01 - فص حكمة إلهية في كلمة آدمية الجزء الأول
قال الشيخ الأكبر قدس سره : ( لما شاء الحق سبحانه من حيث أسمائه الحسنى التي لا يبلغها الإحصاء أن يرى أعيانها وإن شئت قلت أن يرى عينه في كون جامع يحصر الأمر كله. لكونه متصفا بالوجود، و يظهر به سره إليه ).
قال الشارح: (فص حكمة إلهية في كلمة آدمية كل ملتقى العظمين) .
فص هكذا في اللغة، فهو عبارة عن ملتقى الحكم الإلهية المشتملة على قوسي الأحدية والواحدية، فالملتقى هو الوحدة الصرفة التي هي القلب المحمّدي و قلب كل نبي قبله، و الحكمة هي العلم بوضع الأشياء موضعها، و الإلهية هي مرتبة جامعة لجميع الأشياء، و الكلمة هي العين الفاضلة الجامعة الفاصلة المانعة كأعيان الأنبياء عليهم السلام، و الآدمية هي المنسوبة إلى آدم حقيقة الحقائق الإنسانية، و أراد رضي الله عنه بآدم وجود العالم الإنساني .
قال في الفصوص :
( لما شاء الحق من حيث أسمائه الحسنى التي لا يبلغها الإحصاء أن يرى أعيانها و إن شئت قلت أن يرى عينه في كون جامع ).
(لما شاء الحق ): أي لما نظر الحق سبحانه في حضرة غيب الذات، نظر تنزه في الكمال الذاتي المطلق الذي لا يتوقف ثبوته له على أمر خارجي إذ ما ثم يخرج عنه .
و بهذا صحّ الفناء الذاتي، فشاهد تعالى بالنظر المذكور على النحو المذكور، كمالا أخر مستحبا في غيب هويته غير الكمال الأول، و إذا رقيقة متصلة بين الكمالين اتصال تحبب تام، فكان ذلك الكمال الثاني هو الكمال الأسمائي من حيث النسبة الشهودية كمال الجلاء و استجلاء وعلم .
""إضافة المحقق : قال سيدي محمد وفا رضي الله عنه : الفناء هو اضمحلال كل متعرض متوهم لا ينتهي إلى غاية محققة، وحقيقته: صدق العدم الذاتي على كل موجود بالعرض في المجاز ،وغايته: صادق من العلم يمحق كل كاذب من الوهم وهو الهلاك الحقيقي. اهـ ""
إن هذا الكمال الأسمائي لا يظهر بدون الغير، فشاء ما شاء، و فعل ما أراد فالمشيئة عرش الذات.
"الكمال: التنزيه عن الصفات وآثارها. أي: عن كل ما يقيد ذات الموت، وحقيقته فيخرجها عن إطلاقها، صفة، وتجردها عن الاعتبارات مطلق إبقاؤها على الإطلاق الذاتي، والذي حكمه مع سائر القيود على السواء، وذلك هو الكمال الحقيقي، فافهم."
وإنما قلنا بالمشيئة لأنه لو كان العالم أعني وجوده لذات الحق لا للمشيئة لكان العالم مشاركا للحق في الوجود، و ليس كذلك فالمشيئة حكم لذات الحق أزلا و هي تطلب تأخر وجود العالم عن وجود الحق، فيصح حدوث العالم و ليس ذلك إلا بنسبة المشيئة و سبق العلم بوجوده، فكان وجود العالم مرجّحا على عدمه، و الوجود و المرجح ساوق الوجود الذاتي الذي لا يتصف بالترجيح في مرتبة العلم، فافهم .
و إنما قال رضي الله عنه: شاء، و لم يقل: أراد إشارة إلى أن التوجّه كان من مرتبة الذات من الفيض الأقدس، فإن المشيئة توجّه الذات نحو حقيقة الشيء كان ما كان، والإرادة تعلق بتخصيص تخصيص أحد الجائزين من طرفي الممكن أعني:
وجوده في مقام الألوهية، فالمشيئة عين الذات و عرشها.
و قد يكون متعلقها الإرادة إذا شاء أراد، و الإرادة من الصفات الموجبة للاسم المريد المقتضي للوجود و هي عرش الألوهية.
فالمشيئة أقدم و أعم من الإرادة، فقد تتعلق المشيئة بالإرادة التي تقتضي الوجود فتتعلق بالإيجاد، و قد تعلق بالمعدوم لبقائه على أصله، فمتعلق المشيئة العدم و الوجود بخلاف الإرادة، فإن متعلقها الوجود .
قال الله تعالى:"إنْ يشأْ يذْهِبْكُمْ أيُّها النّاسُ ويأتِ بآخرين وكان اللّهُ على لذك قدِيرًاً "[ النساء: 133] .
و قال تعالى في الإرادة: "إنّما أمْرهُ إذا أراد شيْئاً أنْ يقُول لهُ كُنْ فيكُونُ" [ يس: 82].
فلمّا كان المقام مقام الأقدم لا القديم، وتعلق. التوجّه بالأمر المعدوم.
فقال رضي الله عنه: لما شاء، فافهم .
وهنا مسألة في المشيئة في "غرائب الفتوحات" فأذكرها: فإنه رضي الله عنه ما كتب شيئا ولا ذكره إلا للاستمتاع والانتفاع .
فاعلم ان العدم يحكم على صور الممكنات بالذهاب والرجوع إليه رجوعا ذاتيا، فالممكنات بين إعدام من العدم وإيجاد من الواجب الموجود، فحكم العدم يتوجه على ما وجد من الصور، وحكم الإيجاد من واجب الوجود، يعطي الوجود.
فلمّا قال تعالى: "إنْ يشأْ يذْهِبْكُمْ و يأتِ بخلْقٍ جدِيدٍ" [ إبراهيم: 19]
من باب الإشارة إلى غوامض الأسرار لأولي الأفهام وهو أنه عين كل منعوت بحكم من وجود، و عدم و وجوب و إمكان و محال فما ثمة عين توصف بوصف، أو تحكم بحكم إلا و هو ذلك العين، و هذه مسألة تضمنها هذا المقام و لو لا ذلك ما ذكرنا .
قال رضي الله عنه في الباب الثالث و السبعين و ثلاثمائة: و ما تقدّم لهذا ذكر في كتاب " الفتوحات" غير هذا الموضع، و لن تراها في غيره إلا في الكتب المنزّلة من عند الله كالقرآن و غيره، و منها أخذناها بما رزقنا الله من الفهم في كلامه" انتهى كلامه رضي الله عنه .
و هنا مسألة أخرى أذكرها لك فإنها من الغرائب و هي أنه رضي الله عنه ذكر في الوصل الخامس من الخزائن من "الفتوحات " : وليس الحق بمحل للجواز لما يطلبه الجواز من الترجيح من المرجح . فمحال على الله الاختيار في المشيئة , لأنه محال عليه الجواز .
لأنه محال أن يكون لله مرجح يرجح له أمرا دون أمر فهو المرجح لذاته .
فالمشيئة أحدية التعلق لا اختيار فيها ولهذا لا يعقل الممكن أبدا إلا مرجحا .
إلا أن الحق من كونه غفورا أرسل ستره وحجابه بين بعض عباده وبين إحالة رجوع الحق إلى نفسه في غناه عن العالم . فقال في ذلك الستر : فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ. فافهم
فإذا قلنا: إن العلم تابع المعلوم و لا أثر للعلم في المعلوم، و المشيئة تابع للعلم، و الإرادة تابع المشيئة، بل عين المشيئة في الخارج، فيظهر رائحة الخير .
قال تعالى: "ما يبدّلُ القوْلُ لديّ " [ ق: 29] ما شاء الله كان، و المحال ليس بمشاء.
فكم يكن هذا القدير العزيز الحكيم، و الحكمة تمنع الحكيم أن يفعل بغير حكمة , وإلا لم يكن حكيما و هو حكيم عالم، فافهم الحق .
إنما قال رضي الله عنه: الحق، و لم يقل الله لأن المشيئة عرش الذات الحق من المقام الأقدم، و اللّه اسم المرتبة من مقام القديم وهي الألوهية، و عرشها الإرادة . قال تعالى: "فعّالٌ لما يريدُ " [ هود: 107]
"" الإرادة: وهي لوعة في القلب. يريد قدس سره: قلب من تنبه للنهوض بقدم حاله إلى وجهته العليا في الحق، وهي وجهة موليها، وهي مختاره الأصلي، ومستنده الغائي.""
وقد زاد قدس سره في معناها قيدا آخر، وهو قوله في الفتوحات المكية: « و يحول بينه وبين ما كان عليه مما يحجبه عن مقصوده». .
والإرادة في الحقيقة لا تتعلق دائما بالعدم، فإنها صفة تخصص أمرا إما بحصوله، أو وجوده.
كما قال تعالى وتقدس: "إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون" [يس: 82]. وشيئية المراد هنا شيئية الثبوت لا شيئية الوجود.
فإن قلت: قد تتعلق الإرادة موجود لمحوه، وإعدامه.
قلت: هذه مشيئة الإرادة. كما قال تعالى : "يمحوا الله ما يشاء ويثبت" [الرعد: 39] فلو تعلقت الإرادة بالموجود لتخصيص وجوده لزم تحصيل الحاصل.
فالمراد: حالة تعلق الإرادة به معدوم قطعا. فإن العقاب، وملذوذ وحده بالعذاب، حالة تعلق الإرادة به، وكان معدوما في حقه، فخصص ذلك بإرادته ليوجد في حقه، فإذا وجد، تعلقت إرادته باستمرار ما حصل، وهو معدوم إذ ذاك .
