.
· الفص السّابع والثّلاثون: ما السّر في نزول الآية في شهر شعبان ؟
90. ولقد ورد أنّ آية الصّلاة نزلت في شهر شعبان، وهذا يتناسب مع ما لهذا الشهر من صلة بالحبيب حيث يقولe : ( رجب شهر الله، وشعبان شهري، ورمضان شهر أمّتي) .
· الفص الثّامن والثّلاثون: دلالة السّباق ( إنّ الله كان على كلّ شيء شهيدا)؟
91. والمتأمّل يرى بأنّ الآية أتت مؤكّدة بعد توكيد، ومابين الجملتين حرف عطف، (إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا (55) إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ) وكأنّ الآية الجملة الثّانية توكيد للأولى، أوبيانا لها، وهوما يسمى عند البلاغيين " كمال الإتّصال" والدّلالة في ذلك هي ربط الآيتين بسياق واحد، وهو تعظيم وتنزيه الجناب الطّاهر .
92. ورد إسم الشّهيد في الآية السّابقة ـ على كلّ شيء شهيد ـ وهو مناسب لمضارعة فعل ـ يصلون ـ الدّال على الحضور الحالي والمستقبل .
93. في ورود الصّلاة الذّاتيّة بعد إسم الشّهيد، دلالة على تحققه e باسم الشّهيد، لكون التّجليات الذّاتية مهيمنة على حضرة الأسماء، وهذا ماتؤكده الآية التي من نفس السّورة (إِنَّآ أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا ) والعلّة في هذا أن يأخذ المنافقون حذرهم من خداعهم لهe ، لأنّه مكاشف لهم .
· الفص التّاسع والثّلاثون: أسباب نزول الآية ؟
94. لاريب أنّ السّورة بكلّها مدنيّة، وأنّها تؤسّس لمبادئ التّعلّق بالحبيب e، فهي تربّي مجتمع الصّحابة عن قرب، لأنّها تمس الجانب الإجتماعي في الحياة النّبويّة.
وعليه فإنّ الآية لا تخرج عن نطاق التّعلّق بالجناب الكريم، ومن هنا فهم العارفون أنّ معنى الصّلاة والسّلام هو حبّ وأدب وتقديس وتنزيه ..
95. وإنّ الآية تخاطب الأمّة برمتها، لأنّ "العبرة بعموم اللّفظ لا بخصوص السّبب"، ولو أنّ السياق يحدد المعنى الظاهر للآيات، إلّا أنّ باطن الآية عميق الدّلالة .
· الفص الأربعون: أحوال نزول الآية ؟
96. من المعلوم أنّ لكلّ آية سبب النّزول ظاهرا، وحال النّزول باطنا، أي حال صاحب الوحيe، ومن أحوال النّزول قاعدة الأحرف السّبعة عند مولانا الدّباغ قدس سرّه، وهي " النّبوة والرّسالة والرّوح والآدميّة والقبض والبسط والعلم".
والحرف الذي تدور حوله هذه الآية، هو حرف النّبوّة، لكون الآية تخوض في أمور باطنة، وتخاطب مقاما خاصا، بل إنّ ذكر النّبوّة في الآية ظاهر.
97. ومن أحوال النّزول أنّ القرآن يدور بين التّجليات الثّلاث: " الجمال والجلال والكمال" والمتبصّر في الآية يراها بأنّها أخذت طابعا كماليا، حيث أنّها تخوض في الصّلة العينيّة، وفي تعظيم وتقديس الجناب الشّريف.
