الصحبة في الله
الحمد لله الواحد الأحد الفرد الصمد الذي تفرد بالقدم والبقاء، وتفضل بالمن والعطاء، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الذي أرسله الله تعالى رحمةً للعالمين، وقدوة كاملة للمتقين، وأسوة حسنة للصالحين، داعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً. فهو النبراس للأئمة المرشدين، والمربين المزكين، والعلماء العاملين. وبعد
إن اتخاذ شيخ التربية هو من سبيل الاستعانة على إصلاح النفس بالذي أعانه الله على نفسه. وهو يدخل في باب صحبة أهل الفضل والخير والفلاح والصلاح، وهو أمر رغب فيه الشرع الحنيف ودعا إليه قال الله تعالى مخاطبا سيد الوجود صلى الله عليه وسلم وهو الذي وجب إتباعه والإقتداء به: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا} (28) سورة الكهف وقال تعالى: {وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} (15) سورة لقمان وقال أيضا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ} (119) سورة التوبة.
وروى الترمذي وأبو داوود عن أبي هريرة قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم: " الرجل على دين خليله، فلينظر أيكم من يخالل".
لهذا لم يتردد العلماء في القول بوجوب صحبة شيخ التربية، وذلك لظهور الغفلة، وإتباع الهوى، وحب الدنيا على الآخرة، وضعف النفوس على مواجهة الأغيار التي تحجب القلب عن طهارته وصفائه، وهو أمر ابتليت به الأمة، فكان سبب وهنها وضعفها.
ومن أشهر العلماء حجة الإسلام أبو حامد الغزالي الذي تكلم عن هذا الأمر انطلاقا من تجربته الشخصية، يقول في كتاب رياضة النفس من الإحياء في بيان الطريق الذي يعرف بها الإنسان عيوب نفسه: " اعلم أن الله عز وجل إذا أراد بعبد خيرا بصره بعيوب نفسه، فإذا عرف الداء أمكنه العلاج، ولكن أكثر الخلق جاهلون بعيوب أنفسهم، يرى أحدهم القذى في عين أخيه، ولا يرى الجدع في عين نفسه، فمن أراد أن يعرف عيوب نفسه فله أربعة طرق:
الأول: أن يجلس بين يدي شيخ بصير بعيوب النفس، مطلع على خفايا الآفات، ويحكمه في نفسه، ويتبع إشارته في مجاهدته، وهذا شأن المريد مع شيخه، والتلميذ مع أستاذه، فيعرفه أستاذه وشيخه عيوب نفسه، ويعرفه طريق علاجه "انتهى " من عرف نفسه عرف ربه " والعلم النافع هو الذي يؤخذ من الرجال بالصحبة والإقتداء، وهو أمر لا يخرج عن إجماع الأئمة، يقول الشاطبي: " من أنفع طرق العلم الموصلة إلى غاية التحقق به أخذه عن أهله المحققين به على الكمال والتمام".
والعلم النافع هو ما جاء تعريفه في حديث النبي صلى الله ع_ليه وسلم فعن أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: العلم علمان: علم في القلب، وعلم على اللسان فذاك حجة الله على عباده" فلا شك أن العلم النافع من نصيب شيوخ التربية ، هذا العلم تنفع في العلاقة الروحية بين العبد وربه، والعلم الذي في اللسان هو من نصيب علماء الشريعة والفقهاء في الوقوف عند الأوامر والنواهي وأداء الحقوق والواجبات وما يترتب عليه من العقاب والجزاء.
وأول باكورة يجنيها مريد الله الذي صحب شيخا عارفا بالله، هي الخروج شعوريا ووجدانيا من ظلمة غفلة النفس وأكدارها وأغيارها ووساوسها وأوهامها وتشاؤمها وحيرتها وقلقها وتمزقها ورعونتها التي مصدر الإجرام والمرض الباطني، إلى نور يقظة القلب وما ينشأ عنه من الطمأنينة والسكينة والرحمة والتفاؤل والفرح بالله والخروج بالباطن إلى الفضاء الواسع من رحمة الله حيث الطهر والصفاء ومصدر كل فضيلة وخلق حسن
لأن هذه هي مهمة الشيخ ينقلك من حال قبيح إلى حسن، ثم من حسن إلى أحسن، " فعن بن عباس أنه قيل يا رسول الله: أي جلسائنا خير؟ قال: من ذكركم الله رؤيته، وزاد في علمكم منطقه، ورغبكم في الآخرة عمله "
فرسول الله صلى الله عليه وسلم يرغب في مجالسة العلماء الذين يجمعون بين العبد وربه بنظرة كما في الحديث: " إن لله رجالا إذا رؤوا ذكر الله " وفي هذا المعنى قال ابن عطاء الله السكندري في حكمه: " لا تصحب من لا ينهضك حاله، ولا يدلك على الله مقاله ".
