مع الحبيب المصطفى: «بِسْمِ الله تَوَكَّلْتُ عَلَى الله»
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم
127ـ «بِسْمِ الله تَوَكَّلْتُ عَلَى الله»
مقدمة الكلمة:
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فيا أيُّها الإخوة الكرام: هُناكَ حِكَمٌ للهِ عزَّ وجلَّ بَالِغَةٌ وعَجَائِبُ في تَقَلُّباتِ الدَّهْرِ، وهُناكَ مَواعِظُ في تَغييرِ الأحوالِ، ولكنَّ أكثَرَ النَّاسِ في حَالَةِ غَفلَةٍ عن الله عزَّ وجلَّ، فإذا بِهِم في وَسَطِ تَقَلُّباتِ الدَّهْرِ وتَغييرِ الأحوالِ تَنَكَّروا لِرَبِّهِم، وأضعَفُوا صِلَتُهُم مَعَ الله تعالى، فَتَوالَت عَلَيهِمُ العَقَباتُ، وتَكَاثَرَتِ النَّكَباتُ، وسَادَ القَلَقُ والاضطِرابُ والضَّعفُ والهَوانُ، وعَمَّ الهَلَعُ والخَوفُ من المُستَقبَلِ.
هذهِ الشَّريحَةُ من النَّاسِ تَخَلَّوا عن الله عزَّ وجلَّ، فَتَخَلَّى اللهُ تعالى عَنهُم، نَسوا اللهَ تعالى فَنَسِيَهُم، نَسِيَ هؤلاءِ قَولَ الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى الله واللهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ﴾.
أيُّها الإخوة الكرام: الخَلْقُ جَميعاً مُفتَقِرونَ إلى الله تعالى في جَميعِ شُؤونِهِم وأحوالِهِم، مُفتَقِرونَ إلَيهِ في كُلِّ صَغيرَةٍ وكَبيرَةٍ، مُفتَقِرونَ إلَيهِ في غِناهُم قَبلَ فَقْرِهِم، مُفتَقِرونَ إلَيهِ في حَالِ أمْنِهِم قَبلَ خَوفِهِم، مُفتَقِرونَ إلَيهِ في قُوَّتِهِم قَبلَ ضَعْفِهِم، مُفتَقِرونَ إلَيهِ في حَالِ عِزِّهِم قَبلَ ذُلِّهِم.
وفي هذهِ الظُّروفِ الصَّعبَةِ القَاسِيَةِ تَعَلَّقَ النَّاسُ بالنَّاسِ إلا مَن رَحِمَ اللهُ تعالى، وشَكَا النَّاسُ إلى النَّاسِ إلا مَن رَحِمَ اللهُ تعالى، والتَجَأَ النَّاسُ إلى النَّاسِ إلا مَن رَحِمَ اللهُ تعالى، واحتَمَى النَّاسُ بالنَّاسِ إلا مَن رَحِمَ اللهُ تعالى، واستَعَانَ النَّاسُ بالنَّاسِ إلا مَن رَحِمَ اللهُ تعالى، والقَليلُ مِن النَّاسِ مَن تَعَلَّقَ بالله تعالى، وشَكَا إلَيهِ، والتَجَأَ إلَيهِ، واحتَمَى واستَعَانَ به تَبَارَكَ وتعالى.
نعم، أيُّها الإخوة الكرام، لا حَرَجَ في الاستِعَانَةِ والاستِغَاثَةِ بالنَّاسِ، على أن يَكونَ هذا في دَائِرَةِ الأسبابِ الظَّاهِرَةِ، أمَّا القُلُوبُ فإنَّهُ يَجِبُ أن تَكونَ مُتَعَلِّقَةً بالله سُبحَانَهُ تعالى، ومن تَعَلَّقَ قَلبُهُ بالله تعالى فإنَّهُ يأخُذُ بالأسبابِ ثمَّ يُفَوِّضُ أمرَهُ إلى الله تعالى، ويَرضَى بما قَضَى وقَدَّرَ.
