( 52 ) فهمّي وفهمي ذا عليك وفيك ذا ..... وجدّي ووجدي زآئد ومتابع
المفردات :
فهمّي : الهمّ وهو قبلة نظر القلب عند الجيلي ، يقول في [ الإنسان الكامل ج 2 / ص 14 ] : “ إن وجه القلب يكون دائما إلى نور في الفؤاد يسمى الهمّ وهو محل نظر القلب ،
( و ) الهم لا يكون له في القلب جهة مخصوصة .
فمن الناس من يكون همّه أبدا إلى فوق كالعارفين .. ويكون معنى “ فهمّي عليك “ ، أي لا يتوجه قلبي إلا إليك .
وفهمي : من الفهم ، وقد اختصر الصوفية موقف الإنسان العقلي بالفهم . يقول إبراهيم الخواص [ اللمع 298 ] : “ والفهم صفوة العقل “ .
والمحاسبي في كتابه “ ماهية العقل وفهم القرآن “ يبيّن أن الفهم هو الظاهرة العقلية الأهمّ . وفي رأيي أن هذا الموقف الصوفي مفهوم ،
لأن الصوفي لا يستنبط علومه عقليا ؛ بل هو يقف أمام نص ليفهمه أو يقف أمام إلهام أو وارد ليفهمه
وجدّي : واجتهادي ونشاطي .
ووجدي : وما أجده من شدة غرامي [ راجع : وجد فى شروحات البيت رقم 19]
"" وجد في شروحات البيت رقم 19 : الوجد - لغة - هو عذاب الحب والهيام .
والوجد عند الصوفيين يطلق على كل ما صادف قلب الإنسان دون تعمّد أو تكلّف من فزع أو غمّ أو رؤية معنى أو كشف حالة .
والوجد عندهم على مراتب ، وأكثر ما يرد على قلب الإنسان في حال الذكر .
فالروح تلتذ بالذكر ، ولكن عندما يشتد استغراقها فيه تغشى ، وغشيان الروح هذا من غلبة الذكر والشوق يسمونه الوجد . ""
زائد : يتزايد دائما .
متابع : يتتابع دون انقطاع ، مستمر دائم
المعنى :
يخاطب الجيلي محبوبه شارحا كلية انشغاله به ، فيقول :
قلبي لا يتوجه نظره إلا إليك ، وعقلي لا ينشغل فهمه إلا فيك .
وهذا حال عقلي وقلبي وهو حال مستمر دائما متتابع لا يفتر ، بل على العكس يتزايد اجتهادي في الوصول إليك ويتتابع غرامي وشوقي إليك دون انقطاع
( 53 ) وعزمي وزعمي أنّه فوق كلّ ما ..... يراد ، وظنّي إنّما هو نافع
المفردات :
وعزمي : العزم هو عقد النية وإرادة الفعل .
وزعمي : الزعم هو القول يكون حقا أو باطلا .
المعنى :
يقول الجيلي رغم أن جده ووجده يتزايد ويتتابع باستمرار إلا أنه يعلم يقينا أن محبوبه لا يطال ويعلو على كل مراد . لكن ومع أن محبوبه لا يطال إلا أن الظن ينفع صاحبه ،
لقوله تعالى في الحديث القدسي : “ أنا عند ظن عبدي فليظن بي ما شاء “
( 54 ) تسامر عيناي السّها بسهادها ..... وتسأل ، بل ما سال الّا المدامع
المفردات :
تسامر : من السمر ، وهو حديث الليل خاصة .
السها : كويكب صغير خفي الضوء يمتحن الناس به أبصارهم .
بسهادها : السهاد هو الأرق وعدم النوم ، والسهر من أركان الطريق عند المتصوفين ، يقول المكي : بني طريقنا على أربع : الجوع والسهر والصمت والعزلة .
المعنى :
يبدأ الجيلي بوصف سهره ، فيقول ؛ أسهر الليل أتحدث إلى كويكب السها ، أسائله عن محبوبي ، بل أبكي له بدموعي السائلة . وفي البيت طباق لطيف بين سأل وسال ، وبين سائل بمعنى مستفهم وسائل بمعنى جار
( 55 ) ويرقب مني الطّيف جفني دجنّة ..... وكم زاره طيف وما هو هاجع
المفردات :
ويرقب : بمعنى يراقب ، والمراقبة في لغة المتصوفين هي حال يحصّلونه بعد المحاسبة ، يتلخّص بأن يراقب الإنسان قلبه فلا يدعه يغفل لحظة عن العلم بأن اللّه مطّلع عليه في جميع أحواله .
الطّيف : الخيال .
دجّنّة : ظلمة .
هاجع : نائم ، والهجوع هو النوم ليلا .
