التنبيه الثالث اعلم أن الأرض الواسعة إنما هي أرض عبادتك كتاب تنبيهات على علو الحقيقة المحمدية العليّة ابن عربي الحاتمي الطائي
تأليف الشيخ الأكبر والنور الابهر سيدي محيي الدين بن عربي الحاتمي الطائي الأندلسي
التنبيه الثالث اعلم : أن الأرض الواسعة { المذكورة في قوله تعالى : " يا عبادي الذين آمنوا إن أرضي واسعة فإياي فاعبدون " ــ 56 من سورة العنكبوت }
إنما هي أرض عبادتك ، فتعبد الحق " كأنك تراه " في ذاتك من حيث بصرك ، على ما يليق بجلاله سبحانه وتعالى . وعين بصيرتك تشهد بأنه :
ظاهر لها ظهور عِلْمْ { لا ظهور رؤية } فتجمع في عبادتك بين ما يستحقه تعالى من العبادة في الخيال { أي في خيالك أيها العابد }،
وبين ما يستحقه من العبادة في غير موطن الخيال {أي في موطن الحقيقة وهو الموطن الذي يعتقد أنه يشاهد الله جلَّ وعلا حقيقةً}
فتعبده مطلقاً ومقيداً { أي بما افترض عليك من الفرائض (المقيد) وبما تنتفل به ( المطلق ) } وليس هذا لغير هذه النشأة الإنسانية المؤمنة ، التي جعلها الله تعالى حرمه المحرم ، وبيته المعظم .
فكل من في الوجود يعبد الله تعالى على الغيب ، إلا الإنسان الكامل ، فإنه يعبد الله تعالى على المشاهدة .
ولا يكمل العبد إلا بالإيمان الكامل ، فإنه النور الذي يزيل كل ظلمة .
فإذا عبده على المشاهدة :
رءآه جميع قواه { من قوله جل وعلا :" كنت يده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها " إلى آخر الحديث القدسي المعروف } فما قام بعبادته غيره { الضمير يرجع إلى "الله" تعالى ، لأنه هو الذي أمدك سراً وجهراً ، وهو الفاعل على الحقيقة سبحانه تعالى } .
ولا ينبغي أن يقوم بها سواه واعلم أنك إذا لم تكن بهذه المنزلة ، ومالك قدم في هذه الدرجة ، فأنا
أدلك على ما يحصل لك به هذه الدرجة العليا ، وذلك أن تعلم أن الرسل صَلَىْ اللهُ عَلَيْهمِْ وَسَلَمَ أعدل الناس أمزجة لقبول رسالات ربهم تعالى .
وكل شخص منهم قبل من الرسالات الإلهية على قدر ما أعطاه الله تعالى في مزاجه من التركيب .
فلذلك لم يبعث نبي منهم إلا لقوم معينين ، لأنه على مزاج خاص مقصور ، وأن سَيْدَنَا مُحَمَدْاً صَلَىْ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَمَ بعثه الله برسالة عامة إلى جميع الناس كافة ، .
وما قَبِلَ مثل هذه الرسالة العامة إلا لكونه على مزاج عام ، يحتوي على مزاج كل نبي ورسول .
فمزاجه : أعدل الأمزجة كلها، ونشأته أقوم النشآت أجمعها.
فإذا علمت هذا ، وأردت أن ترى الحق تعالى على أكمل ما ينبغي أن يظهر به لهذه النشأة الإنسانية ، فألزم الإيمان والإتباع له صَلَىْ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَمَ ،واجعله مثل المرآة أمامك .
وقد علمت أن الله تعالى لابد أن يتجلى لسَيْدَنَا مُحَمَدْاً صَلَىْ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَمَ في مرآته : أكمل ظهور وأعدله ، وأحسنه لما هي عليه مرآته من الكمال .
فإذا أدركت الحق تعالى في مرآته صَلَىْ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَمَ
تكون قد أدركت منه ما لم تدركه في غير مرآته صَلَىْ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَمَ .
ألا ترى ــ في باب الإيمان ــ بما جاء به من الأمور التي نسب الحق تعالى نفسه بها على لسان الشرع ــ بما تحيله العقول ، ولولا الشرع والإيمان به لما قبلنا ذلك من حيث نظرنا العقلي .
