..الإحسان حياة.

مرحبا بك أيّها الزّائر الكريم.

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

..الإحسان حياة.

مرحبا بك أيّها الزّائر الكريم.

..الإحسان حياة.

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
..الإحسان حياة.

..الإحسان معاملة ربّانيّة بأخلاق محمّديّة، عنوانها:النّور والرّحمة والهدى

المواضيع الأخيرة

» كتاب: نهاية العالم في الكتاب المقدس - دراسة مقارنة مع القرآن الكريم ـ نور فائزة بنت عثمان
من كتاب تفسير القرآن الكريم رحمة من الرحمن في تفسير وإشارات القرآن ـ ج1ـ لابن عربي ـ تفسير آلآيات من "74 - 89"البقرة Emptyأمس في 22:49 من طرف Admin

» كتاب مواعظ الإمام زين العابدين ـ صالح أحمد الشامي
من كتاب تفسير القرآن الكريم رحمة من الرحمن في تفسير وإشارات القرآن ـ ج1ـ لابن عربي ـ تفسير آلآيات من "74 - 89"البقرة Empty18/11/2024, 23:30 من طرف Admin

» كتاب إتحاف النفوس بنفحات القدوس ـ عبد القدوس بن أسامة السامرائي
من كتاب تفسير القرآن الكريم رحمة من الرحمن في تفسير وإشارات القرآن ـ ج1ـ لابن عربي ـ تفسير آلآيات من "74 - 89"البقرة Empty18/11/2024, 23:25 من طرف Admin

» كتاب الإعلام بفضل الصلاة على النبي والسلام ـ محمد بن عبد الرحمن بن علي النميري
من كتاب تفسير القرآن الكريم رحمة من الرحمن في تفسير وإشارات القرآن ـ ج1ـ لابن عربي ـ تفسير آلآيات من "74 - 89"البقرة Empty18/11/2024, 23:20 من طرف Admin

» كتاب الغيب ـ محمد متولي الشعراوي
من كتاب تفسير القرآن الكريم رحمة من الرحمن في تفسير وإشارات القرآن ـ ج1ـ لابن عربي ـ تفسير آلآيات من "74 - 89"البقرة Empty18/11/2024, 23:08 من طرف Admin

» كتاب الشيطان والإنسان ـ محمد متولي الشعراوي
من كتاب تفسير القرآن الكريم رحمة من الرحمن في تفسير وإشارات القرآن ـ ج1ـ لابن عربي ـ تفسير آلآيات من "74 - 89"البقرة Empty18/11/2024, 23:03 من طرف Admin

» كتاب الشعراوي هنا رأيت سيدنا إبراهيم ـ سعيد أبو العنين
من كتاب تفسير القرآن الكريم رحمة من الرحمن في تفسير وإشارات القرآن ـ ج1ـ لابن عربي ـ تفسير آلآيات من "74 - 89"البقرة Empty18/11/2024, 23:01 من طرف Admin

» كتاب الخير والشر ـ محمد متولي الشعراوي
من كتاب تفسير القرآن الكريم رحمة من الرحمن في تفسير وإشارات القرآن ـ ج1ـ لابن عربي ـ تفسير آلآيات من "74 - 89"البقرة Empty18/11/2024, 22:57 من طرف Admin

» كتاب التربية في مدرسة النبوة ـ محمد متولي الشعراوي
من كتاب تفسير القرآن الكريم رحمة من الرحمن في تفسير وإشارات القرآن ـ ج1ـ لابن عربي ـ تفسير آلآيات من "74 - 89"البقرة Empty18/11/2024, 22:55 من طرف Admin

» كتاب: إرشاد العباد إلى سبل الرشاد ـ للملبباري
من كتاب تفسير القرآن الكريم رحمة من الرحمن في تفسير وإشارات القرآن ـ ج1ـ لابن عربي ـ تفسير آلآيات من "74 - 89"البقرة Empty18/11/2024, 22:41 من طرف Admin

» ـ كتاب آداب الحسن البصري ـ أبن الجوزي
من كتاب تفسير القرآن الكريم رحمة من الرحمن في تفسير وإشارات القرآن ـ ج1ـ لابن عربي ـ تفسير آلآيات من "74 - 89"البقرة Empty18/11/2024, 22:34 من طرف Admin

» كتاب الله والنفس البشرية ـ لمحمد متولي الشعراوي
من كتاب تفسير القرآن الكريم رحمة من الرحمن في تفسير وإشارات القرآن ـ ج1ـ لابن عربي ـ تفسير آلآيات من "74 - 89"البقرة Empty18/11/2024, 22:23 من طرف Admin

» كتاب: معرفة النفس طر يق لمعرفة الرب ـ أستاذ البصيرة عبدالوهاب حسن
من كتاب تفسير القرآن الكريم رحمة من الرحمن في تفسير وإشارات القرآن ـ ج1ـ لابن عربي ـ تفسير آلآيات من "74 - 89"البقرة Empty18/11/2024, 22:21 من طرف Admin

» كتاب الطريق الي الله ـ الشيخ علي جمعة
من كتاب تفسير القرآن الكريم رحمة من الرحمن في تفسير وإشارات القرآن ـ ج1ـ لابن عربي ـ تفسير آلآيات من "74 - 89"البقرة Empty18/11/2024, 21:50 من طرف Admin

» كتاب: كتاب النفس والجسد والروح ـ ابراهيم البلتاجي
من كتاب تفسير القرآن الكريم رحمة من الرحمن في تفسير وإشارات القرآن ـ ج1ـ لابن عربي ـ تفسير آلآيات من "74 - 89"البقرة Empty18/11/2024, 21:38 من طرف Admin

أفضل 10 أعضاء في هذا الشهر

دخول

لقد نسيت كلمة السر


    من كتاب تفسير القرآن الكريم رحمة من الرحمن في تفسير وإشارات القرآن ـ ج1ـ لابن عربي ـ تفسير آلآيات من "74 - 89"البقرة

    avatar
    Admin
    Admin


    المساهمات : 68539
    تاريخ التسجيل : 25/04/2018

    من كتاب تفسير القرآن الكريم رحمة من الرحمن في تفسير وإشارات القرآن ـ ج1ـ لابن عربي ـ تفسير آلآيات من "74 - 89"البقرة Empty من كتاب تفسير القرآن الكريم رحمة من الرحمن في تفسير وإشارات القرآن ـ ج1ـ لابن عربي ـ تفسير آلآيات من "74 - 89"البقرة

