"سُنَّة الله في عبادة وأحبابه": لحضرة الشيخ عباس السيد فاضل السيد علي الحسني:-
بسم الله الرّحمن الرّحيم
الحمد لله حمداً يليق بذاته، والرضا بما قدر وأنعم على عباده، والصّلاة والسّلام على عبده وحبيبه وخاتم أنبيائه ورسله، وعلى آله وأصحابه وتابعيهم بإحسان إلى يوم لقائه، الذين تحملوا في سبيله تعالى، وبذلوا الغالي والنفيس، لإعلاء كلمة الحق والنور المبين ـ فرضوان الله تعالى عليهم أجمعين .
أمّا بعد: فقال الله تعالى: {وَلا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ . إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ} أي: لا تكن في شدة وحرج، فإن مكرهم عائد إليهم، والله معك وأنت من المتقين المحسنين، بعونه، وتوفيقه وتسديده، فمن اتقى في أفعاله، وأحسن في أعماله، كان الله معه في أحواله، ومعيته نصرته في المأمور، وعصمته في المحضور، فمن أراد أن يكون الله معه في العون والفضل والرحمة، فليكن من المتقين المحسنين.
وقال ـ جلَّ شأنه: {فَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّا نَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ}، معناه: أنَّ الله ـ سبحانه وتعالى، يقول لنبينا محمد ـ صلى الله عليه وسلم: فلا تحزن أنا معينك، ومنتقم من خصمك، مهما أسروا: من الحسد والضغائن، وما أعلنوا: من العداوة والطعن.
"أي إخوتي": سنة الله في عباده أن يجعل لكل نبيٍ، وداعيةٍ، وعبد صالحٍ؛ من الحساد والأعداء؛ ليترقى بذلك عند الله ـ عزَّ وجلَّ ـ قبولاً وقربا، كما قال تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً مِنْ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِياً وَنَصِيراً} وقال ـ جلَّ جلاله: {فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَحْوِيلاً}، قال أبو بكر بن طاهر: ((رُفعت درجات الأنبياء، والأولياء؛ بامتحانهم بالمخالفين والأعداء)). فقد جعل الله للرقيّ والتقرّب إلى الله ـ سبحانه وتعالى، أسباباً؛ منها: وجود المنكرين الخداعين المعادين لطريق الحق؛ فنشكر الله على ما هدانا وسلكنا مسلك رضائه.
وقد ورد في السُّنَّة: "إن كنت عابداً صادقاً في خر جبل لا يعلم بك إلا الله؛ لهيأ الله لك من المخادعين من يردك عن طريق الحق والصواب"، وفي أخرى: "لو أن مؤمناً ارتقى على ذروة جبل لقيض الله إليه منافقاً يؤذيه فيؤجر عليه".
قال أهل العلم والعرفان: أي مرشدٍ أو داعيةٍ ليس له أعداء فهو نقص بحاله، وإذا زاد عليه الأعداء فهي من كرامته.
فإذا علم العبد أنما ألـمَّه آتٍ من الحق، هان عليه ما يقاسيه، لاسيما إذا كان في الله تعالى؛ وتخفيف ألم البلاء، لعلمك بأن المبتلي هو الله ـ جلَّ جلاله، وعمَّ فضله ونواله .
"أي عزيزي" اعلم أن الكرامة أن يؤيدك الله وينصرك على من عاداك، وأعظم من ذلك الاستقامة؛ كما قال تعالى: {وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ}، والاستقامة فوق الكرامة؛ لأن الكرامة من عطاء المُكرم، والاستقامة أن تكون مع المُكرم.
قال أبو عليّ الجرجاني ـ رضي الله عنه: كن طالب الاستقامة، لا طالب الكرامة؛ فإن نفسك متحركة في طلب الكرامة، ويُطلب منك الاستقامة، فالكرامة الكبرى: الاستقامة في خدمة الخالق، لا بإظهار الخوارق.
وقال أبو عليّ الدقاق: الاستقامة: لها مدارج ثلاثة، أولها: التقويم: وهو تأديب النفس، وثانيها: الإقامة، وهي: تهذيب القلوب، وثالثها: الاستقامة، وهي تقريب الأسرار.
