كتاب تفسير القرآن الكريم رحمة من الرحمن في تفسير وإشارات القرآن ج 1 من كلام الشيخ الأكبر محيي الدين ابن العربي جمع وتأليف محمود محمود الغراب
سورة النساء ( 4 ) : آية 151
أُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً ( 151 )
فرجح جانب الكفر في الحكم على جانب الإيمان ، وإنما رجح حكم الكفر لأحدية المخبر وصدقه عنده فيما أخبر به مطلقا من غير تقييد لاستحالة الكذب عليه ، ولأن الإيمان في نفسه لا يتكثر وإنما كثرته ظهوره في المواطن ، فنفى عنهم الإيمان كله إذ نفوه من مرتبة واحدة ، فهم أولى باسم الكفر الذي هو الستر ، فإن الكافر الأصلي هو الذي استتر عنه الحق ، وهذا عرف الإيمان وستره ، فإنه قال نؤمن ببعض فهو أولى باسم الكفر من الذي لا يعرفه ، لذا قال« أُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ حَقًّا » .
سورة النساء ( 4 ) : الآيات 152 إلى 153
وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ أُولئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً ( 152 ) يَسْئَلُكَ أَهْلُ الْكِتابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتاباً مِنَ السَّماءِ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسى أَكْبَرَ مِنْ ذلِكَ فَقالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ ثُمَّ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ فَعَفَوْنا عَنْ ذلِكَ وَآتَيْنا مُوسى سُلْطاناً مُبِيناً ( 153 )
ص 560
سورة النساء ( 4 ) : الآيات 154 إلى 157
وَرَفَعْنا فَوْقَهُمُ الطُّورَ بِمِيثاقِهِمْ وَقُلْنا لَهُمُ ادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً وَقُلْنا لَهُمْ لا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ وَأَخَذْنا مِنْهُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً ( 154 ) فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ وَكُفْرِهِمْ بِآياتِ اللَّهِ وَقَتْلِهِمُ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْها بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً ( 155 ) وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلى مَرْيَمَ بُهْتاناً عَظِيماً ( 156 ) وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَما قَتَلُوهُ وَما صَلَبُوهُ وَلكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّباعَ الظَّنِّ وَما قَتَلُوهُ يَقِيناً ( 157 )
قالت بنو إسرائيل« إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ »فأكذبهم اللّه فقال« وَما قَتَلُوهُ وَما صَلَبُوهُ وَلكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ » .وقال« وَما قَتَلُوهُ يَقِيناً »يريد ما هو مقتول في نفس الأمر لا عندهم بل شبه لهم ، فهذا يقين مستقل ، ليس له محل يقوم به ، فإنهم متيقنون أنهم قتلوه ، وهذا من باب قيام المعنى بالمعنى ، فإن اليقين معنى ، والقتل معنى ، فالقتل قد تيقن في نفسه أنه ما قام بعيسى عليه السلام ، فالقتل موصوف في هذه الآية باليقين ، وأصدق المعاني ما قام بالمعاني ، وهذه المسألة من محارات العقول .
سورة النساء ( 4 ) : الآيات 158 إلى 159
بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً ( 158 ) وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً ( 159 )
قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم : ينزل فيكم عيسى ابن مريم حكما قسطا وفي رواية مقسطا عدلا ، فيكسر الصليب ، ويقتل الخنزير . وقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم في عيسى عليه السلام إذا نزل « أنه لا يؤمنا إلا منا » أي بسنتنا .
ص 561
سورة النساء ( 4 ) : الآيات 160 إلى 162
فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ طَيِّباتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيراً ( 160 ) وَأَخْذِهِمُ الرِّبَوا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوالَ النَّاسِ بِالْباطِلِ وَأَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ مِنْهُمْ عَذاباً أَلِيماً ( 161 ) لكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أُولئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْراً عَظِيماً ( 162 ).
[ الزكاة ]
« وَالْمُؤْتُونَ الزَّكاةَ »الزكاة واجبة بالكتاب والسنة والإجماع فلا خلاف فيها ، واتفق العلماء على أنها واجبة على كل مسلم حرّ بالغ عاقل مالك للنصاب ملكا تاما ، والزكاة واجبة في المال لا على المكلّف ، وإنما هو مكلف في إخراجها من المال ، فالزكاة أمانة بيد من هو المال بيده لأصناف معينين ، وما هو مال للحر ولا للعبد ، فوجب أداؤه لأصحابه ممن هو عنده وله التصرف فيه حرا كان أو عبدا من المؤمنين ، والأولى أن يكون كل ناظر في المال هو المخاطب بإخراج الزكاة منه ، وعلى ذلك فإن الوصي على المحجور عليه يخرج عنه الزكاة وليس له فيه شيء ، ولهذا قلنا إنه حق في المال ، فإن الصغير لا يجب عليه شيء ، وقد أمر النبي صلّى اللّه عليه وسلم بالتجارة في مال اليتيم حتى لا تأكله الصدقة ، وعلى ذلك فإن الصدقة أي الزكاة واجبة في مال اليتيم يخرجها وليه ، وواجبة في مال المجنون المحجور عليه يخرجها وليه ، وواجبة في مال العبد يخرجها العبد ، أما أهل الذمة فالذي أذهب إليه أنه لا يجوز أخذ الزكاة من كافر وإن كانت واجبة عليه مع جميع الواجبات ، لأنه لا يقبل منه شيء مما كلّف به إلا بعد حصول الإيمان به ، فإن كان من أهل الكتاب ففيه عندنا نظر ، فإن أخذ الجزية منهم قد يكون تقريرا من الشارع لهم على دينهم الذي هم عليه ، فهو مشروع لهم ، فيجب عليهم إقامة دينهم ، فإن كان فيه أداء زكاة وجاءوا بها قبلت منهم ، وليس لنا طلب الزكاة من المشرك وإن جاء بها قبلناها ، والكافر هنا المشرك ليس الموحد ، فلا زكاة على أهل الذمة بمعنى أنها لا تجزي عنهم إذا أخرجوها مع كونها واجبة عليهم كسائر فروض الشريعة ؛ لعدم الشرط المصحح لها ، وهو الإيمان بجميع ما جاءت به الشريعة لا بها ولا ببعض ما جاء به الشرع ، فلو آمن بالزكاة وحدها أو بشيء من الفرائض أنها فريضة ، أو بشيء من النوافل
ص 562