· الفص الواحد والأربعون: دلالة النّظير في آية ( هو الذي يصلّي عليكم) ؟
98. نرى بأنه سبحانه في آية : ( هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ) جَعَلَ الصَّلَاةَ منه تعالى، وعطف الملائكة عليه سبحانه، وأمّا هنا فقد جَمَعَ نَفْسَهُ وَمَلَائِكَتَهُ وَأَسْنَدَ الصَّلَاةَ إِلَيْهِمْ فَقَالَ: يُصَلُّونَ وَفِيهِ من التَّعْظِيم للجناب الشّريف الغاية، لأنّ هناك فرق بين قَولك دخل فُلَانٌ وَفُلَانٌ، فهذا يُفْهَمُ مِنْهُ تَقْدِيمٌ، وقولك فُلَانٌ وَفُلَانٌ يَدْخُلَانِ، إِشَارَةً إِلَى أَنَّ الصّلاة عليه هي الْأَصْل، والصّلاة على المؤمنين فرع عنها.
99. وَفِي الصَّلَاةِ عَلَى المؤمنين اللَّهُ تعالى يصلّي، والملائكة يوافقونه، أمّا فِي الصَّلَاةِ عَلَيه e يُصَلُّونَ بِالْإِضَافَةِ، لأَنَّهَا وَاجِبَةٌ عَلَيْهِمْ سَوَاءٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ أَوْ لَمْ يُصَلِّ، وَفِي الْمُؤْمِنِينَ لَيْسَ كَذَلِكَ.
100. في الصّلاة على الحضرة النّبويّة لم يذكر السّلام، وذكره في حضرة المومنين ( تحيّتهم يوم يلقونه سلام) لأنّه غير غائب عن الحضرة ولا جديد عنها، حتّى يحتاج إلى تحيّة السّلام، وأمّا المومنون فكانوا محجوبين ودخلوها .
· الفص الثّاني والاربعون: دلالة النّظير في آية ( شهد الله أنّه لا إله إلّا هو) ؟
101. إنّ المتأمّل في قوله تعالى: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ} يرى أنّ هناك فصل مابين شهادته وشهادة ملائكته، أمّا في آية الصّلاة فقد جمعهم سبحانه في نسق واحد، بل في ضمير واحد، وأضافهم إليه بالضّمير المتّصل، ولا شكّ أنّ هذا أبلغ من إضافتهم في آية الصّلاة، ولكن ما وجه الدّلة في هذا؟
· الفص الثالث والأربعون : دلالة النّظير في آية " التّعزير والتّوقير"؟
102. وهناك رابط قوي بين آية هذه الآية وآية الفتح (إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (8) لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا) فقوله (لتؤمنوا ..) متناسبا مع قوله ( الذين آمنوا) وقوله: ( وتعزّروه وتوقروه) مطابقا لقوله: ( صلوا عليه) وقوله: ( وتسبحوه بكرة وأصيلا) موافقا لقوله: ( وسلّموا تسليما) وإنّ ضمير التسبيح هنا يجوز أن يعود على حضرته e، لأنّه آخر مذكور، وهذا لايخالف العقيدة، لأنّ التسبيح هو التّنزيه لجناب المعصومe، ولكلّ مقام تنزيهه وتسبيحه وحمده .
103. الفص الرّابع والأربعون : دلالة النّظير في آية " النّبي أولى بالمومنين"؟
104. ولآية الّصلاة رابطة وطيدة بأختها في السّورة : ( النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمّهاتهم) من جهة ذكر النّبوّة في الآيتين، وذكر لقب المومنين فيهما، وذكر الزّوجات الطّاهرات هنا، يتناسب مع سياق آية الصّلاة، والذي جاء في معرض التّنزيه لمقام الزّوجيّة النبويّة .
· الفص الخامس والأربعون : دلالة النّظير في آية " الصّلاة على أهل البيت"؟
105. وبين آية الصّلاة وآية ( رحمت الله وبركاته عليكم أهل البيت إنّه حميد مجيد) مناسبة دقيقة، ولهذا اقتبس منها eفي الصّلاة الإبرهيميّة " إنّك حميد مجيد"
إلّا أنّ هذه الرّحمة والبركة على أهل البيت، إنّما هي فرع عن الصّلاة النّبويّة الذّاتيّة، وما شبههما في الصّلاة الإبراهيميّة، إلّا تنزّلا منه e.