فالإرادة إن نشأت في القلب على مقتضى غلبة الحكم القلبي فيطلقونها ويريدون ما إرادة التمني سواء تعلقت بالمطالب العالية أن الدانية.
ولذلك قال : وهي يعني إرادة التمي منه، أي: من القلب يريدون بها أيضا.
إرادة الطبع: إن نشأت من القلب على مقتضى غلبة حكم النفس عليه ، فإنها إذن تحديد إلى شبح الطبيعة القاضي بإتيانه اللذات العاجلة والآجلة أيضا، كتقييد القلب مثلا في مناهج ارتقائه بلذات، مشاهدة نتائج الأحوال في الحال، أو نتائج الأعمال، بحكم المحازاة في المال.
آذاك قال : "و متعلقها الحظ النفسي فإن علة تقييد القلب هنالك وجود اللذة، ويطلقوها و يريدون بها: إرادة الحق"
إرادة الحق: إن نشأت من القلب، على مقتضى غلبة الحق عليه، سواء كان ذلك من أحكامه الظاهرة أو الباطنة، ومتعلقها الإخلاص، والقاضي بتحقيق توحيده الذاتي، وقطع تعلقها عن السوي، بل عن الأسماء من حيث كونها مشعرة بالكثرة المعقولة، بحسب نسب إحاطاتها.
ولهذا قال علي كرم الله وجهه: «وكمال الإخلاص له نفي الصفات عنه».
( من حيث أسمائه الحسنى) يعني: لما شاء من حيث الأسماء و اقتضائها يرى أنوار أسمائه المصونة، و أثار أسراره المكنونة المخزونة في المظهر الجامع كما سيجيئ لا من حيث الذات البحت، فإنها لا يضاف إليها شيء سوى الغنى عن العالمين، و كان ذلك: أي ما شاء بحركة حبية، و تنفس رحماني :
"كنت كنزا مخفيا، فأحببت أن أعرف، فخلقت الخلق لأعرف فتعرّفت بهم، فعرفوني".
أما الاسم في التحقيق، فهو التجلي المظهر لعين الممكن الثابتة في العلم، و لكن من حيث تعين ذلك التجلي المنبعث من الغيب المطلق في مرتبته، و التجلي من حيث تعينه اسم دال على الغيب المطلق الغير المتعين، و التسمية عبارة عن نفس دلالة الاسم على الأصل الذي تعين منه، و دلّ عليه، فافهم، إنه أصل عزيز شريف .
( التي لا يبلغها الإحصاء): أي باعتبار الجزيئات الظاهرة في كل آن، فإنها غير متناهية دنيا، أو آخرة، أو فيهما، و أمّا باعتبار الكليات والأمهات، فهي محصورة كما في الخبر الصحيح: " ومن أحصاها " الحديث خبر من صادق عن إمكان الإحصاء .
وهكذا إذا نظرت إلى العالم مفصّلا بحقائقه، ونسبه وجدته محصور الحقائق والنسب، معلوم المنازل و الرتب متناهي الأجناس بين متماثل ومختلف وذلك لأن الأسماء هكذا وهي صور الأسماء، فافهم .
إرادة الحق: إن نشأت من القلب، على مقتضى غلبة الحق عليه، سواء كان ذلك من أحكامه الظاهرة أو الباطنة، و متعلقها الإخلاص، و القاضي بتحقيق توحيده الذاتي، و قطع تعلقها عن السوى، بل عن الأسماء من حيث كونها مشعرة بالكثرة المعقولة، بحسب نسب إحاطاتها، ولهذا قال علي كرم الله وجهه: "و كمال الإخلاص له نفى الصفات عنه ".
( أن يرى أعيانها ): أي أعيان الأسماء الخارجية من العلم إلى العين و هي تعيناتها، و أمّا حقائقها التي عين كل فرد من أفراد العالم منها، فمظهر اسم من الأسماء، وعين من الأعيان، وأفرادها غير متناهية كالأسماء التي لا تحصى .
و أمّا قول الشارح القيصري رحمه الله: إن المراد من الأعيان الأعيان الثابتة، فليس بظاهر لأمرين:
أحدهما: أن الأعيان الثابتة كانت مربية له تعالى قبل مشيئة الخلق بلا أمر .
و الثاني: أنه ما مضى ذكر الأعيان الثابتة حتى يرجع الضمير إليه لا لفظا، ولا حكما، بل الصحيح الظاهر أن الضمير إلى الأسماء، فافهم .
( وإن شئت قلت ): أي إن شئت الترقي قلت، (أن يرى عينه ): أي ذاته فالأولى رؤية الكامل، والثانية رؤية الأكمل.
(في كون جامع) والجامع نعت إلهي، وهو الذي لم يخرج عنه معلوم أصلا لا حق، و لا خلق، و لا يمكن، و لا واجب، و لا محال، و هو حضرة لها الدوام و البقاء، و لا تعقل إلا جامعة وما لها أثر إلا الجمع، و ما تفرق إلا ليجتمع .
قال تعالى: "و ما تفرّق الّذِين أوتوا الكِتاب إلّا مِنْ بعْدِ ما جاءتْـهُمُ البيِّنةُ" [ البينة: 4]: أي الكتاب الجمعي .
بينة الفرق على الجمع الشاهد على عين العيان، فذلك هو عين الجمع و الوجود، و مقام السكوت و الخمود، فافهم .
فالكون الجامع هو جامع الضدين: أي العدم و الوجود، و الجمع و الفرق، و القدم و الحدوث، و الحقية و الخلقية و هو الإنسان الكلي الكامل لأنه برزخ بين الحق و العالم، فجمع طرفي الأضداد .
و من هذا المقام قال الخراز قدّس سره: عرفت الله بجمع الأضداد: أي ذوقا و وجدانا.
يشير إلى التحقيق بالصورة، بل الكون الجامع هو عين الضدين .
كما ذكر الشيخ رضي الله عنه عن شخص من أصحابه اسمه تاج الدين الأخلاطي أنه قال له حين سمع منه رضي الله عنه هذه الرواية: أي رواية الخراز.
فقال: هو عين الضدين معا و قول الخراز يوهم أن ثمة عينا ليست هي عين الضدين، لكنها تقبل الضدين معا و الأمر في نفسه ليس كذلك.
بل هو عين الضدين إذ لا عين زائدة، فالظاهر عين الباطن، و الأول عين الأخر، و كذلك الرّاد فيما نحن فيه أن الكامل كون جامع هو عين المجموع لا عين جامع للمجموع إذ لا عين زائدة قابلة جامعة، فافهم .
( يحصر الأمر كله ): أي أمر الأسماء الإلهية كلها، أو الأمر الإلهي ذاتا، و اسما، وصفة وإنابة.
و الأولى باعتبار العبارة الأولى، وهي أن يرى أعيانها.
والثانية باعتبار العبارة الثانية وهي أن يرى عينه لكونه متعلق بقوله يحصر: أي يحصر الأمر (لكونه) الكون الجامع (متصفا) بالوجود، و كل ما اتصف بالوجود دخل تحت حيطة الحصر، فانحصر الوجود الجامع كان ما كان، فافهم .
قال الشارح الشيخ عبد الرازق الكاشي قدّس سره: إن قوله: (لكونه) علة لرؤيته تعالى عينه في الكون الجامع .
و قال الشيخ عبد الرحمن الجامي: إن قوله: لكونه متعلق بقوله: يرى، على أنه علة مصححة للرؤية، فإن الشيء ما لم يكن موجودا لم يصح رؤيته، أطلق الكلام و لم يقيداه ، مع أن الشيخ الأكبر رضي الله عنه ذكر في هذه المسألة: إن شرط الرؤية إمكان الوجود لا الوجود .
و صرّح رضي الله عنه بهذه المسألة في الباب السادس و الأربعين من "الفتوحات":
و قال : فإنا لا نعلل الرؤية للأشياء أن يكون المرئي مستعدا لقبول تعلق الرؤية سواء كان معدوما، أو موجودا، أو كل ممكن مستعد للرؤية و الممكنات، و إن لم يتناهى فهي مرئية لله تعالى لا من حيث نسبة العلم، بل من نسبة أخرى تسمّى رؤية كانت ما كانت .
قال تعالى: "ألمْ يعْلمْ بأنّ اللّه يرى" [ العلق: 14] انتهى كلامه رضي الله عنه .
فصل العالم مدرك الله تعالى في حال عدمه
اعلم أن العالم مدرك الله تعالى في حال عدمه، فهو معدوم العين، مدرك لله تعالى، يراه فيوجد لنفوذ الاقتدار الإلهي فيه، ففيض الوجود العيني إنما وقع على تلك المربيات لله في حال عدمها، و إنها رؤية حقيقية لا شك فيها.
و لا يتصف الحق بأنه لم يكن يراه، بل لم يزل يراه، فمن قال بقدم العالم، قال بهذا الاعتبار، و من قال بحدوثه نظر إلى تغير العالم بعينه كنفسه في كل إن لم يكن له هذا الحال قبله، ثم كان فقال بالحدوث.
و من هنا تعلم أن علة رؤية الرأي الأشياء ليست كونها موجودة كما رأى العقلاء، فافهم، ذكره رضي الله عنه في"الفتوحات":
( و يظهر به) من باب الأفعال منصوبا بالعطف على قوله: إن يرى عينه: أي يظهر به: أي بعين العبد لا بالحق، فإنه من مقام قرب الفرائض، و الثاني مقام قرب النوافل فالأول للعالمين، و الثاني للعارفين .
