كتاب: النفحات الإلهيه في سلوك كيفيه الطريقه المحمديه اسم المؤلف: السمان محمد بن عبد الكريم ـ ج2
واعلم أن مقدمات التوبة ثلاث :
أحدها : ذكر غاية قبح الذنب.
والثانية : ذكر شدة عقوبة الله سبحانه وأليم سخطه وغضبه الذي لا طاقة لك به.
الثالثة : ذكر ضعفك وقلة حيلتك في ذلك، فإن من لا يحتمل حر شمس ولطمة شُرَطي وقرص نملة، كيف يحتمل حرّ نار جهنَّم وضرب مقامع الزبانية ولسع حيَّات كأعناق البُخت، وعقارب كالبغال خلقت من النار في دار الغضب والبوار، نعوذ بالله ثم نعوذ بالله من سخطه وعذابه، فإذا واظبتَ على هذه الأذكار وعاودتها آناء الليل وأطراف النهار فإنها ستحملك على التوبة النصوح من الذنوب والله الموفق.
فإن قيل : أليس قد قال النبي صلى الله عليه وسلم : (الندم توبة) ولم يذكر مما ذكر ثم وشددتم شيئاً ؟ يقال له : اعلم أولاً أنَّ الندم غير مقدور للعبد، ألا ترى أنه تقع الندامة عن أمور في قلبه وهو يريد ألا يكون ذلك، والعلم أن المراد بالندم الندم لتعظيم الله وهيبة جلاله، لا للخوف على ذهاب جاهه عند الناس وماله في النفقة عليها، فإنَّ ذلك ليس بتوبة قطعاً. فعلمتَ بذلك أن في الخبر معنى لم تفهمه من ظاهره وهو الندم لتعظيم من عصيته عز وجل، وذلك مما يبعث على التوبة النصوح وهو من صفات التائبين وحالهم.
فإذا فكر المريد في الأذكار الثلاثة التي هي مقدمات التوبة يندم ويحمله الندم على ترك اختيار الذنب، وتبقى ندامته في قلبه في المستقبل فتحمله على الابتهال والتضرع، فلمَّا كان ذلك من أسباب التوبة وصفات التائب سمَّاه باسم الندم فافهم ذلك موفقاً إن شاء الله تعالى.
فإن قلتَ : كيف يمكن الإنسان أنه يصير بحيث لا يقع منه ذنب البتة من صغير أو كبير كيف وأنبياء الله صلوات الله عليهم أجمعين الذين هم أشرف خلق الله قد اختلف أهل العلم فيهم هل نالوا هذه الدرجة أم لا ؟
فاعلم أن هذا أمر ممكن غير مستحيل والله يختص برحمته من يشاء.
ثم من شروط التوبة أن لا يتعمَّد ذنباً، فإن وقع منه بسهوٍ أو خطإ فهو معفو عنه بفضل الله تعالى وهذا هيِّن على من وفَّقه الله.
فإن قلتَ : إنما يمنعني من التوبة أني أعلم من نفسي أني أعوذ إلى الذنب ولا أثبت على التوبة فلا فائدة في ذلك.
فاعلم أن هذا من غرور الشيطان ومن أين لك هذا العلم، وعسى أن تموت تائباً قبل أن تعود إلى الذنب، وأما الخوف من العود فعليك العزم والصدق في ذلك وعليه الإتمام، فإن أتمَّ فذاك وإن لم يتم فقد غفرت الذنوب السالفة وتخلَّصتَ منها وتطهَّرتَ وليس عليك إلا هذا الذنب الذي أحدثته الآن، وهذا هو الربح العظيم والفائدة العظيمة الكبيرة، فلا يمنعك خوف العود عن التوبة فإنك من التوبة أبداً بين إحدى الحسنيين والله ولي التوفيق والهداية.
وأما الخروج عن الذنوب والتخلص منها :
فاعلم أن الذنوب في الجملة ثلاثة أقسام :
أحدها : ترك واجبات وجبها الله عليك من صلاة وصوم وزكاة وكفارة أو غيرها فتقضي ما أمكنك منها.
والثاني : ذنوب بينك وبين الله كشرب الخمر والزنا وضرب المزامير وأكل الربا ونحو ذلك، فتندم على ذلك وتوطن قلبك على ترك العود إلى مثلها أبدا.
والثالث : ذنوب بينك وبين العباد وهذا أشكل وأصعب وهي أقسام قد تكون في المال، وفي النفس، وفي العرض، وفي الحرمة، وفي الدين.
أما ما كان في المال فيجب أن ترده على صاحبه إن أمكنك، فإن عجزت عن ذلك لعدمٍ وفقرٍ فتستحل منه، وإن عجزتَ عن ذلك لغيبة الرجل أو موته وأمكن التصدق عنه فافعل، وإن لم يمكن فعليك بتكثير حسناتك والرجوع إلى الله بالتضرع والابتهال أن يرضيه عنك يوم القيامة.