وكمال المحاسن: الاستقامة؛ فكل من كان أتم معرفة، كان أتم استقامة؛ فاستقم كما أمرك الله، ولا تقلق من الطوارئ، والله يُعينك، ويُوصلك إلى مقصودك، وينصرك على أعدائك، فلا تشغلك الكرامة عن المُكرم الكريم ـ جلَّ وعلا ـ واحذر أن يشغلك شاغل، عن دينك، وقلبك، وآخرتك، وانتبه فإن الانتباه من أسمى مدارج الرجال .
ربنا أنت الذي هديت، أنت الذي أنعمت؛ فزدنا ولا تنقصنا اختم حياتنا عليك، وامتنا على كمال الحب والإيمان، يا الله .
{رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلانَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ}، اللَّهمَّ؛ انصر من نصر الدين، واخذل من خذلنا وخذل المسلمين، اعلِ بفضلك راية الحق والدين المبين، على هذه المعمورة ـ يا أرحم الراحمين، ويا أكرم الأكرمين، ويا أجود الجوادين، آمينَ آمين . والحمد لله ربّ العالمين .
ابنه وخادمه محمّد
بسم الله الرّحمن الرّحيم
الحمد لله حمداً يليق بذاته، والرضا بما قدر وأنعم على عباده، والصّلاة والسّلام على عبده وحبيبه وخاتم أنبيائه ورسله، وعلى آله وأصحابه وتابعيهم بإحسان إلى يوم لقائه، الذين تحملوا في سبيله تعالى، وبذلوا الغالي والنفيس، لإعلاء كلمة الحق والنور المبين ـ فرضوان الله تعالى عليهم أجمعين .
أمّا بعد: فقال الله تعالى: {وَلا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ . إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ} أي: لا تكن في شدة وحرج، فإن مكرهم عائد إليهم، والله معك وأنت من المتقين المحسنين، بعونه، وتوفيقه وتسديده، فمن اتقى في أفعاله، وأحسن في أعماله، كان الله معه في أحواله، ومعيته نصرته في المأمور، وعصمته في المحضور، فمن أراد أن يكون الله معه في العون والفضل والرحمة، فليكن من المتقين المحسنين.
وقال ـ جلَّ شأنه: {فَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّا نَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ}، معناه: أنَّ الله ـ سبحانه وتعالى، يقول لنبينا محمد ـ صلى الله عليه وسلم: فلا تحزن أنا معينك، ومنتقم من خصمك، مهما أسروا: من الحسد والضغائن، وما أعلنوا: من العداوة والطعن.
"أي إخوتي": سنة الله في عباده أن يجعل لكل نبيٍ، وداعيةٍ، وعبد صالحٍ؛ من الحساد والأعداء؛ ليترقى بذلك عند الله ـ عزَّ وجلَّ ـ قبولاً وقربا، كما قال تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً مِنْ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِياً وَنَصِيراً} وقال ـ جلَّ جلاله: {فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَحْوِيلاً}، قال أبو بكر بن طاهر: ((رُفعت درجات الأنبياء، والأولياء؛ بامتحانهم بالمخالفين والأعداء)). فقد جعل الله للرقيّ والتقرّب إلى الله ـ سبحانه وتعالى، أسباباً؛ منها: وجود المنكرين الخداعين المعادين لطريق الحق؛ فنشكر الله على ما هدانا وسلكنا مسلك رضائه.
وقد ورد في السُّنَّة: "إن كنت عابداً صادقاً في خر جبل لا يعلم بك إلا الله؛ لهيأ الله لك من المخادعين من يردك عن طريق الحق والصواب"، وفي أخرى: "لو أن مؤمناً ارتقى على ذروة جبل لقيض الله إليه منافقاً يؤذيه فيؤجر عليه".
قال أهل العلم والعرفان: أي مرشدٍ أو داعيةٍ ليس له أعداء فهو نقص بحاله، وإذا زاد عليه الأعداء فهي من كرامته.