( سره ): أي سره و حقيقته، فإنه سرّ الأسماء (إليه) إلى الكون الجامع الذي هو العبد الظاهر بصورة السيد و هو سر أن الله خلق آدم على صورته، فإن أراد أن يظهر رضي الله عنه حكمة المشيئة .
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : )فإن رؤية الشي ء نفسه بنفسه ما هي مثل رؤيته نفسه في أمر آخر يكون له كالمرآة فإنه تظهر له نفسه هي صورة يعطيها المحل المنظور فيه مما لم يكن يظهر له من غير وجود هذا المحل و لا تجليه له . وقد كان الحق سبحانه أوجد العالم كله وجود شبح مسوى لا روح فيه، فكان كمرآة غير مجلوة. ) .
و قال رضي الله عنه : )إن رؤية الشيء نفسه بنفسه ما هي مثل رؤية نفسه في أمر آخر(، هذا دفع اعتراض متوهم، و هو أن الله تعالى أزلي الذات، و أزلي الصفات، فكان بصيرا بذاته في الأزل و لا شيء معه، فكان يرى الأعيان في العدم في القدم .
فأجاب رضي الله عنه بأن له تعالى الرؤية، و لكن رؤية الشيء بنفسه كرؤية الحق الأعيان الثابتة في نفسه و ذاته في حضرة اتحاد العالم، و المعلوم، و العلم ليس كرؤية نفسه في أمر آخر. أي الذي يرى نفسه بنفسه في نفسه ليس مثل ما يرى نفسه في أمر آخر.
و إنما قال رضي الله عنه: (في أمر آخر)، و ما قال في الغير لأنه لا غير عنده، و لكن كأنه غيره من بعض الوجوه و التجلي ما خرج عن الأقدس الذاتي .
فحاصل كلامه رضي الله عنه: إن الرؤية قد تتعلق بالمعدوم في الخارج، و قد تتعلق بالموجود فيه، فإذا تعلقت بالموجود في الخارج تعلقت بحسبه، فإنها تابعة للمرئي كالعلم فإنه تابع للمعلوم مطلقا حقا أو خلقا، فافهم .
"" قال سيدي علي وفا رضي الله عنه : إذا أفادك الحق نفسه بكشفه وبيانه فحصلت لك رؤيته والتحقق به ، فإنما رآه و تحقق به نفسه التي أفادك إياها، فهو لا يراه إلا إياه، ولا يتحقق به سواه، و كل صديق لصادقه هو، يتحقق به ويراه، فنفاة الرؤية و مثبتوها على صواب كما سمعت، فافهم.
قال تعالى : " قُلْ يَاأَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ" [يونس: 108]، إنما يعني هنا أنا المستحق الأصيل إن عرفتم حقي الجميل الجليل، فافهم. ""
( يكون له ): أي أمر آخر يكون لذلك الشيء في الرؤية )كالمرآة( المصقولة الصحيحة المقابلة، فإنه يرى فيها بحسبها لا بحسب الرائي.
فإنه تظهر له : أي للشيء نفسه في صورة يعطيها: أي استعداد المرآة و هي المحل المنظور فيه و هو العالم، أو الإنسان الكامل، كالوجه يرى في المرآة بحسبها مختلفة كالاستطالة و الاستدارة و غيرهما مع وحدة الوجه الناظر فيها، و ما ذلك إلا لاختلاف الاستعدادات و القابليات في ذات المرآة .
( مما لم يكن يظهر له من غير وجود هذا المحل) الذي بمنزلة المرآة و المجلي، (و لا تجليه) عطف على يظهر: أي لا يظهر له و لا تجلى من غير هذا المحل، فلمّا كان الرائي هو الحق عبر عن التقابل و التواجه بالتجلي لاستلزامه العلم.
و الشعور بالمتجلي كما هو المصطلح: أي و لا يظهر تجليه: أي تجلي الحق له: أي للمحل من غير هذا الوجه، و هو الوجود الخارجي .
ذكر الشيخ عين القضاة قدّس سره في بعض تصانيفه عن شيخه الشيخ أحمد الغزالي: إن شيخه أبا بكر النسّاج قال في مناجاته: إلهي ما الحكمة في خلقي؟
فقال له: الحكمة في خلقك رؤيتي في مرآتك روحك، و محبتي في قلبك .
ذكره الشيخ عبد الرحمن الجامي قدّس سره في "النفحات" .
قال الشيخ الأكبر قدس سره: (و قد كان الحق أوجد العالم كله وجود شبح مسوّى لا روح فيه، فكان كمرآة غير مجلوّة) .
( و قد كان) اعلم أن لفظ كان يعطي التقييد الزماني، و ليس المراد هنا به ذلك و لا في الإلهيات، كما قال سبحانه: "و كان اللّهُ غفُورًاً رحِيماً" [ الفرقان: 70].
و إنما المراد به: الكون الذي هو الوجود، فتحقيق كان أنه حرف وجودي لا لفعل بطلب الزمان، و لهذا لم يرد ما يعتقدون علماء الرسوم، و لا كما قيل في قوله صلى الله عليه و سلم:" كان الله و لا شيء معه "الحديث.
و هو الآن كما كان زيادة مدرجة في الحديث ممن لا يلاحظ معنى كان في الإلهيات، و لا سيما في أمثال هذه المواضع، فلهذا أسماها و أخواتها بعض النحاة حروفا تعمل على الأفعال، و هي عند سيبويه حرف وجودي، و لو تخيل فيه الزمان لوجود التصرف من كان يكون، فهو كائن .
هذا الذي سقناه إنما هو على قول الولي إذا قال مثل هذا اللفظ.
أو نطق به من مقام ولايته لأن مقام المرتبة التي منها بعث رسولا، فإن الرسول إذا قال مثل هذا اللفظ في المعرفة بالله من مقامه الاختصاصي فلا كلام لنا فيه، و لا ينبغي لنا أن نشرع فيما ليس بذوق لنا .
و أمّا بلسان الولاية فنحن نترجم عنه بأعلى وجه يقتضيه حالها هذا غاية الولي في ذلك، فإذا عرفت أنه ليس المراد من لفظ كان معنى القبلية الزمانية، بل أنه أداة توصيل تدل على نسبة يحصل بها المقصود في نفس السامع .
فاعلم أنه رضي الله عنه يشير بقوله: قد كان إلى المساوقة لمن وقف عليها ألا يتقيد وجود الحق مع وجود العالم بين الإيجاد و المشيئة الأزلية، و إن كانت العبارة توهم بالمسابقة، و لكن ما يقول بها عقل، و لا يقدر على إقامة البرهان على ما ادّعاه.
و إنما قلنا بالمساوقة لأن الحقائق أعطت لمن وقف عليها أن لا يتقيد وجود الحق تعالى مع وجود العالم بقبلية، و لا معيّ ة و لا بعدية .
فإن هذه كلها أحكام الزمان، و أحكام الزمان في الإلهيات قد رمت به الحقائق في وجه القائل بها: اللهم إلا أن يقول للتوصيل، و التعميم إذ ليس كل أحد أعطي الكشف على حقائق الأمور.
فلا نقول من لسان الحقائق على ما هو الأمر عليه في نفسه أن العالم موجود بعد الحق، كما لا نقول أنه موجود قبل الحق، و لا مع الحق فإن الحق هو الذي أوجده من العدم هو فاعله و موجده و مخترعه، فلا قدم له مع الحق بجميع الوجوه من الوجوه.
و لكن نقول الحق موجود بذاته، و العالم موجود به تعالى في حال لا قبل، و لا بعد، و لا مع لأنها كلها علل، و المقام مقام التنزه عن الآفات و العلل، و أين أنت من أن الزمان مقدر حركة الفلك؟ و متى كان الفلك؟
و متى كان حركته حتى يعتبر مقدارها زمانا؟
و هو من عالم الحق، و كلامنا من فوق عالم الأمر .
فإن قال متوهّم، فمتى كان وجود العالم من وجود الحق؟
قلنا: السؤال عن متى سؤال عن زمان، و هو من عالم النسب، و عالم النسب من عالم الخلق، و هو مخلوق لله تعالى، فلا نحكم على ما فوقه .
فانظر كيف تسأل، و إياك أن تحجبك آلات التوصيل، و أدوات التفصيل عن تحقيق المعاني الصرفة التي لا يحتملها، أو إلى الحروف و الاصطلاحات، و لا تسعها قوالب الألفاظ، و ظروف العبارات .
و هكذا الأمر هنا في نفس الأمر، فإنه قال رضي الله عنه: لما شاء الحق تعالى، ثم قال: و كان الحق أوجد، و هما يطلبان التقدّم، و التأخّر، أو المعية، و مثل هذه وقع في التنزيل، و هو قوله: "و كان عرْشُهُ على الماءِ" [ هود: 7] .
حتى فهموا من هذا السوق قدمهما، فإذا تقرّر هذا، فقد تبين أن هذه الألفاظ الموهمة هي من الآيات المتشابهة الواجبة التأويل، و من أدوات التعليم و التفهيم و التوصيل، و ينبغي لكل عالم على حسب فهمه، و قوة نفوذه، وحدة بصيرته و بصره أن يفهم المعاني من وراء حجاب الألفاظ، و يغالط نفسه، و لا يغالط نفسه، فافهم .