وأما في النفس فتمَكّنه من القصاص أو أولياءه حتى يقتصَّ منك أو يجعلك في حلٍّ، فإن عجزت فالرجوع إلى الله والابتهال إليه أن يرضيه عنك يوم القيلمة.
وأما ما كان في العِرض بأن اغتبتَه أو بهتَّه أو شتمته فحقك أن تكذّب نفسك بين يدي من فعلت ذلك عنده وأن تستحل من صاحبه إن أمكنك هذا؛ إذا لم تخش زيادة غضب وهيجان فتنة في إظهار ذلك وتجديده، فإن خشيت ذلك فالرجوع إلى الله ليرضيه عنك والاستغفار الكثير لصاحبه.
وأما ماكان في الحرمة بأن خنته في أهله وولده ونحو ذلك؛ فلا وجه للاستحلال والاظهار يولِّد فتنة وغيظا، بل تضرع إلى الله سبحانه وتعالى ليرضيه عنك، ويجعل له خيرا كثيرا في مقابلته، وإن أمنت الفتنة والهيجان وهو نادر فتستحل منه.
وأما ما كان في الدين بأن كفّرته أو بدّعته وضلّلته فهو أصعب الأمر فتحتاج إلى تكذيب نفسك بين يدي من قلتَ ذلك له، وأن تستحل من صاحبك ما أمكنك، وإلا فالابتهال إلى الله جدًّا ولتندم على ذلك ليرضيه عنك.
وجملة الأمر فما أمكنك من إرضاء الخصوم عملتَ، وما لم يمكنك رجعت إلى الله سبحانه والتضرع والصدق ليرضيه عنك فيكون ذلك في مشيئة الله سبحانه يوم القيامة والرجاء منه بفضله العظيم وإحسانه العميم فإنه إذا علم الصدق من قلب العبد أرضى خصماءه من خزانة فضله وهو الحكيم العليم.
فإذا علمت بما وصفناه وبرّأت القلب عن اختيار مثلها في المستقبل، فقد خرجت من الذنوب كلها، وإن حصلت منك تبرءة القلب ولم يحصل منك قضاء الفوائت وإرضاء الخصوم فالتبعات لازمة وسائر الذنوب مغفورة، ولهذا الباب شرح يطول ولا تحتمله هذه المجموعة، ولنقصر على كلام أهل الله ونذكر طرفاً منه تبركاً وتبصرة لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد، لعله يصادف مريدا فريد، ليكون مرادًا لا مريد.
عن الأستاذ أبي إسحاق الأسفراني رحمه الله وكان من الراسخين في العلم العاملين به أنه قال : "دعوتُ الله سبحانه ثلاثين سنة أن يرزقني توبة نصوحا ثم تعجبتُ في نفسي، وقلت : سبحان الله حاجةً دعوتُ الله فيها ثلاثين سنة فما قضيت إلى الآن، فرأيتُ فيما يرى النائم كأنَّ قائلا يقول لي : تعجبت من ذلك ! أتدري ماذا سألت الله سبحانه إنما تسأل الله أن يُحبَّك، أما سمعتَ قوله جل جلاله : { إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} أهذه حاجة هيِّنة ؟ فانظر هؤلاء الأئمة واهتمامهم ومواظبتهم على صلاح قلوبهم والتزود لمعادهم". وقال ذو النون : "حقيقة التوبة أن تضيق عليك الأرض بما رحبت حتى لا يكون لك قرار وتضيق عليك نفسك". قال الله تعالى في كعب بن مالك، ومرارة بن الربيع ، وهلال بن أمية حين تخلَّفوا عن غزوة تبوك فهجرهم النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمون خمسين صباحا ثم جاءت توبتهم بقوله :{وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّىٰ إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَن لَّا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ }والتائب دائم التأسف، كثير التلهف، يعرف من بين أمثاله بذبوله، ويستدل على حاله بنحوله، وقال رجل لرابعة العدوية رضي الله عنها : "إني كثير الذنوب فإن تبتُ هل يتوب الله علي ؟ قالت : لا بل إن تاب الله عليك تبتَ" قال يحيى بن معاذ : "ذنب واحد بعد توبة أقبح من سبعين ذنبا قبلها".