· الفص السّادس والأربعون : دلالة النّظير في آية " الصّدق"؟
106. ولها أيضا تناسبا مع جارتها في السّورة (قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِ إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا ) من جهة الإيمان المذكور في الجهتين، وجهة ختم الآيتين بالتّسليم، فترى بأنّ الإيمان والتّسليم في الآية الصّدق، يطابق الصّلاة والسّلام في آية الصّلاة.
وكذلك لحاق آية الصّدق يضيف لها معنى فالذين قال فيهم تعالى : ( من المومنين رجال صدقوا ماعاهدوا الله عليه) هم الذين خاطبهم بـ ( ياأيها الذين آمنوا صلّوا عليه وسلموا تسليما) .
· الفص السّابع والأربعون : دلالة النّظير في حديث " الصّلاة الإبراهيميّة "؟
107. وإن أردنا أن نفسّر الآية بنظيرها من الحديث، فنرى بأنّ هناك رابط بين الآية وحديث " الصّلاة الإبراهيميّة ".
- حيث أنه e أتى بـ " اللّهم" والتي تطابق لفظ الجلالة ـ إنّ الله ـ في الآية، وذلك أنّ الصّلاة ذاتيّة .
- وقال لهم e قولوا " اللّهم صلّ " لأنّ الله تعالى هو المصلّي الوحيد حقيقة عليه.
- ولم يقرنe السّلام بالصّلاة، كما فصلت بينهما الآية، وهذا فيه دلالة على أنّ السّلام ليس من جنس الدّعاء.
- وختمها بـ " إنّك حميد مجيد " إقتباسا من آية ( رحمت الله وبركاته عليكم أهل البيت إنّه حميد مجيد) لنعلم أنّ الصّلاة والسّلام هما حمد وتمجيد للجناب النّبوي الشّريف .
· الفص الثّامن والأربعون : دلالة النّظير في آية " التّسليم"؟
108. ولهذه الآية تناسب وفيق مع آية (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) من جهة الإيمان الوارد في الآيتين هناك ( لايؤمنون) وهنا ( الذين آمنوا) ومن جهة التّسليم المختتم به فهناك ( ويسلموا تسليما) وهنا: ( وسلّموا تسليما) .
ومن هنا ذهب جمهور من العلماء والعارفين، إلى أنّ معنى التّلسيم في الآيتين متطابق، وهو تسليم بلسان الحال، لا بلسان القال .
· الفص التّاسع والأربعون : دلالة النّظير في آية " التّطهير" ؟
109. وممّا لاشك فيه أنّ جمع آية التّطهير ( إنّا يريد الله ليذهب عنكم الرّجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) مع آية الصّلاة في سورة واحدة ليس عبثا، وكلاهما يدور حول سياق التّنزيه والتّقديس، بل بينهما تشابه حتّى في الأسلوب، لاسيما في الإبتداء بالتّوكيد، والختم بالمفعول الطلق " تطهيرا" و " تسليما" والمعنى واحد.
ولم يذكر سبحانه في آية التّطهير، أيّ أمر بالموالاة لأهل البيت، خلافا لآية الصّلاة، لأنّ مقام النّبوّة متّفق عليه، أمّا مقام أهل البيت فمختلف عليه .
الفص الخمسون : دلالة مطلع السّورة ؟
110. وإنّ المتوقف مع مطلع السّورة وما فيها من ظاهر العتاب، الذي هو من قبيل المتشابهات النّبويّة، ( يأيها النّبي اتّق الله ولا تطع الكافرين والمنافقين ) بل وفي السّورة كلّها، وذلك من ضرب " إيّاك أعني واسمعي ياجارة".
سيعلم أنّ آية الصّلاة جاءت في معرض التنزيه لمقام النّبوّة، عمّا يختلج اعتقادنا في الجناب الشّريف، ولهذا أكّدها بقوله ( وسلّموا تسليما) .
