..الإحسان حياة.

مرحبا بك أيّها الزّائر الكريم.

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

..الإحسان حياة.

مرحبا بك أيّها الزّائر الكريم.

..الإحسان حياة.

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
..الإحسان حياة.

..الإحسان معاملة ربّانيّة بأخلاق محمّديّة، عنوانها:النّور والرّحمة والهدى

المواضيع الأخيرة

» كتاب: ينابيع المودة ـ الشيخ سليمان بن إبراهيم القندوزي
من كتاب تفسير القرآن الكريم رحمة من الرحمن في تفسير وإشارات القرآن ـ ج1ـ لابن عربي ـ تفسير آلآيات من "137 - 146"البقرة  Emptyأمس في 19:59 من طرف Admin

» كتاب: إيثار الحق على الخلق ـ للإمام عز الدين محمد بن إبراهيم بن الوزير الحسنى
من كتاب تفسير القرآن الكريم رحمة من الرحمن في تفسير وإشارات القرآن ـ ج1ـ لابن عربي ـ تفسير آلآيات من "137 - 146"البقرة  Emptyأمس في 19:56 من طرف Admin

» كتاب: الذين رأوا رسول الله في المنام وكلّموه ـ حبيب الكل
من كتاب تفسير القرآن الكريم رحمة من الرحمن في تفسير وإشارات القرآن ـ ج1ـ لابن عربي ـ تفسير آلآيات من "137 - 146"البقرة  Emptyأمس في 19:51 من طرف Admin

» كتاب: طيب العنبر فى جمال النبي الأنور ـ الدكتور عبدالرحمن الكوثر
من كتاب تفسير القرآن الكريم رحمة من الرحمن في تفسير وإشارات القرآن ـ ج1ـ لابن عربي ـ تفسير آلآيات من "137 - 146"البقرة  Emptyأمس في 19:47 من طرف Admin

» كتاب: روضة الأزهار فى محبة الصحابة للنبي المختار ـ الدكتور عبدالرحمن الكوثر
من كتاب تفسير القرآن الكريم رحمة من الرحمن في تفسير وإشارات القرآن ـ ج1ـ لابن عربي ـ تفسير آلآيات من "137 - 146"البقرة  Emptyأمس في 19:42 من طرف Admin

» كتاب: دلائل المحبين فى التوسل بالأنبياء والصالحين ـ الشيخ فتحي سعيد عمر الحُجيري
من كتاب تفسير القرآن الكريم رحمة من الرحمن في تفسير وإشارات القرآن ـ ج1ـ لابن عربي ـ تفسير آلآيات من "137 - 146"البقرة  Emptyأمس في 19:39 من طرف Admin

» كتاب: ريحانة الارواح في مولد خير الملاح لسيدي الشيخ علي أمين سيالة
من كتاب تفسير القرآن الكريم رحمة من الرحمن في تفسير وإشارات القرآن ـ ج1ـ لابن عربي ـ تفسير آلآيات من "137 - 146"البقرة  Emptyأمس في 19:37 من طرف Admin

» كتاب: قواعد العقائد فى التوحيد ـ حجة الإسلام الإمام الغزالي
من كتاب تفسير القرآن الكريم رحمة من الرحمن في تفسير وإشارات القرآن ـ ج1ـ لابن عربي ـ تفسير آلآيات من "137 - 146"البقرة  Emptyأمس في 19:35 من طرف Admin

» كتاب: سر الاسرار باضافة التوسل ـ الشيخ أحمد الطيب ابن البشير
من كتاب تفسير القرآن الكريم رحمة من الرحمن في تفسير وإشارات القرآن ـ ج1ـ لابن عربي ـ تفسير آلآيات من "137 - 146"البقرة  Emptyأمس في 19:33 من طرف Admin

» كتاب: خطوتان للحقيقة ـ الأستاذ محمد مرتاض ــ سفيان بلحساين
من كتاب تفسير القرآن الكريم رحمة من الرحمن في تفسير وإشارات القرآن ـ ج1ـ لابن عربي ـ تفسير آلآيات من "137 - 146"البقرة  Emptyأمس في 19:27 من طرف Admin

» كتاب: محمد صلى الله عليه وسلم مشكاة الأنوار ـ الشيخ عبدالله صلاح الدين القوصي
من كتاب تفسير القرآن الكريم رحمة من الرحمن في تفسير وإشارات القرآن ـ ج1ـ لابن عربي ـ تفسير آلآيات من "137 - 146"البقرة  Emptyأمس في 19:25 من طرف Admin

» كتاب: النسمات القدوسية شرح المقدمات السنوسية الدكتور النعمان الشاوي
من كتاب تفسير القرآن الكريم رحمة من الرحمن في تفسير وإشارات القرآن ـ ج1ـ لابن عربي ـ تفسير آلآيات من "137 - 146"البقرة  Emptyأمس في 19:23 من طرف Admin

» كتاب: المتمم بأمر المعظم صلى الله عليه وآله وسلم ـ الشيخ ناصر الدين عبداللطيف ناصر الدين الخطيب
من كتاب تفسير القرآن الكريم رحمة من الرحمن في تفسير وإشارات القرآن ـ ج1ـ لابن عربي ـ تفسير آلآيات من "137 - 146"البقرة  Emptyأمس في 19:20 من طرف Admin

» كتاب: الجواهر المكنونة فى العلوم المصونة ـ الشيخ عبدالحفيظ الخنقي
من كتاب تفسير القرآن الكريم رحمة من الرحمن في تفسير وإشارات القرآن ـ ج1ـ لابن عربي ـ تفسير آلآيات من "137 - 146"البقرة  Emptyأمس في 19:16 من طرف Admin