فإن الأمر أنزه أن يعبر، و أعزّ من أن يشار إليه و يفسّر، و هنا سر آخر و هو من بعض محتملاته، و هو أنه ورد في الخبر الصحيح : " كان الله ولا شيء معه"
ثم أدرج فيه العارف، و قال: الآن كما كان: أي لم ترجع إليه من إيجاده العالم صفة لم يكن عليها أزلا، بل كان موصوفا لنفسه، و مسمّى قبل خلقه بالأسماء التي يدعونه بها.
فلما أراد وجود العالم، فانفعلت الحقيقة الكلية المسمّاة بالهباء التي هي بمنزلة طرح الجص للبناء ليفتح فيها ما يشاء من الصور و الأشكال، و هي أول موجود العالم، فتمددت تلك الحقيقة الجصية المطروحة بمدد و ممدد ذاتي و اقتضاء أصلي أشباحا و أشكالا و صورا بلا أرواح على الحسب التقدير السابق، و تفصيله القائم بنفس الموجد الحق سبحانه.
فإن علم العالم و قدره بعلمه، و علمه تابع للمعلوم، و المعلوم عين ذاته لأنه في مقام وحدة العلم و العالم و المعلوم، فافهم هذا المبهم، و لا تخف إن ما في الوجود غيره، و كل ما في الوجود مراتب التنزلات الإلهية .
أما ترى إشارة قوله سبحانه: "إنّما قوْلنا لشيْءٍ إذا أردناهُ أنْ نقُول لهُ كُنْ فيكُونُ" [ النحل: 40] إنه تعالى أثبت له نحو وجوده ليسمع، و يطيع خطاب كن فيكون، فالقول قديم، و ثبوت الشيء باعتبار عينه الثابتة أقدم، فافهم .
و تحقيق هذه المسألة للأعيان الثابتة في حال عدمها وجوديا علما بالنسبة إلى الحق، و خاليا بالنسبة إلى الإنسان الكامل المتحقق بالحق: أي بمرتبته.
فيقول الحق تعالى له : "كن فيكون" لسامع هذا الأمر الإلهي وجودا حسيا.
أي يتعلق به الحس في الوجود الحسي كما يتعلق به الخيال في الوجود الخيالي .
و هنا حارت الألباب هل الموصوف (بالوجود) المدرك بهذه الحواس هو العين الثابتة؟ أم لا؟ فافهم، ذكره رضي الله عنه في حضرة الخالق من "الفتوحات" :
و أيضا أن للممكن حضرية العدم، و الوجود عارض له، قال تعالى إشارة إلى هذه النكتة: "و آيةٌ لهُمُ اللّيْلُ نسْلخُ مِنْهُ النّهار" [ يس: 37]، فقدّم رتبة الليل الذي هو صورة العدم على رتبة النهار الذي هو صورة الوجود.
فحكم العدم يتوجّه على ما وجد من الصور العلمية في ثبوتها.
و حكم الإيجاد من واجب الوجود ما كان ما يكون بحسب اقتضاء الأعيان.
فالذي برز في الوجود من الصور هو علمه بالعالم، و علمه بالعالم عين علمه بنفسه، و علمه بنفسه كان أزلا أبدا .
لا عن عدم نعلمه بالعالم كذلك، فالعالم كذلك، و لكن تقدّم الحق تعالى لأنه صفة له و صفات الحق قديمة بقدمه، فافهم .
فإني أدرجت لك في هذا ملاك التصوف إن كنت صافيا، و فهمت في ضمن هذا السوق أن المسابقة على وزن المساوقة، و حكمها سواء و ذلك لأن الأشياء لها مواطن و أحكامها بحسبها، و ليست هذه المسألة من مدركات العقل .
و من أغرب أحكام هذا العالم، و أعجبها أن العقل بحكمه ضرورة على العلة، أنها لا تكون معلولة لمن هي علة له، و لا المعلول سابق العلة، هذا حكم العقل السليم المستقيم لا خفاء فيه، بخلاف العلم التجلي فإنه يحكم أن العلة تكون معلولة لمن هي علة له، و المعلول سابق العلة، و ذلك لوحدة العين، و صاحب العقل يرمي هذا الذوق، و أرباب الوهم بالذوق منه فيه .
هذا هو جمع الأضداد الذي أشار إليه، و إلى تحققه وجه من وجوه الحق بقوله :
عرفت الله بجميع الأضداد، ثم تلا: "هُو الْأوّلُ و الْآخِرُ و الظّاهِرُ و الباطِنُ" [ الحديد: 3] .
و لا نقول بالاعتبارين لأنه سائغ في كل الأمور.
بل باعتبار واحد من عين واحدة، و نسبة واحدة، هذا هو الذوق الذي ذاقه أرباب الكشف و الشهود و المعتني الذي اعتنى بالقول بوحدة الوجود، هؤلاء القوم قد فارقوا المعقول، و لم تقيدهم العقول، هم الإلهيون حقا المحقّقون الذين حقّقهم الله بما أشهدهم صدقا .
قال تعالى: "و ما رميت إذْ رميت و لكِنّ اللّه رمى" [ الأنفال: 17] فأثبت، و نفي، و عرا و كسا حسبنا الله و كفى .
فإذا فهمت ما قلناه إن شئت قلت بالإيجاد، و الخلوة و التأثير، أو بالظهور و البروز و الإبراز، و الإظهار فلا مناقشة في الألفاظ .
قال تعالى: "يخْلقُ ما يشاءُ و يخْتارُ" [ القصص: 68]، "و على اللّهِ قصْدُ السّبيلِ" [ النحل: 9] .
( الحق تعالى) إنما قال: الحق، و لم يقل: الله إذ لا يطلب الحق إلا بالحق، فالأعيان لو لا ما تستحق أن تكون مظاهرا لما ظهر الحق فيها .
( أوجد ): أي أظهر العالم من العلم إلى العين . اعلم أن الخلق خلقان:
خلق تقدير و هو الذي يتقدّم الأمر الإلهي كما قدّمه في قوله تعالى: "ألا لهُ الخلْقُ و الْأمْرُ" [ الأعراف: 54] .
و خلق آخر بمعنى الإيجاد، و هو الذي يساوق الأمر الإلهي بالتكوين بين خلقين خلق تقدير، و خلق إيجاد، فمتعلق الأمر خلق الإيجاد، و متعلق خلق التقدير تعيين الوقت لإظهار عين الممكن، فيتوقف الأمر الإلهي عليه.
و هكذا تعلق علم الباري بها أزلا، فلا يوجدها إلا بصورة ما علمه في ثبوتها في حال الثبوت، فالأمر الإلهي يساوي الخلق الإيجادي في الوجود.
فعين قوله: كن عين قبول الكائن للتكوين فكان فالفاء للتعقيب، و ليس هنا تعقيب إلا في الرتبة، فافهم .
( العالم كله) العالم مأخوذ من العلامة، و هو عبارة عن كل ما سوى اللّه، و العوالم كثيرة جدا، و أمهاتها هي الحضرات الوجودية، و أول العوالم المتعينة من العماء عالم المثال المطلق، ثم عالم الرسم، ثم عالم القلم و اللوح، ثم عالم الطبيعة من حيث ظهور حكمها في الأجسام تحقيقي الهيولي و الجسم الكل، ثم العرش، ثم هكذا على الترتيب إلى أن ينتهي الأمر إلى الإنسان في عالم الدنيا، ثم عالم البرزخ، ثم عالم الحشر، ثم عالم جهنم، ثم عالم الجنان، ثم عالم الكثيب، ثم حضرة أحدية الجمع و الوجود الذي هو ينبوع جميع العوالم كلها، هكذا كاشفه صاحب الكشف الأتم، فافهم و الله الهادي و المفهم .
( العالم كله) العالم مأخوذ من العلامة، و هو عبارة عن كل ما سوى الله، و العوالم كثيرة جدا، و أمهاتها هي الحضرات الوجودية:
و أول العوالم المتعينة من العماء عالم المثال المطلق.
ثم عالم الرسم.
ثم عالم القلم و اللوح.
ثم عالم الطبيعة من حيث ظهور حكمها في الأجسام تحقيقي الهيولي .
و الجسم الكل.
ثم العرش.
ثم هكذا على الترتيب إلى أن ينتهي الأمر إلى الإنسان في عالم الدنيا.
ثم عالم البرزخ.
ثم عالم الحشر.
ثم عالم جهنم.
ثم عالم الجنان.
ثم عالم الكثيب.
ثم حضرة أحدية الجمع و الوجود الذي هو ينبوع جميع العوالم كلها.
قال الشيخ الأكبر قدس سره : ( لما شاء الحق سبحانه من حيث أسمائه الحسنى التي لا يبلغها الإحصاء أن يرى أعيانها وإن شئت قلت أن يرى عينه في كون جامع يحصر الأمر كله. لكونه متصفا بالوجود، و يظهر به سره إليه ).
قال الشارح: (فص حكمة إلهية في كلمة آدمية كل ملتقى العظمين) .
فص هكذا في اللغة، فهو عبارة عن ملتقى الحكم الإلهية المشتملة على قوسي الأحدية والواحدية، فالملتقى هو الوحدة الصرفة التي هي القلب المحمّدي و قلب كل نبي قبله، و الحكمة هي العلم بوضع الأشياء موضعها، و الإلهية هي مرتبة جامعة لجميع الأشياء، و الكلمة هي العين الفاضلة الجامعة الفاصلة المانعة كأعيان الأنبياء عليهم السلام، و الآدمية هي المنسوبة إلى آدم حقيقة الحقائق الإنسانية، و أراد رضي الله عنه بآدم وجود العالم الإنساني .