قال سيدي بن عجيبة شارحا: الذي ينهضك حاله هو الذي إذا رأيته ذكرت الله، فقد كنت في حال الغفلة، فلما رأيته نهض حالك إلى اليقظة، أو كنت في حال الرغبة فنهض حالك إلى الزهد، أو كنت في حال الاشتغال بالمعصية فلما رأيته نهض حالك إلى التوبة، أو كنت في حال الجهل بمولاك فنهضت إلى معرفة من تولاك. والذي يدلك على الله مقاله هو الذي يتكلم بالله ويدل على الله ويغيب عما سواه، إذا تكلم أخذ بمجامع القلوب، وإذا سكت أنهضك حاله إلى علام الغيوب. فحاله يصدق مقاله ومقاله موافق لعلمه، فصحبة هذا إكسير يقلب الأعيان.
فإذا أراد الله بعبد خيرا دله على صحبة شيخ مربي عارف بالله فبصحبته يتحلى بالأخلاق الرفيعة المحمدية ويتخلى عن الرذائل وسفاسف الأمور حتى يتطهر من الأدران والوساوس والأوهام والرعونات وبالتالي يتطهر قلبه، وتصفو سريرته ويصير من الذين قال الله تعالى في حقهم : {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ } (62) سورة يونس وقال أيضا {يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} (89) سورة الشعراء صدق الله العظيم والحمد لله رب العالمين
حاجة الإنسان إلى تزكية نفسه
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على سيدنا محمد طب القلوب ودوائها وعافية الأبدان وشفائها ونور الأبصار وضيائها وعلى آله وصحبه وسلم
أما بعد
الإنسان مكون من عنصرين:
§ الجسم وهو العنصر المادي
§ النفس وهو العنصر الغير مادي
فالنفس عند أهل الاصطلاح كما جاء في كتاب التعريفات للشريف الجرجاني هي ذلك الجوهر اللطيف الحامل لقوة الحياة والحس والحركة الإرادية، الجامع لقوة الغضب والشهوة عند الإنسان.
ولقد خصها الخالق المبدع بمراتب و صفات عدة ومتنوعة:
§ النفس اللوامة قال تعالى: {لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ (1) وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ} (2) سورة القيامة
§ النفس الأمارة قال تعالى: {وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّيَ إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ} (53) سورة يوسف
§ النفس المطمئنة الراضية والمرضية قال تعالى: " {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (27) ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً (28) {فَادْخُلِي فِي عِبَادِي (29) وَادْخُلِي جَنَّتِي} (30) سورة الفجر
وأما صفاتها فقد عبر عنها القرآن الكريم في الآيات التاليات:
§ فهي متلونة قال تعالى: {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا} ( سورة الشمس
§ وهي التي تشير على صاحبها بأعظم الكبائر كالقتل، قال تعالى: {فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ} (30) سورة المائدة
§ وهي سبب كل سيئة يكسبها الإنسان، قال تعالى: { وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ } (79) سورة النساء
§ وهي مصدر الوسواس، قال تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ} (16) سورة ق
§ ولقد بين الله تعالى أن جهاد النفس هو السبيل المؤدي للخير والحسنى، قال تعالى: {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى (40) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى} (41) سورة النازعات وقال عز من قائل: {وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (9) سورة الحشر
بل إن الحق تعالى أكد أن التغيير الذي تأمله المجتمعات وتسعى إليه لا يتم إلا بإصلاح النفوس، قال تعالى: { إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ ...} (11) سورة الرعد
وهذه النفس هي حجة الله تعالى على الخلق إذ أنها محل لاستقرار آيات الله تعالى، قال تعالى: {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} (53) سورة فصلت
وهي محل معرفة الحقائق الكبرى كمعرفة الله تعالى، قال تعالى: {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} (53) سورة فصلت
وأثبتت السنة النبوية الشريفة هذا الأمر فبين رسول الله صلى الله عليه وسلم حقيقتها – وهو المزكي والمربي- وآفاتها فقال في أحاديث نبوية معجزة ما أكده الحق سبحانه:
§ " الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله"
§ " المجاهد من جاهد نفسه"
وكان صلى الله عليه وسلم يقول في خطبه: " ونعوذ بالله من شرور أنفسنا "
وكان في دعائه صلى الله عليه وسلم: " اللهم إني أعوذ بك من نفس لا تشبع "
ولقد استلهم الصحابة الكرام هذا الدرس النبوي العظيم فقالوا: " رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر" يقصدون بذلك جهاد النفس لأنه غير محدود بزمان ومكان وإنما ميدانه الحياة كلها من المهد إلى اللحد.
