..الإحسان حياة.

مرحبا بك أيّها الزّائر الكريم.

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

..الإحسان حياة.

مرحبا بك أيّها الزّائر الكريم.

..الإحسان حياة.

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
..الإحسان حياة.

..الإحسان معاملة ربّانيّة بأخلاق محمّديّة، عنوانها:النّور والرّحمة والهدى

المواضيع الأخيرة

» كتاب: نهاية العالم في الكتاب المقدس - دراسة مقارنة مع القرآن الكريم ـ نور فائزة بنت عثمان
التنوير في إسقاط التدبير ـ ابن عطاء الله السكندري ـ الصفحة 48 من 61 Empty20/11/2024, 22:49 من طرف Admin

» كتاب مواعظ الإمام زين العابدين ـ صالح أحمد الشامي
التنوير في إسقاط التدبير ـ ابن عطاء الله السكندري ـ الصفحة 48 من 61 Empty18/11/2024, 23:30 من طرف Admin

» كتاب إتحاف النفوس بنفحات القدوس ـ عبد القدوس بن أسامة السامرائي
التنوير في إسقاط التدبير ـ ابن عطاء الله السكندري ـ الصفحة 48 من 61 Empty18/11/2024, 23:25 من طرف Admin

» كتاب الإعلام بفضل الصلاة على النبي والسلام ـ محمد بن عبد الرحمن بن علي النميري
التنوير في إسقاط التدبير ـ ابن عطاء الله السكندري ـ الصفحة 48 من 61 Empty18/11/2024, 23:20 من طرف Admin

» كتاب الغيب ـ محمد متولي الشعراوي
التنوير في إسقاط التدبير ـ ابن عطاء الله السكندري ـ الصفحة 48 من 61 Empty18/11/2024, 23:08 من طرف Admin

» كتاب الشيطان والإنسان ـ محمد متولي الشعراوي
التنوير في إسقاط التدبير ـ ابن عطاء الله السكندري ـ الصفحة 48 من 61 Empty18/11/2024, 23:03 من طرف Admin

» كتاب الشعراوي هنا رأيت سيدنا إبراهيم ـ سعيد أبو العنين
التنوير في إسقاط التدبير ـ ابن عطاء الله السكندري ـ الصفحة 48 من 61 Empty18/11/2024, 23:01 من طرف Admin

» كتاب الخير والشر ـ محمد متولي الشعراوي
التنوير في إسقاط التدبير ـ ابن عطاء الله السكندري ـ الصفحة 48 من 61 Empty18/11/2024, 22:57 من طرف Admin

» كتاب التربية في مدرسة النبوة ـ محمد متولي الشعراوي
التنوير في إسقاط التدبير ـ ابن عطاء الله السكندري ـ الصفحة 48 من 61 Empty18/11/2024, 22:55 من طرف Admin

» كتاب: إرشاد العباد إلى سبل الرشاد ـ للملبباري
التنوير في إسقاط التدبير ـ ابن عطاء الله السكندري ـ الصفحة 48 من 61 Empty18/11/2024, 22:41 من طرف Admin

» ـ كتاب آداب الحسن البصري ـ أبن الجوزي
التنوير في إسقاط التدبير ـ ابن عطاء الله السكندري ـ الصفحة 48 من 61 Empty18/11/2024, 22:34 من طرف Admin

» كتاب الله والنفس البشرية ـ لمحمد متولي الشعراوي
التنوير في إسقاط التدبير ـ ابن عطاء الله السكندري ـ الصفحة 48 من 61 Empty18/11/2024, 22:23 من طرف Admin

» كتاب: معرفة النفس طر يق لمعرفة الرب ـ أستاذ البصيرة عبدالوهاب حسن
التنوير في إسقاط التدبير ـ ابن عطاء الله السكندري ـ الصفحة 48 من 61 Empty18/11/2024, 22:21 من طرف Admin

» كتاب الطريق الي الله ـ الشيخ علي جمعة
التنوير في إسقاط التدبير ـ ابن عطاء الله السكندري ـ الصفحة 48 من 61 Empty18/11/2024, 21:50 من طرف Admin

» كتاب: كتاب النفس والجسد والروح ـ ابراهيم البلتاجي
التنوير في إسقاط التدبير ـ ابن عطاء الله السكندري ـ الصفحة 48 من 61 Empty18/11/2024, 21:38 من طرف Admin

