مع الحبيب المصطفى ﷺ : كلما زاد الإيمان زادت الأخلاق
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم
296ـ كلما زاد الإيمان زادت الأخلاق
مقدمة الكلمة:
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لَقَدْ جَاءَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ هَاديًاً للبَشَـرِيَّةِ جَمْعَاءَ، جَاءَ لِيُخْرِجَهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إلى النُّورِ بِعَقِيدَةٍ صَحِيحَةٍ سَلِيمَةٍ، جَاءَ لِيُهَذِّبَ النُّفُوسَ وَيُرَوِّضَهَا وَيُرَبِّيَهَا عَلَى القِيَمِ وَالأَخْلَاقِ، جَاءَ لِيُنَظِّمَ عَلَاقَاتِ النَّاسِ مَعَ رَبِّهِمْ، وَمَعَ أَبْنَاءِ جِنْسِهِمْ، جَاءَ لِنَشْرِ الخَيْرِ وَالفَضِيلَةِ بَيْنَ النَّاسِ، وَلِمُحَارَبَةِ الشَّرِّ وَالرَّذِيلَةِ، جَاءَ لِيُغْلِقَ أَبْوَابَ الفَسَادِ وَالشَّرِّ؛ لِذَا فَقَدْ كَانَتْ مَكَارِمُ الأَخْلَاقِ، وَمَحَاسِنُ الآدَابِ، وَرَفِيعُ القِيَمِ، وَفَضَائِلُ الشِّيَمِ، وَكَرِيمُ الصِّفَاتِ وَالسَّجَايَا مِنْ أَسْمَى مَا دَعَا إِلَيْهَا سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.
لَقَدْ دَعَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إلى أَخْلَاقٍ فَرِيدَةٍ، وَجَعَلَ لَهَا نِظَامَاً لَمْ وَلَنْ يَصِلَ إِلَيْهِ أَيُّ نِظَامٍ بَشَرِيٍّ، لِأَنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مَا يَنْطِقُ عَنِ الهَوَى، وَلِأَنَّهُ أَوْلَى بِالمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ، وَلِأَنَّهُ لَا يَبْتَغِي الأَجْرَ إِلَّا مِنَ اللهِ تعالى.
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: صَلَاحُ الأَفْرَادِ وَالجَمَاعَاتِ وَالأُمَمِ بِالإِيمَانِ وَالأَخْلَاقِ، وَكُلَّمَا زَادَ الإِيمَانُ زَادَتِ الأَخْلَاقُ السَّامِيَةُ، وَكُلَّمَا ضَعُفَ الإِيمَانُ أُصِيبَ الفَرْدُ وَالجَمَاعَةُ وَالأُمَّةُ في أَخْلَاقِهَا، وَهَذَا مَا أَكَّدَهُ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِ: «لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَا يَشْرَبُ الخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَا يَسْرِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَا يَنْتَهِبُ نُهْبَةً، يَرْفَعُ النَّاسُ إِلَيْهِ فِيهَا أَبْصَارَهُمْ حِينَ يَنْتَهِبُهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ» رواه الإمام البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
وَإِذَا أُصِيبَتِ الأُمَّةُ في أَخْلَاقِهَا تَصَدَّعَتْ أَرْكَانُهَا، وَتَزَعْزَعَ أَمْرُهَا، وَفَسَدَ أَبْنَاؤُهَا، وَصَارَ بَاطِنُ الأَرْضِ خَيْرٌ لَهَا مِن ظَهْرِهَا.
مَكَانَةُ الأَخْلَاقِ في الإِسْلَامِ:
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لَقَدْ جَاءَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِهَذَا الدِّينِ الحَنِيفِ لِيَنْقُلَ الإِنْسَانِيَّةَ إلى فَسِيحِ حَيَاةٍ مُشْرِقَةٍ بِالفَضَائِلِ وَالآدَابِ، وَاعْتَبَرَ السَّبِيلَ المُوصِلَ إِلَيْهَا مِنْ صَمِيمِ رِسَالَتِهِ، وَاعْتَبَرَ الخُرُوجَ عَنْهَا وَالإِخْلَالَ بِهَا خُرُوجَاً عَلَيْهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَابْتِعَادَاً عَنْهُ؛ عَلَى سَبِيلِ المِثَالِ قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَمَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا» رواه الإمام مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لَقَدْ جَعَلَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الأُمَّةَ في ذُرْوَةِ الكَمَالِ، وفي قِمَّةِ الخَيْرِ وَالفَضِيلَةِ وَالأَخْلَاقِ، حَتَّى شَهِدَ اللهُ تعالى لَهَا بِقَوْلِهِ: ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ﴾. وَلَا خَيْرِيَّةَ في فَرْدٍ وَأُمَّةٍ إِذَا لَمْ تَتَحَلَّ بِالأَخْلَاقِ التي جَاءَ بِهَا سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لِنَسْمَعْ إلى بَعْضِ أَحَادِيثِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ في هَذَا المَقَامِ، سَائِلِينَ المَوْلَى أَنْ تَكُونَ حُجَّةً لَنَا لَا عَلَيْنَا.
