..الإحسان حياة.

مرحبا بك أيّها الزّائر الكريم.

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

..الإحسان حياة.

مرحبا بك أيّها الزّائر الكريم.

..الإحسان حياة.

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
..الإحسان حياة.

..الإحسان معاملة ربّانيّة بأخلاق محمّديّة، عنوانها:النّور والرّحمة والهدى

المواضيع الأخيرة

» كتاب: نهاية العالم في الكتاب المقدس - دراسة مقارنة مع القرآن الكريم ـ نور فائزة بنت عثمان
كتاب: شرح المشيشية ( 2) ـ الشيخ عبد الغني العمري الحسني Empty20/11/2024, 22:49 من طرف Admin

» كتاب مواعظ الإمام زين العابدين ـ صالح أحمد الشامي
كتاب: شرح المشيشية ( 2) ـ الشيخ عبد الغني العمري الحسني Empty18/11/2024, 23:30 من طرف Admin

» كتاب إتحاف النفوس بنفحات القدوس ـ عبد القدوس بن أسامة السامرائي
كتاب: شرح المشيشية ( 2) ـ الشيخ عبد الغني العمري الحسني Empty18/11/2024, 23:25 من طرف Admin

» كتاب الإعلام بفضل الصلاة على النبي والسلام ـ محمد بن عبد الرحمن بن علي النميري
كتاب: شرح المشيشية ( 2) ـ الشيخ عبد الغني العمري الحسني Empty18/11/2024, 23:20 من طرف Admin

» كتاب الغيب ـ محمد متولي الشعراوي
كتاب: شرح المشيشية ( 2) ـ الشيخ عبد الغني العمري الحسني Empty18/11/2024, 23:08 من طرف Admin

» كتاب الشيطان والإنسان ـ محمد متولي الشعراوي
كتاب: شرح المشيشية ( 2) ـ الشيخ عبد الغني العمري الحسني Empty18/11/2024, 23:03 من طرف Admin

» كتاب الشعراوي هنا رأيت سيدنا إبراهيم ـ سعيد أبو العنين
كتاب: شرح المشيشية ( 2) ـ الشيخ عبد الغني العمري الحسني Empty18/11/2024, 23:01 من طرف Admin

» كتاب الخير والشر ـ محمد متولي الشعراوي
كتاب: شرح المشيشية ( 2) ـ الشيخ عبد الغني العمري الحسني Empty18/11/2024, 22:57 من طرف Admin

» كتاب التربية في مدرسة النبوة ـ محمد متولي الشعراوي
كتاب: شرح المشيشية ( 2) ـ الشيخ عبد الغني العمري الحسني Empty18/11/2024, 22:55 من طرف Admin

» كتاب: إرشاد العباد إلى سبل الرشاد ـ للملبباري
كتاب: شرح المشيشية ( 2) ـ الشيخ عبد الغني العمري الحسني Empty18/11/2024, 22:41 من طرف Admin

» ـ كتاب آداب الحسن البصري ـ أبن الجوزي
كتاب: شرح المشيشية ( 2) ـ الشيخ عبد الغني العمري الحسني Empty18/11/2024, 22:34 من طرف Admin

» كتاب الله والنفس البشرية ـ لمحمد متولي الشعراوي
كتاب: شرح المشيشية ( 2) ـ الشيخ عبد الغني العمري الحسني Empty18/11/2024, 22:23 من طرف Admin

» كتاب: معرفة النفس طر يق لمعرفة الرب ـ أستاذ البصيرة عبدالوهاب حسن
كتاب: شرح المشيشية ( 2) ـ الشيخ عبد الغني العمري الحسني Empty18/11/2024, 22:21 من طرف Admin

» كتاب الطريق الي الله ـ الشيخ علي جمعة
كتاب: شرح المشيشية ( 2) ـ الشيخ عبد الغني العمري الحسني Empty18/11/2024, 21:50 من طرف Admin

» كتاب: كتاب النفس والجسد والروح ـ ابراهيم البلتاجي
كتاب: شرح المشيشية ( 2) ـ الشيخ عبد الغني العمري الحسني Empty18/11/2024, 21:38 من طرف Admin

