مع الحبيب المصطفى: وفاؤه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لأمته كلها (1)
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم
34ـ وفاؤه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لأمته كلها (1)
مقدمة الكلمة:
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد:
فيا أيُّها الإخوةُ الكرام: أعظَمُ النَّاسِ وَفاءً على الإطلاقِ هوَ سيِّدُنا رسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وكيفَ لا يكونُ كذلكَ وهوَ الذي أرسَلَهُ اللهُ تعالى رَحمَةً للعالمينَ؟ ومَا خُلُقُ الوَفاءِ إلا مِن الرَّحمَةِ.
لقد كانَ سَيِّدُنا رَسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَفِيَّاً لأَصحابِهِ الكِرامِ، الذينَ كانَت قُلوبُهُم أَنقَى وأَصفَى قُلُوبِ البَشَرِ على الإِطلاقِ، كما جاء في الحديثِ الشَّريفِ الذي رواه الإمام أحمد عَنْ عَبْدِ الله بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: إِنَّ اللهَ نَظَرَ فِي قُلُوبِ الْعِبَادِ فَوَجَدَ قَلْبَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ خَيْرَ قُلُوبِ الْعِبَادِ فَاصْطَفَاهُ لِنَفْسِهِ، فَابْتَعَثَهُ بِرِسَالَتِهِ، ثُمَّ نَظَرَ فِي قُلُوبِ الْعِبَادِ بَعْدَ قَلْبِ مُحَمَّدٍ فَوَجَدَ قُلُوبَ أَصْحَابِهِ خَيْرَ قُلُوبِ الْعِبَادِ، فَجَعَلَهُمْ وُزَرَاءَ نَبِيِّهِ، يُقَاتِلُونَ عَلَى دِينِهِ، فَمَا رَأَى الْمُسْلِمُونَ حَسَناً فَهُوَ عِنْدَ الله حَسَنٌ، وَمَا رَأَوْا سَيِّئاً فَهُوَ عِنْدَ الله سَيِّئٌ.
كَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَفِيَّاً مَعَهُم لأنَّهُم بَذَلوا دِماءَهُم وأَموالَهُم وأَرواحَهُم في سَبِيلِ خِدمَةِ هَذا الدِّينِ الحَنيفِ الذي أكرَمَنا اللهُ تعالى به، كَانَ وَفِيَّاً لكلِّ فَردٍ مِنهُم لأنَّ اللهَ تعالى اختَارَهُم لِصُحبَتِهِ، ورَضِيَ اللهُ عنهُم ورَضُوا عنهُ.
وَفاؤهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لأمَّتِهِ كُلِّها إلى قِيامِ السَّاعَةِ:
أيُّهَا الإخوَةُ الكرام: لقد بَلَغَ من وَفاءِ سيِّدِنا رسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أنَّهُ كانَ وَفِيَّاً لمن آمَنَ به صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ دونَ أن يَراهُ، ومن صُوَرِ هذا الوَفاءِ:
أولاً: جَعَلَهُم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إِخوانَهُ:
أيُّهَا الإخوَةُ الكرام: من وَفائِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لمن آمَنَ به دُونَ أنْ يَراهُ، أنَّهُ جَعَلَهُم إِخوانَهُ، وتَمَنَّى لو أنَّهُ لَقِيَهُم، روى الإمام أحمد عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «وَدِدْتُ أَنِّي لَقِيتُ إِخْوَانِي».
فَقَالَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: أَوَلَيْسَ نَحْنُ إِخْوَانَكَ؟
قَالَ: «أَنْتُمْ أَصْحَابِي، وَلَكِنْ إِخْوَانِي الَّذِينَ آمَنُوا بِي وَلَمْ يَرَوْنِي».
وروى الإمام مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ، أَنَّ رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَتَى الْمَقْبُرَةَ، فَقَالَ: «السَّلَامُ عَلَيْكُمْ دَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ، وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللهُ بِكُمْ لَاحِقُونَ، وَدِدْتُ أَنَّا قَدْ رَأَيْنَا إِخْوَانَنَا».