أينَ الثِّقَةُ واليَقينُ بالله تعالى؟
أيُّها الإخوة الكرام: هذهِ الحَياةُ الدُّنيا مَليئَةٌ بالمَصَائِبِ والرَّزَايا، وبالمِحَنِ والبَلايَا، هَذهِ الحَياةُ الدُّنيا مَليئَةٌ بآلامٍ تَضِيقُ بها النُّفوسُ، ومُزعِجَاتٍ تُوَرِّثُ القَلَقَ والخَوفَ والجَزَعَ، فَكَم مِن عُيونٍ بَاكِيَةٍ؟ وكَم مِن قُلوبٍ شَاكِيَةٍ؟ وكَم مِن أصحَابِ حَاجَةٍ تَلتَهِبُ قُلوبُهُم نَاراً؟
ولكنْ، أصحَابُ العُيونِ البَاكِيَةِ، والقُلوبِ الشَّاكِيَةِ المُلتَهِبَةِ ناراً، لمن يَشكونَ أمرَهُم؟وإلى مَن يَمُدُّونَ أَيدِيَهُم؟ الوَاقِعُ المَريرُ هوَ الذي يُجِيبُ: يَشكُونَ أمرَهُم إلى عِبادٍ أمثالِهِم، ويَمُدُّونَ أيدِيَهم إلى عَاجِزينَ أمثالِهِم. إلا من رَحِمَ اللهُ تعالى.
أينَ الثِّقَةُ بالله تعالى؟ أينَ اليَقينُ بالله تعالى؟ أينَ الذينَ يَشكُونَ أمرَهُم إلى الله تعالى القائِلِ: ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ﴾؟ أينَ الذينَ يَرفَعونَ أكُفَّ الضَّرَاعَةِ إلى الله تعالى القائِلِ: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ﴾؟ لماذا ضَعُفَتِ الثِّقَةُ واليَقينُ والصِّلَةُ بالله تعالى؟ لماذا قَلَّ الاعتِمادُ على الله تعالى القائِلِ: ﴿قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلا دُعَاؤُكُمْ﴾؟
هل نَسِينا قَولَ الله تعالى: ﴿فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ * فَلَوْلا إِذْ جَاءهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَـكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾؟
هل نَسِينا قَولَ الله تعالى: ﴿وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾؟
هل نَسِينا قَولَ الله تعالى: ﴿فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ﴾؟
هل نَسِينا قَولَ الله تعالى: ﴿وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَونَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِّن الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ﴾؟
مُصيبَتُنا بِضَعْفِ صِلَتِنا مَعَ الله تعالى:
أيُّها الإخوة الكرام: مُصيبَتُنا الحَقِيقِيَّةُ تَكمُنُ بِضَعْفِ صِلَتِنا مَعَ الله تعالى، وهذهِ مُصيبَةُ المَصَائِبِ، لماذا ضَعُفَتِ الصِّلَةُ مَعَ الله تعالى؟
ألَيسَ الأمرُ لله تَعالى مِن قَبلُ ومِن بَعدُ؟
ألَيسَ اللهُ حَسبَنا، وكَفَى بالله حَسِيباً؟
ألَيسَ اللهُ هوَ القَادِرُ والنَّاصِرُ، وكَفَى بالله نَصيراً؟
ألَيسَ اللهُ يَعلَمُ مَكْرَ المَاكِرينَ الذينَ يَمكُرونَ مَكْراً تَكادُ الجِبالُ أن تَزولَ منهُ؟
ألَيسَ اللهُ هوَ القَائِلَ: ﴿وَإِن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً إِنَّ اللهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ﴾؟
ألَيسَ اللهُ هوَ القَائِلَ: ﴿أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ﴾؟
ألَيسَ اللهُ هوَ القَائِلَ: ﴿فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾؟
ألَيسَ اللهُ هوَ القَائِلَ: ﴿قُلْ مَن يُنَجِّيكُم مِّن ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً لَّئِنْ أَنجَانَا مِنْ هَـذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ* قُلِ اللهُ يُنَجِّيكُم مِّنْهَا وَمِن كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنتُمْ تُشْرِكُونَ﴾؟
ألَيسَ اللهُ هوَ القَائِلَ: ﴿واللهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ﴾؟
﴿وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ﴾:
أيُّها الإخوة الكرام: التَّوَكُّلُ على الله تعالى هوَ أعظَمُ الأسبابِ التي يَحصُلُ بها المَطلوبُ، ويَندَفِعُ بها المَرهوبُ، وهوَ دَليلٌ على ثِقَةِ المَتُوَكِّلِ باللهِ تعالى، ومِن هذا المُنطَلَقِ كانَ التَّوَكُّلُ على الله تعالى لَهُ مَنزِلَةٌ كَبيرَةٌ في دِينِ الله عزَّ وجلَّ، وهوَ وَصِيَّةُ الله تعالى لأنبِيائِهِ عَلَيهِمُ الصَّلاةُ والسَّلامُ، وهوَ وَصِيَّةُ الأنبِياءِ لأَقوامِهِم، قال تعالى مُخاطِباً سَيِّدَنا مُحَمَّداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: ﴿وَتَوَكَّلْ عَلَى الله وَكَفَى بالله وَكِيلاً﴾.