أفضل 10 أعضاء في هذا الشهر

دخول

لقد نسيت كلمة السر


    التنوير في إسقاط التدبير ـ ابن عطاء الله السكندري ـ الصفحة 48 من 61

    avatar
    Admin
    Admin


    المساهمات : 68539
    تاريخ التسجيل : 25/04/2018

    التنوير في إسقاط التدبير ـ ابن عطاء الله السكندري ـ الصفحة 48 من 61 Empty التنوير في إسقاط التدبير ـ ابن عطاء الله السكندري ـ الصفحة 48 من 61

    مُساهمة من طرف Admin 24/7/2020, 12:18

    الصفحة 48 من 61
    شأن الرزق


    الآية الخامسة: في شأن الرزق قوله تعالى: ﴿وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ (٢٢) فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ﴾([1])، وهذه الآية هي التي غسلت الشكوك من قلوب المؤمنين، وأشرقت في قلوبهم أنوار اليقين، فأوردت على قلوبهم الزوائد لما تضمنته من الفوائد؛ وذلك أنها تضمنت ذكر الرزق ومحله والقسم عليه، والتشبيه له بأمر لا خفاء به، ولنتبع ذكر هذه الفوائد فائدة فائدة.

    الفائدة الأولى: اعلم أنَّه تعالى لما علم كثرة اضطراب النفوس في شأن الرزق، كَرَّرَ ذكره لما تكررت ورود عوارضه على القلوب، كما تكرر الحجة إذا علمت أنَّ الشبهة متمكنة في نفس خصمك، كما كرر تعالى الاستدلال على المعاد في آيات عديدة؛ لما اضطربت فيه الملحدون، واستبعدوا أن يعود الإنسان بعد أن تمزقت أوصاله واضمحل بناؤه وصار ترابًا، أو أكلته السباع والهوام.

    فاحتج عليهم في كتابه العزيز حججًا كثيرة، منها قوله تعالى: ﴿وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي العِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ (٧٨) قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ﴾([2])، وبقوله في الآية الأخرى: ﴿وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ﴾([3])، وبقوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِي المَوْتَى﴾([4]) إلى غير ذلك، وكذلك لما علم الحق شدة اضطراب النفوس في أمر ومنها -أكد الحجة في ذلك في آيات عديدة، منها: ما تقدم ذكره، الرزق، ما لم نذكره.

    فلما علم الحق تعالى ذلك من نفوس العباد، وقال تارة: ﴿إِنَّ اللهَ هُوَ الرَّزَّاقُ﴾ [الذاريات: 58]، وقال أخرى: ﴿اللهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ﴾ [الروم: 40].

    وقال أخرى: ﴿نَحْنُ نَرْزُقُكَ﴾.

    وقال أخرى: ﴿أَمَّنْ هَذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ﴾([5])، وقال ها هنا: ﴿وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ﴾([6])؛ ليبين محل الرزق فتسكن إليه القلوب، وليس الضمان مع إبهام الحمل، كالضمان مع تبينه، فكأنه تعالى يقول: لم يكن يجب علينا أن نبين لكم محل رزقكم، لكم عندنا رزق نوصله لكم إذا جاء إبانه، وليس علينا بيانه، ولكن بلطفه ورحمته وفضله ومنته بَيَّنَ محل الرزق؛ ليكون ذلك أبلغ في ثقة النفوس به، وأقوى في دفع الشك.

    وفيه فائدة أخرى: وهو أنه تضمن تبيين المحل رفع همم الخلق عن الخلق، وألا يطلبوا إلا من الملك الحق، وذلك إذا وقع في قلبك([7]) طمع في مخلوق أو حوالة على سبب -قال لك تعالى: ﴿وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ﴾؛ أي: يا هذا المتطلع للرزق من المخلوق الضعيف العاجز في الأرض، ليس رزقك عنده، وإنما رزقك عندي، وأنا الملك القادر.

    ولأجل هذا أنه لما سمع بعض الأعراب هذه الآية نحر ناقته، وخرج فارًّا إلى الله تعالى، وهو يقول: «سبحان الله رزقي في السماء وأنا أطلبه في الأرض»([8])!.

