..الإحسان حياة.

مرحبا بك أيّها الزّائر الكريم.

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

..الإحسان حياة.

مرحبا بك أيّها الزّائر الكريم.

..الإحسان حياة.

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
..الإحسان حياة.

..الإحسان معاملة ربّانيّة بأخلاق محمّديّة، عنوانها:النّور والرّحمة والهدى

المواضيع الأخيرة

» كتاب: نهاية العالم في الكتاب المقدس - دراسة مقارنة مع القرآن الكريم ـ نور فائزة بنت عثمان
من كتاب تفسير القرآن الكريم رحمة من الرحمن في تفسير وإشارات القرآن ـ ج1ـ لابن عربي ـ تفسير آلآيات من "116 - 124"البقرة Empty20/11/2024, 22:49 من طرف Admin

» كتاب مواعظ الإمام زين العابدين ـ صالح أحمد الشامي
من كتاب تفسير القرآن الكريم رحمة من الرحمن في تفسير وإشارات القرآن ـ ج1ـ لابن عربي ـ تفسير آلآيات من "116 - 124"البقرة Empty18/11/2024, 23:30 من طرف Admin

» كتاب إتحاف النفوس بنفحات القدوس ـ عبد القدوس بن أسامة السامرائي
من كتاب تفسير القرآن الكريم رحمة من الرحمن في تفسير وإشارات القرآن ـ ج1ـ لابن عربي ـ تفسير آلآيات من "116 - 124"البقرة Empty18/11/2024, 23:25 من طرف Admin

» كتاب الإعلام بفضل الصلاة على النبي والسلام ـ محمد بن عبد الرحمن بن علي النميري
من كتاب تفسير القرآن الكريم رحمة من الرحمن في تفسير وإشارات القرآن ـ ج1ـ لابن عربي ـ تفسير آلآيات من "116 - 124"البقرة Empty18/11/2024, 23:20 من طرف Admin

» كتاب الغيب ـ محمد متولي الشعراوي
من كتاب تفسير القرآن الكريم رحمة من الرحمن في تفسير وإشارات القرآن ـ ج1ـ لابن عربي ـ تفسير آلآيات من "116 - 124"البقرة Empty18/11/2024, 23:08 من طرف Admin

» كتاب الشيطان والإنسان ـ محمد متولي الشعراوي
من كتاب تفسير القرآن الكريم رحمة من الرحمن في تفسير وإشارات القرآن ـ ج1ـ لابن عربي ـ تفسير آلآيات من "116 - 124"البقرة Empty18/11/2024, 23:03 من طرف Admin

» كتاب الشعراوي هنا رأيت سيدنا إبراهيم ـ سعيد أبو العنين
من كتاب تفسير القرآن الكريم رحمة من الرحمن في تفسير وإشارات القرآن ـ ج1ـ لابن عربي ـ تفسير آلآيات من "116 - 124"البقرة Empty18/11/2024, 23:01 من طرف Admin

» كتاب الخير والشر ـ محمد متولي الشعراوي
من كتاب تفسير القرآن الكريم رحمة من الرحمن في تفسير وإشارات القرآن ـ ج1ـ لابن عربي ـ تفسير آلآيات من "116 - 124"البقرة Empty18/11/2024, 22:57 من طرف Admin

» كتاب التربية في مدرسة النبوة ـ محمد متولي الشعراوي
من كتاب تفسير القرآن الكريم رحمة من الرحمن في تفسير وإشارات القرآن ـ ج1ـ لابن عربي ـ تفسير آلآيات من "116 - 124"البقرة Empty18/11/2024, 22:55 من طرف Admin

» كتاب: إرشاد العباد إلى سبل الرشاد ـ للملبباري
من كتاب تفسير القرآن الكريم رحمة من الرحمن في تفسير وإشارات القرآن ـ ج1ـ لابن عربي ـ تفسير آلآيات من "116 - 124"البقرة Empty18/11/2024, 22:41 من طرف Admin

» ـ كتاب آداب الحسن البصري ـ أبن الجوزي
من كتاب تفسير القرآن الكريم رحمة من الرحمن في تفسير وإشارات القرآن ـ ج1ـ لابن عربي ـ تفسير آلآيات من "116 - 124"البقرة Empty18/11/2024, 22:34 من طرف Admin

» كتاب الله والنفس البشرية ـ لمحمد متولي الشعراوي
من كتاب تفسير القرآن الكريم رحمة من الرحمن في تفسير وإشارات القرآن ـ ج1ـ لابن عربي ـ تفسير آلآيات من "116 - 124"البقرة Empty18/11/2024, 22:23 من طرف Admin

» كتاب: معرفة النفس طر يق لمعرفة الرب ـ أستاذ البصيرة عبدالوهاب حسن
من كتاب تفسير القرآن الكريم رحمة من الرحمن في تفسير وإشارات القرآن ـ ج1ـ لابن عربي ـ تفسير آلآيات من "116 - 124"البقرة Empty18/11/2024, 22:21 من طرف Admin

» كتاب الطريق الي الله ـ الشيخ علي جمعة
من كتاب تفسير القرآن الكريم رحمة من الرحمن في تفسير وإشارات القرآن ـ ج1ـ لابن عربي ـ تفسير آلآيات من "116 - 124"البقرة Empty18/11/2024, 21:50 من طرف Admin

» كتاب: كتاب النفس والجسد والروح ـ ابراهيم البلتاجي
من كتاب تفسير القرآن الكريم رحمة من الرحمن في تفسير وإشارات القرآن ـ ج1ـ لابن عربي ـ تفسير آلآيات من "116 - 124"البقرة Empty18/11/2024, 21:38 من طرف Admin

