01 - فص حكمة إلهية في كلمة آدمية الجزء السادس عشر
قال الشيخ المصنف رضي الله عنه :
[وهو قوله تعالى: «يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء». فقوله اتقوا ربكم اجعلوا ما ظهر منكم وقاية لربكم، واجعلوا ما بطن منكم، وهو ربكم، وقاية لكم: فإن الأمر ذم وحمد: فكونوا وقايته في الذم واجعلوه وقايتكم في الحمد تكونوا أدباء عالمين.]
قال رضي الله عنه: أعظم الفتن التي أفتن الله تعالى بها الإنسان الكامل تعريفه إياه بأنه خلقه على الصورة ليرى هل يقف مع عبوديته؟
و سواء داء مكانه، أو يزهو الأجل مكانه، و مكانة صورته، فإنه تعالى ما أظهر الصورة المثلية في هذه النشأة على التشريف فقط، بل هي شرف وابتلاء، من ظهر يحكم الصورة على الكمال، أن يخرق حجاب سر الجمعية العامة الكبريائية حتى يشاهد ألوهية ربه دون ألوهيته، فقد حان الشرف بكلتا يديه، فإن الصورة الإلهية الكاملة لا يلحقها ذما بكل وجه .
وهذا هو أول قدم في الشريعة، فإن الشارع أول ما أتى به لا إله إلا الله، فلا يجيبه إلا من خرق سرّ الجمعية العامة الكبريائية منه، و بهذا ينتفي الاشتراك و يتبين أهل لا إله إلا الله على حسب رفع حجابهم، فمن الجماعة من يقولها ابتداءا من غير نظر و هو الإمام، و منهم من يقول معه بعد رؤية الدليل، فهذا جاهل بنفسه فإن لا إله إلا من مدركات العقل بالنور الإلهي توقفه على الدليل دليل على التقليد و فقد ذلك النور، و لكن قد يستعد بإجابته و لو بعد حين .
قال تعالى: "لا يسْتوي مِنْكُمْ منْ أنفق مِنْ قبْلِ الفتْحِ وقاتل أولئك أعْظمُ درجةً مِن الّذِين نأفقُوا مِنْ بعْدُ و قاتلوا وكُلًّا وعد اللّهُ الحُسْنى واللّهُ بما تعْملون خبيرٌ" [ الحديد: 10] فافهم .
و من نقض هذا المقام الكمالي خرج مع فرعون و النمرود، و كان في حقه مكرا إلهيا، من حيث لا يشعر فلهذا قال صلى الله عليه وسلم : "إنها في الآخرة مندمة" لما يتعين على صاحبها حقوقا، و قد جعلنا رعاة .
فقال صلى الله عليه و سلم : "كلكم راع و كلكم مسئول عن رعيته" .
فمن جمعت له الصورة بكمالها، وهو يخرق حجاب السر الجمعي كما قلناه آنفا، فلم يسأل فإن الله لا يسأل عما يفعل وهم يسألون، هذا كله إذا كانت الخلافة بالتجلي، أما إذا كانت الخلافة بالتعريف الإلهي فإن متعلقه السمع وهو خير، وهذا الأمر آخر، ولا كلامنا فيه، فافهم .
ثم نرجع و نقول فلما كان هذا الإمكان إمكان النقص والنسيان في الإنسان فيه أمره بالتقوى .
و قال عزّ و جل: "ومنْ يتّقِ اللّه يجْعلْ لهُ مخْرجاً " [ الطلاق: 2] .
حتى يخرج العبودة مخرج الألوهة علما و كشفا، و تجمع السيادة في عين العبودية، و العبودية في عين السيادة، يكون عبدا ربا خلقا حقا، فظهر بالأصالة بين الطرفين وهما طرفا نقيض، فجمع الضدين، بل يكون عين الضدين على صورة من أنشأه.
فإنه على الصورة، فإنه حينئذ رزقه الله علم الفرقان، ويقف بذاته على القرآن هذا هو استظهار القرآن، وهذا لباس التقوى لباسا يوارى سوءاتكم، وهذا أدب يلبسكم لباس الأدباء .
قال تعالى: " ذلك خيْـرٌ ذلك مِنْ آياتِ اللّهِ لعلّهُمْ يذّكّرون" [ الأعراف: 27] فالمتقي يتولى الله تعليمه، فلا تدخل في علمه شبهة و لا مراءا، و كمال هذا لمن أخا بين الإيمان والعيان، ويعمل بمقتضى الإيمان مع العيان، كما قيل في بيان العارف و تعريفه: إن لا يطغى نور معرفته نور درعه .
ورد في الخبر ما أشار به إلى هذا المقام صلى الله عليه و سلم : "إنما الإيمان بمنزلة القميص يقمصه الرجل مرة و ينزعه مرة أخرى". رواه الحكيم و ابن مردويه عن عتبة بن خالد بن معدان عن أبيه عن جده رضي الله عنه، فإنه يتقمّص به حين يتعمّل بالإيمان و ينزعه حين الكشف، و ما يجمعهما إلا الأقوياء، فافهم .
قال الشيخ رضي الله عنه: أنا الذي و آخيت بين الإيمان و العيان، و كمال هذا المقام ختم بالختمين .
أما ترى أنه صلى الله عليه و سلم وآله و سلم كان يحكمهم بالشاهدين، وهو عالم بحقيقة الأمر، وأشار إلى هذا بطرف خفي في قوله في حكاية مشهورة وهو : "لولا الإيمان لكان لي ولها أمر" رواه الطبراني عن ابن عباس .
و ورد في الحديث : " لو رجمت أحدا بغير بينة لرجمت هذه". رواه البخاري و مسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما ذكره في جمع الجوامع .
قال تعالى: "رّبكُمُ الّذِي خلقكُمْ مِنْ نفْسٍ واحِدةٍ" [ النساء: 1] وهى نفس آدم أبو البشر عليه السلام، يخاطب الحق ما تفزع منه .
قال تعالى: "وما أمْرنا إلّا واحِدةٌ" [ القمر: 50] وهى أمره .
و قال صلى الله عليه و سلم : "إنّ ربكم واحد كما إنّ أباكم واحد".
لما كان حواء عين آدم لأنه عين ضلعه، فما كان إلا أب واحد في صورتين مختلفتين كما هو التجلي في تكرار العدد، فعين حواء عين آدم انفصال اليمين عن الشمال و هو عين زيد .
و قال الله تعالى: "و رفع أبوْيهِ على العرْشِ" [ يوسف: 100] . سمّاها أبي و ليس أبوك إلا من أنت عنه .
و قال رضي الله عنه في الباب العاشر من "الفتوحات" في آدم، ثم فصل عنه أبا ثانيا، فافهم .
قال تعالى: "وخلق مِنْها زوْجها" [ النساء: 1] وهى حواء .
قال تعالى: "و مِنْ آياتهِ أنْ خلق لكُمْ مِنْ أنْـفُسِكُمْ أزواجاً لتسْكُنوا إليْها" [ الروم: 21] .
و ما أنشأ الله تعالى من كل شيء زوجين إلا ليعرف الله العالم بفضل نشأة الإنسان الكامل ليعلم أن فضله ليس بالجعل الكامل ليعلم أن فضله ليس بالجعل .