    فانظر -رحمك الله- كيف فهم عن الله أن مراده بهذه الآية أن يدفع هِمَمَ عباده إليه، وأن يكون رغبتهم فيما لديه، كما قال في الآية الأخرى: ﴿وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ﴾([9])؛ لتجأش الهمم إلى بابه، ولتجنح القلوب إلى جنابه، فكن -رحمك الله- سماويًّا، ولا تكن سفليًّا أرضيًّا؛ ولذلك قال بعضهم:

    إذا أعطشتك أكف اللئام

    * كفتك القناعة شبعًا وريَّا

    فكن رجلًا جسمه في الثرى

    * وهامة همته في الثريَّا

    فإن إراقة ماء الحياة

    * دون إراقة ماء المحيَّا

    وسمعت شيخنا أبا العباس رحمه الله يقول: «والله ما رأيت العز إلا في رفع الهمم عن الخلق».

    واذكر أيها الأخ -رحمك الله- ها هنا قوله تعالى: ﴿وَللهِ العِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ﴾([10])، فمن العزة التي أَعَزَّ الله بها المؤمن رفع همته إلى مولاه، وثقته به دون ما سواه، واستحِ من الله أن تكون بعد أن كساك حُلَّةَ الإيمان، وَزَيَّنَكَ بزينة العرفان -أن تستولي عليك الغفلة والنسيان حتى تميل إلى الأكوان، أو تطلب من غيره وجود إحسان؛ ولذلك قال بعضهم:

    أبعد نفوذي في علوم الحقائق

    * وبعد انبساطي في مواهب خالقي

    وفي حين إشرافي على ملكوتي

    * أرى باسطًا كفى إلى غير رازقي

    فإن كلفتك النفس الغافلة عن مولاها بأن ترفع حاجتك إلى المخلوقين -فارفعها إلى من يرفع ذلك المخلوق حاجته إليه، وهين على النفس أن تهين أيمانك لتحصيل هواها، وإن تذللت لتبلغ مناها، كما قال بعضهم:

    تكلفت إذلال نفس لعزها

    * وهان عليها أن أهان لتكرما

    تقول سل المعروف يحيى بن أكثم

    * فقلت سلي ربًّا ليحيى بن أكثما

    وقبيح بالمؤمن أن ينزل حاجته بغير الله، مع علمه بوحدانيته وانفراده بربوبيته، ويسمع([11]) قوله تعالى: ﴿أَلَيْسَ اللهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ﴾([12])، وذلك ﴿أَلَيْسَ اللهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ﴾([13])، وذلك من كل أحد قبيح، ومن المؤمن أقبح، وليذكر قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَوْفُوا بِالعُقُودِ﴾([14])، ومن العقود التي عاقدته عليها ألَّا ترفع حوائجك إلا إليه، ولا تتوكل إلا عليه، وذلك لازم إقرارك له بالربوبية يوم المقادير يوم «ألست بربكم؟ قالوا: بلى» فكيف تعرفه وتوحده هنالك وتجهله هنا، وقد تواتر عليك إحسانه، وغمرك فضله وامتنانه! كما قال بعضهم:

    في القلب لكم منزلة عليه

    * لا تسكنها سعدى([15]) ولا لبناء

    في الذر عرفتكم فهل يجمل بي

    * أن أنكركم، ولحيتي شمطاء

    ورفع الهمة عن الخلق هو ميزان الفقراء ومسبار الرجال، وكما توزن الذوات كذلك توزن الأحوال والصفات، ﴿وَأَقِيمُوا الوَزْنَ بِالقِسْطِ﴾([16])؛ فيظهر الصادق بصدقه، والمدعي بمذقه: ﴿مَا كَانَ اللهُ لِيَذَرَ المُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ﴾([17]).

    وقد ابتلى الله بحكمته ووجود منته الفقراءَ الذين ليسوا بصادقين بإظهار ما كمنوا من الرغبة، وأسروا من الشهوة؛ فابتذلوا أنفسهم لأبناء الدنيا، مباسطين لهم ملائمين لهم، موافقين لهم على مآدبهم، مدفوعين على أبوابهم؛ فترى الواحد منهم يتزين كما يتزين العروس، مفتونون بإصلاح ظواهرهم، غافلون عن إصلاح سرائرهم.

