المبحث الثالث: ابن الفارض
هو عمر بن علي بن مرشد بن علي الحموي الأصل، المصري المولد والدار والوفاة، يكنى بأبي حفص، أبي القاسم، ولقب بشرف الدين. قدم أبوه من حماة بسورية إلى مصر فسكنها، فصار يثبت الفروض للنساء على الرجال بين يدي الحاكم فلقب بالفارض (1) ..
نقل ابن العماد عن المناوي أن ابن الفارض ولد سنة (566هـ) بينما ذكر غيره أنه ولد سنة (576هـ)، فنشأ في كنف أبيه، ولما شب اشتغل بفقه الشافعية. فكان في أول أمره مستقيم السيرة، ذا صيانة وقناعة وورع وعبادة، ثم حبب إليه سلوك طريق الصوفية فتزهد، وتجرد وصار يأوي إلى المساجد المهجورة، والأماكن الخربة وأطراف جبل المقطم، كما كان يأوي إلى بعض الأودية ثم يعود إلى والده بين وقت وآخر، ثم يرجع إلى خلوته.
ذهب ابن الفارض إلى مكة في غير أشهر الحج، فكان يكثر العزلة في واد بعيد عن مكة المشرفة، وبقي على هذه الحال حتى ألف الوحشة والخلوة في غير اشتغال بالعلم وحفظه – وكم من شاب رشيد انصرف عن الجادة بسبب الخلوات والرياضات الصوفية – بل كان ينظم قصائده التي قرر فيها عقيدته ومذهبه في الاتحاد التام، كما سترى بعد. عاد إلى مصر بعد خمسة عشر عاماً، فأقام بقاعة الخطابة بالجامع الأزهر، فقصده الناس بالزيارة، ومعهم بعض كبار الدولة مما أجله في أعين العامة والخاصة، يقول ابن حجر: (كان له صورة كبيرة عند الناس) (2) .
ويبدو أنه لما رأى إقبال الناس عليه واستعدادهم لتقبل أحواله وأقواله بلا ميزان، تخلى عما كان فيه من زهد وتقشف – وكم من زاهد عابد في الظاهر، يسعى في حقيقة أمره إلى كسب الجاه والدنيا – فصار يلبس الملابس الجميلة ويعتني بهيئته، ويحب مشاهدة البحر في الأصيل، بل وكان له جواز بالبهنسا يذهب إليهن فيغنين له بالدف والشبابة فيراقصهن ويتواجد (3) .
ويعلق المناوي على هذا الانحراف المكشوف بقوله: (ولكل قوم مشرب، ولكل مطلب، وليس سماع الفساق كسماع سلطان العشق) (4) .
قلت: إن لم يكن الرقص مع النساء على أنغام الموسيقى فسقاً وانحرافاً عن الجادة فأخبرونا ما هو الفسق في دين هؤلاء الناس.
توفي ابن الفارض سنة (632هـ) وله من العمر ست وخمسون سنة (5) .
... يقول مؤرخ أهل السنة الحافظ الذهبي عن ابن الفارض:
(صاحب الاتحاد الذي ملأ به التائية... فإن لم يكن في تلك العقيدة صريح الاتحاد الذي لا حيلة في وجوده فما في العالم زندقة ولا ضلال، اللهم ألهمنا التقوى وأعذنا من الهوى، فيا أئمة الدين ألا تغضبون لله؟ فلا حول ولا قوة إلا بالله...) (6) .
ووصفه في الميزان (7) فقال: (ينعق بالاتحاد الصريح في شعره، وهذه بلية عظيمة فتدبر نظمه ولا تستعجل، ولكنك حسن الظن بالصوفية، وما ثم إلا زي الصوفية وإشارات مجملة، وتحت الزي والعبارة فلسفة وأفاعي، فقد نصحتك. والله الموعد).
ونص شيخ الإسلام ابن تيمية على أن ابن الفارض من أهل الإلحاد القائلين بالحلول والاتحاد ووحدة الوجود (8) .
