مع الحبيب المصطفى: «بِسْمِ الله, وَعَلَى مِلَّةِ رَسُولِ الله»
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم
112ـ «بِسْمِ الله، وَعَلَى مِلَّةِ رَسُولِ الله»
مقدمة الكلمة:
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فيا أيُّها الإخوة الكرام: أهلُ الغَفْلَةِ عن الله عزَّ وجلَّ أعمارُهُم حُجَّةٌ عَلَيهِم، وأنفاسُ أعمارِهِم تَقودُهُم إلى نِهايَةٍ وَخيمَةٍ.
هذهِ الدُّنيا فَجَعَتِ الكَثيرَ من النَّاسِ الذينَ وَثِقوا بها، وصَرَعَت من اطمَأَنَّ إلَيها، وخَدَعَت من احتَالَ عَلَيها.
هذهِ الدُّنيا جَعَلَتِ المُختالَ حَقيراً، والمُعتَزَّ بِغَيرِ الله ذَليلاً، أعمارُنا فيها قَصيرَةٌ، والعَظيمُ فيها يَسيرٌ، وُجودُها يَسيرُ إلى العَدَمِ، وسُرورُها إلى حُزنٍ، وأكيَسُ النَّاسِ أكثَرُهُم ذِكْراً للمَوتِ، وأشَدُّهُمُ استِعداداً لَهُ، كما جاءَ في الحَديثِ الشَّريفِ الذي رواه الطَّبَرانِيُّ في الكَبيرِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهُما قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عَاشِرَ عَشْرَةٍ، فَجَاءَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ فَقَالَ: يَا نَبِيَّ الله، مَنْ أَكْيَسُ النَّاسِ وَأَحْزَمُ النَّاسِ؟
قَالَ: «أَكْثَرَهُمْ ذِكْراً لِلْمَوْتِ، وَأَشَدُّهُمُ اسْتِعْدَاداً لِلْمَوْتِ قَبْلَ نُزُولِ الْمَوْتِ، أُولَئِكَ هُمُ الأَكْيَاسُ، ذَهَبُوا بِشَرَفِ الدُّنْيَا، وَكَرَامَةِ الآخِرَةِ».
وجاءَ في سُنَنِ ابنِ ماجه عَن الْبَرَاءِ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فِي جِنَازَةٍ، فَجَلَسَ عَلَى شَفِيرِ الْقَبْرِ، فَبَكَى حَتَّى بَلَّ الثَّرَى.
ثُمَّ قَالَ: «يَا إِخْوَانِي، لِمِثْلِ هَذَا فَأَعِدُّوا».
أيُّها الإخوة الكرام: يَقولُ الحَسَنُ البَصْرِيُّ رَحِمَهُ اللهُ تعالى: إنَّ المَوتَ قد فَضَحَ الدُّنيا، فَلَمْ يَدَعْ لِذِي لُبٍّ بها فَرَحاً.
لِنَحْذَرْ أيُّها الإخوة الكرام أن يأخُذَنا اللهُ تعالى على ذَنْبٍ، فَنَتَلَقَّاهُ ولا حُجَّةَ لنا.
ما يُسَنُّ فِعلُهُ عِندَ مَوتِ المُحتَضَرِ:
أيُّها الإخوة الكرام: لقد حَضَّنا سَيِّدُنا رَسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ على تَلقينِ المَوتَى كَلِمَةَ التَّوحيدِ، لأنَّ السَّعيدَ من خُتِمَ لَهُ عَلَيها.
ولَعَلَّنا أيُّها الإخوة الكرام أن نَتَعَلَّمَ بَعضَ السُّنَنِ إذا حَضَرْنا مَريضاً، وخاصَّةً إذا كانَ مَريضَاً مَرَضَ المَوتِ، فلا نَقولَ عِندَهُ إلا خَيراً، وذلكَ لِقَولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا حَضَرْتُمُ الْمَرِيضَ أَو الْمَيِّتَ فَقُولُوا خَيْراً، فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ يُؤَمِّنُونَ عَلَى مَا تَقُولُونَ» رواه الإمام مسلم عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللهُ عنها. هذا أولاً.
