الإسراء والمعراج تثبيت وثبات
أ.د. راغب السرجاني
ملخص المقال
بعد المعايشة مع قصة الإسراء والمعراج، تتجلى لنا قيمة عظيمة وهي قيمة الثبات على الدين، كيف كان ذلك؟ ومن أي المواقف نتفهمه؟الإسراء والمعراج تثبيت وثبات
كانت مرحلة مكة المكرمة بكل صعوباتها مجرَّد بداية لقصة الإسلام، وستأتي الأيام القادمة بصعوبات جديدة كبيرة؛ فإن المسلمين حتى هذه اللحظة ليست لهم دولة تؤويهم وتحفظ حقوقهم، وستكون هناك خطوات كثيرة شاقَّة كي تُقام هذه الدولة، وسيواجه رسول الله صلى الله عليه وسلم تحديات مرهقة للغاية، وستكون هناك معارك داخلية وخارجية متعدِّدة.. سيحاربه المنافقون والمشركون، وسيكيد له اليهود والنصارى، وسيسعى لهدم دولته الفرس والروم، وسيتعدَّى الناس عليه في أعزِّ ما يملك ويحب؛ حتى إن الأمر سيصل إلى التعدِّي عليه في أخصِّ خصوصيات بيته.. كل هذه التحديات تحتاج إلى تثبيت ودعم وتقوية ظهر، وكل هذا حصل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم في رحلة الإسراء والمعراج؛ بل حصل عليه المسلمون كلهم، ولا أعني المسلمين في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم فقط، بل إلى يوم القيامة!
فإنه ما من عبد مسلم يقرأ تفصيلات هذه الرحلة إلا ويستهين بكل الصعاب التي يمكن أن تُواجهه في الحياة؛ بل لعله يستعذب هذه الهموم والآلام ما دام أنها ستكون سببًا في إيصاله إلى ملكوت السموات، وسدرة المنتهى، وجنة المأوى، ولا أبالغ إن قلتُ: إن الذي يقرأ بتدبُّر ووعي تفاصيل القصة فإنه سيشتاق إلى الموت ويطلبه؛ لأن الموت صار هو الفاصل الوحيد بينه وبين العروج إلى السموات العلا؛ ولقد حرص رسول الله صلى الله عليه وسلم على إيصال هذا المعنى لنا، فحكى لنا قصة عروج روح المؤمن إلى السماء بعد موته، ومن العجيب أنها تُشبه إلى حدٍّ كبير قصة عروج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السموات! عَنْ أبي هريرة رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: "الْمَيِّتُ تَحْضُرُهُ الْمَلاَئِكَةُ، فَإِذَا كَانَ الرَّجُلُ صَالِحًا، قَالُوا: اخْرُجِي أَيَّتُهَا النَّفْسُ الطَّيِّبَةُ، كَانَتْ فِي الجَسَدِ الطَّيِّبِ، اخْرُجِي حَمِيدَةً، وَأَبْشِرِي بِرَوْحٍ وَرَيْحَانٍ، وَرَبٍّ غَيْرِ غَضْبَانَ، فَلاَ يَزَالُ يُقَالُ لَهَا ذَلِكَ حَتَّى تَخْرُجَ، ثُمَّ يُعْرَجُ بِهَا إِلَى السَّمَاءِ، فَيُفْتَحُ لَهَا، فَيُقَالُ: مَنْ هَذَا؟ فَيَقُولُونَ: فُلاَنٌ. فَيُقَالُ: مَرْحَبًا بِالنَّفْسِ الطَّيِّبَةِ، كَانَتْ فِي الجَسَدِ الطَّيِّبِ، ادْخُلِي حَمِيدَةً، وَأَبْشِرِي بِرَوْحٍ وَرَيْحَانٍ، وَرَبٍّ غَيْرِ غَضْبَانَ. فَلاَ يَزَالُ يُقَالُ لَهَا ذَلِكَ حَتَّى يُنْتَهَى بِهَا إِلَى السَّمَاءِ الَّتِي فِيهَا اللهُ عز وجل .." [1].