فإن الذي هو الإنسان الكامل ظهر به ازدواج من لا يقبل لذاته الازدواج ما هو بالجعل، فضمن الوجود الإنسان الكامل الظاهر بالصورة، فصار الصورة بالصورة روحين فخلق آدم علي صورته فظهر في الوجود صورتان متماثلتان كصورة الناظر في المرآة ما هي عينه و لا هي غيره و لكن حقيقة الجسم الصقيل أعطى ذلك، فافهم .
فإنه لب المعارف، فلمّا أراد سبحانه إيجاد التناسل و التوالد و النكاح الصوري في دار الدنيا للاستئناس فاستخرج من ضلع آدم عليه السلام من أقصره حواء عليهما السلام، فقصرت بذلك عن درجة الرجل، و للرجال .
قال تعالى: "و للرجالِ عليْهِنّ درجةٌ" [ البقرة: 228] و هي درجة التقدم و الكلية في رتبة الوجود، فما تلحق بهم أبدا .
قال تعالي عزّ و جل: " الرجالُ قوّامُون على النِّساءِ" [ النساء: 35] قيام الكل علي الجزء، وللقيوم درجة التقدم والشرف .
أمّا السرّ الذي خلق منها زوجها إلا من خارج، حتى لا يخرج الأمر منه أصلا، و يكون الأمر منه إليه كالأصل و غيره منه عليه حتى لا يستأنس بالغير، و هكذا الأمر في الأصل أنه ما أظهر عينا للغير حتى لا يكون للغير عين، فافهم .
هذا سرّ الحديث المشهور في الغيرة الإلهية أنه قال صلى الله عليه و سلم : "إنّ سعدا لغيور و أنا أغير منه و الله أغير مني" فالغيرة صفته كما قال، فافهم .
قال تعالى: ("وبثّ مِنْـهُما رجالًا كثيرًاً و نساءً") [ النساء: 1] فلمّا كان آدم نفسا واحدة و حواء خلقت منها فبثّ منهما، و أوجد، و نشر بنكاح صوري رجالا كثيرا و نساء .
قال تعالى: "فلا تعْلمُ نفْسٌ ما أخْفِي لهُمْ مِنْ قُـرِّة أعْينٍ" [ السجدة: 17] .
إنما أخّر النساء لتأخرها في الخلق و في الرتبة، يقال: نسأت الشيء إذا أخرته، ذكره في الصحاح و ذلك لأنها في مرتبة الانفعال، و لها التأخّر عن رتبة الفاعل.
وهكذا الأمر في العالم و إيجاده خلق في نفس واحدة، وهي نفس القلم الأعلى والروح الأعظم الأسنى وهو أول خلق إبداعي نفس النفس الكل وهي أول خلق انبعاثي كانبعاث حواء من آدم عليهما السلام في عالم الأجرام ليكون محلا للولادة المعنوية المحسوسة المشهودة لأهلها.
وكانت مما ألقي إليها من الإلقاء الأقدس الروحاني الطبيعة و الهباء جميعا، فكانت أول أم ولدت توأمين، كما كانت حواء عليها السلام.
فأول ما ألقت هو الطبيعة أخ وأخت لأب واحد وأم واحدة، فأنكح الطبيعة الهباء، كما كانت في أولاد آدم وحواء فولدت بينهما صورة الجسم الكل، وهو أول جسم ظهر في الوجود فكان أبوه الطبيعة و الهباء أمه.
وهي الهباء جوهرة مثبتة في جميع الصورة أثاثها، و ما من صورة إلا هي فيها، و إنما قلنا الذكور و الإناث، و أردنا الصورة الفاعلة و المنفعلة لأن الأمر لا يخلو من هاتين القوتين .
فأول الآباء العلوية معلوم: أي القلم الأعلى .
وأول الأمهات السفلية شبيه المعدوم الممكن، فهذا أب ساري الأبوة، و هذه أم سارية الأمومة.
والنكاح و الازدواج سار في كل شيء والأولاد والنتيجة دائمة أبدا دنيا و آخرة .
فالمولدات أمور مختلفة لا تنحصر أشخاصها الطبيعة و العنصرية أبدا لأن الله تعالى قد وصفها على أمزجة مختلفة لمعان مقصودة لا تحصل إلا بها، و إنا و إن كنا عن أصل واحد، و لكن جعلنا مختلفين لحكمة لا تخفى على الواقفين .
قال تعالى: "ولا يزالون مُخْتلِفِين" [ هود: 118] و لذلك خلقهم، فمنا الطيب و الخبيث الواسع و الضيق، نظم حضرة الشيخ رضي الله عنه شعر :
فالأصل فرد و الفروع كثيرة ...... فالحقّ أصل و الكيان فروع
فافهم .
وهكذا في المعاني في إنتاج العلوم إنما هو بمقدمتين موضوع التالي عين محمول المقدم، فإذا وقع بينهما نكاح معنوي وهو نسبة مخصوصة تعطي صحة النتيجة و حرية الأولاد كتكرار حد الوسط و غيره من شروط الصحة .
لقوله تعالى: "وتلك الْأمثالُ نضْربها للنّاسِ لعلّهُمْ يتفكّرُون" [ الحشر: 21] بل العالم كله بما فيه ضرب للأمثال للذين آمنوا ليعلموا منه أنه هو فجعله عليه، و أمرنا بالنظر فيه كذلك يضرب الله الأمثال للذين استجابوا لربهم، فإن قيل ما من شي ء في الوجود إلا و له استناد إلى الإلهيات، فإن العالم ظل و قوله تعالى: " ألمْ تر إلى ربِّك كيف مدّ الظِّلّ" [ الفرقان: 45] .
كما ورد في الخبر : "السلطان ظل الله في أرضه" .
و قال في هذا المعنى رضي الله عنه في الباب الرابع و الستين و ثلاثمائة في معرفة منزل السرّين: لم سمّي هذا المنزل منزل السرّين؟
وهو سرّ عجيب أن الشيء الواحد تثنية نفسه لا غيره في المحسوس و المعقول، فأمّا في المعقول فآدم ثناه ما فتح من ضلعه القصير من صورة حواء، فكان واحد في عينه فثناه نفسه و صار زوجا، و ليست سوى نفسه التي بها قيل فيه: إنه واحد .
وأمّا في المعقول فالألوهية ليست غير ذاته، و معقول الألوهية خلاف معقول كونه ذاتا، فثنت الألوهية ذات الحق تعالى و ليست سوى عينها فكانت في الحس من آدم و من ثناه من ذاته رجالا و نساءا على صورة الزوجين .
كذلك بثّ من ذات الحق و كونه إلها للعالم على صورة هذين المعقولين صور كثيرة، أسماء مؤثرة و أسماء متأثرة ذكورا و إناثا.
فالعالم لتوالد أجزائه على صور مؤثر و مؤثر فيه فاعل و منفعل، كما جرى في المحسوس فإن الله تعالى ما خلق من آدم و حواء عليهما السلام أرضا و سماءا، بل ما خلق منهما الأمثال في الصورة و الحكم لأن الأصل واحد و ما ثناه سوى نفسه و لا ظهرت كثرة إلا من عينه الواحدة.