ثانياً: يُندَبُ قِرَاءَةُ سُورَةِ يس عِندَ المُحتَضَرِ:
روى الإمام أحمد في مُسنَدِهِ عن صَفوانَ رَضِيَ اللهُ عنهُ قال: كَانَتِ المشيَخَةُ يَقولونَ: إذا قُرِئَتْ يس عِندَ المَوتِ خُفِّفَ عَنهُ بِهَا.
وأسنَدَهُ صَاحِبُ مُسنَدِ الفردوسِ إلى أبي الدَّردَاءِ وأبي ذَرٍّ رَضِيَ اللهُ عنهُما قالا: قالَ رَسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَا مِنْ مَيِّتٍ يَموتُ فَتُقرَأُ عِندَهُ يس إلا هَوَّنَ اللهُ عَلَيهِ».
وقالَ الشَّعبِيُّ: كانَ الأنصارُ يَقرَؤونَ عِندَ المَيِّتِ بِسُورَةِ البَقَرَةِ.
ثالثاً: تَوجيهُ المُحتَضَرِ للقِبلَةِ:
يُستَحَبُّ تَوجيهُ المُحتَضَرِ للقِبلَةِ عِندَ شُخوصِ بَصَرِهِ إلى السَّماءِ، لما روى الحاكم عن عَبدِ الله بنِ أبي قتادَةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ، أنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ حِينَ قَدِمَ المَدينَةَ سَأَلَ عن البَراءِ بنِ مَعرورٍ.
فقالوا: تُوِفِّيَ وأوصَى بِثُلُثِهِ لَكَ يا رَسولَ الله، وأوَصَى أن يُوَجَّهَ إلى القِبلَةِ لما احتُضِرَ.
فقالَ رَسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَصَابَ الفِطرَةَ، وقد رَدَدْتُ ثُلُثَهُ عَلَى وَلَدِهِ».
ثمَّ ذَهَبَ فَصَلَّى عَلَيهِ فقال: «اللَّهُمَّ اغفِرْ لَهُ وارحَمْهُ، وأَدخِلْهُ جَنَّتَكَ، وقد فَعَلتَ».
رابعاً: بَلُّ حَلْقِ المُحتَضَرِ بالماءِ:
يُسَنُّ لِمَن حَضَرَ مُحتَضَراً أن يَتَعَهَّدَ بَلَّ حَلْقِهِ بماءٍ أو شَرابٍ، ويُسَنُّ تَندِيَةُ شَفَتَيْهِ بالماءِ، لأنَّهُ رُبَّما يَنشَفُ حَلْقُهُ من شِدَّةِ ما نَزَلَ به فَيَعجَزُ عن الكَلامِ.
خامساً: تَغميضُ بَصَرِهِ عِندَ المَوتِ:
من السُّنَّةِ إذا ماتَ المَيِّتُ أن يُشَدَّ لِحْياهُ وتُغَمَّضَ عَيناهُ، فإنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ عَلَى أَبِي سَلَمَةَ وَقَدْ شَقَّ بَصَرُهُ، فَأَغْمَضَهُ ثُمَّ قَالَ: «إِنَّ الرُّوحَ إِذَا قُبِضَ تَبِعَهُ الْبَصَرُ».
فَضَجَّ نَاسٌ مِنْ أَهْلِهِ فَقَالَ: «لَا تَدْعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ إِلَّا بِخَيْرٍ، فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ يُؤَمِّنُونَ عَلَى مَا تَقُولُونَ».
ثُمَّ قَالَ: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِأَبِي سَلَمَةَ، وَارْفَعْ دَرَجَتَهُ فِي الْمَهْدِيِّينَ، وَاخْلُفْهُ فِي عَقِبِهِ فِي الْغَابِرِينَ، وَاغْفِرْ لَنَا وَلَهُ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ وَافْسَحْ لَهُ فِي قَبْرِهِ وَنَوِّرْ لَهُ فِيهِ» رواه الإمام مسلم عَن أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللهُ عنها.