فهذه روح المؤمن تعرج -كما عرج رسول الله صلى الله عليه وسلم- إلى السموات، وها هي تُفتح لها الأبواب التي فُتحت له صلى الله عليه وسلم، وها هم الملائكة يُسَلِّمون عليه، ويُرَحِّبون به، ثم ها هو رسول الله صلى الله عليه وسلم يستخدم كلمة "العروج" في حديثه؛ وذلك لكي يربط بين ما حدث له في معراجه، وما يحدث لروح المؤمن بعد موته، وفي رواية أخرى وصف رحلة روح المؤمن بأوصاف تكاد تتطابق مع رحلة المعراج الخاصَّة به صلى الله عليه وسلم، فقال: "فَيَصْعَدُونَ بِهَا -أي الروح المؤمنة- فَلاَ يَمُرُّونَ -يَعْنِي بِهَا- عَلَى مَلإٍ مِنَ الْمَلاَئِكَةِ، إِلاَّ قَالُوا: مَا هَذَا الرُّوحُ الطَّيِّبُ؟ فَيَقُولُونَ: فُلاَنُ بْنُ فُلاَنٍ. بِأَحْسَنِ أَسْمَائِهِ الَّتِي كَانُوا يُسَمُّونَهُ بِهَا فِي الدُّنْيَا، حَتَّى يَنْتَهُوا بِهَا إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، فَيَسْتَفْتِحُونَ لَهُ، فَيُفْتَحُ لَهُمْ فَيُشَيِّعُهُ مِنْ كُلِّ سَمَاءٍ مُقَرَّبُوهَا إِلَى السَّمَاءِ الَّتِي تَلِيهَا، حَتَّى يُنْتَهَى بِهِ إِلَى السَّمَاءِ السَّابِعَةِ، فَيَقُولُ اللهُ عز وجل: اكْتُبُوا كِتَابَ عَبْدِي فِي عِلِّيِّينَ، وَأَعِيدُوهُ إِلَى الأَرْضِ، فَإِنِّي مِنْهَا خَلَقْتُهُمْ، وَفِيهَا أُعِيدُهُمْ، وَمِنْهَا أُخْرِجُهُمْ تَارَةً أُخْرَى" [2].
ففي هذه الرواية نرى الملائكة تُنادي العبد المؤمن بأحب الأسماء إليه، ونرى الملائكة التي تحمل الروح تستفتح أبواب السماء، ونرى الروح تبدأ رحلتها من السماء الدنيا وتنتهي بالسابعة، وللروح مواقف مع أهل كل سماء، فإن الملائكة المقرَّبين من كل سماء يُرافقونها ويُشيعونها، وفي السماء السابعة تسمع الروح كلام الله تعالى، والبشرى بكتابة اسم المؤمن في عليين!
إن الذي يعرف كل ذلك لا بُدَّ أن يشتاق إلى الموت؛ ولذلك كانت أمنية الرسول صلى الله عليه وسلم أن يموت؛ بل أن يُقْتَل! لأن هذا يُرضي الربَّ أكثر! قال رسول الله صلى الله عليه وسلم -كما روى أبو هريرة رضي الله عنه: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْلاَ أَنَّ رِجَالاً مِنَ المُؤْمِنِينَ لاَ تَطِيبُ أَنْفُسُهُمْ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنِّي، وَلاَ أَجِدُ مَا أَحْمِلُهُمْ عَلَيْهِ مَا تَخَلَّفْتُ عَنْ سَرِيَّةٍ تَغْزُو فِي سَبِيلِ اللهِ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوَدِدْتُ أَنِّي أُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللهِ، ثُمَّ أُحْيَا، ثُمَّ أُقْتَلُ، ثُمَّ أُحْيَا، ثُمَّ أُقْتَلُ، ثُمَّ أُحْيَا، ثُمَّ أُقْتَلُ" [3].