أولاً: روى الحاكم عَنْ أُسَامَةَ بْنِ شَرِيكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كُنَّا جُلُوسَاً عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كَأَنَّمَا عَلَى رُؤُوسِنَا الطَّيْرُ، لَا يَتَكَلَّمُ مِنَّا مُتَكَلِّمٌ، إِذْ جَاءَهُ نَاسٌ مِنَ الْأَعْرَابِ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، فَمَنْ أَحَبُّ عِبَادِ اللهِ إِلَى اللهِ؟
قَالَ: «أَحْسَنُهُمْ خُلُقَاً».
وفي رِوَايَةٍ ثَانِيَةٍ: قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، مَا خَيْرُ مَا أُعْطِيَ الْإِنْسَانُ؟
قَالَ: «خُلُقٌ حَسَنٌ».
ثانياً: روى الإمام أحمد عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كُنْتُ فِي مَجْلِسٍ فِيهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؛ وَأَبِي سَمُرَةُ جَالِسٌ أَمَامِي.
فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ الْفُحْشَ وَالتَّفَحُّشَ لَيْسَا مِنَ الْإِسْلَامِ، وَإِنَّ أَحْسَنَ النَّاسِ إِسْلَامَاً، أَحْسَنُهُمْ خُلُقَاً».
ثالثاً: روى أبو داود عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ سُئِلَ: أَيُّ الْمُؤْمِنِينَ أَكْمَلُ إِيمَانَاً؟
قَالَ: «رَجُلٌ يُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللهِ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ، وَرَجُلٌ يَعْبُدُ اللهَ فِي شِعْبٍ مِنَ الشِّعَابِ قَدْ كُفِيَ النَّاسُ شَرَّهُ».
رابعاً: روى الإمام أحمد عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَحَبِّكُمْ إِلَيَّ وَأَقْرَبِكُمْ مِنِّي مَجْلِسَاً يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟».
فَسَكَتَ الْقَوْمُ، فَأَعَادَهَا مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثَاً؛ قَالَ الْقَوْمُ: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللهِ.
قَالَ: «أَحْسَنُكُمْ خُلُقَاً».
خامساً: روى أبو داود عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَا مِنْ شَيْءٍ أَثْقَلُ فِي الْمِيزَانِ مِنْ حُسْنِ الْخُلُقِ».
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: هَلْ سَمِعَتِ البَشَرِيَّةُ مِثْلَ هَذِهِ القَوَاعِدِ في الأَخْلَاقِ؟ الإِسْلَامُ الحَقُّ هُوَ الخُلُقُ الحَسَنُ الذي حَرَّضَ عَلَيْهِ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أُمَّتَهُ.
روى الطَّبَرَانِيُّ في الكَبِيرِ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ الْعَبْدَ لَيَبْلُغُ بِحُسْنِ خُلُقِهِ عَظِيمَ دَرَجَاتِ الْآخِرَةِ، وَشَرَفَ المَنَازِلِ، وَإِنَّهُ لَضَعِيفُ الْعِبَادَةِ، وَإِنَّهُ لَيَبْلُغُ بِسُوءِ خُلُقِهِ أَسْفَلَ دَرَجَةٍ فِي جَهَنَّمَ».
وروى الحاكم عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ الرَّجُلَ لَيُدْرِكُ بِحُسْنِ خُلُقِهِ دَرَجَاتِ قَائِمِ اللَّيْلِ صَائِمِ النَّهَارِ».
خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لَقَدْ جَعَلَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَلَازُمَاً بَيْنَ الإِيمَانِ وَالأَخْلَاقِ، فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مِنْ أَكْمَلِ المُؤْمِنِينَ إِيمَانَاً أَحْسَنُهُمْ خُلُقَاً وَأَلْطَفُهُمْ بِأَهْلِهِ» رواه الحاكم عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا.