» كتاب: الرسالة القدسية في أسرار النقطة الحسية ـ ابن شهاب الهمداني
من كتاب تفسير القرآن الكريم رحمة من الرحمن في تفسير وإشارات القرآن ـ ج1ـ لابن عربي ـ تفسير آلآيات من "137 - 146"البقرة  Emptyأمس في 19:09 من طرف Admin

أفضل 10 أعضاء في هذا الشهر

دخول

لقد نسيت كلمة السر


    من كتاب تفسير القرآن الكريم رحمة من الرحمن في تفسير وإشارات القرآن ـ ج1ـ لابن عربي ـ تفسير آلآيات من "137 - 146"البقرة

    avatar
    Admin
    Admin


    المساهمات : 68472
    تاريخ التسجيل : 25/04/2018

    من كتاب تفسير القرآن الكريم رحمة من الرحمن في تفسير وإشارات القرآن ـ ج1ـ لابن عربي ـ تفسير آلآيات من "137 - 146"البقرة  Empty من كتاب تفسير القرآن الكريم رحمة من الرحمن في تفسير وإشارات القرآن ـ ج1ـ لابن عربي ـ تفسير آلآيات من "137 - 146"البقرة

    مُساهمة من طرف Admin 19/4/2020, 23:14

    كتاب تفسير القرآن الكريم رحمة من الرحمن في تفسير وإشارات القرآن من كلام الشيخ الأكبر محيي الدين ابن العربي
    سورة البقرة ( 2 ) : الآيات 137 إلى 138
    فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ ما آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما هُمْ فِي شِقاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ( 137 ) صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عابِدُونَ ( 138 )
    اعلم أن لهذه النشأة الإنسانية صورا ، كانت مبثوثة في العناصر والأفلاك ، قبل أخذ الميثاق عليه ، وللإنسان صورة في العدم ، وهذه الصور مرئية مبصرة للّه تعالى ، وهي التي يتوجه عليها خطاب اللّه إذا أراد إيجاد مجموعنا في الدنيا بكن ، فنبادر ونجيب إلى الخروج ، من حضرة العدم إلى حضرة الوجود ، فينصبغ بالوجود وهو قوله تعالى :« صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عابِدُونَ »أي أذلاء خاضعون .



    من كتاب إيجاز البيان في الترجمة عن القرآن:
    وكفرتم ببعضهم ، وآمنتم ببعض ما في كتابكم وكفرتم ببعضه« وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ » *أي منقادون مستسلمون لأوامره وما يكون منه إلينا ، فإن كنتم أنتم على الحق فقد آمنا به في هذا العموم ، وما أنتم على حق ، وإنما كان هذا تنبيها من اللّه لهم ليقولوا مثل ذلك على الإجمال فيسعدوا ، ولم يختلف المفسرون في الأسباط أنهم الأنبياء من أولاد يعقوب ، فمن رأى أن أولاد يعقوب لم يكن منهم أنبياء إلا ما نص اللّه عليه كيوسف ، كان الأسباط حفدته ويوسف من ولده ، ومن جعل الأسباط أولاد يعقوب ، قال : إنهم أنبياء ، وأن ما جرى منهم في حق أخيهم كان قبل نبوتهم ، قال الربيع :
    الأسباط اثنا عشر رجلا يوسف وإخوته ، ولد لكل رجل أمة من الناس سموا أسباطا ، قال ابن إسحاق - وهذا ابن إسحاق هو الذي قال فيه أحمد بن حنبل : يؤخذ من حديثه ما رواه من


    ص 208

    سورة البقرة ( 2 ) : آية 139
    قُلْ أَ تُحَاجُّونَنا فِي اللَّهِ وَهُوَ رَبُّنا وَرَبُّكُمْ وَلَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ ( 139 )
    الإخلاص النية ، روينا من حديث رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم أنه قال : ( إنما الأعمال بالنيات ،



