الرسالة (17)
"الله ذات لا ماهية له": لحضرة الشيخ عباس السيد فاضل الحسني:-
بسم الله الرّحمن الرّحيم. الحمد لله الماجد الواجد، الذي أوجد الوجود، وهو الغني عن كل موجود، الذي كان هو الله قبل ذرة الوجود، وهو هو على ما هو عليه بعد الوجود، القائل: ((لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ))، والإعجاز عن الإدراك إدراك، والصّلاة والسّلام على أكمل من عرف الله واتقاه، هو عبده وحبيبه محمد رسول الله ومصطفاه، وعلى آله وأصحابه ومن والاه.
أما بعد: فقد قال الحق ـ جلَّ شأنه: ((اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ)).
"أي إخوتي": ما ينسب إلى الله تعالى حقيقةً وبقاءً، وما ينسب إلى غيره مجازاً وفناءً،؛ فالله تعالى منور السموات والأرض، مثل نورهِ نورٌ، وهو ـ جلَّ وعلا، فوق الأنوار، "فهو ذاتٌ لا ماهيةَ له" ـ تبارك وتعالى ربنا وتقدس، وما ينسب إلى جلاله الأقدس ـ جلَّ في علاه، "أصالةً وذاتاً وربوبيةً"، وما ينسب إلى غيره "تبعيةً وعبوديةً"؛ كما قال ـ جلَّ مجده: ((قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِين))، وقال تعالى: ((وَالْقَمَرَ نُورًا))، فنَسب الله النور إلى القمر، وهو حجر ترابي؛ فكيف بنسبة النور إلى القرآن المجيد، والرسول الأعظم ـ صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم! فتنبه.
ـ فعلى قدر الإيمان والمعرفة؛تزداد الأنوار من الله تعالى ـ جلالاً وجمالاً وإدراكاً.
"أي سادة": اللهُ نورٌ بذاته، وإذا أراد أن ينور ـ مثل الهداية والمعرفة الإلهية، توجه بإرادةِ نورِ ذاتهِ؛ فتتنور القلوب، وتزداد إيماناً وعرفاناً؛ قال ذنون المصري ـ رضي الله عنه: للعارف نارٌ ونور؛ "نارُ الخشية، ونورُ المعرفة"، فظاهرهُ محترقٌ بنار الخشية، وباطنهُ مُنَوَّرٌ بنور المعرفة، فالدنيا تبكي بعين الفناء عليه، والآخرة تضحك بِسَنِّ البقاء إليه، فكيف يقدر الشيطان أن يدنو منه ظاهراً وباطناً إلا كالبرق الخاطف، أو كالريح العاصف، فإن أتاه عارضٌ من قِبَلِ العَين، أحرقته نار العَبْرة، وإن أتاه مِن قبل النفس، أحرقته نار الخدمة، وإن أتاه من قبل العقل، أحرقته نار الفكرة، وإن أتاه من قبل القلب، أحرقته نار الشوق والمحبة، وإن أتاه من قبل السر، أحرقته نار القرب والمشاهدة، فتارةً يحترق قلبه بنار الخشية، وتارة يتشفى بنور المعرفة، فإذا امتزجت نار الخشية ونور المعرفة، هاجت ريح اللطف من سرادقات الأنس والقُربة، فيظهر صفاء الحق للعبد، فتراها تلاشت الأنانية، وبقيت الإلوهية كما هو في الأزل ـ جلَّ جلاله، وعمَّ فضله ونواله.
((مَثَلُ نُورِهِ)) الله تعالى نورٌ ذاتهُ، وإذا أراد أن ينور أمراً ما ـ مثل الهداية وغيرها؛ توجه بإرادته، فخلق الأمر كاملَ التقدير، فعند ذاتهِ ذاتٌ، وإذا قدر الحق ووقع الأمر بالقدرة مع الإرادة صارت صفة للتقدير المشاهد؛ "فلا هو عين الذات من حيث التقدير ـ كآثار رحمة الله، ولا هو منفصل عن الذات من حيث الأمر والإرادة". فتأمل.