فكان له كل شيء من العالم يدل على أنه واحد فإن الوجود بثّ منه صورا كثيرة، و هي نسب أحكام الأعيان و استعدادات الممكنات في عين الوجود الواحد.
والنسب هي صورة الحقائق الأسمائية الفاعلية التي كثرت من نكاحاتها المعنوية في الحقائق الكونية، و كثرت منها صور النسب الواقعة بلفظ النسب بفتحتين، و هو مشتق من النسبة، فافهم .
وبثّ نسبا مؤثرة و متأثرة ذكورا و إناثا، وهذه هي النسبة الإلهية التي يرفعها يوم القيامة كما ورد في الخبر الصحيح : "اليوم أضع نسبهم وأرفع نسبي"
وأمّا الإنسان الكامل من حيث طبيعته الحاضرة للمواليد كلها هو بمنزلة الأنثى لزوج معروف غير منكور.
وله ثلاث حالات معه قبول الولد و المخاض و الولادة.
فيعرف في كل نفس ما يلقي إليه فيه ربه و ما يخرج منه إلى ربه و ما فيه مما ألقي فيه من ربه، فإنه مأمور بمراقبة أحواله مع الله تعالى في هذه الثلاث المراتب، فالمحقق العارف يعرف زوجه و يعرف أنه بنكاح لا بسفاح بوليّ و شاهدين مع تلاوة:
"ولمْ يكُنْ لهُ كُفُوًاً أحدٌ" [ الإخلاص: 4] غيره فيعرف ما يلد و من يقتل ولده إذا ولد و من يربيه فلهذا السرّ : أي لأجل أنه أنثى لا يكون الكامل الفرد تحت الكامل لأن الفوقية للرجولية، و ليس فيهم رجل .
قال رضي الله عنه من هذا الذوق في بعض أشعاره يناجي فيها ربه :
إنا إناث لما فينا نولده فلنح ..... مد الله ما في الكون من رجل
فنسمّى هذه الطائفة بالأفراد فافهم .
فإن المعارف الإلهية على هذا النمط و الأسلوب لا نجدها في غير كتب الشيخ رضي الله عنه فقوله تعالى: "اتّـقُوا رّبكُمُ" [النساء:1] والاتقاء بمعنى جعل الشيء وقاية يندرج بها عن إصابة أسهم الحوادث و المكاره و الأسوأ، فلمّا ذكر رضي الله عنه التقوى يريد بيان التقوى، فإنها أقسام: تقوى الله، و تقوى النار، و تقوى الحدود .
وأمّا التقوى الذين نحن بصدد بيانها هي: تقوى الله، فاعلم أنار الله تعالى بصائرنا و أصلح لنا سرائرنا و خلص من الشبه أدلتنا أنه لما امتنّ الله علينا بالاسم الرحمن، فأخرجنا من الشر الذي هو العدم إلى الخير الذي هو الوجود، فينبغي أن لا ننسى أصلنا حتى لا ننسى فضله .
ورد في الخبر : "إنما يعرف الفضل لأهل الفضل أهل الفضل" رواه أنس .
فمن جهل بنفسه و نسى أصله فهو بالغير أجهل، و هذا داء ينبغي له دواء قبل الداء، كما هو عادة الحكماء الإلهيين، فكان الله حفظ صحة آدم قبل قيام العلة به من ألطف الطب و يسمّى هذا الفعل عند الأطباء: الاستظهار، و أمر الله تعالى بالتقوى .
كما ذكرناه أنزل الدواء قبل الداء، فمن تحسّى منه برئ بإذن الله، فأراد رضي الله عنه أن يذكر جنس الدواء، و يحرر أوزانها و يقرر أوقاتها، كما دأب الحكيم العليم .
فقال رضي الله عنه: اجعلوا: أي بالإسناد إليكم (ما ظهر منكم ) من الفواحش و المذام (وقاية لربكم) الذي هو باطنكم، كما فعل الأديب الإلهي إبراهيم عليه و على نبينا السلام حيث أسند المرض إلى نفسه .
وقال تعالى: "و إذا مرضْتُ فهُو يشْفِينِ" [ الشعراء: 80] .
( واجعلوا ما بطن منكم و هو ربكم وقاية لكم)
فإن ظاهركم خلق و باطنهم حق فاسد، و الخير كله من المحامد إلى باطنكم، كما جعلتم ظاهركم وقاية باطنكم في إسناد الشر، فاجعلوا باطنكم وقاية ظاهركم في إسناد الخير .
لما ورد في الخبر الصحيح أنّ الله تعالى يحب أن يمدح و في حديث طويل :
" وما من أحد أحب إليه المدح من الله من أجل ذلك وعد الجنة" رواه الحاكم في المستدرك عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه .
فالحق المحامد إليه، كما تلحق المذام إلى نفسك، كما هو فعل الأدباء، وهو قوله تعالى: "و إذا مرضْتُ فهُو يشْفِينِ" [ الشعراء: 80].
وإنما عرّفنا الله تعالى بأهل الأدب و حكى لنا حكايته عليه السلام حتى نتأدّب بآدابه تعليما لنا و تنبيها و تعظيما له و تنويها .
قال تعالى: "ثمّ أوحيْنا إليْك أنِ اتّبعْ مِلّة إبراهِيم حنيفاً " [ النحل: 123] فلهذا كان صلى الله عليه و سلم يقول في الأدعية المأثورة معلما لنا : "والخير كله بيديك و الشر ليس إليك" فافهم .
(فإن الأمر) الصادر منكم إمّا (ذم)، فهو لكم وأنكم سواد الوجه في الدّارين كل يشاكله عمله.
وإمّا (حمد)، له الحمد في الآخرة والأولى. ""
وأخيرا علم الخلق به صلى الله عليه وسلم أن الحمد لله على كل حال ما قيده بشيء حتى الأمر في جميع الأحوال سواء كان بواسطة أو بغير واسطة.
وإن شئت قلت في الجمع أو الفرق، فإن له عواقب الثناء وذلك لأن الحمد هو الثناء.
والثناء على قسمين:
ثناء عليه بما هو له كالثناء بالتسبيح،
وثناء عليه بما يكون منه و هو الشكر على من أسبغ النعماء و إلا لا .
والعبد و ما في يده لمولاه فلا يملك شيئا حتى يكون الحمد بما هو له، و لا يخرج منه شيئا، فإن خروج الشيء عن الشيء فرع أن يكون له شيء، وقد قلنا أنه ليس له من الأمر شيء، فالحمد لله كله له، فافهم .
(فكونوا وقايته في الذّم ) فتكونوا كالوقاية من أسنة المكاره وسنان اللسان، وأضيفوا كل مكروه إليكم فداءا له .
(و اجعلوه وقايتكم في الحمد ): أي ألحقوا الوجود و الخير كله إلى ربكم ليكون الخلاص لكم الخلاص من شرور الزهو والظهور.
قال تعالى: "لنْ ينال اللّه لحُومُها ولا دِماؤُها ولكِنْ ينالهُ التّـقْوى مِنْكُمْ" [ الحج: 37] فالظاهر متقي و الباطن متقي فالكل متقي و هو الكل أنه .
قال تعالى: "أهْلُ التّـقْوى وأهْلُ المغْفِرِة" [ المدثر: 56] هذا حقيقة أعوذ بك منك، فافهم .
