..الإحسان حياة.

مرحبا بك أيّها الزّائر الكريم.

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

..الإحسان حياة.

مرحبا بك أيّها الزّائر الكريم.

..الإحسان حياة.

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
..الإحسان حياة.

..الإحسان معاملة ربّانيّة بأخلاق محمّديّة، عنوانها:النّور والرّحمة والهدى

المواضيع الأخيرة

» كتاب: نهاية العالم في الكتاب المقدس - دراسة مقارنة مع القرآن الكريم ـ نور فائزة بنت عثمان
من كتاب تفسير القرآن الكريم رحمة من الرحمن في تفسير وإشارات القرآن ـ ج1ـ لابن عربي ـ تفسير آلآيات من "157 - 165" من سورة البقرة Emptyأمس في 22:49 من طرف Admin

» كتاب مواعظ الإمام زين العابدين ـ صالح أحمد الشامي
من كتاب تفسير القرآن الكريم رحمة من الرحمن في تفسير وإشارات القرآن ـ ج1ـ لابن عربي ـ تفسير آلآيات من "157 - 165" من سورة البقرة Empty18/11/2024, 23:30 من طرف Admin

» كتاب إتحاف النفوس بنفحات القدوس ـ عبد القدوس بن أسامة السامرائي
من كتاب تفسير القرآن الكريم رحمة من الرحمن في تفسير وإشارات القرآن ـ ج1ـ لابن عربي ـ تفسير آلآيات من "157 - 165" من سورة البقرة Empty18/11/2024, 23:25 من طرف Admin

» كتاب الإعلام بفضل الصلاة على النبي والسلام ـ محمد بن عبد الرحمن بن علي النميري
من كتاب تفسير القرآن الكريم رحمة من الرحمن في تفسير وإشارات القرآن ـ ج1ـ لابن عربي ـ تفسير آلآيات من "157 - 165" من سورة البقرة Empty18/11/2024, 23:20 من طرف Admin

» كتاب الغيب ـ محمد متولي الشعراوي
من كتاب تفسير القرآن الكريم رحمة من الرحمن في تفسير وإشارات القرآن ـ ج1ـ لابن عربي ـ تفسير آلآيات من "157 - 165" من سورة البقرة Empty18/11/2024, 23:08 من طرف Admin

» كتاب الشيطان والإنسان ـ محمد متولي الشعراوي
من كتاب تفسير القرآن الكريم رحمة من الرحمن في تفسير وإشارات القرآن ـ ج1ـ لابن عربي ـ تفسير آلآيات من "157 - 165" من سورة البقرة Empty18/11/2024, 23:03 من طرف Admin

» كتاب الشعراوي هنا رأيت سيدنا إبراهيم ـ سعيد أبو العنين
من كتاب تفسير القرآن الكريم رحمة من الرحمن في تفسير وإشارات القرآن ـ ج1ـ لابن عربي ـ تفسير آلآيات من "157 - 165" من سورة البقرة Empty18/11/2024, 23:01 من طرف Admin

» كتاب الخير والشر ـ محمد متولي الشعراوي
من كتاب تفسير القرآن الكريم رحمة من الرحمن في تفسير وإشارات القرآن ـ ج1ـ لابن عربي ـ تفسير آلآيات من "157 - 165" من سورة البقرة Empty18/11/2024, 22:57 من طرف Admin

» كتاب التربية في مدرسة النبوة ـ محمد متولي الشعراوي
من كتاب تفسير القرآن الكريم رحمة من الرحمن في تفسير وإشارات القرآن ـ ج1ـ لابن عربي ـ تفسير آلآيات من "157 - 165" من سورة البقرة Empty18/11/2024, 22:55 من طرف Admin

» كتاب: إرشاد العباد إلى سبل الرشاد ـ للملبباري
من كتاب تفسير القرآن الكريم رحمة من الرحمن في تفسير وإشارات القرآن ـ ج1ـ لابن عربي ـ تفسير آلآيات من "157 - 165" من سورة البقرة Empty18/11/2024, 22:41 من طرف Admin

» ـ كتاب آداب الحسن البصري ـ أبن الجوزي
من كتاب تفسير القرآن الكريم رحمة من الرحمن في تفسير وإشارات القرآن ـ ج1ـ لابن عربي ـ تفسير آلآيات من "157 - 165" من سورة البقرة Empty18/11/2024, 22:34 من طرف Admin

» كتاب الله والنفس البشرية ـ لمحمد متولي الشعراوي
من كتاب تفسير القرآن الكريم رحمة من الرحمن في تفسير وإشارات القرآن ـ ج1ـ لابن عربي ـ تفسير آلآيات من "157 - 165" من سورة البقرة Empty18/11/2024, 22:23 من طرف Admin

» كتاب: معرفة النفس طر يق لمعرفة الرب ـ أستاذ البصيرة عبدالوهاب حسن
من كتاب تفسير القرآن الكريم رحمة من الرحمن في تفسير وإشارات القرآن ـ ج1ـ لابن عربي ـ تفسير آلآيات من "157 - 165" من سورة البقرة Empty18/11/2024, 22:21 من طرف Admin

» كتاب الطريق الي الله ـ الشيخ علي جمعة
من كتاب تفسير القرآن الكريم رحمة من الرحمن في تفسير وإشارات القرآن ـ ج1ـ لابن عربي ـ تفسير آلآيات من "157 - 165" من سورة البقرة Empty18/11/2024, 21:50 من طرف Admin

» كتاب: كتاب النفس والجسد والروح ـ ابراهيم البلتاجي
من كتاب تفسير القرآن الكريم رحمة من الرحمن في تفسير وإشارات القرآن ـ ج1ـ لابن عربي ـ تفسير آلآيات من "157 - 165" من سورة البقرة Empty18/11/2024, 21:38 من طرف Admin

