لن تَصِلَ للحبيبِ حتى تكون أهلًا لذلك
كما أنَّ للدنيا أبناء من استند إليهم كَفَوْهُ، فكذلك للآخرة أبناء من استند إليهم أغنَوْه، ولا تقل: طلبنا فلم نجد. فلو طلبت بصدق لوجدت، وسبب عدم وجدانِك عدم استعدادك؛ فإن العروس لا تجلى على فاجر، فلو طلبت رؤية العروس لتركت الفجور، ولو تركت الفجور لرأيت الأولياء، والأولياء كثيرونَ لا ينقص عددهم ولا مددهم، ولو نقص واحد منهم لنقص نور النبوة.
إذا أحببت حبيبًا لم تَصِلْ إليه حتَّى تكون أهلًا للوصول إليه، ولن تكون أهلًا للوصول إليه حتى تطهر مِمَّا أنت فيه من الرذائل.
قال الشيخ أبو الحسن الشاذلي -رضي الله تعالى عنه-: «أولياء الله عرائس، والعرائس لا يراها المجرِمُون، إذا ثقلت عليك الطاعة والعبادة ولم تجد لها حلاوة في قلبك، وسهلت عليك المعصية وتجد لها حلاوة، فاعلم أنَّك لم تصدُق في توبتك، ليتَك أطعتَ مولاكَ كما يطيعك عبدك؛ فإنك تحبه ناهضًا في خدمتك دائمًا وأنت تجيء بالطاعة، وتطلب أن تفرغ منها مسرعًا كأنَّك تنقر بالمناقير، فيا ليت بصرًا نظرت به محاسن الغير عوضت عنه العمر، كم حصل لك الهوان بالوقوف على أبواب المخلوقين! وكم أهانوك وألا ترجع إلى مولاك!.
عن الشيخ مكين الدين الأسمر -رضي الله تعالى عنه- قال: رأيت في المنام حورية تقول: أنا لك وأنت لي. قال: فبقيت نحو شهرين أو ثلاثة لا أسمع لمخلوقٍ كلامًا إلا تقيَّأتُ لأجل طيب كلامها.
كفاكَ من الإدبار أن تفتح عينيك في هذه الدَّارِ. قال الله تعالى: ﴿وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ...﴾([1]).
قدر لك الصحة والمرض، والغناء والفقر، والفرح والحزن؛ حتى تعرفه بأوصافه.
من صَحِبَكَ يومًا أو يومين ولم يَرَ منكَ نفعًا تركَكَ وصحب غيرَك؛ وأنتَ تصحَبُ نفسَكَ أربعين سَنَةً ولم تَرَ منها نفعًا، فقل لها: ارجعي يا نفس إلى رضا ربِّك، طالما رافقتك في شهواتك.
فتبدَّلِي بعد البِطَالَةِ بالاشتغال بالله.
وبعد الكلام بالصمت.
وبعد الوقوف بالأبواب والحارات الجلوس بالخلوة.
وبعد الأنس بالمخلوقين الأنس بالخالق.
وبعد قرناء السوء بمعاشرة أهل الخير والصلاح.
اجعل أحوالَكَ على ضِدِّ ما كنتَ عليه.
اجعل بَدَلَ السهر في معصية الله السهر في طاعته.
وبعد الإقبالِ على أهل الدنيا الإعراض عنهم والإقبال إلى الله تعالى.
وبعد الإصغاء لكلامهم الإصغاء والاستمتاع لكلام الله -عزَّ وجلَّ- وذكره.
وبعد الأكل بالشَّرَهِ والشَّهْوَةِ الأكل القليل الذي يعينك على الطاعة؛ قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا﴾([2]).
إنَّمَا عصى الله من لم يعرف عقابه، وإنَّما ترك طاعته من لم يعرف ثوابه، فلو اطَّلَعُوا على عذاب النار لما غَفَلُوا، ولو اطلعوا على ما أعدَّ الله لأهل الجنة لما تركوا الطاعة طرفة عين.