أنها نافلة ، ولو ترك الإيمان بأمر واحد من فرض أو نفل لم يقبل منه إيمانه إلا أن يؤمن بالجميع ، ومع هذا فليس لنا أن نسأل ذميا زكاته ، فإن أتى بها من نفسه فليس لنا ردها ، لأنه جاء بها إلينا من غير مسألة ، فيأخذها السلطان منه لبيت مال المسلمين ، لا يأخذها زكاة ولا يردها ، فإن ردها فقد عصى أمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم واتفق العلماء على أن الزكاة تجب في ثمانية أشياء محصورة في المولدات من معدن ونبات وحيوان ، فالمعدن الذهب والفضة ، والنبات الحنطة والشعير والتمر ، والحيوان والإبل والبقر والغنم ، هذا هو المتفق عليه وهو الصحيح عندنا ، واعلم أن للزكاة نصابا وحولا أي مقدارا في العين والزمان ، أما من تجب لهم الصدقة فهم الذين ذكرهم اللّه في القرآن :
الفقراء والمساكين والعاملون عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمون والمجاهدون في سبيل اللّه - إشارة واعتبار - لما كان معنى الزكاة التطهير كان لها من الأسماء الإلهية الاسم القدوس وهو الطاهر ، وما في معناه من الأسماء الإلهية ، والزكاة في المال الظاهر معلومة يقابلها في الباطن زكاة النفوس ، فإن النفوس لها صفات تستحقها ، وهي كل صفة يستحقها الممكن ، وقد يوصف الإنسان بصفات لا يستحقها الممكن من حيث ما هو ممكن ، ولكن يستحق تلك الصفات إذا وصف بها ليميزها عن صفاته التي يستحقها ، كما أن الحق سبحانه وصف نفسه بما هو حق للممكن تنزّلا منه سبحانه ورحمة بعباده ؛ فزكاة نفسك إخراج حق اللّه منها فهو تطهيرها بذلك الإخراج من الصفات التي ليست بحق لها ، فتأخذ ما لك منه وتعطي ما له منك ، ولما كان الأصل الذي ظهرت عنه الأشياء من أسمائه القدوس وهو الطاهر لذاته من دنس المحدثات ، فلما ظهرت الأشياء في أعيانها وحصلت فيها دعاوى الملّاك بالملكية ، طرأ عليها من نسبة الملك إلى غير منشئها ، ما أزالها عن الطهارة الأصلية التي كانت لها من إضافتها إلى منشئها ، قبل أن يلحقها هذا الدنس العرضي بملك الغير لها ، وكفى بالحدث حدثا ، فأوجب اللّه على مالك الأصناف الثمانية الزكاة ، وجعل ذلك طهارتها ، فعين اللّه فيها نصيبا يرجع إلى اللّه عن أمر اللّه ، لينسبها إلى مالكها الأصلي ، فتكتسب الطهارة ، فإن الزكاة إنما جعلها اللّه طهارة الأموال ، أما اعتبار وجوب الزكاة ، فالإجماع أجمع كل ما سوى اللّه على أن وجود ما سوى اللّه إنما هو باللّه ، فردوا وجودهم إليه سبحانه لهذا الإجماع ، ولا خلاف في ذلك بين كل ما سوى اللّه ، فهو اعتبار الإجماع في الزكاة الوجود ، فرددنا ما هو للّه إلى اللّه
ص 563
فلا موجود ولا موجد إلا اللّه ، وأما الكتاب ف( كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ )وليس الوجه إلا الوجود ، وهو ظهور الذوات والأعيان ، وأما السّنة ( فلا حول ولا قوة إلا باللّه ) وأما اعتبار من تجب عليه الزكاة ، فالمسلم هو المنقاد إلى ما يراد منه ، وقد ذكرنا أن كل ما سوى اللّه قد انقاد في ردّ وجوده إلى اللّه ، وأنه ما استفاد الوجود إلا من اللّه ، ولا بقاء له في الوجود إلا باللّه ، وأما الحرية فمثل ذلك فإنه من كان بهذه المثابة فهو حرّ ، أي لا ملك عليه في وجوده لأحد من خلق اللّه جل جلاله ، وأما البلوغ فاعتباره إدراكه للتمييز بين ما يستحقه ربّه عزّ وجل وما لا يستحقه ، وإذا عرف مثل هذا فقد بلغ الحدّ الذي يجب عليه فيه ردّ الأمور كلها إلى اللّه تعالى ، وأما العقل فهو أن يعقل عن اللّه ما يريد اللّه منه في خطابه إياه في نفسه بما يلهمه ، أو على لسان رسوله صلّى اللّه عليه وسلم ، ومن قيد وجوده بوجود خالقه فقد عقل نفسه .
وأما اعتبار ما تجب فيه الزكاة ، فالزكاة تجب من الإنسان في ثمانية أعضاء : البصر والسمع واللسان واليد والبطن والفرج والرجل والقلب ، ففي كل عضو وعلى كل عضو من هذه الأعضاء صدقة واجبة ، يطلب اللّه بها العبد في الدار الآخرة ، وأما صدقة التطوع فعلى كل عرق في الإنسان صدقة .
كما قال صلّى اللّه عليه وسلم : [ يصبح على كل سلامي من الإنسان صدقة ] فالزكاة التي في هذه الأعضاء هي حق اللّه تعالى الذي أوجبها على الإنسان في هذه الأعضاء الثمانية ، فتعين على المؤمن أداء حق اللّه تعالى في كل عضو ، فزكاة البصر ما يجب للّه تعالى فيه من الحق ، كالغض عن المحرمات ، والنظر فيما يؤدي النظر إليه من القربة عند اللّه ، كالنظر في المصحف وفي وجه العالم وفي وجه من يسرّ بنظرك إليه من أهل وولد وأمثالهم وكالنظر إلى الكعبة ، وعلى هذا النحو تنظر في جميع الأعضاء المكلفة في الإنسان من تصرفها فيما ينبغي وكفّها عما لا ينبغي ، ومن جهة أخرى تعتبر الأعضاء الثمانية الأصناف التي تجب لهم الزكاة ، فمن زكى نظره بنفسه أعطى الزكاة بصره ، فعاد يبصر بربه بعد ما كان يبصر بنفسه ، وكذلك من زكّى سمعه بنفسه أعطى الزكاة سمعه ، فصار يسمع بربه ، وهو قوله : [ كنت سمعه وبصره . . . الحديث ]
ويتقلب في أموره كلها بربه ، والمعرفة مال العارف ، وزكاة هذا المال التعليم ، ومن وجه آخر اعتبار الأصناف الثمانية ، فالعلم والعمل بمنزلة الذهب والفضة ، ومن الحيوان الروح والنفس والجسم في مقابلة الغنم والبقر والإبل ، ومن النبات
ص 564
الحنطة والشعير والتمر ، وهي في الاعتبار ما تنبته الأرواح والنفوس والجوارح من العلوم والخواطر والأعمال ، وجعلنا الغنم للأرواح فإنها جعلت فداء ولد إبراهيم عليه السلام ، نبي ابن نبي ، وجعلنا الإبل للأجسام لمناسبة الاسم ، فإن الجسم يسمى البدن ، والإبل من أسمائها البدن ، وكون البقر في مقابلة النفوس وهي دون الغنم في الرتبة وفوق الإبل ، كالنفس فوق الجسم ودون العقل الذي هو الروح الإلهي ، والروح الذي هو العقل يظهر عنه مما زرع اللّه فيه من العلوم والحكم والأسرار ما لا يعلمه إلا اللّه ، فهو بمنزلة الزكاة في الحنطة ، لأنها أرفع الحبوب ، وإن النفس يظهر عنها مما زرع اللّه فيها من الخواطر والشبهات ، ما لا يعلمه إلا اللّه تعالى ، فهذا نباتها وهو بمنزلة التمر ، وأما الجوارح فزرع اللّه فيها الأعمال كلها فأنبتت الأعمال ، وحظّ الزكاة منها الأعمال ، والورق العمل والذهب هو العلم ، والزكاة في العمل المفروض منه ، والزكاة في العلم أيضا المفروض منه .