ولقد ربط الله تعالى صفات النفس الذميمة بالإنسان الذي إذا لم يفهم مقاصد الخطاب الإلهي نزل إلى درك البهائم وذلك، إذا لم يخالف عوائده الذميمة ولم يجاهد نفسه.
ولقد علم النبي الكريم صلى الله عليه وسلم أهمية إصلاح القلب والاعتناء بهذه المضغة، وما أودع الله فيها من أسرار تدل على قدرته وعظمته، فأثبت في عدة أحاديث ذلك، وتبين لنا من خلالها أنه صلى اله عليه وسلم أرسل ليطهر قلوب الناس من الجهل والشرك والمخالفة، وأنه على علم بتقلباته وأمراضه وما يصلح له من الأدوية وأنواع العلاج.
قال صلى الله عليه وسلم: " القلوب أربعة: قلب أجرد فيه مثل السراج يزهر، وقلب أغلف مربوط على غلافه، وقلب منكوس، وقلب مصفح، فأما القلب الأجرد فقلب المؤمن سراجه فيه نوره، وأما القلب الأغلف فقلب الكافر، وأما القلب المنكوس فقلب المنافق عرف ثم أنكر، وأما القلب المصفح فقلب فيه إيمان ونفاق، فمثل الإيمان فيه كمثل البقلة يمدها الماء الطيب، ومثل النفاق فيه كمثل القرحة يمدها القيح والدم، فأي المدتين غلبت على الأخرى غلبت عليه "
فتأمل هذا التقسيم الدقيق لأنواع القلوب وانظر إلى هذا الأسلوب البليغ في وصف أحوالها وتقلباتها بين الإيمان والكفر والنفاق.
ولو لم تكن طهارة القلب واجبة لما احتاج رسول الله صلى الله عليه وسلم الطاهر النقي، أن يشق صدره مرتين، ويستخرج قلبه فينزع منه حظ الشيطان، ويملأ إيمانا وحكمة قبل أن يعرج به. فلا يتحقق العبد بلذة الشوق إلى الله، والتوجه إليه وعروج روحه إلا إذا شق صدره بسيف المجاهدة، وغسل قلبه بماء الخشية والمراقبة.
وختاما:
إن حاجنا إلى تطهير أنفسنا وجلاء صدأ قلوبنا، أكبر من حاجتنا إلى قوام بشريتنا، ولكننا لم نستطع أن ندرك هذه الحقيقة لغلبة الحس وقوة انجذابنا إلى الشهوات الأرضية لذلك أرسل الله تعالى أنبيائه ورسله لإخراجنا من سجن تحكم أنفسنا إلى الاحتكام إلى القيم والأخلاق.
ولقد توج الله سبحانه الرسالات الإلهية والديانات السماوية بالإسلام وجعل التربية والتزكية من أعظم صفات نبيه ورسوله الكريم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، إذ بها يتحقق الوجود وتظهر صفات القدوس، وحفظ دوام هذا الكمال في الأمة بأن جعل فيها من حمل سر هذه الأمانة، وورث خاصية التصرف بها.
اللهم طهر قلوبنا من كل وصف يباعدنا عن مشاهدتك ومحبتك وأمتنا على السنة والجماعة والشوق إلى لقائك يا ذا الجلال والإكرام
سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.
محبة الله وأهمية ذكره
الحمد لله مسبغ النعم، ومتمم الفضل، ومحيي القلوب.والصلاة والسلام على الحبيب المحبوب، والمبعوث رحمة للعالمين، ومناراً للسالكين، وقدوة للعارفين.وبعد
إذا كانت محبة الله تعالى ومحبة رسوله صلى الله عليه وسلم هي روح الإسلام وجوهره، وقطب رحى الدين، ومدار السعادة، فإن سبب اكتساب محبة الله ورسوله والمؤمنين ومحبة الناس كافة هو دوام ذكر الله تعالى، فمن أراد أن ينال محبة الله تعالى، فليلهج بذكره، فالذكر باب المحبة وشعارها الأعظم، وصراطها الأقوم كما قال ابن القيم.