    مُساهمة من طرف Admin 19/4/2020, 23:24

    كتاب تفسير القرآن الكريم رحمة من الرحمن في تفسير وإشارات القرآن من كلام الشيخ الأكبر محيي الدين ابن العربي
    سورة البقرة ( 2 ) : آية 74
    ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَهِيَ كَالْحِجارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجارَةِ لَما يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهارُ وَإِنَّ مِنْها لَما يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْماءُ وَإِنَّ مِنْها لَما يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ( 74 )
    « ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَهِيَ كَالْحِجارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً »وإنما كانت أشد قسوة من الحجارة
    لأن من الحجارة ما يتفجر منه الأنهار وإن منها لما يشقق فيخرج منه الماء وإن منها لما يهبط من خشية اللّه ، وأنتم ما عندكم في قلوبكم من هذا شيء ، يذمهم بذلك - تحقيق - اعلم أن الحجارة عبيد محققون ، ما خرجوا عن أصولهم في نشأتهم ، فالحجر يهرب من مزاحمة الربوبية في العلو ، فيهبط من خشية اللّه ، ومن خشي فقد علم من يخشى . ثم إن اللّه جعل هذه الأحجار محلا لإظهار المياه التي هي أصل حياة كل حي في العالم الطبيعي ، وهي معادن الحياة وبالعلم يحيا الإنسان الميت بالجهل ، فجمعت الأحجار بالخشية وتفجر الأنهار ، بين العلم والحياة ، قال تعالى : « وإن منها لما يتفجر منه الأنهار » مع اتصافها بالقساوة ، وذلك لقوتها في مقام العبودية ، فلا تتزلزل عن ذاتها ، لأنها لا تحب مفارقة موطنها ، لما لها فيه من


    من كتاب إيجاز البيان في الترجمة عن القرآن:

    من كان قبلكم كثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم ) ، ولذلك جرى لهؤلاء لما كثر سؤالهم مضى « 1 » فيها من أموالهم كثير على ما حكي ، وأما قوله« وَإِذْ قَتَلْتُمْ »وما قتله إلا واحد ، فهو راجع إلى قول بعضهم لبعض : أنتم قتلتم هذا القتيل ، وتدافعهم في ذلك ، فكأنه يقول : وإذ يقول بعضكم لبعض قتلتم نفسا فادار أتم فيها ، وأما قوله« اضْرِبُوهُ بِبَعْضِها »لما كان الضرب يتضمن صفة القهر لذلك جاء به ، إذ إخراج الشيء من العدم إلى الوجود لا يكون إلا من قاهر ، كما جاء في قوله( اضْرِبْ بِعَصاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ )( اضْرِبْ بِعَصاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْناً )ومن هذا الباب قوله تعالى( أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ )فقرن الإيجاد بالأمر ، إذ في ضمن مخالفته الوعيد ، وهو من صفة القاهر ، ثم أخبر تعالى أنهم بعد ما عاينوا ذلك قست قلوبهم ، فقال تعالى ( 75 )« ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ »أي من بعد ما رأيتم الآيات ، فما وقع ما ترجاه موسى منكم من عقلها والثبات عليها« فَهِيَ »يعني قلوبكم« كَالْحِجارَةِ »في الصلابة والشدة ، أو
    ____________________________________________________________________
    (1) ضاع

    ص 148

    العلم والحياة اللتين هما أشرف الصفات .
    [ في ( قست قلوبكم ) ]
    أما وصفه تعالى لقلوب من كفر من بني إسرائيل بقوله :« أَشَدُّ قَسْوَةً »فإن الحجر لا يقدر أن يمتنع عن تأثيرك فيه ، والقلب يمتنع عن أثرك فيه بلا شك ، فإنه لا سلطان لك عليه ، فلهذا كان القلب أشد قسوة أي أعظم امتناعا وأحمى ، وإن أحسنت في ظاهره ، فلا يلزم أن يلين قلبه إليك فذلك إليه ، فالصعب قلوب أشد قساوة من الحجارة ، فإن الحجارة تكسرها وتكلسها النار ولا تلينها . وأما قوله تعالى :« وَإِنَّ مِنْها »يعني من الحجارة« لَما يَهْبِطُ »الهبوط سقوط بسرعة عن غير اختيار« مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ »فوصفها بالخشية وهذه الآية تدل على أن اللّه أخذ بأكثر أبصار جنس الإنس والجان عن إدراك النفوس المدبرة الناطقة التي تسمى جمادا ونباتا وحيوانا ، وكشف لبعض الناس عن ذلك ، فإن الخشية المنعوت بها الأحجار هي التي أدتها إلى الهبوط ، وهو التواضع من الرفعة التي أعطاها اللّه ، فإنه لما وصفها بالهبوط علمنا أن الأحجار التي في الجبال يريد ، والجبال والأوتاد التي سكن اللّه بها ميد الأرض ، فلما جعلها أوتادا أورثها ذلك فخرا لعلو منصبها ، فنزلت هذه الأحجار هابطة من خشية اللّه لما سمعت اللّه يقول :« تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلا فَساداً وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ »والإرادة من صفات القلوب ، فنزلت من علوها ، وإن كان بربها ، هابطة من خشية اللّه حذرا أن لا يكون لها حظ في الدار الآخرة التي تنتقل إليها ، وأعني بالدار الآخرة هنا دار سعادتها ، فإن في الآخرة منزل شقاوة ومنزل سعادة« وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ »فإن اللّه ليس بغافل فإنه معنا في جميع المحافل.
    تفسير من باب الإشارة :« ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَهِيَ كَالْحِجارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً »والقسوة هو ما ينبغي أن تتطهر منها القلوب من النجاسات كانت ما كانت ، فإن منها المأخوذ بها والمعفو عنها« وَإِنَّ مِنَ الْحِجارَةِ لَما يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهارُ »وهي من القلوب العلوم الغزيرة الواسعة ، وتفجرها خروجها على ألسنة العلماء للتعليم في الفنون المختلفة « وإن من الحجارة لما يشقق فيخرج منه الماء » ، وهي القلوب التي تغلب عليها الأحوال فتخرج في الظاهر على ألسنة أصحابها بقدر ما يشقق منها وبقدر العلم الذي فيها ، فينتفع بها الناس ،