أفضل 10 أعضاء في هذا الشهر

دخول

لقد نسيت كلمة السر


    كتاب: شرح المشيشية ( 2) ـ الشيخ عبد الغني العمري الحسني

    avatar
    Admin
    Admin


    المساهمات : 68539
    تاريخ التسجيل : 25/04/2018

    كتاب: شرح المشيشية ( 2) ـ الشيخ عبد الغني العمري الحسني Empty كتاب: شرح المشيشية ( 2) ـ الشيخ عبد الغني العمري الحسني

    مُساهمة من طرف Admin 21/7/2020, 23:10

    شرح المشيشية (2)


    إذْ لَوْلا الوَاسِطَةُ لَذَهَبَ كَما قيلَ المَوْسُوطُ:

    يقرر ابن مشيش رضي الله عنه هنا، القاعدة التي من أجلها كان كل شيء منوطا بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم، وهي كونه واسطة بين الحق والخلق. فلا شيء يأتي من الحق إلا عن طريقه، ولا شيء يصعد من الخلق إلى الله إلا عن طريقه. فهو الخليفة الرباني على الخلق، يحكم فيهم بما يريه الله؛ وهو النائب عن الخلق في عبوديتهم يؤمهم فيها بين يدي الله. ولولا هذه الواسطة، لذهبت أعيان الخلق، ولم يكن لهم وجود؛ ولذهب الحق علما، لتوقف العلم بالحق عليه صلى الله عليه وآله وسلم، كما سبق أن ذكرنا.

    صَلَاةً تَلِيقُ بِكَ مِنْكَ إِلَيْهِ كَمَا هُوَ أَهْلُهُ:

    بعد أن كان الشيخ مستغرقا في التعريف بالمصلى عليه، صلى الله عليه وآله وسلم، التفت إلى الصلاة ذاتها، حتى يرقى بها إلى أعلى مراتبها؛ فقال: "صلاة"، مفعول مطلق من "اللهم صل". وسأل أن تكون هذه الصلاة كما تليق بالحق الآمر بها، لا على قدر الخلق المأمور. من الحق وإلى صورة الحق، التي هي محمد صلى الله عليه وآله وسلم. وهكذا يكون المصلي نائلا بهذا المشهد أعلى درجات الصلاة وأتمها؛ ولا يعلم أجر هذه الصلاة أحد إلا الله؛ بل إن هذه الصلاة تفوق كل أجر، فيجعل الله جزاء من يصلي بها إن تقبلها منه سبحانه، أن يُحققه به، فيلحق بأهله وخاصته، فضلا منه ونعمة. ولهذا، كان بعض أهل الله من المغاربة يقصرون أوراد مريديهم الذين يريدون لهم الفتح عن قريب، على هذه الصلاة المباركة.

    وقد بدأ الشيخ بسؤال أن تكون الصلاة تليق بالحق، وانتهى بأن سأل أن تكون لائقة بمحمد صلى الله عليه وآله وسلم؛ فأحاطها بالكمال من جهتيها، لئلا يدخل عليها نقص منه بسبب قصوره عن بلوغ إدراك هذا الكمال على حقيقته من الوجهين. وهو أدب يليق بكبار أهل الله، الذين صار لسان حالهم في العلم بالله "العجز عن درك الإدراك إدراك"، كما رُوي عن الصديق الأكبر رضي الله عنه.

    اَللَّهُمَّ إنَّهُ سِرُّكَ الجامِعُ الدَّالُّ عَلَيْكَ:

    ثم عاد الشيخ إلى الاستغراق في الحقيقة المحمدية بقوله: "اللهم إنه سرك الجامع". والسر هو لباب الأمر وحقيقته. وهو يشير بهذا القول إلى كون معرفة الحق، لا تتحقق إلا بمعرفة حقيقة محمد صلى الله عليه وآله وسلم. وكل من زعم أن له معرفة بالله من غير معرفة بمحمد، فقد شهد على نفسه بالكذب. وإن المعرفة العقلية التي يتوهمها أهل العقائد، مع كونهم جاهلين بالحقيقة المحمدية، لا تُعدّ معرفة بالاصطلاح، ولا يسمى أصحابها عارفين، مهما بالغوا في القول. والمقصود من لفظ "الجامع"، هو الجمع بين حقائق الحق وحقائق الخلق جميعا. وهذا لا يكون إلا للحضرة المحمدية. ومن هذا الباب قال أحدهم: الحضرة المحمدية أوسع من حضرة الحق. وفي الحقيقة هو يعني أن الحضرة المحمدية أوسع من حضرة الأحدية فقط؛ لأن الذات محيطة بكل الحقائق، كما هو معلوم عند أهل الحق. وقوله: "الدال عليك"، يشير إلى ما ذكرناه من ترتيب معرفة الحق على معرفة محمد صلى الله عليه وآله وسلم. وبهذا نعلم أن الله ما خلق محمدا إلا ليدل على نفسه (الله)؛ إذ لو دل سبحانه على غيره، لدل على الشرك من أول قدم. وهذا محال، تعالى الله عنه علوا كبيرا.