وذكر الله تعالى مطلوب شرعا، ومرغب فيه، في كثير من الآيات القرآنية: قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا (41) وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا} (42) سورة الأحزاب
وقال أيضا: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} (135) سورة آل عمران
فبالذكر يحط الله تعالى الخطايا، ويغفر الذنوب ودوام الذكر يزيل الإصرار على الذنوب، وذكر الله تعالى هو أفضل الأعمال على الجملة، وهو خصلة يتفضل الله بها على من أحب من عباده الصالحين، روى الترمذي والحاكم عن أبي الدرداء أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" ألا أنبئكم بخير أعمالكم وأزكاها عند مليككم، وأرفعها في درجاتكم، وخير لكم من إنفاق الذهب والفضة، وخير لكم من أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم؟ قالوا بلى، قال: ذكر الله ".
فالنبي صلى الله عليه وسلم حصر خير الأعمال عند الله تعالى، في ذكر الله تعالى.
وروى الترمذي عن أبي سعيد الخذري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سؤل أي العباد أفضل درجة عند الله يوم القيامة؟ قال: الذاكرون الله كثيرا، قلت: ومن الغازي في سبيل الله؟ قال: لو ضرب بسيفه في الكفار والمشركين حتى ينكسر ويختضب دما لكان الذاكرون الله أفضل منه درجة "
من هنا يتبين فضل الذكر على الجهاد والإنفاق وسائر الأعمال مهما كانت منفعتها على الناس، إلا وكان الذكر على رأسها.والذكر إذا أطلق، من شأنه أن يتناول التذكر والتفكر، كما أن الذكر يكون بالقلب
وباللسان، على اعتبار أن اللسان أداة لتنبيه القلب، ووسيلة إلى التذكر والتفكر، وإيقاظ الشعور والوجدان، لأنه إذا كان الإنسان غافلا عن ذكر الله كان قلبه منصرف إلى الشهوات وكل ما من شأنه أن يغضب الرحمن، فإذا أردت تنبيه قلبك، فما عليك إلا أن تحرك لسانك بذكر الله. والذكر كله نور، فحين ما تشغل لسانك به، تسري نورانية الذكر إلى القلب، فينتبه من الغفلة التي كان عليها، فتقع يقظة القلب.
ومن فوائد الذكر باللسان أيضا أنه وسيلة للتذكر والتفكر وإيقاظ الشعور والوجدان، فالتذكر تسبيح باللسان والتفكر تنزيه بالعقل والقلب، والذكر باللسان وسيلة إلى إيقاظ الشعور والوجدان الكامنة في قلب الإنسان من الرحمة والرأفة والمحبة وغيرها من الأخلاق الكريمة.
والذكر ينقسم إلى تعبدي وتربوي:
فالذكر التعبدي ذكر مطلوب لكن المراد به فقط الحصول على الحسنات والأجر والثواب، وهو كل ما أثر أو روي في السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
والذكر التربوي هو ذكر قلبي شعوري وجداني ينفذ إلى القلب فيطهر ويصقل مرآته حتى تنقشع فيه شموس المعرفة الإلهية وأنوار الحضرة الربانية، فهذه هي مهمة الذكر التربوي وهذا لا بد له من شيخ مربي مأذون له في هذا العلم شأنه في ذلك شأن كل العلوم التي تأخذ من أصحابها.
اللهم طهر قلوبنا من كل وصف يباعدنا عن مشاهدتك ومحبتك وأمتنا على السنة والجماعة والشوق إلى لقائك يا ذا الجلال والإكرام
سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.
الحمد لله الواحد الأحد الفرد الصمد الذي تفرد بالقدم والبقاء، وتفضل بالمن والعطاء، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الذي أرسله الله تعالى رحمةً للعالمين، وقدوة كاملة للمتقين، وأسوة حسنة للصالحين، داعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً. فهو النبراس للأئمة المرشدين، والمربين المزكين، والعلماء العاملين. وبعد
إن اتخاذ شيخ التربية هو من سبيل الاستعانة على إصلاح النفس بالذي أعانه الله على نفسه. وهو يدخل في باب صحبة أهل الفضل والخير والفلاح والصلاح، وهو أمر رغب فيه الشرع الحنيف ودعا إليه قال الله تعالى مخاطبا سيد الوجود صلى الله عليه وسلم وهو الذي وجب إتباعه والإقتداء به: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا} (28) سورة الكهف وقال تعالى: {وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} (15) سورة لقمان وقال أيضا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ} (119) سورة التوبة.