( تكونوا أدباء عالمين ): أي تكونوا جامعين الخير كله، و جماع الخير أن تقف مواقفك و لا تتعدّى طورك، و لا تجعل بنفسك لله اسما وصفة، ولا تسمّيه إلا بما سمّاه نفسه و لا تضيف إليه إلا بما أضاف الله إلى نفسه و يكون معه على توفيق التوفيق، فما أسند إلى نفسه تسند إليها، فتسند الخير إليه كما أسنده إلى نفسه.
قال تعالى: "ما أصابك مِنْ حسنةٍ فمِن اللّهِ" [ النساء: 79] .
وقال تعالى في الشر: "وما أصابك مِنْ سيِّئةٍ فمِنْ نفْسِك" [ النساء: 79]
ثم قال: "قلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللّهِ" [ النساء: 78]: أي أن التعريف من عند الله، بأن هذا من عند الله و هذا شر من عنده تعالى .
ثم قال في حق من جهل هذه الأحكام و التعريف: "هؤلاءِ القوْم لا يكادُون يفقهُون حدِيثاً" [ النساء: 78].
أي ما حدّثتهم به فإني قلت : هذا من عند الله و هذا من النفس، فرفعت الإيهام واحتمال الإيهام، فلمّا قلت كل من عند الله، فعلم العالم بالله أني أريد الحكم، والإعلام بذلك أنه من عند الله لا عين الشر و السوء فإذا علمت هذا .
فاعلم أن الأديب ينقسم إلى أربعة أقسام في اصطلاح أهل الله رضي الله عنهم :
أدب الشريعة و هو الأدب الإلهي الذي يتولى الله تعليمه بالوحي و الإلهام و التعريف، و به أدب نبيه صلى الله عليه و سلم، و به أدّبنا نبيه صلى الله عليه و سلم، ومن هذا المقام قال صلى الله عليه و سلم : "إن الله أدبني فأحسن تأديبي" فهو المؤدّب .
وأدب الطريقة و الخدمة، فقد شرع ما كيفية المعاملة معه خاصة دون الخلق .
قال تعالى: "وما آتاكُمُ الرّسُولُ فخُذُوهُ وما نهاكُمْ عنْهُ فانتهُوا واتّـقُوا اللّه إنّ اللّه شدِيدُ العِقابِ" [ الحشر: 7] .
وقال صلى الله عليه و سلم : "اتبعوا ولا تبتدعوا فقد كفيتم". رواه ابن مسعود رضي الله عنه .
هذا من أحسن التأديب منه.
وأدب الحق هو: الأدب مع الحق في اتباعه حيث وجد و ظهر، فلو ظهر عند الأصغر سنا و رتبة فيتبعه و لا يأنفه و يقبله و لا يرده و لا يكون ممن قال تعالى: "و إذا قيل لهُ اتّقِ اللّه أخذتهُ العِزُّة بالِإثمِ" [ البقرة: . [206
وهذان القسمان لو كانا يدخلان في القسم الأول من وجه فإن أدب الشريعة كالأم و لو كان لهما بعض خصوصيات تختص بهما .
أدب الحقيقة و هو: ترك الأدب بفنائك عن نفسك و ردّك الأمر كله إلى الله، و الذي نحن بصدد بيانه أدب النبوّات على ذوق حكم النصوص و حكمها .
وهو أن لا يتعدى علمك في الأشياء علمه تعالى فيها، و هو الموافقة و إن أعطاك علمك خلاف ذلك، لا سيما فيما أضافه الحق إلى نفسه و إلى خلقه فأضفها إلى من أضافها الله.
وأنزل علمك لعلمه، فإنه العليم و أنت العالم، فلا ترجّح على علمه من حيث قيام الدليل لك على أنه لا فاعل إلا الله تعالى و في أدب الحقيقة .
قال تعالى: " بلْ للّهِ الْأمْرُ جمِيعاً " [ الرعد: 31] .
و قال تعالى: "قلْ إنّ الْأمر كُلّهُ للّهِ" [ آل عمران: 154] .
و قال تعالى: "ليس لك مِن الْأمْرِ شيْءٌ" [ آل عمران: 128] .
و قال تعالى: "قلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللّهِ" [ النساء: 78] .
و قال له موسى عليه السلام: "إنْ هِي إلّا فتْنتك" [ الأعراف: 155] .
وكما ورد عن الصدّيق الأكبر رضي الله عنه أنه قال: "الطبيب أمرضني" أسند المرض إلى الحق بخلاف ما فعل الخليل عليه السلام : "فأردْتُ أنْ أعِيبها" [ الكهف: 7] .
قال تعالى:" فأراد ربُّك أنْ يبْـلغا أشُدّهُما" [ الكهف: 82] .
فالتارك للأدب أديب من حيث الكشف و الشهور يعاين جريان المقادير قبل وقوعها.
كما قال: ما رأيت شيئا إلا و رأيت الله قبله، فنزل من الحق إلى الخلق .
فاعلم أن لله تعالى تجليين:
تجلّ نفسك عنك و عن أحكامك، فما يرى صاحب هذا التجليّ سوى الحق.
و تجلّ بنفيك معك و مع أحكامك، و من أحكامك ملازمة الأدب في الأخذ و العطاء.
فمثل هذا التجليّ أسأل الله ما دمت في دار التكليف فإذا انتقلت إلى غير هذا الموطن، فكن بحسب الموطن تكن أديبا و بأحكام المواطن عليما.
فإذا قمت في كل موطن باستحقاقه تحمدك المواطن، و المواطن شهداء عدل عند الله فإنها لا تشهد إلا بالصدق، و قد نصحتك فاعمل تكن أديبا فإن لكل موطن أدبا مختصا به، فكل وقت له حال بنطقه، و كل حال له معنى يحققه، فلا تخلط و كن من فصل الخطاب، و الله هو الهادي الوهاب عالمين بحقائق الأمور كما هي هي و آدابها .
قوله رضي الله عنه: عالمين حال أن تكوّنوا أدبا، حال كونكم عالمين بأن الأمر لله جميعا، فيدخلون في رحمته الواسعة التي قال فيها: "فسأكْتبها للّذِين يتّـقُون" [ الأعراف : 156].
.
قال الشيخ المصنف رضي الله عنه :
[وهو قوله تعالى: «يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء». فقوله اتقوا ربكم اجعلوا ما ظهر منكم وقاية لربكم، واجعلوا ما بطن منكم، وهو ربكم، وقاية لكم: فإن الأمر ذم وحمد: فكونوا وقايته في الذم واجعلوه وقايتكم في الحمد تكونوا أدباء عالمين.]
قال رضي الله عنه: أعظم الفتن التي أفتن الله تعالى بها الإنسان الكامل تعريفه إياه بأنه خلقه على الصورة ليرى هل يقف مع عبوديته؟
و سواء داء مكانه، أو يزهو الأجل مكانه، و مكانة صورته، فإنه تعالى ما أظهر الصورة المثلية في هذه النشأة على التشريف فقط، بل هي شرف وابتلاء، من ظهر يحكم الصورة على الكمال، أن يخرق حجاب سر الجمعية العامة الكبريائية حتى يشاهد ألوهية ربه دون ألوهيته، فقد حان الشرف بكلتا يديه، فإن الصورة الإلهية الكاملة لا يلحقها ذما بكل وجه .