إذا صحِبْتَ أبناءَ الدنيا جَذَبُوك إليها، وإذا صحبت أبناء الآخرة جذبوك إلى الله تعالى.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يحشر المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل».
كما تختار لنفسك المآكل الطيبة التي لا ضَرَرَ فيها، والزوجة الحسنة لتتزوجها، فكذلك لا توادد إلَّا من يعرفك الطريق إلى الله تعالى.
واعلم أن لك ثلاثة أخِلَّاءَ:
أحدها: المال تفقده عند الموت.
والثاني: العيال يتركونك عند القبر.
والثالث: عملك لا يفارقك أبدًا.
فاصحب من يدخل معك قبرك وتأنَس به، فالعاقل من عَقَلَ عن الله أوامره ونواهيه.
مثالك كالجُعْلِ يعيش في الرَّوَثِ والعذرة، وإذا قُرِّبَ إليه الوَرْدُ مات من رائحته، فمن الناس من هو جُعْلِيُّ الهمة فَرَاشيُّ العقل؛ فإن الفَرَاش لا يزال يرمي نفسه في النار حتى تحرقه، فكذلك أنت ترمي نفسك في نار المعصية عمدًا.
فلو أردتَ المسير إلى الله تعالى لشددت المحزم فأين الهمة؟ إنَّمَا تأكُلُ لتَعِيشَ وتعيش لتأكل، فإن فعلت ذلك فمثلك على المَذاود([3]) كثير، ومثلك في الدواب كثير، فإن فعلت ذلك فإن أسبقَ الخيل ما ضُمِّر([4]).
تقول: هذه الليلة أقلل الأكل. فإذا حضر الطعام فكأنه حبيبٌ مفارقٌ، ومن لم يرد الله صلاحه تعبت فيه الأقاويل، قال الله تعالى: ﴿وَمَنْ يُرِدِ اللهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللهِ شَيْئًا﴾([5])، ما أهربك من الهوان! وما أوقعك فيه! تهين نفسك وتلقيها في مواطن الرَّدَى! قال بعضهم: كن مع الله كالطفل مع أمِّه كلما دفعته ترامى عليها لا يعرف غيرها.
([1]) الآية [131]، من سورة طه وتمامها: ﴿وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى﴾ الآية.
([2]) من الآية [69]، آخر سورة العنكبوت وتمامها ﴿وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ المُحْسِنِينَ﴾ الآية.
([3]) أماكن شرب الدواب وأكلها.
([4]) التضمير هو أن تحبس الخيل وتُخْلَى عن ترائبها، تمنع من الطعام الكثير حتى تشتد وتستد وتُعَدُّ بذلك للجري والسباق فتحرز المراد منها، فيشير بذلك المصنف إلى التقلل من الزاد في الدنيا ليسبق الإنسان في الآخرة.
([5]) من الآية [41]، من سورة المائدة وتمامها: ﴿وَمَنْ يُرِدِ اللهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللهِ شَيْئًا أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآَخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ الآية.
كما أنَّ للدنيا أبناء من استند إليهم كَفَوْهُ، فكذلك للآخرة أبناء من استند إليهم أغنَوْه، ولا تقل: طلبنا فلم نجد. فلو طلبت بصدق لوجدت، وسبب عدم وجدانِك عدم استعدادك؛ فإن العروس لا تجلى على فاجر، فلو طلبت رؤية العروس لتركت الفجور، ولو تركت الفجور لرأيت الأولياء، والأولياء كثيرونَ لا ينقص عددهم ولا مددهم، ولو نقص واحد منهم لنقص نور النبوة.
إذا أحببت حبيبًا لم تَصِلْ إليه حتَّى تكون أهلًا للوصول إليه، ولن تكون أهلًا للوصول إليه حتى تطهر مِمَّا أنت فيه من الرذائل.
