من كلام الجوهرة (2)
2. من كلام سيدي إبراهيم الدسوقي رضي الله عنه في "الجوهرة المضيئة":
يقول رضي الله عنه (ص: 377): [أنا موسى في مناجاته، وأنا علي في حملاته؛ أنا كل ولي في الأراضي جميعهم، بيدي خِلع الفقراء ألبسنيهم الله ربي وربهم ورب كل شيء.]: هذا الكلام صدر عن عدد من أهل الله الكبار؛ وهو مما تستشنعه العامة، ويظنون أن صاحبه مدّع للألوهية، بسبب قلة علمهم بلوازمها. ولو أن الأمر كان على ما يظنون، ما قال صاحب الكتاب: "ربي وربهم ورب كل شيء". فإن علمنا هذا، بقي لنا أن نعلم أن هذا الكلام لا يُناقض آخره أوّلَه.
وأما صدور مثل هذا الكلام عن غير واحد، فلأنه ليس من مرتبة أشخاصهم؛ ولكنه من مرتبة حقيقتهم التي هي واحدة. وهذه الحقيقة هي الحقيقة المحمدية لا غيرها. لذا كان كل من ينطق عنها، يُعدّ وجها محمديا في زمانه. وقوله رضي الله عنه: " أنا موسى في مناجاته" صحيح؛ لأن موسى وجه محمدي في زمانه. وقوله: "وأنا علي في حملاته"، اختص عليا عليه السلام لأنه مظهر الولاية الأخص، ضمن الخلفاء الأربعة. وحملاته هي هجماته على الأعداء الذين كانوا في الظاهر من الكافرين، وفي الباطن هم كل معاند للحق وإن عدّ نفسه من المؤمنين. وهذه الحملات في الظاهر تكون بالسيف، وفي الباطن تكون بالنور.
وقد أظهر هذا السيد الكبير المرتبة التي يتكلم منها بقوله: "أنا كل ولي في الأراضي جميعهم"؛ فبيّن أن كل الأولياء هم مظاهر له. "بيدي خلع الفقراء" أي: أنا متملك لأحوال الأولياء وعلومهم؛ لأني أعلمها من أصلهم.
ولو أردنا أن نمثل للولاية في الأمة التي هي على ثلاث مستويات: المستوى العام، والمستوى الخاص، ومستوى الحقيقة، لمثلناها في المستوى العام بقطرات الماء؛ وفي المستوى الخاص بالأنهار؛ وفي مستوى الحقيقة بالبحر. والمريد الذي يتحقق فناؤه في شيخه، يكون كقطرة الماء إذا سقطت في نهر من الأنهار. وهي باختلاطها بماء النهر، تفقد حكم القطرة ويصير حكمها حكم النهر. فإن نطقت هذه القطرة، فسيكون نطقها بالنهر، ونأخذ نحن كلامها على أنه كلام النهر. وأما الأنهار (التي هي الأولياء)، فإن لهم حكم النهر ما داموا بعيدين عن البحر؛ فإذا خالط ماؤهم ماء البحر، فإن الحكم يصير له؛ لعدم إمكان الفصل إلا عقلا. فإذا نطق الولي من الحقيقة المحمدية، فإن الكلام يكون لها لا له؛ وإن كنا نحن نسمعه في الحس من فلان الفلاني. هذا عندنا واضح لا خلاف فيه؛ وإنما يقع التعجب للعامة الذين لا يعلمون حكم الحقائق، ويظنون أن الولي الفلاني يدعي ما ليس له. والصواب غير ما يظنون.