أفضل 10 أعضاء في هذا الشهر

دخول

لقد نسيت كلمة السر


    من كتاب تفسير القرآن الكريم رحمة من الرحمن في تفسير وإشارات القرآن ـ ج1ـ لابن عربي ـ تفسير آلآيات من "157 - 165" من سورة البقرة

    avatar
    Admin
    Admin


    المساهمات : 68539
    تاريخ التسجيل : 25/04/2018

    من كتاب تفسير القرآن الكريم رحمة من الرحمن في تفسير وإشارات القرآن ـ ج1ـ لابن عربي ـ تفسير آلآيات من "157 - 165" من سورة البقرة Empty من كتاب تفسير القرآن الكريم رحمة من الرحمن في تفسير وإشارات القرآن ـ ج1ـ لابن عربي ـ تفسير آلآيات من "157 - 165" من سورة البقرة

    مُساهمة من طرف Admin 19/4/2020, 23:10

    كتاب تفسير القرآن الكريم رحمة من الرحمن في تفسير وإشارات القرآن من كلام الشيخ الأكبر محيي الدين ابن العربي
    سورة البقرة ( 2 ) : آية 157
    أُولئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ( 157 )
    « أُولئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ »يقول إن اللّه يشكرهم على ذلك« وَرَحْمَةٌ »والرحمة لا يكون معها ألم ، فرحمته بإزالة المصيبة عنهم« وَأُولئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ »الذين بانت لهم الأمور على ما هو الأمر عليه في نفسه ، فإن كل ما حصل عنده أمانة إلى وقتها ، فسميت مصيبة في حقه لنزولها به ، وكانت تنبيها من الحق له ليرجع إليه ، ولا يرجع إلا من خرج .


    سورة البقرة ( 2 ) : آية 158
    إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَإِنَّ اللَّهَ شاكِرٌ عَلِيمٌ ( 158 )
    الحج هو تكرار القصد ، فيتكرر القصد من الناس والجن والملائكة للكعبة في كل سنة للحج الواجب والنفل ، وفي غير زمان الحج وحاله يسمى زيارة لا حجا وهو العمرة ، والعمرة الزيارة ، وتسمى حجا أصغر لما فيها من الإحرام والطواف والسعي وأخذ الشعر أو منه والإحلال ، ولم تعم جميع المناسك فسميت حجا أصغر بالنظر إلى الحج الأكبر الذي يعم استيفاء جميع المناسك ، ولهذا يجزئ القارن بينهما طواف واحد وسعي واحد لمسمى

    من كتاب إيجاز البيان في الترجمة عن القرآن:
    لتكون عبادة ، لا من حيث دفعها عنا من حيث ما هو دفع ورفع ، فإذا فعلوا ذلك كانت البشرى لهم ، قوله : ( 158 )« أُولئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ »يريد كثرة الرحمة ، فجمعها لأنه نكر المصيبة ، وهي تقتضي عموم المصائب ، فجعل الجزاء مطابقا في التعميم والتنكير ، أي تنزل عليهم الصلوات والرحمة كما نزلت بهم المصيبة ، نزول بنزول ، وقال :« مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ »فإن الربوبية تقتضي صلاح الأمور« وَأُولئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ »أي هم الذين أبان اللّه لهم أنهم ما خلقهم إلا ليعبدوه ، فاهتدوا بأن لزموا ما خلقوا له ، ( 159 )« إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ »الآية ، الصفا والمروة موضعان مرتفعان بمكة معروفان ، كان على عهد المشركين على الصفا صنم من حجر اسمه أساف ، وعلى المروة آخر يسمى نائلة ، كان المشركون إذا سعوا بين الصفا والمروة يتمسحون بهما تبركا ، والحج القصد إلى الشيء على التكرار ، والاعتمار الزيارة ، والتطوع نوافل العبادات ، والجناح الإثم ، والشعائر الأعلام ، والبيت هنا الكعبة ، والتطواف التردد على الشيء مرارا ، فقال تعالى :« إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ »أي هذين الموضعين« مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ »أي من المناسك التي جعل اللّه الوقوف

    ص 230

    الحج لها ، وهكذا فعل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم في قرانه في حجة وداعه التي قال فيها :
    [ خذوا عني مناسككم ]
    فالحج الأكبر له زمان خاص ، والعمرة لا تختص بزمان دون زمان ، فحكمها أنفذ في الزمان من الحج الأكبر ، وحكم الحج الأكبر أنفذ في استيفاء المناسك من الحج الأصغر ، ليكون كل واحد منهما فاضلا مفضولا« إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما »طافت هاجر أم إسماعيل عليه السلام بين الصفا والمروة ، وهرولت في بطن الوادي سبع مرات تنظر إلى من يقبل من أجل الماء لعطش قام بابنها إسماعيل ، فخافت عليه من الهلاك ، والحديث مشهور ، فجعل اللّه فعل هاجر من السعي بين الصفا والمروة وقرره شرعا ، وإنما يبدأ بالصفا لأن اللّه تهمم بها في الذكر فبدأ بها ، وقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم لما جاء في حجة وداعه إلى السعي بين الصفا والمروة :
    [ أبدأ بما بدأ اللّه به ]
    فبدأ بالصفا واقترأ الآية ، فمن أراد أن يحصل علم اللّه في خلقه فليقف عند ترتيب حكمته في الأشياء ، فيقدم ما قدمه اللّه ويؤخر ما أخره اللّه ، فإن من أسمائه المقدم والمؤخر ، فإن أخرت ما قدمه أو قدمت ما أخره فهو نزاع خفي يورث حرمانا ، فقفوا على مشاعر اللّه التي بيّنها لكم ولا تتعدوا ما رسم لكم ، وما قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم ذلك إلا تعليما لنا ولزوم الأدب مع اللّه ، ولولا أنه جائز له أن يبدأ بالمروة في سعيه لما قال هذا ، ورجح ما بدأ اللّه به على ما في المسألة من التخيير من أجل الواو ، فإنه ما بدأ اللّه به إلا لسر يعلمه ، فمن لم يبدأ به حرم فائدته ، وقد قال صلّى اللّه عليه وسلم : [ خذوا عني مناسككم ] ، وتقديم الصفا في السعي من المناسك ، وهكذا فعل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم ، وقال اللّه : ( لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ )وقال : ( إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ ) .
    وقال : [ من رغب عن سنتي فليس مني ] .
    فأبان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم عن مراد اللّه منّا في هذه العبادة ، فالأولى ألا نتصرف بالاختيار لما تقدم من بيان الشارع الذي هو العبد المحقق محمد صلّى اللّه عليه وسلم ، فلم يقدم السعي على الطواف ولا المروة على الصفا في السعي ، ولما رقي صلّى اللّه عليه وسلم على الصفا حتى رأى البيت استقبل القبلة فوحد اللّه وكبره ، وقال : لا إله إلا اللّه وحده أنجز وعده ،