يقول الحافظ: (وقد كنت سألت شيخنا الإمام سراج الدين البلقيني عن ابن عربي فبادر الجواب بأنه كافر، فسألته عن ابن الفارض فقال: لا أحب أن أتكلم فيه. قلت: فما الفرق بينهما والموضع واحد وأنشدته من التائية فقطع على بعد إنشاد عدة أبيات بقوله: هذا كفر هذا كفر) (9) .
ونسبه البقاعي إلى أهل وحدة الوجود (10) ، وذكر في كتابه الآخر (11) أن ابن الفارض: قد رماه بالزندقة بشهادة الكتب الموثوق بها نحو من أربعين عالماً هم دعائم الدين من عصره إلى عصرنا).
وجملة القول أن ابن الفارض من الغلاة الموغلين في وحدة الوجود وإن كان يطلق عليها في العديد من قصائده لفظ (الاتحاد).
وفيما يلي أمثلة من تائيته المشهورة بنظم السلوك، يقول:
(ولم أله باللاهوت عن حكم مظهري ولم أنس بالناسوت مظهر حكمتي...
وقد جاءني مني رسول عليه ما عنت عزيز بي حريص لرأفة
ومن عهد عهدي قبل عصر عناصري إلى دار بعث قبل إنذار بعثة
إلي رسولا كنت مني مرسلا وذاتي بآياتي علي استدلت) (12) .
في هذا المقطع من التائية يقرر ابن الفارض بلوغه مرتبة الكمال الصوفي الذي يستولون عليه بالقدرة على ملاحظة الفرق والجمع في وقت واحد، فيقول: إنه لم ينشغل باللاهوت – الذي هو الجمع هنا – الذي هو الجمع هنا – عن حكم المظاهر والتعينات والتجليات، ولا بالناسوت – الذي هو الفرق هنا – عن مظهر الحكمة، ثم يصل إلى الاتحاد التام فيقول: إن الرسول جاء منه إليه وهو نفسه الرسول، وهذا لا يتأتى إلا بتجريد القول بوحدة الوجود.
يقول القاشاني في شرحه: (فالذات الإلهية باعتبار التجرد والابتداء تكون مرسلاً، وباعتبار تلبسها بلباس النفس تكون مرسلاً إليها).
ويقول الشيخ عبد الرحمن الوكيل: (فابن الفارض يزعم هنا أنه منذ القدم كان الله، ثم تلبس بصورة النفس، فأرسل بصفته وجوداً متجرداً رسولاً إلى نفسه بصفته وجوداً مقيداً بالتعين، فهو الرسول، والمرسل والمرسل إليه، كان كذلك حتى وهو في غاية الأزل)
هو عمر بن علي بن مرشد بن علي الحموي الأصل، المصري المولد والدار والوفاة، يكنى بأبي حفص، أبي القاسم، ولقب بشرف الدين. قدم أبوه من حماة بسورية إلى مصر فسكنها، فصار يثبت الفروض للنساء على الرجال بين يدي الحاكم فلقب بالفارض (1) ..
نقل ابن العماد عن المناوي أن ابن الفارض ولد سنة (566هـ) بينما ذكر غيره أنه ولد سنة (576هـ)، فنشأ في كنف أبيه، ولما شب اشتغل بفقه الشافعية. فكان في أول أمره مستقيم السيرة، ذا صيانة وقناعة وورع وعبادة، ثم حبب إليه سلوك طريق الصوفية فتزهد، وتجرد وصار يأوي إلى المساجد المهجورة، والأماكن الخربة وأطراف جبل المقطم، كما كان يأوي إلى بعض الأودية ثم يعود إلى والده بين وقت وآخر، ثم يرجع إلى خلوته.