وأصل التوبة في اللغة الرجوع من الأوصاف المذمومة إلى الأوصاف المحمودة، ويقال : من رجع عن المخالفات خوفا من عذاب الله تعالى فهو تائب، ومن رجع حياءً من نظر الله فهو منيب، ومن رجع تعظيمًا لجلال الله فهو أواه وهو معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم : (نِعْمَ الْعَبْدُ صُهَيْبٌ ، لَوْ لَمْ يَخَفِ اللَّهَ لَمْ يَعْصِهِ) يعني أنه يترك المعاصي تعظيمًا لجلال الله ولو لم يتواعده الله عليها بعقوبة، ويقال : أول التوبة يقظة من الله تعالى تقع في القلب فيتذكر العبد تفريطه وإساءته، مع دوام نعم الله تعالى عليه، فيعلم أن الذنوب سموم قاتلة يخاف منها حصول المكروه وفوات المحبوب في الدنيا والآخرة، فإذا حصل له هذا العلم أثمر حالا، وهو الندم على تضييع حق الله تعالى، ثم يثمر الندم عملاً وهو المبادرة إلى الخيرات، وقضاء الواجبات، ورد الظُلامات، والعزم على إصلاح ما هو آت، فبهذه الأمور المذكورة من الآيات الظاهرة، والأحاديث الباهرة والحكايات المنشورة بالكرامات مشهورة تتهيّءُ التوبة، جعلنا الله من الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم، وإذا تُليَتْ عليه آياته زادتهم إيمانًا وعلى ربهم يتوكلون، بإيمان التصديق، فالمؤمن من صدَّق بأن الله تعالى هو الحق لا إله إلا هو، الأوَّل، الآخر، الظاهر، الباطن، القدوس، الصمد، الواحد، الأحد، الحي، العليم، القدير، المريد، السميع، البصير، المتكلم بكلام قديم أزلي جل عن التحديد الملك الفعال، وأن الله أنزل الكتاب، وأرسل الرسل وأنه يحيي الموتى، وأن جميع ما جاءت به الرسل حق، وهذا أصل الإيمان والإقرار به فرض مع الإمكان، فسبحان من منح ومنع، ووصل وقطع، وفرق وجمع، فمشيئته الإحجام والإقدام، يقبل التوبة ويكشف الحوبة ويغفر الإجرام، تبارك اسم ربك ذي الجلال والإكرام، اللهم حققنا بالإيمان، واجعلنا من أهل اليقين والإحسان، يا ذا الطول والإنعام، ووفقنا لما يرضيك يا ملك يا سلام، واجعلنا من خواص عبيدك الكرام، وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد وعلى آله وأصحابه البررة الكرام، ما وكف قطر، واضطرب نهر، وانفتح زهر، ومال غصن، وغرد حمام آمين آمين آمين.
الفصل الثاني في أخد البيعة وتلقين الذكر وكيفياته
اعلم أن المريد السالك إذا أقبل على طريق الله، وأراد إصلاح حاله بتوفيق الله، فابتداؤه كما قال مشايخ الطريق بأحد أمرين : إما بالتعلق الصوري وإما بالتعلق المعنوي.
فالصّوري هو أن يأخد المريد السالك البيعة من المرشد والتلقين أو كلاهما ويأتمر لما أوصاه به بلا إخلال، مقيمًا كان أو مسافرًا، فإن اتباعه في الأمر يحرسه وإن بَعُدَ في الحس لاتصاله في المعنى وقربه به، فإن عرض له ما يخل بما أوصاه به جعل ما أوصاه به وسيلة لقطع العارض به لا لقطعه بالعارض مهما أمكن حتى يكون ذلك له سببا ونسبا ملحقا، وإن بقي على صورته المعتادة الأولى فله نصيب بذلك من الإرادة ولحق بأهل الطريق، وميراثه بقدر ما أدلى به.
والمعنوي هو أن يأخد البيعة والتلقين أو أحدهما مع الصحبة والخدمة لطلب معنى ذلك وثمرتُه والدخول به إلى مستوى صلب الوراثة الحقيقية، فإن صدق انفرد وكان كولد الصلب ميراثًا، وإن شاركه مثله كانا فيه جميعا كالوراثة الحسيّة واجرائها مع اعتبار الصغير والكبير بينهما، وإن ورثا فالكبير متصرفا والصغير منتظرا وكانوا جمعًا، فلا بد فيهم من هو ممتاز بالكبر الحسي والمعنوي، وربما صار أمر أحدهما للأخ أن تفذ الوارثين الورثة. فمن أي الطريقين دخل السالك، محبا مطيعا للأمر بقدر وسعه وكليته مستوفيا أو مبعضًا كان طريقا له إلى حصول الإرادة والتعلق وصحة الانتساب ما لم يفارق ذلك ويرتد عنه، ونعوذ بالله من الإزاغة بعد الهدى.
