"دين الله بين القبول والعروج": لحضرة الشيخ عباس السيد فاضل الحسني:-
بسم الله الرّحمن الرّحيم
الحمد لله على دين الإسلام، وعلى نعمة الإيمان، وعلى كرامة الإحسان، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وأشهد أن محمّداً عبده ورسوله، وحبيبه وصفيه، وخيرته من خلقه؛ بعثه الله بالنور الساطع، والبيان اللامع، والسيف القاطع؛ فبلغ الرسالة، وأدى الأمانة، وأوضح السُنَّة، وأسس الشريعة، ونصح الأمة، وعبد الله حتى أتاه اليقين ـ فصلوات الله عليه، وعلى آله وأصحابه وأحبابه ـ أهل الصدق والصفا والوفا ـ إلى يوم الدين.
أمّا بعد: فقال الله تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَٰلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ}، فأوامر الشرع واجبة، والتارك للواجب؛ إما مخلد في النار، أو معذب بحسب الاعتقاد؛ كما قال تعالى: {مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ . قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ . وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ}، أو متهاوناً متكاسلاً أو غافلاً فيها؛ كما قال ـ جلَّ شأنه: {فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ، الَّذِينَ هُمْ عَن صَلاتِهِمْ سَاهُونَ، الَّذِينَ هُمْ يُرَاؤُونَ، وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ}، وسر القبول عند الله ـ جلَّ وعلا، هو الإخلاص لوجه الله ـ عزَّ وجلَّ؛ كما قال ـ جلَّ ثناؤه: {أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ}، وقال ـ جلَّ وعلا: {يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا}، وقال ـ جلَّ مجده: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ . الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُون}.
أما الصفاء: فهو انتقال بفضل الله ـ عزَّ وجلَّ ـ من القبول إلى العروج ـ قربةً إلى الله ـ جلَّ جلاله؛ كما قال تعالى: {وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}، فيكون التجلي على القلب الصافي الذي لا دغش فيه، فيكون القلب عند ذلك أهلاً لتجليات الحق، ومستودعاً للفيوضات الإلهية.
"أي سادة": إن للصفاء ظهراً وبطناً، فأما ظهره؛ فأن تصفي كليتك من أدناس النفس والخلق والدنيا، وأما بطنه؛ فأن تصفي كليتك من غبار رؤية الأعمال، وطلب الأعواض على الأعمال، والالتفات منه إلى ما سواه.
"أي إخوتي": يحفظ الإخلاص، ويحفظ الصفاء: بوفاء الافتقار بين يدي المولى ـ جلَّ جلاله، وعمَّ فضله ونواله ـ وما أعظم الافتقار، قال بعضهم: اعلم أن الافتقار أجل مراتب المحبين، وأرفع منازل المنيبين، وأزلف حالات المريدين، وأعظم آلات الأوابين، وأجل مقامات التائبين، وأعلى وسائل المقربين، وهو أصل العبودية، وصدر الإخلاص، ورأس التقوى، ومخ الصدق، وأساس الهدى، نعم الاستعانة بالمستعان، ثم سبب الوصول إلى طريق الهداية، واللحوق بأهل الله ـ جلَّ وعلا ـ بالافتقار. فمن أخص خصائص العبودية: الافتقار المطلق إلى الله تعالى، قال العلّامة ابن القيم في "مدارج السالكين": الافتقار حقيقــة العبــودية ولبُّها. قال الله تعالى : {يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاءُ إلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْـحَمِيدُ}، وقال تعالى فـي قصة موسى ـ عليه الصلاة والسلام: {فَقَالَ رَبِّ إنِّي لِـمَا أَنزَلْتَ إلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ}، ثم قال: الفقر الحقيقي: دوام الافتقار إلى الله في كل حال، وأن يشهد العبد في كل ذرة مـن ذراتــه الظاهـرة والباطنـة فاقـة تامـة إلى الله تعالى من كل وجه.
من اعتز بالمولى فذلك جليل ومن رام عزاً من سواه ذليل
ولو أن نفساً من براها مليكها قضت وطراً في سجدة لقليل
¬¬
قال الإمام الجليل معروف الكرخي ـ رضي الله تعالى عنه: بينما أنا أسير في البادية لم يكن معي أحد من البشر، إذ نزل شخص من السماء، فسألني ما الصفاء، فقلت: صدق الوفاء، فقال: صدقت، ثم عرج وهو يقول: {يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا}.
أما ترى أن إبراهيم ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ وضع قدماً واحداً بصدق الوفاء، على صخرة صماء، فأمر الله تعالى؛أن اتخذوا من مقام إبراهيم مصلى.
