..الإحسان حياة.

مرحبا بك أيّها الزّائر الكريم.

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

..الإحسان حياة.

مرحبا بك أيّها الزّائر الكريم.

..الإحسان حياة.

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
..الإحسان حياة.

..الإحسان معاملة ربّانيّة بأخلاق محمّديّة، عنوانها:النّور والرّحمة والهدى

المواضيع الأخيرة

» كتاب: نهاية العالم في الكتاب المقدس - دراسة مقارنة مع القرآن الكريم ـ نور فائزة بنت عثمان
من كتاب تفسير القرآن الكريم رحمة من الرحمن في تفسير وإشارات القرآن ـ ج1ـ لابن عربي ـ تفسيرآلآيات من "79 - 103"النساء Empty20/11/2024, 22:49 من طرف Admin

» كتاب مواعظ الإمام زين العابدين ـ صالح أحمد الشامي
من كتاب تفسير القرآن الكريم رحمة من الرحمن في تفسير وإشارات القرآن ـ ج1ـ لابن عربي ـ تفسيرآلآيات من "79 - 103"النساء Empty18/11/2024, 23:30 من طرف Admin

» كتاب إتحاف النفوس بنفحات القدوس ـ عبد القدوس بن أسامة السامرائي
من كتاب تفسير القرآن الكريم رحمة من الرحمن في تفسير وإشارات القرآن ـ ج1ـ لابن عربي ـ تفسيرآلآيات من "79 - 103"النساء Empty18/11/2024, 23:25 من طرف Admin

» كتاب الإعلام بفضل الصلاة على النبي والسلام ـ محمد بن عبد الرحمن بن علي النميري
من كتاب تفسير القرآن الكريم رحمة من الرحمن في تفسير وإشارات القرآن ـ ج1ـ لابن عربي ـ تفسيرآلآيات من "79 - 103"النساء Empty18/11/2024, 23:20 من طرف Admin

» كتاب الغيب ـ محمد متولي الشعراوي
من كتاب تفسير القرآن الكريم رحمة من الرحمن في تفسير وإشارات القرآن ـ ج1ـ لابن عربي ـ تفسيرآلآيات من "79 - 103"النساء Empty18/11/2024, 23:08 من طرف Admin

» كتاب الشيطان والإنسان ـ محمد متولي الشعراوي
من كتاب تفسير القرآن الكريم رحمة من الرحمن في تفسير وإشارات القرآن ـ ج1ـ لابن عربي ـ تفسيرآلآيات من "79 - 103"النساء Empty18/11/2024, 23:03 من طرف Admin

» كتاب الشعراوي هنا رأيت سيدنا إبراهيم ـ سعيد أبو العنين
من كتاب تفسير القرآن الكريم رحمة من الرحمن في تفسير وإشارات القرآن ـ ج1ـ لابن عربي ـ تفسيرآلآيات من "79 - 103"النساء Empty18/11/2024, 23:01 من طرف Admin

» كتاب الخير والشر ـ محمد متولي الشعراوي
من كتاب تفسير القرآن الكريم رحمة من الرحمن في تفسير وإشارات القرآن ـ ج1ـ لابن عربي ـ تفسيرآلآيات من "79 - 103"النساء Empty18/11/2024, 22:57 من طرف Admin

» كتاب التربية في مدرسة النبوة ـ محمد متولي الشعراوي
من كتاب تفسير القرآن الكريم رحمة من الرحمن في تفسير وإشارات القرآن ـ ج1ـ لابن عربي ـ تفسيرآلآيات من "79 - 103"النساء Empty18/11/2024, 22:55 من طرف Admin

» كتاب: إرشاد العباد إلى سبل الرشاد ـ للملبباري
من كتاب تفسير القرآن الكريم رحمة من الرحمن في تفسير وإشارات القرآن ـ ج1ـ لابن عربي ـ تفسيرآلآيات من "79 - 103"النساء Empty18/11/2024, 22:41 من طرف Admin

» ـ كتاب آداب الحسن البصري ـ أبن الجوزي
من كتاب تفسير القرآن الكريم رحمة من الرحمن في تفسير وإشارات القرآن ـ ج1ـ لابن عربي ـ تفسيرآلآيات من "79 - 103"النساء Empty18/11/2024, 22:34 من طرف Admin

» كتاب الله والنفس البشرية ـ لمحمد متولي الشعراوي
من كتاب تفسير القرآن الكريم رحمة من الرحمن في تفسير وإشارات القرآن ـ ج1ـ لابن عربي ـ تفسيرآلآيات من "79 - 103"النساء Empty18/11/2024, 22:23 من طرف Admin

» كتاب: معرفة النفس طر يق لمعرفة الرب ـ أستاذ البصيرة عبدالوهاب حسن
من كتاب تفسير القرآن الكريم رحمة من الرحمن في تفسير وإشارات القرآن ـ ج1ـ لابن عربي ـ تفسيرآلآيات من "79 - 103"النساء Empty18/11/2024, 22:21 من طرف Admin

» كتاب الطريق الي الله ـ الشيخ علي جمعة
من كتاب تفسير القرآن الكريم رحمة من الرحمن في تفسير وإشارات القرآن ـ ج1ـ لابن عربي ـ تفسيرآلآيات من "79 - 103"النساء Empty18/11/2024, 21:50 من طرف Admin

» كتاب: كتاب النفس والجسد والروح ـ ابراهيم البلتاجي
من كتاب تفسير القرآن الكريم رحمة من الرحمن في تفسير وإشارات القرآن ـ ج1ـ لابن عربي ـ تفسيرآلآيات من "79 - 103"النساء Empty18/11/2024, 21:38 من طرف Admin

أفضل 10 أعضاء في هذا الشهر

دخول

لقد نسيت كلمة السر


    من كتاب تفسير القرآن الكريم رحمة من الرحمن في تفسير وإشارات القرآن ـ ج1ـ لابن عربي ـ تفسيرآلآيات من "79 - 103"النساء

    avatar
    Admin
    Admin


    المساهمات : 68539
    تاريخ التسجيل : 25/04/2018

    من كتاب تفسير القرآن الكريم رحمة من الرحمن في تفسير وإشارات القرآن ـ ج1ـ لابن عربي ـ تفسيرآلآيات من "79 - 103"النساء Empty من كتاب تفسير القرآن الكريم رحمة من الرحمن في تفسير وإشارات القرآن ـ ج1ـ لابن عربي ـ تفسيرآلآيات من "79 - 103"النساء