    من كتاب إيجاز البيان في الترجمة عن القرآن:
    أَشَدُّ قَسْوَةً »يقول أقوى في الصلابة من الحجارة ، قال تعالى( لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ )وذلك لمعرفته بقدر ما أنزل عليه ، وما زالت بنو إسرائيل

    ص 149
    وَإِنَّ مِنْها لَما يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ »وهبوط القلوب المشبهة بالحجارة في هبوطها هو نزولها من عزتها إلى عبوديتها ، ونظرها في عجزها وقصورها بالأصالة ، فالخشية من خصائص العلماء باللّه .

    سورة البقرة ( 2 ) : آية 75
    أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ ما عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ( 75 )
    هذه الآية تدل على أن التوراة ما تغيرت في نفسها ، وإنما كتابة اليهود إياها وتلفظهم بها لحقه التغيير ، فنسب ذلك إلى كلام اللّه فقال :« ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ ما عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ »أن كلام اللّه معقول عندهم ، وأبدوا في الترجمة عنه خلاف ما هو في صدورهم عندهم وفي مصحفهم المنزل عليهم ، فإنهم ما حرفوا إلا عند نسخهم من الأصل ، وأبقوا


    من كتاب إيجاز البيان في الترجمة عن القرآن:

    مع كثرة الآيات والنعم تكثر منهم المخالفات وسوء الأدب مع اللّه ، فعقوبة القاتل إخراج مكتومه بإحياء الميت ، وعقوبة قومه على قولهم( أَ تَتَّخِذُنا هُزُواً )لمثل موسى عليه السلام ما ابتلوا به من السؤال عن البقرة حتى رزءوا في أموالهم بما وزنوه من ثمنها ، وأما قوله« وَإِنَّ مِنَ الْحِجارَةِ لَما يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهارُ وَإِنَّ مِنْها لَما يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْماءُ وَإِنَّ مِنْها لَما يَهْبِطُ »وكل ما يقع منها مما ذكره« مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ »أي من رجائهم وخوفهم ، لأن الخشية تتضمن الرجاء والخوف ، فأما وصفها بتفجير الأنهار فهو كثرة بكائها ، والماء الخارج من التشقق للبكاء الذي لم يبلغ في الكثرة مبلغ الأنهار ، ومنها بكاء فرح وبكاء حزن ، فبكاء الحزن من خوف التفريط فيما كلفته من التسبيح ، كالمياه الكبريتية الحارة المالحة ، وبكاء الفرح والسرور بما وفقت له من ذكر اللّه كالمياه الباردة العذبة ، وما بينهما من أصناف المياه كما بينهن من الأحوال في امتزاجاتها ، من خلط الحزن بالسرور والفرح على حسب ما يغلب عليها ، والمياه شبيه الدموع ، وذكر ما هبط منها في مقابلة ما تكبروا به على أمر اللّه ، ثم هددهم وأوعدهم مجملا فقال« وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ »بالتاء والياء على الغيبة والحضور ، فالحضور له سبحانه ، والغيبة خطاب لموسى ولمن عرفهم بذلك ، ثم قال لمحمد عليه السلام وأمته ( 76 )« أَ فَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ »الآية ، هذه مسئلة مشكلة وليس لها مخرج إلا ما روي عن عيسى عليه السلام لما لقيه إبليس وكان غرضه أن يطيعه ولو في الدلالة على الخير ، فقال له ( يا عيسى قل لا إله إلا اللّه ) فقال عيسى عليه السلام ( أقولها لا لقولك لا إله

    ص 150

    الأصل على ما هو عليه ليبقى لهم العلم ولعلمائهم ، فما هو عند علمائهم محرف ، وهم يحرفونه لأتباعهم فأضلهم اللّه على علم ، فالتوراة مع اختصاصها بأن اللّه كتبها بيده لم يحفظها من التبديل والتحريف الذي حرفه اليهود . وحفظ كلام اللّه ، وعصمته إنما يعصم لأنه حكم ، والحكم معصوم ومحله العلماء به ، وتولى اللّه فينا حفظ ذكره واستحفظ كتابه غير هذه الأمة فحرفوه وهم يعلمون بمخالفتهم ( راجع المائدة - 14 ) .


    من كتاب إيجاز البيان في الترجمة عن القرآن:

    إلا اللّه ) وهؤلاء المنافقون قد قالوا آمنا بألسنتهم وهم يعلمون أنه رسول اللّه حقا ، لا يشكون فيه كما لا يشكون في أبنائهم ، وهم مصدقون بقلوبهم لأنهم لا ينكرون علمهم ، وأقروا بألسنتهم للمؤمنين إذا لقوهم ، فلم يبق سلب الإيمان عنهم إلا كونهم لم يقولوا : لا إله إلا اللّه محمد رسول اللّه ، لقوله صلى اللّه عليه وسلم ، قال تعالى( إِذا جاءَكَ الْمُنافِقُونَ قالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ )لا في قولهم ، فإنهم قالوا حقا ، ولا في بواطنهم ، فإنهم عالمون أنه رسول اللّه من كتابهم ، فلم يبق تكذيب اللّه لهم إلا أنهم أظهروا أنهم قالوها لقوله صلى اللّه عليه وسلم ، ولم يكن كذلك ، فهذا معنى قوله لنبيه عليه السلام وأصحابه« أَ فَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ »فيكون سرهم وعلانيتهم أن قالوها لقولك سواء ، هذا لا يكون منهم ، بل يجرون على ما كان عليه بعض أسلافهم ، وهو قوله« وَقَدْ كانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ »فيحتمل إضافة سماع الكلام لهم وجهان ، الواحد أن يكون سماعهم من تلاوة موسى عليهم كتابهم ، مثل قوله تعالى( فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ )ويحتمل أنهم سمعوا كلام اللّه كما سمعه موسى حين كلمه ربه على الطور وقد ذكر ذلك ، ووقع الإشكال من قوله« ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ ما عَقَلُوهُ »ما ضبطوه ، فلو لم يذكر التحريف كان يتقوى أنهم سمعوا كلام اللّه حين كلم موسى ، وكان يتعين أنهم السبعون الذين اختارهم ، وقوله« ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ »يغيرونه إما بحذف بعض الكلام ليزول المعنى ، مثل قولهم