    ولقد وَسَمَهُمُ الحق -سبحانه وتعالى- بسمة كشف بها عوراتهم وأظهر أخبارهم؛ فبعد أن كان نسبته أن لو صدق مع الله أن يقال فيه: «عبد الكبير» فأخرج عن هذه النسبة بعدم صدقه، فصار يقال فيه: «شيخ الأمير»، أولئك الكذابون على الله، الصادون للعباد([18]) عن صحبة أولياء الله؛ لأنَّ ما يشهده العموم فيهم يحسبونه على كل منتسب إلى الله صادق وغير صادق؛ فهم حجب أهل التحقيق وسحب شموس أهل التوفيق، ضربوا طبولهم، ونشروا أعلامهم، ولبسوا دروعهم، فإذا وقعت الحملة وَلَّوْا على أعقابهم، ناكسين ألسنتهم منطلقة بالدعوى، وقلوبهم خالية من التقوى، ألم يسمعوا قوله تعالى: ﴿لِيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ﴾([19])، أترى إذا سأل الصادقين أيترك المدعين من غير سؤال!.

    ألم يسمعوا قول الله تعالى: ﴿وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾([20])!.

    فهم في إظهار زي الصادقين، وعملهم عمل المعرضين، كما قيل:

    أما الخيام فإنها كخيامهم

    * وأرى نساء الحي غير نسائها

    لا والذي حجت قريش بيته

    * مستقبلين الركن من بطحائها

    ما أبصرت عيني خيام قبيلة

    * إلا بكيت أحبتي بفنائها

    فقد علمت -رحمك الله- أن رفع الهمة عن الخلق هو زينة أهل الطريق، وسيمة أهل التحقيق، ولنا في هذا المعنى:

    بكرت تلوم على زمان أجحفا

    * فصدفت عنها علها أن تصدفا

    لا تكثري عتبًا لدهرك إنه

    * ما إن يطالب بالوفاء ولا الصفا

    ما ضرني أن كنت فيه خاملًا

    * فالبدر بدر إن بدا أو إن خفا

    الله يعلم أنني ذو همة

    * تأبى الدنايا عفة وتطرفا

    لم لا أصون عن الورى ديباجتي

    * وأريهم عز الملوك وأشرفا؟

    أأريهم أني الفقير إليهم

    * وجميعهم لا يستطيع تصرفا!

    أم كيف أسأل رزقه من خلقه

    * هذا لعمري إن فعلت هو الجفا!

    شكوى الضعيف إلى ضعيف مثله

    * عجز أقام بحامليه على شفا

    فاسترزق الله الذي إحسانه

    * عَمَّ البرية مِنَّةً وتَلَطُّفا

    والجأ إليه تجده فيما ترتجي

    * لا تَعْدُ عن أبوابه متحرفا

    الفائدة الثانية: يحتمل أن يكون قوله -سبحانه وتعالى-: ﴿وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ﴾ أن يكون المراد إثبات رزقكم؛ أي: إثباته في اللوح المحفوظ، فإن كان المراد كذلك فهو تطمين للعباد وإعلام لهم أن رزقكم -أي الشيء الذي منه رزقكم([21])- كتبناه عندنا وأثبتناه في كتابنا، قضيناه بآياتنا من قبل وجودكم، وعَيَّنَّاهُ من قبل ظهوركم؛ فلأي شيء تضطربون! وما لكم إِلَيَّ لا تسكنون! وبوعدي لا تتقون!.

    ويحتمل أن يكون المراد: ﴿وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ﴾؛ أي الشيء الذي منه رزقكم، وهو الماء كما قال تعالى: ﴿وَجَعَلْنَا مِنَ المَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ﴾([22])، وكذلك قال ابن عباس رضي الله عنهما: هو المطر، فيكون قوله: ﴿وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ﴾؛ أي: الشيء الذي منه أصل رزقكم، ولأن الماء في نفسه رزق.

    الفائدة الثالثة: يمكن أن يكون مراد الحق -سبحانه وتعالى- بهذه الآية تعجيز العباد عن دعوى القدرة على الأسباب؛ لأنَّ الله تعالى لو أمسك الماء عن الأرض لَتَعَطَّلَ سبب كل ذي سبب، من: حارث، وزارع، وتاجر، وخائط، وكاتب، وغير ذلك؛ فكأنه يقول: ليست أسبابكم هي الرازقة لكم، ولكن أنا الرزاق([23]) لكم، وبيدي تيسير أسبابكم، أنا المنزل لكم ما به كانت أسبابكم وتَمَّتْ أكسابكم.