وهكذا عندما جاءته الفرصة أن يختار حقيقةً بين الموت والحياة اختار الموت بلا تردُّد! قالت عائشة رضي الله عنها زَوْجُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ وَهُوَ صَحِيحٌ: "إِنَّهُ لَمْ يُقْبَضْ نَبِيٌّ قَطُّ حَتَّى يُرَى مَقْعَدُهُ فِي الجَنَّةِ ثُمَّ يُخَيَّرُ". قالت عائشة رضي الله عنها: فَلَمَّا نَزَلَ بِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَرَأْسُهُ عَلَى فَخِذِي غُشِيَ عَلَيْهِ سَاعَةً، ثُمَّ أَفَاقَ فَأَشْخَصَ بَصَرَهُ إِلَى السَّقْفِ، ثُمَّ قَالَ: "اللَّهُمَّ الرَّفِيقَ الأَعْلَى"، قَالَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها: قُلْتُ: إِذًا لاَ يَخْتَارُنَا. قَالَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها: وَعَرَفْتُ الْحَدِيثَ الَّذِي كَانَ يُحَدِّثُنَا بِهِ وَهُوَ صَحِيحٌ فِي قَوْلِهِ: "إِنَّهُ لَمْ يُقْبَضْ نَبِيٌّ قَطُّ حَتَّى يَرَى مَقْعَدَهُ مِنَ الجَنَّةِ، ثُمَّ يُخَيَّرُ". قَالَتْ عَائِشَةُ لرضي الله عنها: فَكَانَتْ تِلْكَ آخِرُ كَلِمَةٍ تَكَلَّمَ بِهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَوْلَهُ: "اللَّهُمَّ الرَّفِيقَ الأَعْلَى" [4]. هكذا كان الاختيار واضحًا لا حيرة فيه ولا تردُّد، وكيف يتردَّد مَنْ عاين بنفسه، وليس مَنْ رأى كمَنْ سمع!
ــــــــــــــــــــــــــ
[1] النسائي: كتاب التفسير، سورة الصافات (11442)، وابن ماجه (4262)، وأحمد (8754) وقال شعيب الأرناءوط: إسناده صحيح على شرط الشيخين. وصححه الألباني، انظر: صحيح سنن ابن ماجه 3/386.
[2] أحمد (18557)، وقال شعيب الأرناءوط: إسناده صحيح رجاله رجال الصحيح. وقال الهيثمي: هو في الصحيح وغيره باختصار. رواه أحمد، ورجاله رجال الصحيح. انظر: مجمع الزوائد ومنبع الفوائد 3/50، وصححه الألباني، انظر: صحيح الجامع (1676).
[3] البخاري: كتاب الجهاد والسير، باب تمني الشهادة، (2644).
[4] البخاري: كتاب الدعوات، باب دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: "اللهُمَّ الرَّفِيقَ الْأَعْلَى"، (5988)، ومسلم: كتاب فضائل الصحابة رضي الله عنهم، باب في فضل عائشة رضي الله تعالى عنها، (2444)، واللفظ له.
أ.د. راغب السرجاني
ملخص المقال
بعد المعايشة مع قصة الإسراء والمعراج، تتجلى لنا قيمة عظيمة وهي قيمة الثبات على الدين، كيف كان ذلك؟ ومن أي المواقف نتفهمه؟الإسراء والمعراج تثبيت وثبات
كانت مرحلة مكة المكرمة بكل صعوباتها مجرَّد بداية لقصة الإسلام، وستأتي الأيام القادمة بصعوبات جديدة كبيرة؛ فإن المسلمين حتى هذه اللحظة ليست لهم دولة تؤويهم وتحفظ حقوقهم، وستكون هناك خطوات كثيرة شاقَّة كي تُقام هذه الدولة، وسيواجه رسول الله صلى الله عليه وسلم تحديات مرهقة للغاية، وستكون هناك معارك داخلية وخارجية متعدِّدة.. سيحاربه المنافقون والمشركون، وسيكيد له اليهود والنصارى، وسيسعى لهدم دولته الفرس والروم، وسيتعدَّى الناس عليه في أعزِّ ما يملك ويحب؛ حتى إن الأمر سيصل إلى التعدِّي عليه في أخصِّ خصوصيات بيته.. كل هذه التحديات تحتاج إلى تثبيت ودعم وتقوية ظهر، وكل هذا حصل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم في رحلة الإسراء والمعراج؛ بل حصل عليه المسلمون كلهم، ولا أعني المسلمين في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم فقط، بل إلى يوم القيامة!