    من كتاب إيجاز البيان في الترجمة عن القرآن:
    عليهما والسعي بينهما لمن حج أو اعتمر قربة إليه سبحانه ، وعلما من أعلام القرب في الحج إلى اللّه« فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ »الألف واللام للتعريف والعهد ، يقول فمن قصد البيت حاجا« أَوِ اعْتَمَرَ »أو معتمرا« فَلا جُناحَ »أي فلا إثم « عليه عند اللّه »

    ص 231
    ونصر عبده ، وهزم الأحزاب وحده ، ثم دعا بين ذلك ، قال مثل هذا ثلاث مرات ثم نزل إلى المروة ، حتى إذا انتصبت قدماه في بطن الوادي أسرع حتى إذا صعد مشى حتى أتى المروة ، ففعل على المروة كما فعل على الصفا ثم فعل مثل ذلك حتى بلغ سبع أشواط وختم بالمروة ، واتفق العلماء أن من شرط السعي الطهارة من الحيض وليس من شرطه الطهارة من الحدث ، والطهارة أولى ، والسعي سنة فإن خرج عن مكة ولم يسع فليس عليه أن يعود وعليه دم ، واتفق العلماء أن السعي ما يكون إلا بعد الطواف بالبيت ، وأنه من سعى قبل الطواف يرجع فيطوف« وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَإِنَّ اللَّهَ شاكِرٌ عَلِيمٌ »ما سمى الحق نفسه بالاسم الشاكر والشكور إلا لنزيد في العمل الذي شرع لنا أن نعمل به ، كما يزيد الحق النعم بالشكر منا ، فإن الشكر يقتضي الزيادة لذاته من المشكور مما شكر من أجله ، فإذا علم ذلك علم أن الحق تعالى يطلب الزيادة من عباده في دار التكليف مما كلفهم فيها من الأعمال ، فهو يشكر عباده طلبا للزيادة منهم مما شكرهم عليه مثل ما قال لعباده( لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ )فطلب سبحانه من عباده بشكره أن يزيدوه فزادوه من العمل.
    وهو قوله صلّى اللّه عليه وسلم : [ أفلا أكون عبدا شكورا ] فزاد في العبادة لشكر اللّه له شكرا ، فزاد الحق في الهداية والتوفيق في موطن الأعمال حتى إلى الآخرة حيث لا عمل ولا ألم على السعداء ، وأردف سبحانه وصف نفسه بالشكر وصفه بالعلم ، لأن مرتبة العلم تعطي أن وقوع خلاف المعلوم محال ، والشكور من أسماء اللّه تعالى ، هو ببنية المبالغة ، وهذا الاسم مختص في حق من أعطاه من العمل ما تعين على جميع أعضائه وقواه الظاهرة والباطنة في كل حال بما يليق به ، وفي كل زمان بما يليق به ، فيشكره الحق على ذلك بالاسم الشكور ، وأما العامة فدون هذه الرتبة في أعمال الحال والزمان ، فإذا أتوا بالعمل على هذا الحد من النقص تلقاهم الاسم الشاكر

    من كتاب إيجاز البيان في الترجمة عن القرآن:
    "أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما »أي إذا طاف بينهما ، فإن المؤمنين خافوا أن يكون عليهم إثم في الطواف بينهما من أجل الصنمين اللذين كانا عليهما ، فلم يريدوا التأسي بالمشركين ، فأخبر اللّه المؤمنين أنه لا إثم عليهم في ذلك لكون الحق جعل ذلك مشروعا للمؤمنين« وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً »فمن فعل من أفعال الخير ما ندب إليه ولم يجب عليه« فَإِنَّ اللَّهَ شاكِرٌ »يشكره على ذلك« عَلِيمٌ »أي يعلم أن العبد إذا تقرب إلى اللّه بما لا يجب عليه أن ذلك من تعظيم اللّه في نفسه ، قال الأعرابي للنبي عليه السلام حين ذكر له فرض الحج : هل عليّ غيره ؟ قال : لا إلا أن تطوع ، فجعل فعل ما لا يجب تطوعا ،
    ص 232


    لا الشكور ، فهم على كل حال مشكورون

    [ إشارة في العمرة ]
    إشارة في العمرة - زيارة أهل السعادات للّه في الدنيا بالقلوب والأعمال ، وفي الآخرة بالذوات والأعيان ، والعمرة من حيث هي عمرة لا تصح إلا بمكة ، ولما فيها من الشهود الذي يكون به عمارة القلوب تسمى عمرة .