    من كتاب إيجاز البيان في الترجمة عن القرآن:
    السير - قال : نكح يعقوب ابنة خاله ليا بنت ليان بن تمويل بن إلياس ، فولدت له روبيل - وهو أكبر ولده - وشمعون ولاوى ويهودا - وإليه تنسب اليهود - وريالون ويشحر وذببه بنت يعقوب ، ثم توفيت ليا ، فنكح يعقوب أختها راحيل بنت ليان خاله ، فولدت له يوسف وبنيامين ، وولد ليعقوب من سريتين كانتا له ، الواحدة اسمها زلفى والأخرى بلها ، أربعة نفر : دان وتغثالى من زلفى ، وجاد وأشر من بلها ، وقد روينا من غير هذا الطريق أن زلفى ولدت له دان ويقنوان ورنوان ، وولدت له بلها جاد وأشر وأنساخر ، ثم قال : ( 138 )« فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ ما آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا »الآية - فقوله :« فَقَدِ اهْتَدَوْا »مقابلا لقولهم حين قالوا لنا : ( تَهْتَدُوا ) *إذا كنتم هودا أو نصارى ، وكان جوابنا لهم جواب إنصاف معرى من الأهواء التي دانوا هم اللّه بها ، فإنه جواب عن وحي منزل« وَإِنْ تَوَلَّوْا »يقول : وإن أعرضوا عن هذا الإيمان« فَإِنَّما هُمْ فِي شِقاقٍ »أي في منازعة وحرب للّه ورسوله ، ومعناه أنك أتيتهم بكلام يشق عليهم سماعه ، فأداهم ذلك إلى حرب ومنازعة فلا تهتم يا محمد« فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ »فهو قوله : ( فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ )أي اللّه يكفيني أمرهم ، وهو قوله : ( يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ )قال اللّه تعالى : ( وَإِنْ خِفْتُمْ شِقاقَ بَيْنِهِما )أي نزاعا ، وهو أن يقول كل واحد أو يعمل ما يشق على الآخر« وَهُوَ السَّمِيعُ »ما يقولونه لكم« الْعَلِيمُ »بهم أنهم يباهتون ويكذبون على اللّه وعلى أنبيائهم وكتابهم ( 139 )« صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً »الآية ، فعلة من صبغ كقعدة من قعد ، وذلك واللّه أعلم لما كانت النصارى تصبغ من دخل في دينها في ماء يقال له المعمودية لتطهره بذلك الصبغ عن كل دين سواه ، قال اللّه لنا ولهم :« صِبْغَةَ اللَّهِ »الذي هو الإيمان المطهر القلوب من الكفر والشرك« وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً »هو قوله : ( وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ )فإن هذه الصبغة تسعده وتحله دار القرار ، وصبغتهم ليست كذلك ، لأنها من شرعهم الذي لم يأذن به اللّه ، ونصب صبغة اللّه على أن يكون بدلا من قوله : ( بَلْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ )أو نصبا على الإغراء ، ويكون« وَنَحْنُ لَهُ عابِدُونَ »مبتدأ فإن كان« وَنَحْنُ لَهُ عابِدُونَ »عطفا على قوله : ( آمَنَّا بِاللَّهِ ) *كان نصب صبغة اللّه على أن يكون مصدرا مؤكدا لقوله : ( آمَنَّا بِاللَّهِ ) *وهو أوجه من الأول لانتظام الكلام على نسق واحد ، وقوله :« وَنَحْنُ لَهُ عابِدُونَ »أذلاء تحت أمره وحكمه ، ( 140 )« قُلْ أَ تُحَاجُّونَنا


    ص 209

    وإنما لامرئ ما نوى ، فمن كانت هجرته إلى اللّه ورسوله ، فهجرته إلى اللّه ورسوله ، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها ، أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه ) والنية لجميع الحركات والسكنات من المكلفين للأعمال ، كالمطر لما تنبته الأرض ، فالنية من حيث ذاتها واحدة ، وتختلف بالمتعلق ، وهو المنوي فتكون النتيجة بحسب المتعلق به لا بحسبها ، فإن حظ النية إنما هو القصد للفعل أو تركه ، وكون ذلك الفعل حسنا أو قبيحا ، وخيرا أو شرا ما هو من أثر النية ، وإنما هو أمر عارض عرض ، ميّزه الشارع وعينه للمكلف ، فليس للنية أثر البتة من هذا الوجه خاصة ، وإنما النية سبب في ظهور الأعمال الصالحة وغير الصالحة ، وليس لها إلا الإمداد ، وحقيقتها تعطي تعلقها بالمنوي ، وكون ذلك المنوي حسنا أو قبيحا ليس لها ، وإنما ذلك لصاحب الحكم فيه بالحسن والقبح ، فالمخاطب المكلف إن نوى الخير أثمر خيرا ، وإن نوى الشر أثمر شرا ، وما أتي عليه إلا من المحل من طيبه وخبثه ، فالإخلاص هو النية وإن فاتتك النية فاتك الخير كله ، فكثير ما بين فاعل بنية القربة إلى اللّه ، وبين فاعل بغير هذه النية ، والعبادة عمل وترك ، فالإخلاص مأمور به شرعا .



    من كتاب إيجاز البيان في الترجمة عن القرآن:
    فِي اللَّهِ »الآية ، هذه المحاجة هو قوله : ( فَإِنَّما هُمْ فِي شِقاقٍ )أي في منازعة لكم في اللّه وما أنزل إليكم ، فقال اللّه لنبيه :« قُلْ أَ تُحَاجُّونَنا فِي اللَّهِ وَهُوَ رَبُّنا وَرَبُّكُمْ »عندنا وعندكم ، فقد ثبت ذلك وأجمعنا عليه نحن وأنتم أن اللّه رب الكل فما فيه محاجة ، وادعيتم أنتم الشريك معه وهو عزير والمسيح ، ولم تأتوا على ذلك ببرهان ولا تجدونه ، وقد يئسنا من رجوعكم إلى ديننا ، ويئستم من رجوعنا إلى دينكم ، كلمة إنصاف قوله :« وَلَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ »أي ما عمل كل واحد منا من شيء يجده عند اللّه ، لا خلاف بيننا وبينكم في ذلك ، قال تعالى : ( يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَما عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ )غير أنه يظهر الحق معنا فنحن له مخلصون ، وهو قوله :« وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ »أي أخلصنا له الألوهية أن يكون له فيها شريك أو معين ولم تفعلوا أنتم ذلك ( 141 )« أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطَ »الآية ، قد تكون أم هنا معادلة لهمزة تحاجوننا ، يقول : أتحاجوننا أم تقولون ، فإن الهمزة التي في أتحاجوننا يتصور فيها الاستفهام والإنكار ، وكذلك« أَمْ تَقُولُونَ »فتكون متصلة ، وتكون القراءة في تقولون بالتاء المنقوطة من فوق ، فإن كانت القراءة بالياء فهي منقطعة ، فإنه ذكر عن غائب ، والقراءة على الخطاب أولى ، والعطف أوجه في القراءتين ، على أن يكون أي الأمرين« إِنَّ إِبْراهِيمَ