وروى الإمام أحمد وابن ماجه عَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا حَضَرْتُمْ مَوْتَاكُمْ فَأَغْمِضُوا الْبَصَرَ، فَإِنَّ الْبَصَرَ يَتْبَعُ الرُّوحَ، وَقُولُوا خَيْراً، فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ تُؤَمِّنُ عَلَى مَا قَالَ أَهْلُ الْبَيْتِ». ولا يَكونُ إغماضُ البَصَرِ إلا بَعدَ التَّأَكُّدِ من خُروجِ الرُّوحِ.
ويَتَوَلَّى ذلكَ أرفَقُ أهلِهِ به، ويَقولُ عِندَ تَغميضِ عَينَيْهِ ما رواه البَيهَقي عَن بَكرِ بنِ عَبدِ الله قَال: إَذَا غَمَضْتَ المَيْتِ فَقُل: بِسمِ اللهِ وعَلَى مِلَّةِ رَسُولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وإِذَا حَمَلتَهُ فَقُل: بِسمِ الله ثُمَّ سَبِّح مَا دُمتَ تَحمِلُهُ
وجاءَ في الدُّرِّ المُختارِ: وَيَقُولُ مُغَمِّضُهُ: بِسْمِ الله، وَعَلَى مِلَّةِ رَسُولِ الله، اللَّهُمَّ يَسِّرْ عَلَيْهِ أَمْرَهُ، وَسَهِّلْ عَلَيْهِ مَا بَعْدَهُ، وَأَسْعِدْهُ بِلِقَائِك، وَاجْعَلْ مَا خَرَجَ إلَيْهِ خَيْراً مِمَّا خَرَجَ عَنْهُ.
ويَقُولُ ذلِكَ عندَ إدخَالِ المَيْتِ القَبرَ روى الإمام أحمد عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهُما، عَن النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا وَضَعْتُمْ مَوْتَاكُمْ فِي الْقَبْرِ فَقُولُوا: بِسْمِ الله، وَعَلَى مِلَّةِ رَسُولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ».
سادساً: تَليينُ مَفاصِلِهِ:
يُستَحَبُّ بَعدَ خُروجِ الرُّوحِ من المَيِّتِ أن تُنزَعَ عنهُ ثِيابُهُ التي ماتَ فيها، ويُسَجَّى بَعدَ ذلكَ جَميعُ بَدَنِهِ بِثَوبٍ، لما روى الإمام البخاري عن عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، أَنَّ رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ حِينَ تُوُفِّيَ سُجِّيَ بِبُرْدٍ حِبَرَةٍ. والحِبَرَةُ: بُرْدٌ يَمَانٍ.
ويُترَكُ على شَيءٍ مُرتَفِعٍ لِئَلا تُصيبُهُ رُطوبَةُ الأرضِ فَيَتَغَيَّرَ رِيحُهُ، ويُجعَلُ في بَطنِهِ حَديدٌ، أو شَيءٌ ثَقيلٌ لِئَلا يَنتَفِخَ.
سابعاً: كَشْفُ وَجْهِهِ وتَقبيلُهُ:
وَيَجوزُ للحَاضِرينَ كَشْفُ وَجْهِ المَيْتِ وتَقبيلُهُ، والبُكاءُ عَلَيهِ بِدونِ صُراخٍ ونُواحٍ، أخرَجَ الشيخان عن جَابِرِ بْنِ عَبْدِ الله رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: لَمَّا قُتِلَ أَبِي جَعَلْتُ أَكْشِفُ الثَّوْبَ عَنْ وَجْهِهِ أَبْكِي وَيَنْهَوْنِي عَنْهُ، وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لَا يَنْهَانِي، فَجَعَلَتْ عَمَّتِي فَاطِمَةُ تَبْكِي.
فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «تَبْكِينَ أَوْ لَا تَبْكِينَ، مَا زَالَت الْمَلَائِكَةُ تُظِلُّهُ بِأَجْنِحَتِهَا حَتَّى رَفَعْتُمُوهُ».
خاتِمَةٌ ـ نسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:
أيُّها الإخوة الكرام: المَوتُ آتٍ لا مَحالَةَ، أسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخِتامِ، وأسألُ اللهَ تعالى أن يُوَفِّقَنا لاتِّباعِ الحَبيبِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ في هَدْيِهِ عِندَ سَكَراتِ المَوتِ. آمين.
وصَلَّى اللهُ عَلَى سيِّدِنا محمَّدٍ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون * وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِين * وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين.
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم
112ـ «بِسْمِ الله، وَعَلَى مِلَّةِ رَسُولِ الله»
مقدمة الكلمة:
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فيا أيُّها الإخوة الكرام: أهلُ الغَفْلَةِ عن الله عزَّ وجلَّ أعمارُهُم حُجَّةٌ عَلَيهِم، وأنفاسُ أعمارِهِم تَقودُهُم إلى نِهايَةٍ وَخيمَةٍ.
هذهِ الدُّنيا فَجَعَتِ الكَثيرَ من النَّاسِ الذينَ وَثِقوا بها، وصَرَعَت من اطمَأَنَّ إلَيها، وخَدَعَت من احتَالَ عَلَيها.
هذهِ الدُّنيا جَعَلَتِ المُختالَ حَقيراً، والمُعتَزَّ بِغَيرِ الله ذَليلاً، أعمارُنا فيها قَصيرَةٌ، والعَظيمُ فيها يَسيرٌ، وُجودُها يَسيرُ إلى العَدَمِ، وسُرورُها إلى حُزنٍ، وأكيَسُ النَّاسِ أكثَرُهُم ذِكْراً للمَوتِ، وأشَدُّهُمُ استِعداداً لَهُ، كما جاءَ في الحَديثِ الشَّريفِ الذي رواه الطَّبَرانِيُّ في الكَبيرِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهُما قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عَاشِرَ عَشْرَةٍ، فَجَاءَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ فَقَالَ: يَا نَبِيَّ الله، مَنْ أَكْيَسُ النَّاسِ وَأَحْزَمُ النَّاسِ؟
قَالَ: «أَكْثَرَهُمْ ذِكْراً لِلْمَوْتِ، وَأَشَدُّهُمُ اسْتِعْدَاداً لِلْمَوْتِ قَبْلَ نُزُولِ الْمَوْتِ، أُولَئِكَ هُمُ الأَكْيَاسُ، ذَهَبُوا بِشَرَفِ الدُّنْيَا، وَكَرَامَةِ الآخِرَةِ».
وجاءَ في سُنَنِ ابنِ ماجه عَن الْبَرَاءِ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فِي جِنَازَةٍ، فَجَلَسَ عَلَى شَفِيرِ الْقَبْرِ، فَبَكَى حَتَّى بَلَّ الثَّرَى.
ثُمَّ قَالَ: «يَا إِخْوَانِي، لِمِثْلِ هَذَا فَأَعِدُّوا».
أيُّها الإخوة الكرام: يَقولُ الحَسَنُ البَصْرِيُّ رَحِمَهُ اللهُ تعالى: إنَّ المَوتَ قد فَضَحَ الدُّنيا، فَلَمْ يَدَعْ لِذِي لُبٍّ بها فَرَحاً.
لِنَحْذَرْ أيُّها الإخوة الكرام أن يأخُذَنا اللهُ تعالى على ذَنْبٍ، فَنَتَلَقَّاهُ ولا حُجَّةَ لنا.