أفضل 10 أعضاء في هذا الشهر

دخول

لقد نسيت كلمة السر


    من كتاب تفسير القرآن الكريم رحمة من الرحمن في تفسير وإشارات القرآن ـ ج1ـ لابن عربي ـ تفسير آلآيات من "116 - 124"البقرة

    avatar
    Admin
    Admin


    المساهمات : 68539
    تاريخ التسجيل : 25/04/2018

    من كتاب تفسير القرآن الكريم رحمة من الرحمن في تفسير وإشارات القرآن ـ ج1ـ لابن عربي ـ تفسير آلآيات من "116 - 124"البقرة Empty من كتاب تفسير القرآن الكريم رحمة من الرحمن في تفسير وإشارات القرآن ـ ج1ـ لابن عربي ـ تفسير آلآيات من "116 - 124"البقرة

    مُساهمة من طرف Admin 19/4/2020, 23:18

    تفسير آلآيات من "116 - 124" من سورة البقرة .كتاب تفسير القرآن الكريم رحمة من الرحمن في تفسير وإشارات القرآن الشيخ الأكبر محيي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
    كتاب تفسير القرآن الكريم رحمة من الرحمن في تفسير وإشارات القرآن من كلام الشيخ الأكبر محيي الدين ابن العربي
    سورة البقرة ( 2 ) : الآيات 116 إلى 117
    وَقالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً سُبْحانَهُ بَلْ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قانِتُونَ ( 116 ) بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَإِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ( 117 ).
    " بَدِيعُ " لأنه ما خلقهما على مثال متقدم ، وكل خلق على غير مثال فهو مبدع بفتح الدال ، وخالقه مبدعة بكسر الدال « والسماوات والأرض » يعني بذلك ما علا وما سفل ، فهو بديع كل شيء . وليس الإبداع سوى الوجه الخاص الذي له في كل شيء ، وبه يمتاز عن سائر الأشياء ، فهو على غير مثال وجودي ، إلا أنه على مثال نفسه وعينه من حيث إنه ما ظهر عينه في الوجود إلا بحكم عينه في الثبوت من غير زيادة ولا نقصان ، والابتداع على الحقيقة إنشاء ما لا مثل له بالمجموع ، ولا بديع من المخلوقات إلا من له تخيل ، فقد يبتدع المعاني ولا بد أن تنزل في صور مادية وهي الألفاظ التي بها يعبر عنها ، فيقال : قد اخترع فلان معنى لم يسبق إليه ، وكذلك أرباب الهندسة لهم في الإبداع اليد الطولى ، ولا يشترط في المبتدع أنه لا مثل له على الإطلاق ، إنما يشترط فيه أنه لا مثل له عند من ابتدعه ولو جاء بمثله خلق كثير كل واحد قد اخترع ذلك الأمر في نفسه ثم أظهره ، فهو مبتدع بلا



    من كتاب إيجاز البيان في الترجمة عن القرآن:
    فكأنه يقول : وللّه ما شرق منكم أي ما ظهر ، وما غرب عنكم أي ما استتر ، فأينما تولوا بوجوهكم وقلوبكم فثمّ وجه اللّه ، أي هو مطلع عليكم ، ويؤيده قوله :" إِنَّ اللَّهَ واسِعٌ عَلِيمٌ »وهذا من باب الإشارة والتنبيه ( 117 )" وَقالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً سُبْحانَهُ »الضمير يعود على من تقدم ، وهو داخل في قوله : ( وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَساجِدَ اللَّهِ )( وَسَعى ) *وقال :« اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً » *يريد بذلك من قال : المسيح ابن اللّه ، وعزير ابن اللّه ، والملائكة بنات اللّه ، فإن الولد ينطلق على الذكر والأنثى ، وهذا أشد ظلما مما فعلوه ، فنزه الحق نفسه عما نسبوا إليه ، وهنا وجهان الوجه الواحد ، إن كانوا أرادوا التبني لقوله : ( لَوْ أَرادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً لَاصْطَفى مِمَّا يَخْلُقُ ما يَشاءُ )ثم نزه نفسه عن ذلك ، فيكون هذا القول منهم افتراء على اللّه ، حيث نسبوا إليه ما لم ينسب إلى نفسه ، مع جواز التبني بطريق الاصطفاء ، ولكن ما وقع ، والوجه الآخر ، أن يريدوا الولد المعروف الذي للصلب ، فهو جهل منهم باللّه تعالى ، فهم ما بين جاهل ومفتر ، فنزه اللّه سبحانه عن الأمرين نفسه ، فقال سبحانه عن ذلك : « بل » حرف إضراب عن قولهم :« لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ »

    ص 184

    شك وإن كان له مثل ، ولكن عند هذا الذي ابتدعه لا سبيل إلا ابتداع الحق تعالى فإنه تعالى قال عن نفسه إنه بديع أي خلق ما لا مثل له في مرتبة من مراتب الوجود ، لأنه عالم بطريق الإحاطة بكل ما دخل في كل مرتبة من مراتب الوجود ، فكل ما في الوجود مبتدع للّه فهو البديع ، وهذا يدلك على أن العالم ما هو عين الحق وإنما هو ما ظهر في الوجود الحق ، إذ لو كان عين الحق ما صح أن يكون بديعا ، ولما كان حال كن الإلهية حال المكوّن المخلوق ، وكان أسرع ما يكون من الحروف في ذلك فاء التعقيب ، لهذا جاء بها في جواب الأمر لسرعة نفوذ الأمر الإلهي في نشء العالم وظهوره ، فقال تعالى :« وَإِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ »القضاء الذي له المضي في الأمور هو الحكم على الأشياء بكذا ، والقدر ما يقع بوجوده في موجود معين المصلحة المتعدية منه إلى غير ذلك الموجود ، فالقضاء يحكم على القدر ، والقدر لا حكم له في القضاء ، بل حكمه في المقدر لا غير بحكم القضاء .



