مع الحبيب المصطفى: «لَقَدْ قُلْتِ كَلِمَةً لَوْ مُزِجَتْ بِمَاءِ الْبَحْرِ لَمَزَجَتْهُ»
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم
70 ـ صورة من غضب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ (4)
«لَقَدْ قُلْتِ كَلِمَةً لَوْ مُزِجَتْ بِمَاءِ الْبَحْرِ لَمَزَجَتْهُ»
مقدمة الكلمة:
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد:
فيا أيُّها الإخوةُ الكرام: المَهامُ التي حُمِّلَها سيِّدُنا رسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مَهامٌ عَظيمَةٌ وجَسيمَةٌ، من جُملَتِها تَبليغُ رِسالَةِ الله تعالى، وتَعليمُ النَّاسِ الحِكمَةَ، وتَزكِيَةُ نُفوسِهِم، وتَدبيرُ شُؤونِ الأمَّةِ، ومُواجَهَةُ الأخطارِ، ومُجادَلَةُ النَّاسِ من أهلِ الكِتابِ وغَيرِهِم بالحِكمَةِ والمَوعِظَةِ الحَسَنَةِ، إضافَةً إلى ذلكَ التَّبَتُّلُ لله تعالى آناءَ اللَّيلِ وأطرافَ النَّهارِ، ومن جُملَةِ هذهِ المَهامِ تَربِيَةُ أُسرَتِهِ الكَبيرَةِ، وتَوجيهُهُم إلى مَرضاةِ الله عزَّ وجلَّ، والابتِعادِ عمَّا يُغضِبُ اللهَ تعالى، ويَحولُ بَينَهُم وبَينَ الظَّفَرِ بِرَحمَتِهِ تعالى.
فما شَغَلَهُ أمرٌ عن أمرٍ، وما قَصَّرَ في تَكليفٍ من التَّكاليفِ الشَّرعِيَّةِ، وظَهَرَ اهتِمامُهُ البالِغُ بالأسرَةِ لأنَّها نَواةُ المُجتَمَعِ، فَبِصَلاحِها صَلاحُ المُجتَمَعِ، كما أنَّ بِفَسادِها فَسادَ المُجتَمَعِ.
صُورَةٌ من صُوَرِ غَضَبِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ في بُيوتِهِ الشَّريفَةِ:
أيُّها الإخوة الكرام: عَرَفنا في الدَّرسِ الماضي صُورَةً من صُوَرِ غَضَبِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ في البَيتِ، عِندَما رأى الصُّوَرَ والتَّماثيلَ، وما سَكَنَ غَضَبُهُ حتَّى مُزِّقَ ذاكَ القِرامُ الذي كانَت فيهِ الصُّوَرُ والتَّماثيلُ.
من صُوَرِ هذا الغَضَبِ، ما رواه أبو داود عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عنها قَالَتْ: قُلْتُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: حَسْبُكَ مِنْ صَفِيَّةَ، كَذَا وَكَذَا، ـ تَعْنِي قَصِيرَةً ـ
فَقَالَ: «لَقَدْ قُلْتِ كَلِمَةً لَوْ مُزِجَتْ بِمَاءِ الْبَحْرِ لَمَزَجَتْهُ».
قَالَتْ: وَحَكَيْتُ لَهُ إِنْسَاناً.
فَقَالَ: «مَا أُحِبُّ أَنِّي حَكَيْتُ إِنْسَاناً وَأَنَّ لِي كَذَا وَكَذَا».
أيُّها الإخوة الكرام: أبلَغُ الزَّواجِرِ عن الغِيبَةِ هذا الحَديثُ الشَّريفُ الذي نَطَقَ به صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الذي مَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى، إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى.
تَصَوَّروا البَحرَ بِعِظَمِهِ، وبِغَزارَةِ مائِهِ، الذي قالَ فيهِ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «الطَّهُورُ مَاؤُهُ» رواه الإمام أحمد عن أبي هُرَيرَةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ.
لو مُزِجَ هذا البَحرُ بِرِيقِ كَلِمَةٍ فيها غِيبَةٌ لَمَزَجَهُ، وغَيَّرَ طَعمَهُ ولَونَهُ ورِيحَهُ.
روى الإمام أحمد عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ الله رَضِيَ اللهُ عنهُما قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَارْتَفَعَتْ رِيحُ جِيفَةٍ مُنْتِنَةٍ.
فَقَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَتَدْرُونَ مَا هَذِهِ الرِّيحُ؟ هَذِهِ رِيحُ الَّذِينَ يَغْتَابُونَ الْمُؤْمِنِينَ».
الحَمدُ لله ربِّ العالمينَ الذي جَعَلَنا لا نَشَمُّ ولا نَذوقُ طَعمَ ورِيحَ المَعاصي، معَ العِلمِ بأنَّ المَعاصي لها أثَرٌ على جَوارِحِ العاصي، كما رُوِيَ أنَّ رَجُلاً دَخَلَ عَلَى عُثْمَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، وقَد نَظَرَ امرأةً أجنَبِيَّةً، فَلَمَّا نَظَرَ إلَيْهِ عُثْمَانُ قَالَ لَهُ: هاء!! أيَدْخُلُ عَلَيَّ أَحَدُكُمْ وَفِي عَيْنَيْهِ أَثَرُ الزِّنَا؟
فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ: أَوَحْيٌ بَعْدَ رَسُولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؟
قَالَ: لَا، ولكن قَولُ حَقٍّ وفَراسَةُ صِدقٍ. كما جاءَ في الرياض النضرة في مناقبِ العشرة.
أيُّها الإخوة الكرام: لقد غَضِبَ سيِّدُنا رسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عِندَما أشارَتِ السَّيِّدَةُ عائِشَةُ رَضِيَ اللهُ عنها بِيَدِها وقالَت: حَسْبُكَ مِنْ صَفِيَّةَ، كَذَا وَكَذَا، ـ تَعْنِي قَصِيرَةً ـ
وعِندَما قَلَّدَت إنساناً بِحَرَكَةٍ يَكرَهُها بَيَّنَ لها النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أنَّهُ لا يُحِبُّ أن يُقَلِّدَ أحَداً بِشَيءٍ يَكرَهُهُ، ولهُ كذا وكذا.
التَّحذيرُ من الغِيبَةِ:
أيُّها الإخوة الكرام: الغِيبَةُ عَدَّها الإمامُ ابنُ حجر من الكبائِرِ، وقال: الذي دَلَّت عَلَيهِ الدَّلائِلُ الكَثيرَةُ الصَّحيحَةُ الظَّاهِرَةُ، أنَّها كَبيرَةٌ. اهـ.
الغِيبَةُ مَرَضٌ خَطيرٌ، وداءٌ فَتَّاكٌ، ومِعوَلٌ هَدَّامٌ، وسُلوكٌ يُفَرِّقُ بَينَ الأحبابِ، وبُهتانٌ يُغَطِّي على مَحاسِنِ النَّاسِ، وبَذرَةٌ تُنبِتُ شُروراً بَينَ أفرادِ المُجتَمَعِ، وتَقلِبُ مَوازينَ العَدالَةِ والإنصافِ إلى الكَذِبِ والفُجورِ، فكم من زَوجَةٍ طُلِّقَت بِسَبَبِ الغِيبَةِ؟ وكم من دَمٍ سُفِكَ بِسَبَبِ الغِيبَةِ؟ وكم من رَجُلٍ غابَ في غَيابَاتِ السُّجونِ بِسَبَبِ الغِيبَةِ؟ وكم من موَظَّفٍ وعامِلٍ طُرِدَ من عَمَلِهِ بِسَبَبِ الغِيبَةِ؟ وكم من وَلَدٍ طُرِدَ من بَيتِ أبيهِ بِسَبَبِ الغِيبَةِ؟ وكم من قَطيعَةِ رَحِمٍ وَقَعَت بِسَبَبِ الغِيبَةِ؟ وكم من مَعروفٍ انقَطَعَ بِسَبَبِ الغِيبَةِ؟ وكم وكم وكم ................ بِسَبَبِ الغِيبَةِ؟
تَقبيحُ صُورَةِ الغِيبَةِ:
أيُّها الإخوة الكرام: لِنَنظُرْ إلى آيَةٍ في كِتابِ الله تعالى يُحَذِّرُنا فيها من الغِيبَةِ، فَيَقولُ جلَّ وعَلا: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ تَوَّابٌ رَّحِيم﴾.
من يَستَسيغُ أكلَ لَحمِ إنسانٍ؟ وكيفَ إذا كانَ مَيْتاً تَفَسَّخَ جَسَدُهُ؟!!
الإنسانُ مهما كانَ جَسوراً، ومهما كانَ قَوِيَّاً على أكلِ الحَرامِ، هل يَستَطيعُ أن يَأكُلَ لُقمَةً واحِدَةً من جَسَدِ أخيهِ المَيْتِ؟
ولو أشرَفَ إنسانٌ على الهَلاكِ، وعلى المَوتِ المُحَقَّقِ، هل يَستَطيعُ أحَدٌ أن يَتَقَبَّلَ أكلَ لُقمَةٍ واحِدَةٍ من جَسَدِ أخيهِ المَيِّتِ؟
لماذا هانَت عَلَينا الغِيبَةُ؟ وخاصَّةً التي لها أثَرٌ سَيِّءٌ في نُفوسِ الآخَرينَ، حيثُ قد تُؤَدِّي تِلكَ الغِيبَةُ إلى سَفكِ دَمٍ بَريءٍ، أو إلى قَطيعَةِ رَحِمٍ، أو إلى شَحناءَ وبَغضاءَ.
السِّرُّ في هذا واللهُ تعالى أعلَمُ هوَ عَدَمُ تَغَلغُلِ الإيمانِ في القُلوبِ.
الغِيبَةُ لا تَصدُرُ من الإنسانِ المُؤمِنِ الحَقِّ الكامِلِ الإيمانِ:
أيُّها الإخوة الكرام: الغِيبَةُ لا تَصدُرُ من الإنسانِ المُؤمِنِ الحَقِّ الكامِلِ الإيمانِ، وخاصَّةً بَعدَ مَعرِفَةِ حُكمِها.
روى الإمام أحمد وأبو داود عَنْ أَبِي بَرْزَةَ الْأَسْلَمِيِّ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «يَا مَعْشَرَ مَنْ آمَنَ بِلِسَانِهِ، وَلَمْ يَدْخُل الْإِيمَانُ قَلْبَهُ، لَا تَغْتَابُوا الْمُسْلِمِينَ، وَلَا تَتَّبِعُوا عَوْرَاتِهِمْ، فَإِنَّهُ مَنْ يَتَّبِعْ عَوْرَاتِهِمْ يَتَّبِع اللهُ عَوْرَتَهُ، وَمَنْ يَتَّبِع اللهُ عَوْرَتَهُ يَفْضَحْهُ فِي بَيْتِهِ».
ما هيَ الغِيبَةُ؟
أيُّها الإخوة الكرام: الكَثيرُ من النَّاسِ يَظُنُّ أنَّهُ إن تَكَلَّمَ عن أخيهِ حَقَّاً، وكانَ فيهِ ما يَقولُ فهذهِ ليسَت غِيبَةً.
لِيَسمَعْ كُلُّ واحِدٍ منَّا الحديثَ الشَّريفَ الصَّحيحَ الذي رواه الإمام مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ، أَنَّ رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أَتَدْرُونَ مَا الْغِيبَةُ؟»
قَالُوا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ.
قَالَ: «ذِكْرُكَ أَخَاكَ بِمَا يَكْرَهُ»
قِيلَ: أَفَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ فِي أَخِي مَا أَقُولُ؟
قَالَ: «إِنْ كَانَ فِيهِ مَا تَقُولُ فَقَد اغْتَبْتَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ فَقَدْ بَهَتَّهُ».
قَولُ العارِفينَ بالله تعالى في الغِيبَةِ:
أيُّها الإخوة الكرام: لِنَسمَعْ إلى كَلامِ العارِفينَ بالله تعالى، وهُم يُحَذِّرونَ الأمَّةَ من الغِيبَةِ:
أولاً: يَقولُ سيِّدُنا عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عنهُ: إنَّ ذِكرَ الله شِفاءٌ، وإنَّ ذِكرَ النَّاسِ دَاءٌ. رواه البيهقي في الشُّعَبِ.
ثانياً: عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ مَوْقُوفاً عَلَيْهِ، أَنَّهُ مَرَّ عَلَى بَغْلٍ مَيِّتٍ فَقَالَ لِبَعْضِ أَصْحَابِهِ: لَأَنْ يَأْكُلَ الرَّجُلُ مِنْ هَذَا حَتَّى يَمْلَأَ بَطْنَهُ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ رَجُلٍ مُسْلِمٍ. رواه ابنُ حِبَّان.
ثالثاً: يَقولُ الحَسَنُ البَصرِيُّ رَحِمَهُ اللهُ تعالى: ذِكرُ الغَيرِ ثَلاثَةٌ: الغِيبَةُ، والبُهتَانُ، والإفكُ، وكُلٌّ في كِتاب الله عزَّ وجلَّ، فَالغِيبَةُ أن تَقولَ ما فيهِ، والبُهتَانُ أن تَقولَ ما لَيسَ فيهِ، والإفكُ أن تَقولَ مَا بَلَغَكَ. اهـ.
واللهُ تعالى يَقولُ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ تَوَّابٌ رَّحِيم﴾.
ويَقولُ تعالى: ﴿وَلَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُم مَّا يَكُونُ لَنَا أَن نَّتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيم﴾.
ويَقولُ تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ جَاؤُوا بِالإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ﴾.
خاتِمَةٌ ـ نسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:
أيُّها الإخوة الكرام: إلى متى سَنَبقى تَحتَ جَحيمِ الغِيبَةِ والبُهتَانِ والإفكِ؟ متى نَتَّخِذُ مَوقِفاً قَوِيَّاً صارِماً تُجاهَ المُغتابينَ والمُفتَرينَ والأفَّاكينَ؟
لقد شُتِّتَ شَملُنا، ومُزِّقَ كيانُنا، وفُرِّقَت جَماعَتُنا، ودُمِّرَ مُجتَمَعُنا، بِجُرمِ هذا اللِّسانِ الذي لا يَرعى إلَّاً ولا ذِمَّةً عِندَ كَثيرٍ من النَّاسِ.
ما دُمِّرَت هذهِ البَلَدُ، إلا بِسَبَبِ الغِيبَةِ والبُهتَانِ والإفكِ، صَدَّقَ هذا من صَدَّقَ، وكَذَّبَهُ من كَذَّبَهُ.
أيُّها الإخوة الكرام: يَقولُ الإمام البخاري رَحِمَهُ اللهُ تعالى: ما اغتَبتُ أحَداً مُنذُ عَلِمتُ أنَّ الغِيبَةَ حَرامٌ.
وأخيراً خُذوا وَصِيَّةَ يَحيى بنِ مُعاذٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ:
لِيَكُنْ حَظُّ الْمُؤْمِنِ مِنْك ثَلَاثَ خِصَالٍ: إنْ لَمْ تَنْفَعْهُ فَلَا تَضُرَّهُ، وَإِنْ لَمْ تَسُرَّهُ فَلَا تَغُمَّهُ، وَإِنْ لَمْ تَمْدَحْهُ فَلَا تَذُمَّهُ.
نَعم، لقد كانَ يَغضَبُ سيِّدُنا رسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إذا سَمِعَ غِيبَةً، فأينَ من يَغضَبُ لله إذا رأى الغِيبَةَ والبُهتَانَ والإفكَ؟
اللَّهُمَّ رُدَّنا إليكَ رَدَّاً جميلاً. آمين.
وصَلَّى اللهُ عَلَى سيِّدِنا محمَّدٍ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون * وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِين * وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين.
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم
70 ـ صورة من غضب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ (4)
«لَقَدْ قُلْتِ كَلِمَةً لَوْ مُزِجَتْ بِمَاءِ الْبَحْرِ لَمَزَجَتْهُ»
مقدمة الكلمة:
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد:
فيا أيُّها الإخوةُ الكرام: المَهامُ التي حُمِّلَها سيِّدُنا رسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مَهامٌ عَظيمَةٌ وجَسيمَةٌ، من جُملَتِها تَبليغُ رِسالَةِ الله تعالى، وتَعليمُ النَّاسِ الحِكمَةَ، وتَزكِيَةُ نُفوسِهِم، وتَدبيرُ شُؤونِ الأمَّةِ، ومُواجَهَةُ الأخطارِ، ومُجادَلَةُ النَّاسِ من أهلِ الكِتابِ وغَيرِهِم بالحِكمَةِ والمَوعِظَةِ الحَسَنَةِ، إضافَةً إلى ذلكَ التَّبَتُّلُ لله تعالى آناءَ اللَّيلِ وأطرافَ النَّهارِ، ومن جُملَةِ هذهِ المَهامِ تَربِيَةُ أُسرَتِهِ الكَبيرَةِ، وتَوجيهُهُم إلى مَرضاةِ الله عزَّ وجلَّ، والابتِعادِ عمَّا يُغضِبُ اللهَ تعالى، ويَحولُ بَينَهُم وبَينَ الظَّفَرِ بِرَحمَتِهِ تعالى.
فما شَغَلَهُ أمرٌ عن أمرٍ، وما قَصَّرَ في تَكليفٍ من التَّكاليفِ الشَّرعِيَّةِ، وظَهَرَ اهتِمامُهُ البالِغُ بالأسرَةِ لأنَّها نَواةُ المُجتَمَعِ، فَبِصَلاحِها صَلاحُ المُجتَمَعِ، كما أنَّ بِفَسادِها فَسادَ المُجتَمَعِ.
صُورَةٌ من صُوَرِ غَضَبِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ في بُيوتِهِ الشَّريفَةِ:
أيُّها الإخوة الكرام: عَرَفنا في الدَّرسِ الماضي صُورَةً من صُوَرِ غَضَبِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ في البَيتِ، عِندَما رأى الصُّوَرَ والتَّماثيلَ، وما سَكَنَ غَضَبُهُ حتَّى مُزِّقَ ذاكَ القِرامُ الذي كانَت فيهِ الصُّوَرُ والتَّماثيلُ.
من صُوَرِ هذا الغَضَبِ، ما رواه أبو داود عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عنها قَالَتْ: قُلْتُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: حَسْبُكَ مِنْ صَفِيَّةَ، كَذَا وَكَذَا، ـ تَعْنِي قَصِيرَةً ـ
فَقَالَ: «لَقَدْ قُلْتِ كَلِمَةً لَوْ مُزِجَتْ بِمَاءِ الْبَحْرِ لَمَزَجَتْهُ».
قَالَتْ: وَحَكَيْتُ لَهُ إِنْسَاناً.
فَقَالَ: «مَا أُحِبُّ أَنِّي حَكَيْتُ إِنْسَاناً وَأَنَّ لِي كَذَا وَكَذَا».
أيُّها الإخوة الكرام: أبلَغُ الزَّواجِرِ عن الغِيبَةِ هذا الحَديثُ الشَّريفُ الذي نَطَقَ به صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الذي مَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى، إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى.
تَصَوَّروا البَحرَ بِعِظَمِهِ، وبِغَزارَةِ مائِهِ، الذي قالَ فيهِ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «الطَّهُورُ مَاؤُهُ» رواه الإمام أحمد عن أبي هُرَيرَةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ.
لو مُزِجَ هذا البَحرُ بِرِيقِ كَلِمَةٍ فيها غِيبَةٌ لَمَزَجَهُ، وغَيَّرَ طَعمَهُ ولَونَهُ ورِيحَهُ.
روى الإمام أحمد عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ الله رَضِيَ اللهُ عنهُما قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فَارْتَفَعَتْ رِيحُ جِيفَةٍ مُنْتِنَةٍ.
فَقَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَتَدْرُونَ مَا هَذِهِ الرِّيحُ؟ هَذِهِ رِيحُ الَّذِينَ يَغْتَابُونَ الْمُؤْمِنِينَ».
الحَمدُ لله ربِّ العالمينَ الذي جَعَلَنا لا نَشَمُّ ولا نَذوقُ طَعمَ ورِيحَ المَعاصي، معَ العِلمِ بأنَّ المَعاصي لها أثَرٌ على جَوارِحِ العاصي، كما رُوِيَ أنَّ رَجُلاً دَخَلَ عَلَى عُثْمَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، وقَد نَظَرَ امرأةً أجنَبِيَّةً، فَلَمَّا نَظَرَ إلَيْهِ عُثْمَانُ قَالَ لَهُ: هاء!! أيَدْخُلُ عَلَيَّ أَحَدُكُمْ وَفِي عَيْنَيْهِ أَثَرُ الزِّنَا؟
فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ: أَوَحْيٌ بَعْدَ رَسُولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؟
قَالَ: لَا، ولكن قَولُ حَقٍّ وفَراسَةُ صِدقٍ. كما جاءَ في الرياض النضرة في مناقبِ العشرة.
أيُّها الإخوة الكرام: لقد غَضِبَ سيِّدُنا رسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عِندَما أشارَتِ السَّيِّدَةُ عائِشَةُ رَضِيَ اللهُ عنها بِيَدِها وقالَت: حَسْبُكَ مِنْ صَفِيَّةَ، كَذَا وَكَذَا، ـ تَعْنِي قَصِيرَةً ـ
وعِندَما قَلَّدَت إنساناً بِحَرَكَةٍ يَكرَهُها بَيَّنَ لها النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أنَّهُ لا يُحِبُّ أن يُقَلِّدَ أحَداً بِشَيءٍ يَكرَهُهُ، ولهُ كذا وكذا.
التَّحذيرُ من الغِيبَةِ:
أيُّها الإخوة الكرام: الغِيبَةُ عَدَّها الإمامُ ابنُ حجر من الكبائِرِ، وقال: الذي دَلَّت عَلَيهِ الدَّلائِلُ الكَثيرَةُ الصَّحيحَةُ الظَّاهِرَةُ، أنَّها كَبيرَةٌ. اهـ.
الغِيبَةُ مَرَضٌ خَطيرٌ، وداءٌ فَتَّاكٌ، ومِعوَلٌ هَدَّامٌ، وسُلوكٌ يُفَرِّقُ بَينَ الأحبابِ، وبُهتانٌ يُغَطِّي على مَحاسِنِ النَّاسِ، وبَذرَةٌ تُنبِتُ شُروراً بَينَ أفرادِ المُجتَمَعِ، وتَقلِبُ مَوازينَ العَدالَةِ والإنصافِ إلى الكَذِبِ والفُجورِ، فكم من زَوجَةٍ طُلِّقَت بِسَبَبِ الغِيبَةِ؟ وكم من دَمٍ سُفِكَ بِسَبَبِ الغِيبَةِ؟ وكم من رَجُلٍ غابَ في غَيابَاتِ السُّجونِ بِسَبَبِ الغِيبَةِ؟ وكم من موَظَّفٍ وعامِلٍ طُرِدَ من عَمَلِهِ بِسَبَبِ الغِيبَةِ؟ وكم من وَلَدٍ طُرِدَ من بَيتِ أبيهِ بِسَبَبِ الغِيبَةِ؟ وكم من قَطيعَةِ رَحِمٍ وَقَعَت بِسَبَبِ الغِيبَةِ؟ وكم من مَعروفٍ انقَطَعَ بِسَبَبِ الغِيبَةِ؟ وكم وكم وكم ................ بِسَبَبِ الغِيبَةِ؟
تَقبيحُ صُورَةِ الغِيبَةِ:
أيُّها الإخوة الكرام: لِنَنظُرْ إلى آيَةٍ في كِتابِ الله تعالى يُحَذِّرُنا فيها من الغِيبَةِ، فَيَقولُ جلَّ وعَلا: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ تَوَّابٌ رَّحِيم﴾.
من يَستَسيغُ أكلَ لَحمِ إنسانٍ؟ وكيفَ إذا كانَ مَيْتاً تَفَسَّخَ جَسَدُهُ؟!!
الإنسانُ مهما كانَ جَسوراً، ومهما كانَ قَوِيَّاً على أكلِ الحَرامِ، هل يَستَطيعُ أن يَأكُلَ لُقمَةً واحِدَةً من جَسَدِ أخيهِ المَيْتِ؟
ولو أشرَفَ إنسانٌ على الهَلاكِ، وعلى المَوتِ المُحَقَّقِ، هل يَستَطيعُ أحَدٌ أن يَتَقَبَّلَ أكلَ لُقمَةٍ واحِدَةٍ من جَسَدِ أخيهِ المَيِّتِ؟
لماذا هانَت عَلَينا الغِيبَةُ؟ وخاصَّةً التي لها أثَرٌ سَيِّءٌ في نُفوسِ الآخَرينَ، حيثُ قد تُؤَدِّي تِلكَ الغِيبَةُ إلى سَفكِ دَمٍ بَريءٍ، أو إلى قَطيعَةِ رَحِمٍ، أو إلى شَحناءَ وبَغضاءَ.
السِّرُّ في هذا واللهُ تعالى أعلَمُ هوَ عَدَمُ تَغَلغُلِ الإيمانِ في القُلوبِ.
الغِيبَةُ لا تَصدُرُ من الإنسانِ المُؤمِنِ الحَقِّ الكامِلِ الإيمانِ:
أيُّها الإخوة الكرام: الغِيبَةُ لا تَصدُرُ من الإنسانِ المُؤمِنِ الحَقِّ الكامِلِ الإيمانِ، وخاصَّةً بَعدَ مَعرِفَةِ حُكمِها.
روى الإمام أحمد وأبو داود عَنْ أَبِي بَرْزَةَ الْأَسْلَمِيِّ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «يَا مَعْشَرَ مَنْ آمَنَ بِلِسَانِهِ، وَلَمْ يَدْخُل الْإِيمَانُ قَلْبَهُ، لَا تَغْتَابُوا الْمُسْلِمِينَ، وَلَا تَتَّبِعُوا عَوْرَاتِهِمْ، فَإِنَّهُ مَنْ يَتَّبِعْ عَوْرَاتِهِمْ يَتَّبِع اللهُ عَوْرَتَهُ، وَمَنْ يَتَّبِع اللهُ عَوْرَتَهُ يَفْضَحْهُ فِي بَيْتِهِ».
ما هيَ الغِيبَةُ؟
أيُّها الإخوة الكرام: الكَثيرُ من النَّاسِ يَظُنُّ أنَّهُ إن تَكَلَّمَ عن أخيهِ حَقَّاً، وكانَ فيهِ ما يَقولُ فهذهِ ليسَت غِيبَةً.
لِيَسمَعْ كُلُّ واحِدٍ منَّا الحديثَ الشَّريفَ الصَّحيحَ الذي رواه الإمام مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ، أَنَّ رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أَتَدْرُونَ مَا الْغِيبَةُ؟»
قَالُوا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ.
قَالَ: «ذِكْرُكَ أَخَاكَ بِمَا يَكْرَهُ»
قِيلَ: أَفَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ فِي أَخِي مَا أَقُولُ؟
قَالَ: «إِنْ كَانَ فِيهِ مَا تَقُولُ فَقَد اغْتَبْتَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ فَقَدْ بَهَتَّهُ».
قَولُ العارِفينَ بالله تعالى في الغِيبَةِ:
أيُّها الإخوة الكرام: لِنَسمَعْ إلى كَلامِ العارِفينَ بالله تعالى، وهُم يُحَذِّرونَ الأمَّةَ من الغِيبَةِ:
أولاً: يَقولُ سيِّدُنا عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عنهُ: إنَّ ذِكرَ الله شِفاءٌ، وإنَّ ذِكرَ النَّاسِ دَاءٌ. رواه البيهقي في الشُّعَبِ.
ثانياً: عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ مَوْقُوفاً عَلَيْهِ، أَنَّهُ مَرَّ عَلَى بَغْلٍ مَيِّتٍ فَقَالَ لِبَعْضِ أَصْحَابِهِ: لَأَنْ يَأْكُلَ الرَّجُلُ مِنْ هَذَا حَتَّى يَمْلَأَ بَطْنَهُ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ رَجُلٍ مُسْلِمٍ. رواه ابنُ حِبَّان.
ثالثاً: يَقولُ الحَسَنُ البَصرِيُّ رَحِمَهُ اللهُ تعالى: ذِكرُ الغَيرِ ثَلاثَةٌ: الغِيبَةُ، والبُهتَانُ، والإفكُ، وكُلٌّ في كِتاب الله عزَّ وجلَّ، فَالغِيبَةُ أن تَقولَ ما فيهِ، والبُهتَانُ أن تَقولَ ما لَيسَ فيهِ، والإفكُ أن تَقولَ مَا بَلَغَكَ. اهـ.
واللهُ تعالى يَقولُ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ تَوَّابٌ رَّحِيم﴾.
ويَقولُ تعالى: ﴿وَلَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُم مَّا يَكُونُ لَنَا أَن نَّتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيم﴾.
ويَقولُ تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ جَاؤُوا بِالإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ﴾.
خاتِمَةٌ ـ نسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:
أيُّها الإخوة الكرام: إلى متى سَنَبقى تَحتَ جَحيمِ الغِيبَةِ والبُهتَانِ والإفكِ؟ متى نَتَّخِذُ مَوقِفاً قَوِيَّاً صارِماً تُجاهَ المُغتابينَ والمُفتَرينَ والأفَّاكينَ؟
لقد شُتِّتَ شَملُنا، ومُزِّقَ كيانُنا، وفُرِّقَت جَماعَتُنا، ودُمِّرَ مُجتَمَعُنا، بِجُرمِ هذا اللِّسانِ الذي لا يَرعى إلَّاً ولا ذِمَّةً عِندَ كَثيرٍ من النَّاسِ.
ما دُمِّرَت هذهِ البَلَدُ، إلا بِسَبَبِ الغِيبَةِ والبُهتَانِ والإفكِ، صَدَّقَ هذا من صَدَّقَ، وكَذَّبَهُ من كَذَّبَهُ.
أيُّها الإخوة الكرام: يَقولُ الإمام البخاري رَحِمَهُ اللهُ تعالى: ما اغتَبتُ أحَداً مُنذُ عَلِمتُ أنَّ الغِيبَةَ حَرامٌ.
وأخيراً خُذوا وَصِيَّةَ يَحيى بنِ مُعاذٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ:
لِيَكُنْ حَظُّ الْمُؤْمِنِ مِنْك ثَلَاثَ خِصَالٍ: إنْ لَمْ تَنْفَعْهُ فَلَا تَضُرَّهُ، وَإِنْ لَمْ تَسُرَّهُ فَلَا تَغُمَّهُ، وَإِنْ لَمْ تَمْدَحْهُ فَلَا تَذُمَّهُ.
نَعم، لقد كانَ يَغضَبُ سيِّدُنا رسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إذا سَمِعَ غِيبَةً، فأينَ من يَغضَبُ لله إذا رأى الغِيبَةَ والبُهتَانَ والإفكَ؟
اللَّهُمَّ رُدَّنا إليكَ رَدَّاً جميلاً. آمين.
وصَلَّى اللهُ عَلَى سيِّدِنا محمَّدٍ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون * وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِين * وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين.
20/11/2024, 22:49 من طرف Admin
» كتاب مواعظ الإمام زين العابدين ـ صالح أحمد الشامي
18/11/2024, 23:30 من طرف Admin
» كتاب إتحاف النفوس بنفحات القدوس ـ عبد القدوس بن أسامة السامرائي
18/11/2024, 23:25 من طرف Admin
» كتاب الإعلام بفضل الصلاة على النبي والسلام ـ محمد بن عبد الرحمن بن علي النميري
18/11/2024, 23:20 من طرف Admin
» كتاب الغيب ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:08 من طرف Admin
» كتاب الشيطان والإنسان ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:03 من طرف Admin
» كتاب الشعراوي هنا رأيت سيدنا إبراهيم ـ سعيد أبو العنين
18/11/2024, 23:01 من طرف Admin
» كتاب الخير والشر ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:57 من طرف Admin
» كتاب التربية في مدرسة النبوة ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:55 من طرف Admin
» كتاب: إرشاد العباد إلى سبل الرشاد ـ للملبباري
18/11/2024, 22:41 من طرف Admin
» ـ كتاب آداب الحسن البصري ـ أبن الجوزي
18/11/2024, 22:34 من طرف Admin
» كتاب الله والنفس البشرية ـ لمحمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:23 من طرف Admin
» كتاب: معرفة النفس طر يق لمعرفة الرب ـ أستاذ البصيرة عبدالوهاب حسن
18/11/2024, 22:21 من طرف Admin
» كتاب الطريق الي الله ـ الشيخ علي جمعة
18/11/2024, 21:50 من طرف Admin
» كتاب: كتاب النفس والجسد والروح ـ ابراهيم البلتاجي
18/11/2024, 21:38 من طرف Admin