فالدوام على العزيمة دأب أهل الورع والسيادة والتقى، فإذا انقلب من هذه الحالة الكريمة إلى الرغبة عنها بالرخص من غير موجب شرعي يوجب ذلك، كان ارتدادا عند أهل الغيرة من حالة شريفة سامية مجيدة مرغوب فيها إلى حالة دنيَّةٍ ذميمةٍ مرغوب عنها، فعليه عند ذلك بالاقلاع وعليه بمعونة الله بتصحيح نية الإرادة بالنيات الظاهرة الصورية والباطنة المعنوية، فبالمعنوية ترفع الصورية، والصورية طريق المعنوية، والمعنوية منتهى، فعلاقتها كعلاقة الروح والجسد، وفي ذلك يقول شيخ الكل وأساذ الكاملين سيدي السيد محمد الغوث قدس الله سره في كتابه (الدرجات) : اعلم أن أول الشروط في حق المريد السالك وأول سبيل له خيرة المرشد فبذلك يكون بلوغ المريد، وإذا المريد السلوك والاتباع لا يمكنه بعد ذلك الرجوع عنه على قاعدة الطريق وأهلها، فإن بعد الاجتماع والأخد عن المرشد الصالح، لو أخد البيعة والتلقين عن مائة شخص فلا يكون مريدًا إلا لأحدهم لأن ردّه، فرجوعه عن الأول يوجب ردّه ورجوعه عن الجميع، لأن البيعة من الأول ثابتة محققة للذي أرشده أولا، ويكون ردّه وقبوله على ذلك المرشد، فإن الحكم في الطريق لذلك العقد الأول لأنه حقيقي عند الكل، وهم إن تعدّدت طرقهم فواحد مستندهم، فإن فعل ذلك للهوى فهو ردّة في الطريق بحسبها كرد بيعة الخلافة بعد أخدها، وإن كانت لسبب كموت المرشد أو فقده من المحل إلى غيره، أو العارض بالقدر وإعراض القدر لا يحصى، فحينئذ يؤذن له في الرجوع لوجود السبب الموجب، ونسأل الله لطفه وعفوه.
ومن ذلك أنه إذا كان الطالب مُحقًّا ثم توجه في طلب المرشد لقطع المسافة إلى لقائه فوجد بعض الآخدين عنه فتلقن منه ليتصل بسنده إليه مخافة أن يعرض له بعارض قبل وصوله إلى المرشد، وسلمه الله من العوارض دونه واجتمع به فله الأخد عنه، وهذا الأخد هو الأخد الحقيقي المنتج بإذن الله تعالى، والأول وسيلة إليه، فحكمه حكم التيمم بعد الحدث وقبل الوصول إلى الماء كما كان يفعله النبي صلى الله عليه وسلم إذا ذهب إلى الحدث يتيمم قبل وصوله إلى الإداوة، تعليمًا لقطع المسافة على الطهارة وللحذر في وقوع الفوت بالقدر فيكون على طهر.
والتيمم هذا نافع في قطع المسافة وفي الموت على الطهارة، غير مبيح للصلاة ولا رافع للحدث لوجود الماء، فكذلك وجود المرشد وما تقدمه ممن لا يصلح سواء كان آخدًا عنه أو عن غيره؛ لأن حكمه حكم التيمم المذكور فهو مشروع ومباح بقدر حاله. والمرشد كالماء الواقع للحدث المبيح للأوامر الشرعية المزيل أعيان النجاسات بقدرة لإزالته من الطالب النجاسات المعنوية بعد الحسيَّة فهو ماءه.
وقولنا وإذا اختار المريد السلوك ثم أراد الرجوع لا يمكنه ذلك على قاعدة الطريق مُسْتَنَدُنا في ذلك من السنة ما وقع لبعض الأعراب أنه جاء إلى المدينة وبايع النبي صلى الله عليه وسلم، وأقام بالمدينة فأخده الوعك واشتد به فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال : يا محمد أقلني من بيعتي فلم يقله صلى الله عليه وسلم، فذهب ثم عاد وطلب ولم يجبه، وذهب ثم عاد ولم يجبه، فخرج الأعرابي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (المدينة كالكير تنفي خبثها كما ينفي الكير خبث الحديد) وقد تكلم العلماء في ذلك : هل هو مرتد أم لا ؟ وظاهره والله أعلم أنه باق على الإسلام فاسق بالمخالفة، إذ لو أقاله لكان مرتدًّا ولو كان بالخروج مرتدًّا لقضى فيه والله أعلم.
فعلى هذا قياس المبايع والمتلقن إذا طلب الإقالة للهوى، فالمالك للإقالة المرشد فإبقاؤه له على المخالفة وسكوته عنه حتى يصلحه الله تعالى إبقاء له طرف الأمر مع المخالفة فيكون فاسقا لا مرتدًّا، فلا يكون مريداً لغيره وإن كان فاسقّا عن الأمر وقد ورد : (الشيخ في قومه كالنبي في أمته). والله أعلم.
واعلم أن مقدمات التوبة ثلاث :
أحدها : ذكر غاية قبح الذنب.
والثانية : ذكر شدة عقوبة الله سبحانه وأليم سخطه وغضبه الذي لا طاقة لك به.
الثالثة : ذكر ضعفك وقلة حيلتك في ذلك، فإن من لا يحتمل حر شمس ولطمة شُرَطي وقرص نملة، كيف يحتمل حرّ نار جهنَّم وضرب مقامع الزبانية ولسع حيَّات كأعناق البُخت، وعقارب كالبغال خلقت من النار في دار الغضب والبوار، نعوذ بالله ثم نعوذ بالله من سخطه وعذابه، فإذا واظبتَ على هذه الأذكار وعاودتها آناء الليل وأطراف النهار فإنها ستحملك على التوبة النصوح من الذنوب والله الموفق.