"إخوتي": حقيقة الصفاء: التخلق بخلق المصطفى ـ صلى الله عليه وآله وسلم، والاقتداء بأصحابه أولي الصدق والوفاء، والانقطاع إلى الملك الأعلى.
فالافتقار إلى الله تعالى أن يُجرِّد العبد قلبه من كل حظوظها وأهوائها، ويُقبل بكليته إلى ربه ـ عـزَّ وجلَّ ـ متذللاً بين يديه، مستسلماً لأمره ونهيه، متعلقاً قلبه بمحبته وطاعته؛ قال الله تعالى: {قُلْ إنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ . لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْـمُسْلِمِينَ}.
اللَّهمَّ؛ يا بديع الكمال، يا عظيم الجلال، يا كثير النوال، يا دائم الوصال، يا حَسَنَ الفعال، يا رازق العباد على كلّ حالٍ، يا بديعاً بِلا مثَالٍ، يا قائماً بلا زوالٍ، يا إله البشر، يا عظيم الخَطَر، يا مُعينَ الظَّفَر، يا معروف الأثر، يا الله، يا رحمن، يا {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ . إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}، اللَّهمَّ، انصر من نصر الدين، واخذل من خذلنا، وخذل المسلمين، اعلِ بفضلك ومنِّك راية الحق والنور المبين، وصلِّ على سيدنا محمّد وعلى آله وصحبه أجمعين، اللَّهمَّ؛ اشملنا والأحبة معهم، آمينَ آمين. والحمد لله ربّ العالمين.
ابنه وخادمه محمّد
بسم الله الرّحمن الرّحيم
الحمد لله على دين الإسلام، وعلى نعمة الإيمان، وعلى كرامة الإحسان، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وأشهد أن محمّداً عبده ورسوله، وحبيبه وصفيه، وخيرته من خلقه؛ بعثه الله بالنور الساطع، والبيان اللامع، والسيف القاطع؛ فبلغ الرسالة، وأدى الأمانة، وأوضح السُنَّة، وأسس الشريعة، ونصح الأمة، وعبد الله حتى أتاه اليقين ـ فصلوات الله عليه، وعلى آله وأصحابه وأحبابه ـ أهل الصدق والصفا والوفا ـ إلى يوم الدين.
أمّا بعد: فقال الله تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَٰلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ}، فأوامر الشرع واجبة، والتارك للواجب؛ إما مخلد في النار، أو معذب بحسب الاعتقاد؛ كما قال تعالى: {مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ . قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ . وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ}، أو متهاوناً متكاسلاً أو غافلاً فيها؛ كما قال ـ جلَّ شأنه: {فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ، الَّذِينَ هُمْ عَن صَلاتِهِمْ سَاهُونَ، الَّذِينَ هُمْ يُرَاؤُونَ، وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ}، وسر القبول عند الله ـ جلَّ وعلا، هو الإخلاص لوجه الله ـ عزَّ وجلَّ؛ كما قال ـ جلَّ ثناؤه: {أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ}، وقال ـ جلَّ وعلا: {يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا}، وقال ـ جلَّ مجده: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ . الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُون}.
أما الصفاء: فهو انتقال بفضل الله ـ عزَّ وجلَّ ـ من القبول إلى العروج ـ قربةً إلى الله ـ جلَّ جلاله؛ كما قال تعالى: {وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}، فيكون التجلي على القلب الصافي الذي لا دغش فيه، فيكون القلب عند ذلك أهلاً لتجليات الحق، ومستودعاً للفيوضات الإلهية.
"أي سادة": إن للصفاء ظهراً وبطناً، فأما ظهره؛ فأن تصفي كليتك من أدناس النفس والخلق والدنيا، وأما بطنه؛ فأن تصفي كليتك من غبار رؤية الأعمال، وطلب الأعواض على الأعمال، والالتفات منه إلى ما سواه.
"أي إخوتي": يحفظ الإخلاص، ويحفظ الصفاء: بوفاء الافتقار بين يدي المولى ـ جلَّ جلاله، وعمَّ فضله ونواله ـ وما أعظم الافتقار، قال بعضهم: اعلم أن الافتقار أجل مراتب المحبين، وأرفع منازل المنيبين، وأزلف حالات المريدين، وأعظم آلات الأوابين، وأجل مقامات التائبين، وأعلى وسائل المقربين، وهو أصل العبودية، وصدر الإخلاص، ورأس التقوى، ومخ الصدق، وأساس الهدى، نعم الاستعانة بالمستعان، ثم سبب الوصول إلى طريق الهداية، واللحوق بأهل الله ـ جلَّ وعلا ـ بالافتقار. فمن أخص خصائص العبودية: الافتقار المطلق إلى الله تعالى، قال العلّامة ابن القيم في "مدارج السالكين": الافتقار حقيقــة العبــودية ولبُّها. قال الله تعالى : {يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاءُ إلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْـحَمِيدُ}، وقال تعالى فـي قصة موسى ـ عليه الصلاة والسلام: {فَقَالَ رَبِّ إنِّي لِـمَا أَنزَلْتَ إلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ}، ثم قال: الفقر الحقيقي: دوام الافتقار إلى الله في كل حال، وأن يشهد العبد في كل ذرة مـن ذراتــه الظاهـرة والباطنـة فاقـة تامـة إلى الله تعالى من كل وجه.