· الفص الواحد والخمسون : ما وجه الدّلالة في تقديم الإيمان على الإسلام؟
111. ونرى بأنّ الآية هنا قدّمت الإيمان على السّلام، مثل أختها ( ومازادهم إلّا إيمانا وتسليما) مع أنّ التسليم مقدّمة للإيمان، فالآية الأخرى تقول ( قالت الأعراب آمنا قل لم تومنوا ولكن قولوا أسلمنا) .
ولعلّى هذا التّسليم المذكور هو تسليم الخواص، الذي يأتي بعد الإيمان، لكونه متعلّقا بالجناب النّبوي، لأنّ التّسليم تسليمان: تسليم ظاهر بالإنقياد للتّكاليف، وتسليم باطن بالفناء عن الأنانيّة ، والبقاء بالإرادة النّبويّة .
· الفص الثاني والخمسون : دلالة مقطع السّورة؟
112. وفي ختم السّورة بآية ( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا تَكُونُوا كَالَّذِينَ ءَاذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِندَ اللَّهِ وَجِيهًا) صلة بآية الصّلاة، من حيث كونهما يخاطبان المومنين، ويتعاطيان موضوع التّنزية للجناب النّبوي .
وتوجيه الآية : يأيها الذين آمنوا ـ لاتكونوا مع نبيّكم ـ كالذين آذوا موسى، بل صلّوا عليه وسلّموا تسليما.
113. وختمها كذلك بآية الأمانة { إِنَّا عَرَضْنَا الامَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأرض وَالْجِبَالِ فَأبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الانسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولا) دلالة خفيّة .
وذلك أنّ السّورة كلّها تؤسّس للتعلّق بالجناب الشّريف، فلا بدّ أن يكون لمطلعها ومقطعها توافق مع موضوعها، فكأن آية الأمانة توكيد على عهد الميثاق النبوي الأول.
ومن قال أنّ الأمانة هي توحيد الله تعالى، نقول له كذلك الملائكة والجن والجمادات موحدة، ولكن هذا شيء خاص بالإنسان، وما هو إلّا الرّقيقة المحمّديّة المكنونة في سريرته، ففرض ـ الصّلاة والسّلام ـ إذا يكون كوفاء بحقّ هذه الأمانة .
خاتمة
وما هذه إلا إشارات بسيطة ممّا تحمله آية " الصّلاة والسّلام" وأمّا السّرّ المطلسم الذي تدور حوله الآية، فلا زال مكنّزا في أصداف النّون، من وراء القلم ما يسطرون.
فدونك أيها المريد لا تقف مع قوالب الآيات فتحجب قلوبها، وصفّي عين بصيرتك لتشهد مكنون القرآن، فإنّه لا يمسه إلّا المطهرون، وإلّا فجالس أهل الورود على المعين ، "فإن لم يصبها وابل فطل " .
هذا والله ورسولهe أعلم وصلّى الله على سيّدنا مولانا الأحمد المحمّد وعلى آله وصحبه وسلّم .
سبحان ربّك ربّ العزّة عمّا يصفون
وسلام على المرسلين والحمد لله ربّ العالمين
· الفص السّابع والثّلاثون: ما السّر في نزول الآية في شهر شعبان ؟
90. ولقد ورد أنّ آية الصّلاة نزلت في شهر شعبان، وهذا يتناسب مع ما لهذا الشهر من صلة بالحبيب حيث يقولe : ( رجب شهر الله، وشعبان شهري، ورمضان شهر أمّتي) .
· الفص الثّامن والثّلاثون: دلالة السّباق ( إنّ الله كان على كلّ شيء شهيدا)؟
91. والمتأمّل يرى بأنّ الآية أتت مؤكّدة بعد توكيد، ومابين الجملتين حرف عطف، (إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا (55) إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ) وكأنّ الآية الجملة الثّانية توكيد للأولى، أوبيانا لها، وهوما يسمى عند البلاغيين " كمال الإتّصال" والدّلالة في ذلك هي ربط الآيتين بسياق واحد، وهو تعظيم وتنزيه الجناب الطّاهر .
