..الإحسان حياة.

مرحبا بك أيّها الزّائر الكريم.

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

..الإحسان حياة.

مرحبا بك أيّها الزّائر الكريم.

..الإحسان حياة.

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
..الإحسان حياة.

..الإحسان معاملة ربّانيّة بأخلاق محمّديّة، عنوانها:النّور والرّحمة والهدى

المواضيع الأخيرة

» كتاب: نهاية العالم في الكتاب المقدس - دراسة مقارنة مع القرآن الكريم ـ نور فائزة بنت عثمان
من كتاب تفسير القرآن الكريم رحمة من الرحمن في تفسير وإشارات القرآن ـ ج1ـ لابن عربي ـ تفسير آلآيات من "16 - 29"البقرة Empty20/11/2024, 22:49 من طرف Admin

» كتاب مواعظ الإمام زين العابدين ـ صالح أحمد الشامي
من كتاب تفسير القرآن الكريم رحمة من الرحمن في تفسير وإشارات القرآن ـ ج1ـ لابن عربي ـ تفسير آلآيات من "16 - 29"البقرة Empty18/11/2024, 23:30 من طرف Admin

» كتاب إتحاف النفوس بنفحات القدوس ـ عبد القدوس بن أسامة السامرائي
من كتاب تفسير القرآن الكريم رحمة من الرحمن في تفسير وإشارات القرآن ـ ج1ـ لابن عربي ـ تفسير آلآيات من "16 - 29"البقرة Empty18/11/2024, 23:25 من طرف Admin

» كتاب الإعلام بفضل الصلاة على النبي والسلام ـ محمد بن عبد الرحمن بن علي النميري
من كتاب تفسير القرآن الكريم رحمة من الرحمن في تفسير وإشارات القرآن ـ ج1ـ لابن عربي ـ تفسير آلآيات من "16 - 29"البقرة Empty18/11/2024, 23:20 من طرف Admin

» كتاب الغيب ـ محمد متولي الشعراوي
من كتاب تفسير القرآن الكريم رحمة من الرحمن في تفسير وإشارات القرآن ـ ج1ـ لابن عربي ـ تفسير آلآيات من "16 - 29"البقرة Empty18/11/2024, 23:08 من طرف Admin

» كتاب الشيطان والإنسان ـ محمد متولي الشعراوي
من كتاب تفسير القرآن الكريم رحمة من الرحمن في تفسير وإشارات القرآن ـ ج1ـ لابن عربي ـ تفسير آلآيات من "16 - 29"البقرة Empty18/11/2024, 23:03 من طرف Admin

» كتاب الشعراوي هنا رأيت سيدنا إبراهيم ـ سعيد أبو العنين
من كتاب تفسير القرآن الكريم رحمة من الرحمن في تفسير وإشارات القرآن ـ ج1ـ لابن عربي ـ تفسير آلآيات من "16 - 29"البقرة Empty18/11/2024, 23:01 من طرف Admin

» كتاب الخير والشر ـ محمد متولي الشعراوي
من كتاب تفسير القرآن الكريم رحمة من الرحمن في تفسير وإشارات القرآن ـ ج1ـ لابن عربي ـ تفسير آلآيات من "16 - 29"البقرة Empty18/11/2024, 22:57 من طرف Admin

» كتاب التربية في مدرسة النبوة ـ محمد متولي الشعراوي
من كتاب تفسير القرآن الكريم رحمة من الرحمن في تفسير وإشارات القرآن ـ ج1ـ لابن عربي ـ تفسير آلآيات من "16 - 29"البقرة Empty18/11/2024, 22:55 من طرف Admin

» كتاب: إرشاد العباد إلى سبل الرشاد ـ للملبباري
من كتاب تفسير القرآن الكريم رحمة من الرحمن في تفسير وإشارات القرآن ـ ج1ـ لابن عربي ـ تفسير آلآيات من "16 - 29"البقرة Empty18/11/2024, 22:41 من طرف Admin

» ـ كتاب آداب الحسن البصري ـ أبن الجوزي
من كتاب تفسير القرآن الكريم رحمة من الرحمن في تفسير وإشارات القرآن ـ ج1ـ لابن عربي ـ تفسير آلآيات من "16 - 29"البقرة Empty18/11/2024, 22:34 من طرف Admin

» كتاب الله والنفس البشرية ـ لمحمد متولي الشعراوي
من كتاب تفسير القرآن الكريم رحمة من الرحمن في تفسير وإشارات القرآن ـ ج1ـ لابن عربي ـ تفسير آلآيات من "16 - 29"البقرة Empty18/11/2024, 22:23 من طرف Admin

» كتاب: معرفة النفس طر يق لمعرفة الرب ـ أستاذ البصيرة عبدالوهاب حسن
من كتاب تفسير القرآن الكريم رحمة من الرحمن في تفسير وإشارات القرآن ـ ج1ـ لابن عربي ـ تفسير آلآيات من "16 - 29"البقرة Empty18/11/2024, 22:21 من طرف Admin

» كتاب الطريق الي الله ـ الشيخ علي جمعة
من كتاب تفسير القرآن الكريم رحمة من الرحمن في تفسير وإشارات القرآن ـ ج1ـ لابن عربي ـ تفسير آلآيات من "16 - 29"البقرة Empty18/11/2024, 21:50 من طرف Admin

» كتاب: كتاب النفس والجسد والروح ـ ابراهيم البلتاجي
من كتاب تفسير القرآن الكريم رحمة من الرحمن في تفسير وإشارات القرآن ـ ج1ـ لابن عربي ـ تفسير آلآيات من "16 - 29"البقرة Empty18/11/2024, 21:38 من طرف Admin

أفضل 10 أعضاء في هذا الشهر

دخول

لقد نسيت كلمة السر


    من كتاب تفسير القرآن الكريم رحمة من الرحمن في تفسير وإشارات القرآن ـ ج1ـ لابن عربي ـ تفسير آلآيات من "16 - 29"البقرة

    avatar
    Admin
    Admin


    المساهمات : 68539
    تاريخ التسجيل : 25/04/2018

    من كتاب تفسير القرآن الكريم رحمة من الرحمن في تفسير وإشارات القرآن ـ ج1ـ لابن عربي ـ تفسير آلآيات من "16 - 29"البقرة Empty من كتاب تفسير القرآن الكريم رحمة من الرحمن في تفسير وإشارات القرآن ـ ج1ـ لابن عربي ـ تفسير آلآيات من "16 - 29"البقرة

    مُساهمة من طرف Admin 19/4/2020, 23:43


    كتاب تفسير القرآن الكريم رحمة من الرحمن في تفسير وإشارات القرآن من كلام الشيخ الأكبر محيي الدين ابن العربي
    سورة البقرة ( 2 ) : آية 16
    أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ وَما كانُوا مُهْتَدِينَ ( 16 )
    « أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى » :أي باعوا الهدى بالضلالة ، واشتروا الحيرة بالبيان فخسروا .« فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ وَما كانُوا مُهْتَدِينَ »المؤمن ممدوح في القرآن بالتجارة والبيع فيما يملك بيعه ، قال تعالى : ( لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ )وقال تعالى : ( هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى تِجارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ )وقال تعالى : ( إِنَّ اللَّهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ )وما صرح اللّه في المؤمن بأنه يشتري خاصة ، وما وصف الشراء في القرآن إلا من أشهدهم اللّه عن جناية.
    فقال :« أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى »والسبب في أن المؤمن ما وصفه اللّه بالشراء فإنه خلقه اللّه ، وملكه جميع ما خلق اللّه في أرضه الذي هو مسكنه ومحله( خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً )فجميع ما في الأرض ملكه فما بقي له ما يشتريه ، وحجر عليه الضلالة وهي صفة عدمية ، فإنها عين الباطل وهو عدم ، ولم يأمرنا اللّه باتباعه فإذا اشترينا الضلالة فقد اخترنا العدم على الوجود ، والباطل على الحق الذي خلقنا له ، فلم يوصف المؤمن بالشراء ، وشرع له البيع فيما أبيح له بيعه ، ومما ملكه اللّه ما هو مباح له ، وما هو واجب عليه أن لا يخرجه ولا يبيعه ، فكأن المؤمن ملك حلة الإباحة ، وحلة الوجوب ، فخلع عن نفسه حلة الإباحة ، ولبس حلة الوجوب ، وكلاهما له ، فسمى خلعه لها بيعا ، وما سمى لباسه للوجوب شراء ، فإنها ملكه ورحله ومتاعه والإنسان لا يشتري ما يملكه ، ولما حجر اللّه الضلالة على خلقه ورجح من

    من كتاب إيجاز البيان في الترجمة عن القرآن:
    قوله ( 17 )« أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ »الآية ، أولاء حرف إشارة ، أشار بها إلى كل من تقدم ذكره من منافق وكافر ، وأما إخبار اللّه تعالى عنهم أنهم« اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى »دل على أنه كان عندهم هدى باعوه بهذه الضلالة ، وأن الذين اشتروا منهم الهدى كان عندهم ضلالة ، فالترجمة عن ذلك ، كل مولود يولد على الفطرة ، وأبواه هما اللذان يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه ، والفطرة التي فطر الناس عليها هي الإقرار منهم للّه بالربوبية عليهم في قوله تعالى( وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَ لَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى )فهذا هو الهدى ،
    ص 71

    رجح منهم الضلالة على الهدى اشتروا« الضَّلالَةَ »فإنهم لم يكونوا يملكونها« بِالْهُدى »الذي ملكهم اللّه إياه« فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ وَما كانُوا مُهْتَدِينَ »في ذلك الشراء لأن اللّه ما شرع لعباده الشراء فاعتبر الحق جانب البيع ولم يعتبر في حق المؤمن جانب الابتياع .