قال في الفصوص :
( لما شاء الحق من حيث أسمائه الحسنى التي لا يبلغها الإحصاء أن يرى أعيانها و إن شئت قلت أن يرى عينه في كون جامع ).
(لما شاء الحق ): أي لما نظر الحق سبحانه في حضرة غيب الذات، نظر تنزه في الكمال الذاتي المطلق الذي لا يتوقف ثبوته له على أمر خارجي إذ ما ثم يخرج عنه .
و بهذا صحّ الفناء الذاتي، فشاهد تعالى بالنظر المذكور على النحو المذكور، كمالا أخر مستحبا في غيب هويته غير الكمال الأول، و إذا رقيقة متصلة بين الكمالين اتصال تحبب تام، فكان ذلك الكمال الثاني هو الكمال الأسمائي من حيث النسبة الشهودية كمال الجلاء و استجلاء وعلم .
""إضافة المحقق : قال سيدي محمد وفا رضي الله عنه : الفناء هو اضمحلال كل متعرض متوهم لا ينتهي إلى غاية محققة، وحقيقته: صدق العدم الذاتي على كل موجود بالعرض في المجاز ،وغايته: صادق من العلم يمحق كل كاذب من الوهم وهو الهلاك الحقيقي. اهـ ""
إن هذا الكمال الأسمائي لا يظهر بدون الغير، فشاء ما شاء، و فعل ما أراد فالمشيئة عرش الذات.
"الكمال: التنزيه عن الصفات وآثارها. أي: عن كل ما يقيد ذات الموت، وحقيقته فيخرجها عن إطلاقها، صفة، وتجردها عن الاعتبارات مطلق إبقاؤها على الإطلاق الذاتي، والذي حكمه مع سائر القيود على السواء، وذلك هو الكمال الحقيقي، فافهم."
وإنما قلنا بالمشيئة لأنه لو كان العالم أعني وجوده لذات الحق لا للمشيئة لكان العالم مشاركا للحق في الوجود، و ليس كذلك فالمشيئة حكم لذات الحق أزلا و هي تطلب تأخر وجود العالم عن وجود الحق، فيصح حدوث العالم و ليس ذلك إلا بنسبة المشيئة و سبق العلم بوجوده، فكان وجود العالم مرجّحا على عدمه، و الوجود و المرجح ساوق الوجود الذاتي الذي لا يتصف بالترجيح في مرتبة العلم، فافهم .
و إنما قال رضي الله عنه: شاء، و لم يقل: أراد إشارة إلى أن التوجّه كان من مرتبة الذات من الفيض الأقدس، فإن المشيئة توجّه الذات نحو حقيقة الشيء كان ما كان، والإرادة تعلق بتخصيص تخصيص أحد الجائزين من طرفي الممكن أعني:
وجوده في مقام الألوهية، فالمشيئة عين الذات و عرشها.
و قد يكون متعلقها الإرادة إذا شاء أراد، و الإرادة من الصفات الموجبة للاسم المريد المقتضي للوجود و هي عرش الألوهية.
فالمشيئة أقدم و أعم من الإرادة، فقد تتعلق المشيئة بالإرادة التي تقتضي الوجود فتتعلق بالإيجاد، و قد تعلق بالمعدوم لبقائه على أصله، فمتعلق المشيئة العدم و الوجود بخلاف الإرادة، فإن متعلقها الوجود .
قال الله تعالى:"إنْ يشأْ يذْهِبْكُمْ أيُّها النّاسُ ويأتِ بآخرين وكان اللّهُ على لذك قدِيرًاً "[ النساء: 133] .
و قال تعالى في الإرادة: "إنّما أمْرهُ إذا أراد شيْئاً أنْ يقُول لهُ كُنْ فيكُونُ" [ يس: 82].
فلمّا كان المقام مقام الأقدم لا القديم، وتعلق. التوجّه بالأمر المعدوم.
فقال رضي الله عنه: لما شاء، فافهم .
وهنا مسألة في المشيئة في "غرائب الفتوحات" فأذكرها: فإنه رضي الله عنه ما كتب شيئا ولا ذكره إلا للاستمتاع والانتفاع .
فاعلم ان العدم يحكم على صور الممكنات بالذهاب والرجوع إليه رجوعا ذاتيا، فالممكنات بين إعدام من العدم وإيجاد من الواجب الموجود، فحكم العدم يتوجه على ما وجد من الصور، وحكم الإيجاد من واجب الوجود، يعطي الوجود.
فلمّا قال تعالى: "إنْ يشأْ يذْهِبْكُمْ و يأتِ بخلْقٍ جدِيدٍ" [ إبراهيم: 19]
من باب الإشارة إلى غوامض الأسرار لأولي الأفهام وهو أنه عين كل منعوت بحكم من وجود، و عدم و وجوب و إمكان و محال فما ثمة عين توصف بوصف، أو تحكم بحكم إلا و هو ذلك العين، و هذه مسألة تضمنها هذا المقام و لو لا ذلك ما ذكرنا .
قال رضي الله عنه في الباب الثالث و السبعين و ثلاثمائة: و ما تقدّم لهذا ذكر في كتاب " الفتوحات" غير هذا الموضع، و لن تراها في غيره إلا في الكتب المنزّلة من عند الله كالقرآن و غيره، و منها أخذناها بما رزقنا الله من الفهم في كلامه" انتهى كلامه رضي الله عنه .
و هنا مسألة أخرى أذكرها لك فإنها من الغرائب و هي أنه رضي الله عنه ذكر في الوصل الخامس من الخزائن من "الفتوحات " : وليس الحق بمحل للجواز لما يطلبه الجواز من الترجيح من المرجح . فمحال على الله الاختيار في المشيئة , لأنه محال عليه الجواز .
لأنه محال أن يكون لله مرجح يرجح له أمرا دون أمر فهو المرجح لذاته .
فالمشيئة أحدية التعلق لا اختيار فيها ولهذا لا يعقل الممكن أبدا إلا مرجحا .
إلا أن الحق من كونه غفورا أرسل ستره وحجابه بين بعض عباده وبين إحالة رجوع الحق إلى نفسه في غناه عن العالم . فقال في ذلك الستر : فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ. فافهم
فإذا قلنا: إن العلم تابع المعلوم و لا أثر للعلم في المعلوم، و المشيئة تابع للعلم، و الإرادة تابع المشيئة، بل عين المشيئة في الخارج، فيظهر رائحة الخير .
قال تعالى: "ما يبدّلُ القوْلُ لديّ " [ ق: 29] ما شاء الله كان، و المحال ليس بمشاء.
فكم يكن هذا القدير العزيز الحكيم، و الحكمة تمنع الحكيم أن يفعل بغير حكمة , وإلا لم يكن حكيما و هو حكيم عالم، فافهم الحق .
إنما قال رضي الله عنه: الحق، و لم يقل الله لأن المشيئة عرش الذات الحق من المقام الأقدم، و اللّه اسم المرتبة من مقام القديم وهي الألوهية، و عرشها الإرادة . قال تعالى: "فعّالٌ لما يريدُ " [ هود: 107]
"" الإرادة: وهي لوعة في القلب. يريد قدس سره: قلب من تنبه للنهوض بقدم حاله إلى وجهته العليا في الحق، وهي وجهة موليها، وهي مختاره الأصلي، ومستنده الغائي.""
وقد زاد قدس سره في معناها قيدا آخر، وهو قوله في الفتوحات المكية: « و يحول بينه وبين ما كان عليه مما يحجبه عن مقصوده». .
والإرادة في الحقيقة لا تتعلق دائما بالعدم، فإنها صفة تخصص أمرا إما بحصوله، أو وجوده.
كما قال تعالى وتقدس: "إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون" [يس: 82]. وشيئية المراد هنا شيئية الثبوت لا شيئية الوجود.
فإن قلت: قد تتعلق الإرادة موجود لمحوه، وإعدامه.
قلت: هذه مشيئة الإرادة. كما قال تعالى : "يمحوا الله ما يشاء ويثبت" [الرعد: 39] فلو تعلقت الإرادة بالموجود لتخصيص وجوده لزم تحصيل الحاصل.
فالمراد: حالة تعلق الإرادة به معدوم قطعا. فإن العقاب، وملذوذ وحده بالعذاب، حالة تعلق الإرادة به، وكان معدوما في حقه، فخصص ذلك بإرادته ليوجد في حقه، فإذا وجد، تعلقت إرادته باستمرار ما حصل، وهو معدوم إذ ذاك .
فالإرادة إن نشأت في القلب على مقتضى غلبة الحكم القلبي فيطلقونها ويريدون ما إرادة التمني سواء تعلقت بالمطالب العالية أن الدانية.
ولذلك قال : وهي يعني إرادة التمي منه، أي: من القلب يريدون بها أيضا.
إرادة الطبع: إن نشأت من القلب على مقتضى غلبة حكم النفس عليه ، فإنها إذن تحديد إلى شبح الطبيعة القاضي بإتيانه اللذات العاجلة والآجلة أيضا، كتقييد القلب مثلا في مناهج ارتقائه بلذات، مشاهدة نتائج الأحوال في الحال، أو نتائج الأعمال، بحكم المحازاة في المال.