وقال تعالى حِكَايَةً عن سَيِّدِنا مُوسى عَلَيهِ السَّلامُ: ﴿وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِن كُنتُمْ آمَنتُم بالله فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِن كُنتُم مُّسْلِمِينَ﴾.
وقال عن سَيِّدِنا شُعَيب عَلَيهِ السَّلامُ: ﴿وَمَا تَوْفِيقِي إِلا بالله عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ﴾.
بل جَعَلَهُ اللهُ تعالى شَرْطاً لإيمانِ المُؤمِنينَ، فقال تعالى: ﴿وَعَلَى الله فَتَوَكَّلُوا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾.
أيُّها الإخوة الكرام: من أكرَمَهُ اللهُ تعالى بِحُسْنِ التَّوَكُّلِ عَلَيهِ، كانَ جَزاؤُهُ دُخولَ الجَنَّةِ بِغَيرِ حِسابٍ بإذنِ الله تعالى، كما جاءَ في الحَديثِ الشَّريفِ الذي رواه الشيخان عن ابنِ عَبَاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهُما، عن النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قال: «عُرِضَتْ عَلَيَّ الْأُمَمُ، فَجَعَلَ النَّبِيُّ وَالنَّبِيَّانِ يَمُرُّونَ مَعَهُم الرَّهْطُ، وَالنَّبِيُّ لَيْسَ مَعَهُ أَحَدٌ، حَتَّى رُفِعَ لِي سَوَادٌ عَظِيمٌ.
قُلْتُ: مَا هَذَا؟ أُمَّتِي هَذِهِ؟
قِيلَ: بَلْ هَذَا مُوسَى وَقَوْمُهُ.
قِيلَ: انْظُرْ إِلَى الْأُفُقِ، فَإِذَا سَوَادٌ يَمْلَأُ الْأُفُقَ.
ثُمَّ قِيلَ لِي: انْظُرْ هَا هُنَا وَهَا هُنَا، فِي آفَاقِ السَّمَاءِ، فَإِذَا سَوَادٌ قَدْ مَلَأَ الْأُفُقَ.
قِيلَ: هَذِهِ أُمَّتُكَ، وَيَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنْ هَؤُلَاءِ سَبْعُونَ أَلْفاً بِغَيْرِ حِسَابٍ».
ثُمَّ دَخَلَ وَلَمْ يُبَيِّنْ لَهُمْ، فَأَفَاضَ الْقَوْمُ وَقَالُوا: نَحْنُ الَّذِينَ آمَنَّا بالله، وَاتَّبَعْنَا رَسُولَهُ، فَنَحْنُ هُمْ، أَوْ أَوْلَادُنَا الَّذِينَ وُلِدُوا فِي الْإِسْلَامِ، فَإِنَّا وُلِدْنَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ.
فَبَلَغَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.
فَخَرَجَ فَقَالَ: «هُمْ الَّذِينَ لَا يَسْتَرْقُونَ، وَلَا يَتَطَيَّرُونَ، وَلَا يَكْتَوُونَ، وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ».
فَقَالَ عُكَّاشَةَ بْنَ مِحْصَنٍ: أَمِنْهُمْ أَنَا يَا رَسُولَ الله؟
قَالَ: «نَعَمْ».
فَقَامَ آخَرُ فَقَالَ: أَمِنْهُمْ أَنَا؟
قَالَ: «سَبَقَكَ بِهَا عُكَّاشَةُ».