المعنى :
يتابع الجيلي تصوير سهره ، فيقول ؛ يترقب طيفي انطباق ظلمة الليالي على الكون ، ينام الناس ويسهر هو [ أي طيف الجيلي ] مراقبا أطياف زائريه التي تجده صاحيا فتمدّه بالعطاء ، ويتلقّى عنها
( 56 ) ويخبرني عنك الصّبا وهو جاهل ..... فتلتذّ من أخباركم لي مسامع
المفردات :
الصبا : نسيم تغنّى به الشعراء .
مسامع : جمع . مسمع ، وهو مدخل الكلام في الأذن . والجدير بالذكر أن المسامع عند الجيلي نراها تتمتع بإرادة مستقلة وها هي هنا تلتذ بذكر المحبوب كما كانت في البيت ( رقم 43 ) صماء عن كل لوم .
المعنى :
الصوفي ملتهب المشاعر فيما يختص بمحبوبه ، وقد وقف عليه كل حواسه يسمع به وعنه وله فقط ، ويلتذ سمعه بكلامه إذا حضر وبذكره إذا غاب.
حتى قال ابن الفارض : “ كلامه وكلام عنه يطربني “ .
والجيلي هنا يفهم أخبار محبوبه من النسيم ، فتلتذ مسامعه وينتشي من ذكر حبيب حمله النسيم وهو لا يعلم بما يحمل.
( 57 ) إذا زمزمت ورق على غصن بانة ..... وجاوب قمريّ على الأيك ساجع
المفردات :
زمزمت : الزمزمة هي صوت خفي لا يكاد يفهم ، والعصفور يزمّ بصوت له ضعيف.
ورق : جمع . ورقاء وهي الحمامة ذات السمرة .
بانة : البان شجر يسمو ويطول ، واحدته بانة .
قمري : طائر يشبه الحمام القمر البيض .
الأيك : الشَّجر الكثير الملتفّ . نوع من الشجر .
ساجع : سجع الحمام بمعنى هدل .
المعنى :
انظر معنى البيت اللاحق "" إذا زمزمت ورق أو جاوب قمري فأذن الجيلي لم تسمع أصواتا بل سمعت معنى العشق الذي تبادله هذان الطائران في هديلهما .
وإن كان سمع الجيلي يتجاوز رنين الصوت إلى معنى العشق الموجود في هديل الطائرين . ولا يكون سماعه لمعنى العشق مصدره الطير بل يسمع من المحبوب نفسه وليس من الطير. ""
( 58 ) فأذني لم تسمع سوى نغمة الهوى ..... ومنكم فإنّي لا من الطّير سامع
المفردات :
لم تسمع : إشارة إلى السمع والسماع عند المتصوفين ، فالصوفي يتواجد عند سماعه صوتا ويخرج بوجده من المقيّد إلى المطلق ، أي من الكون إلى اللّه عزّ وجلّ .
فقد يسمع مثلا منشدا أو قوّالا يناجي حبيبته ويناديها ، فيرتفع بالمعاني من المخلوقات إلى الخالق ، ويسمو بسماعه حتى لا يبقى إلا مخاطب ومخاطب .
بمعنى أنه يسمع المعاني وكأنها ترد عليه من الحق ، أو يسمع المعاني كأنه هو الذي يخاطب بها الحق .
المعنى :
إذا زمزمت ورق أو جاوب قمري فأذن الجيلي لم تسمع أصواتا بل سمعت معنى العشق الذي تبادله هذان الطائران في هديلهما .
وإن كان سمع الجيلي في الشطر الأول تجاوز رنين الصوت إلى معنى العشق الموجود في هديل الطائرين .
فالجيلي في الشطر الثاني يرفض أن يكون سماعه لمعنى العشق مصدره الطير بل هو يسمع من المحبوب نفسه وليس من الطير
( 59 ) ومن أيّ أين كان ، إن هبّ ضائع ..... فلي فيه من عطر الغرام بضائع
المفردات :
أين : الأين شجر حجازي واحدته أينة .
والأين أيضا : المكان .
إن هبّ ضائع : إن تضوّعت وانتشرت ريح طيبة .
المعنى :
كلما انتشرت ريح طيبة فإنها لا تقيّد مشامّ الجيلي ، بل يتجاوزها إلى الأخذ عن محبوبه . فهو لم يشم عطر الريح الطيبة ، بل شمّ منها عطر حبّه لمحبوبه .
( 60 ) وإن زمجر الرّعد الحجازيّ بالصّفا ..... وأبرق من شعبي جياد لوامع
المفردات :
الصفا : مكان مرتفع من جبل أبي قبيس بينه وبين المسجد الحرام عرض الوادي [ م . البلدان 3 / 411 - 412 ] .
شعبي جياد : مفردها شعب وهي الطريق بين الجبلين ، وجياد جبل معروف بمكة [ راجع . م . البلدان 2 / 195 ] .
لوامع : جمع . اللمع وهو البرق .