وروى الترمذي وأبو داوود عن أبي هريرة قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم: " الرجل على دين خليله، فلينظر أيكم من يخالل".
لهذا لم يتردد العلماء في القول بوجوب صحبة شيخ التربية، وذلك لظهور الغفلة، وإتباع الهوى، وحب الدنيا على الآخرة، وضعف النفوس على مواجهة الأغيار التي تحجب القلب عن طهارته وصفائه، وهو أمر ابتليت به الأمة، فكان سبب وهنها وضعفها.
ومن أشهر العلماء حجة الإسلام أبو حامد الغزالي الذي تكلم عن هذا الأمر انطلاقا من تجربته الشخصية، يقول في كتاب رياضة النفس من الإحياء في بيان الطريق الذي يعرف بها الإنسان عيوب نفسه: " اعلم أن الله عز وجل إذا أراد بعبد خيرا بصره بعيوب نفسه، فإذا عرف الداء أمكنه العلاج، ولكن أكثر الخلق جاهلون بعيوب أنفسهم، يرى أحدهم القذى في عين أخيه، ولا يرى الجدع في عين نفسه، فمن أراد أن يعرف عيوب نفسه فله أربعة طرق:
الأول: أن يجلس بين يدي شيخ بصير بعيوب النفس، مطلع على خفايا الآفات، ويحكمه في نفسه، ويتبع إشارته في مجاهدته، وهذا شأن المريد مع شيخه، والتلميذ مع أستاذه، فيعرفه أستاذه وشيخه عيوب نفسه، ويعرفه طريق علاجه "انتهى " من عرف نفسه عرف ربه " والعلم النافع هو الذي يؤخذ من الرجال بالصحبة والإقتداء، وهو أمر لا يخرج عن إجماع الأئمة، يقول الشاطبي: " من أنفع طرق العلم الموصلة إلى غاية التحقق به أخذه عن أهله المحققين به على الكمال والتمام".
والعلم النافع هو ما جاء تعريفه في حديث النبي صلى الله ع_ليه وسلم فعن أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: العلم علمان: علم في القلب، وعلم على اللسان فذاك حجة الله على عباده" فلا شك أن العلم النافع من نصيب شيوخ التربية ، هذا العلم تنفع في العلاقة الروحية بين العبد وربه، والعلم الذي في اللسان هو من نصيب علماء الشريعة والفقهاء في الوقوف عند الأوامر والنواهي وأداء الحقوق والواجبات وما يترتب عليه من العقاب والجزاء.
وأول باكورة يجنيها مريد الله الذي صحب شيخا عارفا بالله، هي الخروج شعوريا ووجدانيا من ظلمة غفلة النفس وأكدارها وأغيارها ووساوسها وأوهامها وتشاؤمها وحيرتها وقلقها وتمزقها ورعونتها التي مصدر الإجرام والمرض الباطني، إلى نور يقظة القلب وما ينشأ عنه من الطمأنينة والسكينة والرحمة والتفاؤل والفرح بالله والخروج بالباطن إلى الفضاء الواسع من رحمة الله حيث الطهر والصفاء ومصدر كل فضيلة وخلق حسن
لأن هذه هي مهمة الشيخ ينقلك من حال قبيح إلى حسن، ثم من حسن إلى أحسن، " فعن بن عباس أنه قيل يا رسول الله: أي جلسائنا خير؟ قال: من ذكركم الله رؤيته، وزاد في علمكم منطقه، ورغبكم في الآخرة عمله "
فرسول الله صلى الله عليه وسلم يرغب في مجالسة العلماء الذين يجمعون بين العبد وربه بنظرة كما في الحديث: " إن لله رجالا إذا رؤوا ذكر الله " وفي هذا المعنى قال ابن عطاء الله السكندري في حكمه: " لا تصحب من لا ينهضك حاله، ولا يدلك على الله مقاله ".
قال سيدي بن عجيبة شارحا: الذي ينهضك حاله هو الذي إذا رأيته ذكرت الله، فقد كنت في حال الغفلة، فلما رأيته نهض حالك إلى اليقظة، أو كنت في حال الرغبة فنهض حالك إلى الزهد، أو كنت في حال الاشتغال بالمعصية فلما رأيته نهض حالك إلى التوبة، أو كنت في حال الجهل بمولاك فنهضت إلى معرفة من تولاك. والذي يدلك على الله مقاله هو الذي يتكلم بالله ويدل على الله ويغيب عما سواه، إذا تكلم أخذ بمجامع القلوب، وإذا سكت أنهضك حاله إلى علام الغيوب. فحاله يصدق مقاله ومقاله موافق لعلمه، فصحبة هذا إكسير يقلب الأعيان.