    وهم الملائكة وعزير وعيسى ، وأتى بما ولم يقل من ، لأن ما عند سيبويه تقع على كل شيء فلها العموم ، فالإتيان بالعام أولى حتى يدخل فيها كل شيء« كُلٌّ لَهُ قانِتُونَ »أي قائمون بالعبودية وشروطها ، وقد دخل الكفار في هذا القنوت ، فإنهم مما في السماوات والأرض ، وهم طائفتان : جاهلة وعالمة ، فمن علم منهم الحق بباطنه مثل أهل الكتاب ومن جرى مجراهم في العلم ، فهو قانت للّه في باطنه لعلمه به ، ومن جهل منهم ذلك ، فالجاهل ما عبد غير اللّه ولا قنت له لعينه ، ولكن تخيل أنه الإله المقصود بالقنوت له ، فما قنت إلا للّه وإن أخطأ في نسبة ذلك ، فصدق قول اللّه في إخباره أنه كل له قانتون بهذا الوجه ، وهل ينفعهم ذلك أو لا ينفعهم مسألة أخرى ليس هذا موضعها ( 118 )« بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ »إبداع الشيء إحكامه وإتقانه ، فإذا كان هذا ، فيكون عاما في كل موجود ، وإن كان المراد هنا بالإبداع إيجاد الشيء على غير مثال ، فيكون خاصا بالموجود الأول من كل نوع ، ولا يدخل ما تحته تحت هذه الصفة من كونه إبداعا وإنما يدخل تحت اسم الخالق والبارئ ، وقد يريد بالسماوات والأرض ما علا وما سفل حصرا لجميع الموجودات ، ومن جملتهم ما نسبتموه إلينا من ولد من إنس وملك ، ولكن لا ينتفي الولد من هذا الوجه ، فإن الولد لا بد أن يكون مخلوقا مبدعا ، وليس في اللفظ ما يدل على قدم الولد ، وإنما الحجة في قوله :« وَإِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ »وما أخبركم أنه قضى أن يتبنى أحدا من خلقه ، فافتريتم عليه ، بل نسبة ما نسبتم إليه من الولد نسبة كل أمر ، إذا قضاه أي شاءه وأراده ، أن يقول له كن أي يأمره بأن يتكون ، فيكون ، وكان هنا تامة ، وهنا بحر واسع يعز

    ص 185

    سورة البقرة ( 2 ) : الآيات 118 إلى 121
    وَقالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ لَوْ لا يُكَلِّمُنَا اللَّهُ أَوْ تَأْتِينا آيَةٌ كَذلِكَ قالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ تَشابَهَتْ قُلُوبُهُمْ قَدْ بَيَّنَّا الْآياتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ ( 118 ) إِنَّا أَرْسَلْناكَ بِالْحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلا تُسْئَلُ عَنْ أَصْحابِ الْجَحِيمِ ( 119 ) وَلَنْ تَرْضى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصارى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ ما لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ ( 120 ) الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ أُولئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ ( 121).

    " الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ ".
    [ حق التلاوة ]
    اعلم - أيدنا اللّه وإياك - أن القرآن مجدد الإنزال على قلوب التالين له دائما أبدا ، لا يتلوه من يتلوه إلا عن تجديد تنزيل من اللّه الحكيم الحميد ، وقلوب التالين لنزوله عرش يستوى عليها في نزوله إذا نزل ، فإذا نزل القرآن على



    من كتاب إيجاز البيان في الترجمة عن القرآن:
    السابح فيه ، والهالك فيه أكثر من الناجي ، وهو فهم المعنى ، هل هذا المخاطب بكن من له عين تعقل أمر المخاطب فتمتثله ؟ أم لا عين له ؟ وهل ينطلق على المأمور بكن اسم الشيء أم لا ؟ وهل العدم صفة للمعدوم ؟ ومتى تعلق الخطاب بالتكوين هل في حال العدم ؟ أو هل بين الوجود والعدم حالة أخرى ؟ وهل كل معدوم يصح منه قبول الوجود ؟ والتفريع والتقسيم على هذا كثير ، والخلاف فيه كثير بين المعتزلة والأشاعرة والحكماء وأهل الحقائق ، والسكوت عنه أولى من الخوض فيه ، لأن اللّه ما ذكر في كتابه ما يحوجنا إلى الترجمة عنه في ذلك ، فنتركه مجملا كما تركه ، ثم قال عنهم : ( 119 )« وَقالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ لَوْ لا يُكَلِّمُنَا اللَّهُ »لولا تحضيض ، يقولون لولا يكلمنا اللّه بتصديقه مشافهة ، كما قال أسلافهم : ( أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً )« أَوْ تَأْتِينا آيَةٌ »تدل على صدقه« كَذلِكَ قالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ »كذلك قال بنو إسرائيل في زمانهم لأنبيائهم ، وقوله :« لا يَعْلَمُونَ »أي لا يعلمون ما ينبغي لجلال اللّه من التعظيم أن يسأل مثل هذا من غير إذن ،