قال الشيخ أبو الحسن الشاذلي -رضي الله تعالى عنه-: «أولياء الله عرائس، والعرائس لا يراها المجرِمُون، إذا ثقلت عليك الطاعة والعبادة ولم تجد لها حلاوة في قلبك، وسهلت عليك المعصية وتجد لها حلاوة، فاعلم أنَّك لم تصدُق في توبتك، ليتَك أطعتَ مولاكَ كما يطيعك عبدك؛ فإنك تحبه ناهضًا في خدمتك دائمًا وأنت تجيء بالطاعة، وتطلب أن تفرغ منها مسرعًا كأنَّك تنقر بالمناقير، فيا ليت بصرًا نظرت به محاسن الغير عوضت عنه العمر، كم حصل لك الهوان بالوقوف على أبواب المخلوقين! وكم أهانوك وألا ترجع إلى مولاك!.
عن الشيخ مكين الدين الأسمر -رضي الله تعالى عنه- قال: رأيت في المنام حورية تقول: أنا لك وأنت لي. قال: فبقيت نحو شهرين أو ثلاثة لا أسمع لمخلوقٍ كلامًا إلا تقيَّأتُ لأجل طيب كلامها.
كفاكَ من الإدبار أن تفتح عينيك في هذه الدَّارِ. قال الله تعالى: ﴿وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ...﴾([1]).
قدر لك الصحة والمرض، والغناء والفقر، والفرح والحزن؛ حتى تعرفه بأوصافه.
من صَحِبَكَ يومًا أو يومين ولم يَرَ منكَ نفعًا تركَكَ وصحب غيرَك؛ وأنتَ تصحَبُ نفسَكَ أربعين سَنَةً ولم تَرَ منها نفعًا، فقل لها: ارجعي يا نفس إلى رضا ربِّك، طالما رافقتك في شهواتك.
فتبدَّلِي بعد البِطَالَةِ بالاشتغال بالله.
وبعد الكلام بالصمت.
وبعد الوقوف بالأبواب والحارات الجلوس بالخلوة.
وبعد الأنس بالمخلوقين الأنس بالخالق.
وبعد قرناء السوء بمعاشرة أهل الخير والصلاح.
اجعل أحوالَكَ على ضِدِّ ما كنتَ عليه.
اجعل بَدَلَ السهر في معصية الله السهر في طاعته.
وبعد الإقبالِ على أهل الدنيا الإعراض عنهم والإقبال إلى الله تعالى.
وبعد الإصغاء لكلامهم الإصغاء والاستمتاع لكلام الله -عزَّ وجلَّ- وذكره.
وبعد الأكل بالشَّرَهِ والشَّهْوَةِ الأكل القليل الذي يعينك على الطاعة؛ قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا﴾([2]).
إنَّمَا عصى الله من لم يعرف عقابه، وإنَّما ترك طاعته من لم يعرف ثوابه، فلو اطَّلَعُوا على عذاب النار لما غَفَلُوا، ولو اطلعوا على ما أعدَّ الله لأهل الجنة لما تركوا الطاعة طرفة عين.
إذا صحِبْتَ أبناءَ الدنيا جَذَبُوك إليها، وإذا صحبت أبناء الآخرة جذبوك إلى الله تعالى.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يحشر المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل».
كما تختار لنفسك المآكل الطيبة التي لا ضَرَرَ فيها، والزوجة الحسنة لتتزوجها، فكذلك لا توادد إلَّا من يعرفك الطريق إلى الله تعالى.
واعلم أن لك ثلاثة أخِلَّاءَ:
أحدها: المال تفقده عند الموت.
والثاني: العيال يتركونك عند القبر.
والثالث: عملك لا يفارقك أبدًا.
فاصحب من يدخل معك قبرك وتأنَس به، فالعاقل من عَقَلَ عن الله أوامره ونواهيه.