وهذا هو أول قدم في الشريعة، فإن الشارع أول ما أتى به لا إله إلا الله، فلا يجيبه إلا من خرق سرّ الجمعية العامة الكبريائية منه، و بهذا ينتفي الاشتراك و يتبين أهل لا إله إلا الله على حسب رفع حجابهم، فمن الجماعة من يقولها ابتداءا من غير نظر و هو الإمام، و منهم من يقول معه بعد رؤية الدليل، فهذا جاهل بنفسه فإن لا إله إلا من مدركات العقل بالنور الإلهي توقفه على الدليل دليل على التقليد و فقد ذلك النور، و لكن قد يستعد بإجابته و لو بعد حين .
قال تعالى: "لا يسْتوي مِنْكُمْ منْ أنفق مِنْ قبْلِ الفتْحِ وقاتل أولئك أعْظمُ درجةً مِن الّذِين نأفقُوا مِنْ بعْدُ و قاتلوا وكُلًّا وعد اللّهُ الحُسْنى واللّهُ بما تعْملون خبيرٌ" [ الحديد: 10] فافهم .
و من نقض هذا المقام الكمالي خرج مع فرعون و النمرود، و كان في حقه مكرا إلهيا، من حيث لا يشعر فلهذا قال صلى الله عليه وسلم : "إنها في الآخرة مندمة" لما يتعين على صاحبها حقوقا، و قد جعلنا رعاة .
فقال صلى الله عليه و سلم : "كلكم راع و كلكم مسئول عن رعيته" .
فمن جمعت له الصورة بكمالها، وهو يخرق حجاب السر الجمعي كما قلناه آنفا، فلم يسأل فإن الله لا يسأل عما يفعل وهم يسألون، هذا كله إذا كانت الخلافة بالتجلي، أما إذا كانت الخلافة بالتعريف الإلهي فإن متعلقه السمع وهو خير، وهذا الأمر آخر، ولا كلامنا فيه، فافهم .
ثم نرجع و نقول فلما كان هذا الإمكان إمكان النقص والنسيان في الإنسان فيه أمره بالتقوى .
و قال عزّ و جل: "ومنْ يتّقِ اللّه يجْعلْ لهُ مخْرجاً " [ الطلاق: 2] .
حتى يخرج العبودة مخرج الألوهة علما و كشفا، و تجمع السيادة في عين العبودية، و العبودية في عين السيادة، يكون عبدا ربا خلقا حقا، فظهر بالأصالة بين الطرفين وهما طرفا نقيض، فجمع الضدين، بل يكون عين الضدين على صورة من أنشأه.
فإنه على الصورة، فإنه حينئذ رزقه الله علم الفرقان، ويقف بذاته على القرآن هذا هو استظهار القرآن، وهذا لباس التقوى لباسا يوارى سوءاتكم، وهذا أدب يلبسكم لباس الأدباء .
قال تعالى: " ذلك خيْـرٌ ذلك مِنْ آياتِ اللّهِ لعلّهُمْ يذّكّرون" [ الأعراف: 27] فالمتقي يتولى الله تعليمه، فلا تدخل في علمه شبهة و لا مراءا، و كمال هذا لمن أخا بين الإيمان والعيان، ويعمل بمقتضى الإيمان مع العيان، كما قيل في بيان العارف و تعريفه: إن لا يطغى نور معرفته نور درعه .
ورد في الخبر ما أشار به إلى هذا المقام صلى الله عليه و سلم : "إنما الإيمان بمنزلة القميص يقمصه الرجل مرة و ينزعه مرة أخرى". رواه الحكيم و ابن مردويه عن عتبة بن خالد بن معدان عن أبيه عن جده رضي الله عنه، فإنه يتقمّص به حين يتعمّل بالإيمان و ينزعه حين الكشف، و ما يجمعهما إلا الأقوياء، فافهم .
قال الشيخ رضي الله عنه: أنا الذي و آخيت بين الإيمان و العيان، و كمال هذا المقام ختم بالختمين .
أما ترى أنه صلى الله عليه و سلم وآله و سلم كان يحكمهم بالشاهدين، وهو عالم بحقيقة الأمر، وأشار إلى هذا بطرف خفي في قوله في حكاية مشهورة وهو : "لولا الإيمان لكان لي ولها أمر" رواه الطبراني عن ابن عباس .
و ورد في الحديث : " لو رجمت أحدا بغير بينة لرجمت هذه". رواه البخاري و مسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما ذكره في جمع الجوامع .
قال تعالى: "رّبكُمُ الّذِي خلقكُمْ مِنْ نفْسٍ واحِدةٍ" [ النساء: 1] وهى نفس آدم أبو البشر عليه السلام، يخاطب الحق ما تفزع منه .
قال تعالى: "وما أمْرنا إلّا واحِدةٌ" [ القمر: 50] وهى أمره .
و قال صلى الله عليه و سلم : "إنّ ربكم واحد كما إنّ أباكم واحد".
لما كان حواء عين آدم لأنه عين ضلعه، فما كان إلا أب واحد في صورتين مختلفتين كما هو التجلي في تكرار العدد، فعين حواء عين آدم انفصال اليمين عن الشمال و هو عين زيد .
و قال الله تعالى: "و رفع أبوْيهِ على العرْشِ" [ يوسف: 100] . سمّاها أبي و ليس أبوك إلا من أنت عنه .
و قال رضي الله عنه في الباب العاشر من "الفتوحات" في آدم، ثم فصل عنه أبا ثانيا، فافهم .
قال تعالى: "وخلق مِنْها زوْجها" [ النساء: 1] وهى حواء .
قال تعالى: "و مِنْ آياتهِ أنْ خلق لكُمْ مِنْ أنْـفُسِكُمْ أزواجاً لتسْكُنوا إليْها" [ الروم: 21] .
و ما أنشأ الله تعالى من كل شيء زوجين إلا ليعرف الله العالم بفضل نشأة الإنسان الكامل ليعلم أن فضله ليس بالجعل الكامل ليعلم أن فضله ليس بالجعل .
فإن الذي هو الإنسان الكامل ظهر به ازدواج من لا يقبل لذاته الازدواج ما هو بالجعل، فضمن الوجود الإنسان الكامل الظاهر بالصورة، فصار الصورة بالصورة روحين فخلق آدم علي صورته فظهر في الوجود صورتان متماثلتان كصورة الناظر في المرآة ما هي عينه و لا هي غيره و لكن حقيقة الجسم الصقيل أعطى ذلك، فافهم .
فإنه لب المعارف، فلمّا أراد سبحانه إيجاد التناسل و التوالد و النكاح الصوري في دار الدنيا للاستئناس فاستخرج من ضلع آدم عليه السلام من أقصره حواء عليهما السلام، فقصرت بذلك عن درجة الرجل، و للرجال .
قال تعالى: "و للرجالِ عليْهِنّ درجةٌ" [ البقرة: 228] و هي درجة التقدم و الكلية في رتبة الوجود، فما تلحق بهم أبدا .
قال تعالي عزّ و جل: " الرجالُ قوّامُون على النِّساءِ" [ النساء: 35] قيام الكل علي الجزء، وللقيوم درجة التقدم والشرف .