    مُساهمة من طرف Admin 19/4/2020, 22:17

    كتاب تفسير القرآن الكريم رحمة من الرحمن في تفسير وإشارات القرآن ج 1 من كلام الشيخ الأكبر محيي الدين ابن العربي جمع وتأليف محمود محمود الغراب
    سورة النساء ( 4 ) : آية 79
    ما أَصابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَما أَصابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ وَأَرْسَلْناكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً وَكَفى بِاللَّهِ شَهِيداً ( 79 )

    ص 526

    سورة النساء ( 4 ) : آية 79
    ما أَصابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَما أَصابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ وَأَرْسَلْناكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً وَكَفى بِاللَّهِ شَهِيداً ( 79 )


    فرفعت الاحتمال أو نصصت على الأمر بما هو عليه ، فأضاف السوء إليك والحسن إليه ، وقوله صدق وإخباره حق . وما أصابك من سيئة فمن نفسك ، لا من محمد صلّى اللّه عليه وسلم ، فما أعطيتك إلا على قدر قبولك . والسيئة في هذه الآية ظاهر الاسم وما هي السيئة شرعا فتكون فجورا ، وإنما هو ما يسوءه ولا يوافق غرضه ، وهو في الظاهر قولهم( إِنَّا تَطَيَّرْنا بِكُمْ )فأمره سبحانه أن يقول« كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ »فيعلم العالم باللّه أنه أراد الحكم والإعلام بذلك أنه من عند اللّه لا عين السوء . ولما علم ذلك رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم قال : [ الخير كله بيديك والشر ليس إليك ] - مسئلة نسبة الأفعال - إن للّه بلا شك رائحة اشتراك في الفعل بالخبر الإلهي ، فأضاف العمل وقتا إلينا ووقتا إليه ، فلهذا قلنا فيه رائحة اشتراك .
    [ نسبه الافعال ]
    قال تعالى : ( لَها ما كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ )فأضاف الكل إلينا ، وقال( كُلًّا نُمِدُّ هؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ مِنْ عَطاءِ رَبِّكَ )فقد يكون عطاؤه الإلهام ، وقد يكون خلق العمل . وقال تعالى : ( قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ )فأضاف الكل إليه ، وهذه مسئلة لا يتخلص فيها توحيد أصلا ، لا من جهة الكشف ولا من جهة الخبر ، فالأمر الصحيح في ذلك أنه مربوط بين حق وخلق ، غير مخلص لأحد الجانبين ، فإنه أعلى ما يكون من النسب الإلهية أن يكون الحق تعالى هو عين الوجود الذي استفادته الممكنات . فما ثمّ إلا وجود عين الحق لا غيره ، والتغييرات الظاهرة في هذه العين أحكام أعيان الممكنات ، فلولا العين ما ظهر الحكم ، ولولا الممكن ما ظهر التغيير ، فلا بد في الأفعال من حق وخلق . وفي مذهب بعض العامة أن العبد محل ظهور أفعال اللّه وموضع جريانها ، فلا يشهدها الحسّ إلا من الأكوان ، ولا تشهدها بصيرتهم إلا من اللّه من وراء حجاب هذا الذي ظهرت على يديه المريد لها المختار فيها ، فهو لها مكتسب باختياره ، وهذا مذهب الأشاعرة . ومذهب بعض العامة أيضا أن الفعل للعبد حقيقة ، ومع هذا فربط الفعل عندهم بين الحق والخلق لا يزول ، فإن هؤلاء يقولون : إن القدرة الحادثة في العبد التي يكون بها هذا الفعل من الفاعل أن اللّه خلق له القدرة عليها ، فما يخلص الفعل للعبد إلا بما خلق اللّه فيه من القدرة عليه ، فما زال الاشتراك ، وهذا مذهب أهل الاعتزال ، فهؤلاء ثلاثة أصناف : أصحابنا والأشاعرة والمعتزلة ما زال منهم وقوع

    ص 527

    الاشتراك ، وما ثمّ عقل يدل على خلاف هذا ولا خبر إلهي في شريعة تخلص الفعل من جميع الجهات إلى أحد الجانبين ، فلنقره كما أقره اللّه على علم اللّه فيه ، وما ثمّ إلا كشف وشرع وعقل ، وهذه الثلاثة ما خلصت شيئا ولا يخلص أبدا دنيا ولا آخرة . فالأمر في نفسه واللّه أعلم ما هو إلا كما وقع ، ما يقع فيه تخليص ، لأنه في نفسه غير مخلص ، إذ لو كان في نفسه مخلصا ، لا بد أن كان يظهر عليه بعض هذه الطوائف ؛ ولا يتمكن لنا أن نقول : الكل على خطأ ، فإن في الكل الشرائع الإلهية ، ونسبة الخطأ إليها محال ، وما يخبر بالأشياء على ما هي عليه إلا اللّه ، وقد أخبر ، فما هو الأمر إلا كما أخبر ، لأن مرجوع الكل إليه ، فما خلص فهو مخلص ، وما لم يخلص فما هو في نفسه مخلص ، فاتفق الحق والعالم جميعه في هذه المسألة على الاشتراك ، وهو موضع الحيرة فلا يرجح . ولما كان المتكلمون في هذا الشأن على قسمين : الواحد أضاف الأفعال كلها إلى الأكوان ، فقال لسان الغيرة الإلهية( كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَما لِهؤُلاءِ الْقَوْمِ لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً )أي حادثا ، وأما القسم الثاني فأضاف الأفعال الحسنة كلها إلى اللّه وأضاف الأفعال القبيحة إلى الأكوان ، فقال لسان الجود الإلهي( قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ )لا تكذيبا لهم بل ثناء جميلا ، وما ثمّ من قال إن الأفعال كلها للّه ولا إلى الأكوان من غير رائحة اشتراك ، فمن السعادة أن يستعمل الإنسان الحضور مع اللّه في جميع حركاته وسكناته ، وأن تكون مشاهدة نسبة الأفعال إلى اللّه تعالى من حيث الإيجاد والارتباط المحمود منها ، وأما الارتباط المذموم منها فإن نسبه إلى اللّه ، فقد أساء الأدب ، وجهل علم التكليف وبمن تعلق ، ومن المكلف الذي قيل له افعل ، إذ لو لم يكن للمكلّف نسبة إلى الفعل بوجه ما ، لما قيل له افعل ، وليس متعلقها الإرادة كالقائلين بالكسب ، وإنما هو سبب اقتداري لطيف مدرج في الاقتدار الإلهي ، الذي يعطيه الدليل ، كاندراج نور الكواكب في نور الشمس ، فتعلم بالدليل أن للكواكب نورا منبسطا على الأرض ، لكن ما ندركه حسا لسلطان نور الشمس ، كما يعطي الحس في أفعال العباد أن الفعل لهم حسا وشرعا ، وأن الاقتدار الإلهي مندرج فيه ، يدركه العقل ولا يدركه الحس ، كاندراج نور الشمس في نور الكواكب ، فإن نور الكواكب هو عين نور الشمس ، والكواكب لها مجلى ، فالنور كله للشمس ، والحسّ يجعل النور للكواكب ، فيقول اندرج نور الكواكب في نور الشمس ، وعلى الحقيقة ما ثم إلا نور الشمس ، فاندرج نوره في نفسه إذ لم يكن ثمّ نور


