من كلام الجوهرة (9)
يقول رضي الله عنه: [فإن للكعبة رجالا يطوفون بها، ولله رجال تطوف الكعبة بهم. فسار الأولياء كلهم وهم أشباح خلفي، والنبي صلى الله عليه وسلم أمامي. فلما دخلنا الجنة، أرخت الحور العين لثامهن على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالتفتن فرأينني، فأردن أن يتلثمن؛ فقال لهن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تتلثمن، فإنه من نوري!". فلما دخل الأولياء وهم أشباح، ونظروا إلى أرواح أهل الجنة، سكروا بغير مدام، فأسبلت الحور العين لثامهن؛ فبكى الأولياء وضحكوا، فرأوا ما أضحكهم وما أبكاهم فسكروا وطربوا، فهاموا وغُلبوا، ثم بكوا وضحكوا؛ فلهذا قلت:
على مذهبي كل المحبين يمموا ونشأة خمر أهميتهم فهمهموا
وكل ملاح الحي أرخوا لثامهم علي وعن غيري أبوا وتلثموا
أنا الصاحي السكران من غير خمر أنا الضاحك الباكي وسري مكتم]
قوله رضي الله عنه: "فإن للكعبة رجالا يطوفون بها، ولله رجال تطوف الكعبة بهم"، يريد أن يخلص منه إلى تقرير قاعدة تكون ختاما لسابق كلامه عن الزيارة والحج؛ وهو أن من الناس من يكون توجهه إلى الله، فيستحق بذلك أن يكون من الطائفين بالكعبة؛ ومنهم من يكون متحققا بالله، فتكون الكعبة هي الطائفة به. فهو بهذا قد أصبح كعبة للكعبة. وهذا صحيح! وقد شاهد بعض أصحابنا هذا المعنى مرارا في مشاهدات تفيد ما ذكرنا. وأما باطن سر الكعبة المشرّفة، فهو نفسه سر الإنسان الكامل؛ لكنْ شاء الله أن يميّز بين عموم المتوجهين وبين خواصهم، كما هو شأنه سبحانه دائما، وهو الحكيم الخبير.
وأما قوله: "فسار الأولياء كلهم وهم أشباح خلفي، والنبي صلى الله عليه وسلم أمامي"، فهو متابعة للمشهد كما بدأ من أوله، وتأكيد لمعنى إمامته في زمانه.
وقوله: "فلما دخلنا الجنة، أرخت الحور العين لثامهن على رسول الله صلى الله عليه وسلم"، يقصد أنهن تكشفن بين يديه صلى الله عليه وآله وسلم. والمقصود بالجنة، حضرة الخيال والتمثيل؛ لأن المعاني تظهر فيها على شكل صور. وأتم كشف من هذه الحضرة، هو لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؛ فلم يكن يمتنع منه شيء فيها. وكيف يمتنع وهو عنه صدر؟!.. ومن هذه الحضرة قال صلى الله عليه وآله وسلم: «عُرِضَتْ عَلَيَّ الْجَنَّةُ وَالنَّارُ آنِفًا فِي عُرْضِ هَذَا الْحَائِطِ ، فَلَمْ أَرَ كَالْخَيْرِ وَالشَّرِّ»[متفق عليه]. والسبب في كون هذه الحضرة جنة، هو انحجاب المعاني بالصور؛ من جَنَّ بمعنى ستر.
وقوله: "فالتفتن فرأينني، فأردن أن يتلثمن؛ فقال لهن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تتلثمن، فإنه من نوري!""، يعني أن المعاني أرادت أن تتحجب عنه كما تحجبت عن غيره من الناس، لِما هي مفطورة عليه في أصلها من العزة؛ فلما أمرها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن تظهر له، بصفته المتصرف بالأصالة في هذه الحضرات، سمعت وأطاعت؛ وأعلمها صلى الله عليه وآله وسلم أنه من نوره، حتى تبقى على العهد الأول معه؛ فإنها لم تُخلق إلا له.
وأما قوله: "فلما دخل الأولياء وهم أشباح، ونظروا إلى أرواح أهل الجنة، سكروا بغير مدام، فأسبلت الحور العين لثامهن"، فإنه يعني أولياء زمانه الذين كانوا مؤتمّين به. فإنهم لما رأوا معاني الصور، سكروا وانحلت عقولهم من غلبة ما شهدوا. وهذا هو سبب نطق بعضهم بما يخرج عن المألوفات وما تمجه العقول. فلما رأت هذه المعاني فعلها فيهم، علمت أنهم ليسوا من أُمرت بالتكشّف له، فانحجبت عنهم مرة أخرى؛ رحمة من الله بهم، وإبقاء لهم على كمال ظواهرهم. وهذه الصنف من الأولياء تتغير عليهم الأحوال بحسب ما تفعل المعاني من تحجب أو من سُفور.