    ص 210

    سورة البقرة ( 2 ) : الآيات 140 إلى 143
    أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطَ كانُوا هُوداً أَوْ نَصارى قُلْ أَ أَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ( 140 ) تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَها ما كَسَبَتْ وَلَكُمْ ما كَسَبْتُمْ وَلا تُسْئَلُونَ عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ ( 141 ) سَيَقُولُ السُّفَهاءُ مِنَ النَّاسِ ما وَلاَّهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كانُوا عَلَيْها قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ ( 142 ) وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً وَما جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْها إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كانَتْ لَكَبِيرَةً إِلاَّ عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وَما كانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ ( 143 ).
    « وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً »أي خيارا عدلا« لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ »فقد نص على عدالتنا بمجرد الإيمان ، وإن كان قد علم أنه يقع منا الجور والظلم والتعدي للحدود



    من كتاب إيجاز البيان في الترجمة عن القرآن:
    وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطَ كانُوا هُوداً أَوْ نَصارى »فتباهتوا في ذلك ، لأن من ذكرتموهم كانوا قبل حدوث هذين الاسمين ، وإن أردتم المعنى الذي هو دين اليهودية أو النصرانية وإن حدث الاسم فقد أكذبكم اللّه في كتابكم وكتابنا ، فلهذا قال اللّه له :« قُلْ »لهم« أَ أَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ »فلا بد أن يقولوا : اللّه أعلم ، فاطلبوهم بذلك ، أي متى أعلمكم اللّه أنهم كانوا كذلك ، بل أنزل اللّه عليكم وعلينا أنهم كانوا حنفاء مسلمين ، لم يكونوا هودا ولا نصارى« وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللَّهِ »أي قد علموا أن اللّه شهد عندهم في كتابهم بذلك وكتموه ، ووجه آخر« وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ »من اللّه ، وهو يعلم أن اللّه يعلم سرهم وعلانيتهم ، وقد علم أنه أعلمهم أنهم كانوا مسلمين ، فلم يؤدّوا هذه الشهادة وكتموها من اللّه ، فهذا غاية الجهل باللّه


    ص 211

    المشروعة ، مع حفظ الإيمان بتحليل ما أحل اللّه وتحريم ما حرم اللّه ، وهذا ما أنزله اللّه تعالى في حق هذه الأمة ، فنحن نشهد على الأمم بما أوحى اللّه تعالى به إلينا من قصص أنبيائه مع أممهم ، فالشهادة بالوحي أتم من الشهادة بالعين ، فنأتي يوم القيامة يقدمنا القرآن ، ونحن



    من كتاب إيجاز البيان في الترجمة عن القرآن:
    والجحود ، ويحتمل أن يكون من هنا في قوله :« مِنَ اللَّهِ »كقولنا إذا شهدنا لأحد بأمر ، هذه شهادة منّي له بذلك ، فيكون الكلام : ومن أظلم منا لو كتمنا شهادة منا لأحد عندنا ، ليعلم بذلك أهل الكتاب أن اللّه عرّض بهم في تكذيبهم بنبوة محمد صلّى اللّه عليه وسلم ، وبكون الأنبياء المذكورين على دين الإسلام وقوله :« وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ »وعيد وقد تقدم ، وكذلك ( 142 )« تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَها ما كَسَبَتْ وَلَكُمْ ما كَسَبْتُمْ وَلا تُسْئَلُونَ عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ »تقدم الترجمة عنها ( 143 )« سَيَقُولُ السُّفَهاءُ مِنَ النَّاسِ ما وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كانُوا عَلَيْها ، قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ »السفهاء الضعفاء الرأي الخفاف العقول من الناس ، يعني مشركي العرب واليهود والمنافقين ، وتقديمه الإخبار عن قولهم قبل قولهم ردع لكثير من شرهم ، لأن الخصم إذا حكى قول خصمه قبل وقوعه منه كان أقل لشغبه ، وذلك لتوهمه بمعرفة ذلك أنه قد استعد للجواب وأعد له جوابا قاطعا ، فيتبلد الخصم عند ذلك وتنكسر حدته ، وقولهم« ما وَلَّاهُمْ »استفهام عن السبب الموجب لتحويل القبلة ، فكل فريق منهم يحزر على قدر ما يقع له ، وكان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم قد صلى إلى بيت المقدس على ما قيل سبعة عشر شهرا ، وأكثر الروايات على ذلك ، وغاب عنهم ما في علم اللّه من انتهاء مدة الحكم في التوجه بالعبادة إلى البيت المقدس فينا وفيهم ، لأن جميع الناس مخاطبون بشرع محمد صلّى اللّه عليه وسلم ، فشرع لنا التوجه إلى الكعبة حتى لا نبقى بلا شرع إذ لا بد أن نستقبل بالصلاة جهة ما أو جميع الجهات ، فيكون ذلك مشروعا حتى يكون الاستقبال عبادة نؤجر عليها وعلى الصلاة ، فهو خير على خير ، فهذا شرع حادث اتصل بشرع انتهت مدته في علم اللّه تعالى ، فأعلمنا بذلك ، ومثل هذا لا يسمى نسخا ، فإنه ما رفع ، وإنما انقضى زمانه فانقضى هو بانقضائه ، وحدث زمان فحدث شرع بحدوثه ، فتخيل الضعيف الرأي أن ذلك نسخ وليس كذلك ، فإن النسخ إنما يكون فيما حكمه أن يثبت دائما فيرفع ، وما كان الأمر كذلك ، فإنه ما كان في علم اللّه قط أن تستمر الصلاة إلى البيت المقدس دائما ، وإن غاب ذلك عنا فنحن في هذه المسألة غير معتبرين ، وإنما يعتبر ناصب الحكم وهو اللّه تعالى ، وما رأيت أحدا حقق هذه المسألة بل أطلقوا القول فيها من غير تحقيق ، فقال اللّه تعالى لما قالوا ذلك : « قل » يا محمد« لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ »أي المطلوب بالعبادة إنما هو اللّه تعالى ، فأية جهة شاء أن يكلف عباده عيّنها ، ويجعل ذلك صراطا مستقيما لمن شرعها له ، أي طريقا إلى سعادته ، وأتى بمن نكرة