    [ ومن يبتغ الإسلام دينا ]
    فأزالوا غير ، وإما أن يزيدوا فيه كلاما حتى يتغير المعنى إلى ما يريدونه ، وقوله« وَهُمْ يَعْلَمُونَ »يحتمل أن يكون الضمير يعود على قوم موسى أنهم عالمون بما حرفوا ، ويحتمل أن يعود على يهود المدينة« وَهُمْ يَعْلَمُونَ »أنك رسول اللّه وأنك على الحق ، كما علم أسلافهم وغيّروا ، كذلك هؤلاء إذا فارقوكم يظهرون لإخوانهم أنهم بخلاف ما ظهروا لكم به من الإقرار والانقياد ، ثم قال تعالى ( 77 )« وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا »كان المنافقون إذا لقوا الذين آمنوا« قالُوا آمَنَّا »أي صدقنا« وَإِذا خَلا بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ »كان المسلم إذا خلا بأحد من ذوي رحمه من المنافقين يقول له المسلم : إن رسول

    ص 151

    سورة البقرة ( 2 ) : الآيات 76 إلى 79
    وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنَّا وَإِذا خَلا بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ قالُوا أَ تُحَدِّثُونَهُمْ بِما فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ أَ فَلا تَعْقِلُونَ ( 76 ) أَ وَلا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ ( 77 ) وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتابَ إِلاَّ أَمانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ ( 78 ) فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هذا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ ( 79 )
    « ثُمَّ يَقُولُونَ هذا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ »وهو ما توسوس به نفوسهم ، وما تسول لهم شياطينهم ،« لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلًا »من الجاه والرئاسة عليهم ، وما يحصلوه من المال .

    من كتاب إيجاز البيان في الترجمة عن القرآن:

    اللّه يقول إن اللّه قد ذكر لكم في كتابكم نعته ، فيقول له المنافق : نعم إنه لكما قال وإنه لنبي حق ، فإذا بلغ ذلك إلى رؤسائهم مثل حيي بن أخطب ، وكعب بن الأشرف ، وغيرهم ، يعظم ذلك عليهم ، فإذا خلوا مع هؤلاء الذين تحدثوا مع المسلمين أن اللّه قد أخبر في التوراة بصدقه ، وأنه نبي ، يقولون لهم« قالُوا أَ تُحَدِّثُونَهُمْ بِما فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ »يعني من العلم به ويروا أن الشرف في العلم« لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ »ليحتجوا بكتابكم عليكم بإقراركم ، أي عند ذكركم أنه في كتاب ربكم ، ويحتمل أن يريدوا بذلك يوم القيامة ، قال تعالى( ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ )وهو الأوجه ، يقول« أَ فَلا تَعْقِلُونَ »إنكار ، أي ليس لكم عقول تعرفون بها هذا القدر أنه حجة عليكم ، فأخبر اللّه نبيه بجهلهم باللّه تعالى فقال ( 78 )« أَ وَلا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ »بعضهم لبعض فيخبرك به« وَما يُعْلِنُونَ »وما يظهرون به عندكم ، مما يكذبون فيه أنهم مصدقون لقولك ، ثم قال تعالى ( 79 )« وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ »الأمي هو الذي لا يكتب ولا يقرأ المكتوب ولا يحسب« لا يَعْلَمُونَ الْكِتابَ »فيعلمهم علماؤهم وأحبارهم بما يشتهون ، ولا يخبرونهم بما أنزل فيها من الحق في نعت محمد صلّى اللّه عليه وسلم ، فيقلدونهم في ذلك ، وقوله« إِلَّا أَمانِيَّ »إلا أن لهم قدرة على الاختلاق وتنظيم الكلام لمن لا يفهم حتى يعتقد أنه حق ، يقال منّى إذا قدر


    ص 152
    سورة البقرة ( 2 ) : الآيات 80 إلى 81
    وَقالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْداً فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ ( 80 ) بَلى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ ( 81 )
    فهم الذين تمسهم النار فإنه ما كل من دخل النار تمسه ، فإن ملائكة العذاب في النار وهي دارهم وما تمسهم النار .

    من كتاب إيجاز البيان في الترجمة عن القرآن:

    " وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ »فذمهم لأنهم متمكنون أن يتعلموا الكتاب حتى يكونوا مثل الذين يعلمون الكتاب فلا يقلدونهم ، و« إِلَّا أَمانِيَّ »استثناء منقطع ، وقد يكون عندي استثناء متصل ، وإن كانوا لا يعلمون إلا أنهم قادرون على الاختلاق ، ثم قال ( 80 )« فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتابَ بِأَيْدِيهِمْ »أخبر أن لهم الويل يوم القيامة والنشور بما كتبت أيديهم من تغيير نعت محمد صلّى اللّه عليه وسلم وأمته من التوراة ، وقولهم لمن لم يعرف منهم أن هذا الذي نزل من عند اللّه ، وهو قوله« ثُمَّ يَقُولُونَ هذا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ، لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلًا »من متاع الدنيا ، أو يكون الثمن رياستهم وافتقار الناس إليهم فيما يشرعون لهم« فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ »من أجل ذلك« وَوَيْلٌ لَهُمْ »زائد على ذلك« مِمَّا يَكْسِبُونَ »أي مما حصل لهم من ذلك من المال والرئاسة ( 81 )« وَقالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُودَةً »يقولون وإن دخلنا النار على زعمكم ، فإن اللّه عادل لا يعذبنا في النار إلا أيام كفرنا وبعد ذلك نخرج ، وصدقوا فيما قالوه من الأيام المعدودة ، وكذبوا في انقضاء ذلك ، وذلك أن اللّه لا يعذبهم إلا على قدر كفرهم بالنوع الذي وعد على كل سيئة من العذاب الخاص بتلك السيئة ، فإذا انتهى الزمان الذي كان قدر ما كفروا فيه رجع عوده على بدئه ، فلا يزال يدور عليهم عودا على بدء إلى غير نهاية ، كما تدور أيام الجمعة وكما تدور فصول السنة وإن كانت محصورة فدورانها ليس بمحصور ، إلا أن يشاء اللّه ذلك كما شاء بانقضاء الدنيا ، ولأنه ما مر عليهم يوم من أيام الجمعة إلا والكفر والنفاق يستصحبهم فيه ، فتتعاقب الأيام السبعة عليهم دائما بما عملوه ، ألا ترى في الخبر الوارد أن أبا لهب عم النبي عليه السلام يخفف عنه العذاب ليلة الاثنين لوليدة أعتقها فرحا بمولد النبي عليه السلام ، فجوزي بذلك في اليوم الذي أوقع فيه هذا الخير ، فإن أنكر منكر وجود الأيام في الدار الآخرة فاللّه يقول( لَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيها بُكْرَةً وَعَشِيًّا )إلى غير ذلك من الأخبار ، ثم نرجع ونقول والسبب الموجب لذلك هو ما نذكره ، وذلك أن الجنة والنار تتضمن

    ص 153

    سورة البقرة ( 2 ) : آية 82
    وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ ( 82 )

    الجنة دار بقاء السعادة والنظر ، وهي الساترة لأهلها عن كل مكروه يكون في الدار التي تقابلها ، وما يعطيه سلطان أسماء الانتقام .

    من كتاب إيجاز البيان في الترجمة عن القرآن:

    ثلاثة أحوال : دخولا ، ونزولا فيها على طبقات مخصوصة ، وخلودا بلا خروج ، فأما الدخول فيها فبرحمة اللّه .
    قال عليه السلام
    [ لا يدخل الجنة أحد بعمل ، قيل له : ولا أنت ؟ قال ولا أنا إلا أن يتغمدني اللّه برحمته ]
    فإن الدخول حالة متوهمة ، وذلك كالخط الفاصل بين الظل والشمس الذي ليس من الظل ولا من الشمس وهو متوهم فهو حال الدخول ، فإنه إن كنت في أول الشمس الملاصق للظل فقد دخلت وأنت في الشمس ، وإن كنت في الظل الذي في الحد المجاور للشمس فما دخلت ، فلما لم يكن لهذا الفاصل المتوهم وجود حسي لم يقترن به عمل يوجبه إلا رحمة اللّه ، فإذا دخل السعيد أو الشقي داره نزل فيها بحسب عمله في الدرجات والدركات زمانا وحالا ، وأما الخلود فموجبه النيّات ، وهو أن كل فريق منهم كان في نيته لو بقي في الدنيا أبد الآبدين لا يخرج منها لبقي على اعتقاده ذلك ، كفرا كان أو إيمانا ، فكان الخلود في مقابلة هذا الاستمرار ، فصدقوا في قولهم« أَيَّاماً مَعْدُودَةً »وغاب عنهم أن ذلك يدور عليهم دائما ، وهذا في أهل النار الذين هم أهلها ، وأما الرحمة في دخول النار فهي بالنار وما فيها من الحيوانات المعدة للعذاب ، فرحمها اللّه بما جعل فيها من الإنس والجن ، فتأكل جلودهم وتعذبهم ، فإنها تتنعم بالانتقام من أعداء اللّه ، مثل التشفي ، وقد صح عندنا هنا أنها اشتكت إلى ربها فقالت : يا رب أكل بعضي بعضا ، فرحمها بأن أذن لها بنفسين ، نفس في الشتاء وهو ما نجده من شدة البرد ، ونفس في الصيف وهو ما نجده من شدة الحر ، وإن شئنا قلنا إنهم يدخلونها بعدل اللّه ، فقال اللّه حين قالوا« لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُودَةً »« قُلْ »لهم يا محمد« قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْداً »أنزله عليكم في الكتاب ففعلتم به ، فإن كان هذا« فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ »ففي الكلام حذف« أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ »يقول : أم تفترون على اللّه الكذب ، أما حرف« أَمْ »هنا قد يكون بمعنى أي ، وقد يكون منقطعا ، ثم قال ( 82 )« بَلى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً »جواب قولهم( لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُودَةً )« بَلى »تمسكم دائما يفسره قوله« مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ »على الجمع والإفراد وإذا أحاطت به فلم يكن له عمل صالح شرعا وعرفا يخرجه من النار ، فإنه لو تخلل هذا أمر ما صالح ما كان محيطا ، وهؤلاء أهل النار الذين هم أهلها لا يموتون فيها ولا يحيون ، فهم شر محض ليس فيهم من الخير المشروع ولا المعروف شيء ، إما بأنهم جوزوا على ذاك في الدنيا ،

    ص 154

    سورة البقرة ( 2 ) : آية 83
    وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ لا تَعْبُدُونَ إِلاَّ اللَّهَ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً وَذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ ( 83 )

    الزكاة : ربو من زكا يزكو إذا ربا ، والزكاة طهارة بعض الأموال .