    ص 186

    قلب عبد وظهر فيه حكمه ، واستوى عليه بجميع ما هو عليه مطلقا ، وكان خلقا لهذا القلب ، كان القلب عرشا له ، سئلت عائشة عن خلق رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم فقالت : كان خلقه القرآن ، فما من آية في القرآن إلا ولها حكم في قلب هذا العبد ، لأن القرآن لهذا نزل ليحكم لا ليحكم عليه . كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم في تلاوته القرآن إذا مر بآية نعيم حكمت عليه بأن يسأل اللّه من فضله ، فكان يسأل اللّه من فضله ، وإذا مر بآية عذاب ووعيد حكمت عليه بالاستعاذة ، فكان يستعيذ ، وإذا مر بآية تعظيم للّه حكمت عليه بأن يعظم اللّه ويسبحه بالنوع الذي أعطته تلك الآية من الثناء على اللّه ، وإذا مر بآية قصص وما مضى من الحكم الإلهي في القرون قبله ، حكمت عليه بالاعتبار فكان يعتبر . وإذا مر بآية حكم حكمت عليه أن يقيم في نفسه من يوجه عليه ذلك الحكم فيحكم عليه به ، فكان يفعل ذلك ، وهو عين التدبر لآيات القرآن والفهم فيه ، ومتى لم يكن التالي حاله في تلاوته كما ذكرنا فما نزل على قلبه القرآن ، ولا كان عرشا لاستوائه لأنه ما استوى عليه بهذه الأحكام ، وكان نزول هذا القرآن أحرفا ممثلة من خياله كانت حصلت له من ألفاظ معلمه إن كان أخذه عن تلقين ، أو من حروف كتابته إن كان أخذه عن كتابة ، فإذا أحضر تلك الحروف في خياله ونظر إليها بعين خياله ترجم اللسان عنها فتلاها من غير تدبر ولا استبصار ، بل لبقاء تلك الحروف في حضرة خياله ، وله أجر الترجمة لا أجر القرآن ، ولم ينزل على قلبه منه شيء ، كما قال صلّى اللّه عليه وسلم في حق قوم من حفاظ حروف القرآن يقرءون القرآن لا يجاوز حناجرهم ، أي ينزل من الخيال الذي في مقدم الدماغ إلى اللسان فيترجم به ولا يجاوز حنجرته إلى القلب الذي في صدره ، فلم يصل إلى قلبه منه شيء ، وقال فيهم : إنهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم



    من كتاب إيجاز البيان في الترجمة عن القرآن:
    كما قال : ( مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ )وأما العرب فالقرآن آيتهم فلا يقولون هذا ، وعلماء الكتب لا يقولون هذا فإن الآيات الدالة على صدقه في كتابهم ، فلم يبق إلا المقلدة ومن لا علم له بإعجاز القرآن ، وقوله :« تَشابَهَتْ قُلُوبُهُمْ »أي عقولهم في الختم عليها فلا يعلمون« قَدْ بَيَّنَّا الْآياتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ »وهم العارفون بذلك وإن لم يؤمنوا وباهلوا ، والعلماء بذلك أيضا من من المؤمنين كما قال : ( بَلْ هُوَ آياتٌ بَيِّناتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلَّا الظَّالِمُونَ )والجاحد عالم ، قال تعالى : ( وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوًّا )وقوله :« يُوقِنُونَ »أي يتيقنون ، وهو ثبوت العلم في صدورهم ، ثم خاطب نبيه عليه السلام ( 120 )

    ص 187

    من الرمية ، لا ترى فيه أثرا من دم الرمية ، فإنه ما كل تال يحس بنزول القرآن لشغل روحه بطبيعته ، فينزل عليه من خلف حجاب الطبع فلا يؤثر فيه التذاذا ، فهذا قرآن منزل على الألسنة لا على الأفئدة ، وقال في الذوق : « نزل به الروح الأمين على قلبك » فذلك هو الذي يجد لنزوله عليه حلاوة لا يقدر قدرها تفوق كل لذة ، فإذا وجدها فذلك الذي نزل عليه القرآن الجديد الذي لا يبلى ، والفارق بين النزولين أن الذي ينزل القرآن على قلبه ينزل بالفهم فيعرف ما يقرأ ، وإن كانت تلك الألفاظ لا يعرف معانيها في غير القرآن لأنها ليست بلغته ، ويعرفها تلاوة إذا كان ممن ينزل القرآن على قلبه عند التلاوة ، فمن قرأ القرآن منزلا عليه يجد لذة الإنزال ذوقا على قلبه عند قراءته ، فإن للقرآن عند قراءة كل قارئ أي قارئ كان إنزالا ، غير أن الوارث المحمدي بالحال يحس بالإنزال ، ويلتذ به التذاذا خاصا لا يجده إلا أمثاله ، فذلك صاحب ميراث الحال وما عدا هؤلاء فإنما يقرءون القرآن من خيالهم ، فهم يتخيلون صور حروفه المرقومة إن كان حفظ القرآن من المصاحف والألواح ، أو يتخيلون صور حروف ما تلقنوه من معلمهم ، هذا إذا كانوا عاملين به ، وإما إذا قرءوه من غير إخلاص فيه فلا يتجاوز حناجرهم ، أي لا يقبل اللّه منه شيئا ، فيبقى في محل تلاوته وهو مخرج الصوت ، فلا يقرأ القرآن من قلبه إلا صاحب التنزل ، وهو الذوق الميراثي ، فمن وجد ذلك فهو صاحبه يعرف ذلك عند وجوده إياه فلا يحتاج فيه إلى معرف ، فإنه يفرق عند ذلك بين قراءته من خياله وبين قراءته عن تنزيل ربه مشاهدة ، فليس التالي إلا من تلاه عن قلبه الذي له في كل تلاوة فهم في الآية ، لم يكن له ذلك الفهم في التلاوة التي قبلها ، ولا يكون في التلاوة التي بعدها ، وهو الذي أجاب اللّه في دعائه في قوله :« رَبِّ زِدْنِي عِلْماً »فمن استوى فهمه في التلاوتين فهو مغبون ، ومن كان له في كل تلاوة فهم