فإن قيل : أليس قد قال النبي صلى الله عليه وسلم : (الندم توبة) ولم يذكر مما ذكر ثم وشددتم شيئاً ؟ يقال له : اعلم أولاً أنَّ الندم غير مقدور للعبد، ألا ترى أنه تقع الندامة عن أمور في قلبه وهو يريد ألا يكون ذلك، والعلم أن المراد بالندم الندم لتعظيم الله وهيبة جلاله، لا للخوف على ذهاب جاهه عند الناس وماله في النفقة عليها، فإنَّ ذلك ليس بتوبة قطعاً. فعلمتَ بذلك أن في الخبر معنى لم تفهمه من ظاهره وهو الندم لتعظيم من عصيته عز وجل، وذلك مما يبعث على التوبة النصوح وهو من صفات التائبين وحالهم.
فإذا فكر المريد في الأذكار الثلاثة التي هي مقدمات التوبة يندم ويحمله الندم على ترك اختيار الذنب، وتبقى ندامته في قلبه في المستقبل فتحمله على الابتهال والتضرع، فلمَّا كان ذلك من أسباب التوبة وصفات التائب سمَّاه باسم الندم فافهم ذلك موفقاً إن شاء الله تعالى.
فإن قلتَ : كيف يمكن الإنسان أنه يصير بحيث لا يقع منه ذنب البتة من صغير أو كبير كيف وأنبياء الله صلوات الله عليهم أجمعين الذين هم أشرف خلق الله قد اختلف أهل العلم فيهم هل نالوا هذه الدرجة أم لا ؟
فاعلم أن هذا أمر ممكن غير مستحيل والله يختص برحمته من يشاء.
ثم من شروط التوبة أن لا يتعمَّد ذنباً، فإن وقع منه بسهوٍ أو خطإ فهو معفو عنه بفضل الله تعالى وهذا هيِّن على من وفَّقه الله.
فإن قلتَ : إنما يمنعني من التوبة أني أعلم من نفسي أني أعوذ إلى الذنب ولا أثبت على التوبة فلا فائدة في ذلك.
فاعلم أن هذا من غرور الشيطان ومن أين لك هذا العلم، وعسى أن تموت تائباً قبل أن تعود إلى الذنب، وأما الخوف من العود فعليك العزم والصدق في ذلك وعليه الإتمام، فإن أتمَّ فذاك وإن لم يتم فقد غفرت الذنوب السالفة وتخلَّصتَ منها وتطهَّرتَ وليس عليك إلا هذا الذنب الذي أحدثته الآن، وهذا هو الربح العظيم والفائدة العظيمة الكبيرة، فلا يمنعك خوف العود عن التوبة فإنك من التوبة أبداً بين إحدى الحسنيين والله ولي التوفيق والهداية.
وأما الخروج عن الذنوب والتخلص منها :
فاعلم أن الذنوب في الجملة ثلاثة أقسام :
أحدها : ترك واجبات وجبها الله عليك من صلاة وصوم وزكاة وكفارة أو غيرها فتقضي ما أمكنك منها.
والثاني : ذنوب بينك وبين الله كشرب الخمر والزنا وضرب المزامير وأكل الربا ونحو ذلك، فتندم على ذلك وتوطن قلبك على ترك العود إلى مثلها أبدا.
والثالث : ذنوب بينك وبين العباد وهذا أشكل وأصعب وهي أقسام قد تكون في المال، وفي النفس، وفي العرض، وفي الحرمة، وفي الدين.
أما ما كان في المال فيجب أن ترده على صاحبه إن أمكنك، فإن عجزت عن ذلك لعدمٍ وفقرٍ فتستحل منه، وإن عجزتَ عن ذلك لغيبة الرجل أو موته وأمكن التصدق عنه فافعل، وإن لم يمكن فعليك بتكثير حسناتك والرجوع إلى الله بالتضرع والابتهال أن يرضيه عنك يوم القيامة.
وأما في النفس فتمَكّنه من القصاص أو أولياءه حتى يقتصَّ منك أو يجعلك في حلٍّ، فإن عجزت فالرجوع إلى الله والابتهال إليه أن يرضيه عنك يوم القيلمة.
وأما ما كان في العِرض بأن اغتبتَه أو بهتَّه أو شتمته فحقك أن تكذّب نفسك بين يدي من فعلت ذلك عنده وأن تستحل من صاحبه إن أمكنك هذا؛ إذا لم تخش زيادة غضب وهيجان فتنة في إظهار ذلك وتجديده، فإن خشيت ذلك فالرجوع إلى الله ليرضيه عنك والاستغفار الكثير لصاحبه.
وأما ماكان في الحرمة بأن خنته في أهله وولده ونحو ذلك؛ فلا وجه للاستحلال والاظهار يولِّد فتنة وغيظا، بل تضرع إلى الله سبحانه وتعالى ليرضيه عنك، ويجعل له خيرا كثيرا في مقابلته، وإن أمنت الفتنة والهيجان وهو نادر فتستحل منه.