سورة النساء ( 4 ) : الآيات 163 إلى 164
إِنَّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ كَما أَوْحَيْنا إِلى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنا إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ وَعِيسى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهارُونَ وَسُلَيْمانَ وَآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً ( 163 ) وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْناهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلاً لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسى تَكْلِيماً ( 164 )
كلم اللّه تعالى موسى عليه السلام بغير واسطة بكلامه سبحانه بلا ترجمان . ولذلك أكده في التعريف لنا بالمصدر لرفع الإشكال ، وفي ذلك إشارة إلى فضله على غيره بخطاب مخصوص على رفع الحجاب ، لم يسمعه من ذلك المقام غيره ، وكلّم اللّه تعالى موسى عليه السلام من حجاب النار والشجرة وشاطئ الوادي الأيمن وجانب الطور الأيمن وفي البقعة المباركة .
واعلم أن الكلام والقول نعتان للّه ، فبالقول يسمع المعدوم ، وهو قوله تعالى :« إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ »وبالكلام يسمع الموجود ، وهو قوله تعالى :« وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسى تَكْلِيماً: وقد يطلق الكلام على الترجمة في لسان المترجم ، وينسب الكلام إلى المترجم عنه في ذلك . فالقول له أثر في المعدوم وهو الوجود ، والكلام له أثر في الموجود ، وهو
ص 565
العلم ، والكلام الإلهي لا يحكى ولا يوصف بالوصف الذاتي ؛ فإذا وقع التجلي الإلهي في أي صورة كانت ، فلا يخلو أن كانت من الصور المنسوب إليها الكلام في العرف أو لا تكون ، فإن كانت من الصور المنسوب إليها الكلام ، فكلامها من جنس الكلام المنسوب إليها لحكم الصورة على التجلي . وإن كان مما لا ينسب إليه الكلام في العرف ، فلا يخلو إما أن تكون مما ينسب إليها القول بالإيمان مثل قول الجلود والجوارح« قالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ » ،وإما أن لا تكون ممن ينسب إليه قول ولا نطق ، وهو الذي ينسب إليه التسبيح الذي لا يفقه ، والتسبيح لو كان قولا أو كلاما لنفى عنه سمعنا ، وإنما نفى عنه فهمنا وهو العلم ، والعلم قد يكون عن كلام وقول وقد لا يكون . فإذا تجلى في مثل هذه الصور ، فيكون النطق بحسب ما يريده المتجلي مما يناسب تسبيح تلك الصورة لا يتعداه ، فيفهم من كلام ذلك المتجلي تسبيح تلك الصورة ، فيكون الكلام المنسوب إلى اللّه عزّ وجل في مثل هذه الصور بحسب ما هي عليه ، هذا إذا وقع التجلي في المواد النورية والطبيعية ، فإذا وقع التجلي في غير مادة نورية ولا طبيعية وتجلّى في المعاني المجردة ، فيكون ما يقال في مثل هذا أنه كلام من حيث أثره في المتجلى له لا من حيث أنّه تكلم بكذا . واعلم أن كلام اللّه تعالى علمه ، وعلمه ذاته ، ولا يصح أن يكون كلامه ليس هو ، فإنه كان يوصف بأنه محكوم عليه للزائد على ذاته ، وهو لا يحكم عليه عزّ وجل . وكل ذي كلام موصوف بأنه قادر على أن يتكلم متمكن في نفسه من ذلك ، والحق لا يوصف بأنه قادر على أن يتكلم ، فيكون كلامه مخلوقا ، وكلامه قديم في مذهب الأشعري وعين ذاته في مذهب غيره من العقلاء ، فنسبة الكلام إلى اللّه مجهولة لا تعرف كما أن ذاته لا تعرف ، ولا يثبت الكلام للإله إلا شرعا ، ليس في قوة العقل إدراكه من حيث فكره ، ذكر أن موسى عليه السلام كلمه ربه باثني عشر ألف كلمة في كل كلمة يقول له :« يا مُوسى » ، *والكلام ما أثر ولا يدخله انقسام ، فإذا دخله الانقسام ، فهو القول ، وفيه المنّة الإلهية والطول . القرآن كله قال اللّه ، وما فيه تكلم اللّه ، وإن كان قد ورد فيه ذكر الكلام ، ولكن تشريفا لموسى عليه السلام ، ولو جاء بالكلام ما كفر به أحد ، لأنه من الكلم فيؤثر فيمن أنكره وجحد . ألا ترى إلى قوله وكلّم اللّه موسى تكليما ، كيف سلك به نهجا قويما ، فأثر فيه كلامه وظهرت عليه أحكامه ؟ فإذا أثر القول فما هو لذاته بل هو من الامتنان الإلهي والطول
[ لم خصّ موسى بالكلام ]
- إشارة - خصّ موسى بالكلام ليتقرر في نفسه نيل حظّه من
ص 566
ميراث محمد عليه السلام ، ولذلك كان في ألواحه تفصيل كل شيء علم في مقابلة جوامع الكلم .
سورة النساء ( 4 ) : آية 165
رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً ( 165 )
اعلم يا ولي أن اللّه ما بعث الرسل سدى ، ولو استقلت العقول بأمور سعادتها ما احتاجت إلى الرسل ، وكان وجود الرسل عبثا . ولكن لما كان من استندنا إليه لا يشبهنا ولا نشبهه ولو أشبهنا عينا ما كان استنادنا إليه بأولى من استناده إلينا ، فعلمنا قطعا علما لا يدخله شبهة في هذا المقام ، أنه ليس مثلنا ، ولا تجمعنا حقيقة واحدة . فبالضرورة يجهل الإنسان مآله وإلى أين ينتقل وما سبب سعادته إن سعد أو شقاوته إن شقي عند هذا الذي استند إليه ، لأنه يجهل علم اللّه فيه ، لا يعرف ما يريد به ، ولا لما ذا خلقه تعالى ، فافتقر بالضرورة إلى التعريف الإلهي بذلك ، فلو شاء تعالى عرّف كل شخص بأسباب سعادته ، وأبان له عن الطريق التي ينبغي له أن يسلك عليها ، ولكن ما شاء إلا أن يبعث في كل أمة رسولا من جنسها لا من غيرها ، قدمه عليها وأمرها باتباعه والدخول في طاعته ابتلاء منه لها لإقامة الحجة عليها لما سبق في علمه فيها ؛ ثمّ أيده بالبينة والآية على صدقه في رسالته التي جاء بها ليقوم له الحجة عليها . فأول ابتلاء ابتلى اللّه به خلقه بعث الرسل إليهم منهم لا من غيرهم ، فإن الرسل حجبة ، وحجبة الملك حجابه ليرى به بمن تتعلق أبصار الرعية ، هل بالحجبة أو تعديها بطلب رؤية الملك ؟ فالحجبة ابتلاء من اللّه ، والرسل يدعون إلى اللّه لا إلى أنفسهم .
سورة النساء ( 4 ) : آية 166
لكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِما أَنْزَلَ إِلَيْكَ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلائِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفى بِاللَّهِ شَهِيداً ( 166 )
الإنزال عمل أوجده العلم ، فإن اللّه بكل شيء عليم فيعمل بما علم أنه يكون كونه ، وما علم أنه لا يكون لم يكونه فكان عمله بعلمه . والملائكة يشهدون وكفى باللّه شهيدا .