    ص 528

    غيره ، والمرائي وإن كان لها أثر فليس ذلك من نورها ، وإنما النور يكون له أثر من كونه بلا واسطة في الكون ، ويكون له أثر آخر في مرآة تجليه ، بحكم يخالف حكمه من غير تلك الواسطة . فنور الشمس إذا تجلى في البدر يعطي من الحكم ما لا يعطيه من الحكم بغير البدر ، لا شك في ذلك . كذلك الاقتدار الإلهي إذا تجلى في العبيد فظهرت الأفعال عن الخلق ، فهو وإن كان بالاقتدار الإلهي ، ولكن يختلف الحكم ، لأنه بواسطة هذا المجلى الذي كان مثل المرآة لتجليه . وكما ينسب النور الشمسي إلى البدر في الحس ، والفعل لنور البدر وهو للشمس ، فكذلك ينسب الفعل للخلق في الحسّ ، والفعل إنما هو للّه في نفس الأمر ، ولاختلاف الأثر تغير الحكم النوري في الأشياء ، فكان ما يعطيه النور بواسطة البدر خلاف ما يعطيه بنفسه بلا واسطة . كذلك يختلف الحكم في أفعال العباد ، ومن هنا يعرف التكليف على من توجه وبمن تعلق . وكما تعلم عقلا أن القمر في نفسه ليس فيه من نور الشمس شيء وأنّ الشمس ما انتقلت إليه بذاتها ، وإنما كان لها مجلى ، وأن الصفة لا تفارق موصوفها والاسم مسماه ، كذلك العبد ليس فيه من خالقه شيء ولا حل فيه ، وإنما هو مجلى له خاصة ومظهر له ، وكما ينسب نور الشمس إلى البدر ، كذلك ينسب الاقتدار إلى الخلق حسا ، والحال الحال . وإذا كان الأمر بين الشمس والبدر بهذه المثابة من الخفاء ، وأنه لا يعلم ذلك كل أحد ، فما ظنك بالأمر الإلهي في هذه المسألة مع الخلق ، أخفى وأخفى . وأما المشرك فإنه جاهل على الإطلاق ، فإن الشركة لا تصح بوجه من الوجوه ، فإن إيجاد الفعل لا يكون بالشركة ، ولهذا لم تلتحق المعتزلة بالمشركين ، فإنهم وحدوا أفعال العباد للعباد ، فما جعلوهم شركاء ، وإنما أضافوا الفعل إليهم عقلا وصدقهم الشرع في ذلك . والأشاعرة وحدوا فعل الممكنات كلها من غير تقسيم للّه عقلا ، وساعدهم الشرع على ذلك ، لكن ببعض محتملات وجوه ذلك الخطاب ، فكانت حجج المعتزلة فيه أقوى في الظاهر ، وما ذهبت إليه الأشاعرة في ذلك أقوى عند أهل الكشف ، أهل اللّه ، وكلا الطائفتين صاحب توحيد ، والمشرك إنما جهّلناه لكون الموجود لا يتصف إلا بإيجاد واحد ، والقدرة ليس لها في الأعيان إلا الإيجاد ، فلا يكون الموجود موجودا بوجودين ، فلا يصح أن يكون الوجود عن تعلق قدرتين ؛ فإن كل واحد منهما تعطي الوجود للموجود ، فإذا أعطته الواحدة منهما وجوده فما للأخرى فيه من أثر ، فبطل إذا حققت الشركة في الفعل . فالمشرك الخاسر

    ص 529

    المشروع نعته ، هو من أضاف ما يستحقه الإله إلى غير اللّه ، فعبده على أنه إله ، فكأنه جعله شريكا في المرتبة ، ولذلك قال تعالى :« ما أَصابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَما أَصابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ » ،فهو إنكار عن نسبة الفعل الذي ظهر على العبد من الأمور التي نهى أن يعملها إلى اللّه ، والسيئة هو ما يسوؤك فأنت محل أثر السوء . فمن حيث هو فعل لا يتصف بالسوء ، هو للاسم الإلهي الذي أوجده ، فإنه يحسن منه إيجاد مثل هذا الفعل ، فلا يكون سوءا إلا من يجده سوءا أو من يسوءه وهو نفس الإنسان ، إذ لا يجد الألم إلا من يوجد فيه ؛ ففيه يظهر حكمه لا من يوجده ، فإنه لا حكم له في فاعله ، فهذا معنى قوله« وَما أَصابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ »وإن كانت الحسنة كذلك ، فذلك يحسن عند الإنسان ، فإنها أيضا تحسن في جانب الحق الموجد لها ، فأضيفت الحسنة إلى اللّه الموجد لها ابتداء وإن كانت بعد الإيجاد تحسن أيضا فيك ، ولكن لا تسمى حسنة إلا من كونها مشروعة ، ولا تكون مشروعة إلا من قبل اللّه ، فلا تضاف إلا إلى اللّه ، والسيئة من قبل الحق حسنة ، لأنه بيّنها لتجتنب ، فتسوء من قامت به إما في الدنيا وإما في العقبى .


