الصفحة 27 من 53
[جواب عز الدين بن عبدالسلام في تفضيل الأولياء على العلماء]
(فصل) وسئل الشيخ عز الدين بن عبد السلام عن قول العلماء في الإحياء لما ذكر معرفة الله تعالى والعلم به, قال: والرتبة العليا في ذلك للأنبياء ثم الأولياء العارفين ثم العلماء الراسخين, ثم الصالحين.
فقدم الأولياء على العلماء, وفضلهم عليهم.
وقال الأستاذ القشيري في أول رسالته: أما بعد, فقد جعل الله سبحانه وتعالى هذه الطائفة صفوة أوليائه وفضلهم على الكافة بعد رسله وأنبيائه.
فهذا كنحو قول أبي حامد.
وهل هذا المذهب صحيح أم لا؟ فإن بعض الناس قال: لا يفضل الولي على العالم, لأن تفضيل الشخص على الآخر إنما هو برفع درجته لكثرة ثوابه المرتب على عمله, فلا فضل إلا بتفاوت الأعمال, وقد ثبت أن العلم أفضل من العمل, لأنه متعد, والعمل قاصر, والمتعدي خير من القاصر, وثوابه أكثر, فصاحبه أفضل.
قال هذا القائل: وأما تخصيص الله سبحانه وتعالى من شاء بشيء من المنح والمواهب فليس ذلك برفع درجته له بمجرده, ولا يفضل ذلك على غيره وإنما فضل الشيء غيره بكثرة ثوابه المرتب على أعماله الشاقة التي كلف القيام بها. ولو تجردت عن التكاليف لم يفضل بذلك غيره. فما حكم هذا الكلام؟
فأجاب الشيخ عز الدين بقوله: (أما تفضيل العارفين بالله على العارفين بأحكام الشرع فقول الأستاذ وأبي حامد فيه متفق, ولا يشك عاقل أن العارفين بما يجب لله من أوصاف الجلال ونعوت الكمال وبما يستحيل عليه من العيب والنقصان أفضل من العارفين بالأحكام, بل العارفون بالله أفضل من أهل الفروع والأصول, لأن العلم يشرف بشرف المعلوم وبثمراته, فالعلم بالله وصفاته أشرف من العلم بكل معلوم, من جهة أن متعلقه أشرف المعلومات وأكملها, ولأن ثماره أفضل الثمرات, فإن معرفة كل صفة من الصفات توجب حالاً عليه, وينشأ عن تلك الحال ملابسة أخلاق سنية ومجانبة أخلاق دنية.
فمن عرف سعة الرحمة أثمرت معرفته سعة الرجاء, ومن عرف شدة النقمة أثمرت معرفته شدة الخوف, وأثمر خوفه الكف عن الإثم والعصيان والفسوق, مع البكاء والأحزان والورع وحسن الانقياد والإذعان.
ومن عرف أن جميع النعمة منه أحبه, وأثمرت المحبة آثارها المعروفة, وكذلك من عرف تفرده بالنفع والضر لم يعتمد إلا عليه ولم يفوض إلا إليه.
ومن عرفه بالعظمة والإجلال هابه وعامله معاملة الهائبين من الانقياد والتذليل وغيرهما. فهذه بعض ثمار معرفة الصفات.
ولا شك أن معرفة الأحكام لا تورث شيئًا من هذه الأحوال, ولا من هذه الأقوال والأعمال, ويدل على ذلك الوقوع, فإن الفسوق فاش في كثير من علماء الأحكام, بل أكثرهم مجانبون الطاعة والاستقامة. بل قد اشتغل كثير منهم بأقوال الفلاسفة في النبوات والإلهيات, فمنهم من خرج عن الدين, ومنهم من شك, فتارة تترجح عنده الصحة, وتارة يترجح عنده البطلان ﴿فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ﴾ [التوبة: من الآية45].