ـ ((كَمِشْكَاةٍ)) فمن معانيها: المشكاة هو: قلب رسول الله الشريف ـ صلى الله عليه وسلم؛ كما قال ابن عباس، وكعب الأحبار، وحكاه أبو حيان عن ابن جرير، كما ذكر الإمام الآلوسي في تفسيره.
ـ ((فِيهَا مِصْبَاحٌ)) وهو إيمانه ـ صلى الله عليه وسلم ـ ومعرفته بربّه ـ جلَّ وعلا.
ـ ((الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ)) بما حوى قلب أكمل الرسل ـ صلى الله عليه وآله وسلم، من الخشوع والشفقة والرحمة والمحبة.
ـ ((الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ)) وهي مقاماتهُ الشريفة، وأنوارُ هدايته العظمى، ورحمته للعالمين؛ كما قال تعالى: ((وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ)) فاللام في اللغة العربية إذا دخل على المفرد أفاد العموم، وإذا دخل على الجمع أفاد النوع؛ فنوع الرحمة المتجلية على قلبه الشريف ـ صلى الله عليه وسلم، جلاليةٌ جمالية لم تكن لأحد غيره؛ فصلوات ربي على ذلك الكوكب الدري، المحمدي النوراني.
ولله در شيخي وأستاذي وسندي في علوم الكتاب والسنة حضرة الشيخ عبد الله الهرشمي ـ طيب الله روحه وذكره وثراه ـ حيث قال في قصيدته "مرابع الأنس":-
"الله نور السموات" وما نزلت الله نور أو أن النّور الله
النّور لله والتمثيل يجمعه مع الزّجاجة والمشكاة تغشاه
والملك لله إن شمسا وإن قمرا وإن سماء وإن نورا جهلناه
أنّى شهدتَ له من آية ظهرت فثَمّ وجه الّذي سوّى براياه
وليس أينٌ ولا كيفٌ ولا جهةٌ ولا حلول مَمَسّ من سجاياه
فهو المنزّه قدّوس فليس له ماهيّة تسأل النّظار ما تاهوا
تنزّه الله عن مثل يضارعه وكيف لا وهو القيّوم والله
وأقولُ:-
يا روح روحي من لي سواكا شغف الفؤاد بسر هواكا
يا طب قلبي رضاً بقضاكا أنت حبي أملي لقياكا
اللّهم؛ يا دليل الحيارى، زدنا بك تحيراً، اللَّهم؛ يا خفي الألطاف، أدركنا بلطفك الخفي، يا لطيف يا واسع يا عليم، يا الله، اللَّهم؛ زدنا علماً والحقنا بالصالحين، واجعلنا من ورثة جنّة النعيم، واغفر لنا وارحمنا ووالدينا، وجميع المؤمنين والمؤمنات، المسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات؛ برحمتك يا أرحم الراحمين، ويا أكرم الأكرمين، ويا أجود الجوادين. آمينَ آمين. والحمد لله ربّ العالمين.
ابنه وخادمه محمّد
"الله ذات لا ماهية له": لحضرة الشيخ عباس السيد فاضل الحسني:-
بسم الله الرّحمن الرّحيم. الحمد لله الماجد الواجد، الذي أوجد الوجود، وهو الغني عن كل موجود، الذي كان هو الله قبل ذرة الوجود، وهو هو على ما هو عليه بعد الوجود، القائل: ((لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ))، والإعجاز عن الإدراك إدراك، والصّلاة والسّلام على أكمل من عرف الله واتقاه، هو عبده وحبيبه محمد رسول الله ومصطفاه، وعلى آله وأصحابه ومن والاه.
أما بعد: فقد قال الحق ـ جلَّ شأنه: ((اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ)).