    من كتاب إيجاز البيان في الترجمة عن القرآن:
    "إِنَّا أَرْسَلْناكَ بِالْحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً »يقول له تسلية لما يجده في قلبه من ردهم أمر اللّه في وجهه:
    يا محمد ما عليك إلا البلاغ ، وما أنت عليهم بجبار ، أي ما أرسلناك لتجبرهم على الإيمان ، وإنما وظيفتك أن تبلغ عنا ما نزل إليهم ، وأمرهم إلينا " بَشِيراً " أي مبشرا للطائفتين المطيع والمخالف ، قال تعالى : ( فَبَشِّرْ عِبادِ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ ) .
    وقال في أولئك : ( فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ ) *وسنبين ذلك في موضعه وقوله : « ونذيرا » أي معلما لهم بما أنزلت عليهم ، وقد تستعمل في الأكثر : البشارة في الخير والإنذار في الشر ، وكلا التأويلين صالح هنا ، والباء من

    ص 188

    فهو رابح مرحوم ، ومن تلا من غير فهم فهو محروم ، فمن تكرر له المعنى في تلاوته فما تلاه حق تلاوته وكان دليلا على جهالته ، ومن زادته تلاوته علما وأفادته في كل مرة حكما فهو التالي ، لمن هو في وجوده له تالي . فينبغي لكل تال إذا تلا القرآن أن يتدبره ويأخذ كل أمر أمر اللّه به نبيه صلّى اللّه عليه وسلم أن يبلغه أو يقوله أو يعلّمه فليقله في تلاوته ولا يكون حاكيا ، بل يكون صاحب نية وقصد وابتهال في ذلك ، وأنه مأمور به من الحق إن أراد أن يكون من الحزب النبوي ، فإن اللّه أخفى النبوة في خلقه وأظهرها في بعض خلقه ، فالنبوة الظاهرة هي التي انقطع ظهورها ، وأما الباطنة فلا تزال في الدنيا والآخرة ، لأن الوحي الإلهي ، والإنزال الرباني ، لا ينقطع إذ كان به حفظ العالم ، فجميع العالم لهم نصيب من هذا الإنزال والوحي . ومن تلا المحامد ولم يكن عين ما يتلوه منها فليس بتال ، وكذلك من تلا المذام وكان عين ما يتلوه منها فليس بتال ، فما نزل القرآن إلا للبيان« الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ »اعلم أنك لا تعرف منازل التلاوة ما لم تعرف الكتب المتلوة بأعيانها ، فإذا عرفتها عرفت حينئذ كيف تتلوها ، وكيف تسمعها ممن يتلوها عليك ، فأسماء الكتب المنزلة - وأعني القرآن - الكتاب المنير والمبين والمحصي والعزيز والمرقوم والمسطور الظاهر والمسطور الباطن والجامع ، وتعيين أربابها القائمين بها ، فالمنير لأهل الحجج ، والمبين لأهل الحقائق ، والمحصي لأهل المراقبة ، والعزيز لأهل العصمة ، والمرقوم الحكيم للمرسلين والورثة ، والمسطور الظاهر تأويلا واعتبارا لأهل الإيمان ، والمسطور الباطن اعتبارا أيضا لأهل الإباحة ، والجامع للروحانيين الملكيين ، وعلامات التالين لهذه الكتب على الحضور



    من كتاب إيجاز البيان في الترجمة عن القرآن:
    "بِالْحَقِّ " تصلح أن يعمل فيها ،« أَرْسَلْناكَ »و« بَشِيراً وَنَذِيراً »فبشيرا ونذيرا تفصيل ما جاء به ، وقوله بالحق الأوجه فيه أن يعمل فيه« أَرْسَلْناكَ »لأن الألف واللام الأظهر فيها العهد ، لحق معلوم عنده ، وهو الحق الذي اشترك فيه جميع المرسلين ، وهو إقامة الدين وتبليغه ، وأن سبب إرساله تبليغ هذا الحق ، فالباء للسبب ، وقوله : « ولا تسأل » بفتح التاء« عَنْ أَصْحابِ الْجَحِيمِ »فيه وجهان : الوجه الواحد ، معناه أهملهم وأرح خاطرك وسرك من قبلهم فيما نفعل بهم من الهدى أو الإضلال ، والوجه الآخر ، على طريق الوعيد ، أي ولا تسأل عن أصحاب الجحيم ما نفعل بهم من العذاب والضيق والنكال شفاء لصدرك واتساعا بالفرح بالانتقام منهم في مقابلة ما ضيقوا به صدرك بما قالوه ، قال تعالى : ( يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ

    ص 189

    من ادعى أنه تلا المنير ، علامته المكاشفة ، ومن ادعى أنه تلا المبين ، علامته التمييز والترتيب ، ومن ادعى أنه تلا المحصي ، علامته الوقوف عند الحدود ، ومن ادعى أنه تلا العزيز ، علامته أنه يجهل مقامه ، ومن ادعى أنه تلا المرقوم الحكيم ، علامته الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتسليم للّه في كل حال ، ومن ادعى أنه تلا المسطور الظاهر ، علامته المجاهدة ، ومن ادعى أنه تلا المسطور الباطن ، علامته الزندقة ، ومن ادعى أنه تلا الكتاب الجامع ، علامته الخروج عن البشرية ولحوقه بهيولانية ملكية - كأبي عقال المغربي وغيره - وعلامات من تلا الحق عليه هذه الكتب أن من تلا الكتاب المنير عليه قمع هواه ، ومن تلا عليه المبين شاهد معناه ، ومن تلا عليه كتاب المحصي سلك طريق هداه ، ومن تلا عليه كتاب العزيز اجتنب رداه ، ومن تلا عليه المرقوم الحكيم بلغ مناه ، ومن تلا عليه ظاهر المسطور فاز برحماه ، ومن تلا عليه باطن المسطور كان الشيطان مولاه ، ومن تلا عليه الجامع لم ينظر إلى سواه ، ولعلك تشتهي أن ترسم في التالين لهذه الكتب على الحق تعالى بأن تمر على حروفه وتكون فيه حالّا مترحلا وأنت لا تعقل معناه ، ولا تقف عند حدوده ، أو تتخيل أن يقول لك الحق تبارك وتعالى عند قولك« الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ »حمدني عبدي ، لا واللّه ما يراجع الحق سبحانه وتعالى بقوله حمدني عبدي وأثنى علي عبدي إلا أهل الحضور معه عند التلاوة ، بأنه مناج



    من كتاب إيجاز البيان في الترجمة عن القرآن:
    قوم مؤمنين ويذهب غيظ قلوبهم ) وقوله : ( وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِما يَقُولُونَوَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلا تَكُنْ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ )وقد قرئ « ولا تسأل » بضم التاء على الخبر ، أي عليك التبليغ ما عليك سؤال هل أجابوك أم لا ، فيكون مزيد درجة ، راحة للنبي عليه السلام يوم القيامة على سائر الرسل لقوله تعالى : ( يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ ما ذا أُجِبْتُمْ )فأخبره اللّه تعالى أنه غير داخل في هذا الجمع ، فإن الرسل ما تسأل إلا لأجل إنكار الأمم التبليغ الذين لم يجيبوا في الدنيا إذا رأوا عذاب اللّه نازلا بهم ، أو اعترافهم بالإجابة ولم تقع منهم ، ويحتمل قوله« وَلا تُسْئَلُ عَنْ أَصْحابِ الْجَحِيمِ »نفي العلم عنه بهم ، وأن ذلك إلى اللّه ، فإنه غير عالم بالسعيد منهم على اليقين والشقي إلا بتعيين اللّه له ، والعالم بمن لا يعلم لا يسأله عما لا يعلم ( 121 )« وَلَنْ تَرْضى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصارى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ »يقول : ما هم عليه من الأهواء ، فإنهم مختلفون ، فلا يتمكن الجمع بينهما ، لأن كل واحد منهما مخالف لما يتضمنه كتابه ، فلو عملوا بما في كتابهم لكانوا أمة واحدة ، وكانوا على ما نحن عليه من الإيمان باللّه وبملائكته وكتبه ورسله من غير فرقان بين

    ص 190

    نفسه بفعله والمناجى بإحاطته وذاته ، وأهل التدبر والتذكر لما أودع في كتابه العزيز من الأسرار والعلوم ، يفهم كل عبد على قدر مقامه وذوقه وكشفه ، قال تعالى : ليدبروا آياته وليتذكر أولو الألباب وقال تعالى : قد علم كل أناس مشربهم ، بل أقول : إن كل من قعد على منهج الاستقامة ، وكانت حيلته الطاعة ، وكان اللسان صامتا عن تلاوة القرآن ، فإنه حامد للّه شاكر له بأفعاله ، ويقول اللّه فيه حمدني عبدي . فإذا كان اللسان يقول الحمد للّه ، والقلب في الدكان ، أو في الدار ، أو في عرض من الأعراض ، متى عرف من هذه صفته أن يحمد اللّه ؟ ! وكيف ذلك والقلب غافل بما هو عليه عما جرى به لسانه ، فإذا وفقك اللّه وتريد أن يسمع الحق جل اسمه منك تلاوتك ، ويرسمك في ديوان التالين ، ويقول لك على الكلمات حمدني ، فاعلم منازل التلاوة ، ومواطنها ، وكم من التالين منك ، وذلك أن تعلم أن على اللسان تلاوة ، وعلى الجسم بجميع أعضائه تلاوة ، وعلى النفس تلاوة ، وعلى القلب تلاوة ، وعلى الروح تلاوة ، وعلى السر تلاوة ، وعلى سرّ السرّ تلاوة ، فتلاوة اللسان ترتيل الكتاب على الحد الذي رتب المكلف له ، وتلاوة الجسم المعاملات على تفاصيلها في الأعضاء التي على سطحه ، وتلاوة النفس التخلق بالأسماء والصفات ، وتلاوة القلب الإخلاص والفكر والتدبر ، وتلاوة الروح التوحيد ، وتلاوة السر الاتحاد من قوله صلّى اللّه عليه وسلم في الحديث القدسي صفة لا ذاتا كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ،