92. ورد إسم الشّهيد في الآية السّابقة ـ على كلّ شيء شهيد ـ وهو مناسب لمضارعة فعل ـ يصلون ـ الدّال على الحضور الحالي والمستقبل .
93. في ورود الصّلاة الذّاتيّة بعد إسم الشّهيد، دلالة على تحققه e باسم الشّهيد، لكون التّجليات الذّاتية مهيمنة على حضرة الأسماء، وهذا ماتؤكده الآية التي من نفس السّورة (إِنَّآ أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا ) والعلّة في هذا أن يأخذ المنافقون حذرهم من خداعهم لهe ، لأنّه مكاشف لهم .
· الفص التّاسع والثّلاثون: أسباب نزول الآية ؟
94. لاريب أنّ السّورة بكلّها مدنيّة، وأنّها تؤسّس لمبادئ التّعلّق بالحبيب e، فهي تربّي مجتمع الصّحابة عن قرب، لأنّها تمس الجانب الإجتماعي في الحياة النّبويّة.
وعليه فإنّ الآية لا تخرج عن نطاق التّعلّق بالجناب الكريم، ومن هنا فهم العارفون أنّ معنى الصّلاة والسّلام هو حبّ وأدب وتقديس وتنزيه ..
95. وإنّ الآية تخاطب الأمّة برمتها، لأنّ "العبرة بعموم اللّفظ لا بخصوص السّبب"، ولو أنّ السياق يحدد المعنى الظاهر للآيات، إلّا أنّ باطن الآية عميق الدّلالة .
· الفص الأربعون: أحوال نزول الآية ؟
96. من المعلوم أنّ لكلّ آية سبب النّزول ظاهرا، وحال النّزول باطنا، أي حال صاحب الوحيe، ومن أحوال النّزول قاعدة الأحرف السّبعة عند مولانا الدّباغ قدس سرّه، وهي " النّبوة والرّسالة والرّوح والآدميّة والقبض والبسط والعلم".
والحرف الذي تدور حوله هذه الآية، هو حرف النّبوّة، لكون الآية تخوض في أمور باطنة، وتخاطب مقاما خاصا، بل إنّ ذكر النّبوّة في الآية ظاهر.
97. ومن أحوال النّزول أنّ القرآن يدور بين التّجليات الثّلاث: " الجمال والجلال والكمال" والمتبصّر في الآية يراها بأنّها أخذت طابعا كماليا، حيث أنّها تخوض في الصّلة العينيّة، وفي تعظيم وتقديس الجناب الشّريف.
· الفص الواحد والأربعون: دلالة النّظير في آية ( هو الذي يصلّي عليكم) ؟
98. نرى بأنه سبحانه في آية : ( هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ) جَعَلَ الصَّلَاةَ منه تعالى، وعطف الملائكة عليه سبحانه، وأمّا هنا فقد جَمَعَ نَفْسَهُ وَمَلَائِكَتَهُ وَأَسْنَدَ الصَّلَاةَ إِلَيْهِمْ فَقَالَ: يُصَلُّونَ وَفِيهِ من التَّعْظِيم للجناب الشّريف الغاية، لأنّ هناك فرق بين قَولك دخل فُلَانٌ وَفُلَانٌ، فهذا يُفْهَمُ مِنْهُ تَقْدِيمٌ، وقولك فُلَانٌ وَفُلَانٌ يَدْخُلَانِ، إِشَارَةً إِلَى أَنَّ الصّلاة عليه هي الْأَصْل، والصّلاة على المؤمنين فرع عنها.
99. وَفِي الصَّلَاةِ عَلَى المؤمنين اللَّهُ تعالى يصلّي، والملائكة يوافقونه، أمّا فِي الصَّلَاةِ عَلَيه e يُصَلُّونَ بِالْإِضَافَةِ، لأَنَّهَا وَاجِبَةٌ عَلَيْهِمْ سَوَاءٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ أَوْ لَمْ يُصَلِّ، وَفِي الْمُؤْمِنِينَ لَيْسَ كَذَلِكَ.