    [ اشاره في السعي ]
    إشارة - كان على الصفا أساف وعلى المروة نائلة ، فلا يغفل الساعي بين الصفا والمروة ذلك ، فعند ما يرقى في الصفا يعتبر اسمه من الأسف ، وهو حزنه على ما فاته من تضييع حقوق اللّه تعالى عليه ، ولهذا يستقبل البيت بالدعاء والذكر ، ليذكره ذلك فيظهر عليه الحزن ، فإذا وصل إلى المروة وهو موضع نائلة ، يأخذه من النيل وهو العطية ، فيحصّل نائلة الأسف أي أجره ، ويفعل ذلك في السبعة الأشواط ، لأن اللّه امتن عليه بسبع صفات ليتصرف بها ويصرّفها في أداء حقوق اللّه ، لا يضيع منها شيئا ، فيأسف على ذلك ، فيجعل اللّه له أجره في اعتبار نائلة بالمروة ، إلى أن يفرغ ، أما الرمل بين الميلين ، فلأنه بطن الوادي ، وبطون الأودية مساكن الشياطين ، فيرمل في بطن الوادي ليخلص معجلا من الصفة الشيطانية ، والتخلص من صحبته فيها إذ كانت مقره ، ثم إن السعي في هذا الموضع جمع الثلاثة الأحوال ، وهو الانحدار والترقي والاستواء ، وما ثم رابع ، فحاز درجة الكمال في هذه العبادة ، أعطى

    من كتاب إيجاز البيان في الترجمة عن القرآن:
    وكأن الحق في هذه الآية حيث ذكر اسم الشاكر أنه يحرض عبده ويطلب منه الزيادة من النوافل ، كما أنه سبحانه يزيد الشاكر النعم لشكره ، كما قال تعالى : ( لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ )وصف نفسه سبحانه بأنه يشكر عبده على ما تطوع به ليزيد في تطوعه ، فكان تنبيها ، واختلف الناس في السعي بين الصفا والمروة في الحج هل هو واجب أم لا ؟ فإن النبي عليه السلام قال في حجة الوداع :
    [ خذوا عني مناسككم ] فأمر ، فمعناه عندي أن يؤخذ من المناسك ما بيّن أنه فرض على جهة الفرضية والوجوب ، وما بيّن أنه سنة أمر أن يؤخذ على أنه سنة لا على أنه فرض ، وكذلك التطوع ، فمتعلق الأمر إنما هو أخذ الحكم على الفعل بالوجوب وغيره ، فقال جماعة منهم مالك والشافعي وابن حنبل وابن راهويه إنه فرض واجب ، وحجتهم قول النبي عليه السلام حين سعى بين الصفا والمروة
    [ اسعوا فإن اللّه كتب عليكم السعي ]
    وقد تكلم في هذا الحديث ، وهم يرون أن الأصل في أفعاله في هذه العبادة الوجوب إلا ما خرج بدليل ، وقد ذكرنا معنى قوله عليه السلام
    [ خذوا عني مناسككم ] وخرج الخبر في الآية مخرج الأمر عندهم ، وقال الكوفيون : هو واجب ، وهو عندهم دون الفرض وفوق التطوع ، وعلى تاركه دم وليس بركن من أركان الحج ، وقال أنس وابن عباس وغيرهما هو تطوع ، واحتجوا بالآية« فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما »

    ص 233
    ذلك الموضع ، وهو في كل حال سالك ، فانحداره إلى اللّه ، وصعوده إلى اللّه ، واستواؤه مع اللّه ، وهو في كل ذلك باللّه عن أمر اللّه ، فهو في كل حال مع اللّه للّه ، فمن سعى ووجد في حال سعيه ما تعطيه حقيقة الحجارة - ومنها الصفا والمروة - من الخشية والحياة والعلم باللّه والثبات في مقامهم فقد سعى ، وحصل نتيجة سعيه ، فانصرف من مسعاه حي القلب باللّه ، ذا خشية من اللّه ، عالما بقدره وبما له وللّه ، وإن لم يكن كذلك فما سعى بين الصفا والمروة ، واعلم أنه لما كان الكمال غير محجور على النساء ، وإن كانت المرأة أنقص درجة من الرجل فتلك درجة الإيجاد لأنها وجدت عنه ، وذلك لا يقدح في الكمال ، لذلك جعل اللّه فعل هاجر من السعي بين الصفا والمروة ، وقرره شرعا في مناسك الحج ، فالخواطر النفسية إذا أثرت الشفقة والسعي في حق الغير أثر القبول في الجناب الإلهي .


    سورة البقرة ( 2 ) : الآيات 159 إلى 163
    إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَالْهُدى مِنْ بَعْدِ ما بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتابِ أُولئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاَّعِنُونَ ( 159 ) إِلاَّ الَّذِينَ تابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ( 160 ) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَماتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ ( 161 ) خالِدِينَ فِيها لا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ ( 162 ) وَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ ( 163 ).