والفرق بين المتكلمين من الأصوليين وبين العارفين أن المتكلم نفيت عنه علومه بالذات والصفات في أكثر الأوقات, ولا تدوم له تلك الأحوال, ولو دامت لكان من العارفين, لأنه شاركهم في دوام العرفان الموجب للأحوال الموجبة للاستقامة. وكيف يساوى بين العارفين وبين الفقهاء, والعارفون أفضل الخلق وأتقاهم لله, والله سبحانه وتعالى يقول: ﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ﴾ [الحجرات: من الآية13]، ومدحه في كتابه المبين أكرم مدحه للعالمين.
وأما قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾ [فاطر: من الآية28] فإنما أراد العارفين به وبصفاته وأفعاله دون العارفين بأحكامه, غلا يجوز حمل ذلك على علماء الأحكام, لأن الغالب عليهم عدم الخشية, وخبر الله تعالى صدق, فلا يحمل إلا على من عرفه وخشيه.
[جواب عز الدين بن عبدالسلام في تفضيل الأولياء على العلماء]
(فصل) وسئل الشيخ عز الدين بن عبد السلام عن قول العلماء في الإحياء لما ذكر معرفة الله تعالى والعلم به, قال: والرتبة العليا في ذلك للأنبياء ثم الأولياء العارفين ثم العلماء الراسخين, ثم الصالحين.
فقدم الأولياء على العلماء, وفضلهم عليهم.
وقال الأستاذ القشيري في أول رسالته: أما بعد, فقد جعل الله سبحانه وتعالى هذه الطائفة صفوة أوليائه وفضلهم على الكافة بعد رسله وأنبيائه.
فهذا كنحو قول أبي حامد.
وهل هذا المذهب صحيح أم لا؟ فإن بعض الناس قال: لا يفضل الولي على العالم, لأن تفضيل الشخص على الآخر إنما هو برفع درجته لكثرة ثوابه المرتب على عمله, فلا فضل إلا بتفاوت الأعمال, وقد ثبت أن العلم أفضل من العمل, لأنه متعد, والعمل قاصر, والمتعدي خير من القاصر, وثوابه أكثر, فصاحبه أفضل.
قال هذا القائل: وأما تخصيص الله سبحانه وتعالى من شاء بشيء من المنح والمواهب فليس ذلك برفع درجته له بمجرده, ولا يفضل ذلك على غيره وإنما فضل الشيء غيره بكثرة ثوابه المرتب على أعماله الشاقة التي كلف القيام بها. ولو تجردت عن التكاليف لم يفضل بذلك غيره. فما حكم هذا الكلام؟
فأجاب الشيخ عز الدين بقوله: (أما تفضيل العارفين بالله على العارفين بأحكام الشرع فقول الأستاذ وأبي حامد فيه متفق, ولا يشك عاقل أن العارفين بما يجب لله من أوصاف الجلال ونعوت الكمال وبما يستحيل عليه من العيب والنقصان أفضل من العارفين بالأحكام, بل العارفون بالله أفضل من أهل الفروع والأصول, لأن العلم يشرف بشرف المعلوم وبثمراته, فالعلم بالله وصفاته أشرف من العلم بكل معلوم, من جهة أن متعلقه أشرف المعلومات وأكملها, ولأن ثماره أفضل الثمرات, فإن معرفة كل صفة من الصفات توجب حالاً عليه, وينشأ عن تلك الحال ملابسة أخلاق سنية ومجانبة أخلاق دنية.
فمن عرف سعة الرحمة أثمرت معرفته سعة الرجاء, ومن عرف شدة النقمة أثمرت معرفته شدة الخوف, وأثمر خوفه الكف عن الإثم والعصيان والفسوق, مع البكاء والأحزان والورع وحسن الانقياد والإذعان.
ومن عرف أن جميع النعمة منه أحبه, وأثمرت المحبة آثارها المعروفة, وكذلك من عرف تفرده بالنفع والضر لم يعتمد إلا عليه ولم يفوض إلا إليه.
ومن عرفه بالعظمة والإجلال هابه وعامله معاملة الهائبين من الانقياد والتذليل وغيرهما. فهذه بعض ثمار معرفة الصفات.