فإذا علم العبد أنما ألـمَّه آتٍ من الحق، هان عليه ما يقاسيه، لاسيما إذا كان في الله تعالى؛ وتخفيف ألم البلاء، لعلمك بأن المبتلي هو الله ـ جلَّ جلاله، وعمَّ فضله ونواله .
"أي عزيزي" اعلم أن الكرامة أن يؤيدك الله وينصرك على من عاداك، وأعظم من ذلك الاستقامة؛ كما قال تعالى: {وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ}، والاستقامة فوق الكرامة؛ لأن الكرامة من عطاء المُكرم، والاستقامة أن تكون مع المُكرم.
قال أبو عليّ الجرجاني ـ رضي الله عنه: كن طالب الاستقامة، لا طالب الكرامة؛ فإن نفسك متحركة في طلب الكرامة، ويُطلب منك الاستقامة، فالكرامة الكبرى: الاستقامة في خدمة الخالق، لا بإظهار الخوارق.
وقال أبو عليّ الدقاق: الاستقامة: لها مدارج ثلاثة، أولها: التقويم: وهو تأديب النفس، وثانيها: الإقامة، وهي: تهذيب القلوب، وثالثها: الاستقامة، وهي تقريب الأسرار.
وكمال المحاسن: الاستقامة؛ فكل من كان أتم معرفة، كان أتم استقامة؛ فاستقم كما أمرك الله، ولا تقلق من الطوارئ، والله يُعينك، ويُوصلك إلى مقصودك، وينصرك على أعدائك، فلا تشغلك الكرامة عن المُكرم الكريم ـ جلَّ وعلا ـ واحذر أن يشغلك شاغل، عن دينك، وقلبك، وآخرتك، وانتبه فإن الانتباه من أسمى مدارج الرجال .
ربنا أنت الذي هديت، أنت الذي أنعمت؛ فزدنا ولا تنقصنا اختم حياتنا عليك، وامتنا على كمال الحب والإيمان، يا الله .
{رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلانَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ}، اللَّهمَّ؛ انصر من نصر الدين، واخذل من خذلنا وخذل المسلمين، اعلِ بفضلك راية الحق والدين المبين، على هذه المعمورة ـ يا أرحم الراحمين، ويا أكرم الأكرمين، ويا أجود الجوادين، آمينَ آمين . والحمد لله ربّ العالمين .
ابنه وخادمه محمّد
أمس في 22:49 من طرف Admin
» كتاب مواعظ الإمام زين العابدين ـ صالح أحمد الشامي
18/11/2024, 23:30 من طرف Admin
» كتاب إتحاف النفوس بنفحات القدوس ـ عبد القدوس بن أسامة السامرائي
18/11/2024, 23:25 من طرف Admin
» كتاب الإعلام بفضل الصلاة على النبي والسلام ـ محمد بن عبد الرحمن بن علي النميري
18/11/2024, 23:20 من طرف Admin
» كتاب الغيب ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:08 من طرف Admin
» كتاب الشيطان والإنسان ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:03 من طرف Admin
» كتاب الشعراوي هنا رأيت سيدنا إبراهيم ـ سعيد أبو العنين
18/11/2024, 23:01 من طرف Admin
» كتاب الخير والشر ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:57 من طرف Admin
» كتاب التربية في مدرسة النبوة ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:55 من طرف Admin
» كتاب: إرشاد العباد إلى سبل الرشاد ـ للملبباري
18/11/2024, 22:41 من طرف Admin
» ـ كتاب آداب الحسن البصري ـ أبن الجوزي
18/11/2024, 22:34 من طرف Admin
» كتاب الله والنفس البشرية ـ لمحمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:23 من طرف Admin
» كتاب: معرفة النفس طر يق لمعرفة الرب ـ أستاذ البصيرة عبدالوهاب حسن
18/11/2024, 22:21 من طرف Admin
» كتاب الطريق الي الله ـ الشيخ علي جمعة
18/11/2024, 21:50 من طرف Admin
» كتاب: كتاب النفس والجسد والروح ـ ابراهيم البلتاجي
18/11/2024, 21:38 من طرف Admin