آذاك قال : "و متعلقها الحظ النفسي فإن علة تقييد القلب هنالك وجود اللذة، ويطلقوها و يريدون بها: إرادة الحق"
إرادة الحق: إن نشأت من القلب، على مقتضى غلبة الحق عليه، سواء كان ذلك من أحكامه الظاهرة أو الباطنة، ومتعلقها الإخلاص، والقاضي بتحقيق توحيده الذاتي، وقطع تعلقها عن السوي، بل عن الأسماء من حيث كونها مشعرة بالكثرة المعقولة، بحسب نسب إحاطاتها.
ولهذا قال علي كرم الله وجهه: «وكمال الإخلاص له نفي الصفات عنه».
( من حيث أسمائه الحسنى) يعني: لما شاء من حيث الأسماء و اقتضائها يرى أنوار أسمائه المصونة، و أثار أسراره المكنونة المخزونة في المظهر الجامع كما سيجيئ لا من حيث الذات البحت، فإنها لا يضاف إليها شيء سوى الغنى عن العالمين، و كان ذلك: أي ما شاء بحركة حبية، و تنفس رحماني :
"كنت كنزا مخفيا، فأحببت أن أعرف، فخلقت الخلق لأعرف فتعرّفت بهم، فعرفوني".
أما الاسم في التحقيق، فهو التجلي المظهر لعين الممكن الثابتة في العلم، و لكن من حيث تعين ذلك التجلي المنبعث من الغيب المطلق في مرتبته، و التجلي من حيث تعينه اسم دال على الغيب المطلق الغير المتعين، و التسمية عبارة عن نفس دلالة الاسم على الأصل الذي تعين منه، و دلّ عليه، فافهم، إنه أصل عزيز شريف .
( التي لا يبلغها الإحصاء): أي باعتبار الجزيئات الظاهرة في كل آن، فإنها غير متناهية دنيا، أو آخرة، أو فيهما، و أمّا باعتبار الكليات والأمهات، فهي محصورة كما في الخبر الصحيح: " ومن أحصاها " الحديث خبر من صادق عن إمكان الإحصاء .
وهكذا إذا نظرت إلى العالم مفصّلا بحقائقه، ونسبه وجدته محصور الحقائق والنسب، معلوم المنازل و الرتب متناهي الأجناس بين متماثل ومختلف وذلك لأن الأسماء هكذا وهي صور الأسماء، فافهم .
إرادة الحق: إن نشأت من القلب، على مقتضى غلبة الحق عليه، سواء كان ذلك من أحكامه الظاهرة أو الباطنة، و متعلقها الإخلاص، و القاضي بتحقيق توحيده الذاتي، و قطع تعلقها عن السوى، بل عن الأسماء من حيث كونها مشعرة بالكثرة المعقولة، بحسب نسب إحاطاتها، ولهذا قال علي كرم الله وجهه: "و كمال الإخلاص له نفى الصفات عنه ".
( أن يرى أعيانها ): أي أعيان الأسماء الخارجية من العلم إلى العين و هي تعيناتها، و أمّا حقائقها التي عين كل فرد من أفراد العالم منها، فمظهر اسم من الأسماء، وعين من الأعيان، وأفرادها غير متناهية كالأسماء التي لا تحصى .
و أمّا قول الشارح القيصري رحمه الله: إن المراد من الأعيان الأعيان الثابتة، فليس بظاهر لأمرين:
أحدهما: أن الأعيان الثابتة كانت مربية له تعالى قبل مشيئة الخلق بلا أمر .
و الثاني: أنه ما مضى ذكر الأعيان الثابتة حتى يرجع الضمير إليه لا لفظا، ولا حكما، بل الصحيح الظاهر أن الضمير إلى الأسماء، فافهم .
( وإن شئت قلت ): أي إن شئت الترقي قلت، (أن يرى عينه ): أي ذاته فالأولى رؤية الكامل، والثانية رؤية الأكمل.
(في كون جامع) والجامع نعت إلهي، وهو الذي لم يخرج عنه معلوم أصلا لا حق، و لا خلق، و لا يمكن، و لا واجب، و لا محال، و هو حضرة لها الدوام و البقاء، و لا تعقل إلا جامعة وما لها أثر إلا الجمع، و ما تفرق إلا ليجتمع .
قال تعالى: "و ما تفرّق الّذِين أوتوا الكِتاب إلّا مِنْ بعْدِ ما جاءتْـهُمُ البيِّنةُ" [ البينة: 4]: أي الكتاب الجمعي .
بينة الفرق على الجمع الشاهد على عين العيان، فذلك هو عين الجمع و الوجود، و مقام السكوت و الخمود، فافهم .
فالكون الجامع هو جامع الضدين: أي العدم و الوجود، و الجمع و الفرق، و القدم و الحدوث، و الحقية و الخلقية و هو الإنسان الكلي الكامل لأنه برزخ بين الحق و العالم، فجمع طرفي الأضداد .
و من هذا المقام قال الخراز قدّس سره: عرفت الله بجمع الأضداد: أي ذوقا و وجدانا.
يشير إلى التحقيق بالصورة، بل الكون الجامع هو عين الضدين .
كما ذكر الشيخ رضي الله عنه عن شخص من أصحابه اسمه تاج الدين الأخلاطي أنه قال له حين سمع منه رضي الله عنه هذه الرواية: أي رواية الخراز.
فقال: هو عين الضدين معا و قول الخراز يوهم أن ثمة عينا ليست هي عين الضدين، لكنها تقبل الضدين معا و الأمر في نفسه ليس كذلك.
بل هو عين الضدين إذ لا عين زائدة، فالظاهر عين الباطن، و الأول عين الأخر، و كذلك الرّاد فيما نحن فيه أن الكامل كون جامع هو عين المجموع لا عين جامع للمجموع إذ لا عين زائدة قابلة جامعة، فافهم .
( يحصر الأمر كله ): أي أمر الأسماء الإلهية كلها، أو الأمر الإلهي ذاتا، و اسما، وصفة وإنابة.
و الأولى باعتبار العبارة الأولى، وهي أن يرى أعيانها.
والثانية باعتبار العبارة الثانية وهي أن يرى عينه لكونه متعلق بقوله يحصر: أي يحصر الأمر (لكونه) الكون الجامع (متصفا) بالوجود، و كل ما اتصف بالوجود دخل تحت حيطة الحصر، فانحصر الوجود الجامع كان ما كان، فافهم .
قال الشارح الشيخ عبد الرازق الكاشي قدّس سره: إن قوله: (لكونه) علة لرؤيته تعالى عينه في الكون الجامع .
و قال الشيخ عبد الرحمن الجامي: إن قوله: لكونه متعلق بقوله: يرى، على أنه علة مصححة للرؤية، فإن الشيء ما لم يكن موجودا لم يصح رؤيته، أطلق الكلام و لم يقيداه ، مع أن الشيخ الأكبر رضي الله عنه ذكر في هذه المسألة: إن شرط الرؤية إمكان الوجود لا الوجود .
و صرّح رضي الله عنه بهذه المسألة في الباب السادس و الأربعين من "الفتوحات":
و قال : فإنا لا نعلل الرؤية للأشياء أن يكون المرئي مستعدا لقبول تعلق الرؤية سواء كان معدوما، أو موجودا، أو كل ممكن مستعد للرؤية و الممكنات، و إن لم يتناهى فهي مرئية لله تعالى لا من حيث نسبة العلم، بل من نسبة أخرى تسمّى رؤية كانت ما كانت .
قال تعالى: "ألمْ يعْلمْ بأنّ اللّه يرى" [ العلق: 14] انتهى كلامه رضي الله عنه .
فصل العالم مدرك الله تعالى في حال عدمه
اعلم أن العالم مدرك الله تعالى في حال عدمه، فهو معدوم العين، مدرك لله تعالى، يراه فيوجد لنفوذ الاقتدار الإلهي فيه، ففيض الوجود العيني إنما وقع على تلك المربيات لله في حال عدمها، و إنها رؤية حقيقية لا شك فيها.
و لا يتصف الحق بأنه لم يكن يراه، بل لم يزل يراه، فمن قال بقدم العالم، قال بهذا الاعتبار، و من قال بحدوثه نظر إلى تغير العالم بعينه كنفسه في كل إن لم يكن له هذا الحال قبله، ثم كان فقال بالحدوث.
و من هنا تعلم أن علة رؤية الرأي الأشياء ليست كونها موجودة كما رأى العقلاء، فافهم، ذكره رضي الله عنه في"الفتوحات":
( و يظهر به) من باب الأفعال منصوبا بالعطف على قوله: إن يرى عينه: أي يظهر به: أي بعين العبد لا بالحق، فإنه من مقام قرب الفرائض، و الثاني مقام قرب النوافل فالأول للعالمين، و الثاني للعارفين .
( سره ): أي سره و حقيقته، فإنه سرّ الأسماء (إليه) إلى الكون الجامع الذي هو العبد الظاهر بصورة السيد و هو سر أن الله خلق آدم على صورته، فإن أراد أن يظهر رضي الله عنه حكمة المشيئة .
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : )فإن رؤية الشي ء نفسه بنفسه ما هي مثل رؤيته نفسه في أمر آخر يكون له كالمرآة فإنه تظهر له نفسه هي صورة يعطيها المحل المنظور فيه مما لم يكن يظهر له من غير وجود هذا المحل و لا تجليه له . وقد كان الحق سبحانه أوجد العالم كله وجود شبح مسوى لا روح فيه، فكان كمرآة غير مجلوة. ) .
و قال رضي الله عنه : )إن رؤية الشيء نفسه بنفسه ما هي مثل رؤية نفسه في أمر آخر(، هذا دفع اعتراض متوهم، و هو أن الله تعالى أزلي الذات، و أزلي الصفات، فكان بصيرا بذاته في الأزل و لا شيء معه، فكان يرى الأعيان في العدم في القدم .