فإذا أراد الله بعبد خيرا دله على صحبة شيخ مربي عارف بالله فبصحبته يتحلى بالأخلاق الرفيعة المحمدية ويتخلى عن الرذائل وسفاسف الأمور حتى يتطهر من الأدران والوساوس والأوهام والرعونات وبالتالي يتطهر قلبه، وتصفو سريرته ويصير من الذين قال الله تعالى في حقهم : {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ } (62) سورة يونس وقال أيضا {يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} (89) سورة الشعراء صدق الله العظيم والحمد لله رب العالمين
حاجة الإنسان إلى تزكية نفسه
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على سيدنا محمد طب القلوب ودوائها وعافية الأبدان وشفائها ونور الأبصار وضيائها وعلى آله وصحبه وسلم
أما بعد
الإنسان مكون من عنصرين:
§ الجسم وهو العنصر المادي
§ النفس وهو العنصر الغير مادي
فالنفس عند أهل الاصطلاح كما جاء في كتاب التعريفات للشريف الجرجاني هي ذلك الجوهر اللطيف الحامل لقوة الحياة والحس والحركة الإرادية، الجامع لقوة الغضب والشهوة عند الإنسان.
ولقد خصها الخالق المبدع بمراتب و صفات عدة ومتنوعة:
§ النفس اللوامة قال تعالى: {لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ (1) وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ} (2) سورة القيامة
§ النفس الأمارة قال تعالى: {وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّيَ إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ} (53) سورة يوسف
§ النفس المطمئنة الراضية والمرضية قال تعالى: " {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (27) ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً (28) {فَادْخُلِي فِي عِبَادِي (29) وَادْخُلِي جَنَّتِي} (30) سورة الفجر
وأما صفاتها فقد عبر عنها القرآن الكريم في الآيات التاليات:
§ فهي متلونة قال تعالى: {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا} ( سورة الشمس
§ وهي التي تشير على صاحبها بأعظم الكبائر كالقتل، قال تعالى: {فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ} (30) سورة المائدة
§ وهي سبب كل سيئة يكسبها الإنسان، قال تعالى: { وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ } (79) سورة النساء
§ وهي مصدر الوسواس، قال تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ} (16) سورة ق
§ ولقد بين الله تعالى أن جهاد النفس هو السبيل المؤدي للخير والحسنى، قال تعالى: {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى (40) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى} (41) سورة النازعات وقال عز من قائل: {وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (9) سورة الحشر
بل إن الحق تعالى أكد أن التغيير الذي تأمله المجتمعات وتسعى إليه لا يتم إلا بإصلاح النفوس، قال تعالى: { إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ ...} (11) سورة الرعد
وهذه النفس هي حجة الله تعالى على الخلق إذ أنها محل لاستقرار آيات الله تعالى، قال تعالى: {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} (53) سورة فصلت
وهي محل معرفة الحقائق الكبرى كمعرفة الله تعالى، قال تعالى: {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} (53) سورة فصلت
وأثبتت السنة النبوية الشريفة هذا الأمر فبين رسول الله صلى الله عليه وسلم حقيقتها – وهو المزكي والمربي- وآفاتها فقال في أحاديث نبوية معجزة ما أكده الحق سبحانه:
§ " الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله"
§ " المجاهد من جاهد نفسه"
وكان صلى الله عليه وسلم يقول في خطبه: " ونعوذ بالله من شرور أنفسنا "
وكان في دعائه صلى الله عليه وسلم: " اللهم إني أعوذ بك من نفس لا تشبع "
ولقد استلهم الصحابة الكرام هذا الدرس النبوي العظيم فقالوا: " رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر" يقصدون بذلك جهاد النفس لأنه غير محدود بزمان ومكان وإنما ميدانه الحياة كلها من المهد إلى اللحد.
ولقد ربط الله تعالى صفات النفس الذميمة بالإنسان الذي إذا لم يفهم مقاصد الخطاب الإلهي نزل إلى درك البهائم وذلك، إذا لم يخالف عوائده الذميمة ولم يجاهد نفسه.
ولقد علم النبي الكريم صلى الله عليه وسلم أهمية إصلاح القلب والاعتناء بهذه المضغة، وما أودع الله فيها من أسرار تدل على قدرته وعظمته، فأثبت في عدة أحاديث ذلك، وتبين لنا من خلالها أنه صلى اله عليه وسلم أرسل ليطهر قلوب الناس من الجهل والشرك والمخالفة، وأنه على علم بتقلباته وأمراضه وما يصلح له من الأدوية وأنواع العلاج.