    [ في التوحيد الأول ]
    خاطب اللّه في هذه الآية المسلمين والذين عبدوا غير اللّه قربة إلى اللّه ، فما عبدوا إلا اللّه ، فلما قالوا( ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللَّهِ زُلْفى )فأكدوا وذكروا العلة فقال اللّه لنا :
    إن إلهكم والإله الذي يطلب المشرك القربة إليه بعبادة هذا الذي أشرك به « واحد » ، كأنكم

    من كتاب إيجاز البيان في الترجمة عن القرآن:
    كما قال : ( فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يَتَراجَعا )ومذهب عائشة الطواف بينهما على الوجوب ( 160 )« إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَالْهُدى مِنْ بَعْدِ ما بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتابِ أُولئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ »في هذه الآية دليل على لحوق الإثم بمن سئل عن علم من علوم الدين فكتمه ، وأنه يجب عليه أن يفتيه إذا علم ذلك ولا يتوقف ، وقد ورد في الخبر [ استوصوا بطالب العلم

    ص 234

    ما اختلفتم في أحديته فقال :« وَإِلهُكُمْ »فجمعنا وإياهم« إِلهٌ واحِدٌ » ،فما أشركوا إلا بسببه فيما أعطاهم نظرهم ، ومن قصد من أجل أمر ما فذلك الأمر على الحقيقة هو المقصود لا من ظهر أنه قصد ، ولهذا ذكر اللّه أنهم يتبرءون منهم يوم القيامة ، وما أخذوا إلا من كونهم فعلوا ذلك من نفوسهم لا أنهم جهلوا قدر اللّه في ذلك ، ألا ترى الحق لما علم هذا منهم كيف قال« وَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ » ،ونبههم فقال( سَمُّوهُمْ )فيذكرونهم بأسمائهم المخالفة أسماء اللّه ، والأسماء الإلهية كلها للمرتبة أي لمرتبة الألوهية إلا الاسم الواحد خاصة ، فهو اسم خصيص بالذات المقدسة التي لها نعوت الكمال والتنزيه ، لا يشاركها في حقيقته من كل وجه أحد لا من الأسماء ولا من المراتب ولا من الممكنات ، واعلم أن العبد الحق لا ينبغي أن يضاف إليه شيء ، فهو المضاف ولا يضاف إليه ، فإذا أضاف السيد نفسه إليه فهو على جهة التشريف والتعريف ، مثل قوله« وَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ » .- راجع سورة الأنبياء آية 108 -« لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ »هذا هو أول توحيد يذكر في القرآن من الستة

    من كتاب إيجاز البيان في الترجمة عن القرآن:
    خيرا ، [ومن سئل عن علم فكتمه ألجمه اللّه بلجام من نار ] وقد نهى اللّه نبيه عن انتهار سائل العلم تعليما لنا ، فقال : ( وأما السائل فلا تنهر ) لأنه قال له : ( وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى )أي حائرا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ، يقول :« إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ »أي يخفون« ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ »يقول : من الأدلة على صدق ما جاء به« وَالْهُدى »في الكتاب المنزل عليهم« مِنْ بَعْدِ ما بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ »من أجل الناس فيه ، فأخفوه عما لا يعرف الكتاب ، وهم المقلدة الأميون« أُولئِكَ »إشارة إلى الكاتمين ذلك« يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ »يطردهم اللّه عن كل ما فيه راحة لهم وخير في الدار الآخرة ، فإن اللعن في اللسان الطرد واللعين المطرود« وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ »يحتمل وجهان : الوجه الواحد أن تكون لعنتهم إياهم قولهم : [ لعنهم اللّه ] على جهة الدعاء ، والوجه الآخر يوم القيامة حين تطردهم الملائكة عن الجنة إذا عاينوها في قوله : ( اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ )فذلك لعنة اللاعنين ، ثم استثنى منهم من رجع عن ذلك الكتمان( وَأَصْلَحَ ) *أي وعمل صالحا( وَآمَنَ ) *باللّه ورسله صدقا من قلبه( وَبَيَّنُوا )وأعلموا من لا يعرف الكتاب من الأميين المقلدين ما أنزل اللّه وبيّنه في كتابه من الأدلة على صدق رسله ووعده ووعيده وأحكامه ، فقال : ( 161 )« إِلَّا الَّذِينَ تابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ »أي أرجع عليهم برحمتي ، فأنعم عليهم بالخير الذي طردتهم عنه« وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ »قد تقدم تفسيره ، ثم قال فيمن لم يتب ومات على كفره ( 162 )« إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَماتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ »يقول : من استصحبه حال الكفر حتى مات

    ص 235

    والثلاثين توحيدا المذكورة في القرآن ، وهو توحيد الواحد بالاسم الرحمن الذي له النفس ، فبدأ به فنفى الألوهية عن كل أحد وحّده الحق تعالى إلا أحديته ، فأثبت الألوهية لها بالهوية التي أعادها على اسمه الواحد ، وأول نعت نعته به الرحمن لأنه صاحب النفس ، وسمي هذا الذكر تهليلا من الإهلال وهو رفع الصوت ، أي إذا ذكر بلا إله إلا اللّه ارتفع الصوت الذي هو النفس الخارج به على كل نفس ظهر فيه غير هذه الكلمة ، ولهذا قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم :
    [ أفضل ما قلته أنا والنبيون من قبلي لا إله إلا اللّه ] وما قالها إلا نبي ، لأنه ما يخبر عن الحق إلا نبي ، فهو كلام الحق ، فأرفع الكلمات لا إله إلا اللّه ، وهذه الكلمة اثنا عشر حرفا ، فقد استوعبت في هذا العدد بسائط أسماء الأعداد وهي اثنا عشر ، ثلاث عقود ( العشرات والمئين والآلاف ) ، ومن الواحد إلى التسعة ، ثم بعد هذا يقع التركيب بما لا يخرج عن هذه الآحاد إلى ما يتناهى ، وهو هذه الاثنا عشر ما لا يتناهى ، وهو ما يتركب منها ، فلا إله إلا اللّه وإن انحصرت في هذا العدد في الوجود فحزاؤها لا يتناهى ، فبها وقع الحكم بما لا يتناهى ، فبقاء الوجود الذي لا يلحقه عدم بكلمة التوحيد وهي لا إله إلا اللّه ، فهذا من عمل نفس الرحمن فيها ، ولهذا ابتدأ به في القرآن وجعله توحيد الأحد ، لأن عن الواحد الحق ظهر العالم .