    من كتاب إيجاز البيان في الترجمة عن القرآن:

    وإما لم يعملوه ، فهذا معنى« وَأَحاطَتْ بِهِ »« فَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ »وأصحاب النار هم أهلها الذين خلقوا لها ، وأما الدوام فيها إلى ما لا يتناهى فلا يقبل موحدا ، أخرج مسلم في الصحيح من رواية عثمان ، قال قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم [ من مات وهو يعلم أنه لا إله إلا اللّه دخل الجنة ولو دخل النار ] وهذا خبر ، والخبر الإلهي لا يدخله النسخ ، ويخرج اللّه يوم القيامة من لم يعمل خيرا قط ، والتوحيد ليس بعمل وإنما العمل طلب تحصيله ، فهؤلاء الذين أخرجهم اللّه حصل لهم نور من عنده سبحانه من غير عمل ولا تعمل ، ولكن عملوا أعمالا استوجبوا بها العقاب ما شاء اللّه ، ثم أخرجهم سبحانه بالعناية التي سبقت لهم ، ثم قال في مقابلة هؤلاء في أهل الجنة الذين هم أهلها ( 83 )« وَالَّذِينَ آمَنُوا »باللّه وما أنزله من الكتب والرسل« وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ »في مقابلة ( وأحاطت به خطيئاته ) فإن الأعمال الصالحة هي التي لا يدخلها خلل يزيل عنها اسم الصلاح ، قال« أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ »فخصهم بالذكر دون من يدخل الجنة بالشفاعة وبعد العذاب ، تهمما بهم واعتناء ، وإن كان الخلود في الجنة يشمل العاصي والطائع ، ثم قال ( 84 )« وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ »جميع ما يأتي هو شرح الميثاق الذي أخذه عليهم ، فهو إخبار بما عهد إليهم وتعليم لنا ، فقوله« لا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ »أي لا تقروا بالوحدانية في الألوهية ولا تتقربوا بالعبادات إلا اللّه ، وقرئ بالتاء والياء على الإخبار وعلى حكاية الخطاب الذي قال لهم ، ومن ذلك قوله« وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً »أي برا بهما عاما ، وهو حجتنا على من يلزمنا الوقوف عند التأفيف لهما من التنبيه بالأدنى على الأعلى في تأويلهم ، وأن ما عدا التأفيف يجوز أن نعاملهما به ، فنلتزم لهم ذلك ونجعل حجتنا« وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً »وما عدا التأفيف من قبيح الأفعال ومما يؤدي إلى العقوق يدخل في الإحسان اجتنابه ، وقوله« وَذِي الْقُرْبى »يريد صلة الرحم ، وقوله« وَالْيَتامى »يخاطب الأوصياء بحفظ أموالهم ، وغير الأوصياء بالشفقة عليهم وجبر انكسارهم ليتمهم ، وقوله« وَالْمَساكِينِ »وهم الذين أذلهم


    ص 155
    سورة البقرة ( 2 ) : الآيات 84 إلى 85
    وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ لا تَسْفِكُونَ دِماءَكُمْ وَلا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ ( 84 ) ثُمَّ أَنْتُمْ هؤُلاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِنْكُمْ مِنْ دِيارِهِمْ تَظاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسارى تُفادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْراجُهُمْ أَ فَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَما جَزاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذلِكَ مِنْكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يُرَدُّونَ إِلى أَشَدِّ الْعَذابِ وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ( 85 )
    يوم القيامة هو يوم قيام الناس من قبورهم لرب العالمين لفصل القضاء .

    من كتاب إيجاز البيان في الترجمة عن القرآن:

    الفقر ، فيتصدق عليهم برؤية المنة لهم علينا في قبولهم منا ما نواسيهم به ، وأن نعرفهم أنا مستخلفون من اللّه فيما بأيدينا ، فهو رزقكم ، ونحن أمناء اللّه عليه ، حتى يأخذه المسكين بعزة ولا يظهر عليه ذلة الحاجة لما في أيدينا ، وقوله« وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً »أي ألقوهم بالبشاشة وطلاقة الوجه والقول الحسن ، قال تعالى( لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْواهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ )وقوله أيضا( وَقُلْ لَهُما قَوْلًا كَرِيماً )هذا كله من القول الحسن المأمور به ، ثم قال« وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ »قد تقدم الكلام على ذلك فيما مضى« ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ »عن كل ما أخذنا عليكم الميثاق فيه« إِلَّا قَلِيلًا مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ »عن ذلك ، لأنه قد يكون توليهم عند فراغ الخطاب تولي مفارقة إلى منازلهم ليعملوا بما كلفوا ، فأخبر تعالى أن توليهم كان إعراضا عن الحق ، واستثنى قليلا منهم ، وهو من أسلم وانقاد إلى الحق وعمل به ، كعبد اللّه بن سلام وابن أخته قيس بن زيد وغيرهما ، وهذا يرجح من قرأ بالتاء المنقوطة من فوق من« لا تَعْبُدُونَ »وقد يحتمل أن يكون ضمير المخاطب في« تَوَلَّيْتُمْ »و« أَنْتُمْ »يهود المدينة ، أي توليتم عند إخبارنا إياكم ما أخذناه على أسلافكم أن يكونوا عليه وذريتهم وأعقابهم ، إلى أن جاء زمانكم فتوجه إليكم الخطاب بما تتضمنه توراتكم من ذلك وغيره ، من الإيمان بمحمد واتباعه من نفس كتابكم ، فتوليتم وأنتم معرضون إلا قليلا منكم ، ثم قال ( 85 )« وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ »يقول مخاطبا يهود المدينة ، وقد

    ص 156


    سورة البقرة ( 2 ) : آية 86
    أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَياةَ الدُّنْيا بِالْآخِرَةِ فَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ ( 86 )
    لولا نحن ما قيل : دنيا ولا آخرة ، وإنما كان يقال ممكنات وجدت وتوجد كما هو الأمر ، فلما عمرنا نحن من الممكنات المخلوقة أماكن معينة إلى أجل مسمى من حين ظهرت أعياننا ، ونحن صور من صور العالم ، سمينا ذلك الموطن الدار الدنيا ، أي الدار القريبة التي عمرناها في أول وجودنا لأعياننا ، وقد كان العالم ولم نكن نحن ، مع أن اللّه تعالى جعل لنا في عمارة

    من كتاب إيجاز البيان في الترجمة عن القرآن:

    أخذنا ميثاقكم على ما وجدتموه في التوراة وتقرونه بينكم« لا تَسْفِكُونَ دِماءَكُمْ »أي لا تقتلوا أنفسكم ، ولا يقتل بعضكم بعضا ، يقول اللّه فيمن قتل نفسه