ص 567
سورة النساء ( 4 ) : الآيات 167 إلى 171
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ قَدْ ضَلُّوا ضَلالاً بَعِيداً ( 167 ) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقاً ( 168 ) إِلاَّ طَرِيقَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها أَبَداً وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً ( 169 ) يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِنْ رَبِّكُمْ فَآمِنُوا خَيْراً لَكُمْ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً ( 170 ) يا أَهْلَ الْكِتابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلاَّ الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ انْتَهُوا خَيْراً لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلهٌ واحِدٌ سُبْحانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَكَفى بِاللَّهِ وَكِيلاً ( 171 )
الغلو في الدين سبب ، فيما فات الناس من خير كثير . ومن الغلو في الدين ما توغلوا فيه من تنزيه الحق حتى أكذبوه ؛ فالمتغالي في دينه ونزه الحق تعالى عما يستحقه فهو وإن قصد تعظيما بذلك الفعل في التغالي فقد وقع في الجهل وجاء بالنقص ؛ قال تعالى :« يا أَهْلَ الْكِتابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ » ،وليس الحق إلا ما قاله عن نفسه :« إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ »فمن غلوهم في دينهم وتعظيمهم لرسلهم قالوا : إن عيسى هو اللّه ، وقالت طائفة هو ابن اللّه ، وقال من لم يغل في دينه هو عبد اللّه وكلمته ، والعالم كله كلمات اللّه من حيث النفس الرحماني كما قال تعالى :« وَكَلِمَتُهُ أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ »وليست غير عيسى عليه السلام لم يلق إليها غير ذلك ولا علمت غير ذلك . فلو كانت الكلمة الإلهية قولا من اللّه وكلاما لها مثل كلامه لموسى عليه السلام ، لسرت ولم تقل« يا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هذا وَكُنْتُ نَسْياً مَنْسِيًّا »فلم تكن الكلمة الإلهية التي
ص 568
ألقيت إليها إلا عين عيسى روح اللّه وكلمته وهو عبده ، فنطق عيسى ببراءة أمه في غير الحالة المعتادة ليكون آية ، فكان نطقه كلام اللّه في نفس الرحمن ، فنفّس اللّه عن أمه بذلك ما كان أصابها من كلام أهلها بما نسبوها إليه مما طهرها اللّه منه :« وَرُوحٌ مِنْهُ »وهو النفس الذي كانت به حياته ، وسمّي عيسى عليه السلام بروح اللّه لأن جبريل عليه السلام وهو روح القدس هو الذي وهبه لأمه :« فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ انْتَهُوا خَيْراً لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلهٌ واحِدٌ »الأحدية أشرف صفة الواحد من جميع الصفات وهي سارية في كل موجود ؛ ولولا أنها سارية في كل موجود ما صح أن تعرف أحدية الحق سبحانه ؛ فما طلب الحق من عباده إلا أن يعلموا أنه إله واحد لا شريك له في ألوهته :« سُبْحانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ »كما قال تعالى لم يلد ، وقال سبحانه أن يكون له ولد ؛ فليس الحق بأب لأحد من خلق اللّه ولا أحد من خلقه يكون له ولد سبحانه وتعالى . فكما قال تعالى في عيسى :« وَرُوحٌ مِنْهُ » ،فما شيء من الوجود إلا منه . قال تعالى : « وسخر لكم ما في السماوات والأرض » جميعا منه« لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَكَفى بِاللَّهِ وَكِيلًا » .
سورة النساء ( 4 ) : آية 172
لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْداً لِلَّهِ وَلا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعاً ( 172 )
« لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ »لكونه يحيي الموتى ويخلق ويبرئ« أَنْ يَكُونَ عَبْداً لِلَّهِ » ،ثم عطف فقال :« وَلَا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ »وهم العالون عن العالم العنصري المولد ، فهم أعلى نشأة ، والإنسان أجمع نشأة ؛ فإن فيه الملك وغيره فله فضيلة الجمع ، ولهذا جعله معلم الملائكة وأسجدهم له .
سورة النساء ( 4 ) : الآيات 173 إلى 174
فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنْكَفُوا وَاسْتَكْبَرُوا فَيُعَذِّبُهُمْ عَذاباً أَلِيماً وَلا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً ( 173 ) يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمْ بُرْهانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ نُوراً مُبِيناً ( 174 )
ص 569
البرهان قوي السلطان ، ولما أزال الحق بالقرآن شبه الضلالات وظلمة الشكوك وأوضح به المشكلات سماه نورا ، وكل ما جاء في معرض الدلالة فهو من كونه نورا ، لأن النور هو المنفر الظلم ، والقرآن ضياء لأن الضياء يكشف ، فكل ما أظهره القرآن فهو من أثر ضيائه ، فبالقرآن يكشف جميع ما في الكتب المنزلة من العلوم ، وفيه ما ليس فيها . فمن أوتي القرآن فقد أوتي الضياء الكامل الذي يتضمن كل علم ؛ فعلوم الأنبياء والملائكة وكل لسان علم فإن القرآن يتضمنه ويوضحه لأهل القرآن بما هو ضياء ، فهو نور من حيث ذاته لأنه لا يدرك لعزته ، وهو ضياء لما يدرك به ولما يدرك منه . فمن أعطي القرآن فقد أعطي العلم الكامل .
سورة النساء ( 4 ) : الآيات 175 إلى 176
فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِراطاً مُسْتَقِيماً ( 175 ) يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَها نِصْفُ ما تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُها إِنْ لَمْ يَكُنْ لَها وَلَدٌ فَإِنْ كانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثانِ مِمَّا تَرَكَ وَإِنْ كانُوا إِخْوَةً رِجالاً وَنِساءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ( 176 )
[وحدانية المرأة وفردانية الرجل وقوة المرأة وضعف الرجل ]
- تحقيق - أشار الحق بوحدانية المرأة وفردانية الرجل وقوة المرأة وضعف الرجل بصورة الميراث ، فأعطى الأكثر للأضعف كي يقوى من جهة الضعف ومن جهة النشء ، فإن الوحداني لا يقبل إلا مثله ، فأعطي قسما واحدا ، والفرد إنما هو عين اثنين فهو ناظر لما هو عنه ، فأخذ قسمين ، فمن الوجهين معا للمرأة الثلث وللرجل الثلثان إذا لم يكن سواهما .
ص 570
سورة النساء ( 4 ) : آية 151
أُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً ( 151 )
فرجح جانب الكفر في الحكم على جانب الإيمان ، وإنما رجح حكم الكفر لأحدية المخبر وصدقه عنده فيما أخبر به مطلقا من غير تقييد لاستحالة الكذب عليه ، ولأن الإيمان في نفسه لا يتكثر وإنما كثرته ظهوره في المواطن ، فنفى عنهم الإيمان كله إذ نفوه من مرتبة واحدة ، فهم أولى باسم الكفر الذي هو الستر ، فإن الكافر الأصلي هو الذي استتر عنه الحق ، وهذا عرف الإيمان وستره ، فإنه قال نؤمن ببعض فهو أولى باسم الكفر من الذي لا يعرفه ، لذا قال« أُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ حَقًّا » .