    ص 212

    نقدم سائر أهل الموقف ، ويقدم القراء منّا من ليس له من القرآن مثله ، فأكثرنا قرآنا أسبقنا في التقدم والرقي في المعراج المظهر للفضل بين الناس يوم القيامة ، فإن للقراء منابر ، لكل منبر درج على عدد آي القرآن ، يصعد الناس فيه بقدر ما حفظوا منه في صدورهم ، ولهم منابر أخر لها درج على عدد آي القرآن ، يرقى فيها العاملون بما حققوه من القرآن ، فمن



    من كتاب إيجاز البيان في الترجمة عن القرآن:
    وجعل الصراط مثله نكرة ، يقول : أي طائفة شئت كلفت بأي عبادة شئت ، فتكون صراطا له إلى سعادته مستقيما من كونه مشروعا منا ، وكما كان من جعلنا الكعبة أول بيت لنا وضعناه في الأرض لعبادنا ليحفوا به كما تحف الملائكة بعرشنا ، ويدخله عبادي كما تدخل الملائكة البيت المعمور ، وجعلناه خير البيوت ، وجعلناكم أنتم خير أمة أخرجت للناس ، وجعلناكم أمة وسطا شهداء على سائر الأمم ، جعلنا الأشرف من عبادي على سائر جنسهم يستقبل الأشرف من بيوتي على سائر البيوت التي نسبتها إليّ ، ومن تحت هذا البيت دحا اللّه الأرض على ما روي ( 144 )« وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ »الآية ، يقول : ومثل ذلك ، الكاف للصفة ،« جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً »أي خيارا عدلا ، فالعجب من هذا كالعجب من هذا ، فإن أفعال اللّه كلها عجيبة ، هي نفس الحكمة تجري على غير قياس ولا مثال ، هذه الآية دليل على أن المؤمن باللّه ورسوله وما جاء من عنده محمول على العدالة ، مقبول الشهادة ، ليس للحاكم أن يرد شهادته ، ولا يسأل عن حاله ، ويحكم ولا يتوقف ، هذا هو الشرع المنزل ، فإن اللّه زكاه وعدله بالإيمان وجعله شاهدا مقبولا عنده ، وهو الحكم العدل ، وكذا فعل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم وقد شهد عنده شخص برؤية الهلال ، فقال له : أتشهد أن لا إله إلا اللّه ، قال : نعم ، فقبل شهادته وأمر بلالا أن ينادي في الناس بالرؤية ، وأما قوله : ( وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ )يقول مؤمنين لم تروا منهم ما يؤدي إلى تجريحهم وليس لكم أن تبحثوا عنهم إذ ليس في الآية ذلك ويؤيد هذا قوله في من حضره الموت في السفر ( ذوا عدل منكم ) يعني مؤمنين( أَوْ آخَرانِ مِنْ غَيْرِكُمْ )أي ممن ليس بمؤمن ، فإن ادعى الخصم تجريح الشاهد وأنه ذو جرحة في دينه ، جرحة ترد بها شهادته ، توقف الحاكم في الحكم ، وقيل للخصم : أقم البينة على ما ادعيته من جرحه ، فإن قامت البينة على ذلك عند الحاكم رد شهادته ، وإن لم تقم عزّر الخصم لافترائه عليه ، إلا أن يكون الخصم مجتهدا ، فتخيل فيما ليس بجرحة أنها جرحة ، فليس له تعزيره ، ويحكم بشهادة الشاهد ، ويكون الخصم قد أخطأ في اجتهاده ، والأوجه عندي في مسألة التجريح ، أن كل جرحة لا تقدح في صدق ما يقوله لا يجرح بها في شهادته ، كالتورية وغيرهم ، فإنهم لا يكذبون ولو مضت في ذلك نفوسهم وأموالهم وأولادهم ، وهم مع ذلك يسرقون ويفسقون بجميع أنواع الفسوق إلا الكذب ، وإنما قلنا إن


    ص 213

    عمل بمقتضى كل آية بقدر ما تعطيه في أي شيء نزلت رقي إليها عملا ، وما من آية إلا ولها عمل في كل شخص لمن تدبر القرآن ، وفي القيامة منابر على عدد كلمات القرآن ، ومنابر على عدد حروفه ، يرقى فيها العلماء باللّه ، العاملون بما أعطاهم اللّه من العلم بذلك ، فيظهرون