100. في الصّلاة على الحضرة النّبويّة لم يذكر السّلام، وذكره في حضرة المومنين ( تحيّتهم يوم يلقونه سلام) لأنّه غير غائب عن الحضرة ولا جديد عنها، حتّى يحتاج إلى تحيّة السّلام، وأمّا المومنون فكانوا محجوبين ودخلوها .
· الفص الثّاني والاربعون: دلالة النّظير في آية ( شهد الله أنّه لا إله إلّا هو) ؟
101. إنّ المتأمّل في قوله تعالى: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ} يرى أنّ هناك فصل مابين شهادته وشهادة ملائكته، أمّا في آية الصّلاة فقد جمعهم سبحانه في نسق واحد، بل في ضمير واحد، وأضافهم إليه بالضّمير المتّصل، ولا شكّ أنّ هذا أبلغ من إضافتهم في آية الصّلاة، ولكن ما وجه الدّلة في هذا؟
· الفص الثالث والأربعون : دلالة النّظير في آية " التّعزير والتّوقير"؟
102. وهناك رابط قوي بين آية هذه الآية وآية الفتح (إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (8) لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا) فقوله (لتؤمنوا ..) متناسبا مع قوله ( الذين آمنوا) وقوله: ( وتعزّروه وتوقروه) مطابقا لقوله: ( صلوا عليه) وقوله: ( وتسبحوه بكرة وأصيلا) موافقا لقوله: ( وسلّموا تسليما) وإنّ ضمير التسبيح هنا يجوز أن يعود على حضرته e، لأنّه آخر مذكور، وهذا لايخالف العقيدة، لأنّ التسبيح هو التّنزيه لجناب المعصومe، ولكلّ مقام تنزيهه وتسبيحه وحمده .
103. الفص الرّابع والأربعون : دلالة النّظير في آية " النّبي أولى بالمومنين"؟
104. ولآية الّصلاة رابطة وطيدة بأختها في السّورة : ( النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمّهاتهم) من جهة ذكر النّبوّة في الآيتين، وذكر لقب المومنين فيهما، وذكر الزّوجات الطّاهرات هنا، يتناسب مع سياق آية الصّلاة، والذي جاء في معرض التّنزيه لمقام الزّوجيّة النبويّة .
· الفص الخامس والأربعون : دلالة النّظير في آية " الصّلاة على أهل البيت"؟
105. وبين آية الصّلاة وآية ( رحمت الله وبركاته عليكم أهل البيت إنّه حميد مجيد) مناسبة دقيقة، ولهذا اقتبس منها eفي الصّلاة الإبرهيميّة " إنّك حميد مجيد"
إلّا أنّ هذه الرّحمة والبركة على أهل البيت، إنّما هي فرع عن الصّلاة النّبويّة الذّاتيّة، وما شبههما في الصّلاة الإبراهيميّة، إلّا تنزّلا منه e.
· الفص السّادس والأربعون : دلالة النّظير في آية " الصّدق"؟
106. ولها أيضا تناسبا مع جارتها في السّورة (قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِ إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا ) من جهة الإيمان المذكور في الجهتين، وجهة ختم الآيتين بالتّسليم، فترى بأنّ الإيمان والتّسليم في الآية الصّدق، يطابق الصّلاة والسّلام في آية الصّلاة.
وكذلك لحاق آية الصّدق يضيف لها معنى فالذين قال فيهم تعالى : ( من المومنين رجال صدقوا ماعاهدوا الله عليه) هم الذين خاطبهم بـ ( ياأيها الذين آمنوا صلّوا عليه وسلموا تسليما) .
· الفص السّابع والأربعون : دلالة النّظير في حديث " الصّلاة الإبراهيميّة "؟
107. وإن أردنا أن نفسّر الآية بنظيرها من الحديث، فنرى بأنّ هناك رابط بين الآية وحديث " الصّلاة الإبراهيميّة ".