    سورة البقرة ( 2): آية 17
    مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً فَلَمَّا أَضاءَتْ ما حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُماتٍ لا يُبْصِرُونَ ( 17 )
    ذهب اللّه بنوره أي أزاله عن أبصارهم أي أن اللّه أعدم النور من أبصارهم ، وتركهم

    من كتاب إيجاز البيان في الترجمة عن القرآن:
    كان بأيديهم ، وما من هدى إلا وفي مقابلته ضلالة ، وهو تركه ، فجاء المؤمنون الذين بقوا على هداهم ، أو رجعوا إلى هداهم بإجابتهم دعوة الحق بلسان الرسول صلّى اللّه عليه وسلم حين دعاهم ، وجاء الذين لم يجيبوا داعي اللّه ، فأخذ المؤمنون هداهم وعوضهم عن ذلك الضلال الذي في مقابلة هداهم لو لم يهتدوا ، فضلّ هؤلاء الذين اشتروا الضلالة بما عوّضوا به زيادة على ضلالتهم ، قال تعالى( فَزادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ )يعني هذه الصفقة ، وهي السورة المنزلة ، وازداد المؤمنون هدى إلى هداهم ، قال تعالى( وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا )يعني بهداهم الذي كان لهم( زادَهُمْ هُدىً )وهو الهدى الذي باعه الكفار منهم ، فكان للمؤمنين نور على نور ، وكان للكافرين ظلمات بعضها فوق بعض ، فهم في ظلمات لا يبصرون ، والمؤمنون نورهم يسعى بين أيديهم ، فقال تعالى في صفة الكفار« فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ وَما كانُوا مُهْتَدِينَ »أي خسروا في متجرهم لكونهم سفهاء ، وهو تأكيد لقوله تعالى( أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهاءُ )وأي صفة أعظم من سفه تاجر لا يدري كيف يحفظ رأس ماله ، الذي هو الدين هنا ، قال تعالى( هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى تِجارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ )قيل وما هي ؟
    قال: (تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ) فأبوا واختاروا العمى على الهدى ، واشتروا الكفر بالإيمان من المؤمنين ، ليزداد المؤمنون إيمانا مع إيمانهم ، قال تعالى( لِيَزْدادُوا إِيماناً مَعَ إِيمانِهِمْ )( يَرْجُونَ تِجارَةً لَنْ تَبُورَ ) ،فقوله« وَما كانُوا مُهْتَدِينَ »هنا ، أي ما رشدوا ولا اتخذوا سبيل الرشد سبيلا ، ثم إن اللّه تعالى ضرب لنا فيهم إذا لقوا المؤمنين مثلا ، وضرب لنا مثلا آخر فيهم وفيما أنزل من القرآن ، فقال تعالى ( 18 )« مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً فَلَمَّا أَضاءَتْ ما حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُماتٍ لا يُبْصِرُونَ »هذا هو المثل الأول ، قوله« مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ »أي صفتهم كصفة« الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً »ومنه( مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ )أي صفة
    ص 72

    في ظلمات لا يبصرون . فأصحاب الشهوات في هذه الظلمات تائهون ، كما أن أصحاب الحضور التام في الأنوار ينعمون .


    سورة البقرة ( 2 ) : آية 18
    صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ ( 18 )
    وصف الحق هؤلاء الناس بذلك الوصف فهم صم وإن كانوا يسمعون ، بكم وإن كانوا يتكلمون ، عمي وإن كانوا يبصرون ، صم عن سماع ما ذكرهم اللّه به ، بكم عن الكلام بالحق ، عمي عن النظر في آيات اللّه ، فهم صم فلم يسمعوا فلم يرجعوا ، فإنهم لم يعقلوا ما سمعته آذانهم ، وما سمع من سمع منهم إلا دعاء ونداء ، وهو قوله : يا فلان وما سمع أكثر من ذلك« فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ »لما سمعوا ، ولا يرجعون في الاعتبار إلى ما أبصروا ، ولا في الكلام إلى الميزان الذي به خوطبوا ، فلا يرجعون عندما يبصرون ، ولا يعقلون عندما يسمعون ، ولا يصيبون عندما يتكلمون .

    من كتاب إيجاز البيان في الترجمة عن القرآن:
    الجنة ، ومنه( وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلى )أي الوصف ، فقال : مثلهم إذا لقوا المؤمنين - قد يمكن أن يكون اللقاء هنا منهم عن قصد - ليؤكدوا عندهم إيمانهم ، فإن المؤمن الحقيقي يدل بإيمانه ، والذي في قلبه خلاف ما تلفظ به يتخيل أنه يطّلع على ما في باطنه ، فتراه أبدا يحرص على إظهار الإيمان ابتداء من غير استدعاء ، ليؤكد عند السامع أنه بتلك الصفة ، وإن كان من لقيك فقد لقيته ، ولكن ما قال : إذا لقيهم المؤمنون ، ويؤكد ما ذهبنا إليه ما ذكره في التشبيه في قوله« كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً »وما قال : كمثل الذي وجد نارا ، والوقود من الواقد لا يكون إلا بقصد ، فلهذا رجحنا أن اللقاء كان عن قصد لما ذكرناه ، فقال تعالى : مثلهم إذا لقوا المؤمنين كمثل من استوقد نارا ، أي أوقد ، أو طلب وقود نار ، وهو ما يشرعون فيه مع المؤمنين إذا لقوهم من قولهم( آمَنَّا )فما داموا مجتمعين على ذكر الإيمان وفضائله ، هو قوله« أَضاءَتْ ما حَوْلَهُ »في التشبيه وقال : ما حوله ولم يقل فيه ، لأنه ما عنده من الإيمان إلا ذكره ، ليس فيه منه شيء ، ولذلك عصم ظاهره ، فإنه حوله ، ولم يعصم باطنه ، فإنه ليس فيه إيمان ، ثم شبه انصراف المؤمنين عنهم فينصرف نور ذكر الإيمان لانصرافهم بقوله« ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ »ثم شبه رجوعهم إلى أنفسهم وشياطينهم من أمثالهم بقوله« وَتَرَكَهُمْ »يعني المنافقين بانصراف النور عنهم« فِي ظُلُماتٍ لا يُبْصِرُونَ »يقول في طغيانهم لا يهتدون ، لأنه من لا يبصر لا يهتدي ، ولا يعلم ما حدث له في طريقة ، ثم قال ( 19 )« صُمٌّ »عن سماع داعي الحق« بُكْمٌ »لا يتكلمون في حق« عُمْيٌ »
    ص 73

    سورة البقرة ( 2 ) : آية 19
    أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّماءِ فِيهِ ظُلُماتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ مِنَ الصَّواعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكافِرِينَ ( 19 )
    الصواعق هواء محترق ، والبروق هواء مشتعل تحدثه الحركة الشديدة ، والرعود هو هبوب الهواء تصدع أسفل السحاب إذا تراكم« وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكافِرِينَ »وهي إحاطة عامة ، فهي الأخذ الكلي من غير تقييد بجهة خاصة ، لكن هو أخذ بتقييد صفة وهو الكفر .

    من كتاب إيجاز البيان في الترجمة عن القرآن:
    لا ينظرون في الأشياء نظر اعتبار ، كما قال( وَتَراهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لا يُبْصِرُونَ )وقال تعالى( إِنَّما يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ ) ،ثم قال« فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ »إلى طريق الهدى ، لأن اللّه ختم على قلوبهم وسمعهم وعلى أبصارهم ، قوله ( 20 )« أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّماءِ فِيهِ ظُلُماتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ مِنَ الصَّواعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكافِرِينَ »أتى بأو للتشكيك اتساعا ، فعدلوا بها عن الشك ، والأولى أن لا يعلل كلام العرب مثل هذا ، بل يقال :
    ترد في اللسان للشك ، وترد للتخيير ، وكلاهما لغة ، تقول جالس فلانا أو فلانا ، فمعناه انظر في هذا المثل إن شئت ، أو في هذا المثل إن شئت ، أو فيهما ، فالمشبّه الكتاب المذكور في أول السورة الذي أنزل إليه صلّى اللّه عليه وسلم ، والمشبّه به الصيّب ، الذي هو المطر المنحدر من السماء ، وهو السحاب هنا ، نزل به الروح الأمين على قلب محمد ، وشبّه القرآن في حياة القلوب به للمؤمنين بالمطر الذي به حياة الأرض ، ثم قال« فِيهِ »يعود الضمير على السماء وهو السحاب« ظُلُماتٍ »شبه بها ما يحوي عليه القرآن من الأخبار التي أخبر الحق بها عن الكفار من قولهم( إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ )و( نَحْنُ أَبْناءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ )و( إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ ) *و( يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ )فهذه الأقوال ظلمات القرآن« وَرَعْدٌ »ما فيه من الآيات الزواجر« وَبَرْقٌ »ما فيه من الآيات الدالة على التوحيد والتنزيه ، والذي وقع التشبيه بها هنا واللّه أعلم في البرق إنما هي آيات مكارم الأخلاق وصنائع المعروف التي هي محبوبة لكل نفس ، ولذا قال تعالى( كُلَّما أَضاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ )والكافر لا تضيء له آية التوحيد حتى يمشي فيها ، وإنما ذلك آيات الوعد والرغبة ومكارم الأخلاق ، وقوله« يَجْعَلُونَ أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ مِنَ الصَّواعِقِ »من أجل سماع الآيات الزواجر ، جمع صاعقة أي سماع هذه الآيات يجعلهم يصعقون ويخافون الصعق لئلا يكون فيه موتهم ، أي تنصدع قلوبهم بما سمعوه ، كما اتفق لبعض زعماء المشركين وذلك أنه لما سمع النبي صلّى اللّه عليه وسلم يتلو ( فإن أعرضوا فقد أنذرتكم
    ص 74