    من كتاب إيجاز البيان في الترجمة عن القرآن:
    أحد من رسله ، ولهذا قال تعالى :« قُلْ »لهم يا محمد« إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدى »ولم يقل قل هداي ، أي الذي جئت به خاصة ، فإن التوراة والإنجيل هدى اللّه مثل القرآن ، فلو أطاعوا وسمعوا ما جاءت به كتبهم ما تفرقوا جملة واحدة ، وكانوا يؤمنون بكل كتاب وبما تضمنه ، فكنا نحن وهم على السواء ، فإن في التوراة الإيمان بالإنجيل والقرآن وبمن جاء بهما وما جاء فيهما ، وفي الإنجيل الإيمان بالتوراة وبمن جاء بهما وما جاء فيهما ، وفي القرآن الإيمان بالتوراة والإنجيل وبمن جاء بهما وما جاء فيهما ، فآمنا نحن بالجميع ، والكل هدى اللّه ، وكفروا هم بالكتابين وببعض ما جاء في كتابهم واتبعوا أهواءهم ، فلو دعونا إلى اتباع كتبهم لوجدونا متبعين لذلك مؤمنين غير مخالفين لشيء من ذلك ، فلهذا قال اللّه لمحمد صلّى اللّه عليه وسلم محذرا :« وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ »وهو قوله : ( وَإِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنا غَيْرَهُ )وما سامحه سبحانه في طمعه باستدراجهم بذلك ليؤمنوا بقوله

    ص 191

    وتلاوة سر السر الأدب وهو التنزيه الوارد عليه من الإلقاء منه جل وعلا ، فمن قام بين يدي سيده بهذه الأوصاف كلها فلم ير جزء منه إلا مستغرقا فيه على ما يرضاه منه ، كان عبدا كليا ، وقال له الحق تعالى إذ ذاك : حمدني عبدي أو ما يقول على حسب ما ينطق به العبد قولا أو حالا ، فإن كان فيه بعض هذه الأوصاف وتعلقت غفلة ببعض التالين فليس بعبد كلي ، ولا يكون فيه للحق تعالى من عبودية الاختصاص إلا على قدر ما اتصفت به ذاته ، فثم عبد يكون للّه فيه السدس ولهواه ما بقي ، وللّه فيه الخمس ولهواه ما بقي ، والربع والثلث والنصف على قدر ما يحضر منه مع الحق تعالى من حيث هو نوري ، فانظر أين تجعل همتك ، وكيف تكون مع الحق الذي إليه مردك ، فإنك لا تجد عنده إلا ما قدمت ، وقد علمت المنازل فإما عبدا كليا ، وإما جزء عبد فتدبر هذه التلاوة ، وألزمها نفسك في حركاتك وسكناتك ، فلا تتحرك إلا باللّه وللّه ومع اللّه وفي اللّه وإلى اللّه وعن اللّه ولا تسكن إلا على هذا الحد ، فباللّه من حيث توليه لك في ذلك ، وللّه من أجله لا من أجلك ، ومع اللّه من حيث المشاهدة والمراقبة ، وفي اللّه من حيث التدبر والتفكر ، وإلى اللّه من حيث التوجه والقصد ، وعن اللّه من حيث التكليف . وهكذا فلتكن في تلاوتك فإنه سبحانه يعلم السر وأخفى ، فلا يطلع عليك في سرك وعلانيتك على ما لا يرضاه منك ، وإن كان هو الفاعل سبحانه الموجد الفعل . فالزم ما كلفت من الأدب ، وما تقتضيه الحضرة الإلهية من الإجلال والتعظيم .



    من كتاب إيجاز البيان في الترجمة عن القرآن:
    تعالى : ( وَلَوْ لا أَنْ ثَبَّتْناكَ )بما أوحينا إليك في ذلك( لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلًا إِذاً لَأَذَقْناكَ )هذا مع القصد الحسن فكيف بغير ذلك ، قال تعالى : ( وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ )وهو قوله : ( ما عليك إلا البلاغ )( وَلا تُسْئَلُ عَنْ أَصْحابِ الْجَحِيمِ )و( لَيْسَ عَلَيْكَ هُداهُمْ )و( إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ ) ،ثم قال :« ما لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ »يتولاك فيما يريده الحق أن يجريه عليك« وَلا نَصِيرٍ »ينصرك عليه ، فقال : ( 122 )« الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ »التلاوة الاتباع ، يتلوه يتبعه ، فكما أن آيات الكتاب يتلو بعضها بعضا كذلك التالي لها يمشي عليها مشيا بعد مشي ، يقول : الذين أعطيناهم الكتاب الذي أنزلته عليهم ، وهم الرسل ،« يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ »أي يتبعونه حق الاتباع الذي يجب له ، وحقه الإيمان به أنه من عندنا ، وأن لا يكفر بشيء منه« أُولئِكَ »أي الذين أوتوه وتلوه حق تلاوته« يُؤْمِنُونَ

    ص 192

    سورة البقرة ( 2 ) : الآيات 122 إلى 124
    يا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ ( 122 ) وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً وَلا يُقْبَلُ مِنْها عَدْلٌ وَلا تَنْفَعُها شَفاعَةٌ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ ( 123 ) وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قالَ إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً قالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ( 124 )
    « وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ »لأن الابتلاء من أفضل الكرامات ، وقد تلقاها للتوب صاحب السمات ، والابتلاء إشارة إلى ذبح ولده قال اللّه تعالى لخليله إبراهيم عليه السلام :« إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً »ابتداء منه من غير طلب من إبراهيم عليه السلام ليكون معانا مسددا ، وعلمنا أنه ليس بظالم قطعا لأن الإمامة عهد من اللّه وقال تعالى :« إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً »ولم يقل خليفة بل ذكره بالإمامة لأن الخليفة يطلب بحكم هذا الاسم عليه من استخلفه فيعلم أنه مقهور محكوم عليه ، فالخليفة له فيه تذكرة لأنه مفطور على النسيان والسهو والغفلة ، فيذكره اسم الخليفة بمن استخلفه ، والإمام ربما اشتغل بإمامته عمن جعله إماما ، لأن الإمامة ليست لها قوة التذكير في الخلافة فقال تعالى في الجماعة الكمل :« جَعَلَكُمْ *