سورة النساء ( 4 ) : الآيات 152 إلى 153
وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ أُولئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً ( 152 ) يَسْئَلُكَ أَهْلُ الْكِتابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتاباً مِنَ السَّماءِ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسى أَكْبَرَ مِنْ ذلِكَ فَقالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ ثُمَّ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ فَعَفَوْنا عَنْ ذلِكَ وَآتَيْنا مُوسى سُلْطاناً مُبِيناً ( 153 )
ص 560
سورة النساء ( 4 ) : الآيات 154 إلى 157
وَرَفَعْنا فَوْقَهُمُ الطُّورَ بِمِيثاقِهِمْ وَقُلْنا لَهُمُ ادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً وَقُلْنا لَهُمْ لا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ وَأَخَذْنا مِنْهُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً ( 154 ) فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ وَكُفْرِهِمْ بِآياتِ اللَّهِ وَقَتْلِهِمُ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْها بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً ( 155 ) وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلى مَرْيَمَ بُهْتاناً عَظِيماً ( 156 ) وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَما قَتَلُوهُ وَما صَلَبُوهُ وَلكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّباعَ الظَّنِّ وَما قَتَلُوهُ يَقِيناً ( 157 )
قالت بنو إسرائيل« إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ »فأكذبهم اللّه فقال« وَما قَتَلُوهُ وَما صَلَبُوهُ وَلكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ » .وقال« وَما قَتَلُوهُ يَقِيناً »يريد ما هو مقتول في نفس الأمر لا عندهم بل شبه لهم ، فهذا يقين مستقل ، ليس له محل يقوم به ، فإنهم متيقنون أنهم قتلوه ، وهذا من باب قيام المعنى بالمعنى ، فإن اليقين معنى ، والقتل معنى ، فالقتل قد تيقن في نفسه أنه ما قام بعيسى عليه السلام ، فالقتل موصوف في هذه الآية باليقين ، وأصدق المعاني ما قام بالمعاني ، وهذه المسألة من محارات العقول .
سورة النساء ( 4 ) : الآيات 158 إلى 159
بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً ( 158 ) وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً ( 159 )
قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم : ينزل فيكم عيسى ابن مريم حكما قسطا وفي رواية مقسطا عدلا ، فيكسر الصليب ، ويقتل الخنزير . وقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم في عيسى عليه السلام إذا نزل « أنه لا يؤمنا إلا منا » أي بسنتنا .
ص 561
سورة النساء ( 4 ) : الآيات 160 إلى 162
فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ طَيِّباتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيراً ( 160 ) وَأَخْذِهِمُ الرِّبَوا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوالَ النَّاسِ بِالْباطِلِ وَأَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ مِنْهُمْ عَذاباً أَلِيماً ( 161 ) لكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أُولئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْراً عَظِيماً ( 162 ).
[ الزكاة ]
« وَالْمُؤْتُونَ الزَّكاةَ »الزكاة واجبة بالكتاب والسنة والإجماع فلا خلاف فيها ، واتفق العلماء على أنها واجبة على كل مسلم حرّ بالغ عاقل مالك للنصاب ملكا تاما ، والزكاة واجبة في المال لا على المكلّف ، وإنما هو مكلف في إخراجها من المال ، فالزكاة أمانة بيد من هو المال بيده لأصناف معينين ، وما هو مال للحر ولا للعبد ، فوجب أداؤه لأصحابه ممن هو عنده وله التصرف فيه حرا كان أو عبدا من المؤمنين ، والأولى أن يكون كل ناظر في المال هو المخاطب بإخراج الزكاة منه ، وعلى ذلك فإن الوصي على المحجور عليه يخرج عنه الزكاة وليس له فيه شيء ، ولهذا قلنا إنه حق في المال ، فإن الصغير لا يجب عليه شيء ، وقد أمر النبي صلّى اللّه عليه وسلم بالتجارة في مال اليتيم حتى لا تأكله الصدقة ، وعلى ذلك فإن الصدقة أي الزكاة واجبة في مال اليتيم يخرجها وليه ، وواجبة في مال المجنون المحجور عليه يخرجها وليه ، وواجبة في مال العبد يخرجها العبد ، أما أهل الذمة فالذي أذهب إليه أنه لا يجوز أخذ الزكاة من كافر وإن كانت واجبة عليه مع جميع الواجبات ، لأنه لا يقبل منه شيء مما كلّف به إلا بعد حصول الإيمان به ، فإن كان من أهل الكتاب ففيه عندنا نظر ، فإن أخذ الجزية منهم قد يكون تقريرا من الشارع لهم على دينهم الذي هم عليه ، فهو مشروع لهم ، فيجب عليهم إقامة دينهم ، فإن كان فيه أداء زكاة وجاءوا بها قبلت منهم ، وليس لنا طلب الزكاة من المشرك وإن جاء بها قبلناها ، والكافر هنا المشرك ليس الموحد ، فلا زكاة على أهل الذمة بمعنى أنها لا تجزي عنهم إذا أخرجوها مع كونها واجبة عليهم كسائر فروض الشريعة ؛ لعدم الشرط المصحح لها ، وهو الإيمان بجميع ما جاءت به الشريعة لا بها ولا ببعض ما جاء به الشرع ، فلو آمن بالزكاة وحدها أو بشيء من الفرائض أنها فريضة ، أو بشيء من النوافل
ص 562
أنها نافلة ، ولو ترك الإيمان بأمر واحد من فرض أو نفل لم يقبل منه إيمانه إلا أن يؤمن بالجميع ، ومع هذا فليس لنا أن نسأل ذميا زكاته ، فإن أتى بها من نفسه فليس لنا ردها ، لأنه جاء بها إلينا من غير مسألة ، فيأخذها السلطان منه لبيت مال المسلمين ، لا يأخذها زكاة ولا يردها ، فإن ردها فقد عصى أمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم واتفق العلماء على أن الزكاة تجب في ثمانية أشياء محصورة في المولدات من معدن ونبات وحيوان ، فالمعدن الذهب والفضة ، والنبات الحنطة والشعير والتمر ، والحيوان والإبل والبقر والغنم ، هذا هو المتفق عليه وهو الصحيح عندنا ، واعلم أن للزكاة نصابا وحولا أي مقدارا في العين والزمان ، أما من تجب لهم الصدقة فهم الذين ذكرهم اللّه في القرآن :