    من كتاب إيجاز البيان في الترجمة عن القرآن:
    عليه« أُولئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ »أي يستصحبهم الطرد من اللّه« وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ »فعمّ الناس وهو قوله تعالى فيهم يوم القيامة ( إنهم يكفر بعضهم ببعض ويلعن بعضهم بعضا ) وما عداهم فهو مؤمن ، والمؤمن بلا شك يلعنه بلعنة اللّه مع الملائكة ، فلهذا عمّ بقوله الناس ، ثم أردفه بقوله :
    ( 163 )"خالِدِينَ فِيها »يعني في اللعنة مقيمين« لا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ »ما لهم وقت راحة منه« وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ »يؤخرون عن العذاب .
    قال تعالى : ( وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ )أي يؤخر إلى أن يجد ما يؤدي به دينه ، ثم قال : ( 164 )« وَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ »الأظهر في هذه الآية وحدانيته في الألوهية ونفيها عمن سواه ، وليس في ظاهر الآية عند العرب نفي ما سوى الألوهية عنه ، وإن كان دليل العقل يعطي ويقضي بأن ذاته لا جنس لها ولا مثل ولا تنقسم ، ونحن إنما نريد تفسير الآية بمقتضى كلام العرب بالنظر إلى خصوص هذا اللفظ المعين في هذه الآية ، فليس إلا ما ذكرناه والحمد للّه ، ولما نزلت هذه الآية في توحيده سبحانه أكثر المشركون من ذلك التعجب وقالوا : ( أَ جَعَلَ الْآلِهَةَ إِلهاً واحِداً إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عُجابٌ

    ص 236

    سورة البقرة ( 2 ) : آية 164
    إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِما يَنْفَعُ النَّاسَ وَما أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ ماءٍ فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وَبَثَّ فِيها مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ وَالسَّحابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ( 164 )
    الآيات المعتادة هي التي لا خبر لنفوس العامة بكونها حتى يفقدوها ، فإذا فقدوها عرفوا في ذلك الوقت موضع دلالتها وقدرها ، وأنهم كانوا في آية وهم لا يشعرون ، لذلك قال تعالى :« إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ »إلى آخر الآية« وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ »حدث الليل والنهار بخلق الشمس في اليوم وقد كان اليوم موجودا ، فجعل النصف من هذا اليوم لأهل الأرض نهارا ، وهو من طلوع الشمس إلى غروبها ، وجعل النصف الآخر منه ليلا ، وهو من غروب الشمس إلى طلوعها ، واليوم عبارة عن المجموع ، فتكرار الملوان بالاسم لا بالعيان ، ودار الفلك فحدث الجديدان ،« وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِما يَنْفَعُ النَّاسَ وَما أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ ماءٍ فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها »ما وضع اللّه الأسباب سدى إلا لنقول بها ونعتمد عليها اعتمادا إلهيا ، أعطت الحكمة الإلهية ذلك ، فالحكيم الإلهي الأديب

    وأكثروا الإنكار في ذلك وطالبوا النبي عليه السلام بالدليل على أحديته ، فأنزل اللّه تعالى ( 165 )« إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِما يَنْفَعُ النَّاسَ وَما أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ ماءٍ فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وَبَثَّ فِيها مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ وَالسَّحابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ »فجعل وجود كل ما ذكره في هذه الآية دليلا على أحديته لمن يعقل موضع الدليل من الذي ذكره ، كما قال تعالى في التنبيه لهم على موضع الدلالة مما ذكره( لَوْ كانَ فِيهِما )يعني في السماء والأرض( آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتا )فإنه قد أجمعنا مع المشركين على ثبوته سبحانه ، وخالفونا في الأحدية فكان الدليل المنصوب لهم من عند اللّه على أحديته أنه لو كان له شريك في فعله يسمى إلها ، لكان لا يخلو إما أن يختلفا في كون الشيء أو يتفقا ، فإن اختلفا فالذي ينفذ اقتداره هو الإله ، والذي يعجز ليس بإله ، وإن

    ص 237
    من ينزل الأسباب حيث أنزلها اللّه ، فمن يشاهد الوجه الخاص في كل منفعل يقول إن اللّه يفعل عندها لا بها ، ومن لا يشاهد الوجه الخاص يقول : إن اللّه يفعل الأشياء بها ، فيجعل الأسباب كالآلة يثبتها ولا يضيف إليها ، كالنجار الذي لا يصل إلى عمل صورة تابوت أو كرسي إلا بآلة القدوم والمنشار وغيرهما من الآلات ، مما لا يتم فعله إلا بها لا عندها ، فيثبتها ولا يضيف صنعة التابوت إليها ، وإنما يثبت ذلك للنجار صاحب التدبير والعلم بما يظهر عنه ،« وَبَثَّ فِيها مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ »اعلم أن العرب لما أرادت تعريف الرياح حتى تجعل لها أسماء تذكرها بها لتعرف ، استقبلت مطلع الشمس ، فسمت كل ريح هبت عليها من جهة مطلع الشمس إذا استقبلته إذ كان وجهها إلى تلك الجهة فسمتها قبولا ، وهي ريح الصبا ، وما أتى إليها من الريح عن دبر في حال استقبالها ذلك سمته دبورا ، وهي الريح الغربية ، وما أتاها منها في هبوبها عن الجانب الأيمن سمتها جنوبا ، وعن جانب الشمال سمته شمالا ، وكل ريح بين جهتين من هذه الجهات سمتها نكباء ، من النكوب وهو العدول ، أي عدلت عن هذه الأربع الجهات ، والنسيم أول هبوب الريح الذي هو من راح يروح ، فالرياح تمر ولا تثبت ، والرائح ما هو مقيم ، ومن تصريف الرياح هبوبها ، فيحرك الهواء الأشجار لإزالة الأبخرة الفاسدة عنها ، لئلا تودع فيها ما يوجب العلل والأمراض في العالم إذا تغذت به تلك الأشجار ، فيأكلها الحيوان أو تفسد في نفسها بتغذيتها بذلك ، فكان هبوب الرياح لمصالح العالم ، حيث يطرد الوخم عنه ويصفي الجو فتكون الحياة طيبة .« وَالسَّحابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ »فإذا فقدوه حينئذ خرجوا للاستسقاء« لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ »وهذه الآيات أسباب مقصودة غير مؤثرة في مسببها ، وإنما الأثر في ذلك لناصب الأسباب وجاعلها حجابا عنه ، ليتبين الفضل بين الخلائق في المعرفة باللّه ، ويتميز

