مع الحبيب المصطفى: وفاؤه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لأمته كلها (2)
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم
35ـ وفاؤه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لأمته كلها (2)
مقدمة الكلمة:
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد:
فيأيُّهَا الإخوَةُ الكرام: اِتِّباعُ الكامِلِ يُكَمِّلُ، كما أنَّ اتِّباعَ النَّاقِصِ يُنَقِّصُ، وقد أجمَعَ جَميعُ عُقَلاءِ الدُّنيا على أنَّهُ لا أكمَلَ من شَخصِيَّةِ سيِّدِنا رسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ في السَّابِقينَ ولا في اللَّاحِقينَ، فمن أرادَ الكَمالَ فَعَلَيهِ باتِّباعِ الحبيبِ المصطفى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.
والصَّادِقُ في مَحَبَّةِ الله عزَّ وجلَّ من هذهِ الأمَّةِ يكونُ مُتَّبِعاً لسيِّدِنا رسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، كما أنَّ في اتِّباعِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مَحَبَّةُ الله تعالى للمُتَّبِعِ، قال تعالى: ﴿قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ واللهُ غَفُورٌ رَّحِيم﴾.
ومن صِفاتِ كَمالِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الوَفاءُ، فقد كانَ وَفِيَّاً لأصحابِهِ الكِرامِ خاصَّةً، ولأمَّتِهِ عامَّةً؛ ومن صُوَرِ هذا الوَفاءِ:
أولاً: خَبَّأ دَعوَتَهُ المُستَجابَةَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لأمَّتِهِ:
أيُّهَا الإخوَةُ الكرام: مِمَّا يَدُلُّ على خُلُقِ الوَفاءِ عِندَ سيِّدِنا رسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أنَّهُ خَبَّأ دَعوَتَهُ المُستَجابَةَ لأمَّتِهِ إلى أهَمِّ الأوقاتِ التي يكونونَ بِحاجَةٍ إليها، وأهَمُّ الأوقاتِ وأعظَمُها خَطَراً هيَ في يومِ القِيامَةِ، التي قالَ فيها مولانا عزَّ وجلَّ: ﴿يَوْمَ لا يَنفَعُ مَالٌ وَلا بَنُون * إِلا مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيم﴾. وقالَ فيها: ﴿يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيه * وَأُمِّهِ وَأَبِيه * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيه * لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيه﴾. أخَّرَ دَعوَتَهُ المُستَجابَةَ لِيَومٍ: ﴿يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِين﴾.
روى الإمام مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لِكُلِّ نَبِيٍّ دَعْوَةٌ مُسْتَجَابَةٌ، فَتَعَجَّلَ كُلُّ نَبِيٍّ دَعْوَتَهُ، وَإِنِّي اخْتَبَأْتُ دَعْوَتِي شَفَاعَةً لِأُمَّتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَهِيَ نَائِلَةٌ إِنْ شَاءَ اللهُ مَنْ مَاتَ مِنْ أُمَّتِي لَا يُشْرِكُ بالله شَيْئاً».
وروى الإمام أحمد عَنْ أَبِي نَضْرَةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: خَطَبَنَا ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهُما عَلَى مِنْبَرِ الْبَصْرَةِ فَقَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ نَبِيٌّ إِلَّا لَهُ دَعْوَةٌ قَدْ تَنَجَّزَهَا فِي الدُّنْيَا، وَإِنِّي قَد اخْتَبَأْتُ دَعْوَتِي شَفَاعَةً لِأُمَّتِي، وَأَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا فَخْرَ، وَأَنَا أَوَّلُ مَنْ تَنْشَقُّ عَنْهُ الْأَرْضُ وَلَا فَخْرَ، وَبِيَدِي لِوَاءُ الْحَمْدِ وَلَا فَخْرَ، آدَمُ فَمَنْ دُونَهُ تَحْتَ لِوَائِي وَلَا فَخْرَ.
وَيَطُولُ يَوْمُ الْقِيَامَةِ عَلَى النَّاسِ، فَيَقُولُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: انْطَلِقُوا بِنَا إِلَى آدَمَ أَبِي الْبَشَرِ فَلْيَشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّنَا عَزَّ وَجَلَّ فَلْيَقْضِ بَيْنَنَا، فَيَأْتُونَ آدَمَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَقُولُونَ: يَا آدَمُ، أَنْتَ الَّذِي خَلَقَكَ اللهُ بِيَدِهِ وَأَسْكَنَكَ جَنَّتَهُ وَأَسْجَدَ لَكَ مَلَائِكَتَهُ، اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّنَا فَلْيَقْضِ بَيْنَنَا.
فَيَقُولُ: إِنِّي لَسْتُ هُنَاكُمْ، إِنِّي قَدْ أُخْرِجْتُ مِنْ الْجَنَّةِ بِخَطِيئَتِي، وَإِنَّهُ لَا يُهِمُّنِي الْيَوْمَ إِلَّا نَفْسِي، وَلَكِن ائْتُوا نُوحاً رَأْسَ النَّبِيِّينَ.
فَيَأْتُونَ نُوحاً فَيَقُولُونَ: يَا نُوحُ، اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّنَا فَلْيَقْضِ بَيْنَنَا.
فَيَقُولُ: إِنِّي لَسْتُ هُنَاكُمْ، إِنِّي دَعَوْتُ بِدَعْوَةٍ أَغْرَقَتْ أَهْلَ الْأَرْضِ، وَإِنَّهُ لَا يُهِمُّنِي الْيَوْمَ إِلَّا نَفْسِي، وَلَكِن ائْتُوا إِبْرَاهِيمَ خَلِيلَ الله.
فَيَأْتُونَ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَام فَيَقُولُونَ: يَا إِبْرَاهِيمُ، اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّنَا فَلْيَقْضِ بَيْنَنَا.
فَيَقُولُ: إِنِّي لَسْتُ هُنَاكُمْ، إِنِّي كَذَبْتُ فِي الْإِسْلَامِ ثَلَاثَ كِذْبَاتٍ والله إِنْ حَاوَلَ بِهِنَّ إِلَّا عَنْ دِينِ الله، قَوْلُهُ: ﴿إِنِّي سَقِيمٌ﴾ وَقَوْلُهُ: ﴿بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ﴾ وَقَوْلُهُ لِامْرَأَتِهِ حِينَ أَتَى عَلَى الْمَلِكِ: أُخْتِي، وَإِنَّهُ لَا يُهِمُّنِي الْيَوْمَ إِلَّا نَفْسِي، وَلَكِن ائْتُوا مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام الَّذِي اصْطَفَاهُ اللهُ بِرِسَالَتِهِ وَكَلَامِهِ.
فَيَأْتُونَهُ فَيَقُولُونَ: يَا مُوسَى، أَنْتَ الَّذِي اصْطَفَاكَ اللهُ بِرِسَالَتِهِ وَكَلَّمَكَ، فَاشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ فَلْيَقْضِ بَيْنَنَا.
فَيَقُولُ: لَسْتُ هُنَاكُمْ، إِنِّي قَتَلْتُ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ، وَإِنَّهُ لَا يُهِمُّنِي الْيَوْمَ إِلَّا نَفْسِي، وَلَكِن ائْتُوا عِيسَى رُوحَ الله وَكَلِمَتَهُ.
فَيَأْتُونَ عِيسَى فَيَقُولُونَ: يَا عِيسَى، اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ فَلْيَقْضِ بَيْنَنَا.
فَيَقُولُ: إِنِّي لَسْتُ هُنَاكُمْ، إِنِّي اتُّخِذْتُ إِلَهاً مِنْ دُونِ الله، وَإِنَّهُ لَا يُهِمُّنِي الْيَوْمَ إِلَّا نَفْسِي، وَلَكِنْ أَرَأَيْتُمْ لَوْ كَانَ مَتَاعٌ فِي وِعَاءٍ مَخْتُومٍ عَلَيْهِ، أَكَانَ يُقْدَرُ عَلَى مَا فِي جَوْفِهِ حَتَّى يُفَضَّ الْخَاتَمُ؟
فَيَقُولُونَ: لَا.
فَيَقُولُ: إِنَّ مُحَمَّداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ خَاتَمُ النَّبِيِّينَ وَقَدْ حَضَرَ الْيَوْمَ وَقَدْ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ.
قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: فَيَأْتُونِي فَيَقُولُونَ: يَا مُحَمَّدُ، اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ فَلْيَقْضِ بَيْنَنَا.
فَأَقُولُ: أَنَا لَهَا، حَتَّى يَأْذَنَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ لِمَنْ شَاءَ وَيَرْضَى، فَإِذَا أَرَادَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنْ يَصْدَعَ بَيْنَ خَلْقِهِ نَادَى مُنَادٍ: أَيْنَ أَحْمَدُ وَأُمَّتُهُ؟
فَنَحْنُ الْآخِرُونَ الْأَوَّلُونَ، نَحْنُ آخِرُ الْأُمَمِ وَأَوَّلُ مَنْ يُحَاسَبُ، فَتُفْرَجُ لَنَا الْأُمَمُ عَنْ طَرِيقِنَا، فَنَمْضِي غُرَّاً مُحَجَّلِينَ مِنْ أَثَرِ الطُّهُورِ.
فَتَقُولُ الْأُمَمُ: كَادَتْ هَذِهِ الْأُمَّةُ أَنْ تَكُونَ أَنْبِيَاءَ كُلُّهَا، فَنَأْتِي بَابَ الْجَنَّةِ، فَآخُذُ بِحَلْقَةِ الْبَابِ، فَأَقْرَعُ الْبَابَ، فَيُقَالُ: مَنْ أَنْتَ؟
فَأَقُولُ: أَنَا مُحَمَّدٌ، فَيُفْتَحُ لِي، فَآتِي رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ عَلَى كُرْسِيِّهِ ـ أَوْ سَرِيرِهِ ـ فَأَخِرُّ لَهُ سَاجِداً، فَأَحْمَدُهُ بِمَحَامِدَ لَمْ يَحْمَدْهُ بِهَا أَحَدٌ كَانَ قَبْلِي وَلَيْسَ يَحْمَدُهُ بِهَا أَحَدٌ بَعْدِي.
فَيُقَالُ: يَا مُحَمَّدُ، ارْفَعْ رَأْسَكَ وَسَلْ تُعْطَهْ وَقُلْ تُسْمَعْ وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ.
فَأَرْفَعُ رَأْسِي فَأَقُولُ: أَيْ رَبِّ أُمَّتِي أُمَّتِي.
فَيَقُولُ: أَخْرِجْ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ كَذَا وَكَذَا.
ثُمَّ أُعِيدُ فَأَسْجُدُ فَأَقُولُ مَا قُلْتُ.
فَيُقَالُ: ارْفَعْ رَأْسَكَ وَقُلْ تُسْمَعْ وَسَلْ تُعْطَهْ وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ.
فَأَقُولُ: أَيْ رَبِّ أُمَّتِي أُمَّتِي.
فَيَقُولُ: أَخْرِجْ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ كَذَا وَكَذَا، دُونَ الْأَوَّلِ.
ثُمَّ أُعِيدُ فَأَسْجُدُ فَأَقُولُ مِثْلَ ذَلِكَ.
فَيُقَالُ لِيَ: ارْفَعْ رَأْسَكَ وَقُلْ تُسْمَعْ وَسَلْ تُعْطَهْ وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ.
فَأَقُولُ: أَيْ رَبِّ أُمَّتِي أُمَّتِي.
فَقَالَ: أَخْرِجْ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ كَذَا وَكَذَا دُونَ ذَلِكَ.
ثانياً: حِرصُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ على أمَّتِهِ كُلِّها:
أيُّهَا الإخوَةُ الكرام: مِمَّا يَدُلُّ على وَفائِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لأمَّتِهِ، أنَّهُ يَخافُ عَليهِم من يَومٍ عظيمٍ تَشيبُ فيهِ الوِلدانُ، من يَومٍ قالَ اللهُ تعالى فيه: ﴿وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الإِنسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى﴾.
وقالَ تعالى فيه: ﴿وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاء بِالْغَمَامِ وَنُزِّلَ الْمَلائِكَةُ تَنزِيلاً * الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ وَكَانَ يَوْماً عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيراً * وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً * يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً * لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلإِنسَانِ خَذُولاً﴾.
وقالَ فيه: ﴿وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُون﴾.
وقالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فيه: «يُؤْتَى بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لَهَا سَبْعُونَ أَلْفَ زِمَامٍ، مَعَ كُلِّ زِمَامٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ يَجُرُّونَهَا» رواه الإمام مسلم عَنْ عَبْدِ الله رَضِيَ اللهُ عنهُ.
روى الإمام مسلم عَنْ عَبْدِ الله بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللهُ عنهُما، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَلَا قَوْلَ الله عَزَّ وَجَلَّ فِي إِبْرَاهِيمَ: ﴿رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنْ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي﴾.
وَقَالَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام: ﴿إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾.
فَرَفَعَ يَدَيْهِ وَقَالَ: «اللَّهُمَّ أُمَّتِي أُمَّتِي» وَبَكَى.
فَقَالَ الله عَزَّ وَجَلَّ: يَا جِبْرِيلُ، اذْهَبْ إِلَى مُحَمَّدٍ وَرَبُّكَ أَعْلَمُ فَسَلْهُ مَا يُبْكِيكَ؟
فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَام فَسَأَلَهُ، فَأَخْبَرَهُ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِمَا قَالَ وَهُوَ أَعْلَمُ.
فَقَالَ اللهُ: يَا جِبْرِيلُ، اذْهَبْ إِلَى مُحَمَّدٍ، فَقُلْ: إِنَّا سَنُرْضِيكَ فِي أُمَّتِكَ وَلَا نَسُوءُكَ.
وروى الإمام أحمد عن حُذَيْفَةَ بْنَ الْيَمَانِ رَضِيَ اللهُ عنهُ قال: غَابَ عَنَّا رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَوْماً، فَلَمْ يَخْرُجْ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ لَنْ يَخْرُجَ، فَلَمَّا خَرَجَ سَجَدَ سَجْدَةً، فَظَنَنَّا أَنَّ نَفْسَهُ قَدْ قُبِضَتْ فِيهَا، فَلَمَّا رَفَعَ رَأْسَهُ قَالَ: «إِنَّ رَبِّي تَبَارَكَ وَتَعَالَى اسْتَشَارَنِي فِي أُمَّتِي مَاذَا أَفْعَلُ بِهِمْ؟
فَقُلْتُ: مَا شِئْتَ أَيْ رَبِّ، هُمْ خَلْقُكَ وَعِبَادُكَ.
فَاسْتَشَارَنِي الثَّانِيَةَ فَقُلْتُ لَهُ كَذَلِكَ.
فَقَالَ: لَا أُحْزِنُكَ فِي أُمَّتِكَ يَا مُحَمَّدُ.
وَبَشَّرَنِي أَنَّ أَوَّلَ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِي سَبْعُونَ أَلْفًا مَعَ كُلِّ أَلْفٍ سَبْعُونَ أَلْفاً لَيْسَ عَلَيْهِمْ حِسَابٌ.
ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَيَّ فَقَالَ: ادْعُ تُجَبْ وَسَلْ تُعْطَ.
فَقُلْتُ: لِرَسُولِهِ أَوَمُعْطِيَّ رَبِّي سُؤْلِي؟
فَقَالَ: مَا أَرْسَلَنِي إِلَيْكَ إِلَّا لِيُعْطِيَكَ، وَلَقَدْ أَعْطَانِي رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ وَلَا فَخْرَ، وَغَفَرَ لِي مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِي وَمَا تَأَخَّرَ، وَأَنَا أَمْشِي حَيَّاً صَحِيحاً، وَأَعْطَانِي أَنْ لَا تَجُوعَ أُمَّتِي وَلَا تُغْلَبَ، وَأَعْطَانِي الْكَوْثَرَ، فَهُوَ نَهْرٌ مِن الْجَنَّةِ يَسِيلُ فِي حَوْضِي، وَأَعْطَانِي الْعِزَّ وَالنَّصْرَ وَالرُّعْبَ يَسْعَى بَيْنَ يَدَيْ أُمَّتِي شَهْراً، وَأَعْطَانِي أَنِّي أَوَّلُ الْأَنْبِيَاءِ أَدْخُلُ الْجَنَّةَ، وَطَيَّبَ لِي وَلِأُمَّتِي الْغَنِيمَةَ، وَأَحَلَّ لَنَا كَثِيراً مِمَّا شَدَّدَ عَلَى مَنْ قَبْلَنَا وَلَمْ يَجْعَلْ عَلَيْنَا مِنْ حَرَجٍ».
خاتِمَةٌ ـ نسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:
أيُّهَا الإخوَةُ الكرام: هذا وَفاءُ سيِّدِنا رسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لأمَّتِهِ التي آمَنَت به دونَ أن تَراهُ، فهل نحنُ أوفِياءُ لهذا الحبيبِ الأعظَمِ سيِّدِنا محمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؟
ربُّنا عزَّ وجلَّ لن يُسيءَ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يومَ القِيامَةِ، فهل الأمَّةُ تُسيءُ لِنَبِيِّها صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وهوَ في قَبرِهِ الشَّريفِ عندما تُعرَضُ عليهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أعمالُهُم أم لا؟
روى البزار عن عبد الله رَضِيَ اللهُ عنهُ، عن النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قال: «حَيَاتِي خَيْرٌ لَكُمْ، تُحَدِّثُونَ وَيُحَدَّثُ لَكُمْ، وَوَفَاتِي خَيْرٌ لَكُمْ تُعْرَضُ عَلَيَّ أَعْمَالَكُمْ، فَمَا رَأَيْتُ مِنْ خَيْرٍ حَمِدْتُ اللهَ عَلَيْهِ، وَمَا رَأَيْتُ مِنْ شَرٍّ اسْتَغْفَرْتُ اللهَ لَكُمْ».
أسألُ اللهَ عزَّ وجلَّ أن يَجعَلَنا أوفِياءَ لسيِّدِ الأوفِياءِ سيِّدِنا محمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الذي كانَ وَفِيَّاً لمن آمَنَ به صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ دونَ أن يَراهُ. آمين.
وصَلَّى اللهُ عَلَى سيِّدِنا محمَّدٍ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون * وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِين * وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين.
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم
35ـ وفاؤه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لأمته كلها (2)
مقدمة الكلمة:
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد:
فيأيُّهَا الإخوَةُ الكرام: اِتِّباعُ الكامِلِ يُكَمِّلُ، كما أنَّ اتِّباعَ النَّاقِصِ يُنَقِّصُ، وقد أجمَعَ جَميعُ عُقَلاءِ الدُّنيا على أنَّهُ لا أكمَلَ من شَخصِيَّةِ سيِّدِنا رسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ في السَّابِقينَ ولا في اللَّاحِقينَ، فمن أرادَ الكَمالَ فَعَلَيهِ باتِّباعِ الحبيبِ المصطفى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.
والصَّادِقُ في مَحَبَّةِ الله عزَّ وجلَّ من هذهِ الأمَّةِ يكونُ مُتَّبِعاً لسيِّدِنا رسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، كما أنَّ في اتِّباعِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مَحَبَّةُ الله تعالى للمُتَّبِعِ، قال تعالى: ﴿قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ واللهُ غَفُورٌ رَّحِيم﴾.
ومن صِفاتِ كَمالِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الوَفاءُ، فقد كانَ وَفِيَّاً لأصحابِهِ الكِرامِ خاصَّةً، ولأمَّتِهِ عامَّةً؛ ومن صُوَرِ هذا الوَفاءِ:
أولاً: خَبَّأ دَعوَتَهُ المُستَجابَةَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لأمَّتِهِ:
أيُّهَا الإخوَةُ الكرام: مِمَّا يَدُلُّ على خُلُقِ الوَفاءِ عِندَ سيِّدِنا رسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أنَّهُ خَبَّأ دَعوَتَهُ المُستَجابَةَ لأمَّتِهِ إلى أهَمِّ الأوقاتِ التي يكونونَ بِحاجَةٍ إليها، وأهَمُّ الأوقاتِ وأعظَمُها خَطَراً هيَ في يومِ القِيامَةِ، التي قالَ فيها مولانا عزَّ وجلَّ: ﴿يَوْمَ لا يَنفَعُ مَالٌ وَلا بَنُون * إِلا مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيم﴾. وقالَ فيها: ﴿يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيه * وَأُمِّهِ وَأَبِيه * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيه * لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيه﴾. أخَّرَ دَعوَتَهُ المُستَجابَةَ لِيَومٍ: ﴿يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِين﴾.
روى الإمام مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لِكُلِّ نَبِيٍّ دَعْوَةٌ مُسْتَجَابَةٌ، فَتَعَجَّلَ كُلُّ نَبِيٍّ دَعْوَتَهُ، وَإِنِّي اخْتَبَأْتُ دَعْوَتِي شَفَاعَةً لِأُمَّتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَهِيَ نَائِلَةٌ إِنْ شَاءَ اللهُ مَنْ مَاتَ مِنْ أُمَّتِي لَا يُشْرِكُ بالله شَيْئاً».
وروى الإمام أحمد عَنْ أَبِي نَضْرَةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: خَطَبَنَا ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهُما عَلَى مِنْبَرِ الْبَصْرَةِ فَقَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ نَبِيٌّ إِلَّا لَهُ دَعْوَةٌ قَدْ تَنَجَّزَهَا فِي الدُّنْيَا، وَإِنِّي قَد اخْتَبَأْتُ دَعْوَتِي شَفَاعَةً لِأُمَّتِي، وَأَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا فَخْرَ، وَأَنَا أَوَّلُ مَنْ تَنْشَقُّ عَنْهُ الْأَرْضُ وَلَا فَخْرَ، وَبِيَدِي لِوَاءُ الْحَمْدِ وَلَا فَخْرَ، آدَمُ فَمَنْ دُونَهُ تَحْتَ لِوَائِي وَلَا فَخْرَ.
وَيَطُولُ يَوْمُ الْقِيَامَةِ عَلَى النَّاسِ، فَيَقُولُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: انْطَلِقُوا بِنَا إِلَى آدَمَ أَبِي الْبَشَرِ فَلْيَشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّنَا عَزَّ وَجَلَّ فَلْيَقْضِ بَيْنَنَا، فَيَأْتُونَ آدَمَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَقُولُونَ: يَا آدَمُ، أَنْتَ الَّذِي خَلَقَكَ اللهُ بِيَدِهِ وَأَسْكَنَكَ جَنَّتَهُ وَأَسْجَدَ لَكَ مَلَائِكَتَهُ، اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّنَا فَلْيَقْضِ بَيْنَنَا.
فَيَقُولُ: إِنِّي لَسْتُ هُنَاكُمْ، إِنِّي قَدْ أُخْرِجْتُ مِنْ الْجَنَّةِ بِخَطِيئَتِي، وَإِنَّهُ لَا يُهِمُّنِي الْيَوْمَ إِلَّا نَفْسِي، وَلَكِن ائْتُوا نُوحاً رَأْسَ النَّبِيِّينَ.
فَيَأْتُونَ نُوحاً فَيَقُولُونَ: يَا نُوحُ، اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّنَا فَلْيَقْضِ بَيْنَنَا.
فَيَقُولُ: إِنِّي لَسْتُ هُنَاكُمْ، إِنِّي دَعَوْتُ بِدَعْوَةٍ أَغْرَقَتْ أَهْلَ الْأَرْضِ، وَإِنَّهُ لَا يُهِمُّنِي الْيَوْمَ إِلَّا نَفْسِي، وَلَكِن ائْتُوا إِبْرَاهِيمَ خَلِيلَ الله.
فَيَأْتُونَ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَام فَيَقُولُونَ: يَا إِبْرَاهِيمُ، اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّنَا فَلْيَقْضِ بَيْنَنَا.
فَيَقُولُ: إِنِّي لَسْتُ هُنَاكُمْ، إِنِّي كَذَبْتُ فِي الْإِسْلَامِ ثَلَاثَ كِذْبَاتٍ والله إِنْ حَاوَلَ بِهِنَّ إِلَّا عَنْ دِينِ الله، قَوْلُهُ: ﴿إِنِّي سَقِيمٌ﴾ وَقَوْلُهُ: ﴿بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ﴾ وَقَوْلُهُ لِامْرَأَتِهِ حِينَ أَتَى عَلَى الْمَلِكِ: أُخْتِي، وَإِنَّهُ لَا يُهِمُّنِي الْيَوْمَ إِلَّا نَفْسِي، وَلَكِن ائْتُوا مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام الَّذِي اصْطَفَاهُ اللهُ بِرِسَالَتِهِ وَكَلَامِهِ.
فَيَأْتُونَهُ فَيَقُولُونَ: يَا مُوسَى، أَنْتَ الَّذِي اصْطَفَاكَ اللهُ بِرِسَالَتِهِ وَكَلَّمَكَ، فَاشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ فَلْيَقْضِ بَيْنَنَا.
فَيَقُولُ: لَسْتُ هُنَاكُمْ، إِنِّي قَتَلْتُ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ، وَإِنَّهُ لَا يُهِمُّنِي الْيَوْمَ إِلَّا نَفْسِي، وَلَكِن ائْتُوا عِيسَى رُوحَ الله وَكَلِمَتَهُ.
فَيَأْتُونَ عِيسَى فَيَقُولُونَ: يَا عِيسَى، اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ فَلْيَقْضِ بَيْنَنَا.
فَيَقُولُ: إِنِّي لَسْتُ هُنَاكُمْ، إِنِّي اتُّخِذْتُ إِلَهاً مِنْ دُونِ الله، وَإِنَّهُ لَا يُهِمُّنِي الْيَوْمَ إِلَّا نَفْسِي، وَلَكِنْ أَرَأَيْتُمْ لَوْ كَانَ مَتَاعٌ فِي وِعَاءٍ مَخْتُومٍ عَلَيْهِ، أَكَانَ يُقْدَرُ عَلَى مَا فِي جَوْفِهِ حَتَّى يُفَضَّ الْخَاتَمُ؟
فَيَقُولُونَ: لَا.
فَيَقُولُ: إِنَّ مُحَمَّداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ خَاتَمُ النَّبِيِّينَ وَقَدْ حَضَرَ الْيَوْمَ وَقَدْ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ.
قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: فَيَأْتُونِي فَيَقُولُونَ: يَا مُحَمَّدُ، اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ فَلْيَقْضِ بَيْنَنَا.
فَأَقُولُ: أَنَا لَهَا، حَتَّى يَأْذَنَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ لِمَنْ شَاءَ وَيَرْضَى، فَإِذَا أَرَادَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنْ يَصْدَعَ بَيْنَ خَلْقِهِ نَادَى مُنَادٍ: أَيْنَ أَحْمَدُ وَأُمَّتُهُ؟
فَنَحْنُ الْآخِرُونَ الْأَوَّلُونَ، نَحْنُ آخِرُ الْأُمَمِ وَأَوَّلُ مَنْ يُحَاسَبُ، فَتُفْرَجُ لَنَا الْأُمَمُ عَنْ طَرِيقِنَا، فَنَمْضِي غُرَّاً مُحَجَّلِينَ مِنْ أَثَرِ الطُّهُورِ.
فَتَقُولُ الْأُمَمُ: كَادَتْ هَذِهِ الْأُمَّةُ أَنْ تَكُونَ أَنْبِيَاءَ كُلُّهَا، فَنَأْتِي بَابَ الْجَنَّةِ، فَآخُذُ بِحَلْقَةِ الْبَابِ، فَأَقْرَعُ الْبَابَ، فَيُقَالُ: مَنْ أَنْتَ؟
فَأَقُولُ: أَنَا مُحَمَّدٌ، فَيُفْتَحُ لِي، فَآتِي رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ عَلَى كُرْسِيِّهِ ـ أَوْ سَرِيرِهِ ـ فَأَخِرُّ لَهُ سَاجِداً، فَأَحْمَدُهُ بِمَحَامِدَ لَمْ يَحْمَدْهُ بِهَا أَحَدٌ كَانَ قَبْلِي وَلَيْسَ يَحْمَدُهُ بِهَا أَحَدٌ بَعْدِي.
فَيُقَالُ: يَا مُحَمَّدُ، ارْفَعْ رَأْسَكَ وَسَلْ تُعْطَهْ وَقُلْ تُسْمَعْ وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ.
فَأَرْفَعُ رَأْسِي فَأَقُولُ: أَيْ رَبِّ أُمَّتِي أُمَّتِي.
فَيَقُولُ: أَخْرِجْ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ كَذَا وَكَذَا.
ثُمَّ أُعِيدُ فَأَسْجُدُ فَأَقُولُ مَا قُلْتُ.
فَيُقَالُ: ارْفَعْ رَأْسَكَ وَقُلْ تُسْمَعْ وَسَلْ تُعْطَهْ وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ.
فَأَقُولُ: أَيْ رَبِّ أُمَّتِي أُمَّتِي.
فَيَقُولُ: أَخْرِجْ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ كَذَا وَكَذَا، دُونَ الْأَوَّلِ.
ثُمَّ أُعِيدُ فَأَسْجُدُ فَأَقُولُ مِثْلَ ذَلِكَ.
فَيُقَالُ لِيَ: ارْفَعْ رَأْسَكَ وَقُلْ تُسْمَعْ وَسَلْ تُعْطَهْ وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ.
فَأَقُولُ: أَيْ رَبِّ أُمَّتِي أُمَّتِي.
فَقَالَ: أَخْرِجْ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ كَذَا وَكَذَا دُونَ ذَلِكَ.
ثانياً: حِرصُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ على أمَّتِهِ كُلِّها:
أيُّهَا الإخوَةُ الكرام: مِمَّا يَدُلُّ على وَفائِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لأمَّتِهِ، أنَّهُ يَخافُ عَليهِم من يَومٍ عظيمٍ تَشيبُ فيهِ الوِلدانُ، من يَومٍ قالَ اللهُ تعالى فيه: ﴿وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الإِنسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى﴾.
وقالَ تعالى فيه: ﴿وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاء بِالْغَمَامِ وَنُزِّلَ الْمَلائِكَةُ تَنزِيلاً * الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ وَكَانَ يَوْماً عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيراً * وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً * يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً * لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلإِنسَانِ خَذُولاً﴾.
وقالَ فيه: ﴿وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُون﴾.
وقالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فيه: «يُؤْتَى بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لَهَا سَبْعُونَ أَلْفَ زِمَامٍ، مَعَ كُلِّ زِمَامٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ يَجُرُّونَهَا» رواه الإمام مسلم عَنْ عَبْدِ الله رَضِيَ اللهُ عنهُ.
روى الإمام مسلم عَنْ عَبْدِ الله بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللهُ عنهُما، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَلَا قَوْلَ الله عَزَّ وَجَلَّ فِي إِبْرَاهِيمَ: ﴿رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنْ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي﴾.
وَقَالَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام: ﴿إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾.
فَرَفَعَ يَدَيْهِ وَقَالَ: «اللَّهُمَّ أُمَّتِي أُمَّتِي» وَبَكَى.
فَقَالَ الله عَزَّ وَجَلَّ: يَا جِبْرِيلُ، اذْهَبْ إِلَى مُحَمَّدٍ وَرَبُّكَ أَعْلَمُ فَسَلْهُ مَا يُبْكِيكَ؟
فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَام فَسَأَلَهُ، فَأَخْبَرَهُ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بِمَا قَالَ وَهُوَ أَعْلَمُ.
فَقَالَ اللهُ: يَا جِبْرِيلُ، اذْهَبْ إِلَى مُحَمَّدٍ، فَقُلْ: إِنَّا سَنُرْضِيكَ فِي أُمَّتِكَ وَلَا نَسُوءُكَ.
وروى الإمام أحمد عن حُذَيْفَةَ بْنَ الْيَمَانِ رَضِيَ اللهُ عنهُ قال: غَابَ عَنَّا رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يَوْماً، فَلَمْ يَخْرُجْ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ لَنْ يَخْرُجَ، فَلَمَّا خَرَجَ سَجَدَ سَجْدَةً، فَظَنَنَّا أَنَّ نَفْسَهُ قَدْ قُبِضَتْ فِيهَا، فَلَمَّا رَفَعَ رَأْسَهُ قَالَ: «إِنَّ رَبِّي تَبَارَكَ وَتَعَالَى اسْتَشَارَنِي فِي أُمَّتِي مَاذَا أَفْعَلُ بِهِمْ؟
فَقُلْتُ: مَا شِئْتَ أَيْ رَبِّ، هُمْ خَلْقُكَ وَعِبَادُكَ.
فَاسْتَشَارَنِي الثَّانِيَةَ فَقُلْتُ لَهُ كَذَلِكَ.
فَقَالَ: لَا أُحْزِنُكَ فِي أُمَّتِكَ يَا مُحَمَّدُ.
وَبَشَّرَنِي أَنَّ أَوَّلَ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِي سَبْعُونَ أَلْفًا مَعَ كُلِّ أَلْفٍ سَبْعُونَ أَلْفاً لَيْسَ عَلَيْهِمْ حِسَابٌ.
ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَيَّ فَقَالَ: ادْعُ تُجَبْ وَسَلْ تُعْطَ.
فَقُلْتُ: لِرَسُولِهِ أَوَمُعْطِيَّ رَبِّي سُؤْلِي؟
فَقَالَ: مَا أَرْسَلَنِي إِلَيْكَ إِلَّا لِيُعْطِيَكَ، وَلَقَدْ أَعْطَانِي رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ وَلَا فَخْرَ، وَغَفَرَ لِي مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِي وَمَا تَأَخَّرَ، وَأَنَا أَمْشِي حَيَّاً صَحِيحاً، وَأَعْطَانِي أَنْ لَا تَجُوعَ أُمَّتِي وَلَا تُغْلَبَ، وَأَعْطَانِي الْكَوْثَرَ، فَهُوَ نَهْرٌ مِن الْجَنَّةِ يَسِيلُ فِي حَوْضِي، وَأَعْطَانِي الْعِزَّ وَالنَّصْرَ وَالرُّعْبَ يَسْعَى بَيْنَ يَدَيْ أُمَّتِي شَهْراً، وَأَعْطَانِي أَنِّي أَوَّلُ الْأَنْبِيَاءِ أَدْخُلُ الْجَنَّةَ، وَطَيَّبَ لِي وَلِأُمَّتِي الْغَنِيمَةَ، وَأَحَلَّ لَنَا كَثِيراً مِمَّا شَدَّدَ عَلَى مَنْ قَبْلَنَا وَلَمْ يَجْعَلْ عَلَيْنَا مِنْ حَرَجٍ».
خاتِمَةٌ ـ نسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:
أيُّهَا الإخوَةُ الكرام: هذا وَفاءُ سيِّدِنا رسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لأمَّتِهِ التي آمَنَت به دونَ أن تَراهُ، فهل نحنُ أوفِياءُ لهذا الحبيبِ الأعظَمِ سيِّدِنا محمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ؟
ربُّنا عزَّ وجلَّ لن يُسيءَ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يومَ القِيامَةِ، فهل الأمَّةُ تُسيءُ لِنَبِيِّها صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وهوَ في قَبرِهِ الشَّريفِ عندما تُعرَضُ عليهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أعمالُهُم أم لا؟
روى البزار عن عبد الله رَضِيَ اللهُ عنهُ، عن النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قال: «حَيَاتِي خَيْرٌ لَكُمْ، تُحَدِّثُونَ وَيُحَدَّثُ لَكُمْ، وَوَفَاتِي خَيْرٌ لَكُمْ تُعْرَضُ عَلَيَّ أَعْمَالَكُمْ، فَمَا رَأَيْتُ مِنْ خَيْرٍ حَمِدْتُ اللهَ عَلَيْهِ، وَمَا رَأَيْتُ مِنْ شَرٍّ اسْتَغْفَرْتُ اللهَ لَكُمْ».
أسألُ اللهَ عزَّ وجلَّ أن يَجعَلَنا أوفِياءَ لسيِّدِ الأوفِياءِ سيِّدِنا محمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الذي كانَ وَفِيَّاً لمن آمَنَ به صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ دونَ أن يَراهُ. آمين.
وصَلَّى اللهُ عَلَى سيِّدِنا محمَّدٍ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون * وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِين * وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين.
20/11/2024, 22:49 من طرف Admin
» كتاب مواعظ الإمام زين العابدين ـ صالح أحمد الشامي
18/11/2024, 23:30 من طرف Admin
» كتاب إتحاف النفوس بنفحات القدوس ـ عبد القدوس بن أسامة السامرائي
18/11/2024, 23:25 من طرف Admin
» كتاب الإعلام بفضل الصلاة على النبي والسلام ـ محمد بن عبد الرحمن بن علي النميري
18/11/2024, 23:20 من طرف Admin
» كتاب الغيب ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:08 من طرف Admin
» كتاب الشيطان والإنسان ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:03 من طرف Admin
» كتاب الشعراوي هنا رأيت سيدنا إبراهيم ـ سعيد أبو العنين
18/11/2024, 23:01 من طرف Admin
» كتاب الخير والشر ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:57 من طرف Admin
» كتاب التربية في مدرسة النبوة ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:55 من طرف Admin
» كتاب: إرشاد العباد إلى سبل الرشاد ـ للملبباري
18/11/2024, 22:41 من طرف Admin
» ـ كتاب آداب الحسن البصري ـ أبن الجوزي
18/11/2024, 22:34 من طرف Admin
» كتاب الله والنفس البشرية ـ لمحمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:23 من طرف Admin
» كتاب: معرفة النفس طر يق لمعرفة الرب ـ أستاذ البصيرة عبدالوهاب حسن
18/11/2024, 22:21 من طرف Admin
» كتاب الطريق الي الله ـ الشيخ علي جمعة
18/11/2024, 21:50 من طرف Admin
» كتاب: كتاب النفس والجسد والروح ـ ابراهيم البلتاجي
18/11/2024, 21:38 من طرف Admin