    من كتاب إيجاز البيان في الترجمة عن القرآن:
    الوسط هو العدل لأن الوسط هو الذي يكون بين طرفين ، ونسبته إلى كل طرف كنسبته إلى الآخر فلا يميل إلى أحد الجانبين ، وكذا ينبغي للشاهد أن يقول الحق الذي يعرفه لا على جهة الميل إلى أحد الجانبين ، وكانت هذه الأمة نسبتها إلى عزمات أمر ربها فيما كلفها كنسبتها إلى رخصه ، لأنها من أمر ربها ، وقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم : [ إن اللّه يحب أن تؤتى رخصه كما يحب أن تؤتى عزائمه ] فأتى بكاف التشبيه للتساوي بين المحبتين بميله إلى كل جانب على السواء ، ولما كانت هذه الأمة ما غلت في دينها كما غلا أهل الكتاب ، فلم تفرط ولا قصرت في دينها ولا فرطت كما فرط من ترك النظر في الأدلة وقادته الشبه إلى ترك أشياء مما يجب الإيمان بها ولم تفرط في ذلك كانت أمة وسطا ، وكذا نسبتها إلى الرجاء والخوف ، فالوسط العام الذي تشترك فيه الأمة كلها ويقضي بعدالتها أنهم لم يفرقوا في إيمانهم بالرسل وما جاءوا به بين واحد منهم ، ونسبتهم من حيث إيمانهم إلى كل واحد منهم على السواء ، ثم يعلو الوسط في الأمة خصوصا بعد خصوص بتفصيل ليس هذا موضعه إلى أن ينتهي إلى أخص وصف في نسبة ما يجري منه من خير وغير ذلك إلى الأسماء الإلهية ، ثم قال :
    إنه جعل هذه الأمة أمة وسطا« لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ »يوم القيامة ، إذا أنكروا تبليغ أنبيائهم إليهم رسالات ربهم مع كونهم ما شاهدوهم ، ولكن الغرض حصول العلم عند الشاهد فيما يشهد به ، لا سبب حصوله ، وقد علمنا قطعا بما أنزله علينا وأخبرنا به في كتابه أن الرسل بلغت أممها ، وحكى لنا قصصهم ، وهذا السبب أقوى من أن لو شاهدناهم ، فتثبت الشهادة قطعا للخبر الصدق ، ولهذا كانت شهادة خزيمة شهادة رجلين ، يقبل وحده ، ويجوز من هذه الآية أن يشهد الشاهد إذا حصل عنده العلم الذي يقطع به ، أي وجه حصل وإن لم يشهد ذلك ولا حضره ، بخلاف الحاكم فإنه لا يحكم بعلمه ولا يأثم ، والشاهد يأثم إن لم يشهد بعلمه ، وليس للحاكم أن يسأله كيف وصل إليه هذا العلم ، إلا إذا عرف أنه لم يشهد تلك القضية المشهود فيها ، فليس له أن يقبل شهادته إلا حتى يعرف السبب ويعمل بمقتضاه عند ذلك ، وأما قوله تعالى :« وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً »أي رقيبا عليكم في ذلك اليوم حتى تؤدوا الشهادة للأنبياء على أممهم ، ومنه قول عيسى عليه السلام : [ وكنت عليهم شهيدا ] أي رقيبا [ ما دمت فيهم ] وقوله تعالى :[ إِنَّا أَرْسَلْنا إِلَيْكُمْ رَسُولًا شاهِداً عَلَيْكُمْ ]وقد تكون على بمعنى اللام ، فإن حروف الجر تبدل بعضها من بعض ، ويعرف ذلك بالمعنى ، قال تعالى :[ وَما ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ ]أي للنصب وهي


    ص 214

    على معارج حروف القرآن وكلماته بسور تلك الحروف والكلمات والآيات والسور والحروف الصغار منه ، وبه يتميزون عن أهل الموقف في هذه الأمة ، لأن أناجيلهم في صدورهم« وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً وَما جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْها إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلى عَقِبَيْهِ »فإن الدار الدنيا دار بلاء وفيها يظهر الصادق من الكاذب



    من كتاب إيجاز البيان في الترجمة عن القرآن:
    الأصنام التي نصبوها للعبادة فكانوا يقربون لها ، فعلى هذا يخرج قوله :« وَيَكُونَ الرَّسُولُ »لكم [ شهيدا ] بعلامات قد جعل اللّه في أمته ، يعرف بها المؤمن منهم من غير المؤمن ، فيشهد للمؤمن ويشهد على الكافر ، فمن علامة المؤمنين أن لهم نورا يسعى بين أيديهم وبأيمانهم ، ومن ذلك أن يأتوا غرّا محجلين من آثار الوضوء ، وقد يخرج على شهادته على الكفار ممن بعث إليهم فلم يؤمنوا به ، فإن رسالته عامة لجميع الخلق وكافرهم أكثر من مؤمنهم ، فغلّب الكثرة على القلة ، فأتى بعلى دون اللام ، وعطف ضمير المخاطب في عليكم على الضمير في تكونوا لما يتضمن ضمير المخاطب من المؤمنين ، فإن الأنبياء كلهم يوم القيامة يشهدون على أممهم للّه بردهم دعوة الحق التي جاءوا بها إليهم .
    ثم قال تعالى :« وَما جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْها إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلى عَقِبَيْهِ »
    يقول : قبلة لك ، أي تتوجه إليها عند الصلاة وفي الدعاء ، الكعبة وبيت المقدس ، إلا ابتلاء لقومك ، فإنه صلّى اللّه عليه وسلم كان يصلي بمكة إلى الكعبة ، ثم صلى إلى البيت المقدس سبعة عشر شهرا ، ثم أمر باستقبال الكعبة ، كل ذلك اختبارا ومحنة لقومه ، ودلالة على صدقه ، وأنه في كتابهم من علاماته أن يصلي إلى القبلتين ،
    ولذا قال : [ وإن الذين أوتوا الكتاب ليعلمون أنه الحق من ربهم ]
    ثم قال [ ليعلم الرسول والمؤمنون ] لأنه سبحانه شرّك في الضمير بينه وبينهم تشريفا لهم ، لأنهم أهل القرآن ، فهم أهل اللّه وخاصته ، وهذا كثير في كلام العرب معروف غير منكور ، والذي يتعلق به من التأويل في جناب الحق هو أن يتعلق العلم بالكائن كما تعلق بسيكون ، فهو لتعلق العلم لا لاكتساب العلم ،
    ومنه قوله : [ ولنبلونكم حتى نعلم ] فقال :« إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ »فيما يشرع لكم على يده ، أي يقتدي به من غير معارضة ولا اعتراض ،« مِمَّنْ يَنْقَلِبُ »أي يرجع عنه« عَلى عَقِبَيْهِ »يعني إلى ضلالته التي جاء منها مقبلا على الرسول ليسمع منه ، فلما تبين له الهدى انقلب على عقبيه فأضله اللّه على علم [ وما كان اللّه ليضل قوما بعد إذ هداهم حتى يبين لهم ما يتقون ] وهؤلاء الذين انقلبوا على أعقابهم في هذه المسألة وغيرها ، هم الذين يكون غدا جزاؤهم عند اللّه إذا قالوا للمؤمنين :
    [ انظرونا نقتبس من نوركم قيل لهم ] من جانب الحق [ ارجعوا وراءكم ] كما رجعتم عندما رأيتم نور الهدى في الدنيا على أعقابكم [ فالتمسوا نورا ] هنالكم ولن تجدوه ، وكثرت قالة الكفار والمنافقين في رجوع النبي عليه السلام إلى استقبال