    من كتاب إيجاز البيان في الترجمة عن القرآن:
    اتفقا فيقدر الاختلاف ، فيلزم منه ذلك بعينه ، وتقدير الإمكان في المحال بالفرض كوقوع الكائن من أحد الإمكانين على السواء ، وهذا القدر كاف فيما تعطيه عقول الأعراب ، فإنه لا أجهل ممن اتخذ شريكا مع اللّه ، وأما قوله :« فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ »فيحتمل أن يريد وجودها وأعيانها ، وقد يحتمل أن يريد إيجادها ، فإن الخلق قد يرد بمعنى الفعل ، وهو حال تعلق القدرة بالمقدور ، مثل قوله : ( ما أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ )وقد يرد بمعنى المخلوق بأظهر الوجوه كقوله : ( هذا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي ما ذا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ )أي مخلوق

    ص 238

    من أشرك ممن وحد ، فالمشرك جاهل على الإطلاق . والعقل من عالم التقييد ولهذا سمي عقلا من العقال ، فإنه مأخوذ من عقال الدابة ، وعلى الحقيقة عقال الدابة مأخوذ من العقل ، فإن العقل متقدم على عقال الدابة ، فإنه لولا ما عقل أن هذا الحبل إذا شدت به الدابة قيدها عن السراح ما سماه عقالا ، فالعاقل هو من يعقل عن اللّه ما يريد اللّه منه في خطابه إياه في نفسه بما يلهمه ، أو على لسان رسوله صلّى اللّه عليه وسلم ، فيعقل عن اللّه أمره ونهيه وما يلقيه اللّه في سره ، ويفرق بين خواطر قلبه فيما هو من اللّه أو من نفسه أو من لمة الملك أو من لمة الشيطان ويعقل نفسه ، فبالعقل يسمع المكلف خطاب الحق ، لأنه إذا زال العقل سقط التكليف ولم يبق للشرع عليه سلطان ولا حجة ، والعامة ليست الآيات عندهم إلا التي هي عندهم غير معتادة ، فتلك تنبههم إلى تعظيم اللّه ، واللّه قد جعل الآيات المعتادة لأصناف مختلفين من عباده ، فمنها تلك الآيات المذكورة في هذه الآية للعقلاء ، فثم آيات للعقلاء كلها معتادة ، وآيات للموقنين ، وآيات لأولي الألباب ، وآيات لأولي النهى ، وآيات للسامعين ، وهم أهل الفهم عن اللّه ، وآيات للعالمين ، وآيات للعالمين ، وآيات للمؤمنين ، وآيات للمتفكرين ، وآيات لأهل الذكر ، فهؤلاء كلهم أصناف نعتهم اللّه بنعوت مختلفة وآيات مختلفة ، كلها ذكرها لنا في القرآن ، إذا بحثت عليها وتدبرتها علمت أنها آيات ودلالات على أمور مختلفة ترجع إلى عين واحدة ، غفل عن ذلك أكثر الناس ، ولهذا عدد الأصناف ، فإن من الآيات المذكورة المعتادة ما يدرك الناس دلالتها من كونهم ناسا وجنا وملائكة ، وهي التي وصف بإدراكها العالم بفتح اللام ، ومن الآيات ما تغمض بحيث لا يدركها إلا من له التفكر السليم ، ومن الآيات ما هي دلالتها مشروطة بأولي الألباب ، وهم العقلاء الناظرون في لب الأمور لا في قشورها ، فهم الباحثون عن المعاني ، وإن كانت الألباب والنهى

    من كتاب إيجاز البيان في الترجمة عن القرآن:
    اللّه ، وبهذا ذمهم اللّه فقال : ( أَ تَعْبُدُونَ ما تَنْحِتُونَ )وقال : ( فاتخذوا من دون اللّه أولياء لا يخلقون شيئا وهم يخلقون ) وأما فيما ذكره في سائر من الآية من اختلاف الليل والنهار ، وإنزال الماء من السماء وإحياء الأرض بعد موتها بما أخرج فيها من النبات ، وجري الفلك في البحر بمنافع الناس ، وبث الدواب كلها من الحشرات وغيرها في الأرض ، وتصريف الرياح ، وتسخير السحاب بين السماء والأرض ، فما تعرض في الذكر لأعيانها كما تعرض للسماء والأرض ، إذ كان كل ما ذكره متولدا فيهما وبينهما ، فدخل ذلك كله في ذكر السماوات والأرض ، فعدل