    سورة النساء ( 4 ) : آية 80
    مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً ( 80 )


    لأن اللّه وكلّه على عباده ، فأمر ونهى ، وتصرف بما أراه اللّه الذي وكلّه في التبليغ عنه ، فهو صلّى اللّه عليه وسلم لا ينطق إلا عن اللّه ، بل لا ينطق إلا باللّه ، بل لا ينطق إلا اللّه منه ، فإن اللّه سمعه وبصره ولسانه ، وما خصّ الاسم اللّه من غيره من الأسماء في قوله« فَقَدْ أَطاعَ اللَّهَ »إلا لكونه الاسم الجامع ، فله معاني جميع الأسماء كلها . واعلم أن كل ما أمر به الحق سمعنا وأطعنا في حال عدمنا ووجودنا إذا لم يخاطبنا بفهوانية الأمثال والأشكال ، فإذا خاطبنا بفهوانية الأمثال والأشكال وألسنة الإرسال ؛ فمن كان مشهوده ما وراء الحجاب ، وهو المثل والرسول سمع فأطاع من حينه ، ومن كان مشهوده المثل ، سمع ضرورة ولم يطع للحسد الذي خلق عليه من تقدّم أمثاله عليه ، فظهر المطيع والعاصي . ولهذا قال بعضهم : إنما احتجب اللّه في الدنيا عن عباده لأنه سبق في علمه أن يكلفهم ويأمرهم وينهاهم ، وقد قدّر عليهم بمخالفة أمره وبموافقته في أوقات ، فلا بد من ظهور المخالفة والموافقة ، فخاطبهم على ألسنة الرسل عليهم السلام ، وحجب ذاته سبحانه عنهم في صورة الرسول ، وذلك لأنه قال« مَنْ يُطِعِ

    ص 530

    الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللَّهَ » ،وقال( فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ )فوقعت المخالفة بالقدر السابق والحكم القضائي ولا يتمكن أن يخالف أمره على الكشف ؛ فانحجب بالإرسال انحجابه بالأسباب ، فإن اللّه تعالى يظهرنا وقتا ويستر نفسه فيما هو له ، ووقتا يظهر نفسه ويسترنا بحسب المواطن حكمة منه« مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللَّهَ »فجلاه باسمه وكان ظاهرا فستره كما قال( إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللَّهَ )فأظهره بكاف الخطاب ثم ستره ، فانظر إلى سريان اللطف الإلهي ما أعجبه وحكمه الظاهر كيف أبان أن طاعة رسوله صلّى اللّه عليه وسلم طاعته ، وقد ورد في الخبر الصدق والنبأ الحق أنه يجب اتباعه ، وما يتبعه إلا من أطاعه ، واتباع الرسول اتباع الإله ، لأنه قال عزّ وجلّ« مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللَّهَ »« وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فازَ فَوْزاً عَظِيماً »فصلوا عليه وسلّموا تسليما ، فإن اللّه يصلي عليه وينظر إليه ، ومن لم يمتثل أمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم ، لم يمتثل أمر اللّه ؛ فأمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم أمر اللّه ، فإنه لا ينطق عن الهوى ، فمن يطع الرسول ، فقد أطاع اللّه ، فإن هويته سمعه وبصره وجميع قواه .


    سورة النساء ( 4 ) : الآيات 81 إلى 82
    وَيَقُولُونَ طاعَةٌ فَإِذا بَرَزُوا مِنْ عِنْدِكَ بَيَّتَ طائِفَةٌ مِنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ وَاللَّهُ يَكْتُبُ ما يُبَيِّتُونَ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفى بِاللَّهِ وَكِيلاً ( 81 ) أَ فَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً ( 82 )


    « أَ فَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ »أي يتفكرون في معانيه« وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً »الوجه الأول - يعني في نعت الحق وما يجب له ، فإن الناظر بفكره في معتقده لا يبقى على حالة واحدة دائما ، بل هو في كل وقت بحسب ما يعطيه دليله في زعمه في وقته ، فيخرج من أمر إلى نقيضه ، فعلوم المتكلمين في ذات اللّه والخائضين فيه ، ليست أنوارا ، وهم يتخيلون قبل ورود الشبه أنهم في نور وعلى بينة من ربهم في ذلك ، فلا يبدو لهم نقصهم حتى ترد عليهم الشبهة ، وما يدريك لعل تلك الشهبة التي يزعمون أنها شبهة هي الحقّ والعلم ، فإنك تعلم قطعا أن دليل الأشعري في إثبات المسألة التي ينفيها المعتزلي هو الحق وأنه شبهة عند المعتزلي ، ودليل المعتزلي الذي ينفي به ما يثبته الأشعري شبهة عند الأشعري ، ثم أنه ما من مذهب إلا وله أئمة يقومون به ، وهم فيه مختلفون ، وإن اتصفوا

    ص 531

    جميعهم مثلا بالأشاعرة فلا يزالون مختلفين ، مع كون كل طائفة يجمعها مقام واحد واسم واحد ، وهم مختلفون في أصول ذلك المذهب الذي جمعهم ، ورأينا المسمين رسلا وأنبياء قديما وحديثا من آدم إلى محمد ومن بينهما عليهم الصلاة والسلام ، ما رأينا - أحدا منهم قط - قد اختلفوا في أصول معتقدهم في جناب اللّه ، بل كل واحد منهم يصدق بعضهم بعضا ، ولا سمعنا عن أحد منهم أنه طرأ عليه في معتقده وعلمه بربه شبهة قط ، ولا اختلف واحد منهم على الآخر في ذلك ، فاللّه يحول بيننا وبين سلطان أفكارنا فيما لم نؤمر بالتفكر فيه ، الوجه الثاني - لما كان الوحي ينزل لترتيب الأمور التي تقتضيها حكمة الوجود ، لذلك قال تعالى :« وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً »يخالف ترتيب حكمة الوجود ، وليس إلا من اللّه ، فهو في غاية الإحكام والإتقان الذي لا يمكن غيره ، فلا يؤمن بما جاء به هذا الرسول إلا من خاطبه الرسول في سره ، وإن لم يشعر به المخاطب ، ولا يعرف من كلمه ، وإنما يجد التصديق بما جاء به في قلبه . وأهل الكشف والحضور يعرفون عن سماع بقلوب وآذان وأبصار كلام الرسول بأن هذا جاء من عند اللّه ، فيؤمنون به على بصيرة .