وأما ما كان في الدين بأن كفّرته أو بدّعته وضلّلته فهو أصعب الأمر فتحتاج إلى تكذيب نفسك بين يدي من قلتَ ذلك له، وأن تستحل من صاحبك ما أمكنك، وإلا فالابتهال إلى الله جدًّا ولتندم على ذلك ليرضيه عنك.
وجملة الأمر فما أمكنك من إرضاء الخصوم عملتَ، وما لم يمكنك رجعت إلى الله سبحانه والتضرع والصدق ليرضيه عنك فيكون ذلك في مشيئة الله سبحانه يوم القيامة والرجاء منه بفضله العظيم وإحسانه العميم فإنه إذا علم الصدق من قلب العبد أرضى خصماءه من خزانة فضله وهو الحكيم العليم.
فإذا علمت بما وصفناه وبرّأت القلب عن اختيار مثلها في المستقبل، فقد خرجت من الذنوب كلها، وإن حصلت منك تبرءة القلب ولم يحصل منك قضاء الفوائت وإرضاء الخصوم فالتبعات لازمة وسائر الذنوب مغفورة، ولهذا الباب شرح يطول ولا تحتمله هذه المجموعة، ولنقصر على كلام أهل الله ونذكر طرفاً منه تبركاً وتبصرة لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد، لعله يصادف مريدا فريد، ليكون مرادًا لا مريد.
عن الأستاذ أبي إسحاق الأسفراني رحمه الله وكان من الراسخين في العلم العاملين به أنه قال : "دعوتُ الله سبحانه ثلاثين سنة أن يرزقني توبة نصوحا ثم تعجبتُ في نفسي، وقلت : سبحان الله حاجةً دعوتُ الله فيها ثلاثين سنة فما قضيت إلى الآن، فرأيتُ فيما يرى النائم كأنَّ قائلا يقول لي : تعجبت من ذلك ! أتدري ماذا سألت الله سبحانه إنما تسأل الله أن يُحبَّك، أما سمعتَ قوله جل جلاله : { إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} أهذه حاجة هيِّنة ؟ فانظر هؤلاء الأئمة واهتمامهم ومواظبتهم على صلاح قلوبهم والتزود لمعادهم". وقال ذو النون : "حقيقة التوبة أن تضيق عليك الأرض بما رحبت حتى لا يكون لك قرار وتضيق عليك نفسك". قال الله تعالى في كعب بن مالك، ومرارة بن الربيع ، وهلال بن أمية حين تخلَّفوا عن غزوة تبوك فهجرهم النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمون خمسين صباحا ثم جاءت توبتهم بقوله :{وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّىٰ إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَن لَّا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ }والتائب دائم التأسف، كثير التلهف، يعرف من بين أمثاله بذبوله، ويستدل على حاله بنحوله، وقال رجل لرابعة العدوية رضي الله عنها : "إني كثير الذنوب فإن تبتُ هل يتوب الله علي ؟ قالت : لا بل إن تاب الله عليك تبتَ" قال يحيى بن معاذ : "ذنب واحد بعد توبة أقبح من سبعين ذنبا قبلها".
وأصل التوبة في اللغة الرجوع من الأوصاف المذمومة إلى الأوصاف المحمودة، ويقال : من رجع عن المخالفات خوفا من عذاب الله تعالى فهو تائب، ومن رجع حياءً من نظر الله فهو منيب، ومن رجع تعظيمًا لجلال الله فهو أواه وهو معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم : (نِعْمَ الْعَبْدُ صُهَيْبٌ ، لَوْ لَمْ يَخَفِ اللَّهَ لَمْ يَعْصِهِ) يعني أنه يترك المعاصي تعظيمًا لجلال الله ولو لم يتواعده الله عليها بعقوبة، ويقال : أول التوبة يقظة من الله تعالى تقع في القلب فيتذكر العبد تفريطه وإساءته، مع دوام نعم الله تعالى عليه، فيعلم أن الذنوب سموم قاتلة يخاف منها حصول المكروه وفوات المحبوب في الدنيا والآخرة، فإذا حصل له هذا العلم أثمر حالا، وهو الندم على تضييع حق الله تعالى، ثم يثمر الندم عملاً وهو المبادرة إلى الخيرات، وقضاء الواجبات، ورد الظُلامات، والعزم على إصلاح ما هو آت، فبهذه الأمور المذكورة من الآيات الظاهرة، والأحاديث الباهرة والحكايات المنشورة بالكرامات مشهورة تتهيّءُ التوبة، جعلنا الله من الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم، وإذا تُليَتْ عليه آياته زادتهم إيمانًا وعلى ربهم يتوكلون، بإيمان التصديق، فالمؤمن من صدَّق بأن الله تعالى هو الحق لا إله إلا هو، الأوَّل، الآخر، الظاهر، الباطن، القدوس، الصمد، الواحد، الأحد، الحي، العليم، القدير، المريد، السميع، البصير، المتكلم بكلام قديم أزلي جل عن التحديد الملك الفعال، وأن الله أنزل الكتاب، وأرسل الرسل وأنه يحيي الموتى، وأن جميع ما جاءت به الرسل حق، وهذا أصل الإيمان والإقرار به فرض مع الإمكان، فسبحان من منح ومنع، ووصل وقطع، وفرق وجمع، فمشيئته الإحجام والإقدام، يقبل التوبة ويكشف الحوبة ويغفر الإجرام، تبارك اسم ربك ذي الجلال والإكرام، اللهم حققنا بالإيمان، واجعلنا من أهل اليقين والإحسان، يا ذا الطول والإنعام، ووفقنا لما يرضيك يا ملك يا سلام، واجعلنا من خواص عبيدك الكرام، وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد وعلى آله وأصحابه البررة الكرام، ما وكف قطر، واضطرب نهر، وانفتح زهر، ومال غصن، وغرد حمام آمين آمين آمين.