    سورة البقرة ( 2 ) : آية 20
    يَكادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصارَهُمْ كُلَّما أَضاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قامُوا وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصارِهِمْ إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ( 20 )
    « وَلَوْ شاءَ اللَّهُ »من نسبة الأفعال إلى اللّه لا يجب عليه فعلها ولا تركها ، ولهذا جعل المشيئة في ذلك وعلقها بلو فامتنع عن نفوذ الاقتدار ، وهذا موضع إبهام لا يفتح أبدا ، فوصف الحق نفسه بما يقوم الدليل العقلي على تنزيهه عن ذلك ، فما يقبله إلا بطريق الإيمان والتسليم ، فإنه سبحانه قيد مشيئته وإرادته بلو ، وهو حرف امتناع فيه سر خفي لأهل العلم باللّه ، فإذا علمت هذا أقمت عذر العالم عند اللّه ، فالكل بيده وإليه يرجع الأمر كله« إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ »بالإيجاد .[ سورة البقرة ( 2 ) : آية 21 ]
    يا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ( 21 )صاعِقَةً مِثْلَ صاعِقَةِ عادٍ وَثَمُودَ )ضرط وتخبط في عقله ، وقال : إن هذا كلام جبار ، ثم قال« وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكافِرِينَ »بالأخذ ، من أحاط بهم العدو ، فلا يجدون مفلتا ولا منقذا ، قال تعالى( وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ )( وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ )فالمثل الأول في المنافقين ، وهذا المثل الآخر في الجميع ، وفي نزول القرآن وما يحويه ، ثم قال ( 21 )« يَكادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصارَهُمْ كُلَّما أَضاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ »يقول : يكاد ما يسمعونه من آيات الوعد والتحضيض على مكارم الأخلاق« يَخْطَفُ أَبْصارَهُمْ »عن العمى ، ويردهم إلى الحق مما يفرحون بسماعه ، ثم قال« وَإِذا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قامُوا »يقول :
    وإذا سمعوا الآيات التي حكاها الحق عنهم رجعوا إليها وقاموا على دينهم وكفرهم ، أي ثبتوا« وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصارِهِمْ »عن الباطل ، وعن رؤية الظلمات إلى الحق وإلى النور ، كأنه يقول : ولو شاء اللّه لهداهم ،« إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ »أي على كل مقدور ، أن يوجده إن كان معدوما ، أو يعدمه إن كان موجودا ، قال تعالى( إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ ) *إعدام الموجود( وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ ) *إيجاد المعدوم( وَما ذلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ ) *بممتنع ، قوله ( 22 )« يا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا


    ص 78

    " يا أَيُّهَا" إذا أيه اللّه بأحد في كتابه فكن أنت ذلك المؤيه به ، فإن أخبر فافهم واعتبر ، فإنه ما أيه بك إلا لما سمعت ، وإن أمرك أو نهاك فامتثل ، وما ثم قسم رابع ، إنما هو خبر أو أمر أو نهي ، وأنزله تعالى في خطابه إياك منزلة الأم في الشفقة ، فتلقّى منه بالقبول ما يورده عليك ، فإنه ما خاطبك إلا لينفعك ، وكن أنت المخاطب في خطاب الحق بسمعك لا بسمع الحق ، فإنه لا يأمر نفسه ولا ينهاها« يا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ »أي الأسباب التي وجدتم عندها« لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ »ثم قال لمن يرى أنا وجدنا بالأسباب لا عندها .

    من كتاب إيجاز البيان في الترجمة عن القرآن:
    رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ »نادى الشاردين من عباده الذين تمادوا في إعراضهم عن توحيد خالقهم ، فإن لفظة « يا » في النداء وضعت للبعد ، وكذلك ( أيا ) و ( هيا ) كما أن الهمزة وأي للقرب ، وأي حرف مبهم ، والهاء للتنبيه ، ولا بد من مفسّر يأتي بعد « يا أيها » فكان الناس هنا ، فقال« يا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ »أي تذللوا وأطيعوا مصلحكم ومربيكم ، تعريفا بالنعم« الَّذِي خَلَقَكُمْ »أوجدكم« وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ »وخلق من قبلكم ، فذكر الخلق تنبيها لاعتكافهم على عبادة آلهة لا يخلقون شيئا وهم يخلقون ، قال تعالى( أَ فَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ أَ فَلا تَذَكَّرُونَ ) ،فلما تمدح بالخلق دل من مضمون الكلام أن لا خالق للأشياء كلها إلا هو ، من أفعال العباد وغيرها ، ولو كانت أفعال العباد خلقا لهم ، لم يكن ذكره للخلق تمدحا خاصا لوقوع الاشتراك ، فتحقق مذهب أهل الحق في أن لا موجد ولا فاعل إلا هو ، وقوله« وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ »أي أنها مخلوقة له أيضا تأكيد لما ذكرناه ، ومن قبلنا كل من تقدمنا في الخلق من مخلوقات اللّه ، من عقول ونفوس وأجسام وجسمانيات ، فإن كثيرا من الناس يضيفون الأفعال بطريق الإيجاد إلى نفوس الأفلاك والعقول ، فبيّن اللّه أن الكل من خلقه ، ثم قال« لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ »لعل كلمة ترج وتوقع ، وكذلك عسى ، وهي من الكرماء واجبة ، واللّه أكرم الأكرمين ، والعامل في هذا الترجي عند الجماعة( اعْبُدُوا رَبَّكُمُ )وما بعده ، وفيه بعد لغموضه وما يحتاج إليه من التقدير فيه ، والأظهر عندي أن ضرب الأمثال المتقدمة تطلبه بقرائن الأحوال ، ومدلول المعاني وسياق الكلام ، أي ضربنا لكم هذه الأمثال لعلكم تتقون ، أي تحذرون وتخافون ، فيردكم حذركم إلى الحق ، فيطابق معنى التقوى ، ولا يظهر مثل هذا في قوله( اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ )ولا سيما ويأتي بعد تتقون ما يناسب الأول ، وهو قوله( الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِراشاً )إلى
    ص 79

    سورة البقرة ( 2 ) : آية 22
    الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِراشاً وَالسَّماءَ بِناءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقاً لَكُمْ فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ( 22 )
    « وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ »أنه أوجد الأسباب ، وأوجدكم عندها لا بها ، فإن اللّه وضع الأسباب وجعلها له كالحجّاب ، فهي توصل إليه تعالى كل من علمها حجّابا ، وهي تصد عنه كل

    من كتاب إيجاز البيان في الترجمة عن القرآن:
    قوله( رِزْقاً لَكُمْ )كلها من باب تقرير النعم التي أنعم بها على عباده ، فكأن« لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ »صار مقحما ، وإن لم يسم مثل هذا مقحما ، ولكنه في المعنى كذلك ، وربما لا يعرف إنزال هذه اللفظة في هذا الموضع وفصلها بين المناسبين إلا من يعرف إعجاز القرآن ، وأما حرف الترجي في هذه التقوى مع علمه بما يكون منهم ، فمثل قوله( وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ )وهو عالم بما يكون منهم ، وغلّب المخاطب على الغائب في« لَعَلَّكُمْ »لأنه المقصود بالخطاب ، وهو الأوجه من طريق المعنى ، لأن اللّه هو المخاطب ولا يغيب شيء عن اللّه ، فينسحب هذا الخطاب على جميع المخلوقات من مضى ، ومن هو الآن ، ومن يكون ، وبلا شك أن من يكون مخاطب بهذه الآية وهو الآن لم يكن ، ولكن ما جاء فيه بضمير الغائب ، وكذلك من قبلنا ، والكلام قديم ، والسامع محدث ، والمتكلم به كذلك ، قال تعالى( ما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ )والذي جاءهم إنما هو المتكلم به .
    ثم قال ( 23 )« الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِراشاً »خص ذكر الفراش على المهاد والقرار والبساط للتوالد الذي يذكره فيما بعد ، من إخراج الثمرات بإنزال الماء من السماء في الأرض ، وذكر السماء بلفظة البناء للابتناء ، فجعله شبيها بالنكاح فقال« الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِراشاً وَالسَّماءَ بِناءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً »فعلى السماء على الأرض وهي مفترشة قابلة ، فأنزل فيها الماء فاهتزت وتحركت وربت ، حملت شبه حمل المرأة« فَأَخْرَجَ بِهِ »أي بسبب هذا النكاح« مِنَ الثَّمَراتِ »الألف واللام لاستغراق الجنس« رِزْقاً لَكُمْ »ما تغتذون به« فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ »الذي خلق هذه الأشياء كلها« أَنْداداً »آلهة تعبدونها ، مخلوقة تنحتونها بأيديكم ، أو تتخذون الكواكب وغيرها آلهة مع اللّه« وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ »أنهم لا يخلقون شيئا وأن اللّه هو خالقهم وخالق كل شيء ، والند المثل المخالف المناوي ، وهذا لا يتصور إلا فيمن يدّعي الألوهية ، كفرعون وغيره من الجبابرة ، لا في كل من يدّعى فيه الألوهية ، وهو واللّه أعلم من ندّ أي شرد ، فإنه شرد من موطن العبودة التي هي حقيقته إلى الربوبية التي ليس له منها وصف ، ولا له فيها قدم ، فلهذا سمي ندا ، فكأنه يقول لهم : من ندّ وادعى لكم أنه إله ، فلا تجعلوه لي ندا ، أي مثلا ، قال عليه