"أي إخوتي": ما ينسب إلى الله تعالى حقيقةً وبقاءً، وما ينسب إلى غيره مجازاً وفناءً،؛ فالله تعالى منور السموات والأرض، مثل نورهِ نورٌ، وهو ـ جلَّ وعلا، فوق الأنوار، "فهو ذاتٌ لا ماهيةَ له" ـ تبارك وتعالى ربنا وتقدس، وما ينسب إلى جلاله الأقدس ـ جلَّ في علاه، "أصالةً وذاتاً وربوبيةً"، وما ينسب إلى غيره "تبعيةً وعبوديةً"؛ كما قال ـ جلَّ مجده: ((قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِين))، وقال تعالى: ((وَالْقَمَرَ نُورًا))، فنَسب الله النور إلى القمر، وهو حجر ترابي؛ فكيف بنسبة النور إلى القرآن المجيد، والرسول الأعظم ـ صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم! فتنبه.
ـ فعلى قدر الإيمان والمعرفة؛تزداد الأنوار من الله تعالى ـ جلالاً وجمالاً وإدراكاً.
"أي سادة": اللهُ نورٌ بذاته، وإذا أراد أن ينور ـ مثل الهداية والمعرفة الإلهية، توجه بإرادةِ نورِ ذاتهِ؛ فتتنور القلوب، وتزداد إيماناً وعرفاناً؛ قال ذنون المصري ـ رضي الله عنه: للعارف نارٌ ونور؛ "نارُ الخشية، ونورُ المعرفة"، فظاهرهُ محترقٌ بنار الخشية، وباطنهُ مُنَوَّرٌ بنور المعرفة، فالدنيا تبكي بعين الفناء عليه، والآخرة تضحك بِسَنِّ البقاء إليه، فكيف يقدر الشيطان أن يدنو منه ظاهراً وباطناً إلا كالبرق الخاطف، أو كالريح العاصف، فإن أتاه عارضٌ من قِبَلِ العَين، أحرقته نار العَبْرة، وإن أتاه مِن قبل النفس، أحرقته نار الخدمة، وإن أتاه من قبل العقل، أحرقته نار الفكرة، وإن أتاه من قبل القلب، أحرقته نار الشوق والمحبة، وإن أتاه من قبل السر، أحرقته نار القرب والمشاهدة، فتارةً يحترق قلبه بنار الخشية، وتارة يتشفى بنور المعرفة، فإذا امتزجت نار الخشية ونور المعرفة، هاجت ريح اللطف من سرادقات الأنس والقُربة، فيظهر صفاء الحق للعبد، فتراها تلاشت الأنانية، وبقيت الإلوهية كما هو في الأزل ـ جلَّ جلاله، وعمَّ فضله ونواله.
((مَثَلُ نُورِهِ)) الله تعالى نورٌ ذاتهُ، وإذا أراد أن ينور أمراً ما ـ مثل الهداية وغيرها؛ توجه بإرادته، فخلق الأمر كاملَ التقدير، فعند ذاتهِ ذاتٌ، وإذا قدر الحق ووقع الأمر بالقدرة مع الإرادة صارت صفة للتقدير المشاهد؛ "فلا هو عين الذات من حيث التقدير ـ كآثار رحمة الله، ولا هو منفصل عن الذات من حيث الأمر والإرادة". فتأمل.
ـ ((كَمِشْكَاةٍ)) فمن معانيها: المشكاة هو: قلب رسول الله الشريف ـ صلى الله عليه وسلم؛ كما قال ابن عباس، وكعب الأحبار، وحكاه أبو حيان عن ابن جرير، كما ذكر الإمام الآلوسي في تفسيره.
ـ ((فِيهَا مِصْبَاحٌ)) وهو إيمانه ـ صلى الله عليه وسلم ـ ومعرفته بربّه ـ جلَّ وعلا.
ـ ((الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ)) بما حوى قلب أكمل الرسل ـ صلى الله عليه وآله وسلم، من الخشوع والشفقة والرحمة والمحبة.
