ عِنْدَهُمْ شَهْرَاً، فَكَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَذْكُرُ أُمُورَاً كَانَتْ في مُقَامِهِ ذَلِكَ.
وَنَظَرَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إلى الدَّارِ وَهُوَ بِالمَدِينَةِ بَعْدَ الهِجْرَةِ، فَقَالَ: «هَا هُنَا نَزَلَتْ بِي أُمِّي، وَأَحْسَنَتِ العَوْمَ ـ أَيْ: السِّبَاحَةَ ـ في بِئْرِ بَنِي عَدِيِّ بْنِ النَّجَّارِ، وَكَانَ قَوْمٌ مِنَ اليَهُودِ يَخْتَلِفُونَ يَنْظُرُونَ إِلَيَّ، قَالَتْ أُمُّ أَيْمَنَ: فَسَمِعْتُ أَحَدَهُمْ يَقُولُ: هُوَ نَبِيُّ هَذِهِ الأُمَّةِ، وَهَذِهِ ـ المَدِينَةُ ـ دَارُ هِجْرَتِهِ، فَوَعَيْتُ ذَلِكَ كُلَّهُ مِنْ كَلَامِهِمْ؛ ثُمَّ رَجَعَتْ بِهِ أُمُّهُ إلى مَكَّةَ، فَلَمَّا كَانَتْ بِالأَبْوَاءِ تُوُفِّيَتْ. اهـ.
وَفِي رِوَايَةِ أَبِي نُعَيْمٍ، قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «فَنَظَرَ إِلَيَّ رَجُلٌ مِنَ اليَهُودِ، فَقَالَ: يَا غُلَامُ، مَا اسْمُكَ؟ قُلْتُ: أَحْمَدَ.
وَنَظَرَ إلى ظَهْرِي فَأَسْمَعُهُ يَقُولُ: هَذَا نَبِيُّ هَذِهِ الأُمَّةِ، ثُمَّ رَاحَ إلى إِخْوَانِهِ مِنَ اليَهُودِ فَأَخْبَرَهُمْ، فَأَخْبَرُوا أُمِّي فَخَافَتْ عَلَيَّ، فَخَرَجْنَا مِنَ المَدِينَةِ ..». الحَدِيثَ. انْظُرْ البِدَايَةَ وَالمَوَاهِبَ وَشَرْحَهَا.
فَكَانَتْ أُمُّ أَيْمَنَ ـ وَاسْمُهَا بَرَكَةُ الحَبَشِيَّةُ ـ هِيَ حَاضِنَةً للنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ وَفَاةِ أُمِّهِ، وَهِيَ التي أَعْتَقَهَا أَبُو المُصْطَفَى، وَقِيلَ: بَلْ هُوَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَعْتَقَهَا، وَقَدْ أَسْلَمَتْ، وَهَاجَرَتِ الهِجْرَتَيْنِ، وَمَنَاقِبُهَا كَثِيرَةٌ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا.
قَالَ ابْنُ أُمِّ حَنْتَمَةَ: وَكَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «أُمُّ أَيْمَنَ: أُمِّي بَعْدَ أُمِّي».
وَقَالَ الحَافِظُ في الإِصَابَةِ: قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: أَخْبَرَنَا أَبُو أُمَامَةَ، عَنْ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عُثْمَانَ بْنَ القَاسِمِ يُحَدِّثُ، قَالَ: لَمَّا هَاجَرَتْ أُمُّ أَيْمَنَ ـ إِلَى المَدِينَةِ ـ أَمْسَتْ بِالمُنْصَرَفِ دُونَ الرَّوْحَاءِ ـأَيْ: أَقْبَلَ عَلَيْهَا المَسَاءُ وَهِيَ في مَوْضِعٍ بَيْنَ الحَرَمَيْنِ ـ فَعَطِشَتْ وَلَيْسَ مَعَهَا مَاءٌ وَهِيَ صَائِمَةٌ، فَأَجْهَدَهَا العَطَشُ، فَدُلِّيَ عَلَيْهَا مِنَ السَّمَاءِ دَلْوٌ مِنْ مَاءٍ بِرِشَاءٍ أَبْيَضَ، فَأَخَذَتْهُ فَشَرِبَتْهُ حَتَّى رَوِيَتْ، فَكَانَتْ تَقُولُ: مَا أَصَابَنِي بَعْدَ ذَلِكَ عَطَشٌ، وَلَقَدْ تَعَرَّضْتُ للصَّوْمِ في الهَوَاجِرِ، فَمَا عَطِشْتُ بَعْدَ تِلْكَ الشَّرْبَةِ.
وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ السَّكَنِ: خَرَجَتْ أُمُّ أَيْمَنَ مُهَاجِرَةً مِنْ مَكَّةَ إلى المَدِينَةِ، وَهِيَ مَاشِيَةٌ لَيْسَ مَعَهَا زَادٌ، قَالَتْ: فَلَمَّا غَابَتِ الشَّمْسُ، إِذَا إِنَاءٌ مُعَلَّقٌ عِنْدَ رَأْسِي، قَالَتْ: وَلَقَدْ كُنْتُ بَعْدَ ذَلِكَ أَصُومُ في اليَوْمِ الحَارِّ، ثُمَّ أَطُوفُ في الشَّمْسِ كَيْ أَعْطَشَ، فَمَا عَطِشْتُ بَعْدُ. اهـ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مَعَ جَدِّهِ عَبْدِ المُطَّلِبِ ـ بَعْدَ وَفَاة أُمِّهِ ـ فَكَانَ يُوضعُ لِعَبْدِ الْمُطَّلِبِ فِرَاشٌ فِي ظِلِّ الْكَعْبَةِ، وَكَانَ بَنُوهُ يَجْلِسُونَ حَوْلَ فِرَاشِهِ ذَلِكَ، حَتَّى يَخْرَجَ إلَيْهِ، لَا يَجْلِسُ عَلَيْهِ أَحَدٌ مِنْ بَنِيهِ إِجْلَالَاً لَهُ.
فَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَأْتِي، حَتَّى يَجْلِسَ عَلَيْهِ، فَيَأْخُذَهُ أَعْمَامُهُ، لِيُؤَخِّرُوهُ عَنْهُ، فَيَقُولُ لَهُمْ عَبْدُ المُطَّلِبِ، إذَا رَأَى ذَلِكَ مِنْهُمْ: دَعُوا ابْنِي، فَوَاللهِ إنَّ لَهُ لَشَأْنَاً، ثُمَّ يُجْلِسُهُ مَعَهُ عَلَى الْفِرَاشِ، وَيَمْسَحُ ظَهْرَهُ بِيَدِهِ، وَيَسُرُّهُ مَا يَرَاهُ يَصْنَعُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. اهـ. انْظُرِ البِدَايَةَ.
فَلَمَّا حَضَرَتْ عَبْدَ المُطَّلِبِ الوَفَاةُ أَوْصَى أَبَا طَالِبٍ بِحِفْظِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَحِيَاطَتِهِ، وَتُوُفِّيَ عَبْدُ المُطَّلِبِ وَقَدْ بَلَغَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ ثَمَانِ سِنِينَ.
فَكَانَ أَبُو طَالِبٍ يَحُوطُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَيُكْرِمُهُ، وَقَدْ أَسْنَدَ الوَاقِدِيُّ وَغَيْرُهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ أَبُو طَالِبٍ يُحِبُّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ حُبَّاً شَدِيدَاً لَا يُحِبُّهُ وَلَدَهُ، وَكَانَ لَا يَنَامُ إِلَّا إلى جَنْبِهِ، وَيَخْرُجُ فَيَخْرُجُ مَعَهُ، وَصُبَّ بِهِ أَبُو طَالِبٍ صَبَابَةُ لَمْ يُصَبَّ مِثْلَهَا بِشَيْءٍ قَطُّ.