لذلك يقول بعدُ: "فبكى الأولياء وضحكوا، فرأوا ما أضحكهم وما أبكاهم فسكروا وطربوا، فهاموا وغُلبوا، ثم بكوا وضحكوا"؛ يقصد أن ضحك الأولياء يكون من البسط الذي يجدونه عند انكشاف المعاني الإلهية، وأن بكاءهم يكون من القبض الذي يجدونه إذا هي تمنعت وانحجبت. فلما ترقّوا، تعلقوا بمن أضحكهم وأبكاهم وهو الحق تعالى. وقد قال سبحانه في هذا المعنى: { وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى }[النجم: 43]. فلما عرفوه في الحالين غيبا وشهادة، سكروا من المعاملتين، وطربوا من الوجد والفقد عند انفتاق عين الفهم. فهاموا بالحق عن أنفسهم، لما لم يلتفتوا إلى أغراضها منه سبحانه، وغُلبوا بشهود الحق المحيط بهم من جهة حقهم ومن جهة خلقهم؛ فذهبت أنفسهم في الذاهبين لمـّا لم تجد موضعا تقوم به في أوهامهم. ثم بكوا على ما فاتهم في الحال الأول، وضحكوا لِما آل إليه أمرهم من إطلاق عن أسر الحال. كل هذا، يذكره حتى تُعلم مرتبته من كونه وارثا محمديا، التي هي فوق ما ذُكر بكثير. وظهر أن حال الأولياء معه كحال الفرع مع أصله، فإنه لا يُدركه أبدا.
يقول رضي الله عنه: [فإن للكعبة رجالا يطوفون بها، ولله رجال تطوف الكعبة بهم. فسار الأولياء كلهم وهم أشباح خلفي، والنبي صلى الله عليه وسلم أمامي. فلما دخلنا الجنة، أرخت الحور العين لثامهن على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالتفتن فرأينني، فأردن أن يتلثمن؛ فقال لهن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تتلثمن، فإنه من نوري!". فلما دخل الأولياء وهم أشباح، ونظروا إلى أرواح أهل الجنة، سكروا بغير مدام، فأسبلت الحور العين لثامهن؛ فبكى الأولياء وضحكوا، فرأوا ما أضحكهم وما أبكاهم فسكروا وطربوا، فهاموا وغُلبوا، ثم بكوا وضحكوا؛ فلهذا قلت:
على مذهبي كل المحبين يمموا ونشأة خمر أهميتهم فهمهموا
وكل ملاح الحي أرخوا لثامهم علي وعن غيري أبوا وتلثموا
أنا الصاحي السكران من غير خمر أنا الضاحك الباكي وسري مكتم]
قوله رضي الله عنه: "فإن للكعبة رجالا يطوفون بها، ولله رجال تطوف الكعبة بهم"، يريد أن يخلص منه إلى تقرير قاعدة تكون ختاما لسابق كلامه عن الزيارة والحج؛ وهو أن من الناس من يكون توجهه إلى الله، فيستحق بذلك أن يكون من الطائفين بالكعبة؛ ومنهم من يكون متحققا بالله، فتكون الكعبة هي الطائفة به. فهو بهذا قد أصبح كعبة للكعبة. وهذا صحيح! وقد شاهد بعض أصحابنا هذا المعنى مرارا في مشاهدات تفيد ما ذكرنا. وأما باطن سر الكعبة المشرّفة، فهو نفسه سر الإنسان الكامل؛ لكنْ شاء الله أن يميّز بين عموم المتوجهين وبين خواصهم، كما هو شأنه سبحانه دائما، وهو الحكيم الخبير.
وأما قوله: "فسار الأولياء كلهم وهم أشباح خلفي، والنبي صلى الله عليه وسلم أمامي"، فهو متابعة للمشهد كما بدأ من أوله، وتأكيد لمعنى إمامته في زمانه.
وقوله: "فلما دخلنا الجنة، أرخت الحور العين لثامهن على رسول الله صلى الله عليه وسلم"، يقصد أنهن تكشفن بين يديه صلى الله عليه وآله وسلم. والمقصود بالجنة، حضرة الخيال والتمثيل؛ لأن المعاني تظهر فيها على شكل صور. وأتم كشف من هذه الحضرة، هو لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؛ فلم يكن يمتنع منه شيء فيها. وكيف يمتنع وهو عنه صدر؟!.. ومن هذه الحضرة قال صلى الله عليه وآله وسلم: «عُرِضَتْ عَلَيَّ الْجَنَّةُ وَالنَّارُ آنِفًا فِي عُرْضِ هَذَا الْحَائِطِ ، فَلَمْ أَرَ كَالْخَيْرِ وَالشَّرِّ»[متفق عليه]. والسبب في كون هذه الحضرة جنة، هو انحجاب المعاني بالصور؛ من جَنَّ بمعنى ستر.