فكما أعطانا بالرسالة والإيمان :
ما قصرت العقول التي لا إيمان لها عن إدراكها ذلك من جانب الحق تعالى ، كذلك أعطانا ما قصرت أمزجتنا مرائي قلوبنا ـ عند المشاهدة ــ عن إدراك ما تجلى في مرآته صَلَىْ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَمَ أن تدركه في مرآتها.
وكما آمنت به في الرسالة غيباً : شهدته عند التجلي عيناً .
فقد نصحتك وأبلغت لك في النصيحة ، فلا تطلب مشاهدة الحق تعالى إلا في مرآته صَلَىْ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَمَ .
واحذر أن تشهد النبي ــ صَلَىْ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَمَ ــ أو تشهد ما تجلى في مرآته من الحق في مرادك ، فإنه ينزل بك ذلك عن الدرجة العالية .فالزم الإقتداء به ، والإتباع له ـــ صَلَىْ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَمَ ــ ولا تطأ مكاناً لا ترى فيه قدم نبيك صَلَىْ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَمَ .
فضع قدمك على قدمه { يعني اتبع آثاره صَلَىْ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَمَ في كل صغيرة وكبيرة } إن أردت أن تكون من أهل الدرجات العلا ، والشهود الكامل في المكانة الزلفى ، والله الموفق .
تأليف الشيخ الأكبر والنور الابهر سيدي محيي الدين بن عربي الحاتمي الطائي الأندلسي
التنبيه الثالث اعلم : أن الأرض الواسعة { المذكورة في قوله تعالى : " يا عبادي الذين آمنوا إن أرضي واسعة فإياي فاعبدون " ــ 56 من سورة العنكبوت }
إنما هي أرض عبادتك ، فتعبد الحق " كأنك تراه " في ذاتك من حيث بصرك ، على ما يليق بجلاله سبحانه وتعالى . وعين بصيرتك تشهد بأنه :
ظاهر لها ظهور عِلْمْ { لا ظهور رؤية } فتجمع في عبادتك بين ما يستحقه تعالى من العبادة في الخيال { أي في خيالك أيها العابد }،
وبين ما يستحقه من العبادة في غير موطن الخيال {أي في موطن الحقيقة وهو الموطن الذي يعتقد أنه يشاهد الله جلَّ وعلا حقيقةً}
فتعبده مطلقاً ومقيداً { أي بما افترض عليك من الفرائض (المقيد) وبما تنتفل به ( المطلق ) } وليس هذا لغير هذه النشأة الإنسانية المؤمنة ، التي جعلها الله تعالى حرمه المحرم ، وبيته المعظم .
فكل من في الوجود يعبد الله تعالى على الغيب ، إلا الإنسان الكامل ، فإنه يعبد الله تعالى على المشاهدة .
ولا يكمل العبد إلا بالإيمان الكامل ، فإنه النور الذي يزيل كل ظلمة .
فإذا عبده على المشاهدة :
رءآه جميع قواه { من قوله جل وعلا :" كنت يده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها " إلى آخر الحديث القدسي المعروف } فما قام بعبادته غيره { الضمير يرجع إلى "الله" تعالى ، لأنه هو الذي أمدك سراً وجهراً ، وهو الفاعل على الحقيقة سبحانه تعالى } .
ولا ينبغي أن يقوم بها سواه واعلم أنك إذا لم تكن بهذه المنزلة ، ومالك قدم في هذه الدرجة ، فأنا
أدلك على ما يحصل لك به هذه الدرجة العليا ، وذلك أن تعلم أن الرسل صَلَىْ اللهُ عَلَيْهمِْ وَسَلَمَ أعدل الناس أمزجة لقبول رسالات ربهم تعالى .
وكل شخص منهم قبل من الرسالات الإلهية على قدر ما أعطاه الله تعالى في مزاجه من التركيب .
فلذلك لم يبعث نبي منهم إلا لقوم معينين ، لأنه على مزاج خاص مقصور ، وأن سَيْدَنَا مُحَمَدْاً صَلَىْ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَمَ بعثه الله برسالة عامة إلى جميع الناس كافة ، .