    سورة النساء ( 4 ) : آية 83
    وَإِذا جاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْ لا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطانَ إِلاَّ قَلِيلاً ( 83 )

    اعلم أن الناس يفضل بعضهم بعضا ، فأدناهم منزلة من هو إنسان حيواني ، وأعلاهم من هو ظل اللّه وهو الإنسان الكامل نائب الحق ، يكون الحق لسانه وجميع قواه ، وما بين هذين المقامين مراتب . ففي زمان الرسل يكون الكامل رسولا ، وفي زمان انقطاع الرسالة يكون الكامل وارثا ، ولا ظهور للوارث مع وجود الرسول ، إذ الوارث لا يكون وارثا إلا بعد موت من يرثه ، فلم يتمكن للصاحب مع وجود الرسول أن تكون له هذه المرتبة ، والأمر ينزل من اللّه على الدوام لا ينقطع ، فلا يقبله إلا الرسل خاصة على الكمال ، فإذا

    ص 532

    فقدوا حينئذ ، وجد ذلك الاستعداد في غير الرسل ، فقبلوا ذلك التنزل الإلهي في قلوبهم ، فسموا ورثة ، لم ينطلق عليهم اسم رسل مع كونهم يخبرون عن اللّه بالتنزل الإلهي . فإن كان في ذلك التنزل الإلهي حكم أخذه هذا المنزل عليه وحكم به ، وهو المعبر عنه بلسان علماء الرسوم المجتهد الذي يستنبط الحكم عندهم ، وهو العالم بقول اللّه« لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ » ،فهذا حظ الناس اليوم من التشريع بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم ، ونحن نقول به ، ولكن لا نقول بأن الاجتهاد هو ما ذكره علماء الرسوم ، بل الاجتهاد عندنا بذل الوسع في تحصيل الاستعداد الباطن الذي به يقبل هذا التنزل الخاص ، الذي لا يقبله في زمان النبوة والرسالة إلا نبي أو رسول ، إلا أنه لا سبيل إلى مخالفة حكم ثابت قد تقرر من الرسول صلّى اللّه عليه وسلم في نفس الأمر ، فإن لم يكن ذلك في نفس الأمر فلا يلقى إلى هذا المجتهد الذي ذكرناه إلا ما هو الحكم عليه في نفس الأمر ، حتى إنه لو كان الرسول صلّى اللّه عليه وسلم حيا لحكم به ، مع أنه قرر حكم المجتهد وإن أخطأ .
    فما أخطأ المجتهد إلا في الاستعداد كما ذكرناه ، فلو أصاب في الاستعداد ما أخطأ مجتهد أبدا ، بل لا يكون مجتهدا في الحكم ، وإنما هو ناقل ما قبله من الحق النازل عليه في تجليه ، وهذا عزيز في الأمة ما يوجد إلا في أفراد ، وعلامتهم أنهم ما يختلفون في الحكم أصلا لوحدانية الرسالة في هذا الزمان ، فإذا اختلفوا فما هم الذين ذكرناهم ، فيكون صاحب الحق إذا كانت الأحكام منحصرة القسمة واحدا منهم ، فإن بقي قسم لم يقع به حكم ربما كان الحق فيه ، ومع هذا تعبد كل واحد بما أعطاه دليله ، فإن أصاب فله أجران وإن أخطأ فله أجر ، فوقع الاجتهاد في الاجتهاد ، فإن كنت من أهل الاجتهاد في الاستنباط للأحكام الشرعية ، فأنت وارث نبوة شرعية ، فإنه تعالى قد شرع ذلك في تقرير ما أدى إليه اجتهادك ودليلك من الحكم أن تشرعه لنفسك وتفتي به غيرك إذا سئلت ، وإن لم تسئل فلا .
    واعلم أن الاجتهاد ما هو في أن تحدث حكما ، هذا غلط ، وإنما الاجتهاد المشروع طلب الدليل من كتاب أو سنة أو إجماع ، وفهم عربي على إثبات حكم في تلك المسألة بذلك الدليل الذي اجتهدت في تحصيله والعلم به في زعمك ، هذا هو الاجتهاد ، فإن اللّه تعالى ورسوله ما ترك شيئا إلا وقد نصّ عليه ولم يتركه مهملا ، فإن اللّه تعالى يقول( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ )وبعد ثبوت الكمال فلا يقبل الزيادة ، فإن الزيادة في الدين نقص من الدين ، وذلك هو الشرع الذي لم يأذن به اللّه .

    ص 533

    سورة النساء ( 4 ) : الآيات 84 إلى 85
    فَقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا تُكَلَّفُ إِلاَّ نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْساً وَأَشَدُّ تَنْكِيلاً ( 84 ) مَنْ يَشْفَعْ شَفاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْها وَمَنْ يَشْفَعْ شَفاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْها وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتاً ( 85 )

    القاضي حاكم والمقدّر مقيت ، فالقدر التوقيت في الأشياء من اسمه المقيت .

    سورة النساء ( 4 ) : آية 86
    وَإِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها أَوْ رُدُّوها إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيباً ( 86 )

    لا يجوز تأخير رد التحية بدليل قوله تعالى« فَحَيُّوا »فجاء بالفاء ولم يخصّ صلاة من غيرها ، فيجوز للمصلي أن يرد السلام على من يسلم عليه ، فإنه يجوز التلفظ به في الصلاة وغيرها ، وهو ذكر للّه ، فكيف ورد السلام واجب . وعند أهل الإيمان فإن المصلي إذا أراد أن يكبر تكبيرة الإحرام في صلاة الصبح والعصر يقول : وعليكم السلام ورحمة اللّه وبركاته ، لأنهم في ذلك الوقت تنصرف عنهم الملائكة التي كانوا فيهم ، وترد عليهم الملائكة الذين يأتون إليهم ، فلا تنصرف عنهم الملائكة الذين كانوا معهم ولا تأتيهم الملائكة الأخر إلا عند شروعهم في الصلاة ، سواء قاموا إليها في أول الوقت أو في آخره ، كل إنسان لا تنصرف عنه الملائكة إلا كما قلنا ، وهم عند إتيانهم يسلمون على العبد ، وعند انصرافهم يسلمون أيضا ، واللّه قد أمرنا بقوله« وَإِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها أَوْ رُدُّوها » .فوجب على كل مؤمن عند حق إيمانه وحقيقته أن يرد في ذلك الوقت السلام عليهم ، وإلا فهو طعن في إيمانه إن حضر مع هذا الخبر .