ما يُسَنُّ فِعلُهُ عِندَ مَوتِ المُحتَضَرِ:
أيُّها الإخوة الكرام: لقد حَضَّنا سَيِّدُنا رَسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ على تَلقينِ المَوتَى كَلِمَةَ التَّوحيدِ، لأنَّ السَّعيدَ من خُتِمَ لَهُ عَلَيها.
ولَعَلَّنا أيُّها الإخوة الكرام أن نَتَعَلَّمَ بَعضَ السُّنَنِ إذا حَضَرْنا مَريضاً، وخاصَّةً إذا كانَ مَريضَاً مَرَضَ المَوتِ، فلا نَقولَ عِندَهُ إلا خَيراً، وذلكَ لِقَولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا حَضَرْتُمُ الْمَرِيضَ أَو الْمَيِّتَ فَقُولُوا خَيْراً، فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ يُؤَمِّنُونَ عَلَى مَا تَقُولُونَ» رواه الإمام مسلم عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللهُ عنها. هذا أولاً.
ثانياً: يُندَبُ قِرَاءَةُ سُورَةِ يس عِندَ المُحتَضَرِ:
روى الإمام أحمد في مُسنَدِهِ عن صَفوانَ رَضِيَ اللهُ عنهُ قال: كَانَتِ المشيَخَةُ يَقولونَ: إذا قُرِئَتْ يس عِندَ المَوتِ خُفِّفَ عَنهُ بِهَا.
وأسنَدَهُ صَاحِبُ مُسنَدِ الفردوسِ إلى أبي الدَّردَاءِ وأبي ذَرٍّ رَضِيَ اللهُ عنهُما قالا: قالَ رَسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَا مِنْ مَيِّتٍ يَموتُ فَتُقرَأُ عِندَهُ يس إلا هَوَّنَ اللهُ عَلَيهِ».
وقالَ الشَّعبِيُّ: كانَ الأنصارُ يَقرَؤونَ عِندَ المَيِّتِ بِسُورَةِ البَقَرَةِ.
ثالثاً: تَوجيهُ المُحتَضَرِ للقِبلَةِ:
يُستَحَبُّ تَوجيهُ المُحتَضَرِ للقِبلَةِ عِندَ شُخوصِ بَصَرِهِ إلى السَّماءِ، لما روى الحاكم عن عَبدِ الله بنِ أبي قتادَةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ، أنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ حِينَ قَدِمَ المَدينَةَ سَأَلَ عن البَراءِ بنِ مَعرورٍ.
فقالوا: تُوِفِّيَ وأوصَى بِثُلُثِهِ لَكَ يا رَسولَ الله، وأوَصَى أن يُوَجَّهَ إلى القِبلَةِ لما احتُضِرَ.
فقالَ رَسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَصَابَ الفِطرَةَ، وقد رَدَدْتُ ثُلُثَهُ عَلَى وَلَدِهِ».
ثمَّ ذَهَبَ فَصَلَّى عَلَيهِ فقال: «اللَّهُمَّ اغفِرْ لَهُ وارحَمْهُ، وأَدخِلْهُ جَنَّتَكَ، وقد فَعَلتَ».
رابعاً: بَلُّ حَلْقِ المُحتَضَرِ بالماءِ:
يُسَنُّ لِمَن حَضَرَ مُحتَضَراً أن يَتَعَهَّدَ بَلَّ حَلْقِهِ بماءٍ أو شَرابٍ، ويُسَنُّ تَندِيَةُ شَفَتَيْهِ بالماءِ، لأنَّهُ رُبَّما يَنشَفُ حَلْقُهُ من شِدَّةِ ما نَزَلَ به فَيَعجَزُ عن الكَلامِ.
خامساً: تَغميضُ بَصَرِهِ عِندَ المَوتِ:
من السُّنَّةِ إذا ماتَ المَيِّتُ أن يُشَدَّ لِحْياهُ وتُغَمَّضَ عَيناهُ، فإنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ عَلَى أَبِي سَلَمَةَ وَقَدْ شَقَّ بَصَرُهُ، فَأَغْمَضَهُ ثُمَّ قَالَ: «إِنَّ الرُّوحَ إِذَا قُبِضَ تَبِعَهُ الْبَصَرُ».