- حيث أنه e أتى بـ " اللّهم" والتي تطابق لفظ الجلالة ـ إنّ الله ـ في الآية، وذلك أنّ الصّلاة ذاتيّة .
- وقال لهم e قولوا " اللّهم صلّ " لأنّ الله تعالى هو المصلّي الوحيد حقيقة عليه.
- ولم يقرنe السّلام بالصّلاة، كما فصلت بينهما الآية، وهذا فيه دلالة على أنّ السّلام ليس من جنس الدّعاء.
- وختمها بـ " إنّك حميد مجيد " إقتباسا من آية ( رحمت الله وبركاته عليكم أهل البيت إنّه حميد مجيد) لنعلم أنّ الصّلاة والسّلام هما حمد وتمجيد للجناب النّبوي الشّريف .
· الفص الثّامن والأربعون : دلالة النّظير في آية " التّسليم"؟
108. ولهذه الآية تناسب وفيق مع آية (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) من جهة الإيمان الوارد في الآيتين هناك ( لايؤمنون) وهنا ( الذين آمنوا) ومن جهة التّسليم المختتم به فهناك ( ويسلموا تسليما) وهنا: ( وسلّموا تسليما) .
ومن هنا ذهب جمهور من العلماء والعارفين، إلى أنّ معنى التّلسيم في الآيتين متطابق، وهو تسليم بلسان الحال، لا بلسان القال .
· الفص التّاسع والأربعون : دلالة النّظير في آية " التّطهير" ؟
109. وممّا لاشك فيه أنّ جمع آية التّطهير ( إنّا يريد الله ليذهب عنكم الرّجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) مع آية الصّلاة في سورة واحدة ليس عبثا، وكلاهما يدور حول سياق التّنزيه والتّقديس، بل بينهما تشابه حتّى في الأسلوب، لاسيما في الإبتداء بالتّوكيد، والختم بالمفعول الطلق " تطهيرا" و " تسليما" والمعنى واحد.
ولم يذكر سبحانه في آية التّطهير، أيّ أمر بالموالاة لأهل البيت، خلافا لآية الصّلاة، لأنّ مقام النّبوّة متّفق عليه، أمّا مقام أهل البيت فمختلف عليه .
الفص الخمسون : دلالة مطلع السّورة ؟
110. وإنّ المتوقف مع مطلع السّورة وما فيها من ظاهر العتاب، الذي هو من قبيل المتشابهات النّبويّة، ( يأيها النّبي اتّق الله ولا تطع الكافرين والمنافقين ) بل وفي السّورة كلّها، وذلك من ضرب " إيّاك أعني واسمعي ياجارة".
سيعلم أنّ آية الصّلاة جاءت في معرض التنزيه لمقام النّبوّة، عمّا يختلج اعتقادنا في الجناب الشّريف، ولهذا أكّدها بقوله ( وسلّموا تسليما) .
· الفص الواحد والخمسون : ما وجه الدّلالة في تقديم الإيمان على الإسلام؟
111. ونرى بأنّ الآية هنا قدّمت الإيمان على السّلام، مثل أختها ( ومازادهم إلّا إيمانا وتسليما) مع أنّ التسليم مقدّمة للإيمان، فالآية الأخرى تقول ( قالت الأعراب آمنا قل لم تومنوا ولكن قولوا أسلمنا) .
ولعلّى هذا التّسليم المذكور هو تسليم الخواص، الذي يأتي بعد الإيمان، لكونه متعلّقا بالجناب النّبوي، لأنّ التّسليم تسليمان: تسليم ظاهر بالإنقياد للتّكاليف، وتسليم باطن بالفناء عن الأنانيّة ، والبقاء بالإرادة النّبويّة .
· الفص الثاني والخمسون : دلالة مقطع السّورة؟
112. وفي ختم السّورة بآية ( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا تَكُونُوا كَالَّذِينَ ءَاذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِندَ اللَّهِ وَجِيهًا) صلة بآية الصّلاة، من حيث كونهما يخاطبان المومنين، ويتعاطيان موضوع التّنزية للجناب النّبوي .