    ص 115

    "وَإِنْ كانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وَما كانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ » ،اعلم أن للرأفة موطنا لا تتعداه ، وإن اللّه يحكم بها حيث يكون وزنها ، فإن اللّه ينزل كل شيء منزلته ، ولا يتعدى به حقيقته ، فاللّه هو الرؤوف تعالى مع أنه شرع الحدود ، وأمر بإقامتها ، وعذب قوما بأنواع العذاب الأدنى والأكبر .

    سورة البقرة ( 2 ) : آية 144
    قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاها فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ ( 144 )
    لا يرفع حكم أن وجه اللّه حيثما توليت ، ولكن اللّه اختار لك ما لك في التوجه إليه سعادتك ، ولكن في حال مخصوص وهي الصلاة ، وسائر الأينيات ما جعل اللّه لك فيها هذا التقييد فجمع لك بين التقييد والإطلاق ، والمسجد الحرام موطن عبودية لأن السجود



    من كتاب إيجاز البيان في الترجمة عن القرآن:
    الكعبة في الصلاة بما لا يفيد ذكره« وَإِنْ كانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ »إن هنا مخففة من الثقيلة ، ولهذا دخل في خبرها اللام لأنه يقرأ بالرفع على زيادة كان ، والضمير في كانت يعود على التولية أو الجعلة ، وكونها كبيرة حيث ثقلت عليهم ، وقد أخبر عن الصلاة أنها كبيرة إلا على الخاشعين ، أي ثقيلة شاقة ، فقد انضافت إليها كبيرة أخرى ، وهي التولية إلى الكعبة ، فزادتهم مشقة إلى مشقتهم« إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ »يقول إلا المؤمنون الذين ليس في قلوبهم مرض ، فإن ذلك كله هين عليهم محبوب لهم ، إذ ليس لهم غرض بتصريف مخصوص معين ، بل هم مرتقبون لما يصرفهم إليه الحق وما يصرفهم فيه ، ثم قال :« وَما كانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ »أي ليخيب« إِيمانَكُمْ »أي تصديقكم وصلاتكم إلى القبلة التي حولتم عنها ، لما علم أن بعضهم سيقدح ذلك في نفسه ، ويقول : هل له أجر في عمله الأول أم لا ؟ فأخبره اللّه بأنه لا يضيع عمل عامل منهم ، قال تعالى : [ إن اللّه لا يضيع أجر من أحسن عملا ]
    وكيف يضيعه وهو الذي شرعه ووعد بالأجر عليه ووعده صدق« إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ »عطوف عليهم ، ولذلك شرع لهم وأبان طريق سعادتهم ولم يعمّ عليهم ولا لبّس ،« رَحِيمٌ »بهم فيما أسبغ عليهم من النعم مع كفرهم به لعلهم يرجعون ، ثم أخذ يخاطب نبيه عليه السلام فقال : ( 145 )« قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ »الآية ،


    ص 216

    هو التطأطؤ ، وهو نزول من أعلى إلى أسفل ، وبه سمي الساجد ساجدا ، لنزوله من قيامه .

    سورة البقرة ( 2 ) : الآيات 145 إلى 146
    وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ بِكُلِّ آيَةٍ ما تَبِعُوا قِبْلَتَكَ وَما أَنْتَ بِتابِعٍ قِبْلَتَهُمْ وَما بَعْضُهُمْ بِتابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ ( 145 ) الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ( 146 )
    "الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ »فإنهم مصدقون بكتابهم وهذا النعت فيه وقد أبصروه ، فيعلمون أنه عين هذا النعت ولا يعرفون الشخص الذي قام به