ذهب ابن الفارض إلى مكة في غير أشهر الحج، فكان يكثر العزلة في واد بعيد عن مكة المشرفة، وبقي على هذه الحال حتى ألف الوحشة والخلوة في غير اشتغال بالعلم وحفظه – وكم من شاب رشيد انصرف عن الجادة بسبب الخلوات والرياضات الصوفية – بل كان ينظم قصائده التي قرر فيها عقيدته ومذهبه في الاتحاد التام، كما سترى بعد. عاد إلى مصر بعد خمسة عشر عاماً، فأقام بقاعة الخطابة بالجامع الأزهر، فقصده الناس بالزيارة، ومعهم بعض كبار الدولة مما أجله في أعين العامة والخاصة، يقول ابن حجر: (كان له صورة كبيرة عند الناس) (2) .
ويبدو أنه لما رأى إقبال الناس عليه واستعدادهم لتقبل أحواله وأقواله بلا ميزان، تخلى عما كان فيه من زهد وتقشف – وكم من زاهد عابد في الظاهر، يسعى في حقيقة أمره إلى كسب الجاه والدنيا – فصار يلبس الملابس الجميلة ويعتني بهيئته، ويحب مشاهدة البحر في الأصيل، بل وكان له جواز بالبهنسا يذهب إليهن فيغنين له بالدف والشبابة فيراقصهن ويتواجد (3) .
ويعلق المناوي على هذا الانحراف المكشوف بقوله: (ولكل قوم مشرب، ولكل مطلب، وليس سماع الفساق كسماع سلطان العشق) (4) .
قلت: إن لم يكن الرقص مع النساء على أنغام الموسيقى فسقاً وانحرافاً عن الجادة فأخبرونا ما هو الفسق في دين هؤلاء الناس.
توفي ابن الفارض سنة (632هـ) وله من العمر ست وخمسون سنة (5) .
... يقول مؤرخ أهل السنة الحافظ الذهبي عن ابن الفارض:
(صاحب الاتحاد الذي ملأ به التائية... فإن لم يكن في تلك العقيدة صريح الاتحاد الذي لا حيلة في وجوده فما في العالم زندقة ولا ضلال، اللهم ألهمنا التقوى وأعذنا من الهوى، فيا أئمة الدين ألا تغضبون لله؟ فلا حول ولا قوة إلا بالله...) (6) .
ووصفه في الميزان (7) فقال: (ينعق بالاتحاد الصريح في شعره، وهذه بلية عظيمة فتدبر نظمه ولا تستعجل، ولكنك حسن الظن بالصوفية، وما ثم إلا زي الصوفية وإشارات مجملة، وتحت الزي والعبارة فلسفة وأفاعي، فقد نصحتك. والله الموعد).
ونص شيخ الإسلام ابن تيمية على أن ابن الفارض من أهل الإلحاد القائلين بالحلول والاتحاد ووحدة الوجود (8) .
يقول الحافظ: (وقد كنت سألت شيخنا الإمام سراج الدين البلقيني عن ابن عربي فبادر الجواب بأنه كافر، فسألته عن ابن الفارض فقال: لا أحب أن أتكلم فيه. قلت: فما الفرق بينهما والموضع واحد وأنشدته من التائية فقطع على بعد إنشاد عدة أبيات بقوله: هذا كفر هذا كفر) (9) .
ونسبه البقاعي إلى أهل وحدة الوجود (10) ، وذكر في كتابه الآخر (11) أن ابن الفارض: قد رماه بالزندقة بشهادة الكتب الموثوق بها نحو من أربعين عالماً هم دعائم الدين من عصره إلى عصرنا).
وجملة القول أن ابن الفارض من الغلاة الموغلين في وحدة الوجود وإن كان يطلق عليها في العديد من قصائده لفظ (الاتحاد).
وفيما يلي أمثلة من تائيته المشهورة بنظم السلوك، يقول:
(ولم أله باللاهوت عن حكم مظهري ولم أنس بالناسوت مظهر حكمتي...