    ص 80

    من اتخذها أربابا ، فذكرت الأسباب في إنبائها ، أن اللّه من ورائها ، وأنها غير متصلة بخالقها ، فإن الصنعة لا تعلم صانعها ، ولا منفصلة عن رازقها ، فإنّها تأخذ عنه مضارها ومنافعها ، فالعلاقة بين الأسباب والمسببات لا تنقطع ، فإنها الحافظة لكون هذا سببا ، وهذا مسببا عنه ، فسببية السماء فيما يظهر على الأرض من النبات من توجهها عليها بما تلقيه من الغيث فيها ، وتلقيها ، كذلك كل حركة فلكية ونظر كوكب في العالم العلوي وإمداد الطبيعة ، كل ذلك أسباب لوجود زهرة تظهر على وجه الأرض ، والسبب الحادث قد يعلم أن أثره وحكمه في المسبّب عن أمر إلهي فله فيه إرادة ، فهو سبب عرضي ، وقد لا يعلم أن أثره وحكمه في المسبب عن أمر إلهي فهو سبب ذاتي ، ومن جهة أخرى نقول : إن الغنى باللّه لا يصح عن اللّه ، ولا عن المخلوقين من حيث العموم ، لكنه يصح من حيث تعيين مخلوق ما ، يمكن أن يستغنى عنه بغيره ، فإن اللّه ما وضع الأسباب سدى ، فمنها أسباب ذاتية لا يمكن رفعها هنا ، ومنها أسباب عرضية يمكن رفعها ، فمن المحال رفع التأليف والتركيب عن الجسم ، مع بقاء حكم الجسمية فيه ، فهذا سبب لا يمكن زواله إلا بعدم عين الجسم من الوجود ، وإذا كانت الأسباب الأصلية لا ترتفع فلنقر الأسباب العرضية أدبا مع اللّه ، فإنه ما وضعها إلا وهو يعلم الحكمة في وضعها ، ولا نركن إليها ، ونبقي الخاطر معلقا باللّه ، فلا يرفع الأسباب إلا جاهل بالوضع الإلهي ، ولا يثبت الأسباب إلا عالم كبير أديب في العلم الإلهي ، ومع ذلك يجب أن نعلم أن للّه في كل موجود وجها خاصا وفي كل ما وجد فيه ، وعن ذلك الوجه الخاص وجد ، ولا يعرف السبب قط ذلك الوجه الخاص الذي لمسبّبه المنفعل عنه ، فلا يعلمه إلا اللّه خاصة وهو رقيقة الجود ، وكل خلق أضيف إلى خلق فمجاز وصورة حجابية ، ليعلم العالم من الجاهل ، وفضل الخلق بعضهم على بعض.

    [ كيفيته كون الأرض فراشا ]
    إشارة لطيفة - إن فهمت معاني القرآن ، وكيف جعل الأرض فراشا ، وكيف خلق آدم منها ، علمت قول رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم : الولد للفراش يريد المرأة ، أي لصاحب الفراش ، كما كان آدم عليه السلام حيث جعله خليفة فيمن خلق فيها ، ليكون أيضا صاحب فراش لأنه على صورة من أوجده ، فأعطاه قوة الفعل ، كما أعطاه قوة الانفعال ، فإن اللّه ما خلق الألفاظ حين عينها بالذكر سدى ، ولولا هذه الحكمة المطلوبة لا كتفي بالمهاد ولم

    من كتاب إيجاز البيان في الترجمة عن القرآن:
    السلام : من الكبائر أن تجعل للّه ندا وهو خلقك ، فمن عجز عن الخلق فليس بإله ، فالخلق أخص


    ص 81

    يذكر الفراش ، فإن ذلك حرف جاء لمعنى وهو ما قلنا ولا يقتصر ، فجعل سبحانه بين السماء والأرض التحاما معنويا ، وتوجها لما يريد سبحانه أن يوجده في هذه الأرض من المولدات ، من معدن ونبات وحيوان ، فجعل الأرض كالأهل ، والسماء كالبعل ، والسماء تلقي إلى الأرض من الأمر الذي أوحى اللّه فيها ، كما يلقي الرجل الماء بالجماع في المرأة ، وتبرز الأرض عند الإلقاء ما خبأه الحق فيها من التكوينات على طبقاتها .

    سورة البقرة ( 2 ) : آية 23
    وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَداءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ ( 23 )

    [ إعجاز القرآن ]
    انظر في إعجاز القرآن تجده حسن النظم ، مع توفير المعنى وحسن مساقه وجمع المعاني بعضها إلى بعض من اللفظ الحسن النظم الوجيز ، مع وجود تكرار القصة الموجب للملل ، ولا تجد هذا في القرآن ، فتجد مع تكرار القصة الواحدة ، مثل قصص الأمم كآدم وموسى ونوح وغيرهم ، مما تكرر بزيادة لفظ أو نقصه ، ما تجد إخلالا في المعنى جملة واحدة ، وسبب ذلك أنه قول حق ، ما فيه تزوير .

    من كتاب إيجاز البيان في الترجمة عن القرآن:
    أوصاف الإله الذي تميز به عن عباده ، فليس لمخلوق خلق فعل أصلا ، ثم قال ( 24 )« وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَداءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ »هذا خطاب لفصحاء العرب خاصة ، الذين يعرفون نظم الكلام العربي وإعجازه ، يقول : إن كنتم في شك من القرآن أنه منزل على محمد عبدنا من عندنا ، عارضوه في سورة مثله ، حتى تعرفوا أنه ليس في مقدور البشر أن يأتوا بمثل هذا القرآن ، ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا ، أي معينا من الجن والإنس ، والظاهر في هذه المعجزة أنه ليس من مقدور البشر ، لا أنهم صدوا مع القدرة قبل طلب المعارضة ، وهو الوجه الآخر من الإعجاز ، فترجح الوجه الواحد بقوله« نَزَّلْنا »يؤيد ذلك( فَإِذا قَرَأْناهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ )فهكذا أنزل عليه بهذه الألفاظ المخصوصة ، فإن لم تقدروا ، كما أنه خارج عن مقدور عبدنا ،« وَادْعُوا شُهَداءَكُمْ »الذين اتخذتموهم آلهة« مِنْ دُونِ اللَّهِ »يأتونكم بمثل ما نزلنا على عبدنا« إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ »أنهم آلهة إذ الإله هو الذي لا يعتاص عليه شيء ، بل


    ص 82

    سورة البقرة ( 2 ) : آية 24
    فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ ( 24 )
    ثبت أنه ما من أحد إلا سيكلمه اللّه ليس بينه وبينه ترجمان ، فينظر أيمن منه فلا يرى إلا ما قدّم ، وينظر أشأم منه فلا يرى إلا ما قدّم ، وينظر بين يديه فلا يرى إلا النار ، فاتقوا النار ولو بشق تمرة ، والنار تتقى لما يكون من الألم عند تعلقها بنا ، فقوله تعالى« فَاتَّقُوا النَّارَ »أي اجعلوا بينكم وبينها وقاية حتى لا يصل إليكم أذاها يوم القيامة« الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ »المشركون ومنهم من ادعى الألوهية ، فدعاكم إلى عبادة نفسه ، أو عبدتموه وكان في وسعه أن ينهاكم عن ذلك فما نهاكم ، فمثل هؤلاء يكون من حصب جهنم« وَالْحِجارَةُ »المعبودة التي كانوا يصورونها في الكنائس وغيرها ، فالمشركون والحجارة المعبودة جمر جهنم .

    سورة البقرة ( 2) : آية 25
    وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ كُلَّما رُزِقُوا مِنْها مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقاً قالُوا هذَا الَّذِي رُزِقْنا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشابِهاً وَلَهُمْ فِيها أَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيها خالِدُونَ ( 25 )
    هو على كل شيء قدير ، قوله ( 25 )« فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ »يقول فإن لم تأتوا بسورة من مثله وعجزتم عن المعارضة ، ولن تفعلوا ولن تأتوا بمثله ، فنفى بلن الإتيان في المستقبل كما انتفى في الحال ، فجاء شبه المقحم ، وفيه فائدة الإخبار بعدم المعارضة في المستقبل ، وتأييد أنه خارج عن مقدور البشر ، فتبيّن صدق الرسول عندكم بعدم المعارضة ، فصح عنادكم إن لم تؤمنوا وترجعوا عن ضلالتكم ، فإن لم تفعلوا« فَاتَّقُوا النَّارَ »أي اتخذوا الإيمان بما جاء به محمد صلّى اللّه عليه وسلم وقاية من النار« الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ »الذين كفروا بما أنزل عليه« وَالْحِجارَةُ »الآلهة التي عبدوها من دون اللّه ، نكاية لهم حيث زعموا أنها تشهد لهم أنهم على الحق عند اللّه تعالى.
    قالوا( ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللَّهِ زُلْفى )فاتخذوهم شهداء ، ولذا قال( وَادْعُوا شُهَداءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ )فدخولها معهم زيادة في عذابهم ، وقوله« أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ »يعني النار ، وقد يحتمل أن يقول : أعدت الحجارة هنا ، أي هي معدة لعذابهم في النار ، ثم قال ( 26 )« وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ »الآية ، يقول : وقل للمؤمنين