فإنه ما من عبد مسلم يقرأ تفصيلات هذه الرحلة إلا ويستهين بكل الصعاب التي يمكن أن تُواجهه في الحياة؛ بل لعله يستعذب هذه الهموم والآلام ما دام أنها ستكون سببًا في إيصاله إلى ملكوت السموات، وسدرة المنتهى، وجنة المأوى، ولا أبالغ إن قلتُ: إن الذي يقرأ بتدبُّر ووعي تفاصيل القصة فإنه سيشتاق إلى الموت ويطلبه؛ لأن الموت صار هو الفاصل الوحيد بينه وبين العروج إلى السموات العلا؛ ولقد حرص رسول الله صلى الله عليه وسلم على إيصال هذا المعنى لنا، فحكى لنا قصة عروج روح المؤمن إلى السماء بعد موته، ومن العجيب أنها تُشبه إلى حدٍّ كبير قصة عروج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السموات! عَنْ أبي هريرة رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: "الْمَيِّتُ تَحْضُرُهُ الْمَلاَئِكَةُ، فَإِذَا كَانَ الرَّجُلُ صَالِحًا، قَالُوا: اخْرُجِي أَيَّتُهَا النَّفْسُ الطَّيِّبَةُ، كَانَتْ فِي الجَسَدِ الطَّيِّبِ، اخْرُجِي حَمِيدَةً، وَأَبْشِرِي بِرَوْحٍ وَرَيْحَانٍ، وَرَبٍّ غَيْرِ غَضْبَانَ، فَلاَ يَزَالُ يُقَالُ لَهَا ذَلِكَ حَتَّى تَخْرُجَ، ثُمَّ يُعْرَجُ بِهَا إِلَى السَّمَاءِ، فَيُفْتَحُ لَهَا، فَيُقَالُ: مَنْ هَذَا؟ فَيَقُولُونَ: فُلاَنٌ. فَيُقَالُ: مَرْحَبًا بِالنَّفْسِ الطَّيِّبَةِ، كَانَتْ فِي الجَسَدِ الطَّيِّبِ، ادْخُلِي حَمِيدَةً، وَأَبْشِرِي بِرَوْحٍ وَرَيْحَانٍ، وَرَبٍّ غَيْرِ غَضْبَانَ. فَلاَ يَزَالُ يُقَالُ لَهَا ذَلِكَ حَتَّى يُنْتَهَى بِهَا إِلَى السَّمَاءِ الَّتِي فِيهَا اللهُ عز وجل .." [1].