الفصل الثاني في أخد البيعة وتلقين الذكر وكيفياته
اعلم أن المريد السالك إذا أقبل على طريق الله، وأراد إصلاح حاله بتوفيق الله، فابتداؤه كما قال مشايخ الطريق بأحد أمرين : إما بالتعلق الصوري وإما بالتعلق المعنوي.
فالصّوري هو أن يأخد المريد السالك البيعة من المرشد والتلقين أو كلاهما ويأتمر لما أوصاه به بلا إخلال، مقيمًا كان أو مسافرًا، فإن اتباعه في الأمر يحرسه وإن بَعُدَ في الحس لاتصاله في المعنى وقربه به، فإن عرض له ما يخل بما أوصاه به جعل ما أوصاه به وسيلة لقطع العارض به لا لقطعه بالعارض مهما أمكن حتى يكون ذلك له سببا ونسبا ملحقا، وإن بقي على صورته المعتادة الأولى فله نصيب بذلك من الإرادة ولحق بأهل الطريق، وميراثه بقدر ما أدلى به.
والمعنوي هو أن يأخد البيعة والتلقين أو أحدهما مع الصحبة والخدمة لطلب معنى ذلك وثمرتُه والدخول به إلى مستوى صلب الوراثة الحقيقية، فإن صدق انفرد وكان كولد الصلب ميراثًا، وإن شاركه مثله كانا فيه جميعا كالوراثة الحسيّة واجرائها مع اعتبار الصغير والكبير بينهما، وإن ورثا فالكبير متصرفا والصغير منتظرا وكانوا جمعًا، فلا بد فيهم من هو ممتاز بالكبر الحسي والمعنوي، وربما صار أمر أحدهما للأخ أن تفذ الوارثين الورثة. فمن أي الطريقين دخل السالك، محبا مطيعا للأمر بقدر وسعه وكليته مستوفيا أو مبعضًا كان طريقا له إلى حصول الإرادة والتعلق وصحة الانتساب ما لم يفارق ذلك ويرتد عنه، ونعوذ بالله من الإزاغة بعد الهدى.
فالدوام على العزيمة دأب أهل الورع والسيادة والتقى، فإذا انقلب من هذه الحالة الكريمة إلى الرغبة عنها بالرخص من غير موجب شرعي يوجب ذلك، كان ارتدادا عند أهل الغيرة من حالة شريفة سامية مجيدة مرغوب فيها إلى حالة دنيَّةٍ ذميمةٍ مرغوب عنها، فعليه عند ذلك بالاقلاع وعليه بمعونة الله بتصحيح نية الإرادة بالنيات الظاهرة الصورية والباطنة المعنوية، فبالمعنوية ترفع الصورية، والصورية طريق المعنوية، والمعنوية منتهى، فعلاقتها كعلاقة الروح والجسد، وفي ذلك يقول شيخ الكل وأساذ الكاملين سيدي السيد محمد الغوث قدس الله سره في كتابه (الدرجات) : اعلم أن أول الشروط في حق المريد السالك وأول سبيل له خيرة المرشد فبذلك يكون بلوغ المريد، وإذا المريد السلوك والاتباع لا يمكنه بعد ذلك الرجوع عنه على قاعدة الطريق وأهلها، فإن بعد الاجتماع والأخد عن المرشد الصالح، لو أخد البيعة والتلقين عن مائة شخص فلا يكون مريدًا إلا لأحدهم لأن ردّه، فرجوعه عن الأول يوجب ردّه ورجوعه عن الجميع، لأن البيعة من الأول ثابتة محققة للذي أرشده أولا، ويكون ردّه وقبوله على ذلك المرشد، فإن الحكم في الطريق لذلك العقد الأول لأنه حقيقي عند الكل، وهم إن تعدّدت طرقهم فواحد مستندهم، فإن فعل ذلك للهوى فهو ردّة في الطريق بحسبها كرد بيعة الخلافة بعد أخدها، وإن كانت لسبب كموت المرشد أو فقده من المحل إلى غيره، أو العارض بالقدر وإعراض القدر لا يحصى، فحينئذ يؤذن له في الرجوع لوجود السبب الموجب، ونسأل الله لطفه وعفوه.