قال صلى الله عليه وسلم: " القلوب أربعة: قلب أجرد فيه مثل السراج يزهر، وقلب أغلف مربوط على غلافه، وقلب منكوس، وقلب مصفح، فأما القلب الأجرد فقلب المؤمن سراجه فيه نوره، وأما القلب الأغلف فقلب الكافر، وأما القلب المنكوس فقلب المنافق عرف ثم أنكر، وأما القلب المصفح فقلب فيه إيمان ونفاق، فمثل الإيمان فيه كمثل البقلة يمدها الماء الطيب، ومثل النفاق فيه كمثل القرحة يمدها القيح والدم، فأي المدتين غلبت على الأخرى غلبت عليه "
فتأمل هذا التقسيم الدقيق لأنواع القلوب وانظر إلى هذا الأسلوب البليغ في وصف أحوالها وتقلباتها بين الإيمان والكفر والنفاق.
ولو لم تكن طهارة القلب واجبة لما احتاج رسول الله صلى الله عليه وسلم الطاهر النقي، أن يشق صدره مرتين، ويستخرج قلبه فينزع منه حظ الشيطان، ويملأ إيمانا وحكمة قبل أن يعرج به. فلا يتحقق العبد بلذة الشوق إلى الله، والتوجه إليه وعروج روحه إلا إذا شق صدره بسيف المجاهدة، وغسل قلبه بماء الخشية والمراقبة.
وختاما:
إن حاجنا إلى تطهير أنفسنا وجلاء صدأ قلوبنا، أكبر من حاجتنا إلى قوام بشريتنا، ولكننا لم نستطع أن ندرك هذه الحقيقة لغلبة الحس وقوة انجذابنا إلى الشهوات الأرضية لذلك أرسل الله تعالى أنبيائه ورسله لإخراجنا من سجن تحكم أنفسنا إلى الاحتكام إلى القيم والأخلاق.
ولقد توج الله سبحانه الرسالات الإلهية والديانات السماوية بالإسلام وجعل التربية والتزكية من أعظم صفات نبيه ورسوله الكريم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، إذ بها يتحقق الوجود وتظهر صفات القدوس، وحفظ دوام هذا الكمال في الأمة بأن جعل فيها من حمل سر هذه الأمانة، وورث خاصية التصرف بها.
اللهم طهر قلوبنا من كل وصف يباعدنا عن مشاهدتك ومحبتك وأمتنا على السنة والجماعة والشوق إلى لقائك يا ذا الجلال والإكرام
سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.
محبة الله وأهمية ذكره
الحمد لله مسبغ النعم، ومتمم الفضل، ومحيي القلوب.والصلاة والسلام على الحبيب المحبوب، والمبعوث رحمة للعالمين، ومناراً للسالكين، وقدوة للعارفين.وبعد
إذا كانت محبة الله تعالى ومحبة رسوله صلى الله عليه وسلم هي روح الإسلام وجوهره، وقطب رحى الدين، ومدار السعادة، فإن سبب اكتساب محبة الله ورسوله والمؤمنين ومحبة الناس كافة هو دوام ذكر الله تعالى، فمن أراد أن ينال محبة الله تعالى، فليلهج بذكره، فالذكر باب المحبة وشعارها الأعظم، وصراطها الأقوم كما قال ابن القيم.
وذكر الله تعالى مطلوب شرعا، ومرغب فيه، في كثير من الآيات القرآنية: قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا (41) وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا} (42) سورة الأحزاب
وقال أيضا: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} (135) سورة آل عمران
فبالذكر يحط الله تعالى الخطايا، ويغفر الذنوب ودوام الذكر يزيل الإصرار على الذنوب، وذكر الله تعالى هو أفضل الأعمال على الجملة، وهو خصلة يتفضل الله بها على من أحب من عباده الصالحين، روى الترمذي والحاكم عن أبي الدرداء أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" ألا أنبئكم بخير أعمالكم وأزكاها عند مليككم، وأرفعها في درجاتكم، وخير لكم من إنفاق الذهب والفضة، وخير لكم من أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم؟ قالوا بلى، قال: ذكر الله ".
فالنبي صلى الله عليه وسلم حصر خير الأعمال عند الله تعالى، في ذكر الله تعالى.