فَضَجَّ نَاسٌ مِنْ أَهْلِهِ فَقَالَ: «لَا تَدْعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ إِلَّا بِخَيْرٍ، فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ يُؤَمِّنُونَ عَلَى مَا تَقُولُونَ».
ثُمَّ قَالَ: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِأَبِي سَلَمَةَ، وَارْفَعْ دَرَجَتَهُ فِي الْمَهْدِيِّينَ، وَاخْلُفْهُ فِي عَقِبِهِ فِي الْغَابِرِينَ، وَاغْفِرْ لَنَا وَلَهُ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ وَافْسَحْ لَهُ فِي قَبْرِهِ وَنَوِّرْ لَهُ فِيهِ» رواه الإمام مسلم عَن أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللهُ عنها.
وروى الإمام أحمد وابن ماجه عَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا حَضَرْتُمْ مَوْتَاكُمْ فَأَغْمِضُوا الْبَصَرَ، فَإِنَّ الْبَصَرَ يَتْبَعُ الرُّوحَ، وَقُولُوا خَيْراً، فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ تُؤَمِّنُ عَلَى مَا قَالَ أَهْلُ الْبَيْتِ». ولا يَكونُ إغماضُ البَصَرِ إلا بَعدَ التَّأَكُّدِ من خُروجِ الرُّوحِ.
ويَتَوَلَّى ذلكَ أرفَقُ أهلِهِ به، ويَقولُ عِندَ تَغميضِ عَينَيْهِ ما رواه البَيهَقي عَن بَكرِ بنِ عَبدِ الله قَال: إَذَا غَمَضْتَ المَيْتِ فَقُل: بِسمِ اللهِ وعَلَى مِلَّةِ رَسُولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وإِذَا حَمَلتَهُ فَقُل: بِسمِ الله ثُمَّ سَبِّح مَا دُمتَ تَحمِلُهُ
وجاءَ في الدُّرِّ المُختارِ: وَيَقُولُ مُغَمِّضُهُ: بِسْمِ الله، وَعَلَى مِلَّةِ رَسُولِ الله، اللَّهُمَّ يَسِّرْ عَلَيْهِ أَمْرَهُ، وَسَهِّلْ عَلَيْهِ مَا بَعْدَهُ، وَأَسْعِدْهُ بِلِقَائِك، وَاجْعَلْ مَا خَرَجَ إلَيْهِ خَيْراً مِمَّا خَرَجَ عَنْهُ.
ويَقُولُ ذلِكَ عندَ إدخَالِ المَيْتِ القَبرَ روى الإمام أحمد عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهُما، عَن النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا وَضَعْتُمْ مَوْتَاكُمْ فِي الْقَبْرِ فَقُولُوا: بِسْمِ الله، وَعَلَى مِلَّةِ رَسُولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ».
سادساً: تَليينُ مَفاصِلِهِ:
يُستَحَبُّ بَعدَ خُروجِ الرُّوحِ من المَيِّتِ أن تُنزَعَ عنهُ ثِيابُهُ التي ماتَ فيها، ويُسَجَّى بَعدَ ذلكَ جَميعُ بَدَنِهِ بِثَوبٍ، لما روى الإمام البخاري عن عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، أَنَّ رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ حِينَ تُوُفِّيَ سُجِّيَ بِبُرْدٍ حِبَرَةٍ. والحِبَرَةُ: بُرْدٌ يَمَانٍ.
ويُترَكُ على شَيءٍ مُرتَفِعٍ لِئَلا تُصيبُهُ رُطوبَةُ الأرضِ فَيَتَغَيَّرَ رِيحُهُ، ويُجعَلُ في بَطنِهِ حَديدٌ، أو شَيءٌ ثَقيلٌ لِئَلا يَنتَفِخَ.