    ص 83

    "وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ »الأعمال الصالحة رأسها الإيمان فهي تابعة له ، فالشرط المصحح لقبول جميع الفرائض فرض الإيمان .
    فإن الإيمان والإسلام واجب على كل إنسان ، والأحكام كلها الواجبة واجبة على كل إنسان ، ولكن يتوقف قبول فعلها أو فعلها من الإنسان على وجود الإسلام منه ، فلا يقبل تلبسه بشيء منها إلا بشرط وجود الإسلام عنده ، فإن لم يؤمن أخذ بالوجهين جميعا يوم القيامة« أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ »الجنة وهي دار السعادة ثماني جنات ، وهي : جنة عدن ، وجنة الفردوس ، وجنة النعيم ، وجنة المأوى ، وجنة الخلد ، وجنة السلام ، وجنة المقامة ، والوسيلة ، وهي أعلى جنة في الجنات ، فإنها في كل جنة من جنة عدن إلى آخر جنة ، فلها في كل جنة صورة .
    وهي مخصوصة برسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم وحده ، نالها بدعاء أمته ، حكمة من اللّه حيث نال الناس السعادة ببركة بعثته ودعائه إياهم إلى اللّه ، وتبيينه ما نزل اللّه إلى الناس من أحكامه ، جزاء وفاقا ، وأرض هذه الجنات سطح الفلك المكوكب ، الذي هو سقف النار ، وجعل اللّه في كل جنة مائة درجة ، بعدد الأسماء الحسنى والاسم الأعظم المسكوت عنه لوترية الأسماء ، وهو الاسم الذي يتميز به الحق عن العالم ، هو الناظر إلى درجة الوسيلة خاصة . ومنازل الجنة على عدد آي القرآن ما بلغ إلينا منه نلنا تلك المنزلة بالقراءة ، وما لم يبلغ إلينا نلناه بالاختصاص في جنات الاختصاص ، كما نلنا بالميراث جنات أهل النار الذين هم أهلها ، وأبواب الجنة ثمانية على عدد أعضاء التكليف فلكل عضو باب ، والأعضاء الثمانية : العين والأذن واللسان واليد

    من كتاب إيجاز البيان في الترجمة عن القرآن:
    الذين عملوا الصالحات قولا يظهر منه السرور على بشرتهم ، وهو« أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ »يعني الأنهار المعروفة ، فأتى بحرف العهد والتعريف ، قال تعالى( فِيها أَنْهارٌ مِنْ ماءٍ غَيْرِ آسِنٍ ، وَأَنْهارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ ، وَأَنْهارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ ، وَأَنْهارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى )وسيأتي الكلام عليها في السورة التي تذكر فيها ، ولم يعرّف الجنات لأن الأعمال التي تقتضيها لم تفصل ، فتتعرف جنة كل عمل ، وهذه مسئلة عظيمة جليلة الخطب ، عظيمة الفائدة ، لنا فيها باع متسع ، وقد أهملها الناس لعدم استقصائهم على مراتب الآخرة في دار السعادة والشقاء ، ثم قال« كُلَّما رُزِقُوا مِنْها مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقاً »أي كل وقت ، وما هنا ظرفية« قالُوا هذَا الَّذِي رُزِقْنا مِنْ قَبْلُ »لشبهه في الصورة ، فإن المثل يشبه المثل ، ولا سيما في الأسماء ، فيقولون : هذا تفاح ورمان وغير ذلك ، فإذا طعموه تبيّن لهم الفرق بين المثلين ، كالصلاة تشبه الصلاة الأخرى في


    ص 84

    والبطن والفرج والرجل والقلب ، فقد يقوم الإنسان في زمن واحد بأعمال هذه الأعضاء كلها ، فيدخل من أبواب الجنة الثمانية في حال دخوله من كل باب منها ، فإن نشأة الآخرة تشبه البرزخ وباطن الإنسان ، وأما خوخات الجنات فهي تسعة وسبعون خوخة وهي شعب الإيمان ، فلكل شعبة من الإيمان طريق إلى الجنة ، ولأهل الجنات الرؤية متى شاءوا ، والذي تولى بناء الجنات كلها هم الاثنا عشر ملكا ، ملائكة البروج ، إلا جنة عدن فإن اللّه خلقها بيده ، وجعل بأيديهم غراس الجنات ، إلا شجرة طوبى فإن الحق تعالى غرسها بيده في جنة عدن ، وأطالها حتى علت فروعها سور الجنة جنة عدن ، وتدلت مطلة على سائر الجنات كلها ، وليس في أكمامها ثمر إلا الحلي والحلل ، لباس أهل الجنة وزينتهم ،زائدا في الحسن والبهاء على ما تحمل أكمام شجر الجنات من ذلك .
    لأن لشجرة طوبى اختصاص فضل بكون اللّه خلقها بيده ، فإن لباس أهل الجنة ما هو نسج ينسج ، وإنما تشقق عن لباسهم ثمر الجنّة كما تشقق الأكمام هنا عن الورد ، وعن شقائق النعمان وما شاكلهما من الأزهار كلها ، هكذا ورد في الحديث الحسن نقلا عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم . وأدار بجنة عدن سائر الجنات ، وبين كل جنة وجنة سور يميزها عن صاحبتها ، وسمى كل جنة باسم معناه سار في كل جنة ، وإن اختصت هي بذلك الاسم ، فإن ذلك الاسم الذي اختصت أمكن ما هي عليه من معناه وأفضله« كُلَّما رُزِقُوا مِنْها مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقاً قالُوا هذَا الَّذِي رُزِقْنا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشابِهاً »أي يشبه بعضه بعضا ، فيتخيل أن الثاني عين الأول وليس كذلك بل هو مثله ، والفارق بين المثلين في أشياء يعسر إدراكه بالمشاهدة .

    من كتاب إيجاز البيان في الترجمة عن القرآن:

    إقامة نشأتها ، ولكن الذي يجده المصلي في كل صلاة مختلف باختلاف الأحوال ، فكما كانت الأعمال هنا متشابهة الصور ، كذلك ثمراتها متشابهة الصور ، وكل ذائق يعرف الفرق في الآخرة كما عرفه في العمل في الدنيا« وَلَهُمْ فِيها أَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ »ولم يقل مطهرات لأن تطهير كل زوجة ما هو تطهير الزوجة الأخرى ، كالجنات سواء وما فيها ، فيقول : كل زوجة مطهرة ، ولو لم يكن كذلك لكان الذوق له من كل واحدة على نسبة واحدة ، ولا تكرار فيها أصلا ، بل ولا في العالم للاتساع الإلهي ، بل نعيم مجدد مع تجدد الأنفاس ، وليس اجتماعه بها الأول شبه الثاني« وَهُمْ فِيها »يعني في الجنة« خالِدُونَ »أي لا يخرجون منها ، قال تعالى( وَما هُمْ مِنْها

    ص 85
    avatar
    Admin
    Admin


    المساهمات : 68539
    تاريخ التسجيل : 25/04/2018

    من كتاب تفسير القرآن الكريم رحمة من الرحمن في تفسير وإشارات القرآن ـ ج1ـ لابن عربي ـ تفسير آلآيات من "16 - 29"البقرة Empty رد: من كتاب تفسير القرآن الكريم رحمة من الرحمن في تفسير وإشارات القرآن ـ ج1ـ لابن عربي ـ تفسير آلآيات من "16 - 29"البقرة

    مُساهمة من طرف Admin 19/4/2020, 23:46

    كتاب تفسير القرآن الكريم رحمة من الرحمن في تفسير وإشارات القرآن من كلام الشيخ الأكبر محيي الدين ابن العربي
    الفقرة الثانية
    سورة البقرة ( 2 ) : آية 26
    إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً ما بَعُوضَةً فَما فَوْقَها فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ ما ذا أَرادَ اللَّهُ بِهذا مَثَلاً يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَما يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ الْفاسِقِينَ ( 26 )
    الحياء : معناه الترك ، ورد في الخبر : أن اللّه حيي ، لكن للحياء موطن خاص ، فإن اللّه قد قال في الموطن الذي لا حكم للحياء فيه :« إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي »أي إن اللّه لا يترك« أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا ما بَعُوضَةً »فالوجود كله عظيم فلا يترك منه شيء ، لأن الحياء ترك ، فما ثمّ تافه ولا حقير ، فإن الكل شعائر اللّه ، وذلك لقول من ضلّ بهذا المثل من المشركين الذين تكلموا فيه ، فلو وجد الحق عند السامع ما هو أخفى من البعوضة لجاء بها ، كما جاء بذلك مجملا في قوله« فَما فَوْقَها »يعني في الصغر ، يعني أنه لا يترك ضرب المثل بالأدنى والأحقر عند الجاهل ، فإنه ما هو حقير عند اللّه ، وكيف يكون حقيرا من هو عين الدلالة على اللّه ، فيعظم الدليل بعظمة المدلول.
    لذلك قال تعالى :« فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ ما ذا أَرادَ اللَّهُ بِهذا مَثَلًا »فالقرآن له وجه نفع في المؤمن فإنه يزيده إيمانا ، وفيه وجه ضرر للكافر لأنه يزيده ، رجسا إلى رجسه ، ولذلك قال تعالى :« يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً »أي بهذا المثل المضروب به في القرآن أي بسببه وهو من القرآن ،

    من كتاب إيجاز البيان في الترجمة عن القرآن:
    بِمُخْرَجِينَ" )( 27 ) إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا »الآية ، الأوجه في قوله« لا يَسْتَحْيِي »نفي الحياء عن اللّه ، فمن قال بالمفهوم من الخطاب ، أو احتج في أن اللّه ذو حياء بحديث ( إن اللّه يستحي من ذي الشيبة ) فالأوجه في التأويل في هذه الآية ، أن يكون قول اللّه جوابا بحكم المطابقة لكلام تقدم من الكفار ، وهو : أما يستحي رب محمد أن يضرب مثلا بالمحقرات ، كبيت العنكبوت والذباب ؟
    وهم طائفة من الكفار لا حرمة للحق عندهم ، أو يقولون : اللّه أعلى وأجل وأعظم حياء أن يضرب مثلا بما يعاب عليه من ذكره هذه المحقرات ، فقال اللّه« إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا ما »فيكون جوابا بحكم التطابق لكلامهم ، وهل يتصف بالحياء أم لا ؟
    مسئلة أخرى ، فإن ورد بذلك نص عنه أجريناه مجرى ما نسب إليه من اليد والعين وغير ذلك ، على