ـ ((الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ)) وهي مقاماتهُ الشريفة، وأنوارُ هدايته العظمى، ورحمته للعالمين؛ كما قال تعالى: ((وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ)) فاللام في اللغة العربية إذا دخل على المفرد أفاد العموم، وإذا دخل على الجمع أفاد النوع؛ فنوع الرحمة المتجلية على قلبه الشريف ـ صلى الله عليه وسلم، جلاليةٌ جمالية لم تكن لأحد غيره؛ فصلوات ربي على ذلك الكوكب الدري، المحمدي النوراني.
ولله در شيخي وأستاذي وسندي في علوم الكتاب والسنة حضرة الشيخ عبد الله الهرشمي ـ طيب الله روحه وذكره وثراه ـ حيث قال في قصيدته "مرابع الأنس":-
"الله نور السموات" وما نزلت الله نور أو أن النّور الله
النّور لله والتمثيل يجمعه مع الزّجاجة والمشكاة تغشاه
والملك لله إن شمسا وإن قمرا وإن سماء وإن نورا جهلناه
أنّى شهدتَ له من آية ظهرت فثَمّ وجه الّذي سوّى براياه
وليس أينٌ ولا كيفٌ ولا جهةٌ ولا حلول مَمَسّ من سجاياه
فهو المنزّه قدّوس فليس له ماهيّة تسأل النّظار ما تاهوا
تنزّه الله عن مثل يضارعه وكيف لا وهو القيّوم والله
وأقولُ:-
يا روح روحي من لي سواكا شغف الفؤاد بسر هواكا
يا طب قلبي رضاً بقضاكا أنت حبي أملي لقياكا
اللّهم؛ يا دليل الحيارى، زدنا بك تحيراً، اللَّهم؛ يا خفي الألطاف، أدركنا بلطفك الخفي، يا لطيف يا واسع يا عليم، يا الله، اللَّهم؛ زدنا علماً والحقنا بالصالحين، واجعلنا من ورثة جنّة النعيم، واغفر لنا وارحمنا ووالدينا، وجميع المؤمنين والمؤمنات، المسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات؛ برحمتك يا أرحم الراحمين، ويا أكرم الأكرمين، ويا أجود الجوادين. آمينَ آمين. والحمد لله ربّ العالمين.
ابنه وخادمه محمّد
20/11/2024, 22:49 من طرف Admin
» كتاب مواعظ الإمام زين العابدين ـ صالح أحمد الشامي
18/11/2024, 23:30 من طرف Admin
» كتاب إتحاف النفوس بنفحات القدوس ـ عبد القدوس بن أسامة السامرائي
18/11/2024, 23:25 من طرف Admin
» كتاب الإعلام بفضل الصلاة على النبي والسلام ـ محمد بن عبد الرحمن بن علي النميري
18/11/2024, 23:20 من طرف Admin
» كتاب الغيب ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:08 من طرف Admin
» كتاب الشيطان والإنسان ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:03 من طرف Admin
» كتاب الشعراوي هنا رأيت سيدنا إبراهيم ـ سعيد أبو العنين
18/11/2024, 23:01 من طرف Admin
» كتاب الخير والشر ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:57 من طرف Admin
» كتاب التربية في مدرسة النبوة ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:55 من طرف Admin
» كتاب: إرشاد العباد إلى سبل الرشاد ـ للملبباري
18/11/2024, 22:41 من طرف Admin
» ـ كتاب آداب الحسن البصري ـ أبن الجوزي
18/11/2024, 22:34 من طرف Admin
» كتاب الله والنفس البشرية ـ لمحمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:23 من طرف Admin
» كتاب: معرفة النفس طر يق لمعرفة الرب ـ أستاذ البصيرة عبدالوهاب حسن
18/11/2024, 22:21 من طرف Admin
» كتاب الطريق الي الله ـ الشيخ علي جمعة
18/11/2024, 21:50 من طرف Admin
» كتاب: كتاب النفس والجسد والروح ـ ابراهيم البلتاجي
18/11/2024, 21:38 من طرف Admin