الفقراء والمساكين والعاملون عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمون والمجاهدون في سبيل اللّه - إشارة واعتبار - لما كان معنى الزكاة التطهير كان لها من الأسماء الإلهية الاسم القدوس وهو الطاهر ، وما في معناه من الأسماء الإلهية ، والزكاة في المال الظاهر معلومة يقابلها في الباطن زكاة النفوس ، فإن النفوس لها صفات تستحقها ، وهي كل صفة يستحقها الممكن ، وقد يوصف الإنسان بصفات لا يستحقها الممكن من حيث ما هو ممكن ، ولكن يستحق تلك الصفات إذا وصف بها ليميزها عن صفاته التي يستحقها ، كما أن الحق سبحانه وصف نفسه بما هو حق للممكن تنزّلا منه سبحانه ورحمة بعباده ؛ فزكاة نفسك إخراج حق اللّه منها فهو تطهيرها بذلك الإخراج من الصفات التي ليست بحق لها ، فتأخذ ما لك منه وتعطي ما له منك ، ولما كان الأصل الذي ظهرت عنه الأشياء من أسمائه القدوس وهو الطاهر لذاته من دنس المحدثات ، فلما ظهرت الأشياء في أعيانها وحصلت فيها دعاوى الملّاك بالملكية ، طرأ عليها من نسبة الملك إلى غير منشئها ، ما أزالها عن الطهارة الأصلية التي كانت لها من إضافتها إلى منشئها ، قبل أن يلحقها هذا الدنس العرضي بملك الغير لها ، وكفى بالحدث حدثا ، فأوجب اللّه على مالك الأصناف الثمانية الزكاة ، وجعل ذلك طهارتها ، فعين اللّه فيها نصيبا يرجع إلى اللّه عن أمر اللّه ، لينسبها إلى مالكها الأصلي ، فتكتسب الطهارة ، فإن الزكاة إنما جعلها اللّه طهارة الأموال ، أما اعتبار وجوب الزكاة ، فالإجماع أجمع كل ما سوى اللّه على أن وجود ما سوى اللّه إنما هو باللّه ، فردوا وجودهم إليه سبحانه لهذا الإجماع ، ولا خلاف في ذلك بين كل ما سوى اللّه ، فهو اعتبار الإجماع في الزكاة الوجود ، فرددنا ما هو للّه إلى اللّه
ص 563
فلا موجود ولا موجد إلا اللّه ، وأما الكتاب ف( كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ )وليس الوجه إلا الوجود ، وهو ظهور الذوات والأعيان ، وأما السّنة ( فلا حول ولا قوة إلا باللّه ) وأما اعتبار من تجب عليه الزكاة ، فالمسلم هو المنقاد إلى ما يراد منه ، وقد ذكرنا أن كل ما سوى اللّه قد انقاد في ردّ وجوده إلى اللّه ، وأنه ما استفاد الوجود إلا من اللّه ، ولا بقاء له في الوجود إلا باللّه ، وأما الحرية فمثل ذلك فإنه من كان بهذه المثابة فهو حرّ ، أي لا ملك عليه في وجوده لأحد من خلق اللّه جل جلاله ، وأما البلوغ فاعتباره إدراكه للتمييز بين ما يستحقه ربّه عزّ وجل وما لا يستحقه ، وإذا عرف مثل هذا فقد بلغ الحدّ الذي يجب عليه فيه ردّ الأمور كلها إلى اللّه تعالى ، وأما العقل فهو أن يعقل عن اللّه ما يريد اللّه منه في خطابه إياه في نفسه بما يلهمه ، أو على لسان رسوله صلّى اللّه عليه وسلم ، ومن قيد وجوده بوجود خالقه فقد عقل نفسه .
وأما اعتبار ما تجب فيه الزكاة ، فالزكاة تجب من الإنسان في ثمانية أعضاء : البصر والسمع واللسان واليد والبطن والفرج والرجل والقلب ، ففي كل عضو وعلى كل عضو من هذه الأعضاء صدقة واجبة ، يطلب اللّه بها العبد في الدار الآخرة ، وأما صدقة التطوع فعلى كل عرق في الإنسان صدقة .
كما قال صلّى اللّه عليه وسلم : [ يصبح على كل سلامي من الإنسان صدقة ] فالزكاة التي في هذه الأعضاء هي حق اللّه تعالى الذي أوجبها على الإنسان في هذه الأعضاء الثمانية ، فتعين على المؤمن أداء حق اللّه تعالى في كل عضو ، فزكاة البصر ما يجب للّه تعالى فيه من الحق ، كالغض عن المحرمات ، والنظر فيما يؤدي النظر إليه من القربة عند اللّه ، كالنظر في المصحف وفي وجه العالم وفي وجه من يسرّ بنظرك إليه من أهل وولد وأمثالهم وكالنظر إلى الكعبة ، وعلى هذا النحو تنظر في جميع الأعضاء المكلفة في الإنسان من تصرفها فيما ينبغي وكفّها عما لا ينبغي ، ومن جهة أخرى تعتبر الأعضاء الثمانية الأصناف التي تجب لهم الزكاة ، فمن زكى نظره بنفسه أعطى الزكاة بصره ، فعاد يبصر بربه بعد ما كان يبصر بنفسه ، وكذلك من زكّى سمعه بنفسه أعطى الزكاة سمعه ، فصار يسمع بربه ، وهو قوله : [ كنت سمعه وبصره . . . الحديث ]
ويتقلب في أموره كلها بربه ، والمعرفة مال العارف ، وزكاة هذا المال التعليم ، ومن وجه آخر اعتبار الأصناف الثمانية ، فالعلم والعمل بمنزلة الذهب والفضة ، ومن الحيوان الروح والنفس والجسم في مقابلة الغنم والبقر والإبل ، ومن النبات
ص 564
الحنطة والشعير والتمر ، وهي في الاعتبار ما تنبته الأرواح والنفوس والجوارح من العلوم والخواطر والأعمال ، وجعلنا الغنم للأرواح فإنها جعلت فداء ولد إبراهيم عليه السلام ، نبي ابن نبي ، وجعلنا الإبل للأجسام لمناسبة الاسم ، فإن الجسم يسمى البدن ، والإبل من أسمائها البدن ، وكون البقر في مقابلة النفوس وهي دون الغنم في الرتبة وفوق الإبل ، كالنفس فوق الجسم ودون العقل الذي هو الروح الإلهي ، والروح الذي هو العقل يظهر عنه مما زرع اللّه فيه من العلوم والحكم والأسرار ما لا يعلمه إلا اللّه ، فهو بمنزلة الزكاة في الحنطة ، لأنها أرفع الحبوب ، وإن النفس يظهر عنها مما زرع اللّه فيها من الخواطر والشبهات ، ما لا يعلمه إلا اللّه تعالى ، فهذا نباتها وهو بمنزلة التمر ، وأما الجوارح فزرع اللّه فيها الأعمال كلها فأنبتت الأعمال ، وحظّ الزكاة منها الأعمال ، والورق العمل والذهب هو العلم ، والزكاة في العمل المفروض منه ، والزكاة في العلم أيضا المفروض منه .
سورة النساء ( 4 ) : الآيات 163 إلى 164
إِنَّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ كَما أَوْحَيْنا إِلى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنا إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ وَعِيسى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهارُونَ وَسُلَيْمانَ وَآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً ( 163 ) وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْناهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلاً لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسى تَكْلِيماً ( 164 )
كلم اللّه تعالى موسى عليه السلام بغير واسطة بكلامه سبحانه بلا ترجمان . ولذلك أكده في التعريف لنا بالمصدر لرفع الإشكال ، وفي ذلك إشارة إلى فضله على غيره بخطاب مخصوص على رفع الحجاب ، لم يسمعه من ذلك المقام غيره ، وكلّم اللّه تعالى موسى عليه السلام من حجاب النار والشجرة وشاطئ الوادي الأيمن وجانب الطور الأيمن وفي البقعة المباركة .