    الفائدة الرابعة: في اقتران الرزق بالأمر الموعود فائدة جليلة؛ وذلك أنَّ المؤمنين لَمَّا علموا أن ما وعدهم الحق لا بد من كونه، ولا قدرة لهم على تعجيله ولا تأجيله، ولا حيلة لهم في جلبه؛ فكأنه -سبحانه وتعالى- يقول: كما لا شك عندكم أن عندنا ما توعدون كذلك، لا يكن عندكم شك في أن عندنا ما ترزقون، وكما أنكم على استعجال ما وعدنا قبل وقته عاجزون، كذلك أنتم عاجزون عن أن تستعجلوا رزقًا أَجَّلَتْهُ ربوبيتنا، وَوَقَّتَتْهُ إلهيتنا.

    الفائدة الخامسة: قوله -سبحانه وتعالى-: ﴿فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ﴾([24])، في ذلك حجة عظيمة على العباد أن يكون الوفي لوعد الذي لا يخلف الميعاد، يقسم للعباد على ما ضمن لهم؛ لعلمه بما النفوس منطوية عليه من الشك والاضطراب ووجود الارتياب، فلذلك قالت الملائكة حين سمعت هذه الآية: «هلك بنو آدم، أغضبوا ربهم الجليل حتى أقسم».

    وقال بعضهم حين سمع هذه الآية: «سبحان الله! من ألجأ الكريم إلى القسم؟»، ومن علمت ثقته بك لم تحتج إلى القسم معه، وإذا علمت اضطرابه في وعدك أقسمت له؛ فهذه الآية سرت أقوامًا، وأخجلت آخرين.

    أما الذين سَرَّتْهُم فهم في المقام الأول؛ إذ يزيد بها إيمانهم، ويرسخ بها إيقانهم؛ فينتصروا([25]) بها على وساوس الشيطان وشكوك النفس، وأما الذين أخجلتهم فإنهم علموا أن الحق -سبحانه وتعالى- علم منهم عدم الثقة، ووجود الاضطراب؛ فأقامهم مقام أهل الشك، فأقسم لهم؛ فأخجلهم ذلك حياء منه، وذلك مِمَّا أفادهم الفهم عنه.

    ورُبَّ شيء واحد أوجب سرور أقوام وحزن آخرين، على حسب تفاضل الأفهام وواردات الإلهام، ألم ترى أنه أنزل قوله تعالى: ﴿اليَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلَامَ دِينًا﴾([26])، فرح بها الصحابة، وحزن بها أبو بكر رضي الله عنهم أجمعين؛ لأنه فهم منها نعي رسول الله صلى الله عليه وسلم فبكى، وأخذ من ذلك أن الشيء إذا استتم خيف عليه من التراجع إلى وجود النقصان!.

    كما قال:

    إذا تَمَّ شيءٌ دنا نَقْصُهُ

    * تَوَقَّعْ زوالًا إذا قيل تَمْ

    إذا كنت في نعمة فارعها

    * فإن المعاصي تزيل النعمْ

    واعلم أنَّ الأمر لا يتقاصر ما دام الرسول صلى الله عليه وسلم حيًّا، وفرح الصحابة رضي الله عنهم أجمعين لظاهر البشارة التي فيها، ولم ينفذوا لما نفذ إليه أبو بكر رضى الله عنه؛ فظهر لذلك سر قوله صلى الله عليه وسلم: «ما سبقكم أبو بكر بصوم ولا صلاة، ولكن بشيء وَقَرَ في صدره»([27])، والذي كان سابقًا هو بعينه هو الذي أوجب أن يفهم ما لم يفهم غيره، ومثل ذلك قوله -سبحانه وتعالى-: ﴿إِنَّ اللهَ اشْتَرَى مِنَ المُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ﴾([28])، وسمعت الشيخ أبا محمد المرجاني([29]) رحمه الله يقول: «قوم سمعوا هذه الآية الكريمة فاستبشروا بهذه المبايعة؛ فابيضت وجوهم سرورًا بها؛ إذ أَهَّلَهُمُ الحق أن يشتري منهم، وإذ أَجَلَّ أقدارهم؛ إذ رضيهم للشراء، وسرورًا بالثمن الجليل والثواب الجزيل.