سابعاً: كَشْفُ وَجْهِهِ وتَقبيلُهُ:
وَيَجوزُ للحَاضِرينَ كَشْفُ وَجْهِ المَيْتِ وتَقبيلُهُ، والبُكاءُ عَلَيهِ بِدونِ صُراخٍ ونُواحٍ، أخرَجَ الشيخان عن جَابِرِ بْنِ عَبْدِ الله رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: لَمَّا قُتِلَ أَبِي جَعَلْتُ أَكْشِفُ الثَّوْبَ عَنْ وَجْهِهِ أَبْكِي وَيَنْهَوْنِي عَنْهُ، وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لَا يَنْهَانِي، فَجَعَلَتْ عَمَّتِي فَاطِمَةُ تَبْكِي.
فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «تَبْكِينَ أَوْ لَا تَبْكِينَ، مَا زَالَت الْمَلَائِكَةُ تُظِلُّهُ بِأَجْنِحَتِهَا حَتَّى رَفَعْتُمُوهُ».
خاتِمَةٌ ـ نسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:
أيُّها الإخوة الكرام: المَوتُ آتٍ لا مَحالَةَ، أسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخِتامِ، وأسألُ اللهَ تعالى أن يُوَفِّقَنا لاتِّباعِ الحَبيبِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ في هَدْيِهِ عِندَ سَكَراتِ المَوتِ. آمين.
وصَلَّى اللهُ عَلَى سيِّدِنا محمَّدٍ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون * وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِين * وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين.
أمس في 20:03 من طرف Admin
» كتاب: مطالع اليقين في مدح الإمام المبين للشيخ عبد الله البيضاوي
أمس في 20:02 من طرف Admin
» كتاب: الفتوحات القدسية في شرح قصيدة في حال السلوك عند الصوفية ـ الشيخ أبي بكر التباني
أمس في 19:42 من طرف Admin
» كتاب: الكلمات التي تتداولها الصوفية للشيخ الأكبر مع تعليق على بعض ألفاظه من تأويل شطح الكمل للشعراني
أمس في 19:39 من طرف Admin
» كتاب: قاموس العاشقين في أخبار السيد حسين برهان الدين ـ الشيخ عبد المنعم العاني
أمس في 19:37 من طرف Admin
» كتاب: نُسخة الأكوان في معرفة الإنسان ويليه رسائل أخرى ـ الشّيخ محيي الدين بن عربي
أمس في 19:34 من طرف Admin
» كتاب: كشف الواردات لطالب الكمالات للشيخ عبد الله السيماوي
أمس في 19:31 من طرف Admin
» كتاب: رسالة الساير الحائر الواجد إلى الساتر الواحد الماجد ( مجموع رسائل الشيخ نجم الدين الكبري )
أمس في 19:28 من طرف Admin
» كتاب: رسالة إلى الهائم الخائف من لومة اللائم ( مجموع رسائل الشيخ نجم الدين الكبري )
أمس في 19:26 من طرف Admin
» كتاب: التعرف إلى حقيقة التصوف للشيخين الجليلين أحمد العلاوي عبد الواحد ابن عاشر
أمس في 19:24 من طرف Admin
» كتاب: مجالس التذكير في تهذيب الروح و تربية الضمير للشيخ عدّة بن تونس
أمس في 19:21 من طرف Admin
» كتاب غنية المريد في شرح مسائل التوحيد للشيخ عبد الرحمن باش تارزي القسنطيني الجزائري
أمس في 19:19 من طرف Admin
» كتاب: القوانين للشيخ أبي المواهب جمال الدين الشاذلي ابن زغدان التونسي المصري
أمس في 19:17 من طرف Admin
» كتاب: مراتب الوجود المتعددة ـ الشيخ عبد الواحد يحيى
أمس في 19:14 من طرف Admin
» كتاب: جامع الأصول في الأولياء و دليل السالكين إلى الله تعالى ـ للسيد أحمد النّقشبندي الخالدي
أمس في 19:12 من طرف Admin