    سورة النساء ( 4 ) :آية 87
    اللَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثاً ( 87 )

    ص 534

    هذا التوحيد السادس في القرآن ،
    [ توحيد الهوية المنعوت بالاسم الجامع للقضاء والفصل ]
    توحيد الابتداء ، وهو توحيد الهوية المنعوت بالاسم الجامع للقضاء والفصل . فمن رحمة اللّه أنه قال« لَيَجْمَعَنَّكُمْ »فما نجتمع إلا فيما نفترق فيه ، وهو الإقرار بربوبيته سبحانه . وإذا جمعنا من حيث إقرارنا له بالربوبية فهي آية بشرى ، وذكر خير في حقنا بسعادة الجميع ، وإن دخلنا النار ، فإن الجمعية تمنع من تسرمد الانتقام لا إلى نهاية ، لكن يتسرمد العذاب وتختلف الحالات فيه ؛ فإذا انتهت حالة الانتقام ووجدان الآلام ، أعطى من النعيم والاستعذاب بالعذاب ما يليق بمن أقر بربوبيته ثم أشرك ثم وحد في غير موطن التكليف . والتكليف أمر عرض في الوسط بين الشهادتين لم يثبت ، فبقي الحكم للأصلين الأول والآخر .

    سورة النساء ( 4 ) : الآيات 88 إلى 90
    فَما لَكُمْ فِي الْمُنافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِما كَسَبُوا أَ تُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً ( 88 ) وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَما كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَواءً فَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِياءَ حَتَّى يُهاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً ( 89 ) إِلاَّ الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ أَوْ جاؤُكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَنْ يُقاتِلُوكُمْ أَوْ يُقاتِلُوا قَوْمَهُمْ وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقاتَلُوكُمْ فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَما جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلاً ( 90 )

    ص 535

    سورة النساء ( 4 ) : الآيات 91 إلى 92
    سَتَجِدُونَ آخَرِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُوا قَوْمَهُمْ كُلَّما رُدُّوا إِلَى الْفِتْنَةِ أُرْكِسُوا فِيها فَإِنْ لَمْ يَعْتَزِلُوكُمْ وَيُلْقُوا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ وَيَكُفُّوا أَيْدِيَهُمْ فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأُولئِكُمْ جَعَلْنا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطاناً مُبِيناً ( 91 ) وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلاَّ خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ إِلاَّ أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً ( 92 )

    ما في الخلق من يملك سوى الإنسان ، وما سوى الإنسان من ملك وغيره لا يملك شيئا ، وما ثم موجود من يقرّ له بالعبودية إلا الإنسان ، فيقال : هذا عبد فلان ولهذا شرع اللّه له العتق ورغّبه فيه .

    سورة النساء ( 4 ) : آية 93
    وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِيها وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذاباً عَظِيماً ( 93 )

    غضب اللّه لا يخلص عن رحمة إلهية تشوبه ، فغضبه في الدنيا ما نصبه من الحدود والتعزيرات ، وغضبه في الآخرة ما يقيم من الحدود على من يدخل النار ، فهو وإن كان غضبا ، فهو تطهير لما شابه من الرحمة في الدنيا والآخرة ، لأن الرحمة لما سبقت الغضب في الوجود عمّت الكون كله ووسعت كل شيء ، ويخرج تخليد من قتل مؤمنا متعمدا أي قصد قتله لإيمانه :« وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ »أي جازاه جزاء المغضوب عليه ، فإن غضب اللّه تعالى منزه عن غليان دم القلب طلبا للانتصار ، لأنه سبحانه يتقدس عن الجسمية والعرض ، فذلك قد يرجع إلى أن يفعل فعل من غضب ممن يجوز عليه الغضب ، وهو انتقامه سبحانه من الجبارين والمخالفين لأمره والمتعدين حدوده ، فالمجازي يكون غاضبا ؛ فظهور الفعل أطلق الاسم .

    سورة النساء ( 4 ) : آية 94
    يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَياةِ الدُّنْيا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغانِمُ كَثِيرَةٌ كَذلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللَّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً ( 94 )

    ص 536

    سورة النساء ( 4 ) : آية 95
    لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجاهِدِينَ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلاًّ وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجاهِدِينَ عَلَى الْقاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً ( 95 )
    المقصود من الجهاد هو إعلاء كلمة اللّه في الأماكن التي يعلو فيها ذكر غير اللّه ممن يعبد من دون اللّه قال صلّى اللّه عليه وسلم : [ سياحة هذه الأمة الجهاد ] واعلم أيدك اللّه أنّ المجاهدين هم أهل الجهد والمشقة والمكابدة ، والمجاهدة مقام مستصحب للتكليف ، فما دام التكليف موجودا كانت المجاهدة قائمة العين ، فإذا زال حكم التكليف زالت المجاهدة ،
    [ المجاهدون أربعة أصناف ]
    والمجاهدون أربعة أصناف : مجاهدون من غير تقييد بأمر ، وهو قوله تعالى :« وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجاهِدِينَ عَلَى الْقاعِدِينَ »
    ومجاهدون بتقييد في سبيل اللّه وهو قوله« وَالْمُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ » ،
    ومجاهدون فيه وهو قوله( وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا )ومجاهدون في اللّه حق جهاده . ولما كان إتلاف المهج أعظم المشاق على النفوس ، لهذا سمي جهادا ، فإن النفوس نفسان : نفس ترغب في الحياة الدنيا لألفتها بها ، فلا تريد المفارقة وتشق عليها ، ونفس ترغب في الحياة الدنيا لتزيد طاعة وأفعالا مقربة وترقيا دائما مع الأنفاس ، فشقّ عليها مفارقة الحياة الدنيا ، فلهذا سمي جهادا :« وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجاهِدِينَ عَلَى الْقاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً »وما عظم اللّه لا يقدر قدره .

    سورة النساء ( 4 ) : آية 96
    دَرَجاتٍ مِنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً ( 96 )
    "دَرَجاتٍ مِنْهُ " وما جعلها درجة واحدة ، فإن جهادهم مطلق غير مقيد ، كما قال في المجاهدين في سبيل اللّه ، وهو جهاد مقيد حيث جعل لهم درجة واحدة ، ثم زادهم ما

    ص 537

    ذكر في تمام الآية« وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً »كان حرف وجودي ، ويطلق من الوجه الذي لا يقبل به ظرفية الزمان على اللّه ، فيقال« وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً » .

    سورة النساء ( 4 ) : آية 97
    إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ قالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قالُوا أَ لَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها فَأُولئِكَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَساءَتْ مَصِيراً ( 97 )

    قال تعالى :« أَ لَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها »ولم يقل منها ولا إليها ، فهي أرض اللّه سواء سكنها من يعبده أو من يستكبر عن عبادته ، فإن مكة أشرف البقاع وإنها بيت اللّه الذي يحج إليه من مشارق الأرض ومغاربها ، ومع ذلك أمر وعظم الأجر لمن يهاجر منها من أجل ساكنيها ، فلما فتحها اللّه وأسكنها المؤمنين من عباده قال صلّى اللّه عليه وسلم : [ لا هجرة بعد الفتح ] ولما قال تعالى :« وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ »أي حكم ، فما عبد من عبد غير اللّه إلا لهذا الحكم ، فلم يعبد إلا اللّه وإن أخطئوا في النسبة ، إذ كان للّه في كل شيء وجه خاص ، به ثبت ذلك الشيء ، فما خرج أحد عن عبادة اللّه . ولما أراد اللّه أن يميّز بين من عبده على الاختصاص وبين من عبده في الأشياء ، أمر بالهجرة من الأماكن الأرضية التي يعبد اللّه فيها في الأعيان ، ليميز اللّه الخبيث من الطيب ، فالخبيث هو الذي عبد اللّه في الأغيار ، والطيب هو الذي عبد اللّه لا في الأغيار . فعليك بالهجرة ، ولا تقم بين أظهر الكفار ، فإن في ذلك إهانة دين الإسلام وإعلاء كلمة الكفر على كلمة اللّه ، فإن اللّه ما أمر بالقتال إلا لتكون كلمة اللّه هي العليا وكلمة الذين كفروا السفلى . وإياك والإقامة أو الدخول تحت ذمة كافر ما استطعت . واعلم أن المقيم بين أظهر الكفار مع تمكنه من الخروج من بين ظهرانيهم لا حظّ له في الإسلام ، فإن النبي صلّى اللّه عليه وسلم قد تبرأ منه ، ولا يتبرأ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم من مسلم ، وقد ثبت عنه أنه صلّى اللّه عليه وسلم قال : [ أنا بريء من مسلم يقيم بين أظهر المشركين ] فما اعتبر له كلمة الإسلام .
    وقال اللّه تعالى فيمن مات وهو بين أظهر المشركين" إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ قالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ "

    ص 538

    قال اللّه لهم« أَ لَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها فَأُولئِكَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَساءَتْ مَصِيراً » .ولهذا حجرنا في هذا الزمان على الناس زيارة بيت المقدس والإقامة فيه لكونه بيد الكفار ، فالولاية لهم والتحكم في المسلمين ، والمسلمون معهم على أسوأ حال نعوذ باللّه من تحكم الأهواء ، فالزائرون اليوم البيت المقدس والمقيمون فيه من المسلمين هم من الذين قال اللّه فيهم( ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً ) .

    سورة النساء ( 4 ) : الآيات 98 إلى 99
    إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالْوِلْدانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلاً ( 98 ) فَأُولئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُوراً ( 99 )

    العفو يجمع بالدلالة بين القليل والكثير ، هكذا هو في أصل وضع اللسان . واتصاف الحضرة الإلهية بالعفو أنها تعطي ما تقتضيه الحاجة ، لا بد من ذلك . من كونه سخيا حكيما ، ثم يزيد في العطاء في كونه منعما مفضلا غير محجور عليه ، ولا تقضي عليه الحاجات بالاقتصار على ما يكون به الاكتفاء . وأما في المؤاخذة على الذنوب فهو عفو بما يعطي من قليل العذاب ، وهو عفو بما يعطي من كثير المغفرة والتجاوز ، ثم يغفر اللّه ويجود بالإنعام ورفع الآلام.

    سورة النساء ( 4 ) : آية 100
    وَمَنْ يُهاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُراغَماً كَثِيراً وَسَعَةً وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهاجِراً إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً ( 100 )
    الهجرة هي الاغتراب عن الأوطان ، وممن أجره على اللّه ، المهاجر يموت قبل وصوله إلى المنزل الذي هاجر إليه ، فإن أجره على اللّه على قدر الباعث الذي بعثه على الهجرة ، والناس في ذلك متفاضلون . ثم إن اللّه ينوب عن رسوله فيما يعطيه من الأجر ، فإنه خرج مهاجرا إلى اللّه ورسوله ، ثم إن له أجر الفوت بالموت الذي أدركه وذلك من اللّه ، فإنه


    ص 539

    الذي رزأه وحال بينه وبين الوصول إلى مهاجره ، فالدية عليه . فإن كان هذا الذي يموت عالما عاقلا فأعظم من لقاء اللّه ورؤيته فما يكون ، وقد حصل له ذلك بالموت ، فهو أفضل في حقه من أن يعيش حتى يصل ، فإنه لا يدري ما دام في الحياة الدنيا ما يتقلب عليه من الأحوال ، فإنّه في محل خطر سريع التبديل . وصح عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم في هذا الباب ما خرّجه البخاري عن عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم أنه قال : [ إنما الأعمال بالنيات ، وإنما لامرئ ما نوى ، فمن كانت هجرته إلى اللّه ورسوله ، فهجرته إلى اللّه ورسوله ، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها ، فهجرته إلى ما هاجر إليه ] ثم يضاف إلى هذه الأجور قدر كرم المعطي وغناه ، وهذا يدخل تحت قوله صلّى اللّه عليه وسلم : [ إن في الجنة ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ] يعني من المجزيين .