أمّا السرّ الذي خلق منها زوجها إلا من خارج، حتى لا يخرج الأمر منه أصلا، و يكون الأمر منه إليه كالأصل و غيره منه عليه حتى لا يستأنس بالغير، و هكذا الأمر في الأصل أنه ما أظهر عينا للغير حتى لا يكون للغير عين، فافهم .
هذا سرّ الحديث المشهور في الغيرة الإلهية أنه قال صلى الله عليه و سلم : "إنّ سعدا لغيور و أنا أغير منه و الله أغير مني" فالغيرة صفته كما قال، فافهم .
قال تعالى: ("وبثّ مِنْـهُما رجالًا كثيرًاً و نساءً") [ النساء: 1] فلمّا كان آدم نفسا واحدة و حواء خلقت منها فبثّ منهما، و أوجد، و نشر بنكاح صوري رجالا كثيرا و نساء .
قال تعالى: "فلا تعْلمُ نفْسٌ ما أخْفِي لهُمْ مِنْ قُـرِّة أعْينٍ" [ السجدة: 17] .
إنما أخّر النساء لتأخرها في الخلق و في الرتبة، يقال: نسأت الشيء إذا أخرته، ذكره في الصحاح و ذلك لأنها في مرتبة الانفعال، و لها التأخّر عن رتبة الفاعل.
وهكذا الأمر في العالم و إيجاده خلق في نفس واحدة، وهي نفس القلم الأعلى والروح الأعظم الأسنى وهو أول خلق إبداعي نفس النفس الكل وهي أول خلق انبعاثي كانبعاث حواء من آدم عليهما السلام في عالم الأجرام ليكون محلا للولادة المعنوية المحسوسة المشهودة لأهلها.
وكانت مما ألقي إليها من الإلقاء الأقدس الروحاني الطبيعة و الهباء جميعا، فكانت أول أم ولدت توأمين، كما كانت حواء عليها السلام.
فأول ما ألقت هو الطبيعة أخ وأخت لأب واحد وأم واحدة، فأنكح الطبيعة الهباء، كما كانت في أولاد آدم وحواء فولدت بينهما صورة الجسم الكل، وهو أول جسم ظهر في الوجود فكان أبوه الطبيعة و الهباء أمه.
وهي الهباء جوهرة مثبتة في جميع الصورة أثاثها، و ما من صورة إلا هي فيها، و إنما قلنا الذكور و الإناث، و أردنا الصورة الفاعلة و المنفعلة لأن الأمر لا يخلو من هاتين القوتين .
فأول الآباء العلوية معلوم: أي القلم الأعلى .
وأول الأمهات السفلية شبيه المعدوم الممكن، فهذا أب ساري الأبوة، و هذه أم سارية الأمومة.
والنكاح و الازدواج سار في كل شيء والأولاد والنتيجة دائمة أبدا دنيا و آخرة .
فالمولدات أمور مختلفة لا تنحصر أشخاصها الطبيعة و العنصرية أبدا لأن الله تعالى قد وصفها على أمزجة مختلفة لمعان مقصودة لا تحصل إلا بها، و إنا و إن كنا عن أصل واحد، و لكن جعلنا مختلفين لحكمة لا تخفى على الواقفين .
قال تعالى: "ولا يزالون مُخْتلِفِين" [ هود: 118] و لذلك خلقهم، فمنا الطيب و الخبيث الواسع و الضيق، نظم حضرة الشيخ رضي الله عنه شعر :
فالأصل فرد و الفروع كثيرة ...... فالحقّ أصل و الكيان فروع
فافهم .
وهكذا في المعاني في إنتاج العلوم إنما هو بمقدمتين موضوع التالي عين محمول المقدم، فإذا وقع بينهما نكاح معنوي وهو نسبة مخصوصة تعطي صحة النتيجة و حرية الأولاد كتكرار حد الوسط و غيره من شروط الصحة .
لقوله تعالى: "وتلك الْأمثالُ نضْربها للنّاسِ لعلّهُمْ يتفكّرُون" [ الحشر: 21] بل العالم كله بما فيه ضرب للأمثال للذين آمنوا ليعلموا منه أنه هو فجعله عليه، و أمرنا بالنظر فيه كذلك يضرب الله الأمثال للذين استجابوا لربهم، فإن قيل ما من شي ء في الوجود إلا و له استناد إلى الإلهيات، فإن العالم ظل و قوله تعالى: " ألمْ تر إلى ربِّك كيف مدّ الظِّلّ" [ الفرقان: 45] .
كما ورد في الخبر : "السلطان ظل الله في أرضه" .
و قال في هذا المعنى رضي الله عنه في الباب الرابع و الستين و ثلاثمائة في معرفة منزل السرّين: لم سمّي هذا المنزل منزل السرّين؟
وهو سرّ عجيب أن الشيء الواحد تثنية نفسه لا غيره في المحسوس و المعقول، فأمّا في المعقول فآدم ثناه ما فتح من ضلعه القصير من صورة حواء، فكان واحد في عينه فثناه نفسه و صار زوجا، و ليست سوى نفسه التي بها قيل فيه: إنه واحد .
وأمّا في المعقول فالألوهية ليست غير ذاته، و معقول الألوهية خلاف معقول كونه ذاتا، فثنت الألوهية ذات الحق تعالى و ليست سوى عينها فكانت في الحس من آدم و من ثناه من ذاته رجالا و نساءا على صورة الزوجين .
كذلك بثّ من ذات الحق و كونه إلها للعالم على صورة هذين المعقولين صور كثيرة، أسماء مؤثرة و أسماء متأثرة ذكورا و إناثا.
فالعالم لتوالد أجزائه على صور مؤثر و مؤثر فيه فاعل و منفعل، كما جرى في المحسوس فإن الله تعالى ما خلق من آدم و حواء عليهما السلام أرضا و سماءا، بل ما خلق منهما الأمثال في الصورة و الحكم لأن الأصل واحد و ما ثناه سوى نفسه و لا ظهرت كثرة إلا من عينه الواحدة.
فكان له كل شيء من العالم يدل على أنه واحد فإن الوجود بثّ منه صورا كثيرة، و هي نسب أحكام الأعيان و استعدادات الممكنات في عين الوجود الواحد.
والنسب هي صورة الحقائق الأسمائية الفاعلية التي كثرت من نكاحاتها المعنوية في الحقائق الكونية، و كثرت منها صور النسب الواقعة بلفظ النسب بفتحتين، و هو مشتق من النسبة، فافهم .
وبثّ نسبا مؤثرة و متأثرة ذكورا و إناثا، وهذه هي النسبة الإلهية التي يرفعها يوم القيامة كما ورد في الخبر الصحيح : "اليوم أضع نسبهم وأرفع نسبي"
وأمّا الإنسان الكامل من حيث طبيعته الحاضرة للمواليد كلها هو بمنزلة الأنثى لزوج معروف غير منكور.
وله ثلاث حالات معه قبول الولد و المخاض و الولادة.