    وقوم اصْفَرَّتْ وجوههم خجلًا من الله تعالى إذا اشترى منهم ما هو مالكه، فلولا أنه علم منهم وجود الدعوى الكامنة في أنفسهم، ودعوى المالكية منهم لها -لما قال: ﴿إِنَّ اللهَ اشْتَرَى مِنَ المُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ...﴾؛ فكان للذين ابْيَضَّتْ وجوههم جنتان من فضة آنيتهما وما فيهما، وكان للذين اصْفَرَّتْ وجوههم، جنتان من ذهب آنيتهما وما فيهما» انتهى كلام الشيخ.

    فلو سلم المؤمنون من بقايا المنازعهْ، ما أوقع عليهم مبايعهْ؛ ولذلك قال الله تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ اشْتَرَى مِنَ المُؤْمِنِينَ﴾، ولم يقل: «من الأنبياء والمرسلين»؛ ولذلك قال الشيخ أبو الحسن رحمه الله: «النفوس على ثلاثة أقسام: نفس لا تُشْتَرَى لِخِسَّتِهَا، ونفس تُشْتَرَى لكرامتها، ونفس لا يقع عليها الشراء لثبوت حريتها».

    فالأولى([30]): نفوس الكافرين، لا يقع عليها الشراء لخستها.

    والثاني: نفوس المؤمنين، وقع عليها الشراء لكرامتها.

    والثالث: نفوس الأنبياء والمرسلين، لم يقع عليها الشراء لثبوت حريتها». اهـ.

    الفائدة السادسة: وهو أنه تعالى أقسم بالربوبية الكاملة للسماء والأرض، ولم يقسم بغيرها من الأسماء؛ وذلك لأن الربوبية الكاملة للسماء والأرض لا ينبغي أن يشك في الثقة بها، ومن شأنهما كفالة هذا العالم العظيم الذي أنت فيه، وإذا نسبت إليه كنت كلا شيء موجود فيه، فذلك أبلغ في وجود الثقة من أن يقول: «فهو السميع» أو «العليم» أو «الرحمن» أو غير ذلك من الأسماء، فافهم!.

    الفائدة السابعة: قوله سبحانه تعالى: ﴿فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ﴾، والحق هو ضد الباطل، والباطل هو المعلوم الذي لا ثبات له، والرزق حق، كما أن الرزاق حق، والشك في الرزق شك في الرزاق، حتى كان بعضهم ينبش المقابر ثم تاب، فقال لبعض العارفين: «نبشت ألف قبر فوجدتهم كلهم محولة عن القبلة!»، فقال عارف ذلك الزمان: «إنما حول وجوههم عن القبلة تهمة الرزق».

    الفائدة الثامنة: قوله تعالى: ﴿مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ﴾ تأكيد في إثبات الرزق وتقرير لحقيقته، وأنه لا ينبغي أن يرتاب فيه مؤمن، ولا يشك فيه موقن، وأن ثبوته بمشهد بصائر القلوب كثبوت المنطق الظاهر بمشهد الأبصار؛ فنقل المعنى إلى الصورة ومثل الغيب بالشهادة، وقطع شك العباد في أمر الزرق؛ أي: فكما تنطقون لا تشكون في ذلك؛ لما أثبته العيان، كذلك لا ترتابوا في أمر الرزق فقد أثبته نور الإيمان.

    فانظر -رحمك الله- اعتناء الحق -سبحانه وتعالى- بأمر الرزق وتكراره له، وتبين مواطنه، وتنظيره بالأمور المحسوسة التي لا يرتاب فيها شاهدها، وإقسامه على ذلك بالربوبية المحيطة بالسماء والأرض، وكذلك تكرر في كلام صاحب الشرع صلوات الله عليه، فقال: «إنَّ روح القدس نفث في رُوعي، أن نفسًا لن تموت حتى تستكمل رزقها؛ فاتقوا الله وأجملوا في الطلب»([31]).

    وقال عليه الصلاة والسلام: «لو توكلتم على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خِماصًا وتروح بِطانًا»([32])، وقال عليه الصلاة والسلام: «طالب العلم تكفل الله رزقه»([33])، إلى غير ذلك من الأحاديث الواردة في ذلك.


    ([1]) الآيتان: (22، 23) من سورة الذاريات.

    ([2]) الآيتان: (78، 79) من سورة يس.

    ([3]) الآية: 27 من سورة الروم.

    ([4]) الآية: 39 من سورة فصلت.

    ([5]) الآية: 21 من سورة الملك.

    ([6]) الآية: 22 من سورة الذاريات.