من اعتز بالمولى فذلك جليل ومن رام عزاً من سواه ذليل
ولو أن نفساً من براها مليكها قضت وطراً في سجدة لقليل
¬¬
قال الإمام الجليل معروف الكرخي ـ رضي الله تعالى عنه: بينما أنا أسير في البادية لم يكن معي أحد من البشر، إذ نزل شخص من السماء، فسألني ما الصفاء، فقلت: صدق الوفاء، فقال: صدقت، ثم عرج وهو يقول: {يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا}.
أما ترى أن إبراهيم ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ وضع قدماً واحداً بصدق الوفاء، على صخرة صماء، فأمر الله تعالى؛أن اتخذوا من مقام إبراهيم مصلى.
"إخوتي": حقيقة الصفاء: التخلق بخلق المصطفى ـ صلى الله عليه وآله وسلم، والاقتداء بأصحابه أولي الصدق والوفاء، والانقطاع إلى الملك الأعلى.
فالافتقار إلى الله تعالى أن يُجرِّد العبد قلبه من كل حظوظها وأهوائها، ويُقبل بكليته إلى ربه ـ عـزَّ وجلَّ ـ متذللاً بين يديه، مستسلماً لأمره ونهيه، متعلقاً قلبه بمحبته وطاعته؛ قال الله تعالى: {قُلْ إنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ . لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْـمُسْلِمِينَ}.
اللَّهمَّ؛ يا بديع الكمال، يا عظيم الجلال، يا كثير النوال، يا دائم الوصال، يا حَسَنَ الفعال، يا رازق العباد على كلّ حالٍ، يا بديعاً بِلا مثَالٍ، يا قائماً بلا زوالٍ، يا إله البشر، يا عظيم الخَطَر، يا مُعينَ الظَّفَر، يا معروف الأثر، يا الله، يا رحمن، يا {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ . إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}، اللَّهمَّ، انصر من نصر الدين، واخذل من خذلنا، وخذل المسلمين، اعلِ بفضلك ومنِّك راية الحق والنور المبين، وصلِّ على سيدنا محمّد وعلى آله وصحبه أجمعين، اللَّهمَّ؛ اشملنا والأحبة معهم، آمينَ آمين. والحمد لله ربّ العالمين.
ابنه وخادمه محمّد
20/11/2024, 22:49 من طرف Admin
» كتاب مواعظ الإمام زين العابدين ـ صالح أحمد الشامي
18/11/2024, 23:30 من طرف Admin
» كتاب إتحاف النفوس بنفحات القدوس ـ عبد القدوس بن أسامة السامرائي
18/11/2024, 23:25 من طرف Admin
» كتاب الإعلام بفضل الصلاة على النبي والسلام ـ محمد بن عبد الرحمن بن علي النميري
18/11/2024, 23:20 من طرف Admin
» كتاب الغيب ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:08 من طرف Admin
» كتاب الشيطان والإنسان ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:03 من طرف Admin
» كتاب الشعراوي هنا رأيت سيدنا إبراهيم ـ سعيد أبو العنين
18/11/2024, 23:01 من طرف Admin
» كتاب الخير والشر ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:57 من طرف Admin
» كتاب التربية في مدرسة النبوة ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:55 من طرف Admin
» كتاب: إرشاد العباد إلى سبل الرشاد ـ للملبباري
18/11/2024, 22:41 من طرف Admin
» ـ كتاب آداب الحسن البصري ـ أبن الجوزي
18/11/2024, 22:34 من طرف Admin
» كتاب الله والنفس البشرية ـ لمحمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:23 من طرف Admin
» كتاب: معرفة النفس طر يق لمعرفة الرب ـ أستاذ البصيرة عبدالوهاب حسن
18/11/2024, 22:21 من طرف Admin
» كتاب الطريق الي الله ـ الشيخ علي جمعة
18/11/2024, 21:50 من طرف Admin
» كتاب: كتاب النفس والجسد والروح ـ ابراهيم البلتاجي
18/11/2024, 21:38 من طرف Admin