    ص 86

    ومعلوم أن القرآن مهداة كله ، ولكن بالتأويل في المثل المضروب ضل من ضل ، وبه اهتدى من اهتدى ، فهو من كونه مثلا لم تتغير حقيقته ، وإنما العيب وقع في عين الفهم ، فاحذر من القرآن إلا أن تقرأه فرقانا فإن اللّه« يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً »أي يحيرهم« وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً »أي يرزقهم الفهم فيه بما هو عليه من البيان ، فعلّمك في هذه الآية أن لا تترك شيئا إلا وتنسبه إلى اللّه ولا يمنعك حقارة ذلك الشيء ولا ما تعلق به من الذم عرفا وشرعا في عقدك ، ثم تقف عند الإطلاق ، فلا تطلق ما في العقد على كل شيء ولا في كل حال وقف عندما قاله لك الشارع ، قف عنده فإن ذلك هو الأدب الإلهي الذي جاء به الشرع .
    « وَما يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفاسِقِينَ »فإنهم حاروا فيه ، والضلالة الحيرة ، ورأوا عزة اللّه وجلاله وكبرياءه وحقارة البعوضة في المخلوقات ، فاستعظموا جلال اللّه أن ينزل في ضرب المثل لعباده هذا النزول ، وذلك لجهلهم بالأمور فإنه لا فرق بين أعظم المخلوقات وهو العرش المحيط ، وبين

    من كتاب إيجاز البيان في الترجمة عن القرآن:
    الوجهين ، على ما تتأوله الأشاعرة ، أو على ما ذهب إليه السلف من الوقوف عند ذلك من غير تأويل ، قال تعالى« إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا ما »فأبهمه بقوله « ما » أي بكل ما يجوز أن يضرب به المثل ، لأن القصد من المثل إيصال المعنى إلى المخاطب السامع ، حتى يفهم المراد منه إذا كان لا يصل إلى معرفة المعاني بغامضات الأدلة لبعدها ، فينزل لهم المتكلم في العبارات بضرب الأمثال لذلك ، ولا يتصور أن ينكر ضرب الأمثال بالمحقرات أهل الكتاب ، لأنه في كتبهم من ذلك كثير ، وهم مؤمنون به إلا أن يباهتوا ، وأما ما عدا أهل الكتاب فقد يسوغ منهم ذلك على الطريقين اللذين ذكرناهما ، من التعظيم للّه ، وعدم التعظيم أو التعليل ، ثم قال« بَعُوضَةً فَما فَوْقَها »في الصغر كالذرة .
    ثم قال« فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا »يريد أصحاب الكتب ، ونحن وكل من أنزل عليه كتاب وآمنوا بكتبهم« فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ »المثل« الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ »أي حق مطابق للممثل به ، وأن اللّه قاله« وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ ما ذا أَرادَ اللَّهُ بِهذا »الذي ذكره« مَثَلًا »أي لأي شيء ضرب المثل ، وقد يتصور هذا القول من العالم أنه من الحق ومن غيره .
    فيقوله معنى : إنه على زعمكم أنه قاله سبحانه ، فقال تعالى« يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً »يعني بالمثل يقول ليضل به« وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً »ولم يذكر المؤمنين وذكر الفاسقين« وَما يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفاسِقِينَ »الذين خرجوا عما دخل فيه المؤمنون من الإيمان باللّه مطلقا ، وبرسوله في حق البراهمة ، وبمحمد في حق من كفر به من أهل الكتب ، على الخصوص ، وما جاء به ، والفسوق الخروج عن الشيء ، وفي الشرع الخروج عن


    ص 87

    الذرة في الخلق ، والبعوضة وإخراجها من العدم إلى الوجود ، فما هي حقيرة إلا في صغر جسمها إذا أضفته إلى ذي الجسم الكبير ، بل الحكمة في البعوضة أتم ، والقدرة أنفذ ، فإن البعوضة على صغرها خلقها اللّه على صورة الفيل على عظمه ، فخلق البعوضة أعظم في الدلالة على قدرة خالقها من الفيل لأهل النظر والاعتبار ، ولهذا لم يصف نفسه بالحياء في ذلك لما فيها من الدلالة على تعظيم الحق ، ثم إن من رحمته تعالى بخلقه أن قال« وَما يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفاسِقِينَ »الخارجين عن حكم إما العقل السليم أو الشرع المعصوم ، وهم الذين خرجوا عن حدوده ورسومه ، فأعطانا العلامة ، فمن وجد في نفسه تلك العلامة علم أنه من أهل الضلال .


    سورة البقرة ( 2 ) : الآيات 27 إلى 28
    الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ وَيَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ ( 27 ) كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ( 28 )
    الوجه الأول : « كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْواتاً »وهو الموت الأصلي لا عن حياة متقدمة في الموصوف بالموت ، وهو العدم الذي للممكن إذ كان معلوم العين للّه ولا وجود

    من كتاب إيجاز البيان في الترجمة عن القرآن:
    أوامر اللّه ، ثم وصفهم فقال تعالى ( 28 )« الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ »مطلقا ، يريد ميثاق أخذ الذرية بالإقرار ، وأخذ العهد على أهل الكتاب ، وقوله« وَيَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ »من وصل الإيمان بالرسل مع الإيمان باللّه في حق البراهمة ومن قال بقولهم ، وفي حق أهل الكتاب الذين جحدوا نبوة محمد عليه السلام ولم يصلوا إيمانهم به بإيمانهم باللّه ورسلهم« وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ »أن يفعلوا فيها بخلاف أمر اللّه مطلقا« أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ »يقول :

    هم الذين ما ربحت تجارتهم ، بل خسروا رأس مالهم ، وبعد أن ذكرنا أصول هذه الآية من الإيمان ، فالمقصود أيضا منها فروع الأحكام ، فكل عهد مشروع بيننا بعضنا في بعض ، وبين الكفار وبيننا مما ألزمنا الحق الوفاء به ، يدخل تحت هذا النقض ، وأنه عهد اللّه الذي شرعه لنا ، وكذلك ما أمرنا اللّه به أن نوصله من الأرحام وأهل ودّ آبائنا ، فيلزمنا إيصاله ، وتلحقنا المذمة من هذه الآية بقطع ذلك« أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ »حيث اشتروا الضلالة بالهدى ، والعذاب بالمغفرة ، والكفر

    ص 88


    له في نفسه ،« فَأَحْياكُمْ »فأخرجكم إلى الوجود« ثُمَّ يُمِيتُكُمْ »وهو الموت العارض ، الذي يطرأ على الحي فيزيل حياته ، فإن حياة الجسم الظاهرة من آثار حياة الروح كنور الشمس الذي في الأرض من الشمس ، فإذا مضت الشمس تبعها نورها وبقيت الأرض مظلمة ، كذلك الروح إذا رحل عن الجسم إلى عالمه الذي جاء منه تبعته الحياة المنتشرة منه في الجسم الحي ، وبقي الجسم في صورة الجماد في رأي العين ، فيقال مات فلان وتقول الحقيقة رجع إلى أصله( مِنْها خَلَقْناكُمْ وَفِيها نُعِيدُكُمْ وَمِنْها نُخْرِجُكُمْ تارَةً أُخْرى )
    كما رجع أيضا الروح إلى أصله ، حتى البعث والنشور يكون من الروح تجل للجسم بطريق العشق ، فتلتئم أجزاؤه ويتركب أعضاؤه بحياة لطيفة جدا تحرك الأعضاء للتأليف ، فإذا استوت البنية وقامت النشأة الترابية تجلى له الروح بالرقيقة الإسرافيلية في الصور المحيط ، فتسري الحياة في أعضائه ، فيقوم شخصا سويا كما كان أول مرة ، وهو قوله تعالى :« ثُمَّ يُحْيِيكُمْ »« ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ »فإما شقي وإما سعيد - الوجه الثاني - لما كان الموت سببا لتفريق المجموع ، وفصل الاتصالات وشتات الشمل سمي التفريق الذي هو بهذه المثابة موتا ، فقال تعالى :« كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ »أي كنتم متفرقين في كل جزء من عالم الطبيعة ، فجمعكم وأحياكم ثم يميتكم أي يردكم متفرقين ، أرواحكم مفارقة لصور أجسامكم التي أخذ عليها الميثاق« ثُمَّ يُحْيِيكُمْ »الحياة الدنيا« ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ »بعد مفارقة الدنيا –

    [ صلاة الجنازة على الطفل ]
    صلاة الجنازة على الطفل - أطلق اللّه علينا اسم الموت قبل نفخ الروح ، ولذلك يصلى على صورة الجنين ولو كان أصغر من البعوضة بحيث تكون أعضاؤه مصورة حتى يعلم أنه إنسان ، وإن

    من كتاب إيجاز البيان في الترجمة عن القرآن:

    بالإيمان ، والفساد بالصلاح ، والقطيعة بالوصل ، ونقض العهد بالوفاء ، ثم أخذ سبحانه يقرر نعمته عليهم ، فقال ( 29 )« كَيْفَ »حرف استفهام مثل الهمزة بضرب من التوبيخ والتقرير والإنكار عليهم ، بما قررهم عليه من النعم التي يذكرها ، فقال كيف« تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْواتاً »بلا حياة« فَأَحْياكُمْ »فخلق فيكم الحياة بخلق الروح الذي هو المقصود من الإنسان« ثُمَّ يُمِيتُكُمْ »أي يقبض أرواحكم اللّه ، لتلقوه فتشرفون بلقائه« ثُمَّ يُحْيِيكُمْ »ثم يرد أرواحكم إلى أجسادها ، ليكون العبد عند ربه بكليته روحا وجسما ، كما كان بالموت روحا دون جسم ، فكان نعمة على نعمة ، فركب أرواحكم في أجسادكم لترجعوا إليه سبحانه ، فقال« ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ »وجعله رجوعا لأنه خرج من عنده روحا عبدا ، فرده إلى تدبير جسده ، فرجع إليه واليا مليكا ،