وقد جاءني مني رسول عليه ما عنت عزيز بي حريص لرأفة
ومن عهد عهدي قبل عصر عناصري إلى دار بعث قبل إنذار بعثة
إلي رسولا كنت مني مرسلا وذاتي بآياتي علي استدلت) (12) .
في هذا المقطع من التائية يقرر ابن الفارض بلوغه مرتبة الكمال الصوفي الذي يستولون عليه بالقدرة على ملاحظة الفرق والجمع في وقت واحد، فيقول: إنه لم ينشغل باللاهوت – الذي هو الجمع هنا – الذي هو الجمع هنا – عن حكم المظاهر والتعينات والتجليات، ولا بالناسوت – الذي هو الفرق هنا – عن مظهر الحكمة، ثم يصل إلى الاتحاد التام فيقول: إن الرسول جاء منه إليه وهو نفسه الرسول، وهذا لا يتأتى إلا بتجريد القول بوحدة الوجود.
يقول القاشاني في شرحه: (فالذات الإلهية باعتبار التجرد والابتداء تكون مرسلاً، وباعتبار تلبسها بلباس النفس تكون مرسلاً إليها).
ويقول الشيخ عبد الرحمن الوكيل: (فابن الفارض يزعم هنا أنه منذ القدم كان الله، ثم تلبس بصورة النفس، فأرسل بصفته وجوداً متجرداً رسولاً إلى نفسه بصفته وجوداً مقيداً بالتعين، فهو الرسول، والمرسل والمرسل إليه، كان كذلك حتى وهو في غاية الأزل)
اليوم في 19:59 من طرف Admin
» كتاب: إيثار الحق على الخلق ـ للإمام عز الدين محمد بن إبراهيم بن الوزير الحسنى
اليوم في 19:56 من طرف Admin
» كتاب: الذين رأوا رسول الله في المنام وكلّموه ـ حبيب الكل
اليوم في 19:51 من طرف Admin
» كتاب: طيب العنبر فى جمال النبي الأنور ـ الدكتور عبدالرحمن الكوثر
اليوم في 19:47 من طرف Admin
» كتاب: روضة الأزهار فى محبة الصحابة للنبي المختار ـ الدكتور عبدالرحمن الكوثر
اليوم في 19:42 من طرف Admin
» كتاب: دلائل المحبين فى التوسل بالأنبياء والصالحين ـ الشيخ فتحي سعيد عمر الحُجيري
اليوم في 19:39 من طرف Admin
» كتاب: ريحانة الارواح في مولد خير الملاح لسيدي الشيخ علي أمين سيالة
اليوم في 19:37 من طرف Admin
» كتاب: قواعد العقائد فى التوحيد ـ حجة الإسلام الإمام الغزالي
اليوم في 19:35 من طرف Admin
» كتاب: سر الاسرار باضافة التوسل ـ الشيخ أحمد الطيب ابن البشير
اليوم في 19:33 من طرف Admin
» كتاب: خطوتان للحقيقة ـ الأستاذ محمد مرتاض ــ سفيان بلحساين
اليوم في 19:27 من طرف Admin
» كتاب: محمد صلى الله عليه وسلم مشكاة الأنوار ـ الشيخ عبدالله صلاح الدين القوصي
اليوم في 19:25 من طرف Admin
» كتاب: النسمات القدوسية شرح المقدمات السنوسية الدكتور النعمان الشاوي
اليوم في 19:23 من طرف Admin
» كتاب: المتمم بأمر المعظم صلى الله عليه وآله وسلم ـ الشيخ ناصر الدين عبداللطيف ناصر الدين الخطيب
اليوم في 19:20 من طرف Admin
» كتاب: الجواهر المكنونة فى العلوم المصونة ـ الشيخ عبدالحفيظ الخنقي
اليوم في 19:16 من طرف Admin
» كتاب: الرسالة القدسية في أسرار النقطة الحسية ـ ابن شهاب الهمداني
اليوم في 19:09 من طرف Admin