    من كتاب إيجاز البيان في الترجمة عن القرآن:
    لما كانت اليهود تقول ما بال محمد يتبع قبلتنا ولا يتبعنا في ديننا ، ثقل ذلك على النبي صلّى اللّه عليه وسلم حيث نسبوه إلى اتباعهم في أمر ، وخاف على الضعفاء في إيمانهم من المؤمنين أن تتعلق بقلوبهم شبهة من ذلك تقدح في إيمانهم ، وكانت الكعبة قبلة إبراهيم أبيه عليه السلام ، ومن ملته التوجه إليها ، فكان يختارها على سائر الجهات من الأماكن ، فكان يستقبل السماء لكونها محل الدعاء شرعا ، ويكثر تقلب وجهه فيها في عموم أوقاته عسى أن يكون ذلك التقلب شرطا في علم اللّه في صرفه إلى الكعبة ، فكان يقلب وجهه في السماء حسا ووجه قلبه فيما يسمو من معالي الأمور مما يظهر به شرفه ، إذ كان البيت أشرف البيوت ، فقال اللّه له :« قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ »يعني في طلب استقبال الكعبة« فَلَنُوَلِّيَنَّكَ »يقال : وليته كذا إذا جعلته واليا عليه« قِبْلَةً تَرْضاها »أخبر الناس باعتنائه به حين لم يعمل ذلك مع غيره ، قال تعالى :[ وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى ]واستقبال الكعبة منها ، فما كره استقبال بيت المقدس ، فإنه صلّى اللّه عليه وسلم يستحيل عليه أن يكره ما شرع له وإنما كان ذلك لما ذكرناه ، فأمره سبحانه وأوجب عليه ليكون الأجر أعظم بإتيان الواجب ، فإنه يقول :
    [ ما تقرب إليّ أحد بأحب إلي من أداء ما افترضت عليه ] فقال له :« فَوَلِّ وَجْهَكَ »في الصلاة ، ونزلت وهو في صلاة الظهر في شهر رجب قبل قتال بدر بشهرين ، فتحول في الصلاة بعد أن صلى منها ركعتين واستقبل الكعبة ، وحول الرجال مكان النساء والنساء مكان الرجال ، وسمي ذلك المسجد مسجد القبلتين ، وهو مسجد بني سلمة ، وقوله :« شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ »أي ناحيته ومواجهته ، والمسجد الحرام هنا إنما هو الكعبة خاصة ، ونصبه على الظرف ، ولا وجه لمن قال


    ص 217

    هذا النعت لجواز أن يقوم ذلك النعت بأشخاص كثيرين ، فدخلهم الاحتمال في الشخص لا في النعت .« وَإِنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ »أنه الحق فيكتمونه عن مقلديهم ، وعن النبي صلّى اللّه عليه وسلم أنهم عرفوه أنه صاحب هذا النعت ، فقوله :« وَإِنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ »هم الذين يلبسون الحق بالباطل« لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ »يقول : إن الحق أبلج لا لبس فيه ، لقوة الدلالة عليه .
    من كتاب إيجاز البيان في الترجمة عن القرآن:
    إنه أراد المسجد لتعذر حصول العلم باستقبال البيت ، وما نحن مأمورين إلا بالاجتهاد حتى يغلب على ظننا أنا قد استقبلنا عين البيت ، وإن لم يكن في نفس الأمر على ذلك ، فما كلف اللّه نفسا إلا وسعها ، وعلى البعد المفرط يلزم في الحرم كله أي في استقباله ما يلزم في البيت ، فلا وجه لذلك القول ، ثم قال :« وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ »من أرض اللّه وأردتم الصلاة« فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ »ثم قال :« وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ »يعني أهل التوراة والإنجيل« لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ »يعني تحويلك إلى الكعبة وصلاتك إلى القبلتين ، فإنه مذكور في كتابهم ، وهو من جملة الأدلة على نبوتك ، ولكنهم قوم بهت قد ختم اللّه على قلوبهم« وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ »وعيد لهم ، وشفاء صدر وراحة لرسوله وللمؤمنين ، ثم قال : وإن كانت هذه من آياتك التي ظهرت لهم وعلموا صدقها ، يقول اللّه له : ( 146 )« وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ بِكُلِّ آيَةٍ »يقول :
    ولئن جئتهم بجميع الآيات كلها التي تدل على صدقك« ما تَبِعُوا قِبْلَتَكَ »أي دينك ، ومنه القبلة المعروفة« وَما أَنْتَ بِتابِعٍ قِبْلَتَهُمْ »أي دينهم وقبلتهم أيضا ، وذلك بشرى للنبي عليه السلام من ربه بثباته على استقبال الكعبة ، إذ في الإمكان أن يصرف إلى قبلتهم مرة أخرى كما صرف أولا ، ثم أخبر عنهم فقال :« وَما بَعْضُهُمْ بِتابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ »يعني اليهود والنصارى لا يتبع بعضهم دين بعض ولا قبلته مع اتفاقهم على مخالفتك ، ثم عرّض بهم في اتّباعهم أهواءهم ، فإنهم من الظالمين من بعد ما تبين لهم الحق ، وحذر أمته صلّى اللّه عليه وسلم ، والخطاب للنبي صلّى اللّه عليه وسلم خطاب فرض وتقدير ، وقد يفرض وقوع المحال مع العلم بأنه غير واقع ، لكن يؤتى به مفروضا لما فيه من الفائدة فقال« وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ »وهذه صفتهم ، وهو من قولهم :
    [ إياك أعني فاسمعي يا جارة ] ، ثم قال : ( 147 )« الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ »هذا مثل قوله : ( لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً )و( مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا هذا ما وَعَدَ الرَّحْمنُ )وهو كل كلام له وجهان ، وجه إلى ما قبله ، ووجه إلى ما بعده ، فيجوز الوقف عليه ثم يبتدئ به ، فيجوز أن يكون« الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ »صفة للظالمين له وجه إلى ذلك ، يقول :« إِنَّكَ إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ »فإنهم ظلموا بعد ما جاءهم العلم بما جئت به ، ويقويه قوله : ( مِنْ بَعْدِ
    ص 218

      الوقت/التاريخ الآن هو 24/9/2024, 03:13