    ص 89


    كان قبل نفخ الروح فيه ، فإنه ينطلق بالشرع على تلك الصورة أنها ميتة ، فإذا خرج الجنين بالطرح ، وشاهدناه صورة وإن لم ينفخ فيه روح للصورة الظاهرة ، وتحقق اسم الموت ، فلا مانع للصلاة عليه بوجه من الوجوه ، ولم يقل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم إنه لا يصلى على ميت إلا بعد أن تتقدمه حياة ، ما تعرض لذلك ، وإن كان لم يقع الأمر إلا فيمن تقدمت له حياة ، وما يدل عدم النقل على رفع الحكم ، بل المفهوم من الشرع الصلاة على الميت من غير تخصيص ، إلا ما خصصه الشارع من النهي عن الصلاة على الكافر وغير ذلك ، ممن نص ترك الصلاة عليه ، وليس للطفل فيه مدخل . بل قد ذكر الترمذي عن جابر بن عبد اللّه عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم أن الطفل يصلى عليه ، ولا يرث ولا يورث حتى يستهل صارخا ، فقد حكم بالصلاة عليه وما حكم بالميراث مثل ما حكم على من مات عن حياة ، فهذا الخبر يقوي ما ذهبنا إليه ، من وجود صورة الإنسان وإن لم يعلم أن موته عن حياة ولا عن غير حياة ، وحديث المغيرة عن النبي صلّى اللّه عليه وسلم أن الطفل يصلى عليه .


    سورة البقرة ( 2 ) : آية 29
    هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ( 29 )
    إن الرزق على نوعين في الميزان الموضوع في العالم لإقامة العدل وهو الشرع : النوع الواحد يسمى حراما ، والنوع الآخر يسمى حلالا ، وهو بقية اللّه التي جاء نصها في القرآن . قال تعالى : ( بَقِيَّتُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ )فهذه هي التي بقيت للمؤمنين

    من كتاب إيجاز البيان في الترجمة عن القرآن:
    بما ولاه اللّه عليه من تدبير جسده ، ومن ملكه الذي يصل إليه في جواره في دار الكرامة ، فإن كنتم مؤمنين كنتم بهذه المثابة من الكرامة ، وإن كفرتم كنتم على النقيض من هذه الصفة ، وكان خلق الحياة والموت في حقكم ابتلاء ، فقال تعالى( خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَياةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا )فأحسن المؤمنون فربحوا ، ولم يحسن الكفار فخسروا ، حيث لم يقوموا بشكر هذه النعم ، ثم أردف هذه النعم بنعم أخر فقال ( 30 )« هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً »ردا على القائلين بنسبة الخلق المولد في الأرض للطبيعة ، فأضافه إليه سبحانه ، وخلق هنا خاصة بمعنى قدّر ، وهو

    ص 90


    من قوله« هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً »وقد ورد في الخبر أن ما سكت عن الحكم فيه بمنطوق فهو عافية ، أي دارس لا أثر له ولا مؤاخذة فيه ، فإن اللّه قد بيّن للناس ما نزّل إليهم من الأحكام في كتابه ، وعلى لسان رسوله صلّى اللّه عليه وسلم ، والساكت لا ينسب إليه أمر حتى يتكلم ولا مذهب ، ولهذا لا يدخل في الإجماع بسكوته . وهذه مسألة خلاف ، والصحيح ما قلناه ، كما أن ترك النكير ليس بحجة إلا في بقاء ذلك الأمر على الأصل المنطوق به في قوله تعالى« خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً »وكلام بني آدم مما خلق في الأرض وجميع أفعالهم ، فإذا رأينا أمرا قد قيل ، أو فعل بمحضر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم ولم ينكره ، فلا نقول إن حكمه الإباحة ، فإنه لم يحكم فيه بشيء ، إذ يحتمل أنه لم ينزل فيه شيء عليه ، وهو لا يحكم إلا بما أوحى اللّه فيه إليه ، فيبقى ذلك على الأصل وهو التصرف الطبيعي الذي تطلبه هذه النشأة من غير تعيين حكم عليه بأحد الأحكام الخمسة وهو الأصل الأول ، أو نرده إلى الأصل الثاني وهو قوله تعالى« خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً »وليس بنص في الإباحة ، وإنما هو ظاهر لأن حكم المحظور خلق أي حكم به من أجلنا ، أي نزل حكمه من أجلنا ابتلاء من اللّه هل نمتنع منه أم لا ، كما نزل الوجوب والندب والكراهة والإباحة ، فالأصل أن لا حكم ، وهو الأصل الأول الذي يقتضيه النظر الصحيح« ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ »فالسّماوات من العناصر ، فهي أجسام عنصريات وإن كانت فوق الأركان بالمكان ، فالأركان فوقهن بالمكانة . - بحث في الاستواء - من الآيات المتشابهة آيات الاستواء ، والأحاديث الواردة فيه ، ومرجعها فيه عند المحققين إلى الآيات المحكمات ،

    [في الاستواء ]
    وأول ما ينبغي تقديمه معنى الاستواء لغة ، وأصله افتعال من السواء والسواء في اللغة العدل والوسط ، وله وجوه في الاستعمال ترجع إلى ذلك ، منها استوى يعني أقبل ، نقله الهروي عن الفراء ، فإن العرب يقولون استوى إلي يخاصمني أي أقبل إلي - الثاني :
    بمعنى قصد ، قاله الهروي - الثالث : بمعنى استولى - الرابع : بمعنى استقام - الخامس :

    من كتاب إيجاز البيان في الترجمة عن القرآن:
    قوله تعالى( وَقَدَّرَ فِيها أَقْواتَها )وسيأتي في ( فصلت ) وإنما قلنا خلق هنا بمعنى قدر ، لأنه قال بعد هذا« ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ »فجاء بثم ، يؤذن بالبعدية ، فخلق الأرض وقدر فيها أقواتها علما ، ثم استوى إلى السماء وكانت واحدة ففتقها وسواها سبع سماوات طباقا

    ص 91


    بمعنى اعتدل - السادس : بمعنى علا - قال الشاعر :ولما علونا واستوينا عليهم * تركناهم صرعى لنسر وكاسرقال الحسن بن سهل : إذا علم أصل الوضع وتصاريف الاستعمال فنزل على ذلك الاستواء المنسوب إلى ربه سبحانه وتعالى ، وقد فسره الهروي بالقصد ، وفسره ابن عرفة بالإقبال كما نقل عن الفراء ، وفسره بعضهم بالاستيلاء ، وأنكره ابن الأعرابي وقال : العرب لا تقول استولى إلا لمن له تضادد ، وفيما قاله نظر لأن الاستيلاء من الولي وهو القرب أو من الولاية وكلاهما لا يفتقر إطلاقه بالمضادد ، ونقل الحسن بن سهل عن ابن عباس رضي اللّه عنهما أنه فسر قوله تعالى« ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ »قال : علا أمره ، وهذه التفاسير كلها ومنه قوله تعالى( وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ )

    وقوله تعالى( لِتَسْتَوُوا عَلى ظُهُورِهِ )الآية فلا يليق نسبة مثله إلى استواء ربنا تعالى على العرش ، مع أنا نقول قد علمت أصل اشتقاق الاستواء ولا مدخل فيه لمعنى الاستقرار ، وإنما الحق أن معنى استوى على الدابة جاء على الأصل ، ويكون معناه اعتدل ، أو علا عليها ، والاستقرار لازم ذلك بحسب خصوصية المحل ، لا أن للاستقرار مدخلا في معنى اللفظ مطلقا ، وحينئذ فلا يصح نسبة مثله إليه تعالى لاستحالته في حقه ، وعدم وضع اللفظ له ، وقد ثبت عن الإمام مالك رضي اللّه عنه أنه سئل كيف استوى ؟

    فقال : كيف غير معقول ، والاستواء غير مجهول ، والإيمان به واجب ، والسؤال عنه بدعة ، فقوله كيف غير معقول ، أي : كيف من صفات الحوادث وكلما كان من صفات الحوادث فإثباته في صفات اللّه تعالى ينافي ما يقتضيه العقل ، فيجزم على نفيه عن اللّه تعالى ، وقوله : والاستواء غير مجهول ، أي أنه معلوم المعنى عند أهل اللغة ، : والإيمان به على الوجه الأليق به تعالى واجب ، لأنه من الإيمان باللّه تعالى وبكتبه ، : والسؤال عنه بدعة : أي حادث لأن الصحابة رضي اللّه عنهم كانوا عالمين بمعناه الأليق بحسب اللغة ، فلم يحتاجوا للسؤال عنه ، فلما جاء من لم يحط بأوضاع لغتهم ، ولا له نور كنورهم ، يهديه لصفات ربهم ، شرع يسأل عن ذلك ، فكان سؤاله سببا لاشتباهه

    من كتاب إيجاز البيان في الترجمة عن القرآن:

    فدارت بكواكبها ، ففتق الأرض بما أخرج فيها ومنها من معدن ونبات وحيوان ، فكان إيجادا عند دوران الأفلاك بعد تقدير ، وجعل سبحانه هذا الخلق كله من أجلنا ، فأية نعمة أو أية عناية أعظم