فأجاب رضي الله عنه بأن له تعالى الرؤية، و لكن رؤية الشيء بنفسه كرؤية الحق الأعيان الثابتة في نفسه و ذاته في حضرة اتحاد العالم، و المعلوم، و العلم ليس كرؤية نفسه في أمر آخر. أي الذي يرى نفسه بنفسه في نفسه ليس مثل ما يرى نفسه في أمر آخر.
و إنما قال رضي الله عنه: (في أمر آخر)، و ما قال في الغير لأنه لا غير عنده، و لكن كأنه غيره من بعض الوجوه و التجلي ما خرج عن الأقدس الذاتي .
فحاصل كلامه رضي الله عنه: إن الرؤية قد تتعلق بالمعدوم في الخارج، و قد تتعلق بالموجود فيه، فإذا تعلقت بالموجود في الخارج تعلقت بحسبه، فإنها تابعة للمرئي كالعلم فإنه تابع للمعلوم مطلقا حقا أو خلقا، فافهم .
"" قال سيدي علي وفا رضي الله عنه : إذا أفادك الحق نفسه بكشفه وبيانه فحصلت لك رؤيته والتحقق به ، فإنما رآه و تحقق به نفسه التي أفادك إياها، فهو لا يراه إلا إياه، ولا يتحقق به سواه، و كل صديق لصادقه هو، يتحقق به ويراه، فنفاة الرؤية و مثبتوها على صواب كما سمعت، فافهم.
قال تعالى : " قُلْ يَاأَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ" [يونس: 108]، إنما يعني هنا أنا المستحق الأصيل إن عرفتم حقي الجميل الجليل، فافهم. ""
( يكون له ): أي أمر آخر يكون لذلك الشيء في الرؤية )كالمرآة( المصقولة الصحيحة المقابلة، فإنه يرى فيها بحسبها لا بحسب الرائي.
فإنه تظهر له : أي للشيء نفسه في صورة يعطيها: أي استعداد المرآة و هي المحل المنظور فيه و هو العالم، أو الإنسان الكامل، كالوجه يرى في المرآة بحسبها مختلفة كالاستطالة و الاستدارة و غيرهما مع وحدة الوجه الناظر فيها، و ما ذلك إلا لاختلاف الاستعدادات و القابليات في ذات المرآة .
( مما لم يكن يظهر له من غير وجود هذا المحل) الذي بمنزلة المرآة و المجلي، (و لا تجليه) عطف على يظهر: أي لا يظهر له و لا تجلى من غير هذا المحل، فلمّا كان الرائي هو الحق عبر عن التقابل و التواجه بالتجلي لاستلزامه العلم.
و الشعور بالمتجلي كما هو المصطلح: أي و لا يظهر تجليه: أي تجلي الحق له: أي للمحل من غير هذا الوجه، و هو الوجود الخارجي .
ذكر الشيخ عين القضاة قدّس سره في بعض تصانيفه عن شيخه الشيخ أحمد الغزالي: إن شيخه أبا بكر النسّاج قال في مناجاته: إلهي ما الحكمة في خلقي؟
فقال له: الحكمة في خلقك رؤيتي في مرآتك روحك، و محبتي في قلبك .
ذكره الشيخ عبد الرحمن الجامي قدّس سره في "النفحات" .
قال الشيخ الأكبر قدس سره: (و قد كان الحق أوجد العالم كله وجود شبح مسوّى لا روح فيه، فكان كمرآة غير مجلوّة) .
( و قد كان) اعلم أن لفظ كان يعطي التقييد الزماني، و ليس المراد هنا به ذلك و لا في الإلهيات، كما قال سبحانه: "و كان اللّهُ غفُورًاً رحِيماً" [ الفرقان: 70].
و إنما المراد به: الكون الذي هو الوجود، فتحقيق كان أنه حرف وجودي لا لفعل بطلب الزمان، و لهذا لم يرد ما يعتقدون علماء الرسوم، و لا كما قيل في قوله صلى الله عليه و سلم:" كان الله و لا شيء معه "الحديث.
و هو الآن كما كان زيادة مدرجة في الحديث ممن لا يلاحظ معنى كان في الإلهيات، و لا سيما في أمثال هذه المواضع، فلهذا أسماها و أخواتها بعض النحاة حروفا تعمل على الأفعال، و هي عند سيبويه حرف وجودي، و لو تخيل فيه الزمان لوجود التصرف من كان يكون، فهو كائن .
هذا الذي سقناه إنما هو على قول الولي إذا قال مثل هذا اللفظ.
أو نطق به من مقام ولايته لأن مقام المرتبة التي منها بعث رسولا، فإن الرسول إذا قال مثل هذا اللفظ في المعرفة بالله من مقامه الاختصاصي فلا كلام لنا فيه، و لا ينبغي لنا أن نشرع فيما ليس بذوق لنا .
و أمّا بلسان الولاية فنحن نترجم عنه بأعلى وجه يقتضيه حالها هذا غاية الولي في ذلك، فإذا عرفت أنه ليس المراد من لفظ كان معنى القبلية الزمانية، بل أنه أداة توصيل تدل على نسبة يحصل بها المقصود في نفس السامع .
فاعلم أنه رضي الله عنه يشير بقوله: قد كان إلى المساوقة لمن وقف عليها ألا يتقيد وجود الحق مع وجود العالم بين الإيجاد و المشيئة الأزلية، و إن كانت العبارة توهم بالمسابقة، و لكن ما يقول بها عقل، و لا يقدر على إقامة البرهان على ما ادّعاه.
و إنما قلنا بالمساوقة لأن الحقائق أعطت لمن وقف عليها أن لا يتقيد وجود الحق تعالى مع وجود العالم بقبلية، و لا معيّ ة و لا بعدية .
فإن هذه كلها أحكام الزمان، و أحكام الزمان في الإلهيات قد رمت به الحقائق في وجه القائل بها: اللهم إلا أن يقول للتوصيل، و التعميم إذ ليس كل أحد أعطي الكشف على حقائق الأمور.
فلا نقول من لسان الحقائق على ما هو الأمر عليه في نفسه أن العالم موجود بعد الحق، كما لا نقول أنه موجود قبل الحق، و لا مع الحق فإن الحق هو الذي أوجده من العدم هو فاعله و موجده و مخترعه، فلا قدم له مع الحق بجميع الوجوه من الوجوه.
و لكن نقول الحق موجود بذاته، و العالم موجود به تعالى في حال لا قبل، و لا بعد، و لا مع لأنها كلها علل، و المقام مقام التنزه عن الآفات و العلل، و أين أنت من أن الزمان مقدر حركة الفلك؟ و متى كان الفلك؟
و متى كان حركته حتى يعتبر مقدارها زمانا؟
و هو من عالم الحق، و كلامنا من فوق عالم الأمر .
فإن قال متوهّم، فمتى كان وجود العالم من وجود الحق؟
قلنا: السؤال عن متى سؤال عن زمان، و هو من عالم النسب، و عالم النسب من عالم الخلق، و هو مخلوق لله تعالى، فلا نحكم على ما فوقه .
فانظر كيف تسأل، و إياك أن تحجبك آلات التوصيل، و أدوات التفصيل عن تحقيق المعاني الصرفة التي لا يحتملها، أو إلى الحروف و الاصطلاحات، و لا تسعها قوالب الألفاظ، و ظروف العبارات .
و هكذا الأمر هنا في نفس الأمر، فإنه قال رضي الله عنه: لما شاء الحق تعالى، ثم قال: و كان الحق أوجد، و هما يطلبان التقدّم، و التأخّر، أو المعية، و مثل هذه وقع في التنزيل، و هو قوله: "و كان عرْشُهُ على الماءِ" [ هود: 7] .
حتى فهموا من هذا السوق قدمهما، فإذا تقرّر هذا، فقد تبين أن هذه الألفاظ الموهمة هي من الآيات المتشابهة الواجبة التأويل، و من أدوات التعليم و التفهيم و التوصيل، و ينبغي لكل عالم على حسب فهمه، و قوة نفوذه، وحدة بصيرته و بصره أن يفهم المعاني من وراء حجاب الألفاظ، و يغالط نفسه، و لا يغالط نفسه، فافهم .
فإن الأمر أنزه أن يعبر، و أعزّ من أن يشار إليه و يفسّر، و هنا سر آخر و هو من بعض محتملاته، و هو أنه ورد في الخبر الصحيح : " كان الله ولا شيء معه"
ثم أدرج فيه العارف، و قال: الآن كما كان: أي لم ترجع إليه من إيجاده العالم صفة لم يكن عليها أزلا، بل كان موصوفا لنفسه، و مسمّى قبل خلقه بالأسماء التي يدعونه بها.
فلما أراد وجود العالم، فانفعلت الحقيقة الكلية المسمّاة بالهباء التي هي بمنزلة طرح الجص للبناء ليفتح فيها ما يشاء من الصور و الأشكال، و هي أول موجود العالم، فتمددت تلك الحقيقة الجصية المطروحة بمدد و ممدد ذاتي و اقتضاء أصلي أشباحا و أشكالا و صورا بلا أرواح على الحسب التقدير السابق، و تفصيله القائم بنفس الموجد الحق سبحانه.
فإن علم العالم و قدره بعلمه، و علمه تابع للمعلوم، و المعلوم عين ذاته لأنه في مقام وحدة العلم و العالم و المعلوم، فافهم هذا المبهم، و لا تخف إن ما في الوجود غيره، و كل ما في الوجود مراتب التنزلات الإلهية .