    ص 239

    العقول ، فلم يكتف الحق سبحانه بلفظة العقل حتى ذكر الآيات لأولي الألباب ، فما كل عاقل ينظر في لب الأمور وبواطنها ، فإن أهل الظاهر لهم عقول بلا شك وليسوا بأولي ألباب ، ولا شك أن العصاة لهم عقول ولكن ليسوا بأولي نهى ، فاختلفت صفاتهم إذ كانت كل صفة تعطي صنفا من العلم لا يحصل إلا لمن حاله تلك الصفة ، فما ذكرها اللّه سدى ، وكثر اللّه ذكر الآيات في القرآن العزيز ، ففي مواضع أردفها وتلا بعضها بعضا وأردف صفة العارفين بها ، وفي مواضع أفردها ، فمثل إرداف بعضها على بعض مساقها في سورة الروم ، فلا يزال يقول تعالى : ( وَمِنْ آياتِهِ ) *( وَمِنْ آياتِهِ ) *فيتلوها جميع الناس ولا يتنبه لها إلا الأصناف الذين ذكرهم في كل آية خاصة ، فكأن تلك الآيات في حق أولئك أنزلت ، وفي حق غيرهم لمجرد التلاوة ليؤجروا عليها ، فخرق العوائد تهول عند العامة ، وهي عند الخاصة عوائد ، فالعاقل يهوله المعتاد وغير المعتاد ، ولذلك قال في المعتاد :« لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ » .ومن نظر في كل ما في الكون أنه آية عليه ، فنظر إلى الأمور كلها معتادها وغير معتادها بعين الحق ، ما هاله ما يرى ولا ما بدا مع تعظيمه عنده ، فإنه من شعائر اللّه ، ومن يعظم شعائر اللّه فإنها من تقوى القلوب - شعر :الشخص مستدرج والصدر مشروح * والكنز مستخرج والباب مفتوحأين الأوائل لا كانوا ولا سلفوا * العقل يقبل ما تأتي به الروحلكنهم حجبوا بالفكر فاعتمدوا * عليه والعلم موهوب وممنوحما فيه مكتسب إن كنت ذا نصف * فليس للعقل تعديل وتجريحالعدل والجرح شرع اللّه جاء به * ميزانه فبدا نقص وترجيحالعقل أفقر خلق اللّه فاعتبروا * فإنه خلف باب الفكر مطروح

    من كتاب إيجاز البيان في الترجمة عن القرآن:
    لما يطرأ فيها من الأحوال العارضة دائما لها ، فما من حالة تطرأ إلا ويجوز خلافها ، فتفتقر إلى وجود مرجح مختار ، وأن يكون واحدا لما ذكرناه قبل ، وهذا بالنسبة إلى عقولهم أقرب دليل يوضع في الأحدية ، وهو الذي ارتضاه أكثر أئمة أهل الكلام وقالوا به وساقوه أحسن مساق ، ونحن أوردناه مختصرا لثقتنا بسرعة فهم السامع إلى المقصود من ذلك ، وقد وقفت للشيخ الإمام الأوحد السيد سيف الدين أبي الحسن علي بن أبي علي الآمدي أيده اللّه ، على دليل نصبه في أحدية الحق سبحانه ونفي إله آخر ، لم يسبق إليه في علمه ولا في علمنا ولا وجد في كتاب أحد من المتكلمين

    ص 240
    لولا الإله ولولا ما حباه به * من القوى لم يقم بالعقل تسريحإن العقول قيود إن وثقت بها * خسرت فافهم فقولي فيه تلويحميزان شرعك لا تبرح تزين به * فإن رتبته عدل وتصحيحإن التنافس في علم يقوم به * صدر بنور شهود الحق مشروحهذا التنافس لا أبغي به بدلا * له من الذكر قدوس وسبوحلمثل ذا يعمل العمال ليس لهم * في غير ذلك تحسين وتقبيح

    سورة البقرة ( 2 ) : آية 165
    وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْداداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذابِ ( 165 )«

    وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ »أي أصدق حبا للّه من حب المشركين لمن جعلوهم شركاء ، وسبب ذلك أنه إذا كشف الغطاء وتبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا ، وقال الذين اتبعوا : ( لَوْ أَنَّ لَنا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَما تَبَرَّؤُا مِنَّا )فزال حبهم إياهم في ذلك الموطن وبقي المؤمنون على حبهم للّه ، فكانوا أشد حبا للّه بما زادوا على أولئك في وقت رجوعهم عن حبهم آلهتهم حين لم تغن عنهم من اللّه شيئا .« وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً »فلا قوة لمخلوق ، فإن موطنه الضعف والعبودية« وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذابِ » .

    من كتاب إيجاز البيان في الترجمة عن القرآن:
    المتقدمين ، وتبرز به على أقرانه ، ولولا أن هذا الكتاب يضيق عنه لسقناه كما ذكره ، فمن أراد أن يقف عليه فلينظره في كتاب [ أبكار الأفكار ]
    له في علم الكلام ( 166 )« وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْداداً »يقول : ومن الناس من يتخذ من دون اللّه ، فكفى بهم جهلا أنهم اتخذوه ، والإله ما يكون بالاتخاذ ولا بجعل جاعل ، وإنما الإله الحق« أَنْداداً »أي شركاء ، وقد تقدم تفسير الند في أول السورة ، ثم قال« يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ »يقول : كحبهم للّه ، ثم شهد للمؤمنين تزكية لهم فقال :« وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ »فإنه لا شك أن من أفردك بالصفة الشريفة أعظم ممن جعل معك فيها شريكا ، فانقسمت محبة المشركين بين آلهتهم مع الحق ، فضعفت أن تبلغ في القوة مبلغ حب المؤمنين بأحدية اللّه« وَلَوْ تَرى » *يا محمد« الَّذِينَ ظَلَمُوا » *يعني
    ص 241

      الوقت/التاريخ الآن هو 21/11/2024, 13:34