ولا شك أن معرفة الأحكام لا تورث شيئًا من هذه الأحوال, ولا من هذه الأقوال والأعمال, ويدل على ذلك الوقوع, فإن الفسوق فاش في كثير من علماء الأحكام, بل أكثرهم مجانبون الطاعة والاستقامة. بل قد اشتغل كثير منهم بأقوال الفلاسفة في النبوات والإلهيات, فمنهم من خرج عن الدين, ومنهم من شك, فتارة تترجح عنده الصحة, وتارة يترجح عنده البطلان ﴿فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ﴾ [التوبة: من الآية45].
والفرق بين المتكلمين من الأصوليين وبين العارفين أن المتكلم نفيت عنه علومه بالذات والصفات في أكثر الأوقات, ولا تدوم له تلك الأحوال, ولو دامت لكان من العارفين, لأنه شاركهم في دوام العرفان الموجب للأحوال الموجبة للاستقامة. وكيف يساوى بين العارفين وبين الفقهاء, والعارفون أفضل الخلق وأتقاهم لله, والله سبحانه وتعالى يقول: ﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ﴾ [الحجرات: من الآية13]، ومدحه في كتابه المبين أكرم مدحه للعالمين.
وأما قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾ [فاطر: من الآية28] فإنما أراد العارفين به وبصفاته وأفعاله دون العارفين بأحكامه, غلا يجوز حمل ذلك على علماء الأحكام, لأن الغالب عليهم عدم الخشية, وخبر الله تعالى صدق, فلا يحمل إلا على من عرفه وخشيه.
أمس في 19:59 من طرف Admin
» كتاب: إيثار الحق على الخلق ـ للإمام عز الدين محمد بن إبراهيم بن الوزير الحسنى
أمس في 19:56 من طرف Admin
» كتاب: الذين رأوا رسول الله في المنام وكلّموه ـ حبيب الكل
أمس في 19:51 من طرف Admin
» كتاب: طيب العنبر فى جمال النبي الأنور ـ الدكتور عبدالرحمن الكوثر
أمس في 19:47 من طرف Admin
» كتاب: روضة الأزهار فى محبة الصحابة للنبي المختار ـ الدكتور عبدالرحمن الكوثر
أمس في 19:42 من طرف Admin
» كتاب: دلائل المحبين فى التوسل بالأنبياء والصالحين ـ الشيخ فتحي سعيد عمر الحُجيري
أمس في 19:39 من طرف Admin
» كتاب: ريحانة الارواح في مولد خير الملاح لسيدي الشيخ علي أمين سيالة
أمس في 19:37 من طرف Admin
» كتاب: قواعد العقائد فى التوحيد ـ حجة الإسلام الإمام الغزالي
أمس في 19:35 من طرف Admin
» كتاب: سر الاسرار باضافة التوسل ـ الشيخ أحمد الطيب ابن البشير
أمس في 19:33 من طرف Admin
» كتاب: خطوتان للحقيقة ـ الأستاذ محمد مرتاض ــ سفيان بلحساين
أمس في 19:27 من طرف Admin
» كتاب: محمد صلى الله عليه وسلم مشكاة الأنوار ـ الشيخ عبدالله صلاح الدين القوصي
أمس في 19:25 من طرف Admin
» كتاب: النسمات القدوسية شرح المقدمات السنوسية الدكتور النعمان الشاوي
أمس في 19:23 من طرف Admin
» كتاب: المتمم بأمر المعظم صلى الله عليه وآله وسلم ـ الشيخ ناصر الدين عبداللطيف ناصر الدين الخطيب
أمس في 19:20 من طرف Admin
» كتاب: الجواهر المكنونة فى العلوم المصونة ـ الشيخ عبدالحفيظ الخنقي
أمس في 19:16 من طرف Admin
» كتاب: الرسالة القدسية في أسرار النقطة الحسية ـ ابن شهاب الهمداني
أمس في 19:09 من طرف Admin