أما ترى إشارة قوله سبحانه: "إنّما قوْلنا لشيْءٍ إذا أردناهُ أنْ نقُول لهُ كُنْ فيكُونُ" [ النحل: 40] إنه تعالى أثبت له نحو وجوده ليسمع، و يطيع خطاب كن فيكون، فالقول قديم، و ثبوت الشيء باعتبار عينه الثابتة أقدم، فافهم .
و تحقيق هذه المسألة للأعيان الثابتة في حال عدمها وجوديا علما بالنسبة إلى الحق، و خاليا بالنسبة إلى الإنسان الكامل المتحقق بالحق: أي بمرتبته.
فيقول الحق تعالى له : "كن فيكون" لسامع هذا الأمر الإلهي وجودا حسيا.
أي يتعلق به الحس في الوجود الحسي كما يتعلق به الخيال في الوجود الخيالي .
و هنا حارت الألباب هل الموصوف (بالوجود) المدرك بهذه الحواس هو العين الثابتة؟ أم لا؟ فافهم، ذكره رضي الله عنه في حضرة الخالق من "الفتوحات" :
و أيضا أن للممكن حضرية العدم، و الوجود عارض له، قال تعالى إشارة إلى هذه النكتة: "و آيةٌ لهُمُ اللّيْلُ نسْلخُ مِنْهُ النّهار" [ يس: 37]، فقدّم رتبة الليل الذي هو صورة العدم على رتبة النهار الذي هو صورة الوجود.
فحكم العدم يتوجّه على ما وجد من الصور العلمية في ثبوتها.
و حكم الإيجاد من واجب الوجود ما كان ما يكون بحسب اقتضاء الأعيان.
فالذي برز في الوجود من الصور هو علمه بالعالم، و علمه بالعالم عين علمه بنفسه، و علمه بنفسه كان أزلا أبدا .
لا عن عدم نعلمه بالعالم كذلك، فالعالم كذلك، و لكن تقدّم الحق تعالى لأنه صفة له و صفات الحق قديمة بقدمه، فافهم .
فإني أدرجت لك في هذا ملاك التصوف إن كنت صافيا، و فهمت في ضمن هذا السوق أن المسابقة على وزن المساوقة، و حكمها سواء و ذلك لأن الأشياء لها مواطن و أحكامها بحسبها، و ليست هذه المسألة من مدركات العقل .
و من أغرب أحكام هذا العالم، و أعجبها أن العقل بحكمه ضرورة على العلة، أنها لا تكون معلولة لمن هي علة له، و لا المعلول سابق العلة، هذا حكم العقل السليم المستقيم لا خفاء فيه، بخلاف العلم التجلي فإنه يحكم أن العلة تكون معلولة لمن هي علة له، و المعلول سابق العلة، و ذلك لوحدة العين، و صاحب العقل يرمي هذا الذوق، و أرباب الوهم بالذوق منه فيه .
هذا هو جمع الأضداد الذي أشار إليه، و إلى تحققه وجه من وجوه الحق بقوله :
عرفت الله بجميع الأضداد، ثم تلا: "هُو الْأوّلُ و الْآخِرُ و الظّاهِرُ و الباطِنُ" [ الحديد: 3] .
و لا نقول بالاعتبارين لأنه سائغ في كل الأمور.
بل باعتبار واحد من عين واحدة، و نسبة واحدة، هذا هو الذوق الذي ذاقه أرباب الكشف و الشهود و المعتني الذي اعتنى بالقول بوحدة الوجود، هؤلاء القوم قد فارقوا المعقول، و لم تقيدهم العقول، هم الإلهيون حقا المحقّقون الذين حقّقهم الله بما أشهدهم صدقا .
قال تعالى: "و ما رميت إذْ رميت و لكِنّ اللّه رمى" [ الأنفال: 17] فأثبت، و نفي، و عرا و كسا حسبنا الله و كفى .
فإذا فهمت ما قلناه إن شئت قلت بالإيجاد، و الخلوة و التأثير، أو بالظهور و البروز و الإبراز، و الإظهار فلا مناقشة في الألفاظ .
قال تعالى: "يخْلقُ ما يشاءُ و يخْتارُ" [ القصص: 68]، "و على اللّهِ قصْدُ السّبيلِ" [ النحل: 9] .
( الحق تعالى) إنما قال: الحق، و لم يقل: الله إذ لا يطلب الحق إلا بالحق، فالأعيان لو لا ما تستحق أن تكون مظاهرا لما ظهر الحق فيها .
( أوجد ): أي أظهر العالم من العلم إلى العين . اعلم أن الخلق خلقان:
خلق تقدير و هو الذي يتقدّم الأمر الإلهي كما قدّمه في قوله تعالى: "ألا لهُ الخلْقُ و الْأمْرُ" [ الأعراف: 54] .
و خلق آخر بمعنى الإيجاد، و هو الذي يساوق الأمر الإلهي بالتكوين بين خلقين خلق تقدير، و خلق إيجاد، فمتعلق الأمر خلق الإيجاد، و متعلق خلق التقدير تعيين الوقت لإظهار عين الممكن، فيتوقف الأمر الإلهي عليه.
و هكذا تعلق علم الباري بها أزلا، فلا يوجدها إلا بصورة ما علمه في ثبوتها في حال الثبوت، فالأمر الإلهي يساوي الخلق الإيجادي في الوجود.
فعين قوله: كن عين قبول الكائن للتكوين فكان فالفاء للتعقيب، و ليس هنا تعقيب إلا في الرتبة، فافهم .
( العالم كله) العالم مأخوذ من العلامة، و هو عبارة عن كل ما سوى اللّه، و العوالم كثيرة جدا، و أمهاتها هي الحضرات الوجودية، و أول العوالم المتعينة من العماء عالم المثال المطلق، ثم عالم الرسم، ثم عالم القلم و اللوح، ثم عالم الطبيعة من حيث ظهور حكمها في الأجسام تحقيقي الهيولي و الجسم الكل، ثم العرش، ثم هكذا على الترتيب إلى أن ينتهي الأمر إلى الإنسان في عالم الدنيا، ثم عالم البرزخ، ثم عالم الحشر، ثم عالم جهنم، ثم عالم الجنان، ثم عالم الكثيب، ثم حضرة أحدية الجمع و الوجود الذي هو ينبوع جميع العوالم كلها، هكذا كاشفه صاحب الكشف الأتم، فافهم و الله الهادي و المفهم .
( العالم كله) العالم مأخوذ من العلامة، و هو عبارة عن كل ما سوى الله، و العوالم كثيرة جدا، و أمهاتها هي الحضرات الوجودية:
و أول العوالم المتعينة من العماء عالم المثال المطلق.
ثم عالم الرسم.
ثم عالم القلم و اللوح.
ثم عالم الطبيعة من حيث ظهور حكمها في الأجسام تحقيقي الهيولي .
و الجسم الكل.
ثم العرش.
ثم هكذا على الترتيب إلى أن ينتهي الأمر إلى الإنسان في عالم الدنيا.
ثم عالم البرزخ.
ثم عالم الحشر.
ثم عالم جهنم.
ثم عالم الجنان.
ثم عالم الكثيب.
ثم حضرة أحدية الجمع و الوجود الذي هو ينبوع جميع العوالم كلها.
أمس في 17:10 من طرف Admin
» كتاب: الحب في الله ـ محمد غازي الجمل
أمس في 17:04 من طرف Admin
» كتاب "قطائف اللطائف من جواهر المعارف" - الجزء الأول ـ إعداد: غازي الجمل
أمس في 16:59 من طرف Admin
» كتاب "قطائف اللطائف من جواهر المعارف" - الجزء الثاني ـ إعداد: غازي الجمل
أمس في 16:57 من طرف Admin
» كتاب : الفتن ـ نعيم بن حماد المروزي
7/11/2024, 09:30 من طرف Admin
» مقال: مقدمات مهمة في التزكية وسبيلها (1) الشيخ عاطف عبدالمعز الفيومي
19/10/2024, 11:12 من طرف Admin
» مقال: مقدمات مهمة في التزكية وسبيلها (2) الشيخ عاطف عبدالمعز الفيومي
19/10/2024, 11:10 من طرف Admin
» مقال: مقدمات مهمة في التزكية وسبيلها (3) الشيخ عاطف عبدالمعز الفيومي
19/10/2024, 11:06 من طرف Admin
» كتاب: تحفة المشتاق: أربعون حديثا في التزكية والأخلاق ـ محب الدين علي بن محمود بن تقي المصري
19/10/2024, 11:00 من طرف Admin
» كتاب: روح الأرواح ـ ابن الجوزي
19/10/2024, 10:51 من طرف Admin
» كتاب: هدية المهديين ـ العالم يوسف اخي چلبي
19/10/2024, 09:54 من طرف Admin
» كتاب: نخبة اللآلي لشرح بدء الأمالي ـ محمد بن سليمان الحلبي الريحاوي
19/10/2024, 09:50 من طرف Admin
» كتاب: الحديقة الندية شرح الطريقة المحمدية - عبد الغني النابلسي ـ ج1
19/10/2024, 09:18 من طرف Admin
» كتاب: البريقة شرح الطريقة ـ لمحمد الخادمي ـ ج2
19/10/2024, 08:56 من طرف Admin
» كتاب: البريقة شرح الطريقة ـ لمحمد الخادمي ـ ج1
19/10/2024, 08:55 من طرف Admin