قَالَ: وَكَانَ أَبُو طَالِبٍ يَخُصُّهُ بِالطَّعَامِ، وَكَانَ إِذَا أَكَلَ عِيَالُ أَبِي طَالِبٍ جَمِيعَاً أَو فُرَادَى لَمْ يَشْبَعُوا، وَإِذَا أَكَلَ مَعَهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ شَبِعُوا، فَكَانَ ـ أَبُو طَالِبٍ ـ إِذَا أَرَادَ أَنْ يُغَذِّيَهُمْ قَالَ ـ أَبُو طَالِبٍ ـ: كَمَا أَنْتُمْ ـ أَيْ: لَا تَأْكُلُوا ـ حَتَّى يَأْتِيَ وَلَدِي مُحَمَّدٌ، فَيَأْتِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَيَأْكُلُ مَعَهُمْ، فَكَانُوا يُفْضِلُونَ مِنْ طَعَامِهِمْ. وَإِذَا كَانَ لَبَنَاً شَرِبَ أَوَّلَهُمْ ثُمَّ يَشْرَبُونَ فَيُرْوَوْنَ كُلُّهُمْ مِنْ قَعْبٍ ـ إِنَاءٍ ـ وَاحِدٍ، فَيَقُولُ ـ أَبُو طَالِبٍ ـ: إِنَّكَ ـ يَا مُحَمَّدُ ـ لَمُبَارَكٌ.
خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: وَرَوَى أَبُو نُعَيْمٍ وَابْنُ إِسْحَاقَ وَغَيْرُهُمَا، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: كَانَ بَنُو أَبِي طَالِبٍ يُصْبِحُونَ رُمْصَاً شُعْثَاً، وَيُصْبِحُ مُحَمدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ صَقِيلَاً، دَهِينَاً، كَحِيلَاً، وَكَانَ أَبُو طَالِبٍ يُحِبُّهُ حُبَّاً شَدِيدَاً. اهـ. انْظُرْ جَمِيعَ ذَلِكَ في البِدَايَةِ وَشَرْحِ المَوَاهِبِ.
اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا لِاتِّبَاعِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. آمين.
** ** **
26/9/2024, 22:47 من طرف Admin
» كتاب: اللآلي السنية في مشروعية مولد خير البرية ـ العلامة عثمان بن الشيخ عمر بن الشيخ داود
26/9/2024, 22:37 من طرف Admin
» كتاب: بشائر الأخيار في مولد المختار صلى الله عليه وآله وسلم ـ السيد محمد ماضي أبو العزائم
26/9/2024, 22:35 من طرف Admin
» كتاب: البيان النبوي عن فضل الاحتفال بمولد النبي ـ الشيخ محمود بن أحمد الزين
26/9/2024, 21:58 من طرف Admin
» كتاب: الهدي التام في موارد المولد النبوي وما اعتيد فيه من القيام الشيخ محمد علي بن حسين بن إبراهيم المالكي
26/9/2024, 21:55 من طرف Admin
» كتاب: مولد النبي صلي الله عليه و سلم ـ العلامة عبد الرحمن بن عبد المنعم الخياط
26/9/2024, 21:53 من طرف Admin
» كتاب: عرف التعريف بالمولد الشريف للإمام ابن الجزري
26/9/2024, 21:51 من طرف Admin
» كتاب: المورد الهني في المولد السني ـ الإمام زين الدين الحسين بن عبدالرحيم العراقي
26/9/2024, 21:48 من طرف Admin
» النفحة الوردية في نظم قصة الميلاد المحمدية الإمام ابن كثير
24/9/2024, 23:48 من طرف منصور احسان
» كتاب: ينابيع المودة ـ الشيخ سليمان بن إبراهيم القندوزي
23/9/2024, 19:59 من طرف Admin
» كتاب: إيثار الحق على الخلق ـ للإمام عز الدين محمد بن إبراهيم بن الوزير الحسنى
23/9/2024, 19:56 من طرف Admin
» كتاب: الذين رأوا رسول الله في المنام وكلّموه ـ حبيب الكل
23/9/2024, 19:51 من طرف Admin
» كتاب: طيب العنبر فى جمال النبي الأنور ـ الدكتور عبدالرحمن الكوثر
23/9/2024, 19:47 من طرف Admin
» كتاب: روضة الأزهار فى محبة الصحابة للنبي المختار ـ الدكتور عبدالرحمن الكوثر
23/9/2024, 19:42 من طرف Admin
» كتاب: دلائل المحبين فى التوسل بالأنبياء والصالحين ـ الشيخ فتحي سعيد عمر الحُجيري
23/9/2024, 19:39 من طرف Admin