وما قَبِلَ مثل هذه الرسالة العامة إلا لكونه على مزاج عام ، يحتوي على مزاج كل نبي ورسول .
فمزاجه : أعدل الأمزجة كلها، ونشأته أقوم النشآت أجمعها.
فإذا علمت هذا ، وأردت أن ترى الحق تعالى على أكمل ما ينبغي أن يظهر به لهذه النشأة الإنسانية ، فألزم الإيمان والإتباع له صَلَىْ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَمَ ،واجعله مثل المرآة أمامك .
وقد علمت أن الله تعالى لابد أن يتجلى لسَيْدَنَا مُحَمَدْاً صَلَىْ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَمَ في مرآته : أكمل ظهور وأعدله ، وأحسنه لما هي عليه مرآته من الكمال .
فإذا أدركت الحق تعالى في مرآته صَلَىْ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَمَ
تكون قد أدركت منه ما لم تدركه في غير مرآته صَلَىْ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَمَ .
ألا ترى ــ في باب الإيمان ــ بما جاء به من الأمور التي نسب الحق تعالى نفسه بها على لسان الشرع ــ بما تحيله العقول ، ولولا الشرع والإيمان به لما قبلنا ذلك من حيث نظرنا العقلي .
فكما أعطانا بالرسالة والإيمان :
ما قصرت العقول التي لا إيمان لها عن إدراكها ذلك من جانب الحق تعالى ، كذلك أعطانا ما قصرت أمزجتنا مرائي قلوبنا ـ عند المشاهدة ــ عن إدراك ما تجلى في مرآته صَلَىْ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَمَ أن تدركه في مرآتها.
وكما آمنت به في الرسالة غيباً : شهدته عند التجلي عيناً .
فقد نصحتك وأبلغت لك في النصيحة ، فلا تطلب مشاهدة الحق تعالى إلا في مرآته صَلَىْ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَمَ .
واحذر أن تشهد النبي ــ صَلَىْ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَمَ ــ أو تشهد ما تجلى في مرآته من الحق في مرادك ، فإنه ينزل بك ذلك عن الدرجة العالية .فالزم الإقتداء به ، والإتباع له ـــ صَلَىْ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَمَ ــ ولا تطأ مكاناً لا ترى فيه قدم نبيك صَلَىْ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَمَ .
فضع قدمك على قدمه { يعني اتبع آثاره صَلَىْ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَمَ في كل صغيرة وكبيرة } إن أردت أن تكون من أهل الدرجات العلا ، والشهود الكامل في المكانة الزلفى ، والله الموفق .
20/11/2024, 22:49 من طرف Admin
» كتاب مواعظ الإمام زين العابدين ـ صالح أحمد الشامي
18/11/2024, 23:30 من طرف Admin
» كتاب إتحاف النفوس بنفحات القدوس ـ عبد القدوس بن أسامة السامرائي
18/11/2024, 23:25 من طرف Admin
» كتاب الإعلام بفضل الصلاة على النبي والسلام ـ محمد بن عبد الرحمن بن علي النميري
18/11/2024, 23:20 من طرف Admin
» كتاب الغيب ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:08 من طرف Admin
» كتاب الشيطان والإنسان ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:03 من طرف Admin
» كتاب الشعراوي هنا رأيت سيدنا إبراهيم ـ سعيد أبو العنين
18/11/2024, 23:01 من طرف Admin
» كتاب الخير والشر ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:57 من طرف Admin
» كتاب التربية في مدرسة النبوة ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:55 من طرف Admin
» كتاب: إرشاد العباد إلى سبل الرشاد ـ للملبباري
18/11/2024, 22:41 من طرف Admin
» ـ كتاب آداب الحسن البصري ـ أبن الجوزي
18/11/2024, 22:34 من طرف Admin
» كتاب الله والنفس البشرية ـ لمحمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:23 من طرف Admin
» كتاب: معرفة النفس طر يق لمعرفة الرب ـ أستاذ البصيرة عبدالوهاب حسن
18/11/2024, 22:21 من طرف Admin
» كتاب الطريق الي الله ـ الشيخ علي جمعة
18/11/2024, 21:50 من طرف Admin
» كتاب: كتاب النفس والجسد والروح ـ ابراهيم البلتاجي
18/11/2024, 21:38 من طرف Admin