    وَحِجابُكَ الأَعْظَمُ القَائِمُ لَكَ بَيْنَ يَدَيْكَ:

    والحجاب، هو الساتر الذي يقوم على الملك العزيز، يمنع أن يقع عليه بصر السوقة. ومن عرف مكانة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، سيعلم أنه الحجاب الذي لا يتجاوزه أحد من الخلق في عروجه إلى الحق؛ بل ما وصل واصل إلى الحق إلا منه صلى الله عليه وآله وسلم. فلا يطمع أحد أن يكون له طريق مستقل إلى الحق أبدا. وهؤلاء الذين نسمعهم يتكلمون في التوحيد، من غير أن يأتوه من باب محمد صلى الله عليه وآله وسلم، على وجه التحقق، فإنهم يرومون المحال وما لا يُطال. وكل ما يزعمونه من توحيد للألوهية، هو كلام أجوف لا حقيقة له. ومعنى "القائم لك بين يديك"، هو هذا الذي ذكرناه. أي فإنه لا يتمكن أحد من مجاوزته صلى الله عليه وآله وسلم، أو الالتفاف من حوله. وأقصى المعرفة عند المحققين، هو بلوغ الحجاب الأعظم. وأعلاها، ما تحقق فيه العارف بهذا الحجاب، حتى صار مفضيا به من باطنه إلى الحق؛ لأنه لا أقرب إلى الحق من حجابه، كما لا أخص لديه من حُجّابه.

    اَلّلهُمَّ أَلحِقْني بِنَسَبِهِ:

    ثم بدأ الشيخ بالدعاء لنفسه بما يجعله عند ربه من أهل الحق. والنسب الذي سأله هو القرابة، وهي معلومة في الظاهر. والنسبة إلى محمد صلى الله عليه وآله وسلم ثابتة لجميع الخلق كما ذكرنا، من كونه أصلهم من جهة الحقيقة. وبما أن هذه النسبة ثابتة، فإن سؤال الشيخ لها، لا يكون إلا سؤال التحقق والعلم بها علما ذوقيا. وهذا هو ما يميز الخواص من العوام دائما، وقد قال الله تعالى: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} [الزمر: 9]؛ أي الذين يعلمون الحق، والذين لا يعلمونه. وهذا التحقق بهذا النسب الشريف، هو حاصل للشيخ رضي الله عنه؛ لكن سؤاله تحصيله هو من باب الأدب والتعظيم للمسؤول. وهذا يكون عندما يعلم المرء أن ما ناله، لا يُنال إلا بمحض الفضل؛ فيبقى مع نواله كأنه أجنبي عنه من فرط التعظيم. وهذا هو دأب أهل الله، مع ما يؤتيهم مولاهم من جزيل النعم والأفضال.

    وَحَقِّقْني بِحَسَبِهِ:

    والحسب هو الشرف الثابت في الأصل؛ ولا أشرف عند الله من محمد صلى الله عليه وآله وسلم. والمسؤول هنا من الشيخ، هو التحقق بالحقيقة المحمدية، حتى يصير عينها. وهذا أعلى ما يصل إليه الأولياء من التحقق؛ فينالون هنا الوراثة المحمدية، من علم وحال، على قدر استعدادهم. ومن هذا الوجه تكون مشاركة أولياء الأمة المحمدية، للأنبياء عليهم السلام، من حيث ولايتهم، لا من حيث نبوتهم. ومن هنا أيضا كان سؤال الأنبياء لِما كانوا يعلمون أنه فوق أطوارهم من أذواق، كسؤال موسى عليه السلام الرؤية في قول الله تعالى: {قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ} [الأعراف: 143]. فهذه الرؤية وأمثالها من الغايات، لا تُنال إلا بمحمد صلى الله عليه وآله وسلم. وقد ثبت عندنا أنه صلى الله عليه وآله وسلم قد رأى ربه ليلة العروج، كما أخبر الله في قوله تعالى: {مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى (11) أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى (12) وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى (13) عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى (14) عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى (15) إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى (16) مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى} [النجم: 11 - 17].

    وَعَرِّفني إيَّاهُ مَعْرِفَةً أَسْلَمُ بِهَا مِنْ مَوَارِدِ الجَهلِ:

    وبما أن معرفة النبي صلى الله عليه وآله وسلم من معرفة الله، وأن معرفة الله لا نهاية لها، فقد سأل الشيخ معرفة له يخرج بها من عداد الجهلة، ويدخل بها في زمرة المعتنى بهم. وهذا حاصل له، كما أخبرنا سابقا؛ لكن التعظيم للجناب المحمدي يقتضي منه دوام السؤال، للاستزادة من فضل الله. وفي كلام الشيخ تنبيه للغافلين الذين لا علم لهم بحقيقة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وهم يطمعون في الدرجات العلى عند الله، بلزوم ظاهر الطاعات التي تزداد بها أنفسهم مع الغفلة ظلمة على ظلمة؛ حتى يصيروا مع عبادتهم وعلمهم -إن كانوا من أهل العلم الظاهر- من أجهل الناس، وهم لا يشعرون.

    وَأَكْرَعُ بَهَا مِنْ مَوَارِدِ الفَضْلِ:

    ويسأل الشيخ أن يزداد بهذه المعرفة، شربا من السقيا النبوية التي هي فضل الله الذي يؤتيه الله من يشاء من عباده. يقول الله تعالى: {ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} [الجمعة: 4]؛ ويقول سبحانه: {وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ} [التوبة: 59]. وهذا يعني أنه من لا فضل له من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فلا فضل له من الله. وقد سبق الكلام عن كون النبي صلى الله عليه وآله وسلم الواسطة بين الحق والخلق وجودا وإمدادا. فمن جهة الوجود، قد ذكرنا أن كل الخلق مخلوقون من النور الأول المحمدي؛ ومن جهة الإمداد فقد جاء في الحديث: «..وَاللَّهُ الْمُعْطِي وَأَنَا الْقَاسِمُ..»[من حديث أخرجه البخاري عن معاوية رضي الله عنه].

    وَاحْمِلْني عَلَى سَبيلِهِ إلى حَضْرَتِكَ حَمْلاً مَحْفُوفَاً بنُصْرَتِكَ:

    يسأل الشيخ أن يُحمل، لا أن يسير؛ والحمل الذي هو الركوب، يكون لأهل العناية المرادين؛ بينما يكون السير للمريدين وأهل المجاهدات. والفرق بين الأمرين هو في المشقة وفي تحصيل المراد. وقد تكلم أصحاب الطريق في هذا المعنى، فلا حاجة إلى أن نطيل فيه. والحمل لا يكون إلا إلى حضرة الله، من كون رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، لا يدل إلا عليه سبحانه. ومن كان يظن غير هذا، أو يخاف على نفسه الشرك بالتوجه إلى محمد صلى الله عليه وآله وسلم، فهو واهم جاهل بحقيقة الأمر. والنّصرة التي طلب الشيخ أن تحف بحمله، هي لضمان بلوغ الغاية على السلامة؛ لأن الحمل قد يكون، ولا يحصل منه بلوغ غايته من جميع الوجوه. وهذا التفات من الشيخ إلى مكر الله، الذي ينبغي أن لا يأمنه الخواص، أكثر من العوام. وقد قال الله تعالى: {أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ} [الأعراف: 99]. والمكر له وجه إلى كل مرتبة ومقام بحسبهما. وهذا مما يُغفله بعض من يقع تحت سلطان الحال، فينزل به عن رتبة الكمال.