واعلم أن المحمديين من الأولياء مميزون بين سائر الأولياء من بدء الخلق إلى نهايته، لأن لهم بابا إلى الحقيقة المحمدية لم يُفتح لغيرهم. وهم من هذا الوجه فحسب (لا على الإطلاق) مساوون لأنبياء بني إسرائيل عليهم السلام؛ لأن الأنبياء هم الذين لهم الأخذ عن محمد صلى الله عليه وآله وسلم مباشرة، وأما أولياء الأمم السابقة فأخذهم يكون عن أنبيائهم. وهم إن رجعوا إلى الحقيقة المحمدية، لا يتعدّون حقائق أنبيائهم منها. نعني أنهم مقيدون بحقائق أنبيائهم. أما المحمديون من أولياء الأمة، فهم إذا رجعوا إلى الحقيقة المحمدية، يكونون على إطلاقها؛ لكن إطلاقها الذي هو بالنسبة إليهم، ليس هو إطلاقها في نفسها؛ وإلا اختلطت الأحكام. وهذا الذي نقوله، هو ما امتازت به الأمة المحمدية عن سواها من الأمم؛ حتى قال الله فيها: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ}[آل عمران: 110]. والإيمان المطلوب هنا من أهل الكتاب، هو الإيمان بخيرية هذه الأمة؛ لأنهم لو آمنوا بها، لتهيأوا لقبول الترقي الذي لم يكن متاحا لأوليائهم السابقين. ولكن أكثرهم -كما أخبر الله عنهم- مخالفون لما دُعوا إليه. وإن كان هذا شأن أهل الكتاب، فالأعجب منه شأن بعض هذه الأمة، الذين يُنكرون ما ذكرناه من اختصاص. فهؤلاء محرومون مع كونهم من الأمة المكرمة، لأنهم سدوا على أنفسهم أبواب الترقي؛ ولو أنهم صدقوا بها، لانتفعوا كثيرا من غير اعتبارٍ لعمل خاص. وهذا (التصديق)، من مفاتيح الغيب التي دل الله عليها عباده، إن هم فقُهوا عنه في كلامه.
2. من كلام سيدي إبراهيم الدسوقي رضي الله عنه في "الجوهرة المضيئة":
يقول رضي الله عنه (ص: 377): [أنا موسى في مناجاته، وأنا علي في حملاته؛ أنا كل ولي في الأراضي جميعهم، بيدي خِلع الفقراء ألبسنيهم الله ربي وربهم ورب كل شيء.]: هذا الكلام صدر عن عدد من أهل الله الكبار؛ وهو مما تستشنعه العامة، ويظنون أن صاحبه مدّع للألوهية، بسبب قلة علمهم بلوازمها. ولو أن الأمر كان على ما يظنون، ما قال صاحب الكتاب: "ربي وربهم ورب كل شيء". فإن علمنا هذا، بقي لنا أن نعلم أن هذا الكلام لا يُناقض آخره أوّلَه.
وأما صدور مثل هذا الكلام عن غير واحد، فلأنه ليس من مرتبة أشخاصهم؛ ولكنه من مرتبة حقيقتهم التي هي واحدة. وهذه الحقيقة هي الحقيقة المحمدية لا غيرها. لذا كان كل من ينطق عنها، يُعدّ وجها محمديا في زمانه. وقوله رضي الله عنه: " أنا موسى في مناجاته" صحيح؛ لأن موسى وجه محمدي في زمانه. وقوله: "وأنا علي في حملاته"، اختص عليا عليه السلام لأنه مظهر الولاية الأخص، ضمن الخلفاء الأربعة. وحملاته هي هجماته على الأعداء الذين كانوا في الظاهر من الكافرين، وفي الباطن هم كل معاند للحق وإن عدّ نفسه من المؤمنين. وهذه الحملات في الظاهر تكون بالسيف، وفي الباطن تكون بالنور.
وقد أظهر هذا السيد الكبير المرتبة التي يتكلم منها بقوله: "أنا كل ولي في الأراضي جميعهم"؛ فبيّن أن كل الأولياء هم مظاهر له. "بيدي خلع الفقراء" أي: أنا متملك لأحوال الأولياء وعلومهم؛ لأني أعلمها من أصلهم.
ولو أردنا أن نمثل للولاية في الأمة التي هي على ثلاث مستويات: المستوى العام، والمستوى الخاص، ومستوى الحقيقة، لمثلناها في المستوى العام بقطرات الماء؛ وفي المستوى الخاص بالأنهار؛ وفي مستوى الحقيقة بالبحر. والمريد الذي يتحقق فناؤه في شيخه، يكون كقطرة الماء إذا سقطت في نهر من الأنهار. وهي باختلاطها بماء النهر، تفقد حكم القطرة ويصير حكمها حكم النهر. فإن نطقت هذه القطرة، فسيكون نطقها بالنهر، ونأخذ نحن كلامها على أنه كلام النهر. وأما الأنهار (التي هي الأولياء)، فإن لهم حكم النهر ما داموا بعيدين عن البحر؛ فإذا خالط ماؤهم ماء البحر، فإن الحكم يصير له؛ لعدم إمكان الفصل إلا عقلا. فإذا نطق الولي من الحقيقة المحمدية، فإن الكلام يكون لها لا له؛ وإن كنا نحن نسمعه في الحس من فلان الفلاني. هذا عندنا واضح لا خلاف فيه؛ وإنما يقع التعجب للعامة الذين لا يعلمون حكم الحقائق، ويظنون أن الولي الفلاني يدعي ما ليس له. والصواب غير ما يظنون.