    [ بادرني عبدي بنفسه حرمت عليه الجنة ]
    « وَلا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ »أي لا يخرج بعضكم بعضا من منزله تعديا عليه« ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ »بأن ما ذكرناه حق« وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ »أنه في كتابكم كما أخبركم به محمد عليه السلام ، وهو أمي لا يقرأ كتابكم ، فتعلمون أنه نبي أرسلناه من عندنا ، فكفرتم ببعض ما أنزل إليكم في كتابكم ، وهو قوله ( 86 )« ثُمَّ أَنْتُمْ هؤُلاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ »يقول يقتل بعضكم بعضا« وَتُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِنْكُمْ مِنْ دِيارِهِمْ تَظاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْإِثْمِ »أي تتعاونون عليهم بما تأثمون بفعله« وَالْعُدْوانِ »من التعدي لحدود اللّه« وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسارى تُفادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْراجُهُمْ »من ديارهم ، فهذا مما كفرتم به فغيرتم الصفة التي أقررتم ، بما فعلتم من القتل والإخراج ، فغير اللّه بكم بما نذكره في الخزي الذي نالهم في الحياة الدنيا ، قال تعالى( إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ )وكتبنا عليكم في التوراة أن تفدوا من أسر منكم ، وهو قوله« وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسارى تُفادُوهُمْ »فهذا مما أنتم به من التوراة مؤمنون ، يقول اللّه لهم« أَ فَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ »وهو قوله أيضا في سورة النساء( وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ ، وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلًا )أي يحدثوا طريقا أخرى من عند أنفسهم ، أولئك هم الكافرون حقا ، فقال تعالى« فَما جَزاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذلِكَ مِنْكُمْ »وهو الإيمان ببعض الكتاب والكفر ببعضه« إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا »وهو ما كان من قتل بني قريظة وإجلاء بني النضير ، وما ضرب اللّه عليهم من الذلة والمسكنة أينما كانوا إلى يوم القيامة« وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يُرَدُّونَ إِلى أَشَدِّ الْعَذابِ »وهو الدرك الأسفل من النار الذي أعده اللّه للمنافقين« وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ »وعيد وتهديد من اللّه لهم ( 87 )" أُولئِكَ "إشارة إليهم« الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَياةَ

    ص 157

    الدنيا آجالا ننتهي إليها ، ثم ننتقل إلى موطن آخر يسمى آخرة ، فيها ما في هذه الدار الدنيا ، ولكن متميز بالدار كما هو هنا متميز بالحال ، ولم يجعل لإقامتنا في تلك الدار الآخرة أجلا تنتهي إليه مدة إقامتنا ، وجعل تلك الدار محلا للتكوين دائما أبدا إلى غير نهاية ، وبدل الصفة على الدار الدنيا فصارت بهذا التبديل آخرة والعين باقية« فَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ »لما قال تعالى في حق أهل الشقاء :« إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ »ما قال إن الحال التي هم فيها لا تنقطع كما قال في السعداء والذي منع من ذلك قوله :« وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ »وقوله : « إن رحمتي سبقت غضبي » في هذه النشأة فإن الوجود رحمة في حق كل موجود ، وإن تعذب بعضهم ببعض ، فتخليدهم في حال النعيم غير منقطع ، وتخليدهم في حال الانتقام موقوف على الإرادة ، فقد يعود الانتقام منهم عذابا عليهم لا غير ويزول الانتقام ، ولهذا فسره في مواضع بالألم المؤلم وقال :« عَذابٌ أَلِيمٌ »و« الْعَذابَ الْأَلِيمَ » *وفي مواضع لم يقيد العذاب بالأليم وأطلقه فقال :« فَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ »يعني وإن زال الألم وقال :« فِي عَذابِ جَهَنَّمَ »ولم ينعته بأنه أليم .


    سورة البقرة ( 2) : آية 87 وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَقَفَّيْنا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَآتَيْنا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ وَأَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ أَ فَكُلَّما جاءَكُمْ رَسُولٌ بِما لا تَهْوى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ ( 87 )
    وَأَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ »أي قويناه فإن الخوف مما تطلبه حكم الطبيعة في هذه النشأة ، فإن لها خورا عظيما لكونها ليس بينها وبين الأرواح التي لها القوة والسلطان عليها واسطة

    من كتاب إيجاز البيان في الترجمة عن القرآن:

    الدُّنْيا بِالْآخِرَةِ »يعني ما عصموا به دماءهم وأموالهم من كلمتي الشهادة ، فكانوا في الدنيا معافين ، والكفار بالجزية ، فاشتروا عافية الدنيا وتركوا عافية الآخرة ، وقد تقدم معنى ذلك في تفسير( اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى )في أول السورة ، قال« فَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ »إذ لم يعملوا ما يوجب لهم التخفيف عنهم من ذلك« وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ »ولا لهم ناصر ينصرهم ، ثم قال ( 88 )« وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ »يعني التوراة« وَقَفَّيْنا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ »يقول بعد موت موسى

    ص 158

    ولا حجاب ، فلازمها الخوف ملازمة الظل للشخص ، فلا يتقوى صاحب الطبيعة إلا إذا كان مؤيدا بالروح ، فلا يؤثر فيه خور الطبيعة ، فإن الأكثر فيه أجزاء الطبيعة ، وروحانيته التي هي نفسه المدبرة له موجودة أيضا عن الطبيعة فهي أمها ، وإن كان أبوها روحا ، فللأم أثر في الابن فإنه في رحمها تكوّن ، وبما عندها تغذى ، فلا تتقوى النفس بأبيها إلا إذا أيدها اللّه بروح قدسي ينظر إليها ، فحينئذ تقوى على حكم الطبيعة فلا تؤثر فيها التأثير الكلي وإن بقي فيه أثر ، فإنه لا يمكن زواله بالكلية ، ولما كان عيسى عليه السلام روحا كما سماه اللّه أنشأه روحا في صورة إنسان ثابتة ، فكان يحيي الموتى بمجرد النفخ ، ثم إنه أيده بروح القدس فهو روح مؤيد بروح طاهرة من دنس الأكوان .