    وَاقْذِفْ بي عَلَى البَاطِلِ فَأَدْمَغَهُ:

    هذا الدعاء معناه: اجعلني حقا، ثم اقذف بي على الباطل فأدمغه. وهذا هو المسمى التحقق اصطلاحا. ولا باطل هنا، إلا ظلمة النفس الأصلية، المستصحبة لها من حضرة العدم. والولي عند تحققه بالحق، فإنه يصير مظهرا له، مفارقا لحقيقة عدمه بقدر تحققه. ومن هذا الباب تروْحُن أبدان الأولياء في حياتهم وبعد مماتهم. ففي حياتهم تصير لأبدانهم خصائص الروح، من خرق الأجسام الكثيفة وسرعة التنقل من مكان إلى مكان، وغير ذلك... وبعد الموت، تمتنع أجسامهم أن يأكلها الدود، كما يأكل أجساد غيرهم ممن بقوا على حكم طبيعتهم.

    وَزُجَّ بِي فيِ بِحارِ الأَحَدِيَّةِ:

    الزج هو الإدخال بعنف؛ والمقصود منه هنا الإدخال في حضرة الأحدية من دون مراعاة لأثر ذلك على عينه العدمية. وهذا من كمال الشوق إلى الحق، في التحقق بجميع مراتبه، كما هي حال أهل الكمال. ولقد كان من الأليق أن يستعمل الشيخ رضي الله عنه لفظ "بحر" بدل "بحار" بسبب عدم قبول الأحدية للتكثر. والدخول في الأحدية، هو ما يعطي أهل الله الفناء التام في الحق، بحيث لا تبقى لهم باقية. وهذا أعلى ما يكون من التحقق بالحق، لكنه ليس أتمه؛ لأن بعد هذا الطور يتطلع الولي إلى التحقق بالفرق الثاني، الذي يشهد فيه الخلائق قائمين بالحق؛ فيصير عنده الحق ذا شهودين: شهود علمي صرف، وشهود في الصور العدمية، تظهر فيه الأسماء على عرش الذات، فيقع للعارف من هذا الشهود ما لا يُكيّف من العلوم والأذواق. وهذا الشهود الثاني هو محل الزيادة، دون الأول. والتفريق بين الشهودين هو علمي فحسب، لا وجودي؛ كما قد يتوهم من لا علم له؛ إلا إن كان يراد بالوجود الذوق، من الوجدان.

    وَانْشُلْني مِنْ أَوْحَالِ التَّوْحِيدِ:

    النشل، هو الإسراع في النزع. وقد طلب الشيخ من الله أن ينشله من أوحال التوحيد لأن التوحيد ملازم للكثرة في المعقولية؛ ومن هذا الباب قيل: من وحد فقد أشرك؛ أي ما وحد حتى أشرك. وأهل التحقيق توحيدهم ليس عن تعقل شرك؛ وإنما هو شهود حق بحق في حق. والتوحيد الأول بالمقارنة إلى هذا الأخير، يكون ذا شائبة، هي ما أسماها الشيخ أوحالا. وقد سأل الشيخ النشل من أوحال التوحيد، كراهة منه لشم رائحة الشرك في شهوده. وهذا بسبب علوّ معرفته. هذا، وإن للشرك عندنا مدخلا في التحقق العالي، يُخالف ما يذهب إليه الشيخ في الظاهر. نعني أن الشرك يصير عين التوحيد، ومن لوازمه؛ من باب الحقائق. ولعل الشيخ رضي الله عنه، قد راعى مقام عوام العارفين؛ حتى لا يُغرِق في التحقيق، ويغيب عن إدراكهم. فإن ذلك لا ينفع أحدا، ولا يضيف علما إلى السامع. وقد سمعنا إنكارا لبعض أهل الدين لعبارة "وانشلني من أوحال التوحيد"، وعدّها المنكرون استهانة من الشيخ بالتوحيد. والحقيقة أنهم ما علموا معنى التوحيد، ولا علموا مراد الشيخ. ولو علموا -وأنى لهم- لاستحيوا أن يعقبوا على كلام الشيخ، وهم عالقون في أوحال التوحيد، لم يُفضوا إلى صرافته قط.

      الوقت/التاريخ الآن هو 23/11/2024, 08:49