    وقد أكد اللّه تعالى هذا الأجر على غيره ممن له أجر على اللّه بالوقوع وهو الوجوب ، فإن الأجر قد يقتضيه الكرم من غير وجوب وقد يقتضيه الوجوب ، والذي يقتضيه الوجوب أعلى .
    والمهاجر من ترك ما أمر اللّه ورسوله بتركه وبالغ في ترك ذلك للّه خالصا من كل شبهة ، عن كرم نفس وطواعية لا عن كره وإكراه ولا رغبة في جزاء ، بل كرم نفس بمقاساة شدائد يلقاها من المنازعين له في ذلك ، ويسمعونه ما يكره من الكلام طبعا ، فيتغير عند سماعه ، ويكون ذلك كله عن اتساع في العلم ، والدءوب على مثل هذه الصفة ، وتقيده في ذلك كله بالوجوه المشروعة لا بأغراض نفسه ، ويكون به كمال مقامه . فإذا اجتمعت هذه الصفات في الرجل فهو مهاجر ، فإن فاته شيء من هذه الفصول والنعوت فاته من المقام بحسب ما فاته من الحال . وإنما قلنا هذا كله واشترطناه لما سماه اللّه مهاجرا ، واللّه بكل شيء عليم ، فكل ما يدخل تحت هذا اللفظ مما ينبغي أن يكون وصفا حسنا للعبد فيسمى به صاحب هجرة اشترطناه في المهاجر ، لانسحاب هذه الحقيقة اللفظية في نفس الوضع على ذلك المعنى الذي اشتق من لفظه هذا الاسم .

    سورة النساء ( 4 ) : آية 101
    وَإِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنَّ الْكافِرِينَ كانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِيناً ( 101 )

    ص 540

    [قصر الصلاة ]
    السفر يؤثر في الصلاة القصر باتفاق ، إلا عائشة رضي اللّه عنها قالت : لا يجوز القصر إلا للخائف لقوله عزّ وجل« إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا » .والذي أقول به إن القصر للمسافر فرض متعين في كل سفر ، قريبا كان أو بعيدا . فالمعتبر فيه اللسان ، قربة كان أو مباحا أو معصية . ومدة القصر الأولى عندي فيها أن ينظر في مدة إقامة النبي صلّى اللّه عليه وسلم بمكة إلى أن رجع إلى المدينة ، فإنه كان يقصر في تلك المدة . واتفق العلماء كلهم على الجمع بين الظهر والعصر في أول الظهر يوم عرفة ، وعلى الجمع بين المغرب والعشاء بتأخير المغرب إلى وقت العشاء بالمزدلفة ، فلا يصح الجمع بين الصلاتين إلا فيما ذكرناه من عرفة وجمع
    [ السفر ]
    - إشارة - السفر حال لازم لكل ما سوى اللّه في الحقائق الإلهية ، بل لكل من يتصف بالوجود ، وهو سفر الأكابر من الرجال ، فهو سفر بالعلم والتحقق ، وسفر في الأسماء الإلهية بالتخلق ، وهو سفر حاله نازل عن الحال الأول ، وسفر ثالث في الأكوان بالاعتبار ، وهو حال دون الحالين ، وسفر جامع لهذه الأسفار كلها في أحوالها ، وهو أعظم أسفار الكون ، والأول أعظم الأسفار وأجلها ، والقصر في الخوف ، فإن العبد مطلوب في كل نفس بمراقبة الحق في حكمه تعالى في ذلك النفس بما شرع له تعالى فيه خاصة ، وما كل أحد يقدر على مراعاة هذا المقام مع الحق ، فلا يزال في خوف دائما ، فالعارف إذا حصل فيه وخاف أن يلتبس عليه مناجاة الحق في الأنفاس ، اقتصر من المناجاة على ما يختص بذلك النفس ، فكان الخوف سببا للقصر .
    سورة النساء ( 4 ) : آية 102
    وَإِذا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرائِكُمْ وَلْتَأْتِ طائِفَةٌ أُخْرى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً واحِدَةً وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كانَ بِكُمْ أَذىً مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً ( 102 )

    ص 541

    وأما صلاة الخوف فالذي أذهب إليه أن الإمام مخيّر في الصورة التي ثبتت عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم ، فبأي صورة صلاها أجزأته صلاته وصحت صلاة الجماعة ، إلا الرواية التي فيها الانتظار بالسلام ، فإن عندي فيها نظر ، لكون الإمام يصير فيها تبعا تابعا ، وقد نصبه اللّه متبوعا ، وسبب توقفي في ذلك دون جزم من طريق المعنى ؛ فإن النبي صلّى اللّه عليه وسلم أمر الإمام أن يصلي بصلاة المريض وأضعف الجماعة ، والخلاف في صورة صلاة الخوف مسطور في كتب الحديث . وأما الصلاة عند المسايفة فالذي أذهب إليه أن العبد مأمور في ذلك الوقت بالصلاة على قدر ما يمكنه أن يفعله منها
    سورة النساء ( 4) : آية 103
    فَإِذا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِكُمْ فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً مَوْقُوتاً ( 103 ) .

    "كِتاباً مَوْقُوتاً "أي مفروضة في وقت معيّن ، سواء كان موسعا أو مضيقا ، فإنه معيّن ولا بد ، بقوله موقوتا .
    فمن أخرج صلاة مفروضة عن وقتها المعيّن له ، كان ما كان ، من ناس أو متذكر ، فإنه لا يقضيها أبدا ولا تبرأ ذمته ، فإنه ما صلى الصلاة المشروعة ، إذ كان الوقت من شروط صحة الصلاة . فليكثر النوافل بعد التوبة ، ولا قضاء عليه عندنا لخروج وقتها الذي هو شرط في صحتها .
    ووقت الناسي والنائم وقت تذكره واستيقاظه من نومه ، وهو مؤد ولا بدّ ، ولا يسمى قاضيا على الاعتبار الذي يراه الفقهاء ، لا على ما تعطيه اللغة ، فإن القاضي والمؤدي لا فرق بينهما في اللسان ، فكل مؤد للصلاة فقد قضى ما عليه ، فهو قاض بأدائه ما تعيّن عليه أداؤه من اللّه . واتفق علماء الشريعة أن وقت الظهر الذي لا تجوز قبله هو الزوال ؛ جاء في الحديث الثابت عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم : [ لا يخرج وقت صلاة حتى يدخل وقت الأخرى ] يعني في الأربع صلوات ، فإنه إذا خرج وقت الصبح لم يدخل وقت الظهر حتى تزول الشمس ، بخلاف الظهر والعصر والمغرب والعشاء ، وجاء في الحديث الثابت في إمامة جبريل النبي صلّى اللّه عليه وسلم أنه صلى الظهر في اليوم الثاني في الوقت الذي صلى فيه العصر في اليوم الأول ، وفي حديث ثابت

      الوقت/التاريخ الآن هو 24/11/2024, 02:05