«بِسْمِ الله تَوَكَّلْتُ عَلَى الله»:
أيُّها الإخوة الكرام: إذا أرَدتُمُ الحِفْظَ والهِدَايَةَ والوَقَايَةَ من كُلِّ شَرٍّ، ومن كُلِّ صَاحِبِ شَرٍّ، تَوَكَّلوا على الله تعالى حَقَّ تَوَكُّلِهِ، وقُولُوا عِندَ خُروجِكُم من بُيوتِكُم ما عَلَّمَنا إيَّاهُ سَيِّدُنا رَسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.
روى الترمذي عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا خَرَجَ الرَّجُلُ مِنْ بَيْتِهِ فَقَالَ: بِسْمِ الله تَوَكَّلْتُ عَلَى الله، لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بالله، يُقَالُ حِينَئِذٍ: هُدِيتَ وَكُفِيتَ وَوُقِيتَ.
فَتَتَنَحَّى لَهُ الشَّيَاطِينُ فَيَقُولُ لَهُ شَيْطَانٌ آخَرُ: كَيْفَ لَكَ بِرَجُلٍ قَدْ هُدِيَ وَكُفِيَ وَوُقِيَ».
خاتِمَةٌ ـ نسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:
أيُّها الإخوة الكرام: قولوا لمن وَصَلَت إلَيهِ سِهامُ القَدَرِ:
أولاً: اِعلَمْ بأنَّ ذلكَ مُقَدَّرٌ عَلَيكَ قَبلَ أن يَخلُقَ اللهُ تعالى السَّماواتِ والأرضَ بِخَمسينَ ألفَ سَنَةٍ، كما جاءَ في الحَديثِ الشَّريفِ الذي رواه الإمام مسلم عَنْ عَبْدِ الله بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللهُ عنهُما قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «كَتَبَ اللهُ مَقَادِيرَ الْخَلَائِقِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِخَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ، وَعَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ».
ثانياً: اِصبِرْ وتَوَكَّلْ على الله تعالى، يا من وَصَلَت إلَيكَ قَوافِلُ القَضَاءِ والقَدَرِ، وكانَت في ظَاهِرِها مُرَّةً وقَاسِيَةً عَلَيكَ، وتَذَكَّرْ قَولَهُ تعالى: ﴿قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلا مَا كَتَبَ اللهُ لَنَا هُوَ مَوْلانَا وَعَلَى الله فَلْيَتَوَكَّلِ المُؤْمِنُونَ﴾.
ثالثاً: كُنْ على حَذَرٍ من وَسوَسَةِ الشَّيطانِ وكَيْدِهِ إن كُنتَ مُتَوَكِّلاً على الله تعالى، وتَذَكَّرْ قَولَهُ تعالى: ﴿إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ﴾.
رابعاً: إذا تَخَلَّى عنكَ الخَلْقُ، وأعرَضَ عنكَ النَّاسُ، فلا تَنسَ قَولَ الله تعالى: ﴿فَإِن تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللهُ لا إِلَـهَ إِلا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ﴾.
خامساً: وقُلْ بَعدَ ذلكَ: رَبِّ إِنِّي مَغْلُوبٌ فَانتَصِر.
رَبَّنا عَلَيكَ تَوَكَّلنا، وإلَيكَ أنَبْنا، وإلَيكَ المَصيرُ. وحَسبُنا اللهُ ونِعمَ الوَكيلُ.
وصَلَّى اللهُ عَلَى سيِّدِنا محمَّدٍ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون * وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِين * وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين.
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم
127ـ «بِسْمِ الله تَوَكَّلْتُ عَلَى الله»
مقدمة الكلمة:
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فيا أيُّها الإخوة الكرام: هُناكَ حِكَمٌ للهِ عزَّ وجلَّ بَالِغَةٌ وعَجَائِبُ في تَقَلُّباتِ الدَّهْرِ، وهُناكَ مَواعِظُ في تَغييرِ الأحوالِ، ولكنَّ أكثَرَ النَّاسِ في حَالَةِ غَفلَةٍ عن الله عزَّ وجلَّ، فإذا بِهِم في وَسَطِ تَقَلُّباتِ الدَّهْرِ وتَغييرِ الأحوالِ تَنَكَّروا لِرَبِّهِم، وأضعَفُوا صِلَتُهُم مَعَ الله تعالى، فَتَوالَت عَلَيهِمُ العَقَباتُ، وتَكَاثَرَتِ النَّكَباتُ، وسَادَ القَلَقُ والاضطِرابُ والضَّعفُ والهَوانُ، وعَمَّ الهَلَعُ والخَوفُ من المُستَقبَلِ.
هذهِ الشَّريحَةُ من النَّاسِ تَخَلَّوا عن الله عزَّ وجلَّ، فَتَخَلَّى اللهُ تعالى عَنهُم، نَسوا اللهَ تعالى فَنَسِيَهُم، نَسِيَ هؤلاءِ قَولَ الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى الله واللهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ﴾.
أيُّها الإخوة الكرام: الخَلْقُ جَميعاً مُفتَقِرونَ إلى الله تعالى في جَميعِ شُؤونِهِم وأحوالِهِم، مُفتَقِرونَ إلَيهِ في كُلِّ صَغيرَةٍ وكَبيرَةٍ، مُفتَقِرونَ إلَيهِ في غِناهُم قَبلَ فَقْرِهِم، مُفتَقِرونَ إلَيهِ في حَالِ أمْنِهِم قَبلَ خَوفِهِم، مُفتَقِرونَ إلَيهِ في قُوَّتِهِم قَبلَ ضَعْفِهِم، مُفتَقِرونَ إلَيهِ في حَالِ عِزِّهِم قَبلَ ذُلِّهِم.
وفي هذهِ الظُّروفِ الصَّعبَةِ القَاسِيَةِ تَعَلَّقَ النَّاسُ بالنَّاسِ إلا مَن رَحِمَ اللهُ تعالى، وشَكَا النَّاسُ إلى النَّاسِ إلا مَن رَحِمَ اللهُ تعالى، والتَجَأَ النَّاسُ إلى النَّاسِ إلا مَن رَحِمَ اللهُ تعالى، واحتَمَى النَّاسُ بالنَّاسِ إلا مَن رَحِمَ اللهُ تعالى، واستَعَانَ النَّاسُ بالنَّاسِ إلا مَن رَحِمَ اللهُ تعالى، والقَليلُ مِن النَّاسِ مَن تَعَلَّقَ بالله تعالى، وشَكَا إلَيهِ، والتَجَأَ إلَيهِ، واحتَمَى واستَعَانَ به تَبَارَكَ وتعالى.
نعم، أيُّها الإخوة الكرام، لا حَرَجَ في الاستِعَانَةِ والاستِغَاثَةِ بالنَّاسِ، على أن يَكونَ هذا في دَائِرَةِ الأسبابِ الظَّاهِرَةِ، أمَّا القُلُوبُ فإنَّهُ يَجِبُ أن تَكونَ مُتَعَلِّقَةً بالله سُبحَانَهُ تعالى، ومن تَعَلَّقَ قَلبُهُ بالله تعالى فإنَّهُ يأخُذُ بالأسبابِ ثمَّ يُفَوِّضُ أمرَهُ إلى الله تعالى، ويَرضَى بما قَضَى وقَدَّرَ.
أينَ الثِّقَةُ واليَقينُ بالله تعالى؟
أيُّها الإخوة الكرام: هذهِ الحَياةُ الدُّنيا مَليئَةٌ بالمَصَائِبِ والرَّزَايا، وبالمِحَنِ والبَلايَا، هَذهِ الحَياةُ الدُّنيا مَليئَةٌ بآلامٍ تَضِيقُ بها النُّفوسُ، ومُزعِجَاتٍ تُوَرِّثُ القَلَقَ والخَوفَ والجَزَعَ، فَكَم مِن عُيونٍ بَاكِيَةٍ؟ وكَم مِن قُلوبٍ شَاكِيَةٍ؟ وكَم مِن أصحَابِ حَاجَةٍ تَلتَهِبُ قُلوبُهُم نَاراً؟
ولكنْ، أصحَابُ العُيونِ البَاكِيَةِ، والقُلوبِ الشَّاكِيَةِ المُلتَهِبَةِ ناراً، لمن يَشكونَ أمرَهُم؟وإلى مَن يَمُدُّونَ أَيدِيَهُم؟ الوَاقِعُ المَريرُ هوَ الذي يُجِيبُ: يَشكُونَ أمرَهُم إلى عِبادٍ أمثالِهِم، ويَمُدُّونَ أيدِيَهم إلى عَاجِزينَ أمثالِهِم. إلا من رَحِمَ اللهُ تعالى.
أينَ الثِّقَةُ بالله تعالى؟ أينَ اليَقينُ بالله تعالى؟ أينَ الذينَ يَشكُونَ أمرَهُم إلى الله تعالى القائِلِ: ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ﴾؟ أينَ الذينَ يَرفَعونَ أكُفَّ الضَّرَاعَةِ إلى الله تعالى القائِلِ: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ﴾؟ لماذا ضَعُفَتِ الثِّقَةُ واليَقينُ والصِّلَةُ بالله تعالى؟ لماذا قَلَّ الاعتِمادُ على الله تعالى القائِلِ: ﴿قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلا دُعَاؤُكُمْ﴾؟
هل نَسِينا قَولَ الله تعالى: ﴿فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ * فَلَوْلا إِذْ جَاءهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَـكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾؟
هل نَسِينا قَولَ الله تعالى: ﴿وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾؟
هل نَسِينا قَولَ الله تعالى: ﴿فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ﴾؟
هل نَسِينا قَولَ الله تعالى: ﴿وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَونَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِّن الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ﴾؟
مُصيبَتُنا بِضَعْفِ صِلَتِنا مَعَ الله تعالى:
أيُّها الإخوة الكرام: مُصيبَتُنا الحَقِيقِيَّةُ تَكمُنُ بِضَعْفِ صِلَتِنا مَعَ الله تعالى، وهذهِ مُصيبَةُ المَصَائِبِ، لماذا ضَعُفَتِ الصِّلَةُ مَعَ الله تعالى؟
ألَيسَ الأمرُ لله تَعالى مِن قَبلُ ومِن بَعدُ؟
ألَيسَ اللهُ حَسبَنا، وكَفَى بالله حَسِيباً؟
ألَيسَ اللهُ هوَ القَادِرُ والنَّاصِرُ، وكَفَى بالله نَصيراً؟
ألَيسَ اللهُ يَعلَمُ مَكْرَ المَاكِرينَ الذينَ يَمكُرونَ مَكْراً تَكادُ الجِبالُ أن تَزولَ منهُ؟
ألَيسَ اللهُ هوَ القَائِلَ: ﴿وَإِن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً إِنَّ اللهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ﴾؟
ألَيسَ اللهُ هوَ القَائِلَ: ﴿أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ﴾؟
ألَيسَ اللهُ هوَ القَائِلَ: ﴿فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾؟
ألَيسَ اللهُ هوَ القَائِلَ: ﴿قُلْ مَن يُنَجِّيكُم مِّن ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً لَّئِنْ أَنجَانَا مِنْ هَـذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ* قُلِ اللهُ يُنَجِّيكُم مِّنْهَا وَمِن كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنتُمْ تُشْرِكُونَ﴾؟
ألَيسَ اللهُ هوَ القَائِلَ: ﴿واللهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ﴾؟
﴿وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ﴾:
أيُّها الإخوة الكرام: التَّوَكُّلُ على الله تعالى هوَ أعظَمُ الأسبابِ التي يَحصُلُ بها المَطلوبُ، ويَندَفِعُ بها المَرهوبُ، وهوَ دَليلٌ على ثِقَةِ المَتُوَكِّلِ باللهِ تعالى، ومِن هذا المُنطَلَقِ كانَ التَّوَكُّلُ على الله تعالى لَهُ مَنزِلَةٌ كَبيرَةٌ في دِينِ الله عزَّ وجلَّ، وهوَ وَصِيَّةُ الله تعالى لأنبِيائِهِ عَلَيهِمُ الصَّلاةُ والسَّلامُ، وهوَ وَصِيَّةُ الأنبِياءِ لأَقوامِهِم، قال تعالى مُخاطِباً سَيِّدَنا مُحَمَّداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: ﴿وَتَوَكَّلْ عَلَى الله وَكَفَى بالله وَكِيلاً﴾.
وقال تعالى حِكَايَةً عن سَيِّدِنا مُوسى عَلَيهِ السَّلامُ: ﴿وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِن كُنتُمْ آمَنتُم بالله فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِن كُنتُم مُّسْلِمِينَ﴾.
وقال عن سَيِّدِنا شُعَيب عَلَيهِ السَّلامُ: ﴿وَمَا تَوْفِيقِي إِلا بالله عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ﴾.
بل جَعَلَهُ اللهُ تعالى شَرْطاً لإيمانِ المُؤمِنينَ، فقال تعالى: ﴿وَعَلَى الله فَتَوَكَّلُوا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾.
أيُّها الإخوة الكرام: من أكرَمَهُ اللهُ تعالى بِحُسْنِ التَّوَكُّلِ عَلَيهِ، كانَ جَزاؤُهُ دُخولَ الجَنَّةِ بِغَيرِ حِسابٍ بإذنِ الله تعالى، كما جاءَ في الحَديثِ الشَّريفِ الذي رواه الشيخان عن ابنِ عَبَاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهُما، عن النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قال: «عُرِضَتْ عَلَيَّ الْأُمَمُ، فَجَعَلَ النَّبِيُّ وَالنَّبِيَّانِ يَمُرُّونَ مَعَهُم الرَّهْطُ، وَالنَّبِيُّ لَيْسَ مَعَهُ أَحَدٌ، حَتَّى رُفِعَ لِي سَوَادٌ عَظِيمٌ.
قُلْتُ: مَا هَذَا؟ أُمَّتِي هَذِهِ؟
قِيلَ: بَلْ هَذَا مُوسَى وَقَوْمُهُ.
قِيلَ: انْظُرْ إِلَى الْأُفُقِ، فَإِذَا سَوَادٌ يَمْلَأُ الْأُفُقَ.
ثُمَّ قِيلَ لِي: انْظُرْ هَا هُنَا وَهَا هُنَا، فِي آفَاقِ السَّمَاءِ، فَإِذَا سَوَادٌ قَدْ مَلَأَ الْأُفُقَ.
قِيلَ: هَذِهِ أُمَّتُكَ، وَيَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنْ هَؤُلَاءِ سَبْعُونَ أَلْفاً بِغَيْرِ حِسَابٍ».
ثُمَّ دَخَلَ وَلَمْ يُبَيِّنْ لَهُمْ، فَأَفَاضَ الْقَوْمُ وَقَالُوا: نَحْنُ الَّذِينَ آمَنَّا بالله، وَاتَّبَعْنَا رَسُولَهُ، فَنَحْنُ هُمْ، أَوْ أَوْلَادُنَا الَّذِينَ وُلِدُوا فِي الْإِسْلَامِ، فَإِنَّا وُلِدْنَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ.
فَبَلَغَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.
فَخَرَجَ فَقَالَ: «هُمْ الَّذِينَ لَا يَسْتَرْقُونَ، وَلَا يَتَطَيَّرُونَ، وَلَا يَكْتَوُونَ، وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ».
فَقَالَ عُكَّاشَةَ بْنَ مِحْصَنٍ: أَمِنْهُمْ أَنَا يَا رَسُولَ الله؟
قَالَ: «نَعَمْ».
فَقَامَ آخَرُ فَقَالَ: أَمِنْهُمْ أَنَا؟
قَالَ: «سَبَقَكَ بِهَا عُكَّاشَةُ».
«بِسْمِ الله تَوَكَّلْتُ عَلَى الله»:
أيُّها الإخوة الكرام: إذا أرَدتُمُ الحِفْظَ والهِدَايَةَ والوَقَايَةَ من كُلِّ شَرٍّ، ومن كُلِّ صَاحِبِ شَرٍّ، تَوَكَّلوا على الله تعالى حَقَّ تَوَكُّلِهِ، وقُولُوا عِندَ خُروجِكُم من بُيوتِكُم ما عَلَّمَنا إيَّاهُ سَيِّدُنا رَسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.
روى الترمذي عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا خَرَجَ الرَّجُلُ مِنْ بَيْتِهِ فَقَالَ: بِسْمِ الله تَوَكَّلْتُ عَلَى الله، لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بالله، يُقَالُ حِينَئِذٍ: هُدِيتَ وَكُفِيتَ وَوُقِيتَ.
فَتَتَنَحَّى لَهُ الشَّيَاطِينُ فَيَقُولُ لَهُ شَيْطَانٌ آخَرُ: كَيْفَ لَكَ بِرَجُلٍ قَدْ هُدِيَ وَكُفِيَ وَوُقِيَ».
خاتِمَةٌ ـ نسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:
أيُّها الإخوة الكرام: قولوا لمن وَصَلَت إلَيهِ سِهامُ القَدَرِ:
أولاً: اِعلَمْ بأنَّ ذلكَ مُقَدَّرٌ عَلَيكَ قَبلَ أن يَخلُقَ اللهُ تعالى السَّماواتِ والأرضَ بِخَمسينَ ألفَ سَنَةٍ، كما جاءَ في الحَديثِ الشَّريفِ الذي رواه الإمام مسلم عَنْ عَبْدِ الله بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللهُ عنهُما قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «كَتَبَ اللهُ مَقَادِيرَ الْخَلَائِقِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِخَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ، وَعَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ».
ثانياً: اِصبِرْ وتَوَكَّلْ على الله تعالى، يا من وَصَلَت إلَيكَ قَوافِلُ القَضَاءِ والقَدَرِ، وكانَت في ظَاهِرِها مُرَّةً وقَاسِيَةً عَلَيكَ، وتَذَكَّرْ قَولَهُ تعالى: ﴿قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلا مَا كَتَبَ اللهُ لَنَا هُوَ مَوْلانَا وَعَلَى الله فَلْيَتَوَكَّلِ المُؤْمِنُونَ﴾.
ثالثاً: كُنْ على حَذَرٍ من وَسوَسَةِ الشَّيطانِ وكَيْدِهِ إن كُنتَ مُتَوَكِّلاً على الله تعالى، وتَذَكَّرْ قَولَهُ تعالى: ﴿إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ﴾.
رابعاً: إذا تَخَلَّى عنكَ الخَلْقُ، وأعرَضَ عنكَ النَّاسُ، فلا تَنسَ قَولَ الله تعالى: ﴿فَإِن تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللهُ لا إِلَـهَ إِلا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ﴾.
خامساً: وقُلْ بَعدَ ذلكَ: رَبِّ إِنِّي مَغْلُوبٌ فَانتَصِر.
رَبَّنا عَلَيكَ تَوَكَّلنا، وإلَيكَ أنَبْنا، وإلَيكَ المَصيرُ. وحَسبُنا اللهُ ونِعمَ الوَكيلُ.
وصَلَّى اللهُ عَلَى سيِّدِنا محمَّدٍ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون * وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِين * وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين.
20/11/2024, 22:49 من طرف Admin
» كتاب مواعظ الإمام زين العابدين ـ صالح أحمد الشامي
18/11/2024, 23:30 من طرف Admin
» كتاب إتحاف النفوس بنفحات القدوس ـ عبد القدوس بن أسامة السامرائي
18/11/2024, 23:25 من طرف Admin
» كتاب الإعلام بفضل الصلاة على النبي والسلام ـ محمد بن عبد الرحمن بن علي النميري
18/11/2024, 23:20 من طرف Admin
» كتاب الغيب ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:08 من طرف Admin
» كتاب الشيطان والإنسان ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:03 من طرف Admin
» كتاب الشعراوي هنا رأيت سيدنا إبراهيم ـ سعيد أبو العنين
18/11/2024, 23:01 من طرف Admin
» كتاب الخير والشر ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:57 من طرف Admin
» كتاب التربية في مدرسة النبوة ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:55 من طرف Admin
» كتاب: إرشاد العباد إلى سبل الرشاد ـ للملبباري
18/11/2024, 22:41 من طرف Admin
» ـ كتاب آداب الحسن البصري ـ أبن الجوزي
18/11/2024, 22:34 من طرف Admin
» كتاب الله والنفس البشرية ـ لمحمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:23 من طرف Admin
» كتاب: معرفة النفس طر يق لمعرفة الرب ـ أستاذ البصيرة عبدالوهاب حسن
18/11/2024, 22:21 من طرف Admin
» كتاب الطريق الي الله ـ الشيخ علي جمعة
18/11/2024, 21:50 من طرف Admin
» كتاب: كتاب النفس والجسد والروح ـ ابراهيم البلتاجي
18/11/2024, 21:38 من طرف Admin