واعلم أن المحمديين من الأولياء مميزون بين سائر الأولياء من بدء الخلق إلى نهايته، لأن لهم بابا إلى الحقيقة المحمدية لم يُفتح لغيرهم. وهم من هذا الوجه فحسب (لا على الإطلاق) مساوون لأنبياء بني إسرائيل عليهم السلام؛ لأن الأنبياء هم الذين لهم الأخذ عن محمد صلى الله عليه وآله وسلم مباشرة، وأما أولياء الأمم السابقة فأخذهم يكون عن أنبيائهم. وهم إن رجعوا إلى الحقيقة المحمدية، لا يتعدّون حقائق أنبيائهم منها. نعني أنهم مقيدون بحقائق أنبيائهم. أما المحمديون من أولياء الأمة، فهم إذا رجعوا إلى الحقيقة المحمدية، يكونون على إطلاقها؛ لكن إطلاقها الذي هو بالنسبة إليهم، ليس هو إطلاقها في نفسها؛ وإلا اختلطت الأحكام. وهذا الذي نقوله، هو ما امتازت به الأمة المحمدية عن سواها من الأمم؛ حتى قال الله فيها: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ}[آل عمران: 110]. والإيمان المطلوب هنا من أهل الكتاب، هو الإيمان بخيرية هذه الأمة؛ لأنهم لو آمنوا بها، لتهيأوا لقبول الترقي الذي لم يكن متاحا لأوليائهم السابقين. ولكن أكثرهم -كما أخبر الله عنهم- مخالفون لما دُعوا إليه. وإن كان هذا شأن أهل الكتاب، فالأعجب منه شأن بعض هذه الأمة، الذين يُنكرون ما ذكرناه من اختصاص. فهؤلاء محرومون مع كونهم من الأمة المكرمة، لأنهم سدوا على أنفسهم أبواب الترقي؛ ولو أنهم صدقوا بها، لانتفعوا كثيرا من غير اعتبارٍ لعمل خاص. وهذا (التصديق)، من مفاتيح الغيب التي دل الله عليها عباده، إن هم فقُهوا عنه في كلامه.
25/11/2024, 17:11 من طرف Admin
» كتاب التواضع والخمول تصنيف ابن أبي الدنيا
25/11/2024, 17:02 من طرف Admin
» كتاب: في رياض السيرة النبوية العهد المكي – د.أحمد عمر هاشم ـ ج1
25/11/2024, 16:27 من طرف Admin
» كتاب في رياض السيرة النبوية (العهد المدني) لأحمد عمر هاشم ـ ج2
25/11/2024, 15:41 من طرف Admin
» كتاب: القصص في الحديث النبوي ـ لمحمد الزير موقع مكتبة
25/11/2024, 15:03 من طرف Admin
» كتاب: الكلام على قوله تعالى {إنما يخشى الله من عباده العلماء} ـ ابن رجب الحنبلي
25/11/2024, 14:58 من طرف Admin
» كتاب: نهاية العالم في الكتاب المقدس - دراسة مقارنة مع القرآن الكريم ـ نور فائزة بنت عثمان
20/11/2024, 22:49 من طرف Admin
» كتاب مواعظ الإمام زين العابدين ـ صالح أحمد الشامي
18/11/2024, 23:30 من طرف Admin
» كتاب إتحاف النفوس بنفحات القدوس ـ عبد القدوس بن أسامة السامرائي
18/11/2024, 23:25 من طرف Admin
» كتاب الإعلام بفضل الصلاة على النبي والسلام ـ محمد بن عبد الرحمن بن علي النميري
18/11/2024, 23:20 من طرف Admin
» كتاب الغيب ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:08 من طرف Admin
» كتاب الشيطان والإنسان ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:03 من طرف Admin
» كتاب الشعراوي هنا رأيت سيدنا إبراهيم ـ سعيد أبو العنين
18/11/2024, 23:01 من طرف Admin
» كتاب الخير والشر ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:57 من طرف Admin
» كتاب التربية في مدرسة النبوة ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:55 من طرف Admin