واعلم أن الكلام والقول نعتان للّه ، فبالقول يسمع المعدوم ، وهو قوله تعالى :« إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ »وبالكلام يسمع الموجود ، وهو قوله تعالى :« وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسى تَكْلِيماً: وقد يطلق الكلام على الترجمة في لسان المترجم ، وينسب الكلام إلى المترجم عنه في ذلك . فالقول له أثر في المعدوم وهو الوجود ، والكلام له أثر في الموجود ، وهو
ص 565
العلم ، والكلام الإلهي لا يحكى ولا يوصف بالوصف الذاتي ؛ فإذا وقع التجلي الإلهي في أي صورة كانت ، فلا يخلو أن كانت من الصور المنسوب إليها الكلام في العرف أو لا تكون ، فإن كانت من الصور المنسوب إليها الكلام ، فكلامها من جنس الكلام المنسوب إليها لحكم الصورة على التجلي . وإن كان مما لا ينسب إليه الكلام في العرف ، فلا يخلو إما أن تكون مما ينسب إليها القول بالإيمان مثل قول الجلود والجوارح« قالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ » ،وإما أن لا تكون ممن ينسب إليه قول ولا نطق ، وهو الذي ينسب إليه التسبيح الذي لا يفقه ، والتسبيح لو كان قولا أو كلاما لنفى عنه سمعنا ، وإنما نفى عنه فهمنا وهو العلم ، والعلم قد يكون عن كلام وقول وقد لا يكون . فإذا تجلى في مثل هذه الصور ، فيكون النطق بحسب ما يريده المتجلي مما يناسب تسبيح تلك الصورة لا يتعداه ، فيفهم من كلام ذلك المتجلي تسبيح تلك الصورة ، فيكون الكلام المنسوب إلى اللّه عزّ وجل في مثل هذه الصور بحسب ما هي عليه ، هذا إذا وقع التجلي في المواد النورية والطبيعية ، فإذا وقع التجلي في غير مادة نورية ولا طبيعية وتجلّى في المعاني المجردة ، فيكون ما يقال في مثل هذا أنه كلام من حيث أثره في المتجلى له لا من حيث أنّه تكلم بكذا . واعلم أن كلام اللّه تعالى علمه ، وعلمه ذاته ، ولا يصح أن يكون كلامه ليس هو ، فإنه كان يوصف بأنه محكوم عليه للزائد على ذاته ، وهو لا يحكم عليه عزّ وجل . وكل ذي كلام موصوف بأنه قادر على أن يتكلم متمكن في نفسه من ذلك ، والحق لا يوصف بأنه قادر على أن يتكلم ، فيكون كلامه مخلوقا ، وكلامه قديم في مذهب الأشعري وعين ذاته في مذهب غيره من العقلاء ، فنسبة الكلام إلى اللّه مجهولة لا تعرف كما أن ذاته لا تعرف ، ولا يثبت الكلام للإله إلا شرعا ، ليس في قوة العقل إدراكه من حيث فكره ، ذكر أن موسى عليه السلام كلمه ربه باثني عشر ألف كلمة في كل كلمة يقول له :« يا مُوسى » ، *والكلام ما أثر ولا يدخله انقسام ، فإذا دخله الانقسام ، فهو القول ، وفيه المنّة الإلهية والطول . القرآن كله قال اللّه ، وما فيه تكلم اللّه ، وإن كان قد ورد فيه ذكر الكلام ، ولكن تشريفا لموسى عليه السلام ، ولو جاء بالكلام ما كفر به أحد ، لأنه من الكلم فيؤثر فيمن أنكره وجحد . ألا ترى إلى قوله وكلّم اللّه موسى تكليما ، كيف سلك به نهجا قويما ، فأثر فيه كلامه وظهرت عليه أحكامه ؟ فإذا أثر القول فما هو لذاته بل هو من الامتنان الإلهي والطول
[ لم خصّ موسى بالكلام ]
- إشارة - خصّ موسى بالكلام ليتقرر في نفسه نيل حظّه من
ص 566
ميراث محمد عليه السلام ، ولذلك كان في ألواحه تفصيل كل شيء علم في مقابلة جوامع الكلم .
سورة النساء ( 4 ) : آية 165
رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً ( 165 )
اعلم يا ولي أن اللّه ما بعث الرسل سدى ، ولو استقلت العقول بأمور سعادتها ما احتاجت إلى الرسل ، وكان وجود الرسل عبثا . ولكن لما كان من استندنا إليه لا يشبهنا ولا نشبهه ولو أشبهنا عينا ما كان استنادنا إليه بأولى من استناده إلينا ، فعلمنا قطعا علما لا يدخله شبهة في هذا المقام ، أنه ليس مثلنا ، ولا تجمعنا حقيقة واحدة . فبالضرورة يجهل الإنسان مآله وإلى أين ينتقل وما سبب سعادته إن سعد أو شقاوته إن شقي عند هذا الذي استند إليه ، لأنه يجهل علم اللّه فيه ، لا يعرف ما يريد به ، ولا لما ذا خلقه تعالى ، فافتقر بالضرورة إلى التعريف الإلهي بذلك ، فلو شاء تعالى عرّف كل شخص بأسباب سعادته ، وأبان له عن الطريق التي ينبغي له أن يسلك عليها ، ولكن ما شاء إلا أن يبعث في كل أمة رسولا من جنسها لا من غيرها ، قدمه عليها وأمرها باتباعه والدخول في طاعته ابتلاء منه لها لإقامة الحجة عليها لما سبق في علمه فيها ؛ ثمّ أيده بالبينة والآية على صدقه في رسالته التي جاء بها ليقوم له الحجة عليها . فأول ابتلاء ابتلى اللّه به خلقه بعث الرسل إليهم منهم لا من غيرهم ، فإن الرسل حجبة ، وحجبة الملك حجابه ليرى به بمن تتعلق أبصار الرعية ، هل بالحجبة أو تعديها بطلب رؤية الملك ؟ فالحجبة ابتلاء من اللّه ، والرسل يدعون إلى اللّه لا إلى أنفسهم .
سورة النساء ( 4 ) : آية 166
لكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِما أَنْزَلَ إِلَيْكَ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلائِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفى بِاللَّهِ شَهِيداً ( 166 )
الإنزال عمل أوجده العلم ، فإن اللّه بكل شيء عليم فيعمل بما علم أنه يكون كونه ، وما علم أنه لا يكون لم يكونه فكان عمله بعلمه . والملائكة يشهدون وكفى باللّه شهيدا .