    ([7]) وفي «فروينه»: بقلبك.

    ([8]) وهذه القصة يحكى نصها الإمام ابن كثير فيقول: فيما رواه في كتاب «تفسير القرآن العظيم»: «قال سفيان الثوري: قرأ واصل الأحدب هذه الآية ﴿وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ﴾ [الذاريات:22]؛ فقال ألا أرى رزقي في السماء وأنا أطلبه في الأرض؟ فدخل خربة فمكث ثلاثًا لا يصيب شيئًا، فلما أن كان في اليوم الثالث إذ هو بدوخلة من رطب، وكان له أخ أحسن نية منه فدخل معه فصارتا دوخلتين، فلم يزل ذلك دأبهم حتى فَرَّقَ بينهما الموت». اهـ.

    ([9]) الآية: 21 من سورة الحجر.

    ([10]) الآية: 8 من سورة «المنافقون».

    ([11]) وفي «فروينه»: وهو يسمع قول الله تعالى.

    ([12]) الآية: 36 من سورة الزمر.

    ([13]) الآية: 36 من سورة الزمر.

    ([14]) الآية: 1 من سورة المائدة.

    ([15]) وفي (1): سعداء.

    ([16]) الآية: 9 من سورة الرحمن.

    ([17]) الآية: 79 من سورة آل عمران.

    ([18]) وفي «فروينه»: العباد.

    ([19]) الآية: 8 من سورة الأحزاب.

    ([20]) الآية: 105 من سورة التوبة.

    ([21]) وفي (1): يرزقكم.

    ([22]) الآية: 30 من سورة الأنبياء.

    ([23]) وفي نسخة: الرزاق.

    ([24]) الآية: 23 من سورة الذاريات.

    ([25]) وفي «فروينه»: فانتصروا، وكذلك في (1).

    ([26]) الآية: 3 من سورة المائدة.

    ([27]) هذا الحديث يقول الحافظ العراقي في تخريجه: «وحديث: «ما فضل أبو بكر الناس بكثرة صلاة ولا بكثرة صيام...» [الحديث] رواه الترمذي الحكيم في «النوادر» من قول أبي بكر بن عبد الله المزني ولم أجده مرفوعًا». اهـ. [«الإحياء» جـ1، ص40].

    ([28]) الآية: 111 من سورة التوبة.

    ([29]) هو الشيخ عبد الله بن محمد العرشي، والمرجاني، رضى الله عنه يقول عنه الإمام الشعراني في «طبقاته الكبرى»: «هو الإمام القدوة، الواعظ المفسر أحد الأعلام في الفقه والتصوف قدم مصر وعظ بها، واشتهر في البلاد، ومات رضى الله عنه بتونس سنة 669هــ، وامتحن وأفتى العلماء بتكفيره، ولم يؤثروا فيه فعملوا عليه الحيلة وقتلوه رضى الله عنه». اهـ.

    ([30]) وفي «فروينه»: فالأول، وهو الأصح؛ لأنَّ السياق يقتضي ذلك.

    ([31]) حديث صحيح رواه ابن ماجه واللفظ له، والحاكم في «المستدرك»، وقال: صحيح على شرط مسلم.

    ([32]) هذا الحديث رواه الترمذي والنسائي وابن ماجه من حديث ابن هبيرة، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح، وفيما أخرجه الإمام أحمد في «مسنده»، وابن خُزيمة، والترمذي، وابن ماجه، وابن حِبَّان في «الصحيح»، والحاكم في «المستدرك» عن ابن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لو أنكم توكلون على الله تعالى حق توكله، لرزقكم كما يرزق الطير، تغدو خماصًا وتروح بطانًا». اهـ.

    ([33]) يؤيد هذا الحديث ما رواه أحمد والحاكم وصححه، وغيرهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم؛ رضاء بما يصنع»، ويشرح هذا كله ما رواه أبو داود والترمذي عن أبي الدرداء رضى الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من سلك طريقًا يبتغي فيه علمًا سهل الله له طريقًا إلى الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضاء بما يصنع، وإن العالم ليستغفر له من في السماوات ومن في الأرض حتى الحيتان في الماء، وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب، وإن العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يُوَرِّثُوا دينارًا ولا درهمًا، وإنما وَرَّثُوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظ وافر». اهـ.

    وجود

      الوقت/التاريخ الآن هو 23/11/2024, 04:23