مثالك كالجُعْلِ يعيش في الرَّوَثِ والعذرة، وإذا قُرِّبَ إليه الوَرْدُ مات من رائحته، فمن الناس من هو جُعْلِيُّ الهمة فَرَاشيُّ العقل؛ فإن الفَرَاش لا يزال يرمي نفسه في النار حتى تحرقه، فكذلك أنت ترمي نفسك في نار المعصية عمدًا.
فلو أردتَ المسير إلى الله تعالى لشددت المحزم فأين الهمة؟ إنَّمَا تأكُلُ لتَعِيشَ وتعيش لتأكل، فإن فعلت ذلك فمثلك على المَذاود([3]) كثير، ومثلك في الدواب كثير، فإن فعلت ذلك فإن أسبقَ الخيل ما ضُمِّر([4]).
تقول: هذه الليلة أقلل الأكل. فإذا حضر الطعام فكأنه حبيبٌ مفارقٌ، ومن لم يرد الله صلاحه تعبت فيه الأقاويل، قال الله تعالى: ﴿وَمَنْ يُرِدِ اللهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللهِ شَيْئًا﴾([5])، ما أهربك من الهوان! وما أوقعك فيه! تهين نفسك وتلقيها في مواطن الرَّدَى! قال بعضهم: كن مع الله كالطفل مع أمِّه كلما دفعته ترامى عليها لا يعرف غيرها.
([1]) الآية [131]، من سورة طه وتمامها: ﴿وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى﴾ الآية.
([2]) من الآية [69]، آخر سورة العنكبوت وتمامها ﴿وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ المُحْسِنِينَ﴾ الآية.
([3]) أماكن شرب الدواب وأكلها.
([4]) التضمير هو أن تحبس الخيل وتُخْلَى عن ترائبها، تمنع من الطعام الكثير حتى تشتد وتستد وتُعَدُّ بذلك للجري والسباق فتحرز المراد منها، فيشير بذلك المصنف إلى التقلل من الزاد في الدنيا ليسبق الإنسان في الآخرة.
([5]) من الآية [41]، من سورة المائدة وتمامها: ﴿وَمَنْ يُرِدِ اللهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللهِ شَيْئًا أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآَخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ الآية.
20/11/2024, 22:49 من طرف Admin
» كتاب مواعظ الإمام زين العابدين ـ صالح أحمد الشامي
18/11/2024, 23:30 من طرف Admin
» كتاب إتحاف النفوس بنفحات القدوس ـ عبد القدوس بن أسامة السامرائي
18/11/2024, 23:25 من طرف Admin
» كتاب الإعلام بفضل الصلاة على النبي والسلام ـ محمد بن عبد الرحمن بن علي النميري
18/11/2024, 23:20 من طرف Admin
» كتاب الغيب ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:08 من طرف Admin
» كتاب الشيطان والإنسان ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:03 من طرف Admin
» كتاب الشعراوي هنا رأيت سيدنا إبراهيم ـ سعيد أبو العنين
18/11/2024, 23:01 من طرف Admin
» كتاب الخير والشر ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:57 من طرف Admin
» كتاب التربية في مدرسة النبوة ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:55 من طرف Admin
» كتاب: إرشاد العباد إلى سبل الرشاد ـ للملبباري
18/11/2024, 22:41 من طرف Admin
» ـ كتاب آداب الحسن البصري ـ أبن الجوزي
18/11/2024, 22:34 من طرف Admin
» كتاب الله والنفس البشرية ـ لمحمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:23 من طرف Admin
» كتاب: معرفة النفس طر يق لمعرفة الرب ـ أستاذ البصيرة عبدالوهاب حسن
18/11/2024, 22:21 من طرف Admin
» كتاب الطريق الي الله ـ الشيخ علي جمعة
18/11/2024, 21:50 من طرف Admin
» كتاب: كتاب النفس والجسد والروح ـ ابراهيم البلتاجي
18/11/2024, 21:38 من طرف Admin