قَالُوا: أَوَلَسْنَا إِخْوَانَكَ يَا رَسُولَ الله؟
قَالَ: «أَنْتُمْ أَصْحَابِي، وَإِخْوَانُنَا الَّذِينَ لَمْ يَأْتُوا بَعْدُ».
فَقَالُوا: كَيْفَ تَعْرِفُ مَنْ لَمْ يَأْتِ بَعْدُ مِنْ أُمَّتِكَ يَا رَسُولَ الله؟
فَقَالَ: «أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ رَجُلاً لَهُ خَيْلٌ غُرٌّ مُحَجَّلَةٌ بَيْنَ ظَهْرَيْ خَيْلٍ دُهْمٍ ـ الدُّهمَة: السَّوادُ ـ بُهْمٍ ـ جَمعُ بَهِيم: وهُوَ الذي لا يُخَالِطُ لَونهُ لَونٌ سِوَاهُ ـ، أَلَا يَعْرِفُ خَيْلَهُ؟»
قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ الله.
قَالَ: «فَإِنَّهُمْ يَأْتُونَ غُرَّاً مُحَجَّلِينَ مِنْ الْوُضُوءِ، وَأَنَا فَرَطُهُمْ عَلَى الْحَوْضِ، أَلَا لَيُذَادَنَّ رِجَالٌ عَنْ حَوْضِي كَمَا يُذَادُ الْبَعِيرُ الضَّالُّ، أُنَادِيهِمْ أَلَا هَلُمَّ، فَيُقَالُ: إِنَّهُمْ قَدْ بَدَّلُوا بَعْدَكَ، فَأَقُولُ: سُحْقاً سُحْقاً».
ثانياً: شَهِدَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بأنَّهُم أعظَمُ الخَلقِ إيماناً:
أيُّهَا الإخوَةُ الكرام: من وَفائِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لمن آمَنَ به دُونَ أنْ يَراهُ، أنَّهُ جَعَلَهُم أَعظَمَ الخَلقِ إِيماناً، روى الحاكم والإمام أحمد عن أَبي جُمُعَةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: تَغَدَّيْنَا مَعَ رَسُولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَمَعَنَا أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله، هَلْ أَحَدٌ خَيْرٌ مِنَّا، أَسْلَمْنَا مَعَكَ، وَجَاهَدْنَا مَعَكَ؟
قَالَ: «نَعَمْ، قَوْمٌ يَكُونُونَ مِنْ بَعْدِكُمْ، يُؤْمِنُونَ بِي وَلَمْ يَرَوْنِي».
وروى البزار عن عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهُ، عن النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أنَّهُ قال: «أخبِرُونِي بِأعظَمِ الخَلقِ عندَ الله مَنزِلَةً يَومَ القِيامَةِ؟»
قالوا: الملائِكَةُ.
قال: «وما يَمنَعُهُم مَعَ قُربِهِم من رَبِّهِم، بَل غَيرُهُم؟»
قالوا: الأَنبياءُ.
قال: «وما يَمنَعُهُم والوَحْيُ يَنزِلُ عَلَيهِم، بَل غَيرُهُم؟»
قالوا: فَأخبِرنَا يا رَسولَ الله.
قال: «قَومٌ يَأتونَ بَعدَكُم، يُؤمنونَ بي ولم يَرَوني، ويَجِدونَ الوَرَقَ المعَلَّقَ فَيُؤمِنونَ به، أولئكَ أعظَمُ الخَلقِ مَنزِلَةً، وأولئكَ أعظَمُ الخَلقِ إِيماناً عِندَ الله يَومَ القِيَامَةِ».
خاتِمَةٌ ـ نسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:
أيُّهَا الإخوَةُ الكرام: إذا كانَ الواحِدُ منَّا حريصاً على أن يَنالَ شَرَفَ هذهِ الشَّهادَةِ من سيِّدِنا رسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فإنَّهُ لا يَسَعُهُ إلا وأن يَتَحقَّقَ بالإسلامِ والإيمانِ، وذلكَ من خِلالِ تَطابُقِ الأفعالِ معَ الأقوالِ.
يَقولُ مَولانا عزَّ وجلَّ: ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إِلَى الله وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِين﴾. فاللهُ تعالى يُثني على صِنفٍ من عِبادِهِ وهُمُ الذين عَمِلوا صالِحاً، وبعدَ العَمَلِ قالوا: إِنَّنا مِنَ الْمُسْلِمِين.