فهذه روح المؤمن تعرج -كما عرج رسول الله صلى الله عليه وسلم- إلى السموات، وها هي تُفتح لها الأبواب التي فُتحت له صلى الله عليه وسلم، وها هم الملائكة يُسَلِّمون عليه، ويُرَحِّبون به، ثم ها هو رسول الله صلى الله عليه وسلم يستخدم كلمة "العروج" في حديثه؛ وذلك لكي يربط بين ما حدث له في معراجه، وما يحدث لروح المؤمن بعد موته، وفي رواية أخرى وصف رحلة روح المؤمن بأوصاف تكاد تتطابق مع رحلة المعراج الخاصَّة به صلى الله عليه وسلم، فقال: "فَيَصْعَدُونَ بِهَا -أي الروح المؤمنة- فَلاَ يَمُرُّونَ -يَعْنِي بِهَا- عَلَى مَلإٍ مِنَ الْمَلاَئِكَةِ، إِلاَّ قَالُوا: مَا هَذَا الرُّوحُ الطَّيِّبُ؟ فَيَقُولُونَ: فُلاَنُ بْنُ فُلاَنٍ. بِأَحْسَنِ أَسْمَائِهِ الَّتِي كَانُوا يُسَمُّونَهُ بِهَا فِي الدُّنْيَا، حَتَّى يَنْتَهُوا بِهَا إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، فَيَسْتَفْتِحُونَ لَهُ، فَيُفْتَحُ لَهُمْ فَيُشَيِّعُهُ مِنْ كُلِّ سَمَاءٍ مُقَرَّبُوهَا إِلَى السَّمَاءِ الَّتِي تَلِيهَا، حَتَّى يُنْتَهَى بِهِ إِلَى السَّمَاءِ السَّابِعَةِ، فَيَقُولُ اللهُ عز وجل: اكْتُبُوا كِتَابَ عَبْدِي فِي عِلِّيِّينَ، وَأَعِيدُوهُ إِلَى الأَرْضِ، فَإِنِّي مِنْهَا خَلَقْتُهُمْ، وَفِيهَا أُعِيدُهُمْ، وَمِنْهَا أُخْرِجُهُمْ تَارَةً أُخْرَى" [2].
ففي هذه الرواية نرى الملائكة تُنادي العبد المؤمن بأحب الأسماء إليه، ونرى الملائكة التي تحمل الروح تستفتح أبواب السماء، ونرى الروح تبدأ رحلتها من السماء الدنيا وتنتهي بالسابعة، وللروح مواقف مع أهل كل سماء، فإن الملائكة المقرَّبين من كل سماء يُرافقونها ويُشيعونها، وفي السماء السابعة تسمع الروح كلام الله تعالى، والبشرى بكتابة اسم المؤمن في عليين!
إن الذي يعرف كل ذلك لا بُدَّ أن يشتاق إلى الموت؛ ولذلك كانت أمنية الرسول صلى الله عليه وسلم أن يموت؛ بل أن يُقْتَل! لأن هذا يُرضي الربَّ أكثر! قال رسول الله صلى الله عليه وسلم -كما روى أبو هريرة رضي الله عنه: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْلاَ أَنَّ رِجَالاً مِنَ المُؤْمِنِينَ لاَ تَطِيبُ أَنْفُسُهُمْ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنِّي، وَلاَ أَجِدُ مَا أَحْمِلُهُمْ عَلَيْهِ مَا تَخَلَّفْتُ عَنْ سَرِيَّةٍ تَغْزُو فِي سَبِيلِ اللهِ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوَدِدْتُ أَنِّي أُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللهِ، ثُمَّ أُحْيَا، ثُمَّ أُقْتَلُ، ثُمَّ أُحْيَا، ثُمَّ أُقْتَلُ، ثُمَّ أُحْيَا، ثُمَّ أُقْتَلُ" [3].