وروى الترمذي عن أبي سعيد الخذري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سؤل أي العباد أفضل درجة عند الله يوم القيامة؟ قال: الذاكرون الله كثيرا، قلت: ومن الغازي في سبيل الله؟ قال: لو ضرب بسيفه في الكفار والمشركين حتى ينكسر ويختضب دما لكان الذاكرون الله أفضل منه درجة "
من هنا يتبين فضل الذكر على الجهاد والإنفاق وسائر الأعمال مهما كانت منفعتها على الناس، إلا وكان الذكر على رأسها.والذكر إذا أطلق، من شأنه أن يتناول التذكر والتفكر، كما أن الذكر يكون بالقلب
وباللسان، على اعتبار أن اللسان أداة لتنبيه القلب، ووسيلة إلى التذكر والتفكر، وإيقاظ الشعور والوجدان، لأنه إذا كان الإنسان غافلا عن ذكر الله كان قلبه منصرف إلى الشهوات وكل ما من شأنه أن يغضب الرحمن، فإذا أردت تنبيه قلبك، فما عليك إلا أن تحرك لسانك بذكر الله. والذكر كله نور، فحين ما تشغل لسانك به، تسري نورانية الذكر إلى القلب، فينتبه من الغفلة التي كان عليها، فتقع يقظة القلب.
ومن فوائد الذكر باللسان أيضا أنه وسيلة للتذكر والتفكر وإيقاظ الشعور والوجدان، فالتذكر تسبيح باللسان والتفكر تنزيه بالعقل والقلب، والذكر باللسان وسيلة إلى إيقاظ الشعور والوجدان الكامنة في قلب الإنسان من الرحمة والرأفة والمحبة وغيرها من الأخلاق الكريمة.
والذكر ينقسم إلى تعبدي وتربوي:
فالذكر التعبدي ذكر مطلوب لكن المراد به فقط الحصول على الحسنات والأجر والثواب، وهو كل ما أثر أو روي في السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
والذكر التربوي هو ذكر قلبي شعوري وجداني ينفذ إلى القلب فيطهر ويصقل مرآته حتى تنقشع فيه شموس المعرفة الإلهية وأنوار الحضرة الربانية، فهذه هي مهمة الذكر التربوي وهذا لا بد له من شيخ مربي مأذون له في هذا العلم شأنه في ذلك شأن كل العلوم التي تأخذ من أصحابها.
اللهم طهر قلوبنا من كل وصف يباعدنا عن مشاهدتك ومحبتك وأمتنا على السنة والجماعة والشوق إلى لقائك يا ذا الجلال والإكرام
سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.
25/11/2024, 17:11 من طرف Admin
» كتاب التواضع والخمول تصنيف ابن أبي الدنيا
25/11/2024, 17:02 من طرف Admin
» كتاب: في رياض السيرة النبوية العهد المكي – د.أحمد عمر هاشم ـ ج1
25/11/2024, 16:27 من طرف Admin
» كتاب في رياض السيرة النبوية (العهد المدني) لأحمد عمر هاشم ـ ج2
25/11/2024, 15:41 من طرف Admin
» كتاب: القصص في الحديث النبوي ـ لمحمد الزير موقع مكتبة
25/11/2024, 15:03 من طرف Admin
» كتاب: الكلام على قوله تعالى {إنما يخشى الله من عباده العلماء} ـ ابن رجب الحنبلي
25/11/2024, 14:58 من طرف Admin
» كتاب: نهاية العالم في الكتاب المقدس - دراسة مقارنة مع القرآن الكريم ـ نور فائزة بنت عثمان
20/11/2024, 22:49 من طرف Admin
» كتاب مواعظ الإمام زين العابدين ـ صالح أحمد الشامي
18/11/2024, 23:30 من طرف Admin
» كتاب إتحاف النفوس بنفحات القدوس ـ عبد القدوس بن أسامة السامرائي
18/11/2024, 23:25 من طرف Admin
» كتاب الإعلام بفضل الصلاة على النبي والسلام ـ محمد بن عبد الرحمن بن علي النميري
18/11/2024, 23:20 من طرف Admin
» كتاب الغيب ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:08 من طرف Admin
» كتاب الشيطان والإنسان ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 23:03 من طرف Admin
» كتاب الشعراوي هنا رأيت سيدنا إبراهيم ـ سعيد أبو العنين
18/11/2024, 23:01 من طرف Admin
» كتاب الخير والشر ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:57 من طرف Admin
» كتاب التربية في مدرسة النبوة ـ محمد متولي الشعراوي
18/11/2024, 22:55 من طرف Admin