لأنَّ العَبدَ الذي لا يَعمَلُ صَالِحاً، ثمَّ يقولُ: إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِين، هوَ في الحَقيقَةِ يُسيءُ إلى الإسلامِ، لأنَّهُ يَنسِبُ عَمَلَهُ غَيرَ الصَّالِحِ إلى الإسلامِ، ومن تَناقَضَت أقوالُهُ معَ أفعالِهِ دَخَلَ في مَيدانِ المُنافقينَ والعِياذُ بالله تعالى.
فيا أيُّها الحَريصُ على نَيلِ شَرَفِ هذهِ الشَّهادَةِ من سيِّدِنا رسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَحَقَّقْ بالإسلامِ وبالإيمانِ، وإلا فَقَد تُحرَمُ من هذا الشَّرَفِ العَظيمِ.
أيُّهَا الإخوَةُ الكرام: لِيَضَعْ كُلُّ واحِدٍ منَّا نفسَهُ في الميزانِ الذي وَضَعَهُ لَنَا سيِّدُنا رسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لِيَعرِفَ أنَّهُ مُسلِمٌ بِحَقٍّ، ومؤمنٌ بِحَقٍّ، أم لا؟
فيا مَن يقولُ عن نفسِهِ: إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِين، اسمعْ حديثَ سيِّدِنا رسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ ثمَّ احكُم على نفسِكَ، ولا تَنتَظِر حُكمَ الآخَرينَ عَليكَ، روى الشيخان عَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ الله، أَيُّ الْإِسْلَامِ أَفْضَلُ؟
قَالَ: «مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ».
سَلْ نفسَكَ يا أخي الكريم: هل سَلِمَ المسلمونَ من لِسانِكَ أم لا؟
وما أكثَرَ صُوَرِ الإيذاءِ باللسانِ، فإن سَلِمَ المسلمونَ من لِسانِكَ ـ وأنتَ كما قال تعالى عن العبدِ: ﴿بَلِ الإِنسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَة * وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَه﴾ ـ فهنيئاً لكَ.
وإلا فَرُدَّ المظالِمَ إلى أهلِها قبلَ مَوتِكَ، حتَّى لا تَندَمَ، ولا يَنفَعُكَ النَّدَمُ.
سَلْ نفسَكَ: هل سَلِمَ المسلمونَ من يَدِكَ أم لا؟
وما أكثَرَ صُوَرِ الإيذاءِ باليَدِ، ومن جُملَتِها سَلْبُ الأموالِ وأخْذُها بغيرِ حَقٍّ، ومنها الضَّربُ والقَتلُ، ومنها ومنها......، فإن سَلِمَ المسلمونَ من يَدِكَ، فهنيئاً لكَ.
وإلا فأنتَ نادِمٌ وربِّ الكعبَةِ إذا لم تَتُبْ إلى الله تعالى، واعلَم بأنَّكَ ما تَحَقَّقْتَ بالإسلامِ الحَقِّ.
ويا مَن يقولُ عن نفسِهِ: إنَّني مؤمنٌ، اسمع حديثَ سيِّدِنا رسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ ثمَّ احكُم على نفسِكَ، ولا تَنتَظِر حُكمَ الآخَرينَ عليكَ، روى الشيخان عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ، عَن النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ».
سَلْ نفسَكَ: هل أنتَ تُحِبُّ الخَيرَ للآخَرينَ كما تُحِبُّهُ لِنَفسِكَ؟ وهل تَسعى إلى إيصالِ الخَيرِ للآخَرينَ كما تَسعى إلى إيصالِهِ لِنَفسِكَ؟
فإن كانَ هذا وَصْفَكَ فأنتَ المؤمنُ الذي يَستَحِقُّ نَيلَ شَرَفِ شَهادَةِ سيِّدِنا رسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أولئكَ أعظَمُ الخَلقِ مَنزِلَةً، وأولئكَ أعظَمُ الخَلقِ إِيماناً عِندَ الله يَومَ القِيَامَةِ».