فيعرف في كل نفس ما يلقي إليه فيه ربه و ما يخرج منه إلى ربه و ما فيه مما ألقي فيه من ربه، فإنه مأمور بمراقبة أحواله مع الله تعالى في هذه الثلاث المراتب، فالمحقق العارف يعرف زوجه و يعرف أنه بنكاح لا بسفاح بوليّ و شاهدين مع تلاوة:
"ولمْ يكُنْ لهُ كُفُوًاً أحدٌ" [ الإخلاص: 4] غيره فيعرف ما يلد و من يقتل ولده إذا ولد و من يربيه فلهذا السرّ : أي لأجل أنه أنثى لا يكون الكامل الفرد تحت الكامل لأن الفوقية للرجولية، و ليس فيهم رجل .
قال رضي الله عنه من هذا الذوق في بعض أشعاره يناجي فيها ربه :
إنا إناث لما فينا نولده فلنح ..... مد الله ما في الكون من رجل
فنسمّى هذه الطائفة بالأفراد فافهم .
فإن المعارف الإلهية على هذا النمط و الأسلوب لا نجدها في غير كتب الشيخ رضي الله عنه فقوله تعالى: "اتّـقُوا رّبكُمُ" [النساء:1] والاتقاء بمعنى جعل الشيء وقاية يندرج بها عن إصابة أسهم الحوادث و المكاره و الأسوأ، فلمّا ذكر رضي الله عنه التقوى يريد بيان التقوى، فإنها أقسام: تقوى الله، و تقوى النار، و تقوى الحدود .
وأمّا التقوى الذين نحن بصدد بيانها هي: تقوى الله، فاعلم أنار الله تعالى بصائرنا و أصلح لنا سرائرنا و خلص من الشبه أدلتنا أنه لما امتنّ الله علينا بالاسم الرحمن، فأخرجنا من الشر الذي هو العدم إلى الخير الذي هو الوجود، فينبغي أن لا ننسى أصلنا حتى لا ننسى فضله .
ورد في الخبر : "إنما يعرف الفضل لأهل الفضل أهل الفضل" رواه أنس .
فمن جهل بنفسه و نسى أصله فهو بالغير أجهل، و هذا داء ينبغي له دواء قبل الداء، كما هو عادة الحكماء الإلهيين، فكان الله حفظ صحة آدم قبل قيام العلة به من ألطف الطب و يسمّى هذا الفعل عند الأطباء: الاستظهار، و أمر الله تعالى بالتقوى .
كما ذكرناه أنزل الدواء قبل الداء، فمن تحسّى منه برئ بإذن الله، فأراد رضي الله عنه أن يذكر جنس الدواء، و يحرر أوزانها و يقرر أوقاتها، كما دأب الحكيم العليم .
فقال رضي الله عنه: اجعلوا: أي بالإسناد إليكم (ما ظهر منكم ) من الفواحش و المذام (وقاية لربكم) الذي هو باطنكم، كما فعل الأديب الإلهي إبراهيم عليه و على نبينا السلام حيث أسند المرض إلى نفسه .
وقال تعالى: "و إذا مرضْتُ فهُو يشْفِينِ" [ الشعراء: 80] .
( واجعلوا ما بطن منكم و هو ربكم وقاية لكم)
فإن ظاهركم خلق و باطنهم حق فاسد، و الخير كله من المحامد إلى باطنكم، كما جعلتم ظاهركم وقاية باطنكم في إسناد الشر، فاجعلوا باطنكم وقاية ظاهركم في إسناد الخير .
لما ورد في الخبر الصحيح أنّ الله تعالى يحب أن يمدح و في حديث طويل :
" وما من أحد أحب إليه المدح من الله من أجل ذلك وعد الجنة" رواه الحاكم في المستدرك عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه .
فالحق المحامد إليه، كما تلحق المذام إلى نفسك، كما هو فعل الأدباء، وهو قوله تعالى: "و إذا مرضْتُ فهُو يشْفِينِ" [ الشعراء: 80].
وإنما عرّفنا الله تعالى بأهل الأدب و حكى لنا حكايته عليه السلام حتى نتأدّب بآدابه تعليما لنا و تنبيها و تعظيما له و تنويها .
قال تعالى: "ثمّ أوحيْنا إليْك أنِ اتّبعْ مِلّة إبراهِيم حنيفاً " [ النحل: 123] فلهذا كان صلى الله عليه و سلم يقول في الأدعية المأثورة معلما لنا : "والخير كله بيديك و الشر ليس إليك" فافهم .
(فإن الأمر) الصادر منكم إمّا (ذم)، فهو لكم وأنكم سواد الوجه في الدّارين كل يشاكله عمله.
وإمّا (حمد)، له الحمد في الآخرة والأولى. ""
وأخيرا علم الخلق به صلى الله عليه وسلم أن الحمد لله على كل حال ما قيده بشيء حتى الأمر في جميع الأحوال سواء كان بواسطة أو بغير واسطة.
وإن شئت قلت في الجمع أو الفرق، فإن له عواقب الثناء وذلك لأن الحمد هو الثناء.
والثناء على قسمين:
ثناء عليه بما هو له كالثناء بالتسبيح،
وثناء عليه بما يكون منه و هو الشكر على من أسبغ النعماء و إلا لا .
والعبد و ما في يده لمولاه فلا يملك شيئا حتى يكون الحمد بما هو له، و لا يخرج منه شيئا، فإن خروج الشيء عن الشيء فرع أن يكون له شيء، وقد قلنا أنه ليس له من الأمر شيء، فالحمد لله كله له، فافهم .
(فكونوا وقايته في الذّم ) فتكونوا كالوقاية من أسنة المكاره وسنان اللسان، وأضيفوا كل مكروه إليكم فداءا له .
(و اجعلوه وقايتكم في الحمد ): أي ألحقوا الوجود و الخير كله إلى ربكم ليكون الخلاص لكم الخلاص من شرور الزهو والظهور.
قال تعالى: "لنْ ينال اللّه لحُومُها ولا دِماؤُها ولكِنْ ينالهُ التّـقْوى مِنْكُمْ" [ الحج: 37] فالظاهر متقي و الباطن متقي فالكل متقي و هو الكل أنه .
قال تعالى: "أهْلُ التّـقْوى وأهْلُ المغْفِرِة" [ المدثر: 56] هذا حقيقة أعوذ بك منك، فافهم .
( تكونوا أدباء عالمين ): أي تكونوا جامعين الخير كله، و جماع الخير أن تقف مواقفك و لا تتعدّى طورك، و لا تجعل بنفسك لله اسما وصفة، ولا تسمّيه إلا بما سمّاه نفسه و لا تضيف إليه إلا بما أضاف الله إلى نفسه و يكون معه على توفيق التوفيق، فما أسند إلى نفسه تسند إليها، فتسند الخير إليه كما أسنده إلى نفسه.
قال تعالى: "ما أصابك مِنْ حسنةٍ فمِن اللّهِ" [ النساء: 79] .
وقال تعالى في الشر: "وما أصابك مِنْ سيِّئةٍ فمِنْ نفْسِك" [ النساء: 79]
ثم قال: "قلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللّهِ" [ النساء: 78]: أي أن التعريف من عند الله، بأن هذا من عند الله و هذا شر من عنده تعالى .
ثم قال في حق من جهل هذه الأحكام و التعريف: "هؤلاءِ القوْم لا يكادُون يفقهُون حدِيثاً" [ النساء: 78].