ص 567
سورة النساء ( 4 ) : الآيات 167 إلى 171
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ قَدْ ضَلُّوا ضَلالاً بَعِيداً ( 167 ) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقاً ( 168 ) إِلاَّ طَرِيقَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها أَبَداً وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً ( 169 ) يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِنْ رَبِّكُمْ فَآمِنُوا خَيْراً لَكُمْ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً ( 170 ) يا أَهْلَ الْكِتابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلاَّ الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ انْتَهُوا خَيْراً لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلهٌ واحِدٌ سُبْحانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَكَفى بِاللَّهِ وَكِيلاً ( 171 )
الغلو في الدين سبب ، فيما فات الناس من خير كثير . ومن الغلو في الدين ما توغلوا فيه من تنزيه الحق حتى أكذبوه ؛ فالمتغالي في دينه ونزه الحق تعالى عما يستحقه فهو وإن قصد تعظيما بذلك الفعل في التغالي فقد وقع في الجهل وجاء بالنقص ؛ قال تعالى :« يا أَهْلَ الْكِتابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ » ،وليس الحق إلا ما قاله عن نفسه :« إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ »فمن غلوهم في دينهم وتعظيمهم لرسلهم قالوا : إن عيسى هو اللّه ، وقالت طائفة هو ابن اللّه ، وقال من لم يغل في دينه هو عبد اللّه وكلمته ، والعالم كله كلمات اللّه من حيث النفس الرحماني كما قال تعالى :« وَكَلِمَتُهُ أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ »وليست غير عيسى عليه السلام لم يلق إليها غير ذلك ولا علمت غير ذلك . فلو كانت الكلمة الإلهية قولا من اللّه وكلاما لها مثل كلامه لموسى عليه السلام ، لسرت ولم تقل« يا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هذا وَكُنْتُ نَسْياً مَنْسِيًّا »فلم تكن الكلمة الإلهية التي
ص 568
ألقيت إليها إلا عين عيسى روح اللّه وكلمته وهو عبده ، فنطق عيسى ببراءة أمه في غير الحالة المعتادة ليكون آية ، فكان نطقه كلام اللّه في نفس الرحمن ، فنفّس اللّه عن أمه بذلك ما كان أصابها من كلام أهلها بما نسبوها إليه مما طهرها اللّه منه :« وَرُوحٌ مِنْهُ »وهو النفس الذي كانت به حياته ، وسمّي عيسى عليه السلام بروح اللّه لأن جبريل عليه السلام وهو روح القدس هو الذي وهبه لأمه :« فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ انْتَهُوا خَيْراً لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلهٌ واحِدٌ »الأحدية أشرف صفة الواحد من جميع الصفات وهي سارية في كل موجود ؛ ولولا أنها سارية في كل موجود ما صح أن تعرف أحدية الحق سبحانه ؛ فما طلب الحق من عباده إلا أن يعلموا أنه إله واحد لا شريك له في ألوهته :« سُبْحانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ »كما قال تعالى لم يلد ، وقال سبحانه أن يكون له ولد ؛ فليس الحق بأب لأحد من خلق اللّه ولا أحد من خلقه يكون له ولد سبحانه وتعالى . فكما قال تعالى في عيسى :« وَرُوحٌ مِنْهُ » ،فما شيء من الوجود إلا منه . قال تعالى : « وسخر لكم ما في السماوات والأرض » جميعا منه« لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَكَفى بِاللَّهِ وَكِيلًا » .
سورة النساء ( 4 ) : آية 172
لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْداً لِلَّهِ وَلا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعاً ( 172 )
« لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ »لكونه يحيي الموتى ويخلق ويبرئ« أَنْ يَكُونَ عَبْداً لِلَّهِ » ،ثم عطف فقال :« وَلَا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ »وهم العالون عن العالم العنصري المولد ، فهم أعلى نشأة ، والإنسان أجمع نشأة ؛ فإن فيه الملك وغيره فله فضيلة الجمع ، ولهذا جعله معلم الملائكة وأسجدهم له .
سورة النساء ( 4 ) : الآيات 173 إلى 174
فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنْكَفُوا وَاسْتَكْبَرُوا فَيُعَذِّبُهُمْ عَذاباً أَلِيماً وَلا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً ( 173 ) يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمْ بُرْهانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ نُوراً مُبِيناً ( 174 )
ص 569
البرهان قوي السلطان ، ولما أزال الحق بالقرآن شبه الضلالات وظلمة الشكوك وأوضح به المشكلات سماه نورا ، وكل ما جاء في معرض الدلالة فهو من كونه نورا ، لأن النور هو المنفر الظلم ، والقرآن ضياء لأن الضياء يكشف ، فكل ما أظهره القرآن فهو من أثر ضيائه ، فبالقرآن يكشف جميع ما في الكتب المنزلة من العلوم ، وفيه ما ليس فيها . فمن أوتي القرآن فقد أوتي الضياء الكامل الذي يتضمن كل علم ؛ فعلوم الأنبياء والملائكة وكل لسان علم فإن القرآن يتضمنه ويوضحه لأهل القرآن بما هو ضياء ، فهو نور من حيث ذاته لأنه لا يدرك لعزته ، وهو ضياء لما يدرك به ولما يدرك منه . فمن أعطي القرآن فقد أعطي العلم الكامل .
سورة النساء ( 4 ) : الآيات 175 إلى 176
فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِراطاً مُسْتَقِيماً ( 175 ) يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَها نِصْفُ ما تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُها إِنْ لَمْ يَكُنْ لَها وَلَدٌ فَإِنْ كانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثانِ مِمَّا تَرَكَ وَإِنْ كانُوا إِخْوَةً رِجالاً وَنِساءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ( 176 )
[وحدانية المرأة وفردانية الرجل وقوة المرأة وضعف الرجل ]
- تحقيق - أشار الحق بوحدانية المرأة وفردانية الرجل وقوة المرأة وضعف الرجل بصورة الميراث ، فأعطى الأكثر للأضعف كي يقوى من جهة الضعف ومن جهة النشء ، فإن الوحداني لا يقبل إلا مثله ، فأعطي قسما واحدا ، والفرد إنما هو عين اثنين فهو ناظر لما هو عنه ، فأخذ قسمين ، فمن الوجهين معا للمرأة الثلث وللرجل الثلثان إذا لم يكن سواهما .
ص 570
25/11/2024, 17:11 من طرف Admin
» كتاب التواضع والخمول تصنيف ابن أبي الدنيا
25/11/2024, 17:02 من طرف Admin
» كتاب: في رياض السيرة النبوية العهد المكي – د.أحمد عمر هاشم ـ ج1
25/11/2024, 16:27 من طرف Admin
» كتاب في رياض السيرة النبوية (العهد المدني) لأحمد عمر هاشم ـ ج2
25/11/2024, 15:41 من طرف Admin
» كتاب: القصص في الحديث النبوي ـ لمحمد الزير موقع مكتبة
25/11/2024, 15:03 من طرف Admin
» كتاب: الكلام على قوله تعالى {إنما يخشى الله من عباده العلماء} ـ ابن رجب الحنبلي
25/11/2024, 14:58 من طرف Admin
» كتاب: نهاية العالم في الكتاب المقدس - دراسة مقارنة مع القرآن الكريم ـ نور فائزة بنت عثمان
20/11/2024, 22:49 من طرف Admin
» كتاب مواعظ الإمام زين العابدين ـ صالح أحمد الشامي
18/11/2024, 23:30 من طرف Admin
» كتاب إتحاف النفوس بنفحات القدوس ـ عبد القدوس بن أسامة السامرائي
18/11/2024, 23:25 من طرف Admin
» كتاب الإعلام بفضل الصلاة على النبي والسلام ـ محمد بن عبد الرحمن بن علي النميري
18/11/2024, 23:20 من طرف Admin
» كتاب الغيب ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:08 من طرف Admin
» كتاب الشيطان والإنسان ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:03 من طرف Admin
» كتاب الشعراوي هنا رأيت سيدنا إبراهيم ـ سعيد أبو العنين
18/11/2024, 23:01 من طرف Admin
» كتاب الخير والشر ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:57 من طرف Admin
» كتاب التربية في مدرسة النبوة ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:55 من طرف Admin