وهكذا عندما جاءته الفرصة أن يختار حقيقةً بين الموت والحياة اختار الموت بلا تردُّد! قالت عائشة رضي الله عنها زَوْجُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ وَهُوَ صَحِيحٌ: "إِنَّهُ لَمْ يُقْبَضْ نَبِيٌّ قَطُّ حَتَّى يُرَى مَقْعَدُهُ فِي الجَنَّةِ ثُمَّ يُخَيَّرُ". قالت عائشة رضي الله عنها: فَلَمَّا نَزَلَ بِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَرَأْسُهُ عَلَى فَخِذِي غُشِيَ عَلَيْهِ سَاعَةً، ثُمَّ أَفَاقَ فَأَشْخَصَ بَصَرَهُ إِلَى السَّقْفِ، ثُمَّ قَالَ: "اللَّهُمَّ الرَّفِيقَ الأَعْلَى"، قَالَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها: قُلْتُ: إِذًا لاَ يَخْتَارُنَا. قَالَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها: وَعَرَفْتُ الْحَدِيثَ الَّذِي كَانَ يُحَدِّثُنَا بِهِ وَهُوَ صَحِيحٌ فِي قَوْلِهِ: "إِنَّهُ لَمْ يُقْبَضْ نَبِيٌّ قَطُّ حَتَّى يَرَى مَقْعَدَهُ مِنَ الجَنَّةِ، ثُمَّ يُخَيَّرُ". قَالَتْ عَائِشَةُ لرضي الله عنها: فَكَانَتْ تِلْكَ آخِرُ كَلِمَةٍ تَكَلَّمَ بِهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَوْلَهُ: "اللَّهُمَّ الرَّفِيقَ الأَعْلَى" [4]. هكذا كان الاختيار واضحًا لا حيرة فيه ولا تردُّد، وكيف يتردَّد مَنْ عاين بنفسه، وليس مَنْ رأى كمَنْ سمع!
ــــــــــــــــــــــــــ
[1] النسائي: كتاب التفسير، سورة الصافات (11442)، وابن ماجه (4262)، وأحمد (8754) وقال شعيب الأرناءوط: إسناده صحيح على شرط الشيخين. وصححه الألباني، انظر: صحيح سنن ابن ماجه 3/386.
[2] أحمد (18557)، وقال شعيب الأرناءوط: إسناده صحيح رجاله رجال الصحيح. وقال الهيثمي: هو في الصحيح وغيره باختصار. رواه أحمد، ورجاله رجال الصحيح. انظر: مجمع الزوائد ومنبع الفوائد 3/50، وصححه الألباني، انظر: صحيح الجامع (1676).
[3] البخاري: كتاب الجهاد والسير، باب تمني الشهادة، (2644).
[4] البخاري: كتاب الدعوات، باب دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: "اللهُمَّ الرَّفِيقَ الْأَعْلَى"، (5988)، ومسلم: كتاب فضائل الصحابة رضي الله عنهم، باب في فضل عائشة رضي الله تعالى عنها، (2444)، واللفظ له.
20/11/2024, 22:49 من طرف Admin
» كتاب مواعظ الإمام زين العابدين ـ صالح أحمد الشامي
18/11/2024, 23:30 من طرف Admin
» كتاب إتحاف النفوس بنفحات القدوس ـ عبد القدوس بن أسامة السامرائي
18/11/2024, 23:25 من طرف Admin
» كتاب الإعلام بفضل الصلاة على النبي والسلام ـ محمد بن عبد الرحمن بن علي النميري
18/11/2024, 23:20 من طرف Admin
» كتاب الغيب ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:08 من طرف Admin
» كتاب الشيطان والإنسان ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:03 من طرف Admin
» كتاب الشعراوي هنا رأيت سيدنا إبراهيم ـ سعيد أبو العنين
18/11/2024, 23:01 من طرف Admin
» كتاب الخير والشر ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:57 من طرف Admin
» كتاب التربية في مدرسة النبوة ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:55 من طرف Admin
» كتاب: إرشاد العباد إلى سبل الرشاد ـ للملبباري
18/11/2024, 22:41 من طرف Admin
» ـ كتاب آداب الحسن البصري ـ أبن الجوزي
18/11/2024, 22:34 من طرف Admin
» كتاب الله والنفس البشرية ـ لمحمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:23 من طرف Admin
» كتاب: معرفة النفس طر يق لمعرفة الرب ـ أستاذ البصيرة عبدالوهاب حسن
18/11/2024, 22:21 من طرف Admin
» كتاب الطريق الي الله ـ الشيخ علي جمعة
18/11/2024, 21:50 من طرف Admin
» كتاب: كتاب النفس والجسد والروح ـ ابراهيم البلتاجي
18/11/2024, 21:38 من طرف Admin