أيُّهَا الإخوَةُ الكرام: ولتسألِ المرأةُ نفسَها هذا السُّؤالَ، هل تَحَقَّقَت بالإسلامِ والإيمانِ سُلوكاً وعَمَلاً، أم أنَّها اكتَفَت بِمُجَرَّدِ الانتِماءِ للإسلامِ انتِماءً؟
هل المرأةُ المُسلِمَةُ اليومَ عَوناً للرِّجالِ على طَهارَةِ المُجتَمَعِ من الرَّذيلَةِ، أم أنَّها ـ لا قَدَّرَ اللهُ تعالى ـ عَونٌ للرِّجالِ على انتِشارِ الفاحِشَةِ والرَّذيلَةِ؟
لِتسألِ المرأةُ نفسَها، هل حِجابُها حِجابُ المُسلِماتِ المؤمناتِ، وذلكَ من خِلالِ قولِهِ تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللهُ غَفُوراً رَّحِيماً﴾؟
أم أنَّ حِجابَها ـ لا قَدَّرَ اللهُ تعالى ـ حِجابَ المرأةِ الكاسِيَةِ العارِيَةِ التي لا تَجِدُ رائِحَةِ الجَنَّةِ، كما جاءَ في الحديثِ الشَّريفِ الذي رواه الإمام أحمد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «صِنْفَانِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ لَمْ أَرَهُما بَعْدُ: نِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ، مَائِلَاتٌ مُمِيلَاتٌ، عَلَى رُؤُوسِهِنَّ مِثْلُ أَسْنِمَةِ الْبُخْتِ الْمَائِلَةِ، لَا يَرَيْنَ الْجَنَّةَ وَلَا يَجِدْنَ رِيحَهَا، وَرِجَالٌ مَعَهُمْ أَسْوَاطٌ كَأَذْنَابِ الْبَقَرِ يَضْرِبُونَ بِهَا النَّاسَ»؟
أيُّهَا الإخوَةُ الكرام: والله الذي لا إلهَ غيرُهُ، لو أنَّ المُسلِمينَ اليومَ في هذا البَلَدِ التَزَموا بِحَديثِ سيِّدِنا رسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ» وبِحَديثِ سيِّدِنا رسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ» لانطَفَأت نارُ هذهِ الفِتنَةِ من ساعَتِها.
أسألُ اللهَ تعالى أن يَرُدَّنا إلى دِينِهِ رَدَّاً جميلاً، وأن يُحَقِّقَنا بالإسلامِ والإيمانِ لِنَكونَ أهلاً لِنَيلِ شَرَفِ هذهِ الشَّهادَةِ من سيِّدِنا رسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أولئكَ أعظَمُ الخَلقِ مَنزِلَةً، وأولئكَ أعظَمُ الخَلقِ إِيماناً عِندَ الله يَومَ القِيَامَةِ». آمين.
وصَلَّى اللهُ عَلَى سيِّدِنا محمَّدٍ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون * وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِين * وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين.
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم
مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم
34ـ وفاؤه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لأمته كلها (1)
مقدمة الكلمة:
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد:
فيا أيُّها الإخوةُ الكرام: أعظَمُ النَّاسِ وَفاءً على الإطلاقِ هوَ سيِّدُنا رسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وكيفَ لا يكونُ كذلكَ وهوَ الذي أرسَلَهُ اللهُ تعالى رَحمَةً للعالمينَ؟ ومَا خُلُقُ الوَفاءِ إلا مِن الرَّحمَةِ.
لقد كانَ سَيِّدُنا رَسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَفِيَّاً لأَصحابِهِ الكِرامِ، الذينَ كانَت قُلوبُهُم أَنقَى وأَصفَى قُلُوبِ البَشَرِ على الإِطلاقِ، كما جاء في الحديثِ الشَّريفِ الذي رواه الإمام أحمد عَنْ عَبْدِ الله بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: إِنَّ اللهَ نَظَرَ فِي قُلُوبِ الْعِبَادِ فَوَجَدَ قَلْبَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ خَيْرَ قُلُوبِ الْعِبَادِ فَاصْطَفَاهُ لِنَفْسِهِ، فَابْتَعَثَهُ بِرِسَالَتِهِ، ثُمَّ نَظَرَ فِي قُلُوبِ الْعِبَادِ بَعْدَ قَلْبِ مُحَمَّدٍ فَوَجَدَ قُلُوبَ أَصْحَابِهِ خَيْرَ قُلُوبِ الْعِبَادِ، فَجَعَلَهُمْ وُزَرَاءَ نَبِيِّهِ، يُقَاتِلُونَ عَلَى دِينِهِ، فَمَا رَأَى الْمُسْلِمُونَ حَسَناً فَهُوَ عِنْدَ الله حَسَنٌ، وَمَا رَأَوْا سَيِّئاً فَهُوَ عِنْدَ الله سَيِّئٌ.
كَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَفِيَّاً مَعَهُم لأنَّهُم بَذَلوا دِماءَهُم وأَموالَهُم وأَرواحَهُم في سَبِيلِ خِدمَةِ هَذا الدِّينِ الحَنيفِ الذي أكرَمَنا اللهُ تعالى به، كَانَ وَفِيَّاً لكلِّ فَردٍ مِنهُم لأنَّ اللهَ تعالى اختَارَهُم لِصُحبَتِهِ، ورَضِيَ اللهُ عنهُم ورَضُوا عنهُ.
وَفاؤهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لأمَّتِهِ كُلِّها إلى قِيامِ السَّاعَةِ:
أيُّهَا الإخوَةُ الكرام: لقد بَلَغَ من وَفاءِ سيِّدِنا رسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أنَّهُ كانَ وَفِيَّاً لمن آمَنَ به صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ دونَ أن يَراهُ، ومن صُوَرِ هذا الوَفاءِ:
أولاً: جَعَلَهُم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إِخوانَهُ:
أيُّهَا الإخوَةُ الكرام: من وَفائِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لمن آمَنَ به دُونَ أنْ يَراهُ، أنَّهُ جَعَلَهُم إِخوانَهُ، وتَمَنَّى لو أنَّهُ لَقِيَهُم، روى الإمام أحمد عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «وَدِدْتُ أَنِّي لَقِيتُ إِخْوَانِي».
فَقَالَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: أَوَلَيْسَ نَحْنُ إِخْوَانَكَ؟
قَالَ: «أَنْتُمْ أَصْحَابِي، وَلَكِنْ إِخْوَانِي الَّذِينَ آمَنُوا بِي وَلَمْ يَرَوْنِي».
وروى الإمام مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ، أَنَّ رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَتَى الْمَقْبُرَةَ، فَقَالَ: «السَّلَامُ عَلَيْكُمْ دَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ، وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللهُ بِكُمْ لَاحِقُونَ، وَدِدْتُ أَنَّا قَدْ رَأَيْنَا إِخْوَانَنَا».
قَالُوا: أَوَلَسْنَا إِخْوَانَكَ يَا رَسُولَ الله؟
قَالَ: «أَنْتُمْ أَصْحَابِي، وَإِخْوَانُنَا الَّذِينَ لَمْ يَأْتُوا بَعْدُ».
فَقَالُوا: كَيْفَ تَعْرِفُ مَنْ لَمْ يَأْتِ بَعْدُ مِنْ أُمَّتِكَ يَا رَسُولَ الله؟
فَقَالَ: «أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ رَجُلاً لَهُ خَيْلٌ غُرٌّ مُحَجَّلَةٌ بَيْنَ ظَهْرَيْ خَيْلٍ دُهْمٍ ـ الدُّهمَة: السَّوادُ ـ بُهْمٍ ـ جَمعُ بَهِيم: وهُوَ الذي لا يُخَالِطُ لَونهُ لَونٌ سِوَاهُ ـ، أَلَا يَعْرِفُ خَيْلَهُ؟»
قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ الله.
قَالَ: «فَإِنَّهُمْ يَأْتُونَ غُرَّاً مُحَجَّلِينَ مِنْ الْوُضُوءِ، وَأَنَا فَرَطُهُمْ عَلَى الْحَوْضِ، أَلَا لَيُذَادَنَّ رِجَالٌ عَنْ حَوْضِي كَمَا يُذَادُ الْبَعِيرُ الضَّالُّ، أُنَادِيهِمْ أَلَا هَلُمَّ، فَيُقَالُ: إِنَّهُمْ قَدْ بَدَّلُوا بَعْدَكَ، فَأَقُولُ: سُحْقاً سُحْقاً».