ومن ذلك أنه إذا كان الطالب مُحقًّا ثم توجه في طلب المرشد لقطع المسافة إلى لقائه فوجد بعض الآخدين عنه فتلقن منه ليتصل بسنده إليه مخافة أن يعرض له بعارض قبل وصوله إلى المرشد، وسلمه الله من العوارض دونه واجتمع به فله الأخد عنه، وهذا الأخد هو الأخد الحقيقي المنتج بإذن الله تعالى، والأول وسيلة إليه، فحكمه حكم التيمم بعد الحدث وقبل الوصول إلى الماء كما كان يفعله النبي صلى الله عليه وسلم إذا ذهب إلى الحدث يتيمم قبل وصوله إلى الإداوة، تعليمًا لقطع المسافة على الطهارة وللحذر في وقوع الفوت بالقدر فيكون على طهر.
والتيمم هذا نافع في قطع المسافة وفي الموت على الطهارة، غير مبيح للصلاة ولا رافع للحدث لوجود الماء، فكذلك وجود المرشد وما تقدمه ممن لا يصلح سواء كان آخدًا عنه أو عن غيره؛ لأن حكمه حكم التيمم المذكور فهو مشروع ومباح بقدر حاله. والمرشد كالماء الواقع للحدث المبيح للأوامر الشرعية المزيل أعيان النجاسات بقدرة لإزالته من الطالب النجاسات المعنوية بعد الحسيَّة فهو ماءه.
وقولنا وإذا اختار المريد السلوك ثم أراد الرجوع لا يمكنه ذلك على قاعدة الطريق مُسْتَنَدُنا في ذلك من السنة ما وقع لبعض الأعراب أنه جاء إلى المدينة وبايع النبي صلى الله عليه وسلم، وأقام بالمدينة فأخده الوعك واشتد به فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال : يا محمد أقلني من بيعتي فلم يقله صلى الله عليه وسلم، فذهب ثم عاد وطلب ولم يجبه، وذهب ثم عاد ولم يجبه، فخرج الأعرابي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (المدينة كالكير تنفي خبثها كما ينفي الكير خبث الحديد) وقد تكلم العلماء في ذلك : هل هو مرتد أم لا ؟ وظاهره والله أعلم أنه باق على الإسلام فاسق بالمخالفة، إذ لو أقاله لكان مرتدًّا ولو كان بالخروج مرتدًّا لقضى فيه والله أعلم.
فعلى هذا قياس المبايع والمتلقن إذا طلب الإقالة للهوى، فالمالك للإقالة المرشد فإبقاؤه له على المخالفة وسكوته عنه حتى يصلحه الله تعالى إبقاء له طرف الأمر مع المخالفة فيكون فاسقا لا مرتدًّا، فلا يكون مريداً لغيره وإن كان فاسقّا عن الأمر وقد ورد : (الشيخ في قومه كالنبي في أمته). والله أعلم.
أمس في 17:11 من طرف Admin
» كتاب التواضع والخمول تصنيف ابن أبي الدنيا
أمس في 17:02 من طرف Admin
» كتاب: في رياض السيرة النبوية العهد المكي – د.أحمد عمر هاشم ـ ج1
أمس في 16:27 من طرف Admin
» كتاب في رياض السيرة النبوية (العهد المدني) لأحمد عمر هاشم ـ ج2
أمس في 15:41 من طرف Admin
» كتاب: القصص في الحديث النبوي ـ لمحمد الزير موقع مكتبة
أمس في 15:03 من طرف Admin
» كتاب: الكلام على قوله تعالى {إنما يخشى الله من عباده العلماء} ـ ابن رجب الحنبلي
أمس في 14:58 من طرف Admin
» كتاب: نهاية العالم في الكتاب المقدس - دراسة مقارنة مع القرآن الكريم ـ نور فائزة بنت عثمان
20/11/2024, 22:49 من طرف Admin
» كتاب مواعظ الإمام زين العابدين ـ صالح أحمد الشامي
18/11/2024, 23:30 من طرف Admin
» كتاب إتحاف النفوس بنفحات القدوس ـ عبد القدوس بن أسامة السامرائي
18/11/2024, 23:25 من طرف Admin
» كتاب الإعلام بفضل الصلاة على النبي والسلام ـ محمد بن عبد الرحمن بن علي النميري
18/11/2024, 23:20 من طرف Admin
» كتاب الغيب ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:08 من طرف Admin
» كتاب الشيطان والإنسان ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:03 من طرف Admin
» كتاب الشعراوي هنا رأيت سيدنا إبراهيم ـ سعيد أبو العنين
18/11/2024, 23:01 من طرف Admin
» كتاب الخير والشر ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:57 من طرف Admin
» كتاب التربية في مدرسة النبوة ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:55 من طرف Admin