    سورة البقرة ( 2 ) : آية 88
    وَقالُوا قُلُوبُنا غُلْفٌ بَلْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلاً ما يُؤْمِنُونَ ( 88 )

    من كتاب إيجاز البيان في الترجمة عن القرآن:

    أرسلنا رسلا تترى ، يقال قفاه إذا اتبعه من قفاه ، كما يقال واجهه إذا جاءه من جهة وجهه ، فإنه جاء بغده يوشع وشمويل وشعيا وأورميا وداود وغيرهم ، وكلما جاء أمة رسولها كذبوه إلى أن جاء عيسى ابن مريم« وَآتَيْنا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ »وهو أيشوع بالسريانية ، والمريم من النساء كالزير من الرجال ، فأعطاه اللّه من البينات ما جاء ذكره في القرآن« وَأَيَّدْناهُ »يقول وقويناه« بِرُوحِ الْقُدُسِ »فيه وجهان ، الواحد أنا خلقناه مطهرا من الشهوة الطبيعية التي تكون عن النكاح ، فإنه لم يكن عن نكاح ، فليس للطبيعة فيه أثر ، فكأنه خلق مؤيدا بأصل نشأته ، فلم يجدوا له قومه ما يثلبونه به ، والوجه الثاني يعني جبريل عليه السلام ، فجعلناه له ركنا يأوي إليه ويتقوى جأشه به عند منازعة قومه ، فكانت اليهود قد قالت لمحمد عليه السلام : إن من جاء قبلك من الرسل جاءوا بالبينات ، فأت أنت بمثل ما جاءوا به ، فأنزل اللّه عليه« أَ فَكُلَّما جاءَكُمْ رَسُولٌ بِما لا تَهْوى أَنْفُسُكُمُ »يعني أن طلبهم البينات كان دفعا لنبوته حتى لا يؤمنوا به ، فإنه من أعظم البينات له كونه مذكورا في كتابهم بنعته واسمه ، وفي الإنجيل ، كما أخبر اللّه تعالى أنهم يعرفونه كما يعرفون أبناءهم ، يقول« اسْتَكْبَرْتُمْ »عن اتباع أمثال الرسل وعن اتباعي« فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ »وما سلطتم عليهم« وَفَرِيقاً »أيضا من الأنبياء« تَقْتُلُونَ »قتلتم كيحيى وزكريا وغيرهما ، وأردتم قتلي بما جعلتم في ذراع الشاة من السم ، ولكن عصمني اللّه منكم ، ولكن مع هذا قال عليه السلام [ ما زالت أكلة خيبر تعاودني فهذا أوان قطعت أبهري ] لتحصل له الشهادة التي هي أشرف الموتات ، فلما عرفت اليهود أن الذي قاله حق ولم تكن لهم حجة يحتجون بها ( 89 )« وَقالُوا

    ص 159

    " وَقالُوا قُلُوبُنا غُلْفٌ »أي في غلاف ، وهو الكن الذي ستره عن إدراك الأمر على ما هو عليه .
    سورة البقرة ( 2 ) : آية 89
    وَلَمَّا جاءَهُمْ كِتابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِما مَعَهُمْ وَكانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكافِرِينَ ( 89 )
    يعني بذلك كل كافر به في كل زمان ، حتى يبقى العموم في الضمير على أصله ، كما قال تعالى :« وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ كافِرٍ بِهِ »صفة لمحذوف فيكونون أولا في أهل زمانهم في الكفر به فقوله تعالى :« فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ »وإن كان له وجود قبل مجيئه إليهم فيعم كل من كفر به في كل زمان .

    من كتاب إيجاز البيان في الترجمة عن القرآن:

    قُلُوبُنا غُلْفٌ »قالوا قلوبنا غلف أي هي في غلاف ، مثل قولهم( فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ )ففي هذا الكلام رائحة من الرجوع إلى القضاء والقدر ، أي لو أراد اللّه أن نتبعك لأزال هذا الغلاف عن قلوبنا فأبصرت نور النبوة ، فأضرب اللّه عن قولهم فقال« بَلْ »حرف إضراب« لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ »باء السبب ، فأوقع اللعنة عليهم لأنهم كفروا ، أي ستروا الحق الذي يعلمونه من نبوة محمد ، ويحتمل أن يكون قولهم« قُلُوبُنا غُلْفٌ »أي هي نفس الغلاف لما تحوي عليه من العلوم ، فلو كنت نبيا لكان في قلوبنا العلم بك ، فأخبر تعالى أن الكفر في قلوبهم بنبوته فلعنهم اللّه لذلك ، وصدقهم في قولهم إن قلوبنا غلف ولكن للكفر« فَقَلِيلًا ما يُؤْمِنُونَ »فمنهم المؤمنون وأكثرهم الفاسقون ، ولتكذيبهم أيضا وجه في قولهم« قُلُوبُنا غُلْفٌ »( وفي أكنة مما تدعونا إليه ) فإنه مما يدعوهم إليه الإيمان باللّه وقد فطروا عليه ، إذ كل مولود يولد على الفطرة ، فبطل أن تكون قلوبهم في غلاف وكن من الإيمان باللّه ، ولهذا جعلنا ذلك الإيمان بنبوة محمد صلّى اللّه عليه وسلم ، ثم قال ( 90 )« وَلَمَّا جاءَهُمْ كِتابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ »يعني القرآن و« مِنْ عِنْدِ اللَّهِ »في موضع الصفة للكتاب« مُصَدِّقٌ لِما مَعَهُمْ »أي لما في الكتاب الذي معهم وهو التوراة والإنجيل« وَكانُوا مِنْ قَبْلُ »أن يأتيهم محمد بالقرآن يؤمنون به من كتابهم ، وإذا اجتمعوا بالكفار في قتال« يَسْتَفْتِحُونَ »أي يستنصرون اللّه« عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا »به ، فيقولون : اللهم بحق هذا النبي الذي يأتي ووصفته لنا في كتابنا فانصرنا عليهم ، وهذا معنى قوله« وَكانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا »« فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا »الذي كانوا يستنصرون به ، وهو قوله( إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الْفَتْحُ )« كَفَرُوا بِهِ »

    ص 160


      الوقت/التاريخ الآن هو 21/11/2024, 17:43