وتوجيه الآية : يأيها الذين آمنوا ـ لاتكونوا مع نبيّكم ـ كالذين آذوا موسى، بل صلّوا عليه وسلّموا تسليما.
113. وختمها كذلك بآية الأمانة { إِنَّا عَرَضْنَا الامَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأرض وَالْجِبَالِ فَأبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الانسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولا) دلالة خفيّة .
وذلك أنّ السّورة كلّها تؤسّس للتعلّق بالجناب الشّريف، فلا بدّ أن يكون لمطلعها ومقطعها توافق مع موضوعها، فكأن آية الأمانة توكيد على عهد الميثاق النبوي الأول.
ومن قال أنّ الأمانة هي توحيد الله تعالى، نقول له كذلك الملائكة والجن والجمادات موحدة، ولكن هذا شيء خاص بالإنسان، وما هو إلّا الرّقيقة المحمّديّة المكنونة في سريرته، ففرض ـ الصّلاة والسّلام ـ إذا يكون كوفاء بحقّ هذه الأمانة .
خاتمة
وما هذه إلا إشارات بسيطة ممّا تحمله آية " الصّلاة والسّلام" وأمّا السّرّ المطلسم الذي تدور حوله الآية، فلا زال مكنّزا في أصداف النّون، من وراء القلم ما يسطرون.
فدونك أيها المريد لا تقف مع قوالب الآيات فتحجب قلوبها، وصفّي عين بصيرتك لتشهد مكنون القرآن، فإنّه لا يمسه إلّا المطهرون، وإلّا فجالس أهل الورود على المعين ، "فإن لم يصبها وابل فطل " .
هذا والله ورسولهe أعلم وصلّى الله على سيّدنا مولانا الأحمد المحمّد وعلى آله وصحبه وسلّم .
سبحان ربّك ربّ العزّة عمّا يصفون
وسلام على المرسلين والحمد لله ربّ العالمين
25/11/2024, 17:11 من طرف Admin
» كتاب التواضع والخمول تصنيف ابن أبي الدنيا
25/11/2024, 17:02 من طرف Admin
» كتاب: في رياض السيرة النبوية العهد المكي – د.أحمد عمر هاشم ـ ج1
25/11/2024, 16:27 من طرف Admin
» كتاب في رياض السيرة النبوية (العهد المدني) لأحمد عمر هاشم ـ ج2
25/11/2024, 15:41 من طرف Admin
» كتاب: القصص في الحديث النبوي ـ لمحمد الزير موقع مكتبة
25/11/2024, 15:03 من طرف Admin
» كتاب: الكلام على قوله تعالى {إنما يخشى الله من عباده العلماء} ـ ابن رجب الحنبلي
25/11/2024, 14:58 من طرف Admin
» كتاب: نهاية العالم في الكتاب المقدس - دراسة مقارنة مع القرآن الكريم ـ نور فائزة بنت عثمان
20/11/2024, 22:49 من طرف Admin
» كتاب مواعظ الإمام زين العابدين ـ صالح أحمد الشامي
18/11/2024, 23:30 من طرف Admin
» كتاب إتحاف النفوس بنفحات القدوس ـ عبد القدوس بن أسامة السامرائي
18/11/2024, 23:25 من طرف Admin
» كتاب الإعلام بفضل الصلاة على النبي والسلام ـ محمد بن عبد الرحمن بن علي النميري
18/11/2024, 23:20 من طرف Admin
» كتاب الغيب ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:08 من طرف Admin
» كتاب الشيطان والإنسان ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:03 من طرف Admin
» كتاب الشعراوي هنا رأيت سيدنا إبراهيم ـ سعيد أبو العنين
18/11/2024, 23:01 من طرف Admin
» كتاب الخير والشر ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:57 من طرف Admin
» كتاب التربية في مدرسة النبوة ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:55 من طرف Admin