    ص 92

    على الناس وزيغهم عن المراد ، وتعين على العلماء حينئذ أن لا يهملوا البيان ، قال اللّه تعالى وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ )ولا بد في إيضاح البيان الزيادة فنقول : قد قررنا أن الاستواء مشتق من السواء وأصله العدل ، وحينئذ الاستواء المنسوب إلى ربنا تعالى في كتابه بمعنى اعتدل أي قام بالعدل ، وأصله من قوله تعالى : ( شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ )إلى قوله( قائِماً بِالْقِسْطِ )فقيامه بالقسط والعدل هو استواؤه ، ويرجع معناه إلى أنه أعطى بعدله كل شيء خلقه ، موزونا بحكمته البالغة في التعرف لخلقه بوحدانيته ، ولذلك قرنه بقوله : ( لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ )
    والاستواء المذكور في كتابه استواءان :
    استواء سماوي
    واستواء عرشي
    فالأول تعدى بإلى قال تعالى :« هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ »وقال« ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ وَهِيَ دُخانٌ »ومعناه - واللّه أعلم - اعتدل أي : قام بقسطه وتسويته إلى السماء فسواهن سبع سماوات ، ونبّه على أن استواءه هذا هو قيامه بميزان الحكمة ، وتسويته بقوله أولا عن الأرض( وَقَدَّرَ فِيها أَقْواتَها فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَواءً لِلسَّائِلِينَ )وبقوله آخرا( ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ ) .
    وأما الاستواء العرشي : فهو أنه تعالى قام بالقسط ، متعرفا بوحدانيته في عالمين :
    عالم الخلق ، وعالم الأمر وهو عالم التدبير ،( أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ )فكان استواؤه على العرش للتدبير بعد انتهاء عالم الخلق لقوله تعالى : ( الذي خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام ثم استوى على العرش يدبر الأمر ما من شفيع إلا من بعد إذنه ) وبهذا يفهم سر تعدية الاستواء العرشي بعلى ، لأن التدبير للأمر لا بد فيه من استعلاء واستيلاء« وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ »وعلمه تعالى ذاته ، فإنه يستحيل عليه أن يقوم بذاته أمر زائد ، أو عين زائدة ما هي ذاته ، تعطيها حكما لا يصح لها ذلك الحكم دونها مما يكون كمالا لها في ألوهيتها ، بل لا تصح الألوهة إلا بها وهو كونه عالما بكل شيء ، ذكر ذلك عن نفسه بطريق المدحة لذاته ، ودل عليه دليل العقل . –

    [ القصد من خلق الثقلين ]
    رقيقة - لما خلق اللّه الثقلين في المقام الذي قصده بخلقهم وهو أجلية الحق ، من قوله تعالى : (وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ )فرغهم لذلك

    من كتاب إيجاز البيان في الترجمة عن القرآن:

    من هذه العناية ، التي لأجلها خلق هذا الخلق العظيم الكبير ، ومصداق كونه من أجلنا أنه إذا انتقلنا إلى الدار الآخرة مارت السماء وانشقت ، وزالت الأرض وسارت الجبال بزوالنا من الدنيا


    ص 93

    حتى لا يقوم لهم حجة بالاشتغال بما به قوامهم ، فخلق الأشياء التي بها قوامهم خاصة من أجلهم ليتفرغوا لما قصد بهم ، فقامت عليهم حجة اللّه إذا لم يقوموا بما خلقوا له ، جاء في الأثر أن الحق يقول لابن آدم : خلقت الأشياء من أجلك ، وخلقتك من أجلي ، فلا تهتك ما خلقت من أجلي ، فيما خلقت من أجلك.

    [ العالم لا يرمي بشيء من الوجود ]
    تحقيق العالم لا يرمي بشيء من الوجود ، وإنما يبرز إليه ما يناسبه منه ، ولا يغلب عليه حال من الأحوال ، بل هو مع كل حال بما يناسبه ، فإن أكثر الناس لا يعلمون ذلك ، بل هم بهذا القدر جاهلون ، وهذا هو الذي أداهم إلى ذم الدنيا وما فيها ، والزهد في الآخرة ، وفي كل ما سوى اللّه ، وانتقدوا على من شغل نفسه بمسمى هذه كلها ، وجعلهم في ذلك ما حكي عن الأكابر في هذا النوع ، وحملوا ألفاظهم على غير وجه ما تعطيه الحقيقة ، ورأوا أن كل ما سوى اللّه حجاب عن اللّه ، فأرادوا هتك هذا الحجاب فلم يقدروا عليه إلا بالزهد فيه .

    والحق كل يوم في شأن الخلق ، والجنة وهي دار القربة ومحل الرؤية ، هي دار الشهوات وعموم اللذات ، ولو كانت حجابا لكان الزهد والحجاب فيها ، وكذلك الدار الدنيا ، فاللّه خلق أجناس الخلق وأنواعه ، وما أبرز من أشخاصه لننظر فيه نظرا يوصلنا إلى العلم بخالقه ، فما خلقه لنزهد فيه ، فوجب علينا الانكباب عليه ، والمثابرة والمحبة فيه ، لأنه طريق النظر الموصل إلى الحق ، فمن زهد في الدليل فقد زهد في المدلول ، وخسر الدنيا والآخرة ، ذلك هو الخسران المبين .

    وجهل حكمة اللّه في العالم وجهل الحق وكان من الخاسرين ، فالرجل كل الرجل من ظهر بصورة الحق في عبودة محضة ، فأعطى كل ذي حق حقه ، ويبدأ بحق نفسه فإنها أقرب إليه من كل من توجه له عليه حق من المخلوقين ، وحق اللّه أحق بالقضاء ، وحق اللّه عليه إيصال كل حق إلى من يستحقه ، فيطلبه أصحاب الحقوق بحقوقهم نطقا وحالا ظاهرا وباطنا ، فيطلبه السمع بحقه ، والبصر واللسان واليدان والبطن والفرج والقدمان والقلب والعقل والفكر والنفس النباتية ، والحيوانية والغضبية والشهوانية والحرص ، والأمل والخوف والرجاء والإسلام والإيمان والإحسان ، وأمثال هؤلاء من عالمه المتصل به ، وأمره الحق أن لا يغفل

    من كتاب إيجاز البيان في الترجمة عن القرآن:

    وكان أيضا هذا ابتلاء مدرجا في نعمة ، أو نعمة مدرجة في ابتلاء ، مثل خلق الحياة والموت ، فقال تعالى( وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ

    ص 94


    عن أحد من هؤلاء أوّلا ، ويصرفهم في المواطن التي عين له الحق ، وجعل هذه القوى كلها متوجهة على هذه النفس الناطقة بطلب حقوقها ، وجعلها كلها ناطقة بتسبيح اللّه تعالى جعلا ذاتيا لا تنفك عنه ، وجعل هذه الحقوق التي توجهت لها على النفس الناطقة الحاكمة على الجماعة ثابتة الحق جزاء لما هي عليه من تسبيح اللّه بحمده دنيا وآخرة ، فالعارف المكمّل المعرفة يعلم أن فيه من يطلب مشاهدة ربه ومعرفته الفكرية والشهودية ، فتعين عليه أن يؤدي إليهم حقهم من ذلك ، وعلم أن فيه من يطلب المأكل الشهي الذي يلائم مزاجه ، والمشرب والمنكح والمركب والملبس والسماع والنعيم الحسي المحسوس ، فتعين عليه أيضا أن يؤدي إليهم حقوقهم من ذلك الذي عين لهم الحق ، ومن كان هذا حاله كيف يصح له أن يزهد في شيء من الموجودات ؟ وما خلقها اللّه إلا له . إلا أنه مفتقر إلى علم ما هو له وما هو لغيره لئلا يقول كل شيء هو له ، فلا ينظر من الوجوه الحسان إلا ما يعلم أنه له ، وما يعلم أنه لغيره يكف بصره ويغضه عنه ، فإنه محجور عليه ما هو لغيره ، فهذا حظه من الورع والاجتناب ، والزهد إنما متعلقة الأولوية بخلاف الورع وكل ترك ، فأما الأولوية فينظر في الموطن يعمل بمقتضاه ، ومقتضاه قد عينه له الحق بما أعلمه به بلسان الشرع ، فسموا من طريق الأخذ بالأولوية زهادا ، حيث أخذوا بها ، فإن لهم تناول ذلك في الحياة الدنيا فما فعلوا ، لأن اللّه خيرهم فما أوجبه عليهم ولا ندبهم إليه ولا حجر عليهم ولا كرهه فاعلم ذلك ، ثم إنه ينظر في هذا المخير فيه فلا يخلو حاله في تناوله أن يحول بينه هذا التناول وبين المقام الأعلى الذي رجحه له أو لا يحول ، فإن حال بينه وبينه تعين عليه بحكم العقل الصحيح السليم تركه والزهد فيه ، وإن كان على بينة من ربه أن ذلك لا يقدح ، ولا يحول بينه وبين الرتبة العليا من ذلك فلا فائدة لتركه ، كما قال لنبيه سليمان عليه السلام :« هذا عَطاؤُنا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسابٍ »ولا تكون ممن تلتبس عليه الأمور فيتخيل أنه بزهده فيما هو حق لشخص ما من رعيته ، ينال حظ ما يطلبه به منه شخص آخر من رعيته ، فإن

    من كتاب إيجاز البيان في الترجمة عن القرآن:


    أَحْسَنُ عَمَلًا ) *وقال( وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ )فقال تعالى« وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ »أي بما خلق ، وبما لأجله خلق ، وبما يكون ممن خلق ، وقال تعالى( وَسَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ )فهو قوله« خَلَقَ لَكُمْ » *أي من أجلكم ، وجعل ذلك آيات لقوم يتفكرون ليعلموا ما مراد

    ص 95

      الوقت/التاريخ الآن هو 24/11/2024, 03:00