وقوله: "فالتفتن فرأينني، فأردن أن يتلثمن؛ فقال لهن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تتلثمن، فإنه من نوري!""، يعني أن المعاني أرادت أن تتحجب عنه كما تحجبت عن غيره من الناس، لِما هي مفطورة عليه في أصلها من العزة؛ فلما أمرها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن تظهر له، بصفته المتصرف بالأصالة في هذه الحضرات، سمعت وأطاعت؛ وأعلمها صلى الله عليه وآله وسلم أنه من نوره، حتى تبقى على العهد الأول معه؛ فإنها لم تُخلق إلا له.
وأما قوله: "فلما دخل الأولياء وهم أشباح، ونظروا إلى أرواح أهل الجنة، سكروا بغير مدام، فأسبلت الحور العين لثامهن"، فإنه يعني أولياء زمانه الذين كانوا مؤتمّين به. فإنهم لما رأوا معاني الصور، سكروا وانحلت عقولهم من غلبة ما شهدوا. وهذا هو سبب نطق بعضهم بما يخرج عن المألوفات وما تمجه العقول. فلما رأت هذه المعاني فعلها فيهم، علمت أنهم ليسوا من أُمرت بالتكشّف له، فانحجبت عنهم مرة أخرى؛ رحمة من الله بهم، وإبقاء لهم على كمال ظواهرهم. وهذه الصنف من الأولياء تتغير عليهم الأحوال بحسب ما تفعل المعاني من تحجب أو من سُفور.
لذلك يقول بعدُ: "فبكى الأولياء وضحكوا، فرأوا ما أضحكهم وما أبكاهم فسكروا وطربوا، فهاموا وغُلبوا، ثم بكوا وضحكوا"؛ يقصد أن ضحك الأولياء يكون من البسط الذي يجدونه عند انكشاف المعاني الإلهية، وأن بكاءهم يكون من القبض الذي يجدونه إذا هي تمنعت وانحجبت. فلما ترقّوا، تعلقوا بمن أضحكهم وأبكاهم وهو الحق تعالى. وقد قال سبحانه في هذا المعنى: { وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى }[النجم: 43]. فلما عرفوه في الحالين غيبا وشهادة، سكروا من المعاملتين، وطربوا من الوجد والفقد عند انفتاق عين الفهم. فهاموا بالحق عن أنفسهم، لما لم يلتفتوا إلى أغراضها منه سبحانه، وغُلبوا بشهود الحق المحيط بهم من جهة حقهم ومن جهة خلقهم؛ فذهبت أنفسهم في الذاهبين لمـّا لم تجد موضعا تقوم به في أوهامهم. ثم بكوا على ما فاتهم في الحال الأول، وضحكوا لِما آل إليه أمرهم من إطلاق عن أسر الحال. كل هذا، يذكره حتى تُعلم مرتبته من كونه وارثا محمديا، التي هي فوق ما ذُكر بكثير. وظهر أن حال الأولياء معه كحال الفرع مع أصله، فإنه لا يُدركه أبدا.
25/11/2024, 17:11 من طرف Admin
» كتاب التواضع والخمول تصنيف ابن أبي الدنيا
25/11/2024, 17:02 من طرف Admin
» كتاب: في رياض السيرة النبوية العهد المكي – د.أحمد عمر هاشم ـ ج1
25/11/2024, 16:27 من طرف Admin
» كتاب في رياض السيرة النبوية (العهد المدني) لأحمد عمر هاشم ـ ج2
25/11/2024, 15:41 من طرف Admin
» كتاب: القصص في الحديث النبوي ـ لمحمد الزير موقع مكتبة
25/11/2024, 15:03 من طرف Admin
» كتاب: الكلام على قوله تعالى {إنما يخشى الله من عباده العلماء} ـ ابن رجب الحنبلي
25/11/2024, 14:58 من طرف Admin
» كتاب: نهاية العالم في الكتاب المقدس - دراسة مقارنة مع القرآن الكريم ـ نور فائزة بنت عثمان
20/11/2024, 22:49 من طرف Admin
» كتاب مواعظ الإمام زين العابدين ـ صالح أحمد الشامي
18/11/2024, 23:30 من طرف Admin
» كتاب إتحاف النفوس بنفحات القدوس ـ عبد القدوس بن أسامة السامرائي
18/11/2024, 23:25 من طرف Admin
» كتاب الإعلام بفضل الصلاة على النبي والسلام ـ محمد بن عبد الرحمن بن علي النميري
18/11/2024, 23:20 من طرف Admin
» كتاب الغيب ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:08 من طرف Admin
» كتاب الشيطان والإنسان ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:03 من طرف Admin
» كتاب الشعراوي هنا رأيت سيدنا إبراهيم ـ سعيد أبو العنين
18/11/2024, 23:01 من طرف Admin
» كتاب الخير والشر ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:57 من طرف Admin
» كتاب التربية في مدرسة النبوة ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:55 من طرف Admin