أي ما حدّثتهم به فإني قلت : هذا من عند الله و هذا من النفس، فرفعت الإيهام واحتمال الإيهام، فلمّا قلت كل من عند الله، فعلم العالم بالله أني أريد الحكم، والإعلام بذلك أنه من عند الله لا عين الشر و السوء فإذا علمت هذا .
فاعلم أن الأديب ينقسم إلى أربعة أقسام في اصطلاح أهل الله رضي الله عنهم :
أدب الشريعة و هو الأدب الإلهي الذي يتولى الله تعليمه بالوحي و الإلهام و التعريف، و به أدب نبيه صلى الله عليه و سلم، و به أدّبنا نبيه صلى الله عليه و سلم، ومن هذا المقام قال صلى الله عليه و سلم : "إن الله أدبني فأحسن تأديبي" فهو المؤدّب .
وأدب الطريقة و الخدمة، فقد شرع ما كيفية المعاملة معه خاصة دون الخلق .
قال تعالى: "وما آتاكُمُ الرّسُولُ فخُذُوهُ وما نهاكُمْ عنْهُ فانتهُوا واتّـقُوا اللّه إنّ اللّه شدِيدُ العِقابِ" [ الحشر: 7] .
وقال صلى الله عليه و سلم : "اتبعوا ولا تبتدعوا فقد كفيتم". رواه ابن مسعود رضي الله عنه .
هذا من أحسن التأديب منه.
وأدب الحق هو: الأدب مع الحق في اتباعه حيث وجد و ظهر، فلو ظهر عند الأصغر سنا و رتبة فيتبعه و لا يأنفه و يقبله و لا يرده و لا يكون ممن قال تعالى: "و إذا قيل لهُ اتّقِ اللّه أخذتهُ العِزُّة بالِإثمِ" [ البقرة: . [206
وهذان القسمان لو كانا يدخلان في القسم الأول من وجه فإن أدب الشريعة كالأم و لو كان لهما بعض خصوصيات تختص بهما .
أدب الحقيقة و هو: ترك الأدب بفنائك عن نفسك و ردّك الأمر كله إلى الله، و الذي نحن بصدد بيانه أدب النبوّات على ذوق حكم النصوص و حكمها .
وهو أن لا يتعدى علمك في الأشياء علمه تعالى فيها، و هو الموافقة و إن أعطاك علمك خلاف ذلك، لا سيما فيما أضافه الحق إلى نفسه و إلى خلقه فأضفها إلى من أضافها الله.
وأنزل علمك لعلمه، فإنه العليم و أنت العالم، فلا ترجّح على علمه من حيث قيام الدليل لك على أنه لا فاعل إلا الله تعالى و في أدب الحقيقة .
قال تعالى: " بلْ للّهِ الْأمْرُ جمِيعاً " [ الرعد: 31] .
و قال تعالى: "قلْ إنّ الْأمر كُلّهُ للّهِ" [ آل عمران: 154] .
و قال تعالى: "ليس لك مِن الْأمْرِ شيْءٌ" [ آل عمران: 128] .
و قال تعالى: "قلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللّهِ" [ النساء: 78] .
و قال له موسى عليه السلام: "إنْ هِي إلّا فتْنتك" [ الأعراف: 155] .
وكما ورد عن الصدّيق الأكبر رضي الله عنه أنه قال: "الطبيب أمرضني" أسند المرض إلى الحق بخلاف ما فعل الخليل عليه السلام : "فأردْتُ أنْ أعِيبها" [ الكهف: 7] .
قال تعالى:" فأراد ربُّك أنْ يبْـلغا أشُدّهُما" [ الكهف: 82] .
فالتارك للأدب أديب من حيث الكشف و الشهور يعاين جريان المقادير قبل وقوعها.
كما قال: ما رأيت شيئا إلا و رأيت الله قبله، فنزل من الحق إلى الخلق .
فاعلم أن لله تعالى تجليين:
تجلّ نفسك عنك و عن أحكامك، فما يرى صاحب هذا التجليّ سوى الحق.
و تجلّ بنفيك معك و مع أحكامك، و من أحكامك ملازمة الأدب في الأخذ و العطاء.
فمثل هذا التجليّ أسأل الله ما دمت في دار التكليف فإذا انتقلت إلى غير هذا الموطن، فكن بحسب الموطن تكن أديبا و بأحكام المواطن عليما.
فإذا قمت في كل موطن باستحقاقه تحمدك المواطن، و المواطن شهداء عدل عند الله فإنها لا تشهد إلا بالصدق، و قد نصحتك فاعمل تكن أديبا فإن لكل موطن أدبا مختصا به، فكل وقت له حال بنطقه، و كل حال له معنى يحققه، فلا تخلط و كن من فصل الخطاب، و الله هو الهادي الوهاب عالمين بحقائق الأمور كما هي هي و آدابها .
قوله رضي الله عنه: عالمين حال أن تكوّنوا أدبا، حال كونكم عالمين بأن الأمر لله جميعا، فيدخلون في رحمته الواسعة التي قال فيها: "فسأكْتبها للّذِين يتّـقُون" [ الأعراف : 156].
.
أمس في 17:10 من طرف Admin
» كتاب: الحب في الله ـ محمد غازي الجمل
أمس في 17:04 من طرف Admin
» كتاب "قطائف اللطائف من جواهر المعارف" - الجزء الأول ـ إعداد: غازي الجمل
أمس في 16:59 من طرف Admin
» كتاب "قطائف اللطائف من جواهر المعارف" - الجزء الثاني ـ إعداد: غازي الجمل
أمس في 16:57 من طرف Admin
» كتاب : الفتن ـ نعيم بن حماد المروزي
7/11/2024, 09:30 من طرف Admin
» مقال: مقدمات مهمة في التزكية وسبيلها (1) الشيخ عاطف عبدالمعز الفيومي
19/10/2024, 11:12 من طرف Admin
» مقال: مقدمات مهمة في التزكية وسبيلها (2) الشيخ عاطف عبدالمعز الفيومي
19/10/2024, 11:10 من طرف Admin
» مقال: مقدمات مهمة في التزكية وسبيلها (3) الشيخ عاطف عبدالمعز الفيومي
19/10/2024, 11:06 من طرف Admin
» كتاب: تحفة المشتاق: أربعون حديثا في التزكية والأخلاق ـ محب الدين علي بن محمود بن تقي المصري
19/10/2024, 11:00 من طرف Admin
» كتاب: روح الأرواح ـ ابن الجوزي
19/10/2024, 10:51 من طرف Admin
» كتاب: هدية المهديين ـ العالم يوسف اخي چلبي
19/10/2024, 09:54 من طرف Admin
» كتاب: نخبة اللآلي لشرح بدء الأمالي ـ محمد بن سليمان الحلبي الريحاوي
19/10/2024, 09:50 من طرف Admin
» كتاب: الحديقة الندية شرح الطريقة المحمدية - عبد الغني النابلسي ـ ج1
19/10/2024, 09:18 من طرف Admin
» كتاب: البريقة شرح الطريقة ـ لمحمد الخادمي ـ ج2
19/10/2024, 08:56 من طرف Admin
» كتاب: البريقة شرح الطريقة ـ لمحمد الخادمي ـ ج1
19/10/2024, 08:55 من طرف Admin