المعنى :
إذا سمع الجيلي زمجرة الرعد الحجازي في الصفا ، أو شاهد التماع البرق من شعبي جبل جياد ، يصوّر له الوهم أن الرعد هو ثناء على المحبوب ومديح له ،
ويخيل له أيضا أن البرق هو التماع ثنايا المحبوب [وانظر معنى البيت اللاحق] .
"" إذا سمع الجيلي زمجرة الرعد يصوّر له خياله أن الرعد هو ثناء على المحبوب ومديح له ، ويخيل له أيضا أن البرق هو التماع ثنايا المحبوب .
ولعل سماع الجيلي للرعد على أنه مديح وثناء نجد مرجعه في الآية الكريمة: "وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ" [ الرعد : 13 ] .
أما النور واللوامع فاللّه عزّ وجلّ هو نور السماوات والأرض ولا عجب إن ذكّر كل نور مخلوق بالنور القديم الأزليّ ""
( 61 ) يصوّر لي الوهم المخيّل أنّ ذا ..... ثناك ، وهذا من ثناياك ساطع
المفردات :
ثناك : الثناء هو المدح .
ثناياك : واحدتها ثنية من السن ، وثنايا الإنسان في فمه هي الأربع التي في مقدم فيه ؛ ثنيّتان من فوق ، وثنيتان من أسفل .
المعنى :
إذا سمع الجيلي زمجرة الرعد الحجازي في الصفا ، أو شاهد التماع البرق من شعبي جبل جياد ، يصوّر له الوهم أن الرعد هو ثناء على المحبوب ومديح له ، ويخيل له أيضا أن البرق هو التماع ثنايا المحبوب .
ولعل سماع الجيلي للرعد على أنه مديح وثناء نجد مرجعه في الآية الكريمة: "وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ" [ الرعد : 13 ] . . .
أما النور واللوامع فاللّه عزّ وجلّ هو نور السماوات والأرض ولا عجب إن ذكّر كل نور مخلوق بالنور القديم الأزليّ
( 62 ) فأسمع عنكم كلّ أخرس ناطقا ..... وأبصركم في كلّ شيء أطالع
المعنى :
يسمع الجيلي كل أخرس ناطقا بكمالات محبوبه ، بمعنى أنه يسمع ما هو أخرس في حكم الظاهر كالجماد والنبات وهو يخبره عن كمال محبوبه وجماله وجلاله .
وفي ذلك إشارة إلى قوله تعالى :"وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ"[ الإسراء : 44 ] .
كما أنه يبصر وجه محبوبه في كل ما ينظر إليه .
وله في الآية الكريمة مرجع وسند .
قال تعالى :"فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ" [ البقرة : 115] .
اليوم في 18:19 من طرف Admin
» كتاب: عمر السيدة عائشة رضى الله عنها يوم العقد والزواج الدكتور صلاح الإدلبي
اليوم في 16:55 من طرف Admin
» كتاب: علماء سلكو التصوف ولبسو الخرقة ـ إدارة موقع الصوفية
اليوم في 16:52 من طرف Admin
» كتاب: روضة المحبين فى الصلاة على سيد الأحبة ـ الحبيب محمد بن عبدالرحمن السقاف
اليوم في 16:49 من طرف Admin
» كتاب: مجالس ابن الجوزي في المتشابه من الآيات القرآنية ـ الشيخ باسم مكداش
اليوم في 16:42 من طرف Admin
» كتاب: فضائل فاطمة الزهراء ـ الشيخ باسم مكداش
اليوم في 16:40 من طرف Admin
» كتاب: الدرر البهية بفضائل العترة النبوية ـ الشيخ باسم مكداش
اليوم في 16:38 من طرف Admin
» كتاب: إرشاد الجاهلين إلى الآيات الواردة في حق أهل البيت ـ الشيخ باسم مكداش
اليوم في 16:34 من طرف Admin
» كتاب: حياة الإنسان الشيخ عبدالحميد كشك
اليوم في 16:30 من طرف Admin
» كتاب: لبس الخرقة في السلوك الصوفي ـ يوسف بن عبد الهادي
اليوم في 16:27 من طرف Admin
» كتاب: تنبيه السالكين إلى غرور المتشيخين للشيخ حسن حلمي الدغستاني
أمس في 20:03 من طرف Admin
» كتاب: مطالع اليقين في مدح الإمام المبين للشيخ عبد الله البيضاوي
أمس في 20:02 من طرف Admin
» كتاب: الفتوحات القدسية في شرح قصيدة في حال السلوك عند الصوفية ـ الشيخ أبي بكر التباني
أمس في 19:42 من طرف Admin
» كتاب: الكلمات التي تتداولها الصوفية للشيخ الأكبر مع تعليق على بعض ألفاظه من تأويل شطح الكمل للشعراني
أمس في 19:39 من طرف Admin
» كتاب: قاموس العاشقين في أخبار السيد حسين برهان الدين ـ الشيخ عبد المنعم العاني
أمس في 19:37 من طرف Admin