    به » أي يصدقون بكل ما يتضمنه ، وبه أنه من عند اللّه ، ويحتمل أن يريد به أهل التوراة الذين تلوها حق تلاوتها وأهل الإنجيل وآمنوا بما وجدوا فيها من بعث محمد صلّى اللّه عليه وسلم ورسالته ، وأنه هو هذا ، فيكون خاصا بالمؤمنين من اليهود والنصارى ، ثم قال :« وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ » *كما فصلناه في معنى الكفر والكافر« فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ » *تقدم الكلام على هذا المعنى في( فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ )في أول السورة ( 123 )« يا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ »قد تقدم الكلام عليها وكذلك ( 124 )« وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً وَلا يُقْبَلُ مِنْها عَدْلٌ »فذكر في الأولى( وَلا يُؤْخَذُ مِنْها عَدْلٌ )وزاد في هذا« وَلا يُقْبَلُ مِنْها عَدْلٌ »أي فداء ، فإن القبول لا يكون إلا مع الرضاء به ، والأخذ قد يكون عن رضاء وقد لا يكون ، فزاد في هذه الآية ولو أخذنا الفداء لم نأخذه على جهة القبول والرضاء وإنما هو بضاعتنا ردت إلينا ، فأبان هنا بالقبول أمرا لم يذكره هناك ، وقال في هذه الآية« وَلا تَنْفَعُها شَفاعَةٌ »

    ص 193

    خَلائِفَ فِي الْأَرْضِ » *فوقع هذا في مسموعهم فتصرفوا في العالم بحكم الخلافة ، وقال لإبراهيم عليه السلام بعد أن أسمعه خلافة آدم ومن شاء اللّه من عباده« إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً »لما علم أن الخلافة قد أشربها فلا يبالي بعد ذلك أن يسميه بأي اسم شاء ، فقال إبراهيم لربه تعالى :« وَمِنْ ذُرِّيَّتِي »« قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ »فإن الإنسان المخلوق على الصورة - لا الإنسان الحيوان - هو الذي له الإمامة في الكون ، صاحب العهد فإن اللّه لا ينال عهده الظالمون وليس عهده سوى صورته ، فما أهمل من أهمل من الأناسي إلا لجهله بمنزلته وتصرفه في غير مرتبته ، فلو أعطى نفسه حقها ، كما أعطاها ربها خلقها ، لكان إمام العالمين ، فالسيد الإمام ، العارف العلام ، يقول : الأمام الأمام ، وفي يده سراجه وفي رأسه تاجه ، يشهد له الحق بالخلافة ، والأمن من كل عاهة وآفة ، وأما إذا كانت الطرق مظلمة ، لا يعرف الماشي فيها في أي مهواة يهوي ، ومع هذا يسير ولا يلوي ، فإذا سقط ، عند ذلك يعلم أنه فرط .

    من كتاب إيجاز البيان في الترجمة عن القرآن:
    وهناك ( لا تقبل منها ) أي من أجلها شفاعة ، وهنا ولو قبلت عناية بالشافع ما نفعت المشفوع فيه ، بأن نعلم الشافع مرتبته من عنايتنا به عندنا ، ونبين له قدر الجريمة التي لهذه النفس ، فيرجع الشافع عن ذلك إعظاما لجناب اللّه مع أن الحق سمع شفاعته ، ولكن ما نفعت المشفوع ، هذا كله على تقدير الوقوع ، أي لو وقعت الشفاعة من أهل العناية عندنا لكان الأمر كما ذكرناه ، فزاد هنا ما لم يذكر في الأولى« وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ »قد مضى تفسيره ، ثم قال : ( 125 )« وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَّ »الصحيح في هذه الكلمات عدم تعيينها ، فنعلم قطعا أن اللّه اختبره بكلمات أنزلهن عليه« فَأَتَمَّهُنَّ »فأثنى عليه بقوله : ( وَإِبْراهِيمَ الَّذِي وَفَّى )ومحن الأنبياء كثيرة ، وما كلفوه كثير ، كما قيل لمحمد صلّى اللّه عليه وسلم( إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا )على غيرك ونهونه عليك ، والعامل في« إِذِ »إما مضمر ، وإما جاعلك ، أي قام بهن حق القيام من الشكر إن كان نعمة ، ومن الصبر إن كان غير ذلك ، كذبح الولد والرمي في النار وغير ذلك ، فوفّى صلّى اللّه عليه وسلم بجميع ما خوطب به على حسب ما يعطيه ذلك الخطاب ، وقد أكثر الناس في تعيين الكلمات من غير دليل قاطع ، فلهذا تركت تعيين ما يمكن أن تكون ، إذ لا يفيد ذلك علما ، وقوله :« قالَ إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً »يحتمل أن يكون هذا من الكلمات ، لأنها ابتلاء لما يلزمه فيها من مراعاة حدود اللّه في خلقه ، وإقامة العدل فيهم ، والنظر في مصالحهم الدينية والدنياوية ، والمبالغة في
    ص 194

      الوقت/التاريخ الآن هو 24/11/2024, 02:59