لَقَدْ جَعَلَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كَثِيرَاً مِنَ الأَخْلَاقِ مِنْ شُعَبِ الإِيمَانِ، فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ ـ أَوْ بِضْعٌ وَسِتُّونَ ـ شُعْبَةً، فَأَفْضَلُهَا قَوْلُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الْأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ، وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الْإِيمَانِ» رواه الإمام مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
لَقَدْ نَفَى سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الإِيمَانَ عَمَّنْ سَاءَ خُلُقُهُ، وَخَاصَّةً مَعَ جَارِهِ، فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «وَاللهِ لَا يُؤْمِنُ، وَاللهِ لَا يُؤْمِنُ، وَاللهِ لَا يُؤْمِنُ».
قِيلَ: وَمَنْ يَا رَسُولَ اللهِ؟
قَالَ: «الَّذِي لاَ يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَايِقَهُ» رواه الإمام البخاري عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
يَا رَبُّ نَسْأَلُكَ كَمَالَ الإِيمَانِ، وَكَمَالَ الأَخْلَاقِ، مَعَ الإِخْلَاصِ. آمين.
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم
296ـ كلما زاد الإيمان زادت الأخلاق
مقدمة الكلمة:
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لَقَدْ جَاءَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ هَاديًاً للبَشَـرِيَّةِ جَمْعَاءَ، جَاءَ لِيُخْرِجَهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إلى النُّورِ بِعَقِيدَةٍ صَحِيحَةٍ سَلِيمَةٍ، جَاءَ لِيُهَذِّبَ النُّفُوسَ وَيُرَوِّضَهَا وَيُرَبِّيَهَا عَلَى القِيَمِ وَالأَخْلَاقِ، جَاءَ لِيُنَظِّمَ عَلَاقَاتِ النَّاسِ مَعَ رَبِّهِمْ، وَمَعَ أَبْنَاءِ جِنْسِهِمْ، جَاءَ لِنَشْرِ الخَيْرِ وَالفَضِيلَةِ بَيْنَ النَّاسِ، وَلِمُحَارَبَةِ الشَّرِّ وَالرَّذِيلَةِ، جَاءَ لِيُغْلِقَ أَبْوَابَ الفَسَادِ وَالشَّرِّ؛ لِذَا فَقَدْ كَانَتْ مَكَارِمُ الأَخْلَاقِ، وَمَحَاسِنُ الآدَابِ، وَرَفِيعُ القِيَمِ، وَفَضَائِلُ الشِّيَمِ، وَكَرِيمُ الصِّفَاتِ وَالسَّجَايَا مِنْ أَسْمَى مَا دَعَا إِلَيْهَا سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.
لَقَدْ دَعَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إلى أَخْلَاقٍ فَرِيدَةٍ، وَجَعَلَ لَهَا نِظَامَاً لَمْ وَلَنْ يَصِلَ إِلَيْهِ أَيُّ نِظَامٍ بَشَرِيٍّ، لِأَنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مَا يَنْطِقُ عَنِ الهَوَى، وَلِأَنَّهُ أَوْلَى بِالمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ، وَلِأَنَّهُ لَا يَبْتَغِي الأَجْرَ إِلَّا مِنَ اللهِ تعالى.
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: صَلَاحُ الأَفْرَادِ وَالجَمَاعَاتِ وَالأُمَمِ بِالإِيمَانِ وَالأَخْلَاقِ، وَكُلَّمَا زَادَ الإِيمَانُ زَادَتِ الأَخْلَاقُ السَّامِيَةُ، وَكُلَّمَا ضَعُفَ الإِيمَانُ أُصِيبَ الفَرْدُ وَالجَمَاعَةُ وَالأُمَّةُ في أَخْلَاقِهَا، وَهَذَا مَا أَكَّدَهُ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِ: «لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَا يَشْرَبُ الخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَا يَسْرِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَا يَنْتَهِبُ نُهْبَةً، يَرْفَعُ النَّاسُ إِلَيْهِ فِيهَا أَبْصَارَهُمْ حِينَ يَنْتَهِبُهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ» رواه الإمام البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
وَإِذَا أُصِيبَتِ الأُمَّةُ في أَخْلَاقِهَا تَصَدَّعَتْ أَرْكَانُهَا، وَتَزَعْزَعَ أَمْرُهَا، وَفَسَدَ أَبْنَاؤُهَا، وَصَارَ بَاطِنُ الأَرْضِ خَيْرٌ لَهَا مِن ظَهْرِهَا.
مَكَانَةُ الأَخْلَاقِ في الإِسْلَامِ:
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لَقَدْ جَاءَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِهَذَا الدِّينِ الحَنِيفِ لِيَنْقُلَ الإِنْسَانِيَّةَ إلى فَسِيحِ حَيَاةٍ مُشْرِقَةٍ بِالفَضَائِلِ وَالآدَابِ، وَاعْتَبَرَ السَّبِيلَ المُوصِلَ إِلَيْهَا مِنْ صَمِيمِ رِسَالَتِهِ، وَاعْتَبَرَ الخُرُوجَ عَنْهَا وَالإِخْلَالَ بِهَا خُرُوجَاً عَلَيْهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَابْتِعَادَاً عَنْهُ؛ عَلَى سَبِيلِ المِثَالِ قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَمَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا» رواه الإمام مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لَقَدْ جَعَلَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الأُمَّةَ في ذُرْوَةِ الكَمَالِ، وفي قِمَّةِ الخَيْرِ وَالفَضِيلَةِ وَالأَخْلَاقِ، حَتَّى شَهِدَ اللهُ تعالى لَهَا بِقَوْلِهِ: ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ﴾. وَلَا خَيْرِيَّةَ في فَرْدٍ وَأُمَّةٍ إِذَا لَمْ تَتَحَلَّ بِالأَخْلَاقِ التي جَاءَ بِهَا سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لِنَسْمَعْ إلى بَعْضِ أَحَادِيثِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ في هَذَا المَقَامِ، سَائِلِينَ المَوْلَى أَنْ تَكُونَ حُجَّةً لَنَا لَا عَلَيْنَا.
أولاً: روى الحاكم عَنْ أُسَامَةَ بْنِ شَرِيكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كُنَّا جُلُوسَاً عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كَأَنَّمَا عَلَى رُؤُوسِنَا الطَّيْرُ، لَا يَتَكَلَّمُ مِنَّا مُتَكَلِّمٌ، إِذْ جَاءَهُ نَاسٌ مِنَ الْأَعْرَابِ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، فَمَنْ أَحَبُّ عِبَادِ اللهِ إِلَى اللهِ؟
قَالَ: «أَحْسَنُهُمْ خُلُقَاً».
وفي رِوَايَةٍ ثَانِيَةٍ: قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، مَا خَيْرُ مَا أُعْطِيَ الْإِنْسَانُ؟
قَالَ: «خُلُقٌ حَسَنٌ».
ثانياً: روى الإمام أحمد عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: كُنْتُ فِي مَجْلِسٍ فِيهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؛ وَأَبِي سَمُرَةُ جَالِسٌ أَمَامِي.
فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ الْفُحْشَ وَالتَّفَحُّشَ لَيْسَا مِنَ الْإِسْلَامِ، وَإِنَّ أَحْسَنَ النَّاسِ إِسْلَامَاً، أَحْسَنُهُمْ خُلُقَاً».
ثالثاً: روى أبو داود عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ سُئِلَ: أَيُّ الْمُؤْمِنِينَ أَكْمَلُ إِيمَانَاً؟
قَالَ: «رَجُلٌ يُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللهِ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ، وَرَجُلٌ يَعْبُدُ اللهَ فِي شِعْبٍ مِنَ الشِّعَابِ قَدْ كُفِيَ النَّاسُ شَرَّهُ».
رابعاً: روى الإمام أحمد عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَحَبِّكُمْ إِلَيَّ وَأَقْرَبِكُمْ مِنِّي مَجْلِسَاً يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟».
فَسَكَتَ الْقَوْمُ، فَأَعَادَهَا مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثَاً؛ قَالَ الْقَوْمُ: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللهِ.
قَالَ: «أَحْسَنُكُمْ خُلُقَاً».
خامساً: روى أبو داود عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَا مِنْ شَيْءٍ أَثْقَلُ فِي الْمِيزَانِ مِنْ حُسْنِ الْخُلُقِ».
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: هَلْ سَمِعَتِ البَشَرِيَّةُ مِثْلَ هَذِهِ القَوَاعِدِ في الأَخْلَاقِ؟ الإِسْلَامُ الحَقُّ هُوَ الخُلُقُ الحَسَنُ الذي حَرَّضَ عَلَيْهِ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أُمَّتَهُ.
روى الطَّبَرَانِيُّ في الكَبِيرِ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ الْعَبْدَ لَيَبْلُغُ بِحُسْنِ خُلُقِهِ عَظِيمَ دَرَجَاتِ الْآخِرَةِ، وَشَرَفَ المَنَازِلِ، وَإِنَّهُ لَضَعِيفُ الْعِبَادَةِ، وَإِنَّهُ لَيَبْلُغُ بِسُوءِ خُلُقِهِ أَسْفَلَ دَرَجَةٍ فِي جَهَنَّمَ».
وروى الحاكم عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ الرَّجُلَ لَيُدْرِكُ بِحُسْنِ خُلُقِهِ دَرَجَاتِ قَائِمِ اللَّيْلِ صَائِمِ النَّهَارِ».
خَاتِمَةٌ ـ نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةِ ـ:
أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: لَقَدْ جَعَلَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَلَازُمَاً بَيْنَ الإِيمَانِ وَالأَخْلَاقِ، فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مِنْ أَكْمَلِ المُؤْمِنِينَ إِيمَانَاً أَحْسَنُهُمْ خُلُقَاً وَأَلْطَفُهُمْ بِأَهْلِهِ» رواه الحاكم عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا.
لَقَدْ جَعَلَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كَثِيرَاً مِنَ الأَخْلَاقِ مِنْ شُعَبِ الإِيمَانِ، فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ ـ أَوْ بِضْعٌ وَسِتُّونَ ـ شُعْبَةً، فَأَفْضَلُهَا قَوْلُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الْأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ، وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الْإِيمَانِ» رواه الإمام مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
لَقَدْ نَفَى سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الإِيمَانَ عَمَّنْ سَاءَ خُلُقُهُ، وَخَاصَّةً مَعَ جَارِهِ، فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «وَاللهِ لَا يُؤْمِنُ، وَاللهِ لَا يُؤْمِنُ، وَاللهِ لَا يُؤْمِنُ».
قِيلَ: وَمَنْ يَا رَسُولَ اللهِ؟
قَالَ: «الَّذِي لاَ يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَايِقَهُ» رواه الإمام البخاري عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
يَا رَبُّ نَسْأَلُكَ كَمَالَ الإِيمَانِ، وَكَمَالَ الأَخْلَاقِ، مَعَ الإِخْلَاصِ. آمين.
25/11/2024, 17:11 من طرف Admin
» كتاب التواضع والخمول تصنيف ابن أبي الدنيا
25/11/2024, 17:02 من طرف Admin
» كتاب: في رياض السيرة النبوية العهد المكي – د.أحمد عمر هاشم ـ ج1
25/11/2024, 16:27 من طرف Admin
» كتاب في رياض السيرة النبوية (العهد المدني) لأحمد عمر هاشم ـ ج2
25/11/2024, 15:41 من طرف Admin
» كتاب: القصص في الحديث النبوي ـ لمحمد الزير موقع مكتبة
25/11/2024, 15:03 من طرف Admin
» كتاب: الكلام على قوله تعالى {إنما يخشى الله من عباده العلماء} ـ ابن رجب الحنبلي
25/11/2024, 14:58 من طرف Admin
» كتاب: نهاية العالم في الكتاب المقدس - دراسة مقارنة مع القرآن الكريم ـ نور فائزة بنت عثمان
20/11/2024, 22:49 من طرف Admin
» كتاب مواعظ الإمام زين العابدين ـ صالح أحمد الشامي
18/11/2024, 23:30 من طرف Admin
» كتاب إتحاف النفوس بنفحات القدوس ـ عبد القدوس بن أسامة السامرائي
18/11/2024, 23:25 من طرف Admin
» كتاب الإعلام بفضل الصلاة على النبي والسلام ـ محمد بن عبد الرحمن بن علي النميري
18/11/2024, 23:20 من طرف Admin
» كتاب الغيب ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:08 من طرف Admin
» كتاب الشيطان والإنسان ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:03 من طرف Admin
» كتاب الشعراوي هنا رأيت سيدنا إبراهيم ـ سعيد أبو العنين
18/11/2024, 23:01 من طرف Admin
» كتاب الخير والشر ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:57 من طرف Admin
» كتاب التربية في مدرسة النبوة ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:55 من طرف Admin