ثانياً: شَهِدَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ بأنَّهُم أعظَمُ الخَلقِ إيماناً:
أيُّهَا الإخوَةُ الكرام: من وَفائِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لمن آمَنَ به دُونَ أنْ يَراهُ، أنَّهُ جَعَلَهُم أَعظَمَ الخَلقِ إِيماناً، روى الحاكم والإمام أحمد عن أَبي جُمُعَةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: تَغَدَّيْنَا مَعَ رَسُولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَمَعَنَا أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله، هَلْ أَحَدٌ خَيْرٌ مِنَّا، أَسْلَمْنَا مَعَكَ، وَجَاهَدْنَا مَعَكَ؟
قَالَ: «نَعَمْ، قَوْمٌ يَكُونُونَ مِنْ بَعْدِكُمْ، يُؤْمِنُونَ بِي وَلَمْ يَرَوْنِي».
وروى البزار عن عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهُ، عن النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أنَّهُ قال: «أخبِرُونِي بِأعظَمِ الخَلقِ عندَ الله مَنزِلَةً يَومَ القِيامَةِ؟»
قالوا: الملائِكَةُ.
قال: «وما يَمنَعُهُم مَعَ قُربِهِم من رَبِّهِم، بَل غَيرُهُم؟»
قالوا: الأَنبياءُ.
قال: «وما يَمنَعُهُم والوَحْيُ يَنزِلُ عَلَيهِم، بَل غَيرُهُم؟»
قالوا: فَأخبِرنَا يا رَسولَ الله.
قال: «قَومٌ يَأتونَ بَعدَكُم، يُؤمنونَ بي ولم يَرَوني، ويَجِدونَ الوَرَقَ المعَلَّقَ فَيُؤمِنونَ به، أولئكَ أعظَمُ الخَلقِ مَنزِلَةً، وأولئكَ أعظَمُ الخَلقِ إِيماناً عِندَ الله يَومَ القِيَامَةِ».
خاتِمَةٌ ـ نسألُ اللهَ تعالى حُسنَ الخاتِمَةِ ـ:
أيُّهَا الإخوَةُ الكرام: إذا كانَ الواحِدُ منَّا حريصاً على أن يَنالَ شَرَفَ هذهِ الشَّهادَةِ من سيِّدِنا رسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فإنَّهُ لا يَسَعُهُ إلا وأن يَتَحقَّقَ بالإسلامِ والإيمانِ، وذلكَ من خِلالِ تَطابُقِ الأفعالِ معَ الأقوالِ.
يَقولُ مَولانا عزَّ وجلَّ: ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إِلَى الله وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِين﴾. فاللهُ تعالى يُثني على صِنفٍ من عِبادِهِ وهُمُ الذين عَمِلوا صالِحاً، وبعدَ العَمَلِ قالوا: إِنَّنا مِنَ الْمُسْلِمِين.
لأنَّ العَبدَ الذي لا يَعمَلُ صَالِحاً، ثمَّ يقولُ: إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِين، هوَ في الحَقيقَةِ يُسيءُ إلى الإسلامِ، لأنَّهُ يَنسِبُ عَمَلَهُ غَيرَ الصَّالِحِ إلى الإسلامِ، ومن تَناقَضَت أقوالُهُ معَ أفعالِهِ دَخَلَ في مَيدانِ المُنافقينَ والعِياذُ بالله تعالى.
فيا أيُّها الحَريصُ على نَيلِ شَرَفِ هذهِ الشَّهادَةِ من سيِّدِنا رسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَحَقَّقْ بالإسلامِ وبالإيمانِ، وإلا فَقَد تُحرَمُ من هذا الشَّرَفِ العَظيمِ.
أيُّهَا الإخوَةُ الكرام: لِيَضَعْ كُلُّ واحِدٍ منَّا نفسَهُ في الميزانِ الذي وَضَعَهُ لَنَا سيِّدُنا رسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ لِيَعرِفَ أنَّهُ مُسلِمٌ بِحَقٍّ، ومؤمنٌ بِحَقٍّ، أم لا؟
فيا مَن يقولُ عن نفسِهِ: إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِين، اسمعْ حديثَ سيِّدِنا رسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ ثمَّ احكُم على نفسِكَ، ولا تَنتَظِر حُكمَ الآخَرينَ عَليكَ، روى الشيخان عَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ الله، أَيُّ الْإِسْلَامِ أَفْضَلُ؟
قَالَ: «مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ».
سَلْ نفسَكَ يا أخي الكريم: هل سَلِمَ المسلمونَ من لِسانِكَ أم لا؟
وما أكثَرَ صُوَرِ الإيذاءِ باللسانِ، فإن سَلِمَ المسلمونَ من لِسانِكَ ـ وأنتَ كما قال تعالى عن العبدِ: ﴿بَلِ الإِنسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَة * وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَه﴾ ـ فهنيئاً لكَ.
وإلا فَرُدَّ المظالِمَ إلى أهلِها قبلَ مَوتِكَ، حتَّى لا تَندَمَ، ولا يَنفَعُكَ النَّدَمُ.
سَلْ نفسَكَ: هل سَلِمَ المسلمونَ من يَدِكَ أم لا؟
وما أكثَرَ صُوَرِ الإيذاءِ باليَدِ، ومن جُملَتِها سَلْبُ الأموالِ وأخْذُها بغيرِ حَقٍّ، ومنها الضَّربُ والقَتلُ، ومنها ومنها......، فإن سَلِمَ المسلمونَ من يَدِكَ، فهنيئاً لكَ.
وإلا فأنتَ نادِمٌ وربِّ الكعبَةِ إذا لم تَتُبْ إلى الله تعالى، واعلَم بأنَّكَ ما تَحَقَّقْتَ بالإسلامِ الحَقِّ.
ويا مَن يقولُ عن نفسِهِ: إنَّني مؤمنٌ، اسمع حديثَ سيِّدِنا رسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ ثمَّ احكُم على نفسِكَ، ولا تَنتَظِر حُكمَ الآخَرينَ عليكَ، روى الشيخان عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ، عَن النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ».
سَلْ نفسَكَ: هل أنتَ تُحِبُّ الخَيرَ للآخَرينَ كما تُحِبُّهُ لِنَفسِكَ؟ وهل تَسعى إلى إيصالِ الخَيرِ للآخَرينَ كما تَسعى إلى إيصالِهِ لِنَفسِكَ؟
فإن كانَ هذا وَصْفَكَ فأنتَ المؤمنُ الذي يَستَحِقُّ نَيلَ شَرَفِ شَهادَةِ سيِّدِنا رسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أولئكَ أعظَمُ الخَلقِ مَنزِلَةً، وأولئكَ أعظَمُ الخَلقِ إِيماناً عِندَ الله يَومَ القِيَامَةِ».
أيُّهَا الإخوَةُ الكرام: ولتسألِ المرأةُ نفسَها هذا السُّؤالَ، هل تَحَقَّقَت بالإسلامِ والإيمانِ سُلوكاً وعَمَلاً، أم أنَّها اكتَفَت بِمُجَرَّدِ الانتِماءِ للإسلامِ انتِماءً؟
هل المرأةُ المُسلِمَةُ اليومَ عَوناً للرِّجالِ على طَهارَةِ المُجتَمَعِ من الرَّذيلَةِ، أم أنَّها ـ لا قَدَّرَ اللهُ تعالى ـ عَونٌ للرِّجالِ على انتِشارِ الفاحِشَةِ والرَّذيلَةِ؟
لِتسألِ المرأةُ نفسَها، هل حِجابُها حِجابُ المُسلِماتِ المؤمناتِ، وذلكَ من خِلالِ قولِهِ تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللهُ غَفُوراً رَّحِيماً﴾؟
أم أنَّ حِجابَها ـ لا قَدَّرَ اللهُ تعالى ـ حِجابَ المرأةِ الكاسِيَةِ العارِيَةِ التي لا تَجِدُ رائِحَةِ الجَنَّةِ، كما جاءَ في الحديثِ الشَّريفِ الذي رواه الإمام أحمد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «صِنْفَانِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ لَمْ أَرَهُما بَعْدُ: نِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ، مَائِلَاتٌ مُمِيلَاتٌ، عَلَى رُؤُوسِهِنَّ مِثْلُ أَسْنِمَةِ الْبُخْتِ الْمَائِلَةِ، لَا يَرَيْنَ الْجَنَّةَ وَلَا يَجِدْنَ رِيحَهَا، وَرِجَالٌ مَعَهُمْ أَسْوَاطٌ كَأَذْنَابِ الْبَقَرِ يَضْرِبُونَ بِهَا النَّاسَ»؟
أيُّهَا الإخوَةُ الكرام: والله الذي لا إلهَ غيرُهُ، لو أنَّ المُسلِمينَ اليومَ في هذا البَلَدِ التَزَموا بِحَديثِ سيِّدِنا رسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ» وبِحَديثِ سيِّدِنا رسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ» لانطَفَأت نارُ هذهِ الفِتنَةِ من ساعَتِها.
أسألُ اللهَ تعالى أن يَرُدَّنا إلى دِينِهِ رَدَّاً جميلاً، وأن يُحَقِّقَنا بالإسلامِ والإيمانِ لِنَكونَ أهلاً لِنَيلِ شَرَفِ هذهِ الشَّهادَةِ من سيِّدِنا رسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أولئكَ أعظَمُ الخَلقِ مَنزِلَةً، وأولئكَ أعظَمُ الخَلقِ إِيماناً عِندَ الله يَومَ القِيَامَةِ». آمين.
وصَلَّى اللهُ عَلَى سيِّدِنا محمَّدٍ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون * وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِين * وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِين.
10/11/2024, 21:08 من طرف Admin
» كتاب: دراسة خمسة خرافات سائدة ـ الخرافة الرابعة: قوانين الميراث تفضل الرجال على النساء ـ د.نضير خان
10/11/2024, 21:05 من طرف Admin
» كتاب: دراسة خمسة خرافات سائدة ـ الخرافة الثالثة: شهادة المرأة لا تساوي سوى نصف رجل ـ د.نضير خان
10/11/2024, 21:02 من طرف Admin
» كتاب: دراسة خمسة خرافات سائدة ـ الخرافة الثانية: المرأة لا تستطيع الطلاق ـ د.نضير خان
10/11/2024, 20:59 من طرف Admin
» كتاب: دراسة خمسة خرافات سائدة ـ الخرافة الأولى: الإسلام يوجه الرجال لضرب زوجاتهم ـ د.نضير خان
10/11/2024, 20:54 من طرف Admin
» كتاب: المرأة في المنظور الإسلامي ـ إعداد لجنة من الباحثين
10/11/2024, 20:05 من طرف Admin
» كتاب: (درة العشاق) محمد صلى الله عليه وسلم ـ الشّاعر غازي الجَمـل
9/11/2024, 17:10 من طرف Admin
» كتاب: الحب في الله ـ محمد غازي الجمل
9/11/2024, 17:04 من طرف Admin
» كتاب "قطائف اللطائف من جواهر المعارف" - الجزء الأول ـ إعداد: غازي الجمل
9/11/2024, 16:59 من طرف Admin
» كتاب "قطائف اللطائف من جواهر المعارف" - الجزء الثاني ـ إعداد: غازي الجمل
9/11/2024, 16:57 من طرف Admin
» كتاب : الفتن ـ نعيم بن حماد المروزي
7/11/2024, 09:30 من طرف Admin
» مقال: مقدمات مهمة في التزكية وسبيلها (1) الشيخ عاطف عبدالمعز الفيومي
19/10/2024, 11:12 من طرف Admin
» مقال: مقدمات مهمة في التزكية وسبيلها (2) الشيخ عاطف عبدالمعز الفيومي
19/10/2024, 11:10 من طرف Admin
» مقال: مقدمات مهمة في التزكية وسبيلها (3) الشيخ عاطف عبدالمعز الفيومي
19/10/2024, 11:06 من طرف Admin
» كتاب: تحفة المشتاق: أربعون حديثا في التزكية والأخلاق ـ محب الدين علي بن